بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله الطاهرين واللعنة على أعدائهم الى يوم الدين ..
كثيراً ماتثار الشبهات من قبل المخالفين حول قضية الصلح بين معاوية والحسن عليه السلام معتبرينه اعترافاً منه بكفاءة معاوية ومخالفة صريحة لنهج أبيه وأخيه عليهما السلام ..وفي هذا كل الباطل وماسببه الا نقص الاطلاع والتفكير ..
لذلك سنفرد هذا البحث المفصل الذي سيجيب عن الأسئلة المطروحة من قبل الطرف المخالف وقد أعددته بنفسي وجمعته من عدة مصادر وجعلتها في موضوع واحد لتعم الفائدة وأرجو من كل راغب بالحق والمعرفة سواء من الشيعة أو السنة الاطلاع عليه باخلاص وتمعن وتفكير وتعقل قبل اصدار الاحكام جزافاً وأن يتحمل طول البحث فالباحث عن الحق يبذل في معرفته كل غال ورخيص ..
ونتذكر أولاً قول رسول الله صلى الله عليه وآله :
" الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا" ، " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة "
فالرجاء النظر بعين حيادية بعيدة عن التعصب وقراءة التفاصيل بدقة ففيه جواب على كل سؤال..
وقبل أن نبدأ البحث أطلب من كل قارئ أن يسأل نفسه سؤالاً ويقف عنده ويفكر فيه بضمير ..
طالما الناس قد بايعوا الحسن عليه السلام ..لماذا يسلم البيعة لغيره الا إن وجد أن غيره ينافسه فيها بالحرب والجيوش وكلنا مجمعون ان الصلح كان درأً للفتنة فأي فتنه هذه ؟؟ أليس سببها ان معاوية كان يريد البيعة لنفسه وسيحارب لأجلها ؟؟ فهل يجد نفسه أحق من حفيد الرسول وخاصة بعد أن بايعه المسلمون!
لماذا يحارب الحسن عليها السلام الا لأجل طمعه في السلطة والحكم ؟..وهذا يكشف عن حقيقة حربه لأمير المؤمنين أنها كانت لنفس السبب وليس دم عثمان كما يفترون ..
نأتي الان لنطرح أسئلة الطرف المخالف ...
السؤال الأول الموجه من الطرف المخالف :
ان كان الامام الحسن عليه السلام معصوم فلماذا اختار الصلح مخالفاً لأبيه عليه السلام الذي اختار قبله حرب معاوية؟
نقول :
العصمة لا تعني اتخاذ نفس القرار في كل الظروف بل اتخاذ القرار المناسب حسب ماتقضيه الظروف المحيطة ..
والصواب هو ماتقتضيه مصلحة الاسلام والمسلمين أولاً وآخراً..
ولتوضيح الموقف نستدل بموقف رسول الله صلى الله عليه وآله في صلح الحديبية الذي عارضه فيه معظم الصحابة واحتجوا عليه لا وبل أساؤوا التصرف معه ..فالرسول في وقتها لم يجد أن الحرب كانت في صالح المسلمين حينها وقبل بشروط كفار قريش لمايراه من مصلحة للمسلمين آنذاك ..فهل الرسول صلى الله عليه وآله ناقض نفسه باتخاذ قرار الصلح في حين أنه حارب المشركين في مواطن أخرى ..
لننظر الآن قليلاً في صلح الحديبية ونرى وجه التشابه بين موقف الامام وجده عليهما الصلاة والسلام ..
الجامع الصحيح المختصر المؤلف : محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي الناشر : دار ابن كثير ، اليمامة – بيروت الطبعة الثالثة ، 1407 – 1987 تحقيق : د. مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة - جامعة دمشق عدد الأجزاء : 6 مع الكتاب : تعليق د. مصطفى ديب البغاصحيح البخاري [ جزء 2 - صفحة 967 ]ح2564 كتاب الشروط ، باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة ( حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير : أنه سمع مروان والمسور بن مخرمة رضي الله عنهما يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه . فكره المؤمنون ذلك وامتعضوا منه وأبى سهيل إلا ذلك فكاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فرد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو ولم يأته أحد من الرجال إلا رده ...).
وما صدر من اعتراض من السلفي هو عينه الاعتراض الذي حدث من عمر ومن هم على شاكلته في مثل هذا الحادثة :
صحيح البخاري [ جزء 2 - صفحة 974 ] ح 2581 كتاب الشروط ، باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة (...فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به ) . فقال سهيل والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة ولكن ذلك من العام المقبل فكتب فقال سهيل وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا . قال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنا لم نقض الكتاب بعد ) . قال فوالله إذا لم أصالحك على شيء أبدا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( فأجزه لي ) . قال ما أنا بمجيزه لك قال ( بلى فافعل ) . قال ما أنا بفاعل قال مكرز بل قد أجزناه لك قال أبو جندل أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما قد لقيت ؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله
قال فقال عمر بن الخطاب فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت ألست نبي الله حقا ؟ قال ( بلى ) . قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال ( بلى ) . قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ؟ قال ( إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري ) . قلت أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ؟ قال ( بلى فأخبرتك أنا نأتيه العام ) . قال قلت لا قال ( فإنك آتيه ومطوف به ) . قال فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ؟ قال أيها الرجل إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق ؟ قلت أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به قال بلى أفأخبرك أنك تأتيه العام ؟ قلت لا قال فإنك آتيه ومطوف به
فكما نعرف أن الرسول صلى الله عليه وآله وقع الصلح رغم شروط الكفار القاسية وقبل به لما رآه أنه هو الصواب .وقراره لم يعجب كثيراً من الصحابة واعترضوا عليه تماماً كما حصل من اعتراض على قرار الحسن عليه السلام لأن الصحابة والناس لايعلمون المصلحة الحقيقية كما يعلمها الرسول أو الامام عليهما الصلاة والسلام
الإمام الحسن عليه السلام ما كان منه مبايعة بل مصالحة والدليل أنه اشترط على معاوية شروطا والمبايعة تكون بالتسليم للمبايع له بالطاعة والتضحية ...ما لم يكن منه عصيانا ـ مفهومها السني ـ
وقد كانت تلك المصالحة منه بشروط عديدة ووثائق
المستدرك على الصحيحين المؤلف : محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى ، 1411 – 1990 تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا عدد الأجزاء : 4 مع الكتاب : تعليقات الذهبي في التلخيص [ جزء 3 - صفحة 191 ]ح4808 ( قال سفيان : و كانت له صحبة فصالح الحسن معاوية و سلم الأمر له و بايعه بالخلافة على شروط و وثائق ) وتاريخ الإسلام للذهبي [ جزء 1 - صفحة 498 ]
والمصالحة هو ما فعله الإمام الحسن عليه السلام ـ وقد كان الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية ...بل ما فعل ذلك إلا مضطرا فقد طعن بالخنجر وقل ناصره وكثرت أعداؤه ...حتى صارت المصالحة وحقن الدماء أمرا محتما لا بد منه وفيه امتثال لأمر النبي الأعظم بالمصالحة حتى تحقن الدماء..وسنأتي على تفصيل ذلك لاحقاً من ذكر شروط البيعة ونقض معاوية لها ومن الظروف المحيطة بالامام الحسن عليه السلام والتي من خلالها قدر أن الصلح هو الحل الأصح في تلك الفترة ..
السؤال الثاني :
إن كان الحسن عليه السلام يعتبر معاوية كافراً فكيف يسلمه حكم المسلمين ؟؟
الجواب على هذا الاشكال بسيط :
قال تعالى في سورة يوسف
"وقال الملك أئتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال أنك اليوم لدينا مكين أمين "*54 *
"قال أجعلني على خزائن ألأرض أني حفيظ عليم" *55 *
هذا هو نبي الله يوسف عليه السلام وقد أجمعت الأمة الأسلاميه على عصمة انبياء الله جميعا
وقد أصبح وزيرا لفرعون وكان بمايسمى في زمانه (عزيز مصر) وقد طلب ان يكون المتولي على خزائن ألأرض ولم يجبر على هذا العمل تحت أمرة الكافر(فرعون)بل كان بطلب منه عليه السلام لما أعتقده من المصلحة في توليه لهذا المنصب فعمل تحت أمره وهو سامع مطيع ولم ينافي ذلك عصمته بل ان الله تعالى امتدح فعله هذا ,أظهر بأنه هو من قدر وأراد ليوسف ع ان يكون بهذا المكان فقال تعالى
"وكذلك مكنا ليوسف في ألأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولانضيع أجر المحسنين "*56* يوسف
وكذلك مما يثبت انه كان يعمل بأوامر الملك ولايخالفها ووفقا لدين الملك المخالف لدين نبي الله يوسف ع
قوله تعالى
"فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم أستخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ماكان ليأخذ أخاه في(دين الملك) ألا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم *76*
هذا هو الحال من قبل نبي معصوم أمتدحه الله في كثير من آيات كتابه بل وصفه بأنه من عبادنا المخلصين
عمل وزيرا لملك كافر بشهادة القرآن الكريم لما رآى المصلحه تقتضي هذا العمل والنتيجه ان هذا العمل لا يحط من قدره اومن عصمته
وكذلك كان ألأمام الحسن ع أماما معصوما رأى المصلحه في حقن دماء المسلمين ووحدتهم فتنازل لمعاويه الذي هو في الظاهر مسلما يشهد ان لااله الا الله وأن محمدرسول الله
وتنازله كان عن كرسي الخلافة وليس عن الامامة التي بقيت بيد الامام المجتبى ومن تبعه من شيعته
فمن تبع معاوية فهو يتحمل نتائج تبعته له وليس الحسن عليه السلام
ومن تبع الحسن بالمقابل فله نتائج تبعته..
ولاحظ الفارق بين طلب يوسف للأستيزار برغبة منه وبين تنازل ألأمام الحسن ع لمعاويه مضطرا
كذلك لاحظ ان يوسف ع عمل وزيرا لملك كافر يسمع له ويطيع والأمام الحسن لم يكن إلا فردا من أفراد الرعيه فلم يطلب أمارة أو وزاره بل أشترط على معاويه شروطا وقع عليه الأثنان فيهما للمسلمين الخير والصلاح .....وما ان تمكن معاويه حتى جعل هذه الشروط تحت قدميه (ومن نكث فأنما ينكث على نفسه )
ونبي الله يوسف على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام لم يعطِ شرعية لما كان عاملا في دولة عزيز مصر أ ليس كذلك؟ بل ولم تنتفِ إمامة نبي الله إبراهيم على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام بعدم حكمه ومثله في ذلك نبي الله يونس ....عليهم السلام
ولو كان الإمام الحسن عليه السلام يرى شرعية لمعاوية في الحكم ما حاربه معاوية وقاتله وهو سيد شباب أهل الجنة
ما هي أسباب الصلح ..؟؟
من لديه أدنى اطلاع على الظروف السائدة آنذاك
يدرك تماماً أن المسلمين كانوا على حافة الهاوية من النزاع والصراعات والفتن
لا شك أن الظروف تتحكم بدرجة كبيرة في اتخاذ القرار، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن القرار السياسي يؤسس على حسابات الظروف القائمة والمتوقعة حتى مع توفر أسبابه الموضوعية الأخرى، ولذلك فإن هذه المسألة شكلت ظاهرة طبيعية حتى في قرارا الرسول (صلّى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) الظروف غير المؤاتية هي التي أجلت قرار الحرب عند الرسول مثلاً، في حين أصبح تغيّر بعض الظروف سبباً في الانتقال إلى المواجهة العسكرية مع الكفار، وهكذا مع الإمام علي (عليه السلام) أيضاً.
فالظروف مرة تكون بهيئة عوامل مساعدة لاتخاذ القرار، ومرة أخرى تكون بهيئة معوقات ضد القرار، ومن هنا يمكن تقسيمها إلى نوعين.. ظروف سلبية وأخرى إيجابية.
الظروف السلبية
وهي تلك العوامل والتغيرات التي حصلت في الواقع القائم والتي كانت لغير صالح اتخاذ قرار الحرب من قبل الإمام الحسن (عليه السلام) ومنها:
1ـ عدم توفر الحشد العسكري المؤمن الذي يكافئ جيش معاوية ويتفوق عليه، ويمكن أن تلمس ذلك وبدقة من خلال قول الإمام (عليه السلام) نفسه حيث قال: (والله ما سلمت الأمر إليه إلا أني لم أجد أنصاراً، ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري) .
2ـ فقدان وحدة الرأي في جيش الإمام. إذ أن أخطر مظاهر تفكك الجيش هي توزع الرأي على عدة اتجاهات، ولما كان جيش الإمام الحسن خليط من مختلف الاتجاهات والفئات، فإن دخول المعركة بجيش تحكمه الاجتهادات المتنوعة والآراء المختلفة وعدم انضباطه بالقرار المركزي للقيادة هو أشبه بعملية الانتحار، ولذلك نجد أن الإمام الحسن (عليه السلام) لا يعتبر أن أهل الكوفة مؤهلين كي يدخل المعركة بهم.. يقول (عليه السلام): (إني رأيت أهل الكوفة قوماً لا يوثق بهم، وما اغتر بهم إلا من ذل، ليس رأي أحد منهم يوافق الآخر) .
3ـ تواطؤ كثير من أفراد الجيش مع معاوية، حيث كتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية: (فإنا معك وإن شئت أخذنا الحسن وبعثناه إليك) .
4ـ سريان الفتن والإشاعات داخل صفوف الجيش بسبب نفوذ الدعايات التي يبثها معاوية في أوساط جيش الإمام الحسن كجزء من الحرب النفسية لتثبيط عزيمة الجيش وتفكيكه من الداخل، منها على سبيل المثال تلك الشائعة التي سرت قبل أن يصالح الإمام الحسن (عليه السلام) معاوية والتي مفادها (إن الحسن يكاتب معاوية على الصلح، فلم تقتلون أنفسكم) .
5ـ تمايل الجيش نحو الصلح وعدم رغبته في القتال، حيث أن الحرب النفسية التي شنها معاوية عن طريق شراء الذمم وتجنيد الخونة أدت إلى تثاقل الأفراد، وهروب بعضهم إلى جانب معاوية ممّا أدى إلى خلخلة الجيش من الداخل.
والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله الطاهرين واللعنة على أعدائهم الى يوم الدين ..
كثيراً ماتثار الشبهات من قبل المخالفين حول قضية الصلح بين معاوية والحسن عليه السلام معتبرينه اعترافاً منه بكفاءة معاوية ومخالفة صريحة لنهج أبيه وأخيه عليهما السلام ..وفي هذا كل الباطل وماسببه الا نقص الاطلاع والتفكير ..
لذلك سنفرد هذا البحث المفصل الذي سيجيب عن الأسئلة المطروحة من قبل الطرف المخالف وقد أعددته بنفسي وجمعته من عدة مصادر وجعلتها في موضوع واحد لتعم الفائدة وأرجو من كل راغب بالحق والمعرفة سواء من الشيعة أو السنة الاطلاع عليه باخلاص وتمعن وتفكير وتعقل قبل اصدار الاحكام جزافاً وأن يتحمل طول البحث فالباحث عن الحق يبذل في معرفته كل غال ورخيص ..
ونتذكر أولاً قول رسول الله صلى الله عليه وآله :
" الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا" ، " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة "
فالرجاء النظر بعين حيادية بعيدة عن التعصب وقراءة التفاصيل بدقة ففيه جواب على كل سؤال..
وقبل أن نبدأ البحث أطلب من كل قارئ أن يسأل نفسه سؤالاً ويقف عنده ويفكر فيه بضمير ..
طالما الناس قد بايعوا الحسن عليه السلام ..لماذا يسلم البيعة لغيره الا إن وجد أن غيره ينافسه فيها بالحرب والجيوش وكلنا مجمعون ان الصلح كان درأً للفتنة فأي فتنه هذه ؟؟ أليس سببها ان معاوية كان يريد البيعة لنفسه وسيحارب لأجلها ؟؟ فهل يجد نفسه أحق من حفيد الرسول وخاصة بعد أن بايعه المسلمون!
لماذا يحارب الحسن عليها السلام الا لأجل طمعه في السلطة والحكم ؟..وهذا يكشف عن حقيقة حربه لأمير المؤمنين أنها كانت لنفس السبب وليس دم عثمان كما يفترون ..
نأتي الان لنطرح أسئلة الطرف المخالف ...
السؤال الأول الموجه من الطرف المخالف :
ان كان الامام الحسن عليه السلام معصوم فلماذا اختار الصلح مخالفاً لأبيه عليه السلام الذي اختار قبله حرب معاوية؟
نقول :
العصمة لا تعني اتخاذ نفس القرار في كل الظروف بل اتخاذ القرار المناسب حسب ماتقضيه الظروف المحيطة ..
والصواب هو ماتقتضيه مصلحة الاسلام والمسلمين أولاً وآخراً..
ولتوضيح الموقف نستدل بموقف رسول الله صلى الله عليه وآله في صلح الحديبية الذي عارضه فيه معظم الصحابة واحتجوا عليه لا وبل أساؤوا التصرف معه ..فالرسول في وقتها لم يجد أن الحرب كانت في صالح المسلمين حينها وقبل بشروط كفار قريش لمايراه من مصلحة للمسلمين آنذاك ..فهل الرسول صلى الله عليه وآله ناقض نفسه باتخاذ قرار الصلح في حين أنه حارب المشركين في مواطن أخرى ..
لننظر الآن قليلاً في صلح الحديبية ونرى وجه التشابه بين موقف الامام وجده عليهما الصلاة والسلام ..
الجامع الصحيح المختصر المؤلف : محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي الناشر : دار ابن كثير ، اليمامة – بيروت الطبعة الثالثة ، 1407 – 1987 تحقيق : د. مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة - جامعة دمشق عدد الأجزاء : 6 مع الكتاب : تعليق د. مصطفى ديب البغاصحيح البخاري [ جزء 2 - صفحة 967 ]ح2564 كتاب الشروط ، باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة ( حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير : أنه سمع مروان والمسور بن مخرمة رضي الله عنهما يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه . فكره المؤمنون ذلك وامتعضوا منه وأبى سهيل إلا ذلك فكاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فرد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو ولم يأته أحد من الرجال إلا رده ...).
وما صدر من اعتراض من السلفي هو عينه الاعتراض الذي حدث من عمر ومن هم على شاكلته في مثل هذا الحادثة :
صحيح البخاري [ جزء 2 - صفحة 974 ] ح 2581 كتاب الشروط ، باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة (...فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به ) . فقال سهيل والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة ولكن ذلك من العام المقبل فكتب فقال سهيل وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا . قال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنا لم نقض الكتاب بعد ) . قال فوالله إذا لم أصالحك على شيء أبدا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( فأجزه لي ) . قال ما أنا بمجيزه لك قال ( بلى فافعل ) . قال ما أنا بفاعل قال مكرز بل قد أجزناه لك قال أبو جندل أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما قد لقيت ؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله
قال فقال عمر بن الخطاب فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت ألست نبي الله حقا ؟ قال ( بلى ) . قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال ( بلى ) . قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ؟ قال ( إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري ) . قلت أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ؟ قال ( بلى فأخبرتك أنا نأتيه العام ) . قال قلت لا قال ( فإنك آتيه ومطوف به ) . قال فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ؟ قال أيها الرجل إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق ؟ قلت أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به قال بلى أفأخبرك أنك تأتيه العام ؟ قلت لا قال فإنك آتيه ومطوف به
فكما نعرف أن الرسول صلى الله عليه وآله وقع الصلح رغم شروط الكفار القاسية وقبل به لما رآه أنه هو الصواب .وقراره لم يعجب كثيراً من الصحابة واعترضوا عليه تماماً كما حصل من اعتراض على قرار الحسن عليه السلام لأن الصحابة والناس لايعلمون المصلحة الحقيقية كما يعلمها الرسول أو الامام عليهما الصلاة والسلام
الإمام الحسن عليه السلام ما كان منه مبايعة بل مصالحة والدليل أنه اشترط على معاوية شروطا والمبايعة تكون بالتسليم للمبايع له بالطاعة والتضحية ...ما لم يكن منه عصيانا ـ مفهومها السني ـ
وقد كانت تلك المصالحة منه بشروط عديدة ووثائق
المستدرك على الصحيحين المؤلف : محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى ، 1411 – 1990 تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا عدد الأجزاء : 4 مع الكتاب : تعليقات الذهبي في التلخيص [ جزء 3 - صفحة 191 ]ح4808 ( قال سفيان : و كانت له صحبة فصالح الحسن معاوية و سلم الأمر له و بايعه بالخلافة على شروط و وثائق ) وتاريخ الإسلام للذهبي [ جزء 1 - صفحة 498 ]
والمصالحة هو ما فعله الإمام الحسن عليه السلام ـ وقد كان الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية ...بل ما فعل ذلك إلا مضطرا فقد طعن بالخنجر وقل ناصره وكثرت أعداؤه ...حتى صارت المصالحة وحقن الدماء أمرا محتما لا بد منه وفيه امتثال لأمر النبي الأعظم بالمصالحة حتى تحقن الدماء..وسنأتي على تفصيل ذلك لاحقاً من ذكر شروط البيعة ونقض معاوية لها ومن الظروف المحيطة بالامام الحسن عليه السلام والتي من خلالها قدر أن الصلح هو الحل الأصح في تلك الفترة ..
السؤال الثاني :
إن كان الحسن عليه السلام يعتبر معاوية كافراً فكيف يسلمه حكم المسلمين ؟؟
الجواب على هذا الاشكال بسيط :
قال تعالى في سورة يوسف
"وقال الملك أئتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال أنك اليوم لدينا مكين أمين "*54 *
"قال أجعلني على خزائن ألأرض أني حفيظ عليم" *55 *
هذا هو نبي الله يوسف عليه السلام وقد أجمعت الأمة الأسلاميه على عصمة انبياء الله جميعا
وقد أصبح وزيرا لفرعون وكان بمايسمى في زمانه (عزيز مصر) وقد طلب ان يكون المتولي على خزائن ألأرض ولم يجبر على هذا العمل تحت أمرة الكافر(فرعون)بل كان بطلب منه عليه السلام لما أعتقده من المصلحة في توليه لهذا المنصب فعمل تحت أمره وهو سامع مطيع ولم ينافي ذلك عصمته بل ان الله تعالى امتدح فعله هذا ,أظهر بأنه هو من قدر وأراد ليوسف ع ان يكون بهذا المكان فقال تعالى
"وكذلك مكنا ليوسف في ألأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولانضيع أجر المحسنين "*56* يوسف
وكذلك مما يثبت انه كان يعمل بأوامر الملك ولايخالفها ووفقا لدين الملك المخالف لدين نبي الله يوسف ع
قوله تعالى
"فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم أستخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ماكان ليأخذ أخاه في(دين الملك) ألا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم *76*
هذا هو الحال من قبل نبي معصوم أمتدحه الله في كثير من آيات كتابه بل وصفه بأنه من عبادنا المخلصين
عمل وزيرا لملك كافر بشهادة القرآن الكريم لما رآى المصلحه تقتضي هذا العمل والنتيجه ان هذا العمل لا يحط من قدره اومن عصمته
وكذلك كان ألأمام الحسن ع أماما معصوما رأى المصلحه في حقن دماء المسلمين ووحدتهم فتنازل لمعاويه الذي هو في الظاهر مسلما يشهد ان لااله الا الله وأن محمدرسول الله
وتنازله كان عن كرسي الخلافة وليس عن الامامة التي بقيت بيد الامام المجتبى ومن تبعه من شيعته
فمن تبع معاوية فهو يتحمل نتائج تبعته له وليس الحسن عليه السلام
ومن تبع الحسن بالمقابل فله نتائج تبعته..
ولاحظ الفارق بين طلب يوسف للأستيزار برغبة منه وبين تنازل ألأمام الحسن ع لمعاويه مضطرا
كذلك لاحظ ان يوسف ع عمل وزيرا لملك كافر يسمع له ويطيع والأمام الحسن لم يكن إلا فردا من أفراد الرعيه فلم يطلب أمارة أو وزاره بل أشترط على معاويه شروطا وقع عليه الأثنان فيهما للمسلمين الخير والصلاح .....وما ان تمكن معاويه حتى جعل هذه الشروط تحت قدميه (ومن نكث فأنما ينكث على نفسه )
ونبي الله يوسف على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام لم يعطِ شرعية لما كان عاملا في دولة عزيز مصر أ ليس كذلك؟ بل ولم تنتفِ إمامة نبي الله إبراهيم على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام بعدم حكمه ومثله في ذلك نبي الله يونس ....عليهم السلام
ولو كان الإمام الحسن عليه السلام يرى شرعية لمعاوية في الحكم ما حاربه معاوية وقاتله وهو سيد شباب أهل الجنة
ما هي أسباب الصلح ..؟؟
من لديه أدنى اطلاع على الظروف السائدة آنذاك
يدرك تماماً أن المسلمين كانوا على حافة الهاوية من النزاع والصراعات والفتن
لا شك أن الظروف تتحكم بدرجة كبيرة في اتخاذ القرار، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن القرار السياسي يؤسس على حسابات الظروف القائمة والمتوقعة حتى مع توفر أسبابه الموضوعية الأخرى، ولذلك فإن هذه المسألة شكلت ظاهرة طبيعية حتى في قرارا الرسول (صلّى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) الظروف غير المؤاتية هي التي أجلت قرار الحرب عند الرسول مثلاً، في حين أصبح تغيّر بعض الظروف سبباً في الانتقال إلى المواجهة العسكرية مع الكفار، وهكذا مع الإمام علي (عليه السلام) أيضاً.
فالظروف مرة تكون بهيئة عوامل مساعدة لاتخاذ القرار، ومرة أخرى تكون بهيئة معوقات ضد القرار، ومن هنا يمكن تقسيمها إلى نوعين.. ظروف سلبية وأخرى إيجابية.
الظروف السلبية
وهي تلك العوامل والتغيرات التي حصلت في الواقع القائم والتي كانت لغير صالح اتخاذ قرار الحرب من قبل الإمام الحسن (عليه السلام) ومنها:
1ـ عدم توفر الحشد العسكري المؤمن الذي يكافئ جيش معاوية ويتفوق عليه، ويمكن أن تلمس ذلك وبدقة من خلال قول الإمام (عليه السلام) نفسه حيث قال: (والله ما سلمت الأمر إليه إلا أني لم أجد أنصاراً، ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري) .
2ـ فقدان وحدة الرأي في جيش الإمام. إذ أن أخطر مظاهر تفكك الجيش هي توزع الرأي على عدة اتجاهات، ولما كان جيش الإمام الحسن خليط من مختلف الاتجاهات والفئات، فإن دخول المعركة بجيش تحكمه الاجتهادات المتنوعة والآراء المختلفة وعدم انضباطه بالقرار المركزي للقيادة هو أشبه بعملية الانتحار، ولذلك نجد أن الإمام الحسن (عليه السلام) لا يعتبر أن أهل الكوفة مؤهلين كي يدخل المعركة بهم.. يقول (عليه السلام): (إني رأيت أهل الكوفة قوماً لا يوثق بهم، وما اغتر بهم إلا من ذل، ليس رأي أحد منهم يوافق الآخر) .
3ـ تواطؤ كثير من أفراد الجيش مع معاوية، حيث كتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية: (فإنا معك وإن شئت أخذنا الحسن وبعثناه إليك) .
4ـ سريان الفتن والإشاعات داخل صفوف الجيش بسبب نفوذ الدعايات التي يبثها معاوية في أوساط جيش الإمام الحسن كجزء من الحرب النفسية لتثبيط عزيمة الجيش وتفكيكه من الداخل، منها على سبيل المثال تلك الشائعة التي سرت قبل أن يصالح الإمام الحسن (عليه السلام) معاوية والتي مفادها (إن الحسن يكاتب معاوية على الصلح، فلم تقتلون أنفسكم) .
5ـ تمايل الجيش نحو الصلح وعدم رغبته في القتال، حيث أن الحرب النفسية التي شنها معاوية عن طريق شراء الذمم وتجنيد الخونة أدت إلى تثاقل الأفراد، وهروب بعضهم إلى جانب معاوية ممّا أدى إلى خلخلة الجيش من الداخل.
الظروف الإيجابية
وهي تلك الظروف التي يمكن اعتبارها عوامل مساعدة لتحرك موقع الإمامة القيادي الذي تمثل بشخص الإمام الحسن (عليه السلام) وإذا استذكرنا عوامل السلب الكثيرة في حالة اتخاذ قرار الحرب، ومنازلة معاوية، لم يبق أمام الإمام الحسن (عليه السلام) إلا استثمار الظروف الإيجابية وهي تلك التي شجّعت الإمام (عليه السلام) على الصلح أملاً في استثمار الشروط التي أدرجها الإمام في وثيقة الصلح مع معاوية.
فالإمام (عليه السلام) أمامه فرصة موافقة معاوية على شروطه، حيث عندها يستطيع أن يصلح الأوضاع قدر المستطاع باتجاه تعزيز وجود الدولة الإسلامية وجمع شتات الأمة ورص صفوفها وتوحيد كلمتها على النحو الذي يتم فيه تطهير مفاصل الدولة ومؤسساتها من وجود العابثين والظواهر القاتلة التي أوجدوها. هذا على أن معاوية إذا لم يف بالشروط التي يوقعها فإن هذا النكث يشكل عاملاً مهماً في كشف زيف معاوية أمام الرأي العام، وبالتالي يكسب الإمام الحسن (عليه السلام)المعركة السياسية على الأقل.
فالإمام (عليه السلام) أمامه فرصة موافقة معاوية على شروطه، حيث عندها يستطيع أن يصلح الأوضاع قدر المستطاع باتجاه تعزيز وجود الدولة الإسلامية وجمع شتات الأمة ورص صفوفها وتوحيد كلمتها على النحو الذي يتم فيه تطهير مفاصل الدولة ومؤسساتها من وجود العابثين والظواهر القاتلة التي أوجدوها. هذا على أن معاوية إذا لم يف بالشروط التي يوقعها فإن هذا النكث يشكل عاملاً مهماً في كشف زيف معاوية أمام الرأي العام، وبالتالي يكسب الإمام الحسن (عليه السلام)المعركة السياسية على الأقل.
تعليق