إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

كتاب :: الشهاب الثاقب للمحتج بكتاب الله في الرد على الناصب ( عالم سبيط النيلي )

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتاب :: الشهاب الثاقب للمحتج بكتاب الله في الرد على الناصب ( عالم سبيط النيلي )

    بسم الله الرحمان الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    الأخوة الكرام أعضاء المنتدى الكريم ، أقدم لكم كتاب هام حول إمامة أهل البيت عليهم السلام بعنوان
    (الشِّهَابُ الثَّاقِبُ لِلْمُحْتَجِّ بِكِتَابِ اللهِ في الرَدِّ عَلَى النَّاصِبِ أَحْمَدِ الكَاتِبِ )
    تأليف ( عالم سبيط النيلي )

    القسم الأول
    (الإمَامَةُ بَيْنَ الثَّابِتِ والمُتَحَوِّلِ)

    يَتَضَمَّنُ الرَّدُّ عَلَى كِتَابِ
    "تَطَوُّرِ الفِكْرِ الشِّيعيِّ لأَحْمَدٍ الكاَتِبِ وأَشْبَاهِهِ "

    فهرست بأهم المطالب

    المقَدِّمـــة
    مُجْمَلُ أكاذيبِ (الكاتبِ) في مقَدِّمتِهِ ويَتَضَمَّنُ:
    ـ إبطالُ دَعْوَاهُ في الإمامَةِ مِنْ كتابِ اللهِ.
    ـ الشُّورَى الوراثيَّةُ الَّتي يَدْعو إليها الكاتبُ.
    ـ الردُّ عَلَى دَعْوَاهُ بكونِ الإمامِ عليٍّ (ع) مِنْ دُعاةِ الشُّورَى بأوَّلِ الخطبَةِ الشقشقيَّةِ.

    ذكرُ الموارد الَّتي احتجَّ فِيْهَا الإمامُ علي (ع) بالوَصيَّةِ والنصِّ الإلهي:
    ‌أ. قوله (ع): (أَنْتُم والله لأحرَصُ وأَبْعَدُ.. الخ)
    ‌ب. فقرة من قوله: (لِِتُقامَ المعطَّلةُ من حدودك.. الخ)
    ‌ج. تكفيرُهُ قريشاً في فقرة: (اللَّهُمَّ إني أستعديكَ عَلَى قريشٍ.. الخ)
    ‌د. احتجاجُهُ بحديثِ الحوضِ وتكفيرُهُ لأهلِ الشُّورَى.
    ‌ه. تكفيرُهُ لَهُم بحديثِ المَنزلةِ ـ معلوماتٌ جديدةٌ عَن الردَّةِ.
    ‌و. تأكيدُهُ عَلَى الوَصِيَّة في وصيَّتِهِ للحَسَنِ (ع) ـ مفاهيمٌ جديدةٌ لِقَولِهِ (ع): (لا آمُرُكُم ولا أنْهَاكُم) ـ أفكارٌ مُنْدرِسَةٌ عَن مَعْنَى الإمامِ بالنصِّ.
    ‌ز. الاحتجاجُ عليهم بعلمِهِم بمقامِهِ مِنَ الإمامةِ ـ طريقُ معرفَةِ الحَقّ هُوَ الحَقُّ لا الرِّجَالُ.
    ‌ح. وصفُهُم بأنَّهُم ظَلَمَةٌ وتزويرُهُم مقولات الرسول (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم).
    ‌ط. احتجاجُهُ (ع) بوجودِ إمامين: كتابُ اللهِ وأَهْلُ البيت (ع) ـ إيضاحٌ جديدٌ لآيةِ الغار وَمَا فِيْهَا من تكفيرِهِم ـ بعضُ خصائصِ المنافقين.
    ‌ي. الاحتجاجُ بِقَوْلِهِ (ع): (لا يُقاسُ بآلِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) أحَدٌ.. الخ)
    ‌ك. تفسيرُ قوله (ع): (وَإنَّمَا الشُّورَى للمهاجِرينَ والأنصارِ.. الخ)
    ‌ل. رفضُهُ (ع) أنْ تَكُونَ الإمامةُ بالقرابَةِ أو الصحابَةِ وفيه إبطالٌ آخرٌ للشُّورى.
    ‌م. الاحتجاجُ بِقَوْلِهِ (ع): (فأين تذهبون وأنّى تؤفكون.. الخ)
    ‌ن. الاحتجاجُ بِقَوْلِهِ (ع): (أَيْنَ الَّذينَ زَعَمُوا أنَّهُم الراسخون في العِلْمِ دوننا كذباً … الخ) من الخطبة 142 ـ مبحثٌ آخرٌ في القتالِ عَلَى التأويل وأحاديثٌ في الغَدْرِ.
    ‌س.الاحتجاجُ بِقَوْلِهِ (ع): (نَحْنُ الشعارُ والأصحابُ.. الخ) ـ تفسير الخطبة بالنصوصِ القرآنيَّةِ والنبويَّةِ.
    ‌ع. قوله (ع): (فَقُمْتُ بالأمْرِ حينَ فَشَلوا.. الخ) ـ شَرْحُ أقوالِهِ من كتابِ اللهِ وكشْفُ أكاذيبِ الكاتبِ ـ فضائلُ عُمَرَ: فَهْمٌ جديدٌ للأحاديثِ الشريفَةِ في عُمَرَ وكَشْفُ السرِّ عَن حقيقَتِهِ.
    ‌ف. قولُهُ (ع): (فنظرت في أمري فإذا طاعتي قَدْ سبقت بيعتي.. الخ) ـ نصوصٌ أُخْرَى عَن النبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) سابِقَةٌ عَلَى عِلْمِ الكلام ـ أبحاثٌ أُخْرَى تكشِفُ عَن أكاذيبِ الكاتبِ الناصبِ ـ تكذيبُهُ لعلماءِ الحديث لأهلِ السنَّةِ ـ مبحثٌ في وجوبِ وجودِ الحجَّةِ وتبعيَّةِ الفضائلِ ـ علاقةُ الإمامِ المعصومِ بالتوحيدِ والعَدْلِ الإلهيِّ.
    ‌ص. تأكيدُهُ (ع) عَلَى أنه وارثُ الأنبياءِ وسيِّدُ الأوصياءِ مِنَ الخُطْبَةِ 181.
    ‌ق. احتجاجُهُ (ع) بالقُرْآنِ.
    ‌ر. أوامِرُهُ (ع) بإتِّبَاعِ أهْلِ البيتِ (ع) ـ مبحثٌ في الفِتْنَةِ وأسبابِهَا ونتائجِهَا ـ تفسيرُ غيبَةِ الحُجَّةِ وعلاقتُهِ بالتوحيدِ ـ مغالطاتُ الكاتبِ الكاذبِ ـ الكشفُ عَن تحريفِهِم لِتَفْسيرِ آيَةِ الشُّورَى.
    ‌ش. الاحتجاجُ بدعائِهِ (ع) عَلَى قريشٍ ـ كفرُهُم بِعَلِيٍّ (ع) يشبه كُفْرَ اليهودِ بالمسيح (ع).
    ‌ت. الاحتجاجُ بصَلاتِهِ (ع) عَلَى النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) وآله ـ شرحُ الخصائصِ التسعِ في هَذِهِ الصَّلاةِ ـ مبحثٌ نفيسٌ في العُقَدِ النفسيَّةِ لعائشَةَ ـ شرحُ قولِهِ (ع): (لِلَّهِ بلاد فلان.. الخ) ـ خصائصٌ أُخْرَى لعُمَرَ بن الخطاب ـ المُخَاطبان في قَوْلِهِ تَعَالَى: فبأي آلاءِ ربِّكُمَا تُكَذِّبان ـ شرحُ قوله (ع): (لَمَعَ لامِعٌ ولاحَ لائحٌ واعتَدَلَ مائِلٌ.. الخ) ـ شرْحُ قوله (ع): (لا يَدْخِلُ الجَنَّةَ إلاَّ مَنْ عَرَفَ الأئمَّةَ وعَرَفوه) ـ مغالطاتُ الكاتبِ الناصبِ ـ شَرْحُ قوله (ع): (وأَوْجَبَ مودَّتَهم) ـ توضيحٌ جديدٌ لما يترَتَّبُ عَلَى المودَّةِ.
    ‌ث. الاحتجاجُ بالآياتِ المرتبطَةِ بِقَوْلِهِ (ع): (إنَّ أولى النَّاسِ بالأنبياءِ أعلمُهُم بِمَا جاءوا بِهِ… الخ).
    ‌خ. الاحتجاجُ بِقَوْلِهِ (ع): (لا يُعابُ المرءُ بتأخيرِ حقِّهِ.. الخ) ـ إيضاحٌ جديدٌ لانقلابِ المفاهيمِ العقائديةِ عِنْدَ الأمَّةِ.
    ‌ذ. شَرْحُ قوله (ع): (عَلَيْكُم بطاعَةِ مَنْ لا تُعذرونَ في جهالتِهِ.. الخ) ـ استخراجُ القاعِدَةِ العامَّةِ للإمامَةِ من كلامِهِ (ع).
    ‌ض. شَرْحُ قوله (ع): (مَا اخْتَلَفَتْ دعوتانِ إلاَّ كَانَتْ إحداهُمَا ضَلالةً.. الخ) ـ مغالطاتُ شُرَّاحِ النهْجِ بخصوصِ العبارَةِ.
    غ. الاحتجاجُ بالبشارةِ في قَوْلِهِ (ع): (لتعطفنَّ الدُّنْيَا عَلَيْنَا عَطْفَ الضروسِ عَلَى وَلَدِهَا..الخ)

    تَقْدِ يـــمٌ

    إنَّ مشكلةَ الفكرِ عموماً ومشكلةَ الدِّين خصوصاً وَمَا حصَلَ ويحصلُ فيهما من اختلافٍ لَيْسَ مرجِعُهُ إلى عَدَمِ وضوحِ الحَقِّ من الباطلِ. إنَّمَا مرجِعُهُ إلى خَلْطِ الحَقِّ بالباطلِ عِنْدَ الناس. وَمعْنَى القولِ الأوَّلِ إنَّ اللهَ لَمْ يجعلْ الحَقَّ مختلفاً عَن الباطلِ اختلافاً واضحاً بَيِّنَاً بحَيثُ يمكن أن يحاسِبَ الخَلْقَ حساباً عادلاً. وَمعْنَى القولِ الثاني هُوَ عَلَى العكسِ من ذَلِكَ أي أنَّ الحَقَّ والباطلَ مُخْتَلِفَانِ ومتناقِضَانِ بِدَرَجَةٍ كافيةٍ بحَيثُ أنَّ كُلَّ إنسانٍ يَعْلَمُ أو يمكنُهُ أنْ يَعْلَمَ الحَقَّ ويميِّزَهُ عَنِ الباطلِ كَمَا يميِّزُ جيِّداً بَيْنَ الظُلُماتِ والنُّورِ أو الظِّلِ والحَرَورِ أو اللَّيلِ والنَّهَارِ. فيصبَحُ كُلُّ إنسانٍ (عَلَى نَفْسِهِ بصيرَةٌ ولو ألقَى مَعَاذيرَه) كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى.
    القولُ الأوَّلُ إذن هُوَ الكفْرُ بعينِهِ، والقولُ الثاني هُوَ الإيمانُ الحَقُّ.
    القولُ الأوَّلُ هُوَ الشِرْكُ، والقولُ الثاني هُوَ التوحيدُ.
    في القولِ الأوَّلِ يُلقِي المُفَكِّرُ اللَّوْمَ والتَبِعَةَ عَلَى الخالِقِ عزَّ وجلَّ ويبرِّأُ نفْسَهُ والنَّاسَ. وفي القولِ الثاني يُلقِي المُفَكِّرُ باللَّوْمِ عَلَى الناسِ ويبرِّأُ الخَالِقُ مِنَ الظُلْمِ.
    وَمَا نريدُ أنْ نقولَهُ في هَذا الكتابِ هُوَ أنَّ الناسَ دأبوا عَلَى الجدالِ حَوْلَ الحَقِّ والباطِلِ والصحيحِ والخاطئ، وتَمَادُوا في ذَلِكَ إلى درجةِ أنَّ عُلَمَاءَ الدِّينِ أصْبَحوا يأخذونَ بفكرةِ احترامِ الآراءِ جميعاً ولو فيما بينهم، ويبرِّرون الاجتهادَ ويزعمون أنَّ الاختلافَ في الدِّينِ رحمَةٌ وأنَّهُ ضرورةٌ لإغناءِ الفكرِ والبحثِ.
    لكنَّ هُنَاكَ فَرَقاً بَيْنَ البَحْثِ عَن الحَقِّ والباطِلِ وبَيْنَ الاختلافِ في الحَقِّ والباطِلِ هُوَ عيْنُهُ الفَرَق بَيْنَ الكُفْرِ والإيمانِ.
    إنَّ كُلَّ الَّذينَ يبرِّرون الاختلافَ ويَسْمَحونَ بتعدُّدِ الوجوهِ في تأويلِ النصّ الإلهيِّ هُمْ ظَلَمَةٌ وكفَرَةٌ، بَلْ هُمْ أَظْلَمُ الخَلْقِ طُرّاً وإنْ لَبَسوا العمائِمَ وتجلببوا بجُلبابِ الدِّينِ، لأنَّهُمْ يؤمنون بِعَدَمِ وضوحِ الفَرَقِ بَيْنَ الحَقّ والباطِلِ ابتداءً، ويجعلون النصَّ الإلهيَّ الَّذي جَاءَ لإزالةِ الاختلاف ـ يجعلونهُ مَصْدَرَاً للاختلافِ.
    وفي هَذا الكتابِ نحاولُ كَمَا حاولنا من قبل إجراءَ التصحيحَ العقائديَّ في أَهَمِّ قضيَّةٍ في الدِّينِ من هَذِهِ الجهَةِ، حَيْثُ اعتبَرْنَا كَلِمَةَ الإمامِ عَلِيٍّ (ع) في حَرْبِ الجَّمَلِ الَّتي قالها لسائلٍ سَأَلَهُ عَن الطريقَةِ الَّتي تمكِّنُهُ من معرفَةِ المُحِقِّ والمُبْطِلِ بَيْنَ الطَّرفين، وَهْيَ قوله للسائِلِ:
    ( وَيْحَكَ إنَّ الحَقّ لا يُعْرَفُ بالرِّجَالِ.. اعْرِفْ الحَقَّ تَعْرِف أَهْلَهُ )
    هَذِهِ الكَلِمَةُ وحدُهَا اعتبرناها قاعدَةً عامَّةً للانطلاقِ في عمليَّةِ التصحيحِ العقائدي.
    إن كُلَّ مَا جَرَى من أبحاثٍ ومجادلاتٍ بَيْنَ الفُرَقِ والمذاهبِ في كُلِّ الأديان، وَلَيْسَ في الدِّينِ الإسلاميِّ وحدِهِ قَدْ جَرَى بِخِلافِ هَذِهِ القاعدةِ!. فَهْيَ كلُّها مجادلاتٌ وأبحاثٌ لا تمثِّلُ مُطْلَقَاً بأيَّةِ درجةٍ محاوراتٍ لمعرفَةِ الحَقِّ والباطِلِ، بَلْ هِيَ أبحاثُ الباطِلِ مَعَ نفسِهِ فقط، ومجادلاتُ الباطِلِ مَعَ الباطِلِ.. لأنَّها بعيدةٌ عَن الحَقِّ بُعْدَ السماءِ عَن الأرضِ مُنْذُ ابتدأتْ وإلى هَذا اليومِ، لأنَّها أقوالُ الرِّجَالِ بعضِهِم في بعضٍ.
    فهذِهِ الأبحاثُ والكُتُبُ والآراءُ لَيْسَتْ سِوَى آراءِ الرِّجَالِ في بعضِهِم البعضِ.. ولا علاقَةَ لَهَا بمُرَادِ اللهِ ولا كتابِ اللهِ ولا مُرَادِ رسولِهِ وإنْ كَانَ النصُّ الإلهيُّ هُوَ مَوضُوعُهَا الدائِمُ.
    هَذا هُوَ الفَرَقُ بَيْنَ أنْ يَكُونَ النصُّ الإلهيُّ بَيِّنَاً بِنَفْسِهِ باعتِبَارِهِ حَقَّاً وبَيْنَ أنْ يَكُونَ غامِضَاً ويَحْتَاجُ إلى تَبْيينٍ من الرِّجَالِ! .
    وَحِينَمَا تَفْهَمُ النصَّ الإلهيَّ ـ سواء كَانَ قرآناً أو سنَّةً مِنْ خلالِ الرِّجَالِ فَإِنَّكَ تَعْبُدُ الرِّجَالَ ولا تَعْبُدُ اللهَ!.
    وَحِينَمَا تَرَى مَا في النصِّ مِنْ حَقٍّ وباطِلٍ مُستَقِلاً عَن الرِّجَالِ فقَدْ بَدَأْتَ بالفِعْلِ أَوَّلَ خُطْوَةٍ في الطَّريقِ إلى عبادَةِ اللهِ وحدِهِ!.
    من هُنَا نَرَى بوضوحٍ كافٍ أنَّ الهجماتِ الموجَّهَةِ إلى الدِّينِ السماويِّ وَعَلَى كافَّةِ المستوياتِ هِيَ هَجَمَاتٌ عَلَى التفسيرِ السائِدِ للدِّينِ وَلَيْسَتْ عَلَى الدِّينِ نَفْسِهِ، وَلكِنَّهَا تُحاوِلُ إبطالَ أسُسِ الدِّينِ من خلالِ التناقُضَاتِ في أقوالِ علماءِ الدِّينِ والمفسِّرين، فيحسِبُ البعضُ بَلْ أكثرُ الناسِ أنَّ الدِّينَ أصبَحَ في خَطَرٍ من هَذِهِ الهَجَمَاتِ.
    والواقعُ هُوَ خلافُ ذَلِكَ، إِذْ أنَّ الخَطَرَ هُوَ عَلَى التفسيرِ الخاطئِ للدِّينِ وَعَلَى التأويلاتِ المتناقضَةِ للنصِّ. فَهْيَ إذَنْ هجماتُ الباطِلِ عَلَى نَفْسِهِ. فَهْيَ مِنْ هَذِهِ الجهَةِ نافعَةٌ منفعَةً عظيمَةً، لأنَّها تكشِفُ عَن الانحرافِ والزَّيفِ وإنْ كَانَ مصدَرُهَا أقطابُ الكُفْرِ والإلحادِ العلنيِّ.
    ومِثْلُهَا مِثْلُ الإفكِ الَّذي جاءت بِهِ عصبَةٌ في عصر الرسول (ص) حَيْثُ قَالَ تَعَالَى:
     إِنَّ الَّذينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُم لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُم مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُم لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) سورة النــور
    ذَلِكَ لأنَّ هَذا الإفكَ قَدْ بَنَاهُ المنافقونَ عَلَى أُسُسٍ خاطئَةٍ مغروسَةٍ في الأذهانِ لأصولِ العقيدةِ فأمْكَنَ من خلالِهِ الكَشْفُ عَن هَذِهِ المبادئِ وتصحيحِهَا وتمييزِ المؤمنِ من المُنَافِقِ. إِذْ لَمْ يكُنْ بالإمكانِ أَصْلاً استقبالُ هَذا الإفكِ من قِبَلِ المسلمين لَولا استعدادهم لقبولِ المغالطاتِ، وَلِذَلِكَ وبَّخهُم القرآنُ عَلَى ترديدِ مقولاتِ المنافقين.
    إنَّ مَا حَصَلَ في عقائِدِ المسلمينَ مُنْذُ قرونٍ طويلةٍ هُوَ انقلابٌ شاملٌ لمبادئ الدِّينِ وانعكاسٌ للمفاهيمِ بِحَيثُ أنَّ الدراسَةَ الجّادَّةَ للنصِّ القرآنيِّ ومحاولةَ فهْمِهِ مُستَقِلاً عَن آراءِ الرِّجَالِ تبيِّنُ بوضوحٍ كافٍ أنَّ الدِّينَ الَّذي بَيْنَ يدينا اليوم هُوَ نقيضُ الدِّينِ الَّذي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ (ص)، وَلِذَلِكَ يتمكَّنُ دعاةُ الإلحادِ والكُفْرِ من توجيهِ الضرباتِ القويَّةِ إلى هَذا الدِّينِ المزيَّفِ فيحسِبُ الناسُ أنَّ الدِّين في خَطَرٍ!.
    وَلكنَّ الحقيقةَ كَمَا قُلْنَا مِنْ قبل أنَّ الخَطَرَ هُوَ عَلَى الباطِلِ مِنَ الباطِلِ لا غَيْرَ!.
    وَلكنْ يَبْقَى علينا أنْ نوضِّحَ للقارئِ الفَرَقَ بَيْنَ دِينِ اللهِ ودينِ الناسِ!، إِذْ هُنَا تكْمُنُ المشكلَةُ بِكُلِّ أَبْعَادِهَا!.
    فإنَّ هَذا التوضيحَ يستلزِمُ إجراءَ سلسلةٍ مِنَ الأعمالِ سَتَكونُ المفاجأةُ فِيْهَا عَلَى رجالِ الدِّينِ من كافَّةِ المذاهبِ أشدُّ وقعاً مِمَّا هِيَ عَلَى القارئ العادي. ومن المتوقَّعِ أنْ يَقِفَ أكثرُهُم ضِدَّ عمليةِ التصحيحِ وفي صفِّ العدوِّ إذا أحسُّوا بالخَطَرِ الدَّاهمِ عَلَى مسلَّماتِهِم ومبادِئِهِم ـ وسوف يَحْسبونَ أنَّ الخَطَرَ في التصحيحِ أعظَمُ عليهم من الخَطَرِ الآتي من هجماتِ الملاحِدَةِ والكفّارِ.
    ذَلِكَ لأنَّنا لَو قُلْنَا أنَّ مَا تَنْتَقِدُونَهُ هُوَ آراءُ الرِّجَالِ وأعمالُ الرِّجَالِ، وبيَّنا فِيهِ حقيقةَ الدِّينِ ظَهَرَ مِنْ خلالِ ذَلِكَ كُفْرُ هَؤُلاءِ الرِّجَالِ وانحرافُهُم عَن الدِّينِ، وهُم أسماءٌ لامعَةٌ مشهورَةٌ في الأمَّةِ ومعروفَةٌ بالـ (التقوى والصلاح)، بَلْ أسماءٌ مقَدَّسَةٌ جِدَّاً. ذَلِكَ لأنَّ الدِّينَ الَّذي يؤمِنُ بِهِ الناسُ اليوم هُوَ في الواقِعِ أسماءُ رجالٍ، فَلا يَفْصِلونَ ولا يُفَرِّقونَ بَيْنَ الدِّينِ وَمَا يسمّى بـ (رجالِ الدِّين).
    وفي السنواتِ الأخيرةِ تكاثَفَت الحَمَلاتُ الموجَّهَةُ ضِدَّ الدِّينِ عَلَى كافَّةِ المستوياتِ، ومن بينها مؤلَّفاتٌ مشهورةٌ تَدْعُو إلى إخراجِ النصِّ الدينيِّ مِنْ حيزِ المؤسَّساتِ الدِّينيةِ العتيدَةِ، ومحاولةِ تفسيرِهِ بالطرائقِ الحديثةِ. وَهْيَ محاولاتٌ تُعْتَبَرُ في سلسلةِ التَّطورِ التاريخيِّ لتأويلِ النصِّ آخِرَ أهدافِ الانحرافِ وغايتِهِ النهائيةِ. وإذا تُرِكَتْ بِغَيْرِ رَدٍّ فإنَّ المُصَالَحَةَ بينها وبَيْنَ المؤسَّسَةِ الدِّينيةِ واقِعَةٌ حَتْمَاً وإنْ تأخَّرَتْ زمنياً شأنُها شأنُ كُلِّ انحرافٍ جديدٍ وموجةٍ جديدةٍ مِنْ هَجَمَات الإلحادِ كَمَا أثْبَتَ ذَلِكَ التطوُّرُ التاريخيُّ للمؤسَّسَةِ الدينيَّةِ.
    لقَدْ لاحَظَتْ لِجْنَةُ التصحيحِ العقائديِّ الَّتي انبثقَ عَنْهَا هَذا الكتابُ خطورةَ هَذا الأمرِ وبلوغَهُ الحَدَّ الأقصى الَّذي لَيْسَ وراءَهُ شيءٌ سِوَى الخطوةِ الأخيرةِ الَّتي هِيَ خطوَةُ إنكارِ النبوَّةِ والرسالةِ، وَلِذَلِكَ حاولَتْ إيصالَ الحقائقِ المتعلّقةِ بالعقيدةِ والنصِّ بأساليبٍ وَطُرُقٍ مختلفَةٍ لا تثيرُ سُخْطَ المؤسَّسَةِ الدينيةِ، وَذَلِكَ بالتمسُّكِ ببعضِ المبادئِ المُشْتَرَكَةِ مَعَهَا والانطلاقِ مِنْهَا مِثْلُ إعجازِ القرآنِ الكريمِ، ووحدَةِ الدعوةِ الإلهيَّةِ عِنْدَ الأنبياء، والثوابِتِ في المأثورِ، وإجراءِ التصحيحِ في أُسُسِ ومبادئِ اللغَةِ من جِهاتٍ بعيدةٍ عَن نقاطِ الخَطَرِ أَمَلاً في التقاءِ هَذِهِ الأبحاثِ في النهايَةِ عِنْدَ تِلْكَ الغايةِ.
    وَكَانَ ظهورُ كتابِ (تَطَوُّر الفكرِ الشيعيِّ من الشُّورَى إلى ولايةِ الفقيه) لمؤلِّفِهِ المَدْعُو (أحمد الكاتب) يمثِّلُ أبرزَ عمَلٍ من أعمالِ التحريفِ والزَّيفِ القائمِ عَلَى أقوالِ الرِّجَال والذي لا شأنَ لَهُ بأصولِ العقيدةِ الدينيَّةِ ولا دستورِهَا الثابِتِ الَّذي هُوَ القرآن الكريم والسُّنَّة المُقَدَّسَة.
    فقَدْ عَمَدَ هَذا المُؤَلِّفُ إلى استخدامِ أقوالِ وتناقُضَاتِ عُلَمَاءِ الدِّينِ في توجيهِ آخِرِ ضرباتِهِ الموجِعَةِ إلى الباطِلِ، وَلكِنَّهُ وبسببٍ من انحرافِهِ وكذبِهِ حاولَ الخُروجَ بنتائجٍ عموميَّةٍ لإبطالِ الإمامَةِ أَمَلاً منه في إبْطَالِ النبوَّةِ والرسالَةِ فيما بَعْدُ أو تَحْويلِ وجهتِهَا.
    ادَّعى الكاتبُ المذكورُ أنَ الإمامَ عَلِيَّاً (ع) لَمْ يدافعْ عَن نظريَّةِ الوَصِيَّةِ وَلَمْ يَدَّعِ العِصْمَةَ وَلَمْ يَدْعُ إلى النصِّ، وَإنَّمَا كَانَ من دُعَاةِ الشُّورَى، وأنَّهُ لَمْ يَجِدْ في كلامِهِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ عِنْدَ المسلمين مَا يجعلُنَا نعتقِدُ بِأنَّهُ يُؤمِنُ بالنصِّ، وأنَّ الإمامةَ بِهَذا المَعْنَى هِيَ من وَضْعِ المتكلِّمين.
    وبالطَبْعِ فَبَعْدَ إلغاءِ الإمامةِ والعصمَةِ يصبَحُ الأئمَّةُ الاثني عشر أكذوبةً، ويصبَحُ المَهْدِيُّ الثاني عشر مجرَّدَ فرضيَّةٍ لا أساسَ لَهَا من الواقعِ.
    وَلَمَّا كَانَ الإمامُ عَلِيٌّ (ع) هُوَ الشخصَ الوحيدَ المُتَّفَقُ عَلَى صلاحِهِ وتَقْوَاه في الأمَّةِ كلِّهَا ـ إِذْ أنَّ الخِلافَ حَصَلَ في غَيْرِهِ لا فِيهِ ـ، وَلَمَّا كَانَتْ أقوالُهُ كلُّهَا منقولَةً عَن أهْلِ الخِلافِ، وَهْيَ الَّتي اعْتَمَدَهَا الكاتِبُ المذكورُ، فقَدْ رَأينَا أنْ يَكُونَ القسْمُ الأوَّلُ مُخَصَّصَاً لكلامِهِ عَلَيْهِ السَّلام المُرتَبِطِ بالإمَامَةِ، حَيْثُ سيلاحِظُ القارئُ المُحْتَرَمُ وَمِنْ أَوَّلِ الصَّفَحَاتِ أنَّ الكاتِبَ المَذْكورَ هُوَ مِنْ أكذَبِ الخَلْقِ، وأكثَرِهِم إمْعَانَاً في الافتراءِ والتَّزويرِ، فتَسْقِطُ مصداقيَّتُهُ من أَوَّلِ البَحْثِ، وَلِذَلِكَ فَلا نَعْتَبِرُ هَذا الكتابَ رَدَّاً عَلَى هَذا الكاتِبِ بقَدَرِ مَا هُوَ ردٌّ عَلَى كُلِّ انحرافٍ وتحريفٍ في أُسُسِ العقيدةِ، حَيْثُ اعتَمَدْنَا في شَرْحِ أقوالِهِ (ع) عَلَى كتابِ اللهِ والمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَ أهْلِ الأديانِ، وأوضَحْنَا جوانِبَ كثيرةً مِنَ المُغَالَطَاتِ المُتَعَلِّقَةِ بالتوحيدِ فاصِلينَ فَصْلاً تاماً بَيْنَ حُكْمِ اللهِ وحُكْمِ الخَلْقِ ـ بحَيثُ أنَّ عَلِيَّاً (ع) نفْسَهُ سيَظْهَرُ وَكَأنَّهُ شَخْصٌ مأمورٌ بطاعَةِ الإمَامِ عَلِيٍّ (ع) من خلالِ كلامِهِ بأَمْرٍ من اللهِ وحُكْمٍ إلهيٍّ لا سبيلَ لَهُ إلى دَفْعِهِ وألاَّ فَإنَّهُ كَانَ يفضِّلُ العافيةَ والسلامَةَ، بَيْنَمَا تتجلّى في البَحْثِ أحْكَامُ الخَلْقِ الَّتي قَابَلوا بِهَا حُكْمَ اللهِ.
    في هَذا الرَّدِّ ستظْهَرُ العلاقَةُ بَيْنَ الإمامَةِ والتوحيدِ في أَجْلَى صُوَرِهَا المُمْكِنَةِ حالياً إلى أنْ تَحيَن الفُرْصَةُ للإعلانِ عَنْ حقائقٍ أُخْرَى في الموضوعِ.
    والغايةُ مِنَ البَحْثِ أَيْضَاً تسريبُ التصحيحِ العقائديِّ بالتدريجِ إلى المؤسَّسَةِ الشيعيَّةِ الَّتي تُرَوِّجُ معادلَةً معكوسَةً هِيَ طاعَةُ عَلِيٍّ في اللهِ لا طاعَةُ اللهِ في عَلِيٍّ (ع) ـ أَمَلاً مِنَّا في انعكاسِ هَذا التَّصحيحِ عَلَى الجوانِبِ الأُخْرَى في أوساطِ المسلمين كافَّةً ولو بَعْدَ حِيْنٍ.
    لقَدْ لاحَظَتْ اللجنَةُ أنَّ المؤسَّسَةَ الدينيَّةَ غَيْرُ قادِرَةٍ عَلَى الرَّدِّ عَلَى دَعواتِ الكاتِبِ هَذا. وأكَّدَ هَذا الحَدَسَ لديها أنَّ أكْثَرَ القُرَّاءِ استنجَدوا بِهَا لِعِلْمِهِم أنَّ اللجنَةَ هِيَ وحْدُهَا القادِرَةُ عَلَى الرَّدِّ لأنَّها لا تُؤْمِنُ أَصْلاً بالتغيُّراتِ والاجتهاداتِ الرجاليَّةِ الَّتي اعتَمَدَهَا (الكاتِبُ) في النقَدْ والتي هِيَ من أعمَالِ هَذِهِ المؤسَّسَةِ ذاتِهَا. وَكَذَلِكَ لثَقَةِ هَؤُلاءِ القُرَّاءِ بِأنَّ لدى اللجنَةِ القُدْرَةَ عَلَى النفاذِ إلى المفاهيمِ الحقَّةِ في النصِّ القرآنيِّ والتي تمكَّنَتْ بِهَا من مُحَاكَمَةِ الكثيرِ من المقولاتِ الرجاليَّةِ المُعْتَمَدَةِ في الدِّراسَاتِ الدينيَّةِ عَلَى الصَّعيدين العقائديِّ والتشريعيِّ كَمَا ظَهَرَ ذَلِكَ في أبحاثِهَا السابقَةِ.
    وَلِذَلِكَ فقَدْ أَكَّدَ البَحْثُ في هَذا الكتابِ عَلَى مسألَةٍ هامَّةٍ جِدَّاً هِيَ: إنَّ الإمامَةَ عقيدةٌ إلهيَّةٌ لا علاقَةَ لَهَا بعَدَدِ المؤمنين بِهَا، ولا بالتَّغَيُرِ الحاصِلِ عَلَيْهَا عَلَى أيدي الرِّجَالِ ولا بإنكارِ الرِّجَال لَهَا أو اعترافِهِم بِهَا.. بَلْ تُعْرَضُ عَلَى الكتابِ والسُنَّةِ فإنْ ثَبَتَتْ بِهِمَا فَهْيَ حَقٌّ حَتَّى لَو لَمْ يوجَدْ إلاَّ واحِدٌ يُؤْمِنُ بِهَا، وإنْ بَطَلَتْ في الكتابِ والسُنَّةِ فَهْيَ باطلَةٌ وإنْ دَعَا لَهَا كُلُّ الخَلْقِ. وإنَّ واجِبَ المؤمِنِ هُوَ معرفَةُ الحَقِّ مجرَّداً عَن الأسماءِ وقَبْلَ معرفَةِ الرِّجَالِ وأقوالِهِم بحَيثُ يمكنُهُ الحُكْمُ عليهم بالحَقِّ لا الحُكْمُ بِهِم عَلَى الحَقِّ كَمَا فَعَلَ الكاتِبُ الأفَّاكُ الكَذوبُ المُلْحِدُ الَّذي اتَّخَذَ من الدِّينِ وسيلَةً لهدْمِ الركْنِ الأساسيِّ فِيهِ، وَلِذَلِكَ رَجَعَ كَيْدُهُ إلى نَحْرِهِ وأَبْطَلَ نفسَهُ بِنَفْسِهِ.
    وبَعْدُ فإنَّ اللجنَةَ تتقَدَّمُ بالشُّكْرِ الجزيلِ والدُعاءِ إلى الباري عزَّ وجلَّ بالثوابِ العظيمِ لِكُلِّ الَّذينَ أعانوها عَلَى إِكْمَالِ هَذا القِسْمِ وغيرِهِ من المؤلَّفَاتِ الَّتي أعْلَنَتْ لأوَّلِ مرَّةٍ للقُرَّاءِ الكِرَامِ عَن الحَقائِقِ بلا خَوْفٍ ولا تزويرٍ ولا كَذِبٍ ولا تَمْويهٍ ولا مجاملاتٍ، إِذْ لا مُجَاملَةَ في الحَقِّ، وَهْيَ عَلَى يقينٍ من أنَّهَا وَهْيَ تحاولُ الدِّفَاعَ عَن التوحيدِ الخالِصِ والحُكْمِ الإلهيِّ المُطْلَقِ فَلَنْ تكونَ هُنَاكَ أيُّ قوَّةٍ في العالَمِ قادِرَةً عَلَى إلحاقِ الضَّرَرِ بِهَا، لأنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وقولُهُ صِدْقٌ.. فَهْوَ تَعَالَى القائِلُ:
    يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) سورة محمد
    نَعَمْ.. إنَّ أكثَرَ الناسِ يَقُولُونَ هَذِهِ الآيَةَ وَلَكِنَّهُم يَنْصِرونَ الشَيْطَانَ، وَلِذَلِكَ فإنَّ مصيرَ أبحاثِهُم الهباءُ وجنايتُهِم مِنْهَا العناءُ ومآلُهم أنْ يتسلَّطَ عليهم الأشرارُ وأنْ يذوبَ باطِلُهُم، لأنَّ الباطِلَ يأكُلُ بعضُهُ بَعْضَاً.
    وقَدْ أطْلَقْنا الاسْمَ الفرعيَّ للبحثِ [ الإمامَةُ بَيْنَ الثابِتِ والمُتَحوِّلِ ] للدَّلالَةِ عَلَى أنَّ لأهلِ البيت عليهم السَّلام نَظَرِيَّةً إلهيَّةً، وَهْيَ حُكْمٌ إلهيٌّ عليهم وَعَلَى غيرِهِم، وهم مقهورون عَلَى طاعَةِ الله فِيْهَا. وإنَّ هَذا هُوَ من الثوابِتِ القرآنيَّةِ، وإنَّ التحوّلاتِ في الفكرَةِ إنْ وُجِدَتْ فَهْيَ من آراءِ الرِّجَالِ ولا علاقَةَ لَهَا بالإمَامَةِ. فَهْيَ عَلَى العكْسِ مِمَّا زَعَمَهُ (الكاتِبُ) تُؤَكِّدُ نَظَرِيَّةَ الإمامَةِ، لأنَّ الإمامَةَ أَصْلاً إنَّمَا أُنزِلَتْ في الكتابِ والسُنَّةِ للاحتجاجِ عَلَى الخَلْقِ ولإزالَةِ الاختلافِ.
    فالكُفْرُ بالإمَامَةِ هُوَ منشأُ الخِلافِ والاختلافِ، وإنكارُهَا يَعْنِي السماحَ لِكُلِّ مَنْ هَبَّ ودَبَّ بإدلاءِ رأيهِ في حُكْمِ اللهِ، وَهَذا هُوَ الكفُرْ.ُ. وَهْوَ ناتِجٌ ستلاحِظُهُ في كُلِّ أقوالِ الإمامِ عليِّ عَلَيْهِ السَّلام والتي تعمَّدَ (الكاتِبُ) الكاذِبُ تجاهلَهَا، وجَاءَ بغيرِها مِمَّا يحسَبُهُ مؤيّداً لَهُ. ولكنَّنَا أثْبَتْنَا أنَّ الَّذي جَاءَ بِهِ من أقوالِهِ (ع) هُوَ أوضَحُ حُجَّةً وأَبْيَنُ بُرْهَاناً من النصوصِ المتروكَةِ ـ ذَلِكَ لأنَّ هَذا (الكاتِبَ) اعْتَمَدَ الافتراءَ والكَذِبَ مِنْ أَوَّلِ مَا بَدَأَ البَحْثَ، فَمِنَ الطبيعيِّ أنْ يُضلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ ويعمي بَصَرَهُ وبصيرتَهُ عَن الحقائِقِ.
    هَذا ونطلُبُ من القارئِ الكريمِ قَبْلَ قراءَةِ هَذا الكتابِ التحرُّرَ من كُلِّ حُكْمٍ سابِقِ في أيِّ شيءٍ سِوَى اللهِ الواحِدِ الأحَدِ، وأَنْ يُرْغِمَ نَفْسَهُ عَلَى فَهْمِ سورةِ الإخلاصِ وترديدِهَا مِرَارَاً وأنْ يستعيذَ باللهِ من الشَّيْطَانِ ويدعوَ اللهَ تَعَالَى لهدايتِهِ إلى الحَقِّ قَبْلَ البدءِ بالقراءَةِ. فإنْ كَانَ كتابُنَا باطِلاً وَهْوَ سليمُ القَلْبِ فَلا شَكَّ أنَّ اللهَ سيستجيبُ دعاءَهُ ويكْشِفُ لَهُ عَنْ بطلانِ هَذا الكتابِ. وإنْ كَانَ مَا في كتابِنَا حَقَّاً ـ وَهْوَ كُلُّهُ حَقٌّ ـ فإنَّ اللهَ سبحانه سَوفَ يهديهِ إلى الحَقِّ. وَمعْنَى هَذا الكلامِ يرجَعُ إلى أوَّلِهِ، أي لَيْسَتْ العِلَّةُ في عَدَمِ وضوحِ الحَقِّ من الباطِلِ، وَإنَّمَا العِلَّةُ في القلوبِ الَّتي في الصدورِ. فإذا سَلِمَتْ القُلوبُ أَدْرَكَتِ العقولُ. وفي هَذا النُصْحِ كفايةٌ لِمَنِ اكتفى باللهِ، وكَفَى باللهِ هادياً وكَفَى بِهِ نصيرا.
    التعديل الأخير تم بواسطة المستبصرالمهدوي; الساعة 08-08-2005, 04:21 AM.

  • #2
    بسم الله الرحمان الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم

    مُجْمَلُ أكاذيبِ الكاتِبِ
    في مُقَدَِّمَتِهِ

    انْتَشَرَ في الآونَةِ الأخيرَةِ في أنحاءِ العراق كتابٌ لمؤلِّفٍ اسمُهُ (أحمد الكاتب) حَيْثُ ادَّعى أنَّهُ مِنْ طائفَةِ الشيعةِ، وأنَّهُ قَدْ دافَعَ عَن الفكْرِ الشيعي طوالَ حياته. وَلكِنَّهُ (وبفضْلِ اللهِ وعنايتِهِ) اكْتَشَفَ كافَّةَ التناقُضاتِ في هَذا المذْهَبِ.. وقَدْ رتَّبَ كشوفاتِهِ في المُقَدِّمَةِ بطريقةٍ تعتَمِدُ عَلَى العامِلِ النَفْسِيِّ للقُرَّاءِ ليكسِبَهُم إلى صفِّهِ من أَوَّلِ البَحْثِ. وَلِذَلِكَ تميَّزَت المقَدِّمَةُ بوجودِ أربعِ مراحِلٍ لِهَذِهِ الكشوفاتِ، وسأحاوِلُ إثباتَهَا هُنَا ليكونَ القارئُ مستعِدَّاً نفسياً لإجرَاءِ المقارَنَةِ:
    الأولى: إنَّهُ بَدَأَ البَحْثَ في (ولايةِ الفقيهِ) الَّتي تبنَّى طَرْحَهَا الزعيمُ الدينيُّ الخمينيُّ في إيرانَ متسائِلاً عَن سَبَبِ إعطاءِ الفقيهِ باعتِبَارِهِ نائباً عَن المعصومِ ولايةً مُطلقَةً هِيَ ذاتُهَا ولايةُ الإمامِ وصلاحياتِهِ، وحَسَب تعبيرِهِ: (كُلُّ صلاحياتِ الإمامِ والرسولِ، وَسُمِحَ لَهُ بتجاوزِ الدستور وإرادَةِ الأمَّةِ جمعاء).
    ويدَّعي (الكاتبُ) أنَّهُ مندَهِشٌ لنفْسِهِ حِينَمَا اكتشَفَ فجأةً [هَكذا] أنَّ العلماءَ السابقين لَمْ يَكُونُوا يؤمنونَ بنظريَّةِ ولايةِ الفقيهِ!.
    وَأمَّا أنا فقَدْ اندَهَشْتُ أكْثَرَ مِنْهُ لانتشارِ هَذا الكتابِ في أوساطِ المثقَّفينَ في العراقَ.. ذَلِكَ لأنَّ (الكاتبَ) يُثْبِتُ بِهَذِهِ العباراتِ جَهْلَهُ مِنْ جِهَةٍ، وكِذْبَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى.
    فقَدْ أَفْشَلَ بِنَفْسِهِ محاولَةَ التأثيرِ النفسيِّ للبَحْثِ من أَوَّلِ خمَسةِ أسْطُرٍ، لأنَّ كُلَّ العراقيينَ وَحَتَّى بعض الصبيانِ مِنْهُم يعلمون جيِّداً أنَّ مبدأَ (ولايةَ الفقيهِ) هُوَ تنظيرٌ جديدٌ في ساحَةِ الفكرِ الشيعيِّ يُقابِلُ فكْرَةَ (انتظارِ الإمامِ القائِمِ)، وأنَّ الكثيرَ من العُلَماءِ لا زالوا عَلَى النظريَّةِ الأولى (انتظارِ القائِمِ)، وخاصَّةً المُحَدِّثينَ والإخباريين وكثيراً من الأصوليين، بَلْ وفي داخِلِ إيرانَ أَيْضَاً. فَكَيفَ غابَتْ هَذِهِ المسألةُ عَن ذهْنِهِ وَهْوَ في الوسَطِ الديني؟.. بَلْ الحَرْبُ بَيْنَ العراقَ وإيرانَ قَدْ أَعْطَتْ فرصَةً كبيرَةً للتعرُّفِ عَلَى هَذا الأمرِ مِنْ قِبَلِ كافَّةِ المثقَّفينَ العاديين جِدَّاً. فقَدْ نَشَرَتْ صُحُفُ العراقَ ومجلاتِهِ مثل "آفاق عربية" أبحاثاً للرَدِّ عَلَى فكرَةِ ولايةِ الفقيهِ، بَلْ كَتَبَ في هَذا الموضوعِ وتحدَّثَ فِيهِ رجالُ السياسَةِ أَيْضَاً، فَكَيفَ اكتَشَفَ (الكاتبُ) (فجأةً) أنَّ العُلَماءَ القُدَمَاء لا يؤمنون بولايَةِ الفقيهِ؟، وَهَلْ هَذِهِ قضيَّةٌ خافيَةٌ أَمْ أنَّهَا خافيَةٌ عَلَى (الكاتِبِ) وحدِهِ في وقْتٍ اشتعَلَت فِيهِ جَبْهَةٌ طولُهَا 1500 كم بالنارِ بِسَبَبِ هَذِهِ المسألَةِ؟.
    يبدو لَنَا أنَّ (الكاتِبَ) يحاوِلُ استغلالَ المسألَةِ السياسيَّةِ في العراقَ خصوصاً لأغراضِ البَحْثِ.. فَهْوَ يتصوَّرُ أنَّ المرءَ سيكونُ في حَرَجٍ شديدٍ وَهْوَ يحاولُ الرَّدَّ عَلَى (الكاتِبِ) لأنَّهُ لا يقَدِرُ عَلَى الجَمْعِ بَيْنَ الإيمانِ بالأئمَّةِ المعصومين (ع) وإنكَارِ ولايَةِ الفقيهِ!. وَلَمَّا كَانَ إنْكَارُ نَظَرِيَّةِ الخميني قضيَّةً لا بُـدَّ (للعراقيِّ) مِنْ إعلانِهَا فإنَّ إنكارَ الأئمَّةِ المعصومين سيكونُ تحصيلَ حاصِلٍ!.
    وَهَذا هُراءٌ، فَلا علاقَةَ مُطْلَقَاً بَيْنَ ولايَةِ الفقيهِ للخميني والإمامَةِ الإلهيَّةِ للأئمَّةِ الاثني عشر (ع). والدليلُ عَلَى ذَلِكَ أنَّ التياراتِ الدينيَّةَ كلَّهَا تحاوِلُ اليومَ الحصولَ عَلَى الحُكْمِ سواء كانوا يؤمنون بالأئمَّةِ المعصومين (ع) أو الشُّورَى.
    الثانية: هَذا الاكتشافُ قادَهُ حسب مدَّعاه إلى المرحلَةِ التاليَةِ، وَهْيَ دراسةُ (الغيبة الصغرى)، وبعدما دَرَسَها (فوجئ) أَيْضَاً وبالوحي الإلهامي وَهْوَ يكشِفُ لَهُ عَن سِرٍّ آخرٍ! قَالَ: (فقَدْ اكتَشَفْتُ أثناءَ البَحْثِ شُبُهاتٍ تاريخيَّةً وعلاماتِ استفهامٍ تدورُ حَوْلَ صِدْقِ ادِّعاءِ النوابِ الأربعة ضمن أكثر من عشرين نائباً)1!.
    يا للكشوفاتِ العجيبَةِ!.
    تصوّر شخصاً شيعياً (حسب ادِّعاءه) ولا يَدري إلى الآنَ أنَّ ثبوتَ أربعةِ نوّاب للإمام (ع) لَمْ يَحْصِلْ إلاَّ بعد الشَكِّ والتردُّدِ!.
    معلومٌ أنَّ الإمامَ إذا غابَ وأوصى إلى (نائِبٍ واحِدٍ)، فإنَّ هُنَاكَ من يدَّعي النيابَةَ قَطْعَاً. ويكونُ واجِبُ المُكَلَّفِ هُوَ الفَحْصَ، أَمْ أنَّ (الكاتِبَ) يزعَمُ أنَّهُ يقَدِرُ عَلَى مَنْعِ الناسِ مِن انتحالِ الشخصيَّاتِ بالإكرَاهِ.
    لِماذَا إذن لا يخلِّصنا من آلاف المنتحلين في كلِّ عصْرٍ ودَورٍ، وفي كلِّ عملٍ بِمَا في ذلك أخطر الأعمال المرتبطةِ بالأمن العام حيثُ كثيراً مَا يدَّعي قومٌ أنَّهُم من رجالِ الأمن، ثُمَّ يكتشِفُ صاحبُ الدَّارِ أنَّهُم عصابةٌ من السُّرَّاقِ وليسوا من الشرطةِ!.
    فَهَلْ نذهبُ لوزيرِ الداخليةِ ونقولُ له: لقد اكتشفنا أنَّ وزارتك وهميةٌ لا وجود لَهَا لأنَّنا اكتشفنا وجود المنتحلين؟!.
    بل النبوَّةُ نفسُها قَدِ انْتَحَلَهَا (مسيلمة الكذاب) و(سجاح)، فَهَلْ سيكذِّبُ الكاتبُ بالنبوَّةِ لوجودِ المُنْتَحِلين؟
    مَا هَذِهِ الحَمَاقَاتُ؟!.
    إذا كان المرءُ يؤمنُ بأنَّ اللهَ لا بُدَّ من أن يبعثَ رسولاً فعليه إذن أن يفحصَ ويتأكَّدَ من الفوارقِ بين المنتحلين وبين الرسولِ الحقيقي. أَمْ!ا إذا كان لا يؤمنُ بوجودِ رسولٍ أَصْلاً فمن الحُمقِ الإتيانِ بهكذا دليلٍ سوفسطائيٍّ.
    نعم.. إنَّ (الكاتبَ) لا يؤمنُ بوجودِ الحُجَّةِ أَصْلاً ، ولذلكَ يتوصّلُ إلى الكشْفِ الثالثِ من كشوفاته الكاذبةِ!.
    وقد كانَ عَلَيْهِ أن يمتلك الحدَّ الأدنى من الشجاعةِ وينكر وجود الحجَّةِ منذُ البدءِ.. بَيْدَ أنَّ القرآنَ أكَّدَ مراراً عَلَى أنَّ المنافقين جبناءُ دوماَ ويقولون بِخِلافِ مَا في قلوبهم كَمَا سنلاحظه من خصائصٍ قرآنيةٍ للمنافقين.. فَهْوَ يخشى الإعلانَ عن هدفِهِِ الحقيقيَِّ فضلاً عن القضايا التاريخيةِ والدينيةِ الَّتي ينتقي مِنْهَا مَا يشاءُ ويقومُ بتأويلِها كيف شَاءَ، بل طريقتُهُ في التوصُّلِ إلى النتائجِ هِيَ ذاتُ الطريقةِ، فكلَّما وجدَ مدَّعِياً لشيءٍ معيَّنٍ في فكرةٍ مبتدعةٍ اعتمدها للوصولِ إلى نتيجةٍ مسبقةٍ حدَّدها، وَهْيَ إنكارِ أصلِ الفكرةِ!!.
    إنَّ هَذا الطريقَ غريبٌ جِدَّاً ي البحثِ، وإنَّ انتشارَهُ في الأوساطِ ليدلُّ عَلَى صدقِ الرسولِ (ص) في مَا أخبَرَ به من علاماتٍ لآخرِ الزمانِ حيثُ التسطيحِ الفكري وغيابِ الحقائقِ واللاعقلانيةِ في التفكيرِ.. فَمَا علاقةُ أراءِ الرِّجالِ وأقوالهم بالحقائقِ الثابتةِ في النصِّ الدينيِّ والتي يجبُ أنْ تَكُونَ هِيَ المرجعِ في الحُكْمِ عَلَى أقوالِ الرِّجالِ؟.
    فَهْوَ يأتي بالقصصِ لإثباتِ بطلانِ القضايا الدينيةِ أو يحشر الثوابتَ الواردةَ في السنَّةِ المقدَّسةِ من جُملةِ القضايا المشكوكِ فِيْهَا.. وأينما تصفَّحتَ في الكتابِ فَإِنَّكَ تجدُ نفسَ الطريقةِ الَّتي لا تمتُ إلى البحثِ العلمي بأيَّةِ صلةٍ تُذكرُ.. ولذلكَ فإن كشوفاته العجيبةَ تتوالى:
    الثالثة: بعدما اكتشفَ السرَّ الثانيَ وَهْوَ وجود المنتحلينَ جرَّهُ هَذا إلى دراسةِ (موضوعِ الإمامِ نفسِهِ) حسب تعبيرهِ! حيثُ قَالَ: (وجدتُ لأوَّلِ مرَّةٍ في حياتي أجواءً من الحيرةِ والغموضِ تلفُّ تلك القضيّةِ)!.
    وَهْوَ متعجِّبٌ من نفسِهِ لأنَّه اكتشفَ لأوَّلِ مرَّةٍ وجود الشكِّ والحيرةِ حولَ الإمامِ نفسِهِ!
    مَا هذه الكشوفاتُ أيُّها الكاتبُ العبقريُّ؟!
    أَوَلا تعلمُ أنَّ كلَّ أطفالِ الشيعةِ يردِّدونَ عبارةَ:
    (فإذا استدرَ الفلكُ وقلتم ماتَ أو هلك في أيِّ وادٍ سلك)
    كواحدةٍ من علائمِ الغيبةِ وبدءِ الانتظارِ؟ فَكَيفَ لم تسمعٍْ في حياتكَ قطّ أنَّ المهديَّ مشكوكٌ في وجودِهِ؟ فَأَنْتَ لم تسمعْ أنَّ محمداً (ص) مشكوكٌ في نبوَّتِهِ عند أربعةِ أخماسِ سكّانِ الأرضِ وأكثر من ثُلُثِ المسلمين وخاصّةً المتعلِّقين بالثقافاتِ الأجنبيةِ؟
    ولمْ تسمعْ أَيْضَاً أنَّ المسيحَ (ع) مشكوكٌ بوجوده في العالم المسيحي إلى حدِّ ادِّعاءِ البعضِ أنَّ هَذا الاسم لا وجودَ له في التاريخِ أَصْلاً، والى حدِّ أنَّ (برنارد شو) في كتابِ (المسيح ليس مسيحياً) يعلنُ أنَّ تبنّي هذه الفكرةَ من قبلِ المثقّفين يُعدُّ سخافةً ويدعوهم إلى الموضوعيةِ، إِذْ لا يمكن أنْ يَكُونَ مثلُ هَذا الدِّينِ المنتشرِ بين الملايينِ قد ارتبطَ باسمِ شخصٍِ لا وجودَ له مُطْلَقَاً.
    لم يسمعْ (الكاتبُ) في حياته هذه الأشياءَ، فَهْوَ يقرُّ عَلَى نفسِهِ بالجهلِ والعبوديةِ وعدمِ التحرّرِ، إِذْ ليس المطلوبُ من المرءِ إلاَّ أن يختارَ الفكرةَ الَّتي يؤمنُ بها من مجموع الأفكارِ المطروحةِ!. أمَّا أَّه آمن بالمهديِّ لاعتقادِهِ بأنَّ الجميعَ يؤمنونَ به ثمَّ تركَ الإيمانَ به بعد اكتشافه أنَّ هُنَاكَ من يشكِّكُ بالمهديِّ فَهْوَ استدلالٌ شخصيٌّ لا يحسن حتى تجميل صورتِهِ أمامَ القرَّاءِ، ويبدأ بتقبيحِ نفسِهِ من أوَّلِ خطوةٍ، لأنَّه عَبْدٌ لآراءِ الآخرين وليس حرَّاً في أفكارِهِ.
    إذن سيكتشِفُ الكاتبُ أنَّ بعضَ الخَلْقِ لا يؤمنون بمحَمَّدٍ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) وسوف يفاجىء المسكينُ مرَّةً أُخْرَى ويشكُّ بوجودِ الرسولِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم)، وسوف يلتقي يوماً مَا بجماعةٍ من الشيوعيين وسوف يفاجىء للمرَّةِ الرابعةِ أنَّ بعضَ الخَلْقِ لا يؤمنون باللهِ! وأنَّ الفارابي وابن رشد وعمانوئيل كانط حاولوا إثباتَ وجودِهِ، وسوف يتخلّى عن الإيمان باللهِ أَيْضَاً!.
    فانظروا مَاذَا يقول؟..
    يقول:
    (لقد تعجَّبتُ من نفسي جِدَّاً لشدَّةِ جهلي بالتاريخِ الشيعي إلى حدِّ أنَّي لم أسمعْ ولمْ أقرأ تفاصيلَ وجود الشكِّ والحيرةِ حولَ ولادةِ للإمام الثاني عشر مَعَ أن كنتُ أقومُ بالدعوةِ والتبشيرِ بالمذهبِ الإمامي) !!.
    إذن فَأَنْتَ داعيةٌ غبيٌّ!!
    لأنَّك كنت تدعو وتبشِّر بإمامٍ لا تدري كيف وُلِدَ ولا تعلمُ إن كان موجوداً أَمْ لا، بل لمجرّدِ أنَّ بعضهم أخبرك بوجودِ إمامٍ بِهَذا الاسمِ!.
    وَمَا أدراني فلعلَّ غباءكَ مستمرٌّ للآن، وأنَّ مَا تقوله الآنَ مَا هُوَ إلاَّ واحدةٌ جديدةٌ من أوهامك الغبيةِ الَّتي رانت عَلَى عقلك طوال هَذا العمر المديد؟!.
    إني لا أتعجّب منك يا أحمد الكاتب!
    إنَّما عجبي هُوَ من الَّذينَ ينفقون دانقاً أو درهماً لاستنساخ كتابك وقراءته حتى لَو كانوا يبغضون المهدي عَلَيْهِ السَّلام ولا يصدِّقونَ بوجودِهِ!، ذلكَ لأنهم ليسوا بحاجةٍ أَصْلاً إلى ؟أن يخسروا أموالهم بهذه الطريقةِ، فإنَّ! اللَهَ تَعَالَى لم يُجبِرْ الخَلْقَ عَلَى الإيمانِ به، وبإمكانِ المرءِ أن يكفرَ وأن يؤمنَ كَمَا يحلو له بدون مصاريفٍ إضافيةٍ:
    {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِم سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا}
    (29) سورة الكهف
    لِماذَا لا نتصارحُ يا أحمدُ (الكاذبُ)؟!..
    فَأَنْتَ يا هَذا تكذِبُ علناً، وأنا أشهدُ أنَّكَ لستَ من الشيعةِ، ولمْ تدعُ لحظةً واحدةً إلى المذهبِ الإماميِّ، ولست من دعاة المهدي عَلَيْهِ السَّلام في وقتِ مَا. ذلكَ لان دعاة المهدي إنَّما يجيبون فقط عَلَى هذه الإشكالات المتعلِّقةِ بوجودِهِ!. أي أنَّهُم يدعون إليه ضدَّ الشكِّ والحيرةِ أَصْلاً. فَمَاذَا كنتَ تدعو في تلك المرحلةِ؟، وكَيفَ بشّرتَ بالمذهبِ الإمامي؟، ألَمْ يسألكَ أحدٌ من التلاميذِ يوماً مَا عن الغيبةِ وعن الظهورِ وعن أسبابِ الغيبةِ؟.
    فَلِمَاذَا تكذبُ يا هَذا عَلَى الناسِ؟
    وَهَلْ هُنَاكَ حديثٌ عن المبشِّرينَ بالمذهبِ الشيعي سوى الردّ عَلَى الخصومِ؟
    بل المذهبُ الشيعيُّ فكرياً وعقائدياً مَا هُوَ إلاَّ ردود عَلَى الخصومِ، فإنَّ جُلَّ مؤلفاتهم العقائديةِ هِيَ في مناقشةِ أدِّلةِ المنكرين للإمامةِ عموماً والنواصبِ خصوصاً، بل ذخرت عناوين كتبهم بهذه المسميّاتِ.
    انظر هذه العناوين لبعضِ كتبهم:
    1. إثبات الهداة بالنصوصِ والمعجزات: تأليف المحدِّث الحسن بن الحرِّ العاملي/ ثمانية أجزاءٍ.
    2. إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب: تأليف المحدِّث علي الحائري/ أربعة أجزاءٍ.
    (فأنظر: أليست العناوينُ نفسُها تتحدَّثُ عن الشكِّ؟)
    3. الغيبة/ للشيخ محمّد بن الحسن الطوسي/ مجلّد واحد.
    4. البرهان في أخبارِ صاحبِ الزمان/ للشيخ الفقيه محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي.
    5. الفصول العشرة في الغيبة/ للشيخ محمد بن النعمان العكبري الملقَّب بالمفيد.
    6. الإرشاد في معرفةِ حجج الله عَلَى العباد/ للشيخ المفيد أَيْضَاً.
    7. تبيين الحُجَّةِ إلى تعيينِ الحجَّة/ للشيخ ميرزا محسن التبريزي.
    8. البيان في أخبارِ صاحبِ الزمانِ/ للإمامِ الطبري المفسِّر/ مطبوع.
    9. البرهانُ في علاماتِ مهدي آخرِ الزمانِ/ علاء الدين بن حسام الهندي نزيل مكّة/ مطبوع بهامش المناقب للمؤلف.
    10. الفصولُ المهمّةُ في معرفةِ الأئمّة/ لعلي بن محمّد الصباغ المالكي المذهب والشهير بابن الصبَّاغ/ مطبوع.
    11. البرهانُ عَلَى طول عمر صاحب الزمان/ لأبي الفتح محمّد بن عثمان الكراكجي.
    12. بشارةُ الإسلام في ظهور صاحب الزمان/ للسيّد مصطفى الكاظمي/ مطبوع.
    13. أربعون حديثاً عن المهدي/ للشيخ أَبي نعيم الاصبهاني صاحب كتاب حلية الأولياء من علماء الحديث لأهلِ السنّة.
    14. عَقْدُ الدُّررِ في أخبارِ المهديِّ المنتظرِ/ للشيخ يوسف بن يحيى السلمي الشافعي/ المخطوطة في معهد المخطوطات/ القاهرة/ برقم 61 ـ من علماء السنّة أَيْضَاً.
    15. المُخْتَصَرُ في علاماتِ المهديِّ المنتظرِ/ للشيخ بن حجر الهيثمي الشافعي/ توجد منه نسخٌ في حلب واستانبول وذَكَرَهُ صاحب إسعاف الراغبين في/139. وذكر الشيخ آل ياسين أنَّ عنده نسخة مصورة عن الأصل في هامش كتابه الآتي ص25.
    16. المهديُّ المنتظَرُ بين التصوِّرِ والتصديقِ/ محمد حسن آل ياسين/ مطبوع.
    17. البرهانُ عَلَى وجودِ صاحبِ الزمان (ع)/ للسيّد محسن الامين الشامي/ مطبوع.
    18. الإمام الثاني عشر/ للسيّد محمّد سعيد الموسوي/ مطبوع.
    19. الردُّ عَلَى من قضى أن المهدي جاء ومضى/ للشيخ علي القاري من الاحناف . توجد منه نسخة خطية في الهند وتركيا، ونسخهة مخطوطة في دار الكتب في قطر حسب مَا ذكر الشيخ آل ياسين ورقمها 9/38.
    20. العرف الوردي في أخبار المهدي/ للمفسِّر اللغوي جلال الدين السيوطي . من علماء السنّة/ مطبوع.
    21. علامات المهدي/ للسيوطي أَيْضَاً.
    22. تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان/ لابن كمال الحنفي/ منه نسخة في خزانة سعيد الديوه جي في الموصل كَمَا في معهد المخطوطات مجلة العهد/9/215 والأصل في مركز استانبول.
    23. المُهدي ال مَا وَرَدَ في المهدي/ لمحمد بن طولون الدمشقي ذكره المؤلف في كتابه الآتي.
    24. الائمة الاثني عشر/ لمحمد بن طولون الدمشقي/ مطبوع.
    25. التوضيح في مَا جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح/ للقاضي محمد بن علي الشوكاني ذكرته مجلة الجامعة الإسلامية ع/3/131. والشوكاني من أشهر علماء الحديث والفقه لأهلِ السنّة.
    26. أخبار المهدي/ للشيخ عباد بن يعقوب الراوجني المتوفي 250 هـ.
    27. المحجّة في مَا نزل في القائم الحجّة من القرآن/ للمحدِّث الشهير سليمان البحراني الكتكاني.
    28. غاية المرام في حجة الخصام/ في إثبات الإمامة للبحراني المذكور آنفاً.
    29. الأربعين في المهدي/ للعلامة المحدِّث محمد باقر المجلسي.
    30. بحار الانوار/ للعلامة المجلسي المذكور سابقاً . خصَّصَ منه المجلَّد الثالث والعشرين للمهدي عَلَيْهِ السَّلام عَلَى الطباعة الحجرية، وَهْوَ يوافق المجلَّد السابع والخمسين من الطباعة الحروفية أو مَا يقرب منا. وَهْوَ مطبوع عدّة مرات.
    31. دلائل الامامة/ لأبي جعفر ممد بن جرير الطبري. خرّجَ فِيهِ نصوصاً كثيرةً تتعلّق بالمهدي عَلَيْهِ السَّلام/ مطبوع.
    32. الغيبة/ للشيخ الأقدم أَبي عبد الله محمد بن إبراهيم النعماني/ مطبوع عدّة مرات/ توفي الشيخ سنة 329 هـ.
    33. إكمال الدِّين وإتمام النعمة/ في الامامة وإثباتها للشيخ الأقدم أَبي جعفر بن بابويه المعاصر للغيبة والمتوفي سنة 329 هـ.
    34. التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول/ للشيخ منصور علي ناصف من الأزهر/ خلاصة للصحاح في آخره علامات الساعة وعلامات المهدي في الجزء الخامس.
    35. كفاية الطالب في مناقب علي بن أَبي طالب/ لأبي عبد الله محمد بن يوسف الشافعي. طبع في آخره كتابه المسمى (البيان في أخبار صاحب الزمان).
    36. منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر/ للشيخ لطف الله الصافي ذكر فِيهِ المرجع في ستة آلاف حديث في المهدي عَلَيْهِ السَّلام.
    37. صحيح البخاري/ للشيخ أَبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المتوفي سنة 256 ه قبل ولادة المهدي المنتظر عَلَيْهِ السَّلام ذكر فِيهِ حديث الأئمة الاثني عشر في الجزء الرابع من كتاب الأحكام.
    38. صحيح الترمذي: أخرج حيث الاثني عشر من باب مَا جاء في الخلفاء من الجزء/2/45 وأنّهم يكونون من بعد النبي (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) بلا فاصلٍ. عدا النصوص الكثيرة في مناقبهم عموماً.
    39. صحيح مسلم: أخرج أحاديث الأئمة الاثني عشر من جزء/2 ص191 حسب طبعة مصر شنة 1348 هـ وأنَّهم من بعده (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) بلا فاصلٍ. عدا النصوص الكثيرة في مناقبهم عموماً.
    40. صحيح أَبي داود/ لأبي سليمان بن الاشعر السجستاني المتوفي مَعَ ولادة المهدي أو بعدها بسنين: أخرج حديث المهدي من كتاب المهدي ج/2/2/ص207. فذكر عن النبي (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) اثنا عشر إمَامَاً أو خليفةً يكونون من بعده بلا فاصلٍ وذكر أن الناس كبّروا حِينَمَا سمعوا ذلك أو ضجّوا.
    (ويظهر أنَ الَّذينَ ضجّوا هُمْ من أمثالِ هَذا "الكاتب")
    41. كفاية الأثر في النصوص الدّالة عَلَى الأئمة الاثني عشر/ للشيخ أَبي القاسم علي بن محمد الرازي من تلامذة الشيخ الصدوق. ذكر فِيهِ أكثر من ألف حديث عن أرباب الآثار في المهدي وصفاته وخصائصه وظهوره وحال أهل الأرض قبله وبعده مرويّة كلها عن رسول الله (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم).

    تعليق


    • #3
      متابعة للكتاب

      بسم الله الرحمان الرحيم
      اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم

      أقول(عالم سبيط النيلي ) : عَلامَ كتبَ كلُّ أُولَئِكَ العلماء تلكم الكتب والمؤلفاتِ؟، أليسَ لإثباتِ مَا أرادَ اللهُ إثباتهِ في كتابِهِ وسنَّةِ نبيِّهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) بعْدَ إنْ تكاثرَ الشكُّ فِيهِ سواء داخل الشيعة أو خارجها؟، فَكَيفَ لمْ يسمعْ الكاتبُ في حياتِهِ بوجودِ من يشكُّ في المهدي؟ أَمْ أنَّه سمع بوجودِ من ينكر اللهَ فاعتبره مسألةً هيِّنةً قياساً إلى المهدي؟.
      لكنَّنا تركنا الكثيرَ الكثيرَ جِدَّاً، فهناك ألوفُ الكُتبِ الَّتي ذُكِرَ فِيْهَا المهديُّ. وكلُّ ذلكَ إنَّما جرى للردِّ عَلَى الشُّكاكِ تَمَامَاًَ مثلما انبرى العلماءُ لإثباتِ النبوَّةِ والمعادِ وعمومِ الإمامةِ، بل وإثباتِ وجود الله بوجهِ أل الشكِّ. بل الشكُّ قرينٌ لذكرِ المهدي في أصولِ الأحاديثِ النبويَّةِ لأنَّه مسألةٌ يبتلي بها الخَلْقُ ويُمحَّصوا ويميَّزوا ويغربلوا حتى يحي من حي عن بيّنةٍ... بل التكذيبُ بالمهدي وَرَدَ في القرآنِ والسنَّةِ في عشراتِ المواضعِ، ولكنَّ العيونَ عماءٌ والآذانُ صمَّاءٌ والقلوبُ متحجِّرةٌ قاسيةٌ طال عَلَيْهَا الأمدُ فقستْ واحتذَت بالأممِ السالفةِ كَمَا ذكرَ النبيُّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) حذوَ القذّة بالقذّةِ والنعلِ بالنعلِ حتى لَو دخلوا جحر ضبٍّ لدخلَتهُ هذه الأمة. وَهْوَ واقعٌ مُعاينٌ بين أيدينا.
      من أوَّلَِ سطورٍ قرأتها وأنا أدركُ كلَّ الكشوفاتِ اللاحقةِ للكاتبِ، وبدأتُ الردَّ ولمْ أقرأ سوى سبع صفحاتٍ.. لِماذَا؟!
      لأنني أعلمُ إلى أيِّ موضعٍ يريدُ الوصولَ!!..
      وأقسِمُ باللهِ وملائكته وكتبه ورسلِهِ أنّي علمتُ من أوَّلِ خمسةِ أسطرٍ أنَّه في الطريقِ لإنْكَارِ الوصيّةِ والإمامةِ، وأنَّ هذه كلَّها مقدِّماتٌ نفسيَّةٌ لهذا الهدفِ.. وَهَكذا تأتي مرحلةُ اكتشافِهِ الرابعةِ!!:
      الرابعة: بعدما ادَّعى أنَّه اكتشفَ وجود من ينكر المهدي والذي لم يسمع به في حياتِهِ دَفَعَهُ هَذا إلى البحْثِ في أصلِ الموضوعِ وَهْوَ الإمامةِ حيثُ قَالَ: ( وَهَذا مَا دفعني إلى إجراءِ دراسةٍ جديدةٍ في نظريَّةِ الإمامةِ نفسِها فاكتشفتُ أنَّها من صُنعِ المتكلِّمينَ وبعيدةٌ ومتناقضةٌ مَعَ أقوالِ الأئمّةِ وأهلِ البيتِ وأحاديثهم الصحيحةِ الرافضةِ لاحتكارِ السلطةِ أو تداولِها بشكلٍ وراثيٍّ، وأحاديثهُم داعيةٌ إلى اختيارِ الإمامِ من قبلِ الأمَّةِ عبر الشُّورَى) .
      أنتَ اكتشفتَ هَذا؟
      قُلْ لي بربِّكَ أنتَ اكتشفتَ هَذا أَمْ كشَفَهُ من قبلِكَ عمرُ بن الخطَّابِ في مجلسِ الشُّورَى، وقامت من بعدِهِ نظريةٌ كاملةٌ مقابل نظريّة التعيين والوصيَّةِ انقسَمَت عَلَيْهَا الأمةُ إلى مذاهب ومشارب عديدةٍ؟!.
      لقد نفَّذَ عُمَرُ بن الخطَّابَ نظريَّةَ الشُّورَى فأفضَت إلى فتنةِ عثمانَ والحروبِ الداخليَّةِ وانتهت دَوْمَاً بتعيينِ السلطانِ من قِبَلِ الأمةِ وعَدَمِ (احتكارِ السُّلْطَةِ وراثياً)!!.
      لقد حدثَ هَذا أيُّها المغفَّلُ ولا زالَ يحدِثُ إلى اليومِ ولم يستلمْ أحد الأئمَّةِ بنظريَّةِ الوصيَّةِ السلطانَ باستثناءِ الإمام علي عَلَيْهِ السَّلام لا بناءً عَلَى الوصيّة، وَإنَّمَا بناءً عَلَى حصولِ فتنةٍ عظيمةٍ قُتِلَ فِيْهَا خليفةُ المسلمين، وتحتاجُ إلى رجُلٍ وَرِعٍ وشجاعٍ وهادٍ للأمَّةِ لينقذها من الضّلالِ المرتَقَبِ!.. وقُتِلَ عَلِيٌّ في محرابِهِ وعادَتِ الشُّورَى لينفِّذَها المغيرةُ بن شعبة في أخذِ البيعةِ ليزيدََ بن معاوية!.
      ثمَّ قامَ يزيدُ بن معاوية بعَقْدِ الإمامةِ لابنه معاوية بن يزيد. وَأَيْضَاً بايعته الأمةُ عن طريقِ الشُّورَى فبقيَ أربعين يوماً. وخرج ابن الزبير فاستولى عَلَى الحجازَ، وعخد مروان لابنه عبد الملك واستولى مصعب أخو بن الزبير عَلَى العراق، وخرج الحجَّاجُ فأذَلَّ أهلَ المدينة. قَالَ السيوطي: ( وختمَ في أعناقهِم وأيديهم مثل أنس وجابر وسهل بن سعد وبقايا أصحاب رسول الله فإنَّا لِلَّهِ وإنَّا إليه راجعون) .
      وتمَّ في هذه المُدَّةِ قتلُ أكثرِ من خمسين ألفٍ من الصحابةِ والتابعين في حروب الجمل وصفين والنهروان والمدينة واليمن وحرب ابن الزبير. وخرج عبد الملك فقضى عَلَى ابن الزبير ثمَّ أخذ البيعةَ لابنهِ الوليد وشاورَ الأمةَ فَقَالَ: (قد فكَّرتُ فيمن أولِّيهِ من العرب فلم أجدْ أحداً)!.
      تصوَّرْ.. إنَّه لم يجِدْ أحداً يستحقُّ الخلافةَ إلاَّ نفسِهِ فإذا هَلَكَ فَلا يستحقُّها أحدٌ سواه!.
      فقالوا لَهُ: (أَيْنَ أنتَ من الوليد؟). وكانَ الوليدُ لا يُحسِنُ الكلامَ. قَالَ السيوطي: (كانَ قد شبَّ بلا أدبٍ) . فأدخلهُ في دراسةِ النحوِ واللغةِ وجلسَ مَعَهُم ستةَ أشهرٍ. قَالَ السيوطي وابن الأثير: (فخرج وَهْوَ أجهلُ ممَّا كان..) فَقَالَ عبد الملك: (أما أنَّه قد أعذر)!!.. ثمَّ عقد له البيعةَ بالشورى!!..
      أقولُ: واستمرَّت الشُّورَى هِيَ الفكرةَ المعمولَ بها إلى اليومِ حتّى ظهرت في صيغتِها الحديثةِ من ممثِّلين وبرلمان وانتخاباتٍ، ولا توجَدُ في أيَّةِ بُقعةٍ في العالمِ انتخاباتُ اتُّفِقَ عَلَى نزاهتها فضلاً عن الخطأ والمغالطةِ في نفسِ الفكرةِ. إِذْ الدِّينُ في جَوهَرِهِ هُوَ اختيارُ مَا اختارَ اللهُ لا اختيارُ مَا اختارَهُ الخَلْقُ.. عندئذٍ يسقط الطرحُ الدِّينيُّ بأكملِهِ.
      فَمَا أكذبُ (الكاتب) إذن وَهْوَ يزعمُ أنَّه اكتشَفَ أنَّ نظريَّةَ الإمامةِ هِيَ من صُنعِ المتكلِّمين!.
      لأنَّ المتكلِّمينَ هُمْ ألدُّ أعداءِ الإمامةِ كَمَا سترى أخي القاريء، بل الإمامةُ من صُنعِ اللهِ وحدِهِ وأكثرُ الخَلْقِ كَفَروا بها، وبها يدخلهم اللهُ إلى أتونِ جهنَّمِ. فَمَاذَا يقولُ (الكاتبُ) في مَنْ أَعْطَاهُ الإلهُ الإمامةَ فَقَالَ:
      {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُم عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (26) سورة ص
      فعلى منطقِ (الكاتبِ) أنَّ اللهَ قد قامَ بمصادرَةِ اختيارِ الناسِ وضَرَبَ باختيارِهِم عرضَ الحائطِ حِينَمَا قامَ بتعيينِ الخَليفةِ في الأرضِ!!.
      لِماذَا يحتكِرُ داودَ السلطةَ ولا يعمل انتخاباتٍ وشورى ليدلي أمثالُ (الكاتبِ) بآرائهم؟!.
      وَلِماذَا عابَ اللهُ عَلَى الملأ من بني إسرائيلَ وكفَّرَهُم حِينَمَا اختاروا مَلِكاً غَيْرَ الَّذي اختارَهُ اللهُ تَعَالَى فقالوا:
      {وَقَالَ لَهُم نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُم وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (247) سورة البقرة
      فَلَمَّا فصلَ طالوتُ بالجنودِ كَفَروا إلاَّ قليلاً مِنْهُم كَمَا قَصَّ القرآنُ.
      وَلِماذَا يَرِثُ سليمانُ داودَ ويضرِبُ الوحيَ بالشُّورى عرضَ الحائِطِ فيقولُ:
      {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}
      (16) سورة النمل
      أَوَليسَ هَذا احتكارٌ للسلطَةِ بصورةٍ وراثيةٍ؟
      وَهَلْ هَذا من صًنعِ المتكلِّمين أَمْ هُوَ من صُنعِ الله؟
      أجِبْ أيُّها الأفَّاكُ الكذوب!
      بلى والله.. إنَّه من صُنعِ الله الَّذي يُخرِجُ به وحدَهُ أضغانَ قومٍ (كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) ـ (9) سورة محمد.
      وَلِماذَا يجعلُ اللهُ النبوَّةَ والحُكْمَ والكتابَ في (آلِ) ذريةِ رجُلٍ واحدٍ مُحْتَكِراً السلطةَ فيقولُ:
      {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} (54) سورة النساء
      وَلِماذَا جعلَ في ذريتِهِ النبوَّةَ والإمامةَ فَقَالَ:
      {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (124) سورة البقرة
      فَمَنَعَ من هَذا العهدِ الظالمينَ من ذرِّيَتِهِ فَقَط وأَثْبَتَها فيهم وجعلَ بعضَهم مِنْ بعضٍ وجعلَ السُّلطةَ حُكراً عَلَى هذه الذريةِ حيثُ أعطاهُمُ الكتابَ، فعِلْمُ الكتابِ يدورُ مدارَ الحُكْمِ.. أَمْ يحسبُ (الكاتبُ) المغفَّلُ أنَّنا نؤمنُ بأنَّ عِلْمَ الكتاب في قومٍ والحُكْمَ في قومٍ آخرين. فَكَيفَ تُنفَّذُ الأطروحةُ الإلهيَّةُ إذن؟.
      قَالَ تَعَالَى:
      {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ  وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ  وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} (84 ـ 86) سورة الأنعام
      ثمَّ يعودُ فيذكِرُ الذريةَ ويقولُ:
      {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}
      (87) سورة الأنعام
      وَقَالَ عن إبراهيم (ع):
      {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} (27) سورة العنكبوت
      وَقَالَ فيهم عليهم السَّلام:
      {ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَا كَانُواْ يَعْمَلُون}
      (88) سورة الأنعام
      فانتبه أخي القاريء إلى قولِهِ تَعَالَى (يهدي بِهِ). فهؤلاءِ هُمْ هدى اللهِ ويهدي بِهِم مَنْ يشاءُ من عبادِهِ، ولو أشركَ مَعَهُم هَؤُلاءِ العبادُ بشيءٍ في حُكْمِ اللهِ لحبطَ عَنْهُم مَا كانوا يَعْمَلُون.
      فَهْوَ تَعَالَى لا يقولُ أنَّ هَؤُلاءِ هداهم الله، بل هَؤُلاءِ هُمْ (هدى الله) نفسه الَّذي يهدي به العبادَ.
      فَهَلْ يقيمُ (الكاتبُ) الصلاةَ فعلاً وَهْوَ يقرأ في فاتحةِ الكتابِ قولَهُ تَعَالَى:
      {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ  اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} (6) سورة الفاتحة
      لا أحسبُهُ يُصَلِّي منذُ أربعين سنة‍!!
      وَهَلْ يغفلُ المرءُ وَهْوَ يعيدُ هذه العبارةَ سبعةَ عشرَ مرَّةً في كلِّ يومٍ لمدَّةِ أربعينَ سنة فَلا يسألُ من هَؤُلاءِ الَّذينَ أنعمَ اللهُ عليهم والذين يجب أن يهتدي إلى صراطهم؟
      ألا يرى هَذا الأبلهُ أنَّ الصراطَ هُوَ صراطُهم المستقيمُ؟
      أَوَليسَ هَؤُلاءِ هُمْ المذكورين في القرآنِ أنَّهُم ذريَّةُ إبراهيمَ الَّذينَ جعلَ اللهُ فيهم الحُكْمَ والكتابَ؟
      أَوَليسَ محمَّدٌ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) وذريته هُمْ آخر عنقود ذرية إبراهيم عَلَيْهِ السَّلام؟
      فَمَا أشدُّ الحاقدينَ عَلَى محمَّدٍ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) وذريته دون سائرِ الذراري!!
      لمْ يوجِّه (الكاتبُ) نقْدَهُ لأمَّةِ ذراري الفسادِ بالرغم من أنَّها حكمت تاريخَ الإسلامِ في كلِّ العهودِ، وبانَ مِنْهَا من المخزياتِ والآثامِ مَا جَعلَ الأممَ الأُخْرَى تتقزَّزُ من رائحةِ العفونةِ الآتيةِ من المشرِقِ بِكُلِّ مَا امتلأتْ به صحائِفِ التاريخِ من موبقاتِ وحِيَلٍ ومكرٍ وخداعٍ للجماهيرِ وقَتْلٍ وإكراهٍ وتزييفٍ للحقائقِ!!
      تُرى.. مَاذَا سيفعلُ (أحمدُ الكاتبُ) لَو رأى بالفِعْلِ ذرية محمّدٍ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) الَّتي نصَّ عَلَيْهِ الكتابُ ـ لا المنتحلين والمدَّعينَ من بني هاشمٍ وعليٍّ وعقيلٍ وَمَا أكثرهم!! ـ مَاذَا سيقولُ لَو رأى أحدُهم بالفِعْلِ وقد استولى عَلَى الحُكْمِ؟
      بالتَأكيدِ.. سيجنُّ جنونُهُ!!
      وَمَا أدراكَ فقد يركبُ هُوَ الآخرُ جملاً أحمراً ويحاربَ ذلك الإمامَ اقتداءً بالمرأةِ وأتباع البهيمةِ الَّذينَ قَالَ فيهم الإمامُ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام مخاطباً:
      (رغا فأجبتم وعقرَ ففرَرْتم)
      وَقَالَ لَهُم ابن عباسٍ حبر الأمَّة وفقيهها:
      (إن كُنَّا مؤمنينَ فقد كَفَرتم بقتالكم لَنَا وإن كُنْتُم كافرين فقد كفرتم بفراركم منَّا حين الزحفِ)
      فأثبتَ عليهم الكُفرَ في كلِّ الأحوالِ. وَهَذِهِ بمثابةِ فتوى لأنَّهم طلبوا أنْ يَكُونَ الأمرُ بالشُّورى فلَمْ تنفعْ الشُّورَى، بل بايعوا ثمَّ نكثوا مرَّتين.
      فأينَ هِيَ الشُّورَى الَّتي لا تَحتَكِرُ السلطةَ في الورثةِ؟
      إنَّما الشُّورَى وُضِعَتْ أَصْلاً لاحتكارِ السلطةِ في ورثةِ الخُلَفاء.. كلُّ مَا في الأمرِ أنَّ ذرية الشيطانِ حلَّت محلَّ ذرية عبادِ الرحمنِ!
      هذه قائمةٌ أُخْرَى بايعَت لَهَا الأمةُ والمُعلَنُ هُوَ الشُّورَى. أحفادٌ وأخوةٌ يتناوبونَ المُلكَ بعدَ أبيهم في جزءٍ من العائلةِ المالكَةِ!:
      1. عبد الملك بن مروان.
      2. الوليد بن عبد الملك بن مروان.
      3. سليمان عبد الملك بن مروان.
      4. عمر بن عبد العزيز بن مروان.
      5. هشام عبد الملك بن مروان.
      6. الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان.
      7. يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان.
      8. إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان.
      إنَّها شُورَى بالفِعْلِ (وأمرهم شُورَى بينهم)، لأنَّ الآيةَ حسب أهل الشُّورَى في أهلِ الحلِّ والعقدِ أي الزعماءِ أَصْلاً.. وبالطبعِ تختارُ العائلةُ المالكةُ بعد التشاورِ الشخصَ المناسِبَ لَهَا.
      أَهذا هُوَ فَهمُكُم للقرآنِ؟
      أمَّا شُورَى كلِّ الأمَّةِ فرداً فرداً فَمَا حَصَلَت وَلَن تحصِلَ حتَّى تقومُ الساعةُ!
      لأنَّ الشُّورَى لا تبطِلُ باعتراضِ الأقليَّةِ أَصْلاً، بل ولا الأكثريَّةِ، بالرغمِ من أنَّ الأقليّةَ هِيَ دَوْمَاً صفة المؤمنين بالفِعْلِ، والأكثريةَ هِيَ الفاسقةُ بنصِّ القرآنِ.
      وَهَذِهِ هِيَ الشُّورَى الَّتي يؤمنُ بها (الكاتبُ) وأمثالُهُ خلافاً لقولِ الله تَعَالَى:
      {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (103) سورة يوسف
      بل تطوَّرت فكرةُ الشُّورَى إلى نظريَّةٍ عجيبةٍ جِدَّاً!
      حيثُ حكمَتْ بصحَّةِ وشرعيّةِ الحاكمِ ولو توصَّلَ إلى الحُكْمِ عن طريقِ أقليّةٍ، بل ولو توصَّلَ إليه عن طريقِ القهرِ والغلبةِ، بل ذهبَ (علماءٌ) منظِّرونَ للطاغوتِ إلى أنَّها تصِحُّ ولو بايعه شخصٌ واحدٌ أوَّل الأمر وتابعه الآخرون وإذا بايعوه قهراً فإنَّها تصحٌِّ أَيْضَاً!!
      مَاذَا يعنون بـ (تصِحُّ)؟
      تصِحُّ عِنْدَهُم بالطبعِ.. وألاَّ فَلا أحدَ يعلمُ قضيَّةً مثلَ هذه في الأديانِ ولا في الفلسفةِ.. وَهْيَ أن يقومَ المرءُ بقهرِ الخَلْقِ بقوَّةِ السلاحِ ثمَّ يكونُ عند اللهِ إمَامَاً وخليفةً شرعيَّاً مثل داود وإبراهيم!!
      تصِحُّ في دينِهم لا في دينِ الله الَّذي نعرفه..
      تَبَّاً لكَ يا كاتبُ هذه الترهاتِ.. أَيْنَ وجدتَ أهلَ البيتِ عليهم السَّلام يَدْعُونَ إلى الشُّورَى حتى تكون الوصيّة من صُنعِ المتكلِّمين؟!
      وَهَلْ هُنَاكَ مَعْنَى لعبارَةِ (أهل البيت) نفسها سوى أنّه بيت فِيهِ ذرية تدعو لنفسِها فقط؟
      وَلِماذَا يسمّون أنفسَهم أهلَ البيت؟
      وَهَلْ دعوا إلى الشُّورَى وفي عَيْنِ الوقتِ وَضَعُوا سلسةً من النسبِ مرتبطةً ببعضِها وَاحِدَاً وَاحِدَاً لإثباتِ الشُّورَى أَمْ لإثباتِ الإمامةِ في الذريةِ؟
      وكَيفَ تقول في صفحة (5) أنَّ الإمامةَ عند الشيعة جعلتهم أي الشيعةَ في حالةِ تبنِّي (فكرٍ يتَّسمُ بالانعزالِ السياسي والسلبية المطلقةِ)؟
      فمن هُمْ إذن الَّذي قاموا بالثوراتِ المتواصلةِ ضدَّ المتآمرين عَلَى الخلافةِ الإلهيّةِ؟
      أهُمْ أسيادكَ هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ أبناءِ ذرية السبطين الطاهرين الإمامين (إنْ قَامَا وإنْ قَعَدَا) الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنّة؟
      أَمْ أنَّكَ ستفاجيء مرَّةً أُخْرَى بالثوراتِ الشيعيةِ عَلَى السلطانِ الأموي والعباسي والزبيري؟.. بدءً من ثورةِ أصحاب علي عَلَيْهِ السَّلام عَلَى أوَّلِ مؤسِّسٍ للطاغوتِ إلى قيامِهِ بحربِ الناكثين والمارقين أمثالِكَ والقاسطين وانتهاءً بثوراتِ يحيى وأدريس العلوي في المغرب ومروراً بمقتلِ سيّد الشهداءِ الحسين بن علي عليهما السَّلام وثورة زيد الشهيد في العراق وثورة أخيه إبراهيم المقتول في (أحجار الزيت) في الحجاز وثورة الحسين بن زيد إلى عشراتٍ غيرها في كلِّ أنحاءِ بلادِ الإسلامِ.
      ومن هُمْ المنعزلون في المجالِ السياسي والفكري؟
      أَهُمْ أجدادُكَ الخانعونَ في أبوابِ السلاطين ينتظرون فضلاتِ موائد الأكالين كالوليد وسليمان الهالك بِسَبَبِ كثرةِ الطعامِ.. أَمْ هُمْ شيعةُ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام المشرَّدينَ في كلِّ أصقاعِ الأرضِ بِسَبَبِ مواقفهِم السياسيةِ؟
      تبّاً لك أيُّها الكاتبُ الغبيُّ الَّذي لم يحْسِن المداخلَ فأعيَت عَلَيْهِ المخارجُ..
      أقسِمُ باللهِ العظيمِ لَولا الاقتداءُ بعليٍّ بن أَبي طالبٍ عَلَيْهِ السَّلام في عدمِ تكليمِ الجُّهالِ والمنافقين لكلّمتكَ بكلامٍ آخرٍ أجعلك فِيهِ عبرةً لكلِّ معتبر..
      لكن هيهات يمرُّ ذلك بسلامٍ عَلَيْكَ.. فانتظر فادحةً تحلُّ بِكَ أو فاقرةً تقصمُ ظهرك تتبعها رادفةٌ تنقلكَ إلى النارِ قريباً وقريباً جِدَّاً!
      فانتظر وتربّص فإنَّه وعدٌ حقٌّ عَلَى لسانِ الرسولِ المصدَّقِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم واللعنةُ عَلَى عدوِّهِ والرادِّ عَلَيْهِ والمختارِ غير مَا اختاره والمحبّ لمن أبغضه والمبغض لمن أحبّه والمكذّب عَلَيْهِ والمعادي لذريتِهِ والمفتري عَلَيْهِ.. آمين.
      ويحكَ أيُّها الإنسانُ.. أَلَمْ يقرأ لكَ كتابكَ صديقٌ ناصحٌ قبل طباعته أو عدوٌّ حقودٌ أو حميمٌ ودودٌ حتى ضمَّنتَهُ فريةً واحدةً مستمرَّةً؟!
      فإني بحثْتُ فِيهِ الآنَ بحثَ المجتهدِ المحقِّقِ عن شيءٍ يليقُ به الردُّ أو عن توهّمٍ يحتاجُ إلى تحقيقٍ أو عن دعوى حقٍّ تحتاجُ إلى إقرارٍ أو اعتذارٍ، فَلَمْ أجِدْ.
      ولا تحسب أنِّي أردُّ عَلَيْكَ دفاعاً عن دينِ اللهِ، فَإِنَّكَ أهونُ من ذلك، ودينُ اللهِ أعظمُ م أن ينالهُ أحدٌ بسوءٍ لأنَّه الحقُّ الدامغُ. ولكن يحزُّ في نفسي تصديقَ بعض المساكين المُضلَّلين لافتراءاتكَ. فعسى أن ينتفعوا بِهَذا الردِّ وتنفتحَ بصيرتُهم وتنشرحَ صدورُهم للإيمان باللهِ ورسولِهِ. وَإنَّمَا أنتَ دليلٌ عَلَى وجود هَذا النمطِ من الخَلْقِ الَّذينَ لا رأيَ لَهُم أو لَهُم رأيٌّ مخالفٌ للحقِّ فأصبحوا وسطاً صالحاً لأضرابِكَ من المتحذلقين يدفعون لَهُم ثمنين باهظين: ثمن الدُّنْيَا وثمن الآخرة عدا الثمن المدفوع نقداً لكتابكَ. فهم كَمَا قَالَ الإمامُ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام: ( باعوا آخرتَهم بدنيا غيرِهم) ـ لا بدنياهم. وَهَذِهِ هِيَ علاماتُ آخر الزمان كَمَا ذكرها الأولياء عليهم السَّلام حيثُ تكونُ (مساجدُهم عامرةٌ من البنيانِ ونفوسِهم خرابٌ من الإيمان) كَمَا عبّروا عَنْهَا في فقرةٍ من الفقرات الَّتي كلّ مِنْهَا تعدُّ فاقرةُ الظهرِ في هَذا الزمانِ.
      يضعُ (الكاتبُ) في ص12 عنواناً هُوَ: (شعور الإمام علي عَلَيْهِ السَّلام بالألوية) ليوحي للقاريء أنَّه مجرَّدُ شعورٍ بالأولويةِ.
      ومن البديهي أنَّ عليَّاً عَلَيْهِ السَّلام سيكونُ من حقِّهِ أن يشعرَ بهذه الأولويةِ شأنه في ذلك شأنُ كلِّ مرشَّحٍ في أيَّةِ انتخاباتٍ، إِذْ يرى المرشَّحُ نفسَهُ دَوْمَاً الأولى بالفوزِ. وبالطبعِ سَتَكونُ الانتخاباتُ وعددُ الأصواتِ هِيَ الفيصلُ، وَهْيَ الَّتي ستقرَّرُ من هُوَ الخليفةَ.. وَعَلَى ذلك فإنَّ عليَّاً بن أَبي طالبٍ هُوَ من المدافعين عن حقِّ الانتخابِ!.
      يا لَكَ من أحمَقٍ غريبِ الأطوارِ تجمعُ بين المتناقضاتِ!
      فإنَّ عليَّاً بن أَبي طالبٍ هُوَ أعظمُ مدافعٍ عن حرِّيةِ الاختيارِ في تاريخِ البشريَّةِ من بعدِ النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) منذُ خلَقَ اللهُ آدمَ. ولكنَّهُ في عينِ الوقتِ لا يرى أنَّها أولويةً، وأنَّ الناسَ إذا لمْ ينتخبوه عملوا صالحاً، وإذا انتخبوا غيره عملوا صالحاً‍!
      بل يرى أنَّ الناسَ لَنْ يعملوا صالحاً قط إذا انتخبوا غيره، وأنَّهم يذهبون إلى جهنَّم مهما كانَ عددُ أصواتِِهِم!!
      ولذلكَ كانَ يحزُّ في نفسِهِ ويؤلمهُ جِدَّاً أن يرَ الخَلْقَ ذاهبين إلى جهنّم بإرادتهم!
      ولغِفلَتِهم وقعَ في مصيبةٍ أعظم، لأنَّه إذا دافعَ عن مستقبلِهم ظنَّوا أنَّهُ يريد خلافتَهم!!
      ولذلك فإنَّ النصَّ الَّذي جاءَ به (الكاتبُ) مبتوراً لا يدِلُّ عَلَى أنَّ عليَّاً (ممتعضٌ) من بيعةِ أَبي بكرٍ كَمَا عبَّرَ الكاتبُ، وَإنَّمَا هِيَ (داهيةٌ) و(كارثةٌ) هِيَ الأعظمُ من كلِّ الكوارثِ، لأنَّها كانت لتوقِفَ المدَّ الرساليَّ وسوفَ تضلُّ بها كلُّ الأمَمِ. قَالَ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام:
      (فَسَدَلْتُ دونَهَا ثَوبَاً، وطَويتُ عَنْهَا كَشْحَاً، وطفِقتُ أرتئي بينَ أنْ أصولَ بيدٍ جذَّاءٍ أو أصبرَ عَلَى داهيَةٍ "طخيةٍ" عمياء، يهرِمُ فِيْهَا الكبيرُ ويشيبُ فِيْهَا الصغيرُ، ويكدحُ فِيْهَا المؤمنُ حتى يلقي ربَّه..)
      فلاحِظ هُنَا كيفَ أسدَلَ وطوى عَنْهَا وانتقلَ إلى خيارين كلّ منهما مقرفٌ مزعجٌ: أمَّا أن يصولَ بيدٍ جذّاءٍ وَهْيَ (المقطوعة عن بدنِها) وفيه دلالةٌ عَلَى قُدرتِهِ عَلَى الصولةِ منفرداً، وفيه إشارةٌ إلى أنَّه قادرٌ عَلَى إبادتِهم جميعاً وإهلاكهِم بالمرَّةِ. ولكن لمن سيأخذ الخلافةَ وَهَذِهِ اليدُ جذّاءٌ؟، إنّما يريدها للناسِ لا لِنفسِهِ. فإذا كفرَ بها الناسُ فَلا يستحقّونها.
      ثمَّ انظر الإشارةَ إلى (يد الله فوق أيديهم) فَهْيَ فوق في كلِّ الأحوالِ. وَإنَّمَا الحِلمُ عَلَى الخَلْقِ وإرجاعُ الحقِّ المسلوب من قبل الطغاة ـ إرجاعُه لَهُم أحجى كَمَا سَوفَ يذكِرُ متابعاً.
      من جهةٍ أُخْرَى لاحِظْ عظم الداهيةِ، فَهْيَ عمياءُ!
      وَهْيَ إشارةٌ إلى الأحاديثِ النبويّةِ الَّتي ذكَرَتِ الفِتْنَةَ (العَمْيَاءَ) فراجِعْهَا في المَلاحِمِ.
      وانظر إلى قولِهِ (يشيبُ فِيْهَا الصغيرُ) ـ إِذْ يدلُّ عَلَى كُفرِ المجتمعِ في هذه الفِتْنَةِ العمياءِ لِقَولِهِ تَعَالَى:
      {فَكَيفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} (17) سورة المزمل
      وَهْيَ آيَةٌ تشيرُ كَمَا هُوَ واضحٌ إلى المستقبلِ وَمَا يحدثُ فِيهِ.
      وقوله (يكدحُ فِيْهَا المؤمن حتى يلقي ربَّه) دليلٌ عَلَى أنَّ المُحرِّكَ للأحداثِ والموجِّهَ للسياسةِ فِيْهَا هُوَ عدوٌّ للمؤمنِ، إنَّه الشيطانُ نفسُهُ من خلالِ أعوانِهِ.
      إذن.. فَهَذَا ليس شعوراً بالأولويةِ!
      فبعد عبارةٍ واحدةٍ سَوفَ ينتهي النصُّ نفسُهُ بإلغاءِ المقايسةِ!
      وَهْيَ العبارةُ الَّتي لم يأتِ بها (الكاتبُ) المفتري عامداً لأنَّها تنسِفُ كلَّ كتابِهِ المدفوعِ الأجرِ مقدَّماً.
      وكَيفَ يُقاسُ اختيارُ اللهِ مَعَ اختيارِ الخَلْقِ؟، ولذلك قَالَ عَلَيْهِ السَّلام بعد هذه الفقرة مباشرةً:
      (فيا لِلَّهِ وللشورى متى اعترَضَ الريبُ فيَّ مَعَ الأوَّلِ مِنْهُم حتّى صرتُ أقرنَ إلى هذه النظائر)
      إنَّه يسمِّهيم (نظائرَ).. أنَّهُم نكراتٌ لا وزنَ لَهُم ولا قيمة!
      ولكنَّها القوَّةُ والبطشُ وحبُّ الدُّنْيَا الَّذي جعلهم حُكَّاماً وملوكاً باسمِ الدِّين.
      لقد كان المخطَّطُ يستهدِفُ قتلَهُ، وكانت بيعتُهُ لَهُم لَو علمتَ أيُّها الجاهلُ هِيَ الضربةَ الموجعةَ المدويَّة الباقية آثارها للآن!.. لأنَّ عليَّاً لَو قُتِلَ فَلا قرآنَ ولا كتابَ ولا سُنَّةَ.
      ولذلكَ فبقاءُ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام لا زالَ يغيظُكَ ويغيظُ الحاقدين عَلَى الدِّينِ من أمثالِكَ.. وإذا كنتَ لا تفهم فراجِعْ تاريخَ كتابةِ القرآنِ!
      لقد تأخَّرَ ظهور القرآنِ إلى عهدِ عثمان.. فأجبني لِماذَا؟
      أجبني يا فيلسوفَ الشُّورَى ومنظِّرَ النكراتِ!
      أجبْ: لِماذَا تأخَّرَ ظهورُ دستورهِم ربعَ قَرنٍ مَعَ أنَّه مكتوبٌ أَصْلاً كاملاً من قبلِ أربعين من كُتَّابِ الوحي؟!
      لقد أجبَرَهم عَلَى إظهارِ كتابِ اللهِ رغم أنوفهم!
      ألا تفهم؟!
      إذا كنتَ لا تفهم للآن فادرُسْ القرآنَ حتّى تفهم!
      لكني أعتقدُ أنَّه سيلعنُكَ حَيْثمَا تقرأ! لأنَّك عدوٌّ لدودٌ لقرينِ القرآنِ!!
      إذا لمْ يكنْ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام يتحدَّثُ عن الخلافةِ الإلهيّةِ في هذه الخُطبةِ فَهْوَ إذن يتحدَّثُ عن الحُكْمِ الشخصيِّ لا غير!
      ومثلُهُ إذن مثلُ أيِّ مرشَّحٍ للحكومةِ وله منافسون!
      هَذا الَّذي تتحدَّثُ عَنْهُ ليس عليَّاً بن أَبي طالبٍ أيُّها النكِرَةُ!
      إنَّه شخصٌ آخرٌ لا نعرفه!
      وَهَذا الَّذي تتحدَّثُ عَنْهُ ليس صاحبَ هذه الخطبةِ الَّذي نعرِفهُ جيِّداً محاطاً بهالةٍ من أحاديثِ صاحب الرسالةِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) أخرجها المبغضون!
      وكلُّ واحدٍ مِنْهَا يحكمُ له بالخلافةِ الإلهيَّةِ..
      ولذلكَ فكلامُكَ لا يدخِلُ أُذنَ أحدٍ إلاَّ النكِراتِ أمثالِكَ!
      والشيعةُ يحفظون عن ظهرِ قلبٍ هَذا المقطع بالذاتِ من الخطبةِ. وهم يلاحظون كلَّ مفرداتِ النصِّ وكلَّ ألفاظِهِ وكلَّ لفظٍ فِيهِ يفتحُ لَهُم باباً من المعرفةِ بحقيقةِ مَا جرى وراء الكواليس!.
      لأنَّ عليَّاً عَلَيْهِ السَّلام يخاطبُ فِيهِ شيعتَهُ الَّذينَ يعرفهم جيِّداً ويعرفونه، تعرَّفَ عليهم في عالمِ الأرواحِ قبلَ عالمِ الأجسادِ والأبدانِ، يخاطبهم بالجفرة وهم يفهمون جيِّداً مَا يقول!
      يخاطبُهم كَمَا قَالَ هُوَ عبر الزمانِ وهم في الأصلابِ!
      يعرفُ أسمائهم ونعوتهم وألقابهم قبل أنْ يَكُونَوا..
      ولذلكَ كان يخطبُ يوماً فَقَالَ له رجُلٌ: أنا أحبُّكَ يا أمير المؤمنين. فَقَالَ له: صدَقتَ يرحمكَ الله!.. فَقَالَ أحد المنافقين لصاحبِهِ: انظر هَذا الرجُلَ مَا أكذبه يقولُ له رجُلٌ احبُّكَ فيقولُ له صدقتَ! والله أنت تعلمُ أني أبغضه وسأريكَ كذبه فإني سأقولُ له أحبّك يا أمير المؤمنين وسيقولُ لي صدقتَ يرحمكَ الله! فإنَّه لم يرني قبل اليوم. فدنا من المنبرِ وَقَالَ منادياً كَمَا فعلَ الأوَّلُ: أنا أحبُّكَ يا أميرَ المؤمنين!. فَقَالَ له عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام: كذبتَ لعنةُ الله عَلَيْكَ!. فَقَالَ: لِماذَا تلعنني؟ أَوَليسَ قد قام رجلٌ فَقَالَ مثل قولي فصدَّقتَهُ وترحَّمتَ علي. فبأيِّّ حقٍّ تخزيني دون صاحبي؟. فَقَالَ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام: كذبتَ أيُّها الخبيثُ!.. إنَّ اللهَ خلقَ الأرواح قبلَ الأجساد بألفي عامٍ.. ووالله مَا رأيتُ روحَكَ في أرواحِ من أحبَّني!.
      فأبشِرْ أيُّها المنافقُ بفاقرةِ الظهرِ بعد إن حاربتَ عليَّاً وليَّ اللهِ المبرَّءَ من الدَّنسِ وبعتَ نفسَكَ للشيطانِ بثمنٍ بخسٍ.
      عذراً أيُّها القاريءُ فقد تركتُكَ وخاطبتُ هَذا الأفَّاكَ وَهْوَ لا يستحقُّ الخطابَ لأني أريدُ أن أخبركَ بِأَقْوَالِ أمير المؤمنين الَّتي نبذها هَذا الكذوبُ عامداً والتي سَتَكونُ هِيَ محورَ هَذا الكتابِ حيثُ تراها كلَّها ترِدُّ عَلَى أكاذيب الكاتبِ عَلَى هَذا الإمامِ العظيمِ. وسنجعلُ من كلِّ قولٍ له عَلَيْهِ السَّلام عنواناً مستقلاًّ ثمَّ نشرحُ مضمونه بالبينة المرتبطةِ بكتابِ الله وسنَّةِ رسولِهِ وبالتاريخِ المحقّقِ منه وبالواقعِ المُعاينِ لك الآنَ.
      فمن هذه الأقوالِ لعليٍّ بن أَبي طالبٍ عَلَيْهِ السَّلام:



      ‌أ. فمنها قوله عَلَيْهِ السَّلام

      وقَدْ قَالَ قائلٌ أنَّكَ عَلَى هَذا الأمرِ يا بن أَبي طالب لحريصٌ. فقلت بَلْ أَنْتُم والله لأحرصُ وأبْعَدُ وأنا أخَصُّ وأقْرَبُ وَإنَّمَا طلبتُ حَقَّاً لي وَأَنْتُم تحولون بيني وبينه وتضربون وجهي دونَه فَلَمَّا قَرَعْتَهُ بالحُجَّةِ في الملأ الحاضرين هبَّ كأنَّه بهت لا يدري مَا يجيئني بِهِ.
      نهج البلاغة/ الخطبة 170

      فانظر أخي القارئ فَإنَّهُ لا يقولُ هَذا حقٌّ عامٌّ، بَلْ حقٌّ خاصٌّ بِهِ وحدِهِ حالوا دونه وضربوا وجهَهُ دونه. وَلَكِنَّهُم حَيْثُ منعوه من هَذا الحَقِّ احتجُّوا بالقُربى، فاحتجّ عليهم بِهَا لأنَّهُ بالقربى أقربُ لإسقاطِ حجَّتهم الَّتي ادّعوها حَتَّى لا تبقى لَهُم حُجَّةٌ واحدةٌ، وألاَّ فَكَيفَ يحاجِجُ المرءُ قوماً أنكروا مَا أنزلَ اللهُ، وأنكروا البيعةَ والعهدَ والوصيَّةَ. فَإِنَّهُم قالوا: لا تجتمِعُ العَرَبُ إلاَّ عَلَى رَجُلٍ من أوسطِهِم أقربهم إلى رسول الله من كُلِّ الوجوه.

      ‌ب. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام

      اللَّهُمَّ أنَّكَ تعْلَمُ أنَّهُ لَمْ يكنْ الَّذي كَانَ منّا منافسةً في سلطانٍ ولا التماسَ شيءٍ من فضولِ الحطامِ وَلكنْ لنرُدَّ المعالِمَ من دينِكَ، ونُظْهِرَ الإصلاحَ في بلادِكَ فيأمنُ المظلومون من عبادِكَ وتُقامُ المُعطَّلَةُ من حدودِكَ..
      نهج البلاغة/ الخطبة 129

      فَمَاذَا يقولُ صنائعُ الطغاةِ في هَذا الكلام؟ أهـو منافسةُ رجلٍ يرى في نفسِهِ الأولويةَ أسوةً بِغَيْرِهِ أَمْ أنَّهُ تضمَّنَ الإشارةَ الواضحةَ إلى كُفْرِ من سَبَقَهُ حَيْثُ:
      1. تنافسوا في السلطانِ.
      2. التمسوا فضولَ الحطامِ.
      3. غيّروا معالمَ الدِّينِ وَهْوَ يريدُ رَدَّ تِلْكَ المعالمِ.
      4. أظهروا الفسادَ وَهْوَ يريدُ الإصلاحَ.
      5. عطّلوا الحدودَ وَهْوَ يريدُ إقامةَ مَا عطّلوا من حدودِ اللهِ.
      6. ظلموا الخَلْقَ وأرهبوهم وَهْوَ يريدُ إعادةَ الأمنِ إلى المظلومين.
      7. إنه لَمْ يكنْ ينافسُ في الترشيح للحكومة!. ولو كَانَ كَذَلِكَ لأعرض عَن الترشيح لأنَّ الدُّنْيَا لا تساوي عنده بِمَا في ذَلِكَ هَذا الكاتب الدعيّ.. لا تساوي عفطة عنزٍ! كَمَا قَالَ هُوَ عَلَيْهِ السَّلام. ولا يحتاجُ عليٌّ الَّذي اكتفى بـ (طمرية وقرصية) حسب تعبيره إلى دست الحُكْمِ لِهَذِهِ الغايَةِ الدنيئةِ الوضيعةِ الَّتي يحتاجها دَوْمَاً من يشعرُ بالنقصِ ويرغب بالتسلُّطِ عَلَى العبادِ.
      أليسـت هَذِهِ الفقراتُ كلُّها مزبورةً في هَذا الخطابِ عَلَى قصرِهِ أَمْ أنت لا ترى ولا تبصر. بلى أنت لا ترى قط حَتَّى تدخل قعرَ جهنَّم، لأنَّك مثلُ أسلافك وأشياعك الَّذينَ أخبر الله تَعَالَى عَنْهُم حَيْثُ يحسبون وهم عَلَى شفير جهنَّم أنَّ أبصارَهم سُحِرَت فيقول المنادي:
      {أَفَسِحْرٌ هَذا أَمْ أَنْتُم لَا تُبْصِرُونَ} (15) سورة الطور

      ‌ج. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام

      اللَّهُمَّ إني أستعديكَ عَلَى قُريشٍ ومن أعانَهُم فَإِنَّهُم قَطَعوا رَحْمي وصغَّروا عظيمَ منزلَتي وأجْمَعوا عَلَى منازعَتي أمراً هُوَ لي
      نهج البلاغة/ الخطبة 215

      فَكَيفَ تقولُ أيها الأفَّاكُ الكذوبُ أنَّ علياً كَانَ يؤمنُ بالشورى ويرى صحَّةَ خلافةِ الكفرةِ المارقين قبله وَلِذَلِكَ بايعهم1وأنه لا يؤمن بالوَصيَّةِ؟.
      ألا تراه ضمَّنَ هَذا النصَّ:
      1. أنَّهُم عدوٌ لَهُ وَهْوَ عدوٌ لَهُم وَهْوَ يشتكي إلى اللهِ، ويطلب منه أنْ يَكُونَ عدواً لَهُم فيقولُ: (إني أستعديكَ عَلَى قُريشٍ ومن أعانَهم)!
      2. ألا ترى أنَّه يقول: (أنَّهُم قطعوا رحمي)، ورحمُهُ هِيَ رَحْمُ رسول الله، فهم قطعوا رحْمَ رسولِ الله؟
      3. ألا ترى أنَّه يقول: (وصغّروا عظيمَ منزلتي)، لأنَّ الشُّورَى سَاوْت بَيْنَ الرجسِ والطاهرِ، وجعلت الكافِرَ والمؤمِنَ عَلَى قَدَمِ المساواةِ في الترشيحِ.
      4. ألا ترى أنَّه يقول: (أجمعوا منازعتي أمراً هُوَ لي). فالخلافَةُ لَهُ خاصَّةً، وَمَا كَانَ ليقولَ ذَلِكَ ويكذبَ عَلَى الملأ لَولا عِلْمُ الجميعِ أنَّها لَهُ خاصَّةً، وَلِذَلِكَ لَمْ يجِبْهُ أحَدٌ ولا اعترَضَ عَلَيْهِ مخلوقٌ كلَّما كرَّرَ هَذا الكلام
      ولكنكم تقولون: (لِماذَا إذن لَمْ يقاتلهم؟)!
      فتباً لكم!!..
      لقَدْ كَانَ عَلَيْكُم أن تقولوا: (لِماذَا إذن لَمْ يولُّوه عليهم وخالفوا أَمْرَ مولاهم).
      فإنَّكم تحسبون الإمامَةَ الإلهيَّةَ مِثْلَ المناصبِ الدنيويَّةِ، وفاتَكُم أنَّ الإمامةَ هِيَ مِثْلُ أيِّ حُكْمٍ شرعيٍّ في الدِّين، ولا إكراه في الدِّين كَمَا قَالَ تَعَالَى:
      {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن باللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (256) سورة البقرة
      فالإمامُ الإلهيُّ المنصوصُ عَلَيْهِ من الرَبِّ والمُعَيَّنِ من الرسول (ص) لا يجبِرُ الخَلْقَ، ولا يقاتلُهم من أجلِ الإمامةِ، لأنَّها أمْرٌ إلهيٌّ. وَأَنْتُم تريدون أنْ يحتلَّ دارَ الإمارَةِ بالقوَّةِ..
      فَيَا لَكُمْ من أغبياء وحمقى!
      بَلْ إذا شَاءَ الخَلْقُ أنْ يطيعوا مولاهم فَهَذَا خيرٌ لَهُم في الدُّنْيَا والآخرة، وإن شاءوا العصيانَ عَاقَبوا أَنْفُسَهُم وذراريهم بِأنْ يَكُونُوا تَحْتَ مطرقَةِ الفِتَنِ والظُّلْمِ والقَهْرِ.
      فَمَا أضحكني بعدما أبكاني شيءٌ مثْلُ عقولِ هَؤُلاءِ المعترضِينَ، لأنَّ الإمامَةَ لَيْسَتْ منصباً دنيوياً، والإمامُ لا يذهب باحثاً عَن الإمامَةِ وعن المطيعين، بَلْ الخَلْقُ عليهم أنْ يأتوه مذعنين، فإذا لَمْ يأتوه تألَّمَ لَهُم وعليهم لا عَلَى المنصبِ والرئاسةِ، وَهْوَ منفِّذٌ لمشيئَةِ الله تَعَالَى، وَلَيْسَ هُوَ شخصاً من مثل أئمَّتِكُم حَتَّى تقيسوا عَلَيْهِ. وألاّ فَلِمَاذَا نقول هُوَ إمامٌ بتنصيبٍ من الله إذا كَانَ مثلَ أَبي بكر وعمرٍ.. واحِدٌ يضَعُ يَدَهُ في يَدِ الآخرِ يقول لَهُ: لا أنتَ أكبرُ مني سناً. فإذا ماتَ الأوَّلُ دفَعَها إلى الثاني بلا شُورَى مزعومَةٍ أو غير مزعومةٍ.
      وَلَيْسَ هَذا الإمامُ الإلهيُّ مثْلُ أَبي بكر إمامكم الَّذي قَتَلَ مالك بن نويرة بعدما أعطاه وقومَه الأمانَ، ثمَ يغدر بِهِم لأنَّهُمْ منعوا الزكاة، وأجْبَرَ الخلق عَلَى البيعةِ حَتَّى حملوا علياً مكتوفاً بسلاسلِ الحديدِ وجاءوا بالمشاعِلِ لإحراق دارِهِ. فَقَالَ بعضُ الناس: (فِيْهَا فاطمة!) فَقَالَ عمرٌ: (وإنْ!)، فَقَالَ قائلٌ: (إنَّ فِيْهَا الحسنَ والحسينَ!)، فَقَالَ عمرٌ: (وإن!).
      أَمْ أنَّكَ ستكذِّبُ هَذِهِ القصَّةَ الَّتي ذَكَرَها كُلُّ المؤرخين وهم من أئمتكم ودافعوا عَن أَبي بكر بزعمهم أنَّ الإمام لَهُ الحَقُّ في حَمْلٍِ الخَلْقِ عَلَى البيعةِ والطاعةِ لكي تجتمعَ الكَلِمَة!.
      فالإمامُ الإلهيُّ لا يجبِرُ أحداً عَلَى البيعةِ والطاعةِ، لأنَّ حُكْمَهُ هُوَ ذاتُهُ حُكْمُ اللهِ، والله تَعَالَى لا يجبِرُ، وَإنَّمَا يحاسِبُ يوم القيامة، وفي الدُّنْيَا يعاقِبُ بالفِتَنِ والبلاء. ولو شَاءَ أن يجبرَ الخَلْقَ لما احتاجَ أمرُهُ إلى الإمامِ، بَلْ ولا إلى الرُّسُل والأنبياءِ، ولكانَ أجبَرَ الخَلْقَ بقُدْرتِهِ الَّتي خضَعَتْ لَهَا السمواتُ والأرضُ، واندكَّتْ لَهَا الجبالُ وتضعضعت لَهَا قوائمُ الكرسيِّ.
      فَمَا أغبى عقولكم حَيْثُ تقارنون الإمامَ المعيَّنَ من اللهِ بأئمَّةِ الشيطان!
      فمن الطبيعي أَنَّكُم لا تَفْهَمونَ مَا يفعلُهُ عليٌّ بن أَبي طالبٍ، وترون أمْرَهُ عجيباً، إِذْ كيف يكتِّفونَهُ بالحَديدِ وَهْوَ الَّذي فرَّ منه جيشُ حُنينٍ، وجَنْدَلَ عَسْكَرَ الأحزابِ في (الخندقِ)، ووَصَلَ صدى ضربتِهِ في (خيبرَ) إلى الملأ العلوي؟.
      فَهَذَا عِنْدكُم عجيبٌ جِدَّاً لأَنَّكُم عبيدَ الشيطانِ فَلا تَفْهَمونَ سِوَى عمل الشياطين.
      فاتركوا هَذا والتهوا أيُّها القومُ بأموالِكم ودنانيركم وأئمَّتِكم، فإنَّكم أبْعَدُ الخَلْقِ عَن فَهْمِ الأسرارِ الإلهيَّةِ والكراماتِ الرساليَّةِ وغرائبِ الأنوارِ المحمديَّةِ..
      دعوا هَذا لأهله..فإنَّكم في وادٍ وهؤلاء في وادٍ آخر …
      أَنَّكُم لا تَفْهَمونَ هَذِهِ الأسرارَ ولا تفرِّقون بَيْنَ حالٍ لاذَ فِيهِ مُحَمَّدٌ صلى (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) بالفرار والهجرة، وحالٍ آخرٍ ارتقى فِيهِ أطباقَ السماءِ فاهتزَّتِ السَّدرَةُ، ولا بَيْنَ حالٍ حُمَّ فِيهِ النبيٌّ حَتَّى كادَ يموتُ وحالٍ آخرٍ أحيا بِهِ بتفلتِهِ المُباركَةِ من كادَ يموت، ولا بَيْنَ حالٍ ولَّى فِيهِ موسى(ع) لائذاً بالفرار فَقَالَ: (فَفَرَرْتُ مِنْكُم لَمَّا خِفْتُكُم فَوَهَبَ لي ربِّي حُكْمَاً)، وبَيْنَ حالٍ أحدَثَ فِيهِ فرعونُ عَلَى نفسِهِ غرقاً من عصاه.



      ‌د. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام

      أيُّها الناسُ أنشدُكُم اللهَ أتعلمون أنَّ رسولَ اللهِ قَامَ خطيباً فَقَالَ: أيُّها الناسُ إني تارِكٌ فيكم الثقلين: كتابَ الله وعترتي أهل بَيْتِي فتمسَّكوا بهما لَنْ تضلُّوا فإنَّ اللطيفَ الخبيرَ أخبرني وعَهَدَ إليَّ أنَّهما لَنْ يفترِقا حَتَّى يَرِدَا عليَّ الحوضَ فقَامَ عُمَرُ بن الخطاب شبه المغضبِ فَقَالَ: يا رسول الله أكُلُّ أهلِ بيتك؟ فَقَالَ: لا وَلكن أوصيائي مِنْهُم أوَّلُهم أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمَّتي ووليُّ كُلِّ مؤمنٍ بعدي هُوَ أوَّلُهُم ثمَّ إبني الحسن ثمَّ إبني الحسين ثمَّ تسعةٌ من ولد الحسين واحد بعد واحدٍ حَتَّى يَرِدوا علي الحوضَ شهداء الله في أرضِهِ وحجَّته عَلَى خَلْقِهِ وخُزَّان عِلْمِهِ ومعادِنَ حِكْمَتِهِ من أطاعَهم أطاعَ اللهَ ومن عصاهم فقَدْ عصى الله؟؟
      فقالوا كلُّهم (واللفظ لابن حجر في الصواعق): نَشْهَدُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وآله قَالَ ذَلِكَ. قَالَ: ثُمَّ تمادى عليٌّ في السؤال فَمَا تَرَكَ شيئاً إلاَّ ناشدَهُم فِيهِ حَتَّى أتى عَلَى آخرِهِ وهم في كُلِّ ذَلِكَ يصدِّقونه ويشهدون أنَّه حقٌّ.
      الصواعق المحرقة1

      فَكَيفَ تقولُ أيُّها الأفَّاكُ الكذوبُ أنَّ علياً لا يؤمِنُ بالوَصيَّةِ، وأنَّ الوَصِيَّةَ كَانَتْ شخصيَّةً محضَةً تخصُّ العائلةَ النبويَّةَ؟، وكَيفَ تَزْعَمُ أنَّ الإمامةَ الإلهيَّةَ هِيَ من صُنْعِ المتكلِّمين؟، وأين هُمْ المتكلِّمونَ يومئذٍ وَهَذا الخطابُ والمناشدةُ حَصَلَتْ في أواخِرِ عَهْدِ عمر أو أوائل عهد عثمان؟.
      هَذِهِ قائِمَةٌ بمصادرِ هَذا النصِّ الَّذي رواه أئمَّةُ وحفاظُ السنَّةِ الَّذينَ يؤمنون بـ(الشُّورَى).. والذين لَمْ يجرؤْ أحَدٌ مِنْهُم من قبل عَلَى إنكارِ الوَصِيَّةِ والإمامَةِ، بَلْ أشاروا إليه باسمِهِ الشريفِ (الإمام علي) في كُلِّ كتبِهِم، وكتبوا بعده (عَلَيْهِ السَّلام) خلافاً للبقيَّةِ الَّذينَ يكتبونَ بعد أسمائهم (رضي الله عَنْهُم)! إِذْ هُوَ دعاءٌ فَكَأَنَّهُم يشيرون إلى عَدَم العِلْمِ برضا الله عَنْهُم، وكلُّ من هُوَ غير معصومٍ تدعو لَهُ بِهَذا الدعاء. أمَّا الرُّسُلُ والأنبياءُ وخلفاءُ الله فيقال لَهُم (عَلَيْهِ السَّلام).. وكلُّ مَا فَعَلَهُ أهلُ السنَّةِ هُوَ تبريرُ فعْلِ الثلاثة واستلابهم الخلافة، وغايَةُ مَا أرادوا إثباتَهُ هُوَ أنَّهُم اجتهدوا بحسنِ نيَّةٍ لاعتقادِهِم أنَّ العَرَبَ تعصي الإمامَ. وَهْوَ تبريرٌ مكشوفُ الزيفِ، وَلِذَلِكَ كانوا يكتمون تشيّعَهم. ولو بحثت عَنْهُم جيِّداً لوجدتَ أكثرهم من الشيعَةِ الحقيقيين بشرْطِ أن تُخْضِعَ عباراتَهُم للتحليلِ الدقيقِ للجُمْلَةِ، ولا تنخدِعَ بالألفاظِ المجاورَةِ الَّتي كَانَتْ بمثابَةِ (جوازٍ) لانتشارِ مؤلَّفاتهم، بَلْ تهتَمُّ بالموضوعِ والمضمونِ. فَإِنَّهُم رحمهم الله أشاروا إلى كُفْرِ الثلاثة بالتلميحِ دونَ التصريحِ ووضعوا عَلَى أسمائِهِم عبارَةَ (رضي الله عَنْهُم) لمخادعَةِ السلطات لا غير.
      وَلكن رَانَ عَلَى العقولِ غباءٌ مستحْكِمٌ مَنَعَ الناسَ من فَهْمِ هَذِهِ الإشاراتِ…
      أمَّا هَذا الكاتبُ المنافقُ فقَدْ جَاءَ بِمَا هُوَ من إشراطِ الساعة حَقَّاً، فَإنَّهُ نَسَبَ الشُّورَى والقولَ بِهَا لصاحبِ الوَصِيَّةِ نفسِهِ.. فَمَا أكذبه!!.
      هَذِهِ القائمَةُ بأصولِ حديثِ المناشدَةِ والذي ذكروا منه مقتطفاتٍ كثيرةً ومختلِفَةً. وَلكنَّ مَا أثبتناه كَانَ مُشترِكاً وَهْيَ المناشدَةُ بالوَصيَّةِ والإمامةِ والنصِّ عَلَى اثني عشر إمَامَاً أولهم علي (ع)، وَلِذَلِكَ اختار كُلُّ واحدٍ من علماء السنَّةِ جزءاً من حديث المناشدة. فمن هَذِهِ المصادر:
      1. كتاب المناقب للخوارزمي/ ص217.
      2. كتاب الصواعق المحرقة لابن حجر/ ص77.
      3. كتاب فرائد السمطين للحمويني الشافعي/ ج1/ ب58.
      4. كتاب ينابيع المودة لسليمان القندوزي الحنفي/ ص114.
      هَؤُلاءِ أخرجوا حديثَ المناشدةِ كاملاً وفيه ثمانية وعشرون مناشدة. وَأمَّا الَّذينَ أخرجوا فقراتٍ منه بحسب عناوينهم فهم:
      5. كتاب المناقب للخوارزمي/ الفصل 19/ ص246.
      وفيه المناشداتُ الخاصَّةُ: أَّنه أَوَّلُ الموحِّدين، أنَّهُم ليسَ فيهم صهرٌ كصهره ولا أخٌ كأخيه ولا عمٌّ كعمِّهِ ولا زوجةٌ كزوجتِه ولا سبطان كسبطيه، وأنَّهُ صاحبُ الولايةِ وصاحبُ الراية ومن سلَّمَت عَلَيْهِ الملائكةُ … إلى آخر مَا ذكره.
      أقولُ: الاحتجاجُ بالأرحامِ والقُربى إنَّمَا هُوَ للرَدِّ عَلَى قواعِدِهِم الجاهليَّةِ، فَإِنَّهُم يتفاخرون بِذَلِكَ، فإذا كانوا صادقين بِهَذِهِ المفاخرةِ مَعَ الإيمان بالرسول تنتقلُ صلةُ الأرحام إلى النبيِّ، ويكون هُوَ الفائزَ أَيْضَاً وفق قواعدِهِم، وغايتُهُ من ذَلِكَ إجبارُهُم عَلَى أحَدِ أمرين: إمَّا أنْ يشهدوا لَهُ بالإمَامَةِ، أو أنْ يشهدوا عَلَى أنفسهم بالكفرِ. وقَدْ فهموا المرادَ، وَلِذَلِكَ كانوا يشهدون لَهُ بالإمَامَةِ دَوْمَاً ولا يَرِدُّون عَلَيْهِ قط ولا نَعْلَمُ شيئاً وَرَدَ في التاريخ أنَّهُم رَدُّوا احتجاجَهُ.
      ثمَّ نلاحِظُ أنَّه عَلَيْهِ السَّلام يحاججهم بِكُلِّ العناصرِ المرتبطةِ بالإمَامَةِ مرّةً واحدةً كَمَا في هَذا الحديثِ الَّذي ناشدهم فِيهِ بثمانيةٍ وعشرين قضيَّةً كُلٌّ مِنْهَا تـدِلُّ عَلَى إمامَتِهِ المنصوصَةِ، وكلُّها منسوبَةٌ لصاحبِ الرسالةِ أو للقرآن بتفسيرٍ من النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم).
      وَلكنَّ الكاتبَ الكاذبَ كَانَ ينتقلُ من فكرةٍ إلى فكرةٍ لضُعْفِ الأولى وعَدَمِ صلاحيتها للاحتجاج!
      طَبْعَاً.. فإنَّ المرءَ لا ينقلُ الاحتجاجَ من فكرةٍ إلى فكرةٍ لضِعْفِ الأولى، بَلْ لإجبارِ ضِعْفِ إيمانِ الخصم الَّذي استهواه الشيطان. ولو أخذنا بقولِكَ لكانَ احتجاجُ القرآنِ المُكرَّرُ سبع مرات في سورة الروم والمبدوء كُلٌّ مِنْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (ومن آياته) كذا وكذا.. أنَّهُ ينتقِلُ إليه لضعفِ الحجَّةِ الأولى فيأتي بالأخرى!.
      6. مدارك التنزيل للنسفي/ ج4 من تفسير الخازن/ ص242، وفيه المناشدَةُ الخاصَّةُ بآيَّةِ المناجاة.
      7. جامع الترمذي/ ج2/ ص460، وفيه المناشدة بحديث الطير.
      8. الرياض النضرة/ للمحبِّ الطبري والذخائر عَلَى الترتيب ص184 من ج2/ وص72، وفيه الناشدة بحديث الراية.
      9. البخاري في صحيحِهِ في أربعة مواضع هِيَ: ج2/ ص310 باب اللواء، وج14/ ص385، وج16/ ص450 باب الغزو، وج12/ ص340 باب المناقب وفيه المناشدَةُ بحديثِ الرايةِ.
      10. صحيح مسلم ج2/ ص324، وفيه المناشدة بحديث الراية وَهْوَ جزء من هَذِهِ المناشدة المبدوءة بالنصِّ الآنفِ.
      هَذا وقَدْ تركْتُ الكثيرَ من المصادرِ. وللمزيد تجِدُ بعضَها الآخر في كتاب (علي والوصيَّة) تأليف نجم الدِّين الشريف العسكري حَيْثُ فصَّلَ فِيهِ القولَ من صفحة 72 إلى صفحة 130 وَذَكَرَ كُلَّ مَا يتعلَّق بحديث المناشدة وَهْوَ في كتابه الحديث المرقم (33).


      هـ. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام

      … فقُلْتُ أتخلِّفُني يا رسول الله في النساءِ والصبيانِ؟، وبكيتُ، فَقَالَ أما ترضى أنْ تَكُونَ مني بمنزلة هارون من موسى ألا أنَّكَ لسْتَ بنبيٍّ أنه لا ينبغي أن أذهب إلاَّ وَآَنْتَ خليفتي

      وَهْوَ عَلَيْهِ السَّلام يحتجُّ عليهم بِهَذا القولِ للخلافَةِ الإلهيَّةِ.
      أقولُ: نَقَلَ هَذا الحديثَ حُفَّاظُ السنَّةِ وأهلُ الشُّورَى قبل وجودِ شيءٍ اسمُهُ عِلْمُ الكلامِ عَن التابعينَ والتابعينَ لَهُم بإحسانٍ عَن الصحابةِ. وَلِذَلِكَ أثبَتوه، ومنه يظهَرُ كذبُ هَذا الأفَّاكِ حَيْثُ يزعَمُ أنَّ الوَصِيَّةَ عائليَّةٌ شخصيَّةٌ. فيفَنِّدُ هَذا النصُّ هَذِهِ الدعوى خصوصاً، لأنَّهُ لا يقول لَهُ: (خلَّفتُكَ في النساءِ والصبيان)، بَلْ يقول لَهُ: (أنت منِّي بمنزلةِ هارون من موسى)، وقَرَنَ ذهابَهُ ببقاءِ عليِّ وخلافتِهِ لَهُ. وَكأنَّ غيابهما معاً، هُوَ غيابٌ للدّينِ، وَلَمْ يستثْنِ (ص) سِوَى النبوَّة.
      فمن يُصَدِّقُ بقولِ المنافقينَ بعد ذَلِكَ؟.
      وَهَذا الحديثُ أجْمَعَ عَلَيْهِ الناسُ الَّذينَ اختلفوا ظاهرياً في عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام حَيْثُ رواه السنَّةُ والشيعَةُ.
      فاختلافُهُم هُوَ العجيبُ بعد إجماعِهِم عَلَى وجودِ كلامٍ للنبي (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) بِهَذا المَعْنَى!.
      مصادر الحديث:
      1. الصحيحُ لمسلم ج2/ ص323 – ج2/ ص324.
      2. صحيح الترمذي ج2/ ص 460 – 461.
      3. المستدرك عَلَى الصحيحين للحاكم ج3/ ص108.
      4. صحيح البخاري ج14/ ص 386 و ج17/ ص 475.
      5. الخصائص للنسائي ص18 و ص28.
      6. السنن لابن ماجه ج1/ 28.
      7. سنن ابن داود ج1/ ص29.
      8. مسند أحمد بن حنبل ج1/ 170/ 185/ 331 و ج3/ ص32 و ج6/ ص396.
      9. البدايةُ والنهايةُ لابن كثير ج7/ص239، وص340.
      هَذا.. وله ذِكرٌ في كلِّ كتبِ الفضائلِ والمناقبِ، وَهْيَ تربو عَلَى ثلاثمائةِ كتابٍ في عليٍّ ابن أَبي طالب عَلَيْهِ السَّلام عدا كتب الشيعةِ.

      تعليق


      • #4
        جزاك الله أخي المستبصر المهدوي , سأقرئ هذا الكتاب على مهلي , لأني متابع لكتابات هذا الكاتب أعني سبيط النيلي و أفكاره الجديدة , مع تحفزي الشديد له .

        تعليق


        • #5
          المشاركة الأصلية بواسطة لواء الحسين
          جزاك الله أخي المستبصر المهدوي , سأقرئ هذا الكتاب على مهلي , لأني متابع لكتابات هذا الكاتب أعني سبيط النيلي و أفكاره الجديدة , مع تحفزي الشديد له .
          بسم الله الرحمان الرحيم
          اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

          الأخ الفاضل : لواء الحسين
          شكراً جزيلاً على مروركم الكريم
          وهذا الكتاب يستحق أن يقرأه كل موالي لأهل البيت عليهم السلام ليعرف افتراءات المضلين على مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وكيف قام المرحوم سبيط النيلي بالرد على هذه الافتراءات التي عرضها الناصب أحمد الكاتب .

          وعلى الإنسان أن يقرأ أولاً ثم بعد ذلك يحكم على ما قرأه ، فهذا هو الطريق الصحيح لمعرفة الحق من الباطل والصحيح من العليل
          وفقكم الله

          ومن يريد تحميل الكتاب من الأخوة الموالين وغيرهم يضغط على رابط الكتاب في أسفل توقيعي .

          والحمد لله على نعمة الهداية والولاية
          التعديل الأخير تم بواسطة المستبصرالمهدوي; الساعة 10-08-2005, 04:12 PM.

          تعليق


          • #6
            بسم الله الرحمان الرحيم
            اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم

            يقول المؤلف ( عالم سبيط النيلي )
            تنبيــــهٌ:
            ألا ترى أيُّها القاريءُ الكريمُ أنَّ معاجزَ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام مستمرَّةٌ ولم تتوقَّفْ لحظةً واحدةً؟.
            فإنَّ الَّذي ألهمَهُ اللهُ هَذا السؤالَ عن الخلافةِ عَلَى النساءِ والصبيانِ لَيعلم أنَّ الزمانَ سيجودُ عَلَى الأمَّةِ بمثلِ هَذا الدَّعيِّ الَّذي يزعمُ أنَّ الخلافةَ عائليَّةٌ في النساءِ والصبيانِ والوصيَّةَ شخصيَّةٌ!.. لِذَلِكَ سأل عَلَيْهِ السَّلام: (أتخلفني يا رسول الله في النساءِ والصبيانِ؟).
            نعم.. إنَّ رجلاً يدورُ معه الحقُّ حَيْثمَا دارَ لهوَ أكبرُ من أن يُقرَنَ إلى هذه النظائرِ. ويبقى قولُ اللهِ ورسولِهِ مُبطِلاً للبِدَعِ في كلِّ زمانٍ.
            ولذلكَ كلّهِ.. فحينما حَكَمَ الأشباهُ والنظائرُ من غيرِ مشورةِ المؤمنينَ قامتْ المعارَضَةُ عَلَى السلطةِ القرشيّةِ المُسنَدَةِ من قبيلِ اليهود والروم بأحلافٍ سرِّيةٍ ومعاهداتٍ خفيَّةٍ تستَّرَ عَلَيْهَا المجرمون وظهرَتْ رائحتُها العفنةُ فيما بعدُ من خلالِ فلتاتِ ألسنةِ المؤرِّخين وعِبَرِ الأحداثِ..
            ولكنَّ هذه الأمَّةَ لا زالتْ تزوِّرُ وتكذِّبُ وتماري في الحقِّ..
            فَلِمَاذَا اتَّفقت كلمةُ العربِ عَلَى محمَّدٍ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) واختلَفتْ بشأنِ أَبي بكرٍ؟.
            هل ارتدَّت العربُ فعلاً يا أبناءَ المكذِّبين أَمْ كانوا معارضةً سياسيةً عَلَى حكومةٍ لا شرعيَّةٍ؟
            وَلِماذَا لمْ يخرجْ عليٌّ بن أَبي طالبٍ وجملةُ بني هاشمٍ وشيعةُ عليٍّ لمقاتلةِ هَؤُلاءِ المرتدِّين إن كانوا فعلاً مرتدِّينَ عن دينِ الإسلام؟
            وَهَلْ يُعقَلُ أنَّ هَؤُلاءِ كلَّهم يخشونَ سطوةَ النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) حتَّى إذا غابَ استغلّوا (ديمقراطيّةَ أَبي بكرٍ) و(رقَّةَ قلبِهِ) الَّتي بلغتْ حدَّ أن يُحرِقَ المعارضينَ بالنارِ أسوةً بالكفرَةِ الَّذينَ فعلوا فعلَتَهم بأصحابِ الأخدود؟!
            أَمْ أَنَّكُم لا ترون مَا في التاريخِ ولا تُبصرونَ الأحداثَ؟!
            لقد بلغَ طغيانُ أَبي بكرٍ أنَّه أجبَرَ أسرى المعارضةِ عَلَى الإقرارِ بأنَّ (قتلاهم في النار وقتلى جيشِ أَبي بكرٍ في الجنَّةِ) فتَصوَّر!!
            وكأنَّ هَذا الطاغيةَ له صلاحيَّةٌ بلغت حدَّ أنْ يحِلَّ محلَّ (رضوان) و(مالك) خازن الجنّةِ والنارِ.
            بَيْنَمَا النبيُّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) نفسُهُ لمْ يقُلْ هَذا، لأنَّ من (قاتلَ لامرأةٍ يصيبها أو مالٍ أو لأَجْلِ حلفٍ فَهْوَ لمن قاتلَ لأجلِهِ)، وَإنَّمَا وضَعَ قانوناً عامَّاً مفادُهُ أنَّ من قُتِلَ في سبيلِ اللهِ فَهْوَ في الجنَّةٍِ، وسواه إلى اللهِ إنْ شَاءَ عذّبَهُ وإنْ شَاءَ غَفَرَ له، والكافِرُ في النارِ.
            لقد ارتدَّتْ حسب زعمهم العربُ كلُّها إلاَّ قريشُ!
            ولو لاحظنا أحداثَ الردَّةِ لوجدناها أكذوبةً، بل الردَّةُ هِيَ في قريش. وأمَّا العربُ فقد بقيَت عَلَى الأمر الأوَّلِ.. ولكنَّ بعضَ الكفَرَةِ استغلَّ الأحداثَ والانقسامَ فادَّعى النبوَّةَ، وتوجَدُ معلوماتٌ أُخْرَى تقولُ أنَّ المدَّعينَ للنبوَّةِ أُرسِلوا من قبلِ القيادةِ الجديدةِ أَصْلاً باتِّفاقٍ مَعَ اليهود، وذلِكَ لإسنادِ محاربتهم لَهُم بسَنَدٍ شرعيٍّ، وأنَّ المتابعينَ لمسيلمة الكذّاب وسجاح قد وقعوا بين فكَّينِ، وأنَّ القيادةَ الجديدةَ ضحكت عليهم حيثُ حرَّضتهم عَلَى الردَّةِ ودفعت لَهُم الأموالَ وغدَرَت بِهِم فأبادتهم!!.
            وَهَكذا هُوَ الأمرُ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
            {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (129) سورة الأنعام
            فأجبني يا كاتبُ الترهاتِ.. كيفَ تفسِّرُ ارتدادَ العربِ كلَّها مَا عدا قُريش؟
            أَهَذَا ناتجُ شوراكَ الَّتي تُدَافِعُ عَنْهَا؟ أَمْ الأصحُّ أنَّ قريشاً كفرَتْ وبدَّلَت نعمةَ اللهِ، وَهْوَ الظاهرُ في كلامِ أميرِ المؤمنين المبدوء بِقَوْلِهِ: (إنَّ قريشاً قطعوا رحمي..) إلى آخر الفقرةِ الَّتي ذكرنَاهَا!
            أَمْ تحسبُ أنَّنا نتَّفِقُ معكَ في مَا تدرِّسونه للطلاَّبِ منذ أربعة عشر قرناً من وجودِ ردَّةٍ عادت إلى الدِّينِ بفضلِ أَبي بكرٍ؟
            إنَّ اللهَ تَعَالَى يقولُ:
            {قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} (49) سورة سبأ
            نَعم.. أَنَّكُم تتعبون أنفسَكم فقط، فإنَّ الباطلَ لا يختلِطُ بالحقِّ ولو استمرَّ الخلْطُ مليون سنةً لا أربعةَ عشر قرناً!
            قَالَ ابن الأثير في كاملِهِ:
            (.. فإنَّه لمَّا ماتَ النبي (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) ارتدَّت العربُ وتضرَّمتَ الأرضُ ناراً وارتدَّت كلُّ قبيلةٍ عامَّةٍ وكلُّ قبيلةٍ خاصَّةٍ إلاَّ قريشَ وثقيفاً)
            ألا تَفْهَمونَ هذه المعاني الَّتي يشير إليها المؤرِّخونَ؟
            ألا تَشْتَغِلْ عقولُكُم بحسبِ التصميمِ الَّذي أرادهُ اللهُ لَهَا؟
            إذن.. فقولُ عُمر: (لا تجتمِعُ العربُ عَلَى أنْ تَكُونَ النبوَّةَُ والخلافةُ في بيتٍ واحدٍ) هُوَ قولُ الشيطان المضادِ لقولِ الرحمن، لأنَّ الرحمن يعلمُ اجتماعها عَلَى هَذا البيتِ كَمَا اجتمعت لمحمّدٍ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) ، ذلك أنَّ اللهَ هُوَ الَّذي ألَّفَ بينهم:
            {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَو أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (63) سورة الأنفال
            وَأَنْتُم تقولون: (ألَّفَ بين قلوبِهم أَبو بكر وعمر)، فكفرتم هُنَا أَيْضَاً حيثُ تردُّونَ أمرَ اللهِ بأمرِ طواغيتكم وأئمَّتِكم قادةِ الضلالةِ.
            هذه عناوينُ المناطقِ (المرتدَّةِ) حسَبَ زعمِهِم من كُتُبِ التاريخِ (وَهَذِهِ القائمةُ من الكامل لابن الأثير) وَهْيَ تُعادُ نفسُها تقريباً عند الطبري وسواه من المؤرِّخين:
            1. خبر ردَّة طيء وأسد. الكامل/ج2/ص231.
            2. خبر ردَّة طليحة الأسدي وغطفان. الكامل/ج2/ص232.
            3. خبر ردَّة عامر وذبيان. الكامل/ج2/ص134.
            4. خبر ردَّة عامر. الكامل/ج2/ص136.
            5. خبر ردَّة هوزان وسليم. الكامل/ج2/ص237.
            6. خبر ردَّة تميم مَعَ سجاح. الكامل/ج2/ص240.
            7. خبر ردَّة مالك بن نويرة وأهل البطاح. الكامل/ج2/ص242.
            8. خبر ردَّة أهل اليمامة مَعَ مسيلمة. الكامل/ج2/ص244.
            9. خبر ردَّة أهل البحرين. الكامل/ج2/ص249.
            10. خبر ردَّة أهل عمان ومهرة وناجية وراسب وعبد القيس وسعد العشيرة.
            الكامل/ج2/ص252.
            11. خبر ردَّة اليمن: صنعاء وتهامة وأهل الساحل.
            الكامل/ج2/ص254.
            12. خبر ردَّة نجران وبجيلة. الكامل/ج2/ص255.
            13. خبر ردَّة اليمن الثانية. الكامل/ج2/ص255.
            14. خبر ردَّة حضرموت وكندة. الكامل/ج2/ص256.
            أقولُ: قتلوا في هذه المواقعِ الألوفَ وأهلكوا الحَرْثَ والنَّسَلَ ووقعت فِيْهَا فضائعُ مخزيَّةٌ خاصَّةً في اليمن والبحرين والنصارى من نجران وأصحاب مالك بن نويرة، وتفنَّنوا في القتلِ والتعذيبِ، ولذلك وَرَدَ قولُ أميرِ المؤمنين الَّذي يشيرُ إلى الظُلْمِ وغيابِ الأمنِ وتعطيلِ الحدودِ..
            فافهموا التاريخَ أوَّلاً والقرآنَ ثانياً وكلامَ الأولياءِ ثالثاً قبل أن تؤلِّفوا الكُتُبَ يا أولادُ الخنا والعارِ وشُذَّاذِ الآفاقِ وزُبالةِ تاريخِ الأمَمِ.
            فبكم وحدِكم أصبحَتْ هذه الأمَّةُ أضحوكةً وألعوبةً بيد اليهودِ والمارقين إلى هَذا اليوم.

            تنبيــــهٌ:
            انتبه أخي القاريء إلى قولِهِ تَعَالَى:
            {لَو أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } (63) سورة الأنفال
            مرادُهُ تَعَالَى أنَّ الإنفاقَ لا يؤلِّفُ قلوبَهم لَو أعطيتَهم حرِّيةَ الاختيارِ الَّذي منحه الله لَهُم. ومعلومٌ أنَّ التأليفَ بحدِّ السيفِ وبالبطشِ والإرهابِ ممكنٌ وليس مُحالاً، ويقدِرُ عَلَيْهِ كلُّ الطغاةِ الَّذينَ لا زالوا يؤلِّفونَ الناس بالحديدِ والنارِ. ولكنَّ هَذا ليسَ مرادَ الله، إِذْ لَو شَاءَ أن يجمعَ الناسَ عَلَى أمرٍ بالقَهرِ لَفَعَلَ بلا رُسُلٍ ولا أنبياءٍ له.
            فافهم هذه الإشاراتِِ الإلهيَّةِ واربطها مَعَ سيرَةِ النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) وعليٍّ عَلَيْهِ السَّلام فإنَّهما مَعَ الأئمة العُصماء وحدَهما يمثِّلانِ الإسلامَ، وغيرهما طواغيتٌ وجبابرةٌ لا يُمثِّلُ عملُهم شيئاً من الدِّينِ ولا علاقةَ له بِمَا أنزل اللهُ، بل هُوَ حربٌ عَلَى اللهِ ورسولِهِ وسيعلمُ الَّذينَ ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون.


            و. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام

            وَذَلِكَ في اليوم الَّذي قضى فِيهِ مخاطباً الحسن (ع):
            .. أمَرَني رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وآله وسلم أنْ أوصي إليك وأنْ أدفعَ كُتُبي وسلاحي كَمَا أوصى إليَّ رسول الله ودفع إليَّ كتبه وسلاحه وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموتُ أن تدفع ذَلِكَ إلى أخيك الحسين ـ قَالَ وأقبل عَلَى الحسين ـ فَقَالَ: وأمرك رسول الله أن تدفعَه إلى ابنك هَذا ثمَّ أخذ بيدِ ابنه علي بن الحسين فضمَّهُ إليه وَقَالَ لَهُ يا بني وأمرك رسول الله أن تدفعه إلى ابنك مُحَمَّد فاقرأ محمَّداً من رسولِ الله ومنِّي السَّلام ثم أقبل عَلَى الحسن فَقَالَ يا بني أنت وليُّ هَذا الأمر ووليُّ الدم فإن عفوت فلَكَ وإن قتلت فضربة مكان ضربة.
            مستدرك نهج البلاغة ج2/ص 308

            ذَكَرَ ذَلِكَ برواية القاضي النعمان عَن الإمام علي بن الحسين وعن الإمام الباقر (ع).
            أقول: حِينَمَا سألوه عَلَيْهِ السَّلام عَن الحسَنِ (ع) فَقَالَ: (لا آمركم ولا أنهاكم وَأَنْتُم بأموركم أبصر) ـ ظنَّ السفهاءُ أنَّه بِهَذا القولِ قَدْ ألغى الإمامةَ والخلافةَ …
            إذن فَكَيفَ أثبَتَ هَذِهِ الوَصِيَّةَ كتابَةً وأَشْهَدَ عَلَيْهَا رؤوسَ الصحابةِ وبني هاشم وجميعَ أولادِهِ؟
            نعم.. أوَ لَيْسَ قَدْ قَالَ مِرَاراً أنَّ بني أميَّةَ سيسلبون المُلْكَ وأنَّهُ مَا قُبض حَتَّى دعا اللهَ أن يبدِّلَهُ بخيرٍ من هَؤُلاءِ الناس ويبدِّلهم بمن هُوَ شرٌّ منه؟
            فبأيِّ شيءٍ يأمرهم وبأيِّ شيءٍ ينهاهم؟.
            لقَدْ قضى نحْبَهُ بناءاً عَلَى طلبِهِ ودعاءِهِ فَكَيفَ يأمرهم بِمَا يعلَمُ مسبقاً أنَّهُم مخالفون فِيهِ؟
            فإن قُلْتَ: (فأين هُوَ هَذا الطَلَبُ؟ وَلِماذَا قَبَلَ الحَسَنُ (ع) بالخلافَةِ بعد ذَلِكَ؟)
            فأما الحسن (ع) فَإنَّهُ رفَضَ الخلافة، إِذْ لَمْ تعد فِيْهَا فائدةٌ قط بعد فساد الناس وضلالهم. فهم يُرِيدون قِيادَةً دنيويَةً لا قِيَادَةً إلهيَّةً. وَلكنْ لَمَّا أفهَمَهُم هَذا الأمْرَ فإنَّ القِلَّةَ مِنَ المؤمنين لَمْ تَكُنْ تحتمل هَذا ويصعب عَلَيْهَا فَهْمُ الأمور كَمَا يفهَمُها أولياءُ الله، ولا بُـدَّ من ابتلاءهم بالحربِ والقتال حَتَّى يظهر مكنونُ مَا انطوت عَلَيْهِ أنفسهم. فإذا بَقِيَتْ أقلِّيَةٌ ضئيلةٌ يكون قَدْ أعذر، والأمر موكول إليه. فالشاهدُ يرى مَا لا يرى الغائبُ. فَلَمَّا ابْتَلاهُم بِذَلِكَ انقلبوا ضدَّهُ وهجموا عَلَى خيمتِهِ وعصوه!
            والإمام عيَّنَهُ اللهُ ليُطاعَ لا ليُعصى فإذا عُصيَ وَقَعَتِ الحُّجَةُ عَلَى الناسِ دون الإمامِ، وَهْيَ سنَّةُ الله في الرُّسُل كلِّهم.
            لَو كان حاكماً طاغوتياً يبعثُ بالرشاوى سِرَّاً لرؤوسِ القبائلِ، ويقتِلُ المعارضينَ غيلةً، ويأخِذُ عَلَى التهمَةِ والظنَّةِ كَمَا يفعل بنو أميَّةَ عَلَى نهجِ الشيخينِ لأَطَاعوه.
            لكنَّ الناسَ لا يفهمون من هُوَ الإمامُ المنصوبُ من قبل الله. فإنَّ رحمتَهُ بالعباد وحنوَّهُ عَلَى الخَلْقِ وتحرِّجَهُ من الظُلْمِ وإيمانَهُ بحريَّةِ الاختيارِ يجعلُ الناسَ تطْمَعُ فِيهِ، وتَجِدُ فِيهِ مسرحاً لآرائها ـ فحزمُهُ من طاعَةِ الخَلْقِ، لأنَّ عزمَه وحزمَه واحدٌ، وَهْوَ من الخَلْقِ وإليهم، وَلَيْسَ هُوَ طاغوتاً. وديدنُ الخَلْق مُنْذُ عَهْدِ آدمَ أنَّهُم يطيعونَ الطاغوتَ ويعصونَ الوليَّ وألاّ فَكَيفَ يَشِكُّ المرءُ المؤمنُ بقرارٍ يتَّخِذُهُ الحسن (ع) والنبيُّ يقول هُوَ (سيد شباب أهل الجنة)؟.
            وَهَذا النصُّ تحفِظُهُ الأمَّةُ كلُّها، لأنَّهُ (ص) كرَّرَهُ مئات المرّاتِ حَتَّى حفَظَهُ كُلُّ الصحابَةِ!
            فإذا كَانَ الخَلْقُ لا يريدون الإمامةَ فَهَذَا شأنُهُم، لأنَّ الإمامَ منفِّذٌ لمشيئةِ اللهِ لا غير.. وَهْوَ عَلَيْهِ السَّلام معدومُ الرغبَةِ في الحُكْمِ أَصْلاً، وَإنَّمَا هُوَ يفعلُ ذَلِكَ تنفيذاً لأمْرِ الله. فَهْيَ عنده بلاءٌ ومحنَةٌ لا كرسيٌّ يسيلٌ اللعابُ لرؤيتِهِ كَمَا هُوَ عِنْدَ عمر وأبي بكر وعثمان صاحبِ القميصِ الَّذي ثارَ عَلَيْهِ الخَلْقُ وأوْشَكَ عَلَى الهلاكِ وَهْوَ يصيحُ بِهِم من السطْحِ وَهْوَ محاصَرٌ: (واللهِ لا أخلَعُ قميصاً ألبسنيه الله)!!
            هَذِهِ هِيَ الخلافَةُ الإلهيَّةُ عندهم.. إنَّها قميصٌ يلبسُهُ ابنُ حَرْبٍ. وقَدْ كَانَ جَدُّهُ المعاهرُ المحكومُ عَلَيْهِ بالنفي إلى الشام أقرَّ رغم عهره بضرورةِ تنفيذ أمْرِ النفي الَّذي حَكَمَتْ بِهِ العربُ. فكم ورث إذن من العُهْرِ حَتَّى بلغ هَذا الحد1؟.
            وَهَلْ هُنَاكَ من عاهِرٍ يموت ولدُهُ وزوجتُهُ جوعاً وعطشاً ويرفض تسليم السلطة إلاَّ ذَلِكَ النوعُ من المعاهرين الَّذي يعبدون الكرسي؟!
            فأينَ هَذا أيُّها الناسُ ممَّن يدعوا في الليل بالموتِ ليأتيهِ ويخلِّصَهُ مِمَّا يراه من فِتَنٍ وظُلْمٍ لا يقْدِرُ عَلَى إزالتِها لقلَّةِ الناصِرِ وسريانِ الضَّلالِ في النفوسِ والذي فَتَحَ أبوابَهُ الثلاثةُ آخرُهم سليلُ العاهِرِ؟.
            فاسمع لشكوى عليِّ عَلَيْهِ السَّلام، وَهْيَ جوابٌ لسؤالِكَ الآخرِ، وقولك متى كَانَ ذَلِكَ؟ ومتى طَلَبَ الموتَ؟.
            بلى لقَدْ طَلَبَ الموتَ والشهادةَ:
            (عَن الحسنِ بن عليٍّ قَالَ: قَالَ لي عَلَيْهِ السَّلام: يا بني رأيتُ رسول الله في هَذِهِ الليلةِ في نومةٍ نمتها فقلت: يا رسول الله مَاذَا لقيت من أمّتِك من الأودِ واللددِ فَقَالَ: يا عليُّ ادعُ عليهم فقلت: اللَّهُمَّ أبدلني بِهِم خيراً لي مِنْهُم وأبدلهم بي من هُوَ شرّ مني. قَالَ فخرج إلى المسجد فضربه الرجل)
            مصادرُ النصِّ: الاستيعاب 2/ 470، أسد الغابة 4/ 36، طبقات ابن سعد ج3/ ق1/ 24، وله مثيل في الكنز ج6/ 411.
            فقارن بَيْنَ رجُلينِ أحدُهُما رعيَّتُه تريدُهُ للدنيا ولا يُريدُها ويُريدُ الموت ويَتَمَنَّاه!
            أهَذَا رَجُلٌ يحلُمُ بحُكْمٍ دنيويٍّ أَمْ هُوَ حاكِمٌ إلهيٌّ؟
            وآخرٌ رعيتُهُ تحاصِرُهُ وتتوسَّلُ إليه أنِ اتركْ هَذا الأمرَ فَإِنَّكَ لا تليقُ بِهِ ولا يليقُ بِكَ ولا نريدُ قتْلَكَ.. فيصرُّ عَلَى البقاءِ في الحُكْمِ حَتَّى يهلكَ.. أهو عابِدٌ لِلَّهِ أَمْ هُوَ عابِدٌ للكرسي؟ مالكم كيف تحكمون؟‍!
            وَأمَّا أَيْنَ تنبّأَ بمعاويةَ وبني أميَّةَ وملكِهِم؟ فَهْوَ كثير منه قوله عَلَيْهِ السَّلام:
            (أما أنَّهُ سيظهر عَلَيْكُم بعدي رجُلٌ رحبُ البلعوم، مندحقُ البطن يأكل مَا يجد ويطلب مَا لا يجد فاقتلوه وَلَن تقتلوه! ألا وأنَّهُ سيأمركم بسبّي والبراءة مني)
            الخطبة/ 57 من نهج البلاغة
            أقولُ: قولُهُ (اقتلوه) مَعَ علْمِهِ بأنَّهم لَنْ يقتلوه يتضمَّنُ حجَّةً عَلَى الخَلْقِ ودليلاً عَلَى فسادِ عقائدهم بحَيثُ أنَّهُم يستحقُّون حاكماً كهذا، لأنَّهُمْ لا ينفِّذون الأمْرَ بقتْلِهِ لأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلام قَدْ خَبِرَهم وعَلِمَ مَا في قلوبِهِم، وَلِذَلِكَ فعلمُهُ القرآنيُّ يحدِّدُ لَهُ مسارَ الأحداثِ مستقبلاً لا من حَيْثُ هِيَ حَتْمٌ لا تغييرَ فِيهِ، بَلْ من حَيْثُ معرفته بالوجهين معاً: السننِ العاملةِ من جهةٍ وحالِ الناسِ من جهةٍ. كَمَا لَو عَلِمْتَ من شدَّةِ عبَثِ وكَسَلِ الطلاب من جهةٍ وتشدُّدِ الأساتذةِ وصرامةِ الدراسة من جهةٍ أُخْرَى أنَّ هَؤُلاءِ فاشلون حَتْمَاً! فافهم ذَلِكَ.
            وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام:
            (أما أَنَّكُم ستلقون بعدي ذلاّ شاملاً وسيفاً قاطعاً وأثرةً يتَّخذُها الظالمون فيكم سنَّةً)
            الخطبة/58.
            وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام:
            (فاسألوني قبل أن تفقَدْوني فوالذي نفسي بيَدِهِ لا تسألوني عَن شيء فيما بينكم وبَيْنَ الساعَةِ ولا عَن فئةٍ تهدي مائةً وتضلُّ مائة إلاّ أنبأتكم بسائقها وناعقها وقائدها ومناخ ركابها ومحط رحالها ومن يقتل من أهلها قتلاً ومن يموت مِنْهُم موتاً ولو قَدْ فقَدْتموني ونزلت بكم كرائهُ الأمور وحوازبُ الخطوبِ لأطرَقَ كثيرٌ من السائلين وفَشَلَ كثيرٌ من المسئولين وَذَلِكَ إذا قلصت حربكم وشمّرت عَن ساق وضاقت عَلَيْكُم الدُّنْيَا ضيقاً تستطيلون معه أيام البلاء عَلَيْكُم حَتَّى يفتح الله لبقيةِ الأبرارِ مِنْكُم)
            نهج البلاغة/ الخطبة 91
            فبماذا يأمُرُهم؟ إنَّمَا يأْمُرُ ابنَهُ الحسنَ (ع) ويوصي إليه بكتُبِ الأنبياءِ كلِّها، لأنَّ الحُجَّةَ عندهم، والسلاحَ عندهم، وَهْوَ هُوَ المقصودُ من الرسالَةِ أنْ تَكُونَ الحجَّةُ لِلَّهِ دون الخَلْقِ.
            أمَّا الكاتِبُ الكاذِبُ فيزعَمُ أنَّ الحُجَّةَ للخَلْقِ من حَيْثُ أنَّ الشُّورَى هِيَ نظامُ الحُكْمِ وبالتالي فالاختلافُ لا بُـدَّ منه.
            وإذن.. فالخَلْقُ عَلَى حقٍّ حِينَمَا اختلفوا وأنّى اختلفوا. فإنْ كَانَ الأمرُ كَذَلِكَ فلنا سؤالٌ: مَا الغايَةُ وَمَا المقصودُ من الخَلْقِ أَصْلاً أيُّها المتغافِلُ؟ أليس إدخالُ فريقٍ إلى الجَنَّةِ وفريقٌ إلى النار؟، أَمْ تَحْسبُ أنَّ الغايَةَ من الدُّنْيَا هِيَ الدُّنْيَا؟
            وَمَا بَيْنَ السؤالين فَرَقٌ هُوَ الفَرَقُ الجوهريُّ العظيمُ بَيْنَ الأطروحتين!: أطروحة الإسلام الَّذي يؤمنُ بالشورى، وأطروحة الإسلام المحمدي العلوي.
            والإسلامُ الأوَّلُ هُوَ نقيضُ الإسلامِ الثاني تَمَامَاًَ!
            وَهَذا الفَرَقُ هُوَ الَّذي غابَ عَن أكْثَرِ العقول بِمَا في ذَلِكَ طيبي النوايا. وَهَذا هُوَ مركزُ الخلافِ وأصْلُ المشكِلَةِ ونواةُ التفرُّقِ وَلكنَّ أكثَرَ الناس لا يعلمون!
            وَلِذَلِكَ اعتبَرَ القرآنُ الكريمُ كُلَّ الَّذينَ اختلفوا في مَا أنزل اللهُ في شقاقٍ ووصَمَهم بالبغيِّ والعدوانِ. إِذْ أنَّ كلامَ الله واضِحٌ يحتاجُ إلى من يطيعُ فِيهِ حجَجَ الله فقط، ولا يحتاجُ مِنْهُم إلى أنْ يوضِّحوا مراميه مجدَّداً أو يتجادلوا فِيهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى:
            {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (19) سورة آل عمران
            وَقَالَ تَعَالَى:
            {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}
            (176) سورة البقرة
            ذَلِكَ أنَّه تَعَالَى أنْزَلَ الكتابَ لإزالَةِ الاختلافِ:
            {.. فَهَدَى اللّهُ الَّذينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}
            (213) سورة البقرة
            إذن.. فالغايَةُ من إنزالِ الكتابِ هِيَ لإزالةِ الاختلافِ، وهنا تكمن حجَّةُ الله عَلَى الخَلْقِ، لأنَّهُمْ حَيْثُ يختلفونَ فإنَّ السَّبَبَ لَيْسَ في الدِّين، وَإنَّمَا هُوَ في الخَلْقِ قطعاً والعلََّةَ فيهم لا في النصِّ!
            وإذا كَانَتْ الإمامةُ بالشورى فالاختلافُ واقِعٌ حَتْمَاً.. والطريقُ الوحيدُ لعَدَمِ الاختلاف هُوَ استمرارُ وجودِ حامِلٍ لِلْكِتَابِ.
            وَلَيْسَ مَعْنَى هَذا أنَّهُم إذا عيَّنَ اللهُ لَهُم لَنْ يختلفوا!، بَلْ سيختلفون في كُلِّ الأحوال، إِذْ كيفَ وَعَدَ سبحانه وتعالى إبليسَ الملعونَ أنْ يملأَ جهنَّمَ منه ومن أتباعِهِ؟.
            لكنَّ الفَرَقَ هُوَ في بقاءِ الحُجَّةِ لِلَّهِ بحَيثُ أنَّ الداخلَ إلى النارِ يدخِلُ بحَقٍّ والداخِلَ إلى الجَنَّةِ يدخِلُ بحقٍّ لوضوحِ أمرِ الدِّينِ.. بَيْنَمَا غيابُ الحامِلِ لعلْمِ الكتابِ يلغي هَذا الاحتجاجَ ويصبح الاختلافَ مبرَّراً. وبمعنىً آخرٍ إنَّ وجودَ الإمامِ المنصوصِ عَلَيْهِ هُوَ الحجَّةُ الكبرى عَلَى وجودِ الله تَعَالَى، فمن شكَّ في وجوده فقَدْ كَفَرَ، لأنَّهُ بِهَذا الشَكِّ يلغي عدل الله والمعادَ وصحَّةَ الحسابِ.
            فالغايةُ من الإمام لَيْسَتْ إزالةَ الاختلافِ عملياً، بَلْ إسقاطُ مبررِّاتِ الاختلافِ، لأنَّ الإنسانَ حُرُّ الاختيارِ، والحرِّيةُ باقيَةٌ وبها يتمُّ الحسابُ.
            إنَّ الفارِقَ بَيْنَ الكُفْرِ والإيمانِ هُوَ هَذا الخَطُّ الدقيقُ جِدَّاً.. إنَّه الصراطُ المستقيمُ العابِرُ عَلَى جهنَّم. فَهْوَ كَمَا وَصَفَ النبي (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) (أدقُّ من الشَّعرةِ وأحَدُّ من السيفِ)، فَلا يثبتُ عَلَيْهِ إلاَّ مؤمنٌ حقيقيٌّ، وَهَذا هُوَ المطلوبُ أخيراً!.
            إِذْ لَيْسَ المطلوبُ بناءَ دولةٍ وتشييدَ عماراتٍ وقصورٍ!.
            لَيْسَ المطلوبُ هُوَ الكيانُ السياسيُّ للدّينِ، بَلْ الكيانُ العقائديُّ.
            فإذا افترضنا أنَّ الخَلْق أطاعوا اللهَ في هَذا.. فالكيانُ السياسيُّ يتحقَّقُ تلقائياً كأفضلِ مَا يكونُ… وَهَذا هُوَ جوهَرُ مَا انطوى عَلَيْهِ الوعْدُ الإلهيُّ.
            والكاتِبُ الكاذِبُ لَمْ يأتِ بآيَّةٍ واحدَةٍ من القرآنِ في كتابِهِ بأجزائِهِ الثلاثَةِ!
            فَهْوَ يخافُ القرآنَ خوفهُ من الإمامِ نفسِهِ لأنَّهُمَا قرينان لا يفترقان. وكلُّ مَا جَاءَ بِهِ هُوَ أقوالُ الرِّجَالِ الشيعةِ وتفسيرُهم ومبرراتُهم للإمامةِ.
            الإمامةُ لا تثبت عِنْدَ المؤمن لوجودِ جماعاتٍ آمنوا بِهَا واسمهم الفقهاء أو المتكلمون الشيعة! بَلْ هِيَ ثابتَةٌ، لأنَّها حقٌّ. والحقُّ لا يُعْرَفُ بالرجالِ، بَلْ يُعْرَفُ بِنَفْسِهِ.
            فَهَذَا الكاتِبُ الكاذِبُ يأتي بِأَقْوَالِ الرِّجَالِ واختلافاتِهِم وَكَأنَّهُ يطلِبُ مذهباً لا اختلاف فِيهِ!
            فَلِمَاذَا لا تدخِلُ إذن مذهبَ عبدةِ البَقَر ِ؟!
            فأنَّ الخلافاتِ بينهم أقلُّ بكثيرٍ مِمَّا هِيَ عِنْدَ المسلمين أو مذاهبِ الشيعة!.
            أأنتَ تتَّبِعُ الرِّجَالَ ولا عَقْلَ لك أَمْ أنَّكَ تبحَثُ عَن الحَقِّ مُجَرَّداً عَن الأسماء؟
            فَمَا علاقَةُ أقوالِ الرِّجَالِ بأصلِ المبحث مهما كثروا ومهما اختلفوا؟ أَمْ أنَّكَ تحسب أنَّ مَعْنَى الدِّينِ والإمامةَ عِنْدَ الشيعة هُوَ (آراءُ رجالِ الشيعةِ)؟
            أنت واهمٌ في كُلّ شيء بِمَا في ذَلِكَ الأسماء واسم الشيعة!
            فالشيعَةُ عِنْدَ أهلِ البيت (ع) لَيْسَتْ الطائفَةَ الشيعيَّةَ ولا طوائِفَ الشيعَةِ أيُّها الأفَّاكُ الَّذي يحرِّفُ الكَلِمَ عَن مواضِعِهِ!
            كيف؟! وفيهم مائةٌ وعشرون ألفَ كافِرٍ ومشْرِكٍ يخرجون من الكوفةَ وحدِهَا ليقاتلوا المهديَّ المُنتظرَ حسب مَا ذَكَرَ الصادِقُ (ع)!
            كيف؟! وَهْوَ يقولُ لا بُـدَّ (أنْ يتميَّزَ الشيعَةُ ويُغَربَلوا ويخرِجُ من الغربالِ خَلْقٌ كثيرٌ) !
            كيف؟! وَهْوَ يقولُ (لا بُدَّ من اختلافِ الشيعةِ حَتَّى يكَفِّرَ بعضُهُم بعضاً ويتفِلَ بعضُهم في وجوهِ بعضٍ) !
            كيف؟! وَهْوَ يؤكِّدُ عَلَى خروجِ عصائبٍ مِنْهُم عِنْدَ اللقاءِ بالسفياني فيكونون في جيش السفياني !
            كيف؟! والإمامُ الرضا (ع) يقول:
            (لَيْسَ كُلّ من قَالَ بولايتنا مؤمناً وَلَكِنَّهُم جعلوا أُنساً للمؤمنين)
            اسمُ الشيعَةِ هُوَ الاسمُ الَّذي أطلقَهُ النبي (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) عَلَى شيعَةِ عليٍّ وسمّاهم (الفائزون) حَتَّى زعَمَ ابنُ حجرٍ بعد اعترافِه بالحَديثِ أنَّ المقصودَ بِهِم أهل السنة!!؟
            وعددُهُم (سبعون ألفاً) فقط يدخلون الجنَّةَ بِغَيْرِ حساب.
            فإنَّ الإمامَ المعصومَ (ع) منوطٌ بقاءُهُ برجُلٍ واحدٍ فقط أو إمرأةٍ واحدةٍ فقط!
            وإنَّ العالَمَ بأسرِهِ منوطٌ بقاءُهُ ببقاءِ الإمامِ المعصومِ!
            فَهَلْ تفهم هَذا الكلام؟ لا والله لا أراكَ تفهم!
            ومن يدري لعلَّكَ إذا فَهِمْتَ وقَدَحَتْ في عقلِكَ قَدْحَةٌ أرادَها اللهُ هداك بِهَا وانقلبْتَ وتغيَّرَتْ أحوالُكَ فإنَّ لِلَّهِ في خلقِهِ شؤونٌ عجيبةٌ.
            يا هَذا إنَّ أمرَكَ العجيبَ يذكِّرُني بالذينَ قاتلوا علياً (ع) في الجمَلِ وصفِّينَ. فإذا كُنْتَ تبحثُ عَن الحَقِّ فَإِنَّكَ لَنْ تجِدَ الحَقَّ عِنْدَ الرِّجَالِ، ولا تنفعُكَ الأسماءُ شيئاً قط.. ولا يفيدُكَ الشيخُ المفيدُ ولا غيرُهُ، بَلْ لا ينفعُكَ حَتَّى النبي (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) نفسه!.
            أتدري لِماذَا؟
            لأنَّ الحَقَّ يُعْرَفُ قبلَ الأسماءِ ويُحدَّدُ بِغَيْرِ عنوانٍ، ثمَّ يحْكُمُ المرءُ بِمَا عَرَفَ من الحَقِّ! لأنَّ الحَقَّ بَيِّنٌ بذاتِهِ.
            والجميعُ قلبوا هَذِهِ المعادلَةَ، والجميعُ ضلّوا بِهَا إلاَّ من عَصِمَ اللهُ وقليلٌ مَا هُمْ.
            أنت توحي للشيعةِ أنَّ رجالَكُم اختلفوا وعليكم أن تتركوا القولَ بالإمَامَةِ والوصيَّةِ وتنتقلوا إلى القولِ بالشورى!
            فَهَلْ أَنْتَ ناصِحٌ لَهُم وبهم شفيقٌ؟
            فإذا كنت ناصحاً شفيقاً فَعَلَيْكَ أنْ تؤلِّفَ لَهُم كتاباً آخراً تُبيِّنُ فِيهِ اختلافَ أهل الشُّورَى إلى: معتزلةٍ وقَدريَّةٍ ومرجئةٍ وأشعريَّةٍ وليثيةٍ وعثمانيةٍ وبكريةٍ وعمريةٍ وحنبليةٍ وشافعيةٍ وظاهريةٍ وعباسيةٍ وأمويةٍ ومالكيةٍ وصوفيةٍ وكرمانيةٍ وماورديةٍ وطبريةٍ … إلى آخرِ القائمةِ البالغةِ أربعينَ إسماً.
            ففي كُلِّ الأحوالِ إذا كَانَ المرءُ عبداً لا حُرَّاً، ومغشياً عَلَيْهِ لا واعياً، وغبياً لا زكياً، ومتعالماً كسولاً لا عالماً نشيطاً، ومتواكلاً لا متوكِّلاً، وَلَيْسَتْ لديه طريقَةٌ فذَّةٌ للاختيارِ بَيْنَ أهلِ الشُّورَى وأهلِ الوَصِيَّة، فإنَّه يختار وَهْوَ بِكُلِّ هَذِهِ الصفات واللامبالاة طريقتَكَ الَّتي تقومُ عَلَى ملاحظَةِ عدَدِ الاتجاهاتِ والانقساماتِ، وسوف يَجِدُ أنَّ اختيارَ الوَصِيَّةِ أفضلُ، لأنَّهُمْ انقسموا إلى عدَدٍ أقلِّ من عدَدِ مذاهِبِ أهلِ الشُّورَى، ومجموعُهُم أقلُّ عدداً من أُولَئِكَ، لأنَّ الكثرَةَ في القرآنِ مرافقَةٌ للخبيثِ دَوْمَاً، والقِلَّةً صِفَةٌ للطَّيبِ. وَكَذَلِكَ هِيَ في الطبيعَةِ والنباتِ والحيوانِ والمآكلِ والمشاربِ والمعادنِ الشريفةِ النادرةِ علاوةً عَلَى الاحتياط.. فالقولُ بإتِّباعِ إمامٍ (قِيْلَ) أنَّه مُنَصَّبٌ من الله ولو عَلَى الظَنِّ أحوطُ من إتِّباعِ إمامٍ هرولَ إلى السقيفةِ، وتَرَكَ جَسَدَ النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) بلا دفْنٍ!، وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ أحَدٌ أنَّه وصيٌّ أو مُنَصَّبٌ. وإتِّباعُ اثني عشر متَّفقينَ في القولِ خيرٌ من إتِّباعِ ثلاثَةٍ مختلفينَ في كُلِّ شيءٍ وأربعة فقهاء وثلاثة عشر فرقة من المتكلمين وستة عشر من الصوفية … وإتِّباعُ من يسري في أجسادِهِم شيءٌ من رائحَةِ صاحبِ الرسالَةِ خير من إتِّباعِ عديٍّ وتيمٍ وَهْيَ منبوذة عِنْدَ قريش، وإتِّباعُ إمامٍ بَطَلٍ خيرٌ من إتِّباعِ إمامٍ جبانٍ ورعديدٍ قَالَ عَنْهُ المؤرخون بالحرفِ الواحدِ في خيبرَ (فَرَجَعَ يجبِّنُ أصحابَهُ ويجبِّنونه)، وإتِّباعُ إمامٍ عليمٍ خيرٌ من إتِّباعِ إمامٍ جاهلٍ أقرَّ أنَّ ربَّاتِ الحِجالِ والعجائزِ أفقَهَ منه، وإتِّباعُ إمامٍ أَبي أئمَّةٍ خيرٌ من إتِّباعِ إمامٍ أبترٍ وإمامٍ ابتَرٍ وإمامٍ ثالثٍ ابتَرٍ، وإتِّباعُ إمامٍ منطيقٍ خيرٌ من إتِّباعِ إمامٍ عيٍّ، وإتباعُ إمامٍ ذي حياءٍ خيرٌ من إتِّباعِ إمامٍ جاسوسٍ كَانَ جاسوساً لقريشٍ عَلَى النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم)، وبقيتِ الوظيفةُ وحبُّها في نفسه حَتَّى كَانَ يتسوَّرُ عَلَى الدُورِ ويهتِكُ الستورَ، وقَدْ أفحمَهُ شارِبُ الخمْرِ حَيْثُ قَالَ لَهُ: (يا عدو الله أتشرب الخمر؟)، فَقَالَ السكرانُ: (أَنْتَ يا عمر عدوُّ الله، أنا فعلتُ واحدةً وَآَنْتَ فعلْتَ ثلاثةً: فقَدْ تسوَّرتَ وقَدْ قَالَ الله وأتوا البيوتَ من أبوابها!، وتجسَّستَ وقَدْ قَالَ اللهُ ولا تجسَّسَوا، ودخَلْتَ وتكلَّمْتَ بِغَيْرِ سلامٍ وقَدْ قَالَ الله فسلِّموا عَلَى أنفسكم فَقَالَ عمر: (اكتم عليَّ أكتِمُ عَلَيْكَ)!!
            يا للزمانِ الَّذي جعلنا نقارن بَيْنَ اختيار علي الوَصِيَّة وعمر الشُّورَى!
            فإنَّ عمر الشُّورَى لا يُقارَنُ أَصْلاً بِهَذا (السكران الفقيه)!!
            لا والله ولا يساوي نعليه، فَإنَّهُ أضرَّ نفسَهُ وحَفِظَ أخلاقاً من كتابِ ربِّهِ.. فَكَيفَ يُقَارَنُ بمن أفسَدَ العالَمَ ومنَعَ رحمةَ الله من الدوام ؟.
            أيَّةُ نصيحةٍ هامَّةٍ قَدَّمْتَها أيُّها (الكاتبُ) للمسلمين؟
            باللهِ عَلَيْكَ لَو كَانَتْ لديك وديعةٌ من مالٍ وأردْتَ أن تودعَها عِنْدَ أحدِ رجُلَينِ: أمَّا عُمَرَ وَأمَّا هَذا السكران فمن الَّذي تختارُ؟
            لا والله مَا أراكَ تختارُ إلا السكرانَ، لأنَّهُ كَمَا يبدو يسْكِرُ ولا يفجر، ويشرب ولا يغدرُ!
            فَلِمَاذَا تخدعُ المسلمين وتقولُ لَهُم اختاروا شُورَى عُمَرَ عَلَى وصيَّةِ عليٍّ أَمْ أنَّ المسلمين عندك أرخصُ من مالِكَ الخاصِّ ؟!..
            ثمَّ تكذبُ عليهم كذبتَكَ الكُبْرى فتقول أنَّ علياً كَانَ لا يؤمِنُ بالوَصيَّةِ ويؤمِنُ بالشورى!!

            تعليق


            • #7
              بسم الله الرحمان الرحيم
              اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

              ز. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام


              ولقَدْ علم المستحفظون من أصحاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وآله إني لَمْ أردّ عَلَى اللهِ ولا عَلَى رسوله ساعةً قط.
              نهج البلاغة الخطبة/195

              أقولُ: هَذِهِ العبارَةُ تفيدُ غيابَ الحُكْمَ العقليَّ الذاتيَّ مقابلَ الحُكْمِ الإلهيِّ. وكلُّ الخَلْقِ يردُّونَ عَلَى اللهِ أمَّا جَهْلاً وهُمْ بِهَذا يكونون عصاةً أو عَمْداً فيكونونَ كَفَرَةً ومشركين. وعَدَمُ الردِّ هُوَ أمرٌ خاصٌّ وصِفَةٌ خاصَّةٌ لا يُؤْتَها كُلُّ أحدٍ. فمن أوتي ذَلِكَ كَانَ في مَقَامِ الرُّسُلِ والأنبياءِ (ع)، ولا يعلم ذَلِكَ إلاّ الخواص، ولهذا قَالَ عَلَيْهِ السَّلام (عَلِمَ المستحفظون) إشارَةً إلى آية (بِمَا استحفظوا من كتاب الله) وهم الَّذينَ يعرفونَ الحَقِّ بلا أسماءٍ، وبلا رجالٍ ثمَُّ يعلمون مَنْ مِنَ الرِّجَالِ عَلَى الحَقِّ بِمَا في ذَلِكَ يعرفون أنفُسَهُم.. فإذا جَهَلَ المرءُ نفسَهُ جَهَلَ ربَّه. وَلِذَلِكَ قَالَ النبيُّ (ص): (من عَرَفَ نفْسَهُ فقَدْ عَرَفَ ربَّه). والعبارةُ تشير إلى العصمةِ. وَلِذَلِكَ احتجّ بِهَا في هَذِهِ الخطبة.
              قَالَ النبي (ص):
              (عَلِيٌّ مني كَنَفْسِي بَلْ هُوَ نَفْسِي)..
              فالكاتِبُ الكاذِبُ سيقولُ: هَذا الحَديثُ ضعيفٌ!
              نعم.. صحيحٌ فَإنَّهُ ضعيفٌ جِدَّاً، وكلُّ الأحاديثِ ضعيفةٌ جِدَّاً..!!
              فيا له من أحمقٍ إذن! كلَّمَا تصفَعُهُ يعيدُ الخطأَ نَفْسَهُ.. ألَم أَقُلْ لك لا تكلّمني بالرجالِ فإنِّي لا أحتجُّ بالرجالِ!. والذي يحتجُّ بالرجالِ ضالٌّ مضِّلٌّ.. أَمْ تَحْسبُ أنَّ الشيعةَ هُمْ الأصوليون؟.
              ألا تدري أنَّ سهْمَكَ قَدْ عَادَ إلى نحرك؟. ذَلِكَ لأنَّ عِلْمَ الرِّجَالِ والحُكْمَ عَلَى النصوصِ من خلالِهِ لَيْسَ من أعمالِ شيعةِ عليٍّ!. بَلْ هُوَ من أفكارِ وأعمالِ أهلِ الشُّورَى! وانتقالُهُ إلى الطائفةِ الَّتي تسمَّى اصطلاحاً بـ (الشيعة) لا علاقةَ لَهُ بالموضوعِ الَّذي بيننا الآنَ، وألاَّ فَلِمَاذَا أنا مسرورٌ بشتْمِكَ في كُلِّ صفحةٍ؟.. لأني أقْرَأُكَ من الداخلِ وأَعْرِفُ جيِّداً كَيْفَ تُفَكِّرُ وَلِماذَا وَمَاذَا تُريدُ!! فدَعْ عنك هَذا كلَّهُ.. إِذْ لَو بَقِيَ واحدٌ فَقَطْ من شيعةِ عليٍّ فَإنَّهُ سيكونُ حجَّةً عَلَيْكَ وَعَلَى كُلِّ أهلِ الأرضِ.
              ألا تَرَى أنَّ اللهَ سبحانَهُ قَدْ أَهْلَكَ القُرى حَيْثُ آمَنَ واحِدٌ مِنْهُم فقط حَيْثُ أَهْلَكَ القريَةَ الَّتي جاءَهَا المُرسَلون فَلَمْ يؤمِنْ سِوَى (رجل جَاءَ من أقصى المدينة يسعى)؟، قَالَ تَعَالَى:
              {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (20) سورة يــس
              فللمرْءِ أَنْ يقولَ لَكَ: (إنَّ مَا تستشهد بِهِ من أحاديثٍ هِيَ كاذبةٌ أو منتحلةٌ أَيْضَاً)!.
              إنَّ العقائِدَ لا تَثْبِتُ بِأَقْوَالِ وأحاديثَ تبعاً لوثاقَةِ الرِّجَالِ أو عَدَمِ وثاقَتِهم، لأنَّ الرِّجَال يختلفونَ أَيْضَاً في هَذِهِ الوثاقةِ!.
              إنَّ العَمَلَ لَهُوَ بالمعكوسِ أيُّها الخَلْقُ المنكوسِ حَتَّى لَو تَبَنَّى طريقَتَكَ كُلُّ مَنْ تسمِّيهم شيعةً فَلا حُجَّةَ في ذَلِكَ.
              فَمَا أَدْرَاكَ أنْ يَكُونَ أَكْثَرُ طائفَةِ الشيعَةِ عَلَى ضَلالٍ في هَذا وَمَعَ ذَلِكَ تَبْقَى الإمامَةُ هِيَ الدِّينَ؟!!.
              وَهَلْ تَفْهَمُ هَذا الكَلامَ؟
              أَشِكُّ أنَّكَ سَتَفْهَم!
              فَلَو فَهِمَتْ الأمَّةُ جُمْلَةً واحدةً قالها عليٌّ (ع) يَوْمَ الجَّمَلِ لَمَا اختَلَفوا لَو أرادوا مَعْرِفَةَ الحَقِّ بإخلاصٍ. فقَدْ قَالَ كَلِمَةً هِيَ خيرٌ من كُلِّ مَا قالَهُ الخَلْقُ مُجْتَمِعينَ مُنْذُ خَلَقَ اللهُ آدَمَ مَا عدا أقوالِ رسولِ الله (ص) وأولياءِهِ.. قَالَ مخاطباً أحدُهُم:
              (ويحَكَ إنَّ الحقَّ لا يُعْرَفُ بالرِّجالِ.. أعرفْ الحقَّ تَعْرِفْ أهْلَهُ، وأعرِفْ البَاطِلَ تَعْرِفُ أهلَهُ)
              وَهَذِهِ الكَلِمَةُ مشهورةٌ وَلكنَّ العَمَلَ الجارِيَ ضدُّها تَمَامَاًَ، والقانونُ الأصوليُّ والكلاميُّ عكْسُها ولا غرابَةَ!! فَكَمْ مِنْ آيَةٍ في القرآنِ مشهورةٍ والعَمَلُ عَكْسُهَا تَمَامَاًَ؟!!
              إنَّ مَنْ يُثْبِتُ الإمامَةَ بعليٍّ والأئِمَّةِ لَهُوَ كافِرٌ!
              وَآَنْتَ تفْهَمُ وكُلُّ الناسِ يفهمُونَ أنَّ الإمامَةَ والعِصْمَةَ أُثْبِتَتْ عَن طريقِ الأئمَّةِ!!.
              لقَدْ فَهِمَ أَحَدُ اليهودِ هَذا السرَّ الإلهيَّ، وأَرَادَ أنْ يَخْتَبِرَ دينَ الإسلامِ في هَذا، وَكَانَتْ تُحَدِّثُهُ نفسُهُ أنَّ محمَّداً لَو صَدَقَ وكَذَّبَ بِهِ فَإنَّهُ سَيَكْفُرُ فَلَمْ يطْلُبْ مُعْجِزَةً ولا أَرَادَ آيةً سماويةً ولا قَالَ أَيْنَ قرآنكم؟. فَجَاءَ من الروم وَلَيْسَ عنْدَهُ غَيْرُ هَذا السؤالِ حَيْثُ سَأَلَهُم قائلاً:
              (هَلْ عَرَفْتُمْ ربَّكم بِمُحَمَّدٍ أَمْ عَرَفْتُمْ مُحَمَّداً بِرَبِّكُم؟)
              لَكِنْ لسوءِ حظِّهِ فقَدْ تَوَجَّهَ بالسؤالِ أولاً إلى عُمَرَ!.. وَآَنْتَ بالطبعِ تَعْلَمُ أعلميَّةَ عُمَرَ بِهَذِهِ المسائلِ!.. فَرَجَعَ الرَّجُلُ عَلَى يهوديتِهِ لَولا علي ابن أَبي طالب عَلَيْهِ السَّلام الَّذي أجابه قائلاً: (…بَلْ عَرَفْنَا مُحَمَّدَاً بِرَبِّنَا).
              ذَلِكَ أنَّ من يَقولُ عَرَفْتُ ربِّي بِمُحَمَّدٍ فَهْوَ كافرٌ دَرَى أَمْ لَمْ يَدْرِ بِكُفْرِ نفْسِهِ، والصحيحُ أنَّهُ عَرَفَ مُحَمَّداً بربِّهِ.
              أَنْتَ الآنَ تناقِشُ الشيعَةَ بِهَذا المنطِقِ المقلوبِ وَكَأنَّ الإمامَةَ ثَبَتَتْ بقولِ الرِّجَالِ في الأئمَّةِ!!..
              فهذِهِ مصادرة!!
              فمن أَيْنَ يَعْلَمُ المِرْءُ وجْهَ الحُجَّةِ في الرِّجَالِ وأقوالِهِم؟.
              وعليٌّ عَلَيْهِ السَّلام لا يُثْبِتُ الإمامة لنفسِهِ بقولِ نفسِهِ! كيف؟ وكلُّ رَجُلٍ بإمكانِهِ أنْ يقومَ ويقولَ في نفسِهِ مَا شَاءَ ويسمِّي نفسَهُ إمَامَاً!. وَعَلَى هَذا يتساوى المُدَّعِيَانِ الحقيقيٌّ والمُزَيَّفُ.
              فَكَيفَ تعرِفُ الحقيقيَّ من المزَيَّفِ إذا كُنْتَ تَرْجَعُ لأقوالِ الرِّجَالِ مَرَّةً أُخْرَى؟
              إذا كُنْتَ لا تَعْلَمُ أنَّ عِلْمَ الرِّجَالِ وُضِعَ أَصْلاً لجَعْلِ المُزَيَّفِ عَلَى قَدَمِ المساواةِ مَعَ الحقيقيِّ فاعْلَمْ هَذا الآنَ!.
              وإذا كُنْتَ تَبْحَثُ عَن الحَقِّ بِمَا هُوَ حقّ فَمَا شأْنُكَ بِمَا يقولُهُ النَّاسُ قَلُّوا أو كَثَروا؟ …بَلْ أعرِفْ الحَقَّ أولاً، وعندئذ سَتَعْلَمُ موقعَ كُلِّ واحدٍ من الناسِ مِنَ الحَقِّ.
              أَلاَ تَرَاهُ عَلَيْهِ السَّلام كَيْفَ يُثْبِتُ إمامَةَ نفسِهِ بِعِلْمِ غيرِهِ؟ فيقول: (عَلِمَ المستحفظونَ من أصحابِ مُحَمَّد أني لَمْ أرُدْ عَلَى اللهِ ورسولِهِ ساعَةً)؟
              والاحتجاجُ المُكْتَمِلُ من جِهَةِ أنَّ غيرَ المُستحفظِ يعلَمُ يقيناً مَنْ هُوَ المستحفظ… فإذا شكَّ في وجودِ مستحفظٍ رَجَعَ الشكَّ إلى (مُحَمَّدٍ) نَفْسِهِ فَيَكْفُرُ الشاكُّ ويسقطُ الكلامَ عَن الإمامَةِ برمَّتِهِ، وينتقلُ الشكُّ إلى اللهِ. وَلَمَّا كَانَ اللهُ لا شكَّ فِيهِ: (أَفِي اللّهِ شَكٌّ؟).. والجوابُ: (لاشكَّ فِيهِ مُطْلَقَاً)، رَجَعَ الحديثُ إلى (مُحَمَّدٍ). فَهْوَ يدورُ بَيْنَ اللهِ وبَيْنَ من بلََّغَ رسالاتِهِ، ولا يخْرِجُ عَن هَذا الحيزِ قط. قَالَ تَعَالَى:
              {يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُم فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُم تُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء
              وَآَنْتَ الآنَ تردُّ المنازَعَةَ إلى المتكلِّمينَ والباحثينَ في الإمامَةِ وتَعصي أمْرَ اللهِ تَعَالَى، ولا تَسْتَشْهِدُ بالقُرْآنِ ولا بقولِ الرسولِ!.
              ثُمَّ تكذِبُ عَلَى عليٍّ بن أَبي طالبٍ وتقولُ هُوَ من المؤمنينَ بالشورى!

              ح. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام

              فَوَ اللهِ مَا أَدْري إلى مَنْ أشْكُو فَأَمَّا أنْ يَكُونَ الأنْصَارُ ظُلِمَتْ حَقّهَا وَأَمَّا أنْ يَكُونُوا ظَلَمُوني حَقِّي بَلْ حَقِّي المَأْخوذُ وَأَنَا المَظْلومُ فَقَالَ قَائِلٌ الأئِمَّةَ مِنْ قُرَيشٍ فَدَفَعُوا الأَنْصَارَ عَن دَعْوَتِهَا وَمَنَعوني حَقِّي مِنْهَا
              مستدرك النهج/ ج5/ 201

              واضحٌ أنَّهُ (ع) يؤكِّدُ عَلَى مفردَةِ (حقِّي) في ثلاثَةِ مواضعٍ، ويشيرُ إلى الظُلْمِ في ثلاثةِ مواضعٍ أُخْرَى.
              ولو كَانَ هَذا الحَقُّ مُشْتَرَكاً كَمَا يَزْعَمُ هَذا الأفَّاكُ لَمَا جَازَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلام أَنْ يُسَمِّيهِ حقَّهُ وَحَدُه، ولا جَازَ لَهُ أنْ يَدَّعي أَنَّهُ مَظْلومٌ، ولا جَازَ لَهُ الشكوى. ولو قَالَ هَذا القَوْلَ أيُّ واحدٍ من الصحابَةِ وَوَجَدْنَا أنَّهُم لا يَرِدُّونَ عَلَيْهِ ولا يُبطِلُون حجَّّتَهُ عَلِمْنَا أنَّهُ هُوَ الإمامُ المعصومُ المنصوصُ عَلَيْهِ، سواءٌ كَانَ القائِلُ اسمُهُ عليُّ بن أَبي طالبٍ أو زيدٌ بن مالكٍ أو أيُّّ اسمٍ آخرٍ!.
              إنَّمَا علا عليٌّ في أنفُسِنَا بالإسلامِ، وفَاقَ الخَلْقَ بمُحَمَّدٍ وَكَانَ علياً بالوَصيَّةِ والنصِّ، وَلَيْسَ كَمَا يَفْهَمُ هَذا الكاتِبُ أنَّنَا أَكْرَمْنَا علياً بالوَصيَّةِ. فَنَحْنُ لا نَعْبِدُ الأوثانَ والأصنامَ كَمَا يَفْعَلُ سِوَانَا من المذاهِبِ، إِذْ عَبَدوهُم بَعْدَمَا رأوا الآياتِ وَثَبَتَت البيناتِ وظَهَرَ مِنْهُم الجورُ والظُلْمُ بِمَا مَلأَ الخافِقَينِ وسَارَتْ بِهِ الرُكْبَانُ، واستمرَّ عَلَى طوالِ الزمانِ إلى هَذا اليومِ.




              ط. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام


              في ذكر النبي (ص):
              فَمَضَى صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ لسبيلِهِ وَتَرَكَ كِتَابَ اللهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ إمَامَيْنِ لا يَخْتَلِفَان، وَأَخَويْنِ لا يَتَخَاذَلانِ، وَمُجْتَمَعَيْنِ لا يَفْتَرِقَانِ.
              المختار من الكتب – المستدرك ج5/ 200

              النصّ واضحٌ وَلَمْ يأتِ بِهِ الكاتبُ الناصبُ ولا بِغَيْرِهِ من النصوصِ. وَهْيَ نصوصٌ معدودةٌ بالمئاتِ حَيْثُ ادَّعى أنَّ عليَّاَ بن أَبي طالبٍ لَمْ يَذْكُرْ شيئاً عَن الإمامَةِ الخاصَّةِ بِهِ وبذرِّيَتِهِ، وإنَّها من ترتيبِ متكلّمي الشيعَةِ فيما بعد.
              فَمَاذَا تقولُ بحديثِ الثقلين عَن النبي (ص)، وبالكتابِ الَّذي أرادَ كتابَتَه يومَ رحيلِهِ فَمَنَعَهُ المنافقون بقيادَةِ عُمَرَ، وطَرَدَهُم (ص) مِنَ الدَّارِ بعد إنْ صبَّ عليهم لعناتٍ متواصلةً حَيْثُ لَمْ يخرجوا في جيشِ إسامةَ بن زيد؟ٍ!.
              ألَيْسَ هَذا الكلامُ في مَجْرَى ذَلِكَ الحديثِ الشريفِ الَّذي أَثْبَتَهُ أصحابُ الحديثِ المؤيِّدينَ للشورى قَبلَ وجودِ شيءٍ من عِلْمِ الكلامِ؟.
              ألا تَرَاهُ يشيرُ عَلَيْهِ السَّلام إلى اجتماعِ أهلِ البيتِ والقرآنِ وعَدَمِ افتراقِهِما؟!. وَهْوَ أمرٌ حجَّتُهُ قائمَةٌ الآنَ!!
              ولكنَّكُم قَومٌ لا تفقهون.
              فتعالوا أفَهِّمُكُم كيفَ أنَّ حجَّتَهُ قائمةٌ الآنَ بصورةٍ علميةٍ تجريبيةٍ محضةٍ معطياتها هِيَ ذات معطيات العلوم التجريبية:
              ألَسْتُمْ تُقِرُّون أنَّ الرسولَ رحمةٌ للعالمين؟....
              ستقولون: نعم!
              ألَسْتُمْ تُقِرُّون أنَّ كتابَ الله رحمةٌ للعالمين؟....
              ستقولون: نعم!
              ألَسْتُمْ تُقِرُّون أنَّ تطبيقَ مَا فِيهِ يؤدِّي إلى هدايَةِ الخَلْقِ ونزولِ البركاتِ وزوالِ الأمراضِ وطولِ الأعمارِ وانعدامِ الظُلْمِ والجور؟....
              ستقولون: نعم.
              ألَسْتُمْ تَرُونَ أنَّ هَذا كلَّهُ لَمْ يحْصِلْ أَمْ أنَّهُ حصل؟....
              ستقولون: لا لَمْ يحْصِلْ!
              ألَسْتُمْ تُقِرُّون أنَّ عَدَمَ حصولِهِ هُوَ بِمَنْعٍ من اللهِ أو هُوَ بِسَبَبِ قيادَةِ المُسلمين؟....
              ستقولونَ: بِسَبَبِ قيادَةِ المُسلمينَ وحاشا لِلَّهِ أنْ يَأْمُرَ بالشيءِ وَيَمْنَعَ منه!
              ألَسْتُمْ تُقِرُّون أنَّ أئمَّتَكُم هُمْ قيادَةُ المُسلمينَ الأولى وأنَّ اللهَ أعطاكُمْ فرصةَ أنْ يَحْكُمَ ثلاثَةٌ مِنْكُم أحدُهُم مؤسِّسُ الشُّورَى؟....
              ستقولون: نعم كَانَ ذَلِكَ!
              لا أَنْـعَمَ اللـَّهُ عَلَيْكُم!!
              ألَسْتُمْ تُقِرُّون أَنَّكُم جئْتُمْ إلى إمامِنا مثلما تلوذُ الغَنَمُ وتوسَّلْتُم إليه أنْ يَتَولَّى الأمْرَ من بعدِهِم؟
              ستقولون: نعم كَانَ ذَلِكَ!
              ألَسْتُمْ تُقِرُّون أَنَّكُم خدعتُمُوه وعصيتُمُوه بعد إنْ أَخَذَ عَلَيْكُم العهودَ والمواثيقَ، ووجَّهتُم إليه الجيوشَ من مِصْرَ والشامَّ والبصرةَ والأنبارَ والنهروانَ وخراسان.. فَكَأَنَّ حالُهُ بينكم غريباً مِنْ دونِ الثلاثةِ حَتَّى احتاجَ إلى الاحتجاجِ عَلَيْكُم بطاعتِكُم لَهُم وعصيانكم لَهُ؟! ستقولون: نعم كَانَ ذَلِكَ!
              إذَنْ.. فالحُكْمُ لكم مُنْذُ ذَلِكَ العَهْدِ. ولا يُعْقَلُ أنْ يَكُونَ فَسَادُ العالَمِ كلِّهِ وتَفَرُّقُ الأمَّةِ وهوانُهَا وعَدَمُ وصولِ هَذِهِ الرحمةِ إلى هدفِهَا بِسَبَبِ ثلاثِ سِنِينَ من تأميرِ إمامِنَا مُقَابِلَ ألفٍ وأربعمائةِ سنَةً من تأميرِ أئمَّتِكُم؟.. ثلاثِ سنينٍ عَصَيْتُم وحارَبْتُم فِيْهَا إمامَنَا.
              فالفَسَادُ فينا أَمْ فيكم؟ وَهَلْ تَرونَ الآنَ أنَّ حصولَكُم عَلَى الاجتماعِ والانتفاعِ من عِلْمِ الكتابِ مَعَ غيابِ إمامِنا مُحَالٌ أَمْ لا تَرونَ ذَلِكَ؟
              وإذن.. فالكتابُ والعترَةُ لا يفترقان حقيقةٌ برهانُهَا الواقعُ التاريخيُّ نفسُهُ، إِذْ لا مانِعَ من رحمَةِ الكتابِ سِوَى غيابِ قرينِهِ وَهْوَ العترَةُ.
              لا واللهِ لا تؤمنوا باللهِ ولا تشمُّوا ريحَ الجنَّةِ مَا لَمْ تؤمنوا بالعترَةِ ولو انْحَنَتْ ظهورُكُم من الصَّلاةِ، وتقطّعت لهواتُكُم من التسبيحِ، وأرجُلُكُم من المشي إلى الحَجِّ، وأنفَقْتُم مَا في الأرضِ وملئ الأرضِ ذهباً… لأنَّ اللهَّ تَعَالَى أكبَرُ من أنْ يصِفُهُ الواصفونَ، وَهْوَ تَعَالَى يُغَرْبِلُ الخَلْقَ ويَكْشِفُ عَن نواياهُم بأوامرٍ عجيبةٍ، لأنَّهُ يُريدُ أنْ يعبِدَهُ الخَلْقُ من حَيْثُ هُوَ يريدُ لا من حَيْثُ هُمْ يريدون!.
              إِذَنْ ستنقَلِبُ المعادلةُ، وتسقِطُ العبادَةُ، وَلِذَلِكَ قَرَنَ عِلْمَ الكتابِ وظهورَ الرَّحْمَةِ بهؤلاءِ القومِ الَّذي تشمئِزُّ نفوسُكُم من ذكرِهِم استكباراً.
              كَذَلِكَ فَعَلَ اللهُ تَعَالَى حِينَمَا أَرَادَ إخراجَ وكَشْفَ العنصرَ الخبيثَ من بَيْنِ الملائكةَِ!
              فقَدْ تدرونَ أنَّ جبريل عَلَيْهِ السَّلام يَسِدُّ حجمُهُ المجموعَةَ الشمسيَّةَ أو هُوَ أكْبَرُ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ لا نَعْلَمُ قوَّةَ باقي الملائكَةِ فابتلاهُمُ اللهُ بالسجودِ لآدمَ عَلَيْهِ السَّلام… آدمَ الَّذي لا جناحَ لَهُ ولا يطيرُ، وَهْوَ كائنٌ ضئيلُ الحَجْمِ صغيرُ الجِسْمِ قياساً للملائكةِ عليهم السَّلام، فَهْوَ مِثْلُ النَّمْلَةِ بالنِسْبَةِ للمدينةِ الكبيرةِ! ابتلاهُمُ اللهُ تَعَالَى بالسجودِ لهذا الكائنِ فأَعْلَنَ العنصرُ الخبيثُ بَيْنَهُم عَن رفضِهِ للسجودِ وكَشَفَ اللهُ نفاقَهُ!.
              فَمِنْ رحمَتِهِ إِذَنْ أَنْ مَنَّ اللهُ سبحانَهُ عَلَيْكُم ببلاءٍ حسنٍ فَجَعَلَ الَّذينَ ابتلاكُمْ بِهِم بَشَرَاً مِنْ جنْسِكُم وأعطاهُمْ مِنَ الفضائِلِ والمعاجِزِ مَا يُغْري المرءَ باتّباعِهِم وعَدَمِ التكبُّرِ عليهم! وَمَعَ ذَلِكَ استكبرتُمْ وعتَوْتُم عتواً كبيراً.
              وبالمقابلِ فإنَّ مَنِ استكْبَرَ عليهم سيعَذَّبُ عذاباً لا يعذَّبُ بِهِ إبليسُ نفسُهُ!
              وَلِذَلِكَ قَالَ الصادِقُ عَلَيْهِ السَّلام في حديثِ الجُّبِّ:
              (إنَّ في جهنَّمَ وادياً يشتكي أهلُ النارِ وسُكَّانُ جهنَّم مِنْ حَرِّهِ ونِتْنِهِ، وفي الوادي قُلَيبٌ يشتكي أهلُ الوادي مِنْ حَرِّهِ ونِتْنِهِ، وفي القُلَيبِ جُبٌّ يشتكي أهلُ القُلَيبِ مِنْ حَرِّهِ ونِتْنِهِ وَمَا أَعَدَّ اللهُ فِيهِ من العذابِ وفي الجُّبِّ تابوتٌ يَضِجُّ أَهْلُ الجُّبِّ من عذابِهِ وفي التابوتِ خَمْسَةُ نَفَرٍ).
              أَفَتدري مَنْ هَؤُلاءِ الخمْسَةُ يا بنَ الماكرينَ المُفْتَرين؟ أنَّهُم الَّذينَ أحرقوا الأولياءَ، والذينَ ادَّعوا مَعَ اللهِ إلهاً آخرَ:
              نمرودُ صاحِبُ إبراهيمَ عَلَيْهِ السَّلام وقابيلُ صاحِبُ هابيلَ وفرعونُ صاحِبُ موسى (وإعرابيانِ غليظَا القَلْبِ من هَذِهِ الأمَّةِ صاحبي مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) .
              أَعَرَفْتَهُما يا هَذا؟
              قَالَ تَعَالَى:
              {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (40) سورة التوبة
              فَهَذَا أَحَدُ الرَّجُلينِ وقَدْ أَثْبَتَ عَلَيْهِ الكُفْرَ في كُلِّ ألفاظِ الآيَةِ، وَذَلِكَ بملاحظَةِ الأمورِ الآتيَةِ:
              الأمرُ الأوَّل: إنَّهُ خَرَجَ أوَّلاً مِنْ قِبَلِ الَّذينَ كَفَروا. ولا يُعْقَلُ أَنْ يُخرجُوا صاحبَهُ ويتركُوهُ. والإخراجُ إنَّمَا هُوَ للنبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم)، فَمَا قَالَ (أخرجوهما) بَلْ أخرجوا الرسول. وَأمَّا هُوَ فتطوَّعَ بالخروجِ لأجلِهِم فَأَصْبَحَ النبيُّ بعْدَهُ زمنياً. وَلِذَلِكَ أصبحَ ثانياً في الخروج مَعَ أنَّهُ أَوَّلٌ في الإخراجِ.. فافهم يا معتوه!.
              الأمرُ الثاني: إنَّهُ فوجئَ بالانتقالِ إلى الغارِ فَمَا أدْرَكَ الموضِعَ ولا المسافَةَ وَحَبِطَ التخطيطُ، لأنَّهُ إنَّمَا خَرَجَ للإعلامِ بموضِعِ النبيِّ حَتَّى يقتلوه ففوجئ وَهْوَ في الغار: (إِذْ هما في الغار).
              الأمرُ الثالِثُ: سمَّاهُ صاحِبَهُ وَهْوَ في القرآنِ خلافَ التابعِ في ستَّةِ عشر من المواضعِ فتدبّرْ وأفهم!.
              الأمرُ الرابِعُ: إنَّهُ تَعَالَى أنْزَلَ السكينَةَ عَلَى النبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) وحْدِهِ دونَ صاحبِهِ، لأنَّهُ لا يستحِقُّ. عِلْمَاً أَنَّ السكينَةَ تَنْزِلُ عَلَى المؤمنين في المواقِفِ كلِّها. قَالَ تَعَالَى:
              {ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ} (26) سورة التوبة
              وَقَالَ تَعَالَى:
              {إِذْ جَعَلَ الَّذينَ كَفَروا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (26) سورة الفتح
              فأثبتَ تَعَالَى بِهَذا كونَهُ مِنْ غيرِ المؤمنين.
              الأمرُ الخامسُ: إنَّهُ تَعَالَى أَيـََّدَ النبيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) وحدَهُ عِلْمَاً أنَّ التأييدَ ينزِلُ عَلَى المؤمنينَ، فراجع موارِدَ التأييدِ في القرآنِ ينكشِفُ لَكَ السِّرُ في الحال .
              الأمرُ السادِسُ: إنَّهُ تَعَالَى أَيـَّدَ رسولَهُ بجنودٍ لَمْ يروها. وأبو بكرٍ مِنَ المُخاطبينَ قَطْعَاً فيدِلُّ عَلَى أنَّهُ لَيْسَ من الجنودِ، فَلَمْ يكُنْ مؤيَّداً بِهِم ولا مؤيِّداً مِنْهُم! فَهْوَ عنصرٌ غريبٌ.
              الأمرُ السابِعُ: إنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ عَلَيْهِ الحُزْنَ في هَذا الموضِعِ!. والموضِعُ موضِعُ خوفٍ لا حزنٍ. والحُزْنُ هُوَ دَوْمَاً عَلَى مَا فاتَ، والخوفُ هُوَ دَوْمَاً مِمَّا يُحْتَمَلُ أَنْ يأتيَّ مستقبلاً!.
              وَلَمَّا كَانَ أَبو بكرٍ حزيناً لا خائفاً دلَّ ذَلِكَ عَلَى وجودِ شيءٍ فاتَهُ.. وَلَمْ يَفِتْهُ شيءٌ سِوَى نجاةِ الرسولِ.. فافْهَمْ وراجِعْ موارِدَ الخوفِ والحُزنِ في القرآنِ تظْهَرُ لَكَ جلِيَةُ الحَالَ.
              الأمرُ الثامِنُ: إنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ وجودَ كلمتَينِ في الغَارِ أحدُهمَا كَلِمَةُ اللهِ الُعُلْيَا وَهْوَ رسولُ اللهِ، والأخرى كَلِمَةُ الَّذينَ كَفَروا وَهْوَ أَبو بكر.
              وَلِذَلِكَ فلاحِظْ الاتّفاقَ العجيبَ بَيْنَ هَذِهِ الآيةِ وبَيْنَ آخرِ آيةٍ نَزَلَتْ في حُجَّةِ الوداعِ لَمْ تَنْزِلْ بعْدَهَا إلاَّ آيَةُ النِعْمَةِ وسورَةُ النَّصْرِ، وَهْيَ قَولُهُ تَعَالَى:
              {يَحْلِفُونَ باللهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَهُم وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} (74) سورة التوبة
              نزلت في الثلاثَةِ المتآمرينَ الَّذينَ كَشَفَهُم حُذَيفَةُ بن اليمَّانِ حَيْثُ قالوا حِينَمَا عَقَدَ النبيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) لعليٍّ (عَلَيْهِ السَّلام) البيعةَ: (هَذا لا يكونُ قط)، واتَّفَقوا أَنْ يجعلوا أبا بكرٍ مِنْ بعْدِهِ ويقتلوا عليَّاً. فأشارَتِ الآيَةُ إلى إمكانيَّةِ حصولِ خلافتِهِ بَعْدَ كُفْرِهِم وَعَدَمِ قُدْرَتِهِم عَلَى قَتْلِ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام.. وقَدْ وَرَدَ تفسيرُ الآيَةِ عَن أهلِ البيتِ عليهم السَّلام في سبعَةِ أحاديثٍ، وأنَّ المقصودَ بـ (كَلِمَةِ الكُفْرِ) هُوَ أَبو بكر .
              فأنْ كُنْتَ صادِقَاً فأَخْبِرْنَا مَنْ هَؤُلاءِ الَّذينَ حَلَفوا؟ وعَلامَ حَلَفوا؟ وكَيفَ كَفَروا بعد إسلامِهِم؟ وبماذا هَمُّوا؟. فَإِنَّكَ مِنْ أصحابِ الشُّورَى، وتقولُ (كُلُّ الأصحابِ عدولٌ)، والقرآنُ يقولُ إنَّ هُنَاكَ مَنْ كَفَروا بَعْدَ إسلامِهِم وقالوا كَلِمَةَ الكُفْرِ!.
              حَدَثَ ذَلِكَ قَبْلَ رحيلِ النبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم). ومعلومٌ أنَّ القرآنَ لا يَذْكِرُ قوماً لا أهميَّةَ لَهُم!، إنَّهُ يَذْكِرُ قوماً هَمَّوا بقضيةٍ مرتبطةٍ بالرسالةِ والرسولِ والكُفْرِ والإيمانِ!.
              أخْبَرَ حذيفَةُ النبيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) بالمؤامَرَةِ حَيْثُ كَانَ نائماً في الخيمَةِ المجاورَةِ اللصيقَةِ بخيمَتِهِم وَلَمْ يعلَمُوا بِهِ. وَحِينَمَا انْتَهَرَهُم وهدَّدَهُم بإخبارِ النبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) قالوا: (والله لنحلفَنَّ مَا قُلْنَا ونَحْنُ ثلاثةٌ وَآَنْتَ واحدٌ، فَهَلْ تَرَى أنَّهُ يكذِّبُنَا ويُصَدِّقُكَ؟).
              لقَدْ كَانَ النبيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) يُعامِلُ المنافقينَ عَلَى الظاهِرِ لا عَلَى الباطِنِ مَعَ عِلْمِهِ بالظاهِرِ والباطِنِ. وَجَرَتْ أوامِرُ الوحي عَلَى هَذا القانونِ، لأنَّهُ تَعَالَى أمْهَلَهُم إلى يومٍ تَشْخُصُ فِيهِ الأبْصَارُ {مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذا يَوْمٌ عَسِرٌ} (8) سورة القمر
              وَيحَ هَذِهِ الأمَّةِ.. فانْظُرْ إليها كَمْ ألَّفَتْ من الكُتُبِ في ترهاتِهَا الخاصَّةِ؟‍ فَهَلْ تَقْدِرُ عَلَى إحصاءِ كُتُبِ اللغَةِ والفقْهِ والأدَبِ؟
              إنَّهَا لا تُحْصَى.
              وَلكنَّ انظر هَل ألَّفَتْ كتاباً وَاحِدَاً في موضوعِ النفاقِ؟.
              كلاَّ.. مَعَ أنَّ آياتِ المنافقينَ هِيَ مِنَ الكثرَةِ والتنوُّعِ، وتتضمَّنُ علوماً في العقائد وعلْمِ النفسِ الجماعيِّ والفرديِّ مَا لا يَخْطِرُ عَلَى قَلْبِ مخلوقٍ!.
              لِماذَا؟ لأنَّ السرَّ ينكَشِفُ في آياتِ المنافقين ويظْهَرُ المستورُ. فلعنةُ اللهِ عَلَيْكَ أيُها الكاذِبُ حَيْثُ تَجْعَلُ الأَمْرَ شُورَى، فَإنَّهُ لا يَغْلِبُ في الشُّورَى غَيْرَ المنافِقِ.
              بَلْ الأكيدُ لا يَغْلِبُ إلاَّ هُوَ. لأنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ عن المنافقينَ:
              1. تُعْجِبُكَ أجْسَامُهُم:
              {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (4) سورة المنافقون
              2. إنْ يَقولوا تَسْمَعُ لقولِهِم:
              كَمَا في الآيَةِ السابقَةِ‍!!
              3. يَشْهَدُ اللهُ عَلَى مَا في قلوبِهِم:
              {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهْوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} (204) سورة البقرة
              4. كَاذِبون:
              {لَو كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ باللهِ لَو اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ أنَّهُم لَكَاذِبُونَ} (42) سورة التوبة
              وفي القران آياتٌ أُخْرَى تشيرُ إلى كذبِهِم!!
              5. مُسْتَعْجِلون:
              {قُل لَو أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ} (58) سورة الأنعام
              6. يتقَدَّمونَ في السِلْمِ أَمَامَ الصُّفوفِ:
              {لَو كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ باللهِ لَو اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ أنَّهُم لَكَاذِبُونَ} (42) سورة التوبة
              7. يَتَرَاجَعونَ في الحَرْبِ إلى الوَرَاءِ:
              {يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} (38) سورة التوبة
              8. يُخَادِعون اللهَ والَّذينَ آمَنوا:
              {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ} (9) سورة البقرة
              9. المُسْلِمونَ (سَمَّاعونَ لَهُم):
              {لَو خَرَجُواْ فِيكُم مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُم وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (47) سورة التوبة
              10. يَحْلِفُونَ باللهِ مَا يُرِيدونَ غَيْرَ الحُسْنَى:
              {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ باللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}
              (62) سورة النساء
              11. يَنْشِرونَ إشَاعَاتِ الاستِضْعَافِ للمُؤْمنينَ:
              كَمَا في آية التوبة السابقة.
              12. يُعْلونَ أصواتَهُم بالدَعْوَى إلى الإصْلاحِ وحَقِيقَتُهُم أنَّهُم مُفْسِدون:
              {وَإِذَا قِيلَ لَهُم لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} (11) سورة البقرة
              والى صفاتٍ لَهُم أُخْرَى كثيرةٌ..
              فَمِنَ الطبيعي أنْ يُتَابعَهُم الناسُ ويترِكونَ الأولياءَ، لأنَّ أكثرَهُم فاسقون.

              عَودَةٌ إلى ذِكْرِ أَقْوَالِهِ عَلَيْهِ السَّلام في الإمَامَةِ:

              ي. وَمِنْهَا قَولُهُ عَلَيْهِ السَّلام

              لا يُقَاسُ بآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ مٍنْ هَذِهِ الأمَّةِ أَحَدٌ ولا يُسَوَّى بِهِم مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُم عَلَيْهِ أَبَدَاً: هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وعَمَادُ اليَقِينِ. إلَيْهِم يَفِيءُ الغَالِي. وبِهِمْ يَلْحِقُ التَالِي وَلَهُم خَصَائِصُ الوِلايَةِ. وفِيهِم الوَصِيَّةُ والوِراثَةُ. الآنَ إِذْ رَجَعَ الحَقُّ إلى أَهْلِهِ ونُقِلَ إلى مُنْتَقَلِهِ.
              الخطبة/ رقم 2/ الفقرة الرابعة

              مَعَ هَذا كلِّهِ يقولُ المُنافِقُ أنَّهُ بَحَثَ في نَهْجِ البلاغَةِ كلِّهِ فَمَا وَجَدَ فِيهِ إشارةً إلى إمامةِ أهلِ البيتِ عليهم السَّلام وحَصْرِ الإمامةِ فيهم. واستَشْهَدَ بفَقَرَةٍ واحدَةٍ ستأتيك قريباً مثلما فَعَلَ الأفَّاكُ المصريُّ الكَذوبُ عمارَةُ(1) الهَدْمِ حِينَمَا قَالَ نَفْسَ القولِ واستَشْهَدَ بِنَفسِ الفَقَرَةِ!.
              عجباً لهؤلاءِ فإنِّي لا أعجبُ من جُرْأتهِم عَلَى اللهِ ورسولِهِ، ولكنِّي أعْجِبُ لمهانَتِهِم في هَذِهِ الدُّنْيَا!.
              أَفَلاَ يحتاجونَ إلى قُرَّاءٍ ومشترينَ لِمَا أنفقوا؟ أَمْ أنَّ الناسَ أصبحوا يفضِّلون الأكاذيبَ، وأنَّ الصِدْقَ سلعتُهُ ثقيلةُ الحرَكَةِ في سوقِ الأفكارِ؟.
              هَذا محتملٌ جِدَّاً.. فإنَّ أكثرَ الخَلْقِ يتحوَّلونَ بالتدريجِ إلى بهائمَ لا تميِّـزُ، وأَلاَّ كيف تبقى قِلَّةٌ تدخِلُ الجنَّةَ، بَيْنَمَا الأكثريَّةُ إلى النارِ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى؟.
              أَلا تَرَى في هَذا النصِّ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلام:
              1. رَفَضَ قياسَهُم بأيِّ واحدٍ من الأمَّةِ؟
              فأينَ مَا زَعَمْتَهُ من مفهومِ الأولويةِ؟
              2. يقول أنَّهُم أساسُ الدِّينِ.. فإذا لَمْ يُولُّوا لَمْ يَبْقَ دِينٌ؟.
              وَهَذا هُوَ الواقعُ المُعَاينُ أَمْ تسمِّي هَذا الواقِعَ الَّذي فِيهِ المسلمون ـ مَعَ امتلاكهم كُلّ الثروات ـ أذلُّ للأجنبي من الأَمَةِ لمالِكِها واقعاً دينياً؟
              3. يقولُ أنَّهُم الحالُ الأوسَطُ الحقيقيُّ الَّذي يَجْمَعُ ويجتَمِعُ عَلَيْهِ الغالي والقالي؟.
              4. يقولُ أنَّ لَهُم خصائصَ الولايَةِ والوصيَّةِ والوراثَةِ؟.
              5. جَعَلَ للحقِ أَهْلاً. وَقَالَ هَذا الكلامَ عِنْدَ خلافَتِهِ ولا يَجوزُ لَهُ ذَلِكَ لَولا المعاني المتقَدِّمَة في الخِطَابِ.
              فَقُلْ للأفَّاكِ الكَذوبِ: عَن أيِّ صحابةٍ تتحدَّثُ؟
              وعن أيِّ مقارنةٍ وقياسٍ تتكلَّمُ؟
              وعن أيِّ شُورَى تتكلّم؟

              صَاحَبُوهُ وَنَافَقُـوا في هَـَواه فَهَـووا في جَحِيمِهَا ولِظَاهَــا
              نَقَضُوا عَهْدَ أَحْمَدٍ في أَخِيـهِ وَأَذَاقـُوا البَتُـولَ مَا أَشْجَـاهَا
              لَمْ يَذُوقُوا الهُدَى وَلَو طَعِمُوهُ عَرَفـُوا لِلْنَبِيِّ قَـدَرَاً وَجَاهَــا
              مَا لَكُمْ قَدْ مَنَعْتُمُوهُمْ حُقُوقَـاً أَوْجَـبَ اللهُ في الكِتَابِ إدَاهَـا
              تَدَّعُونَ الإسْلامَ إفْكَـاً وَزُورَاً كَـذَبَـتْ أمَّهَاتُكُـم بِادِّعَاهَـا
              لَمْ نَسَلْكُمْ لِحَاجَةٍ واضـْطِرَارَاً بَلْ نُدِّلُّ الوَرَى عَلَى تَقْواهَــا
              هَذِهِ البُـرْدَةُ الَّتي غَضَبَ اللهُ عَلَى كُلِّ مَنْ سِـوَانَا ارْتَدَاهَـا
              فَخُـذُوهَا مَقْـُرونَةً بِشَنـَارٍ غَيْـرَ مَحْمـودَةٍ لَكُمْ عُقْبَاهَـا
              وَالبِسُــوهَا لِبَاسَ عَارٍ وَنَارٍ قَدْ حَشَوْتُمْ بِالمُخْزَيَاتِ وَعَاهَا

              تعليق


              • #8
                بسم الله الرحمان الرحيم
                اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                ك. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام

                في كتابٍ لمعاويةَ حَيْثُ احتجَّ بشورى عُمَرَ لِفَصْلِ الشام عَن الدولَةِ الإسلاميَّةِ حَيْثُ اتَّفَقَ مَعَ الروم عَلَى ذَلِكَ مُنْذُ عَهْدِ عُمَر الَّذي ولاَّه عَلَيْهَا عشرين سَنَةً هُوَ وعثمان. قَالَ عَلَيْهِ السَّلام:
                وَإنَّمَا الشُّورَى للمهاجِرينَ والأنْصَارِ فَإِنْ اجْتَمَعوا عَلَى رَجُلٍ وسمُّوه إمَامَاً كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رضىً فإنْ خَرَجَ عَن أَمْرِهِم خَارِجٌ بِطَعْنٍ أو بِدْعَةٍ رَدُّوه إلى مَا خَرَجَ مِنْهُ فإِنْ أَبَى قَاتَلوه عَلَى إتِّبَاعِهِ غَيرِ سَبيلِ المؤمنين
                النهج باب الكتب رقم/ 245

                استَشْهَدَ الأفَّاكُ بِهَذا النصِّ للزَعْمِ بِأنَّ أميرَ المؤمنين يُؤْمِنُ بالشورى ولا يُؤْمِنُ بالوَصيَّةِ. وَلَمْ يُشِرْ إلى أنَّ هَذا الكلامَ هُوَ في كِتَابٍ مُوَجَّهٍ لمعاويَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أنَّ معاويَةَ أَنْكَرَ الوَصِيَّة والإمامَةَ واحتجَّ بالشورى!.
                وَذَلِكَ لكي لا ينتَبِهَ القارئُ إلى أنَّ كلامَهُ عَلَيْهِ السَّلام هُوَ للمُحَاجَجَةِ مَعَ المُنْكِرينَ للوصيَّةِ، فَأَسقَطَ حجَّتَهم بالشورى أَيْضَاً!.
                أيْ أنَّ أميرَ المؤمنينَ يقولُ لمعاويَةَ: (إذا كُنْتَ تؤمِنُ بالشورى ـ والكلامُ نَفْسُهُ موجَّهٌٌ للأفَّاكِ شقيقِ معاويَةَ البغي والعُدوانِ وإلى كُلِّ مَنْ هُوَ عَلَى شاكلتِهِما ـ فإنَّ الشُّورَى خاصَّةً بالمُهَاجرينَ والأنصارِ، فَأَنْتَ إِذَنْ خارجٌ عَنْهَا)!
                فَقَولُهُ عَلَيْهِ السَّلام: (فَإِنْ اجْتَمَعوا عَلَى رَجُلٍ وسمُّوه إمَامَاً كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رضىً) هُوَ كلامٌ حقٌّ يَحْمِلُ تكفيرَ عُمَرٍ واضِعِ الشُّورَى لا تبريرَ الشُّورَى!
                ذَلِكَ لأنَّ عُمَرَ استَعْمَلَ المَعْنَى القرآنيَّ لآيَةِ الشُّورَى وطَبَّقَ من الواقِعِ خِلافَهُ وعكْسَهُ.
                أولاً: إنَّ عُمَرَ أَخَذَ الخلافَةَ من الأوَّلِ بلا شُورَى. فإذا كَانَتْ الشُّورَى هِيَ نظامُ الحُكْمِ في القرآنِ فولايتُهُ إِذَنْ باطلَةٌ!
                وثانياً: انظُرْ إلى شُورَى عُمَرَ.. فإنَّ شُورَى عُمَرَ فِيْهَا سِتَّةُ أشخاصٍ فقط، بَيْنَمَا المهاجرون والأنصارُ هم بالمئاتِ إنْ لَمْ يَكُونُوا إلوفاً.
                فَمَنْ هُوَ الَّذي استَبَدَّ برأيِّ الأمَّةِ أولاً أيُّها الأحمَقُ؟
                إِذْ لَمْ يجتَمِعْ المهاجرونَ والأنصارُ كلُّهُم عَلَى رَجُلٍ ويسمُّونَهُ إمَامَاً.. فَلَو فَعَلَوا لكانَ هَذا الإمامُ هُوَ رضا اللهِ بالطبعِ سواء أَكَانَ اسْمُهُ علياً أو زيداً أو غَيْرَ ذَلِكَ!
                لكنَّ هَذا مُحالٌ!!
                لأنَّ اجتماعَهُم عَلَى رَجُلٍ واحِدٍ هُوَ ضَرْبٌ مِنَ المُحَالِ قَطْعَاً.
                فإذا افْتَرَضْنَا أنَّهُم أَرادوا أنْ يجتمِعُوا عَلَى رَجُلٍ هُوَ غَيْرِ المنْصوصٍ عَلَيْهِ، فَلَنْ يَتَحَقَّقَ لَهُم هَذا الاجتماعُ، وَذَلِكَ لِبَقَاءِ المَنْصوصِ عَلَيْهِ خَارِجَ هَذا الاجتماعِ!، إِذْ يُحْتَمَلُ أنْ يِضِلَّ الخَلْقُ كلَّهُم وَلكنَّ المعصومَ لا يَضِلُّ قط.
                وَلِذَلِكَ قَالَ النبيُّ (ص):
                (لا تجتمِعُ أُمَّتي عَلَى ضَلالٍ)
                وَذَلِكَ لوجودِ الحُجَّةِ ومَنْ تابَعَهُ.. وَمعْنَى ذَلِكَ لَو فَهِمْتَ: إنَّ الانحرافَ والضَّلالَ آتيانِ لا محالةَ. ورسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) يُشيرُ إلى كُلِّ مُكَلَّفٍ لِيَبْحَثَ عَنِ الحَقِّ في هَذا الضَّلالِ لأنَّهُ لا بُـدَّ من بقاءٍ لنورِ الله في الأَرْضِ ولا بُـدَّ من وجودِ من لا يَضِلُّ من أمَّتِهِ.
                وَهَذِهِ الكَلِمَةُ الجامِعَةُ لَهُ عَلَيْهِ السَّلام هِيَ للمَنْعِ من الردَّةِ.
                ألا تَرَاه في النصِّ يقولُ (إذا اجْتَمَعوا) ـ وَهَذا الشَّرْطُ مُحالٌ.. فَإِنَّهُم لَنْ يجتمِعُوا قط عَلَى غَيْرِ المعصومِ.
                فإذا قُلْتَ: (فَإِنَّهُم أَيْضَاً لا يجتمعونَ عَلَى المعصومِ (صاحِبِ الوَصِيَّةِ) ومُحَالُهُ مِثْلُ مُحَالِ الأوَّلِ!
                أقول: (إِذَنْ فَأَنْتَ لَمْ تَفْهَم إلى الآنَ لُغَةَ المعصومِ!. فالمعصومُ لا يَنْطِقُ عَن الهوى ولَفُظُهُ هُوَ لَفْظٌ مُنْتَزَعٌ من القرآنِ. إِذْ (المهاجرون والأنصارُ) هُمْ عَلَى المَعْنَى القرآنيِّ في النصِّ لا عَلَى المَعْنَى الذهنيِّ الَّذي عندك!، لأنَّ الَّذي عندك هُوَ أسماءٌ فِيْهَا مِنْ بَيْنِ مَا فِيْهَا المنافقون. وهؤلاءِ ليسوا عِنْدَ اللهِ من المهاجرينَ وإنْ هاجروا، وليسوا عِنْدَ الله من الأنصارِ وإنْ كانوا مَعَهُم).
                فإن قلت: (وكَيفَ يُعرَفُ هَذا؟)
                فالجوابُ: (هُنَا تَكْمِنُ المُحَاجَجَةُ. فالإمامُ عَلَيْهِ السَّلام يريدُ أَنْ يبيِّنَ أنَّ الشُّورَى هِيَ بِهَذا المَعْنَى المحصورِ بَيْنَ (المؤمنينَ) لا بَيْنَ (الَّذينَ آمنوا). إنَّهَا اختيارُ اللهِ لا اختيارُ الخَلْقِ. فالخَلْقُ لا يتَّفقونَ في كُلِّ الأحوالِ. والاجتماعُ ممكِنٌ ولَهُ مَعْنَى بِهَذا الحَدِّ. فإذا خَرَجَ عَنْ هَذا الحَدِّ أصبَحَ مُحالاً).
                فَهْوَ عَلَيْهِ السَّلام يَحْتَجُّ بالمُحَالِ لإثباتِ الوَصِيَّةِ لا لتبريرِ الشُّورَى.
                وَلكنَّ معاويَةَ حَيْثُ لا يَزْعَمُ باستغراقِ الشُّورَى للأفرادِ فَرْداً فَرْداً، وَإنَّمَا هِيَ بنظَرِهِ مقصورةٌ عَلَى الزعاماتِ القبليَّةِ لعقليَّتِهِ الرجعيَّةِ وجاهليَّتِهِ المُسْتَحْكَمَةِ فِيهِ فإنَّ إسقاطَ حجَّتَهُ قَدْ تَمَّ بِهَذا، لأنَّ بيعَةَ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام لَمْ تَكُنْ من جانِبِ الزعاماتِ فقط، وَإنَّمَا من مجموعِ المهاجرين والأنصارِ وعامَّةِ الناسِ بِمَنْ فيهم النساء والصبيان. وَهْيَ البيعَةُ الوحيدَةُ الَّتي تَمَّتْ بِهَذِهِ الصورَةِ عَلَى مرِّ التاريخِ الإسلامي. وَهْوَ الوحيدُ الَّذي انْفَرَدَ بِهَذِهِ البيعَةِ دونَ سائِرِ الخَلْقِ الَّذينَ حَكَموا المُسلِمين.
                وَحَتَّى الَّذينَ لا يرغبونَ فِيهِ ويَبْغضونَهُ بايعوه طَوعَاً ثُمَّ نكثوا وادَّعو أنَّهُم بايعوا باللسانِ دونَ القَلْبِ! فتأمّل!
                وهؤلاءِ وأمثالُهُم قَدْ شَهِدوا عَلَى أنفسِهِم بالنفاقِ من غَيْرِ أنْ ينتبهوا، ذَلِكَ لأنَّ منادي عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام قَدْ نادى أنْ لا إكراهَ في البيعَةِ فَمَنْ شَاءَ أنْ لا يُبايعَ فَلا تثريبَ عَلَيْهِ. وقَدْ فَعَلَ هَذا أملاً بأنْ يُحاججَهم فيما بَعْدُ بالحُسنى.
                فانظُرْ أخي القارئ كيف هُوَ صِدْقُ النبي ِّمُحَمَّدٍ الصادِقِ الأمين ِصلى الله عَلَيْهِ وآله وسلم حِينَمَا يقولُ:
                (عليٌّ مَعَ الحَقِّ والحَقُّ مَعَ عليٍّ يَدورُ مَعَهُ حَيْثمَا دَار)

                ل. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام

                وَأَعْجَبَاهُ أَتَكونُ الخِلافَةُ بالصَّحَابَةِ وَالقَرَابَةِ؟
                تصنيف النهج/ 84/ ص 260

                هَكذا يَسْتَهْجِنُ الإمامُ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام كافَّةَ القِيَمِ الجاهليَّةِ والرجعيَّةِ.
                فَلا الصحبَةُ ولا القُرْبى تشكِّلُ عندَهُ مُسْتَنَداً للخِلافَةِ.. فَمَا أَكْثَرُ الأصحابِ؟، وَمَا أكْثَرُ الأقاربِ؟.. إنَّهُ لَيْسَ بِمُلكٍ كسرويٍّ وراثيٍّ حَتَّى يكونَ الأولى بِهِ هُوَ الأقْرَبَ بالرحمِ أو الأقْرَبَ لحمةً من صاحِبِ الرسالةِ!. فالمنافِقُ يسرعُ هُوَ الآخِرُ (حَيْثُ يَأْمَنُ المَكَارِهَ) في الطاعَةِ ويمثِّلُ دَوْرَ المطيعَ المُتَفَاني.
                وَلَيْسَتْ الشُّورَى إلاَّ تكريساً لِهَذا المَعْنَى.. لأنَّ مَعْنَى الشُّورَى هُوَ أنْ يتشاوَرَ هَذا الجَمْعُ غَيْرُ المُتَجَانِسِ بِشَأْنِ الحكومَةِ ويَخْتَارَ الحَاكِمَ.
                فالاختلافُ هُوَ في هَذا …
                الشُّورَى هِيَ الاختلافُ نفْسُهُ وَلَيْسَتْ حَلاًّ للاختلافِ.
                إن الاختلافَ والرَّغْبَةَ في السُّلطانِ قَدْ قَوِيَتْ بَعْدَ الشُّورَى حَتَّى صَارَ يَطْمَعُ فِيْهَا مَنْ كَانَ لا يُفَكِّرُ أَصْلاً بالخلافة!!
                وَكَفَى بالشورى سُبَّةًً وفَضِيحَةً أَنْ يُدَافِعَ عَنْهَا رَأْسُ البَغي والجورِ معاويَةُ بن أَبي سفيان!!

                م. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام

                فَأَيْنَ تَذْهَبون؟ وَأَنَّى تُؤْفَكون؟ والأَعْلامُ قائِمَةٌ والآياتُ واضِحَةٌ، والمَنَارُ منصوبَةٌ. فَأَيْنَ يَُتَاهُ بِكُم وَكَيْفَ تَعْمَهون؟ وَبَيْنَكُمْ عتْرَةُ نَبِيِّكُمْ وَهُمْ أَزِمَّّةُ الحَقِّ وَأَعْلامُ الدِّينِ وَأَلْسِنَةُ الصِّدْقِ! فَانْزِلوهُم بِأَحسَنِ مَنَازِلِ القُرْآنِ وَرِدُوهُم وَرَدَ الهِيمِ العِطَاشِ..
                أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوْهَا عَنْ خَاتَمِ النَبِيينَ صّلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَلَيْسَ بِمَيِّتٍ، وَيُبْلَى مَنْ بَلِيَ وَلَيْسَ بِبَالٍ فَلا تَقُوْلُوا بِمَا لا تَعْرِفُوْنَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الحَقِّ فِيْمَا تَنْكِرُوْنَ. أَلَمْ أَعْمَلْ فِيْكُمْ بِالْثِقْلِ الأَكْبَرِ وَأَتْرِكُ فِيْكُمْ الثِقْلَ الأَصْغَرَ؟
                نهج البلاغة/ الخطبة 58

                هَذا هُوَ حجَّّةُ الله، وَهَذا هُوَ مَعْنَى حُجَّّةِ الله..
                لأنَّ بِهِ تكونُ الحُجَّةُ لِلَّهِ عَلَى الخَلْقِ. فَلا مَسوغَ للاختلافِ. فَمَنْ ضَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ فإلى النارِ بحَقٍّ ومَنِ اهتدَى فإلى الجَنَّةِ بحَقٍّ.
                وإذا غَابَ القَرينانِ أو أحدُهُمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ، وعندها فَلَهُمُ الحُجَّةُ في الاختلافِ.
                ستقولون: ربَّنَا أَنْزَلْتَ كِتَابَاً لَمْ نقِدْرْ عَلَى تأويلِهِ، وَلَمْ تَضَعْ لَنَا مَنْ يقومُ بِهِ، وفينا من يَطْمَعُ بالسلْطَانِ فاخْتَلَفْنَا، وكلٌّ حَسَبَ اجتهادِهِ وَفَهْمِهِ وسُفِكَتْ دماءُنَا وعِشْنَا في الضَّنَكِ فَكَيْفَ تُعَذِّبْنَا بَعْدَ هَذا كلّه؟!
                أجل.. سَتَكونُ الحُجَّةُ لَهُم عَلَى اللهِ.
                وَلكنْ إذا كَانَ (المَنَارُ مَنْصوبَاً)، وإذا كَانَتِ (الأعلامُ قائِمَةً) و(الآياتُ واضحَةً) والعترَةُ موجودَةً حَتَّى الميِّتُ مِنْهَا لا يموتُ والبالي لا يُبلى لوجودِ كلامِهِ وسيرَتِهِ ووَرَثَتِهِ دَوْمَاً بلا انقطاعٍ..
                إذا كانَ ذلكَ كذلكَ فَلا حُجَّةَ للخَلْقِ عندئذٍ في الاختلاف..
                بَلْ لَو لَمْ يُنَصِّب اللهُ إمَامَاً فَلا مَعْنَى أَصْلاً لِكُلِّ مَا فَعَلَ مِنْ إرسالِ رسولٍ وإنزالِ كتابٍ.
                وَلِذَلِكَ أَكَّدَ أهْلُ البيتِ في أَكْثَرِ مِنْ أربعينَ ألف نِصٍّ واضِحٍ وجَلِيٍّ كُفْرَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الإمامَةَ باختيارِ النَّاسِ.
                أهلُ البيتِ عليهم السَّلام الَّذينَ يُحَاوِلُ الكاتبُ مُخَادَعَتَهُم والتقوُّلَ عليهم..
                فَلِمَاذَا تَرَكَ الكاتبُ هَذِهِ الخُطَبَ والنصوصَ وَلَمْ يَذْكُرْها للقارئ؟
                لأنَّهُ يُريدُ مُخادعَتَهم.
                وَبَعْدَمَا أَوْضَحْتُ هَذا لِبَعْضِ القُرَّاءِ مَقَتُوهُ وَكَرَهوا سِمَاعَ اسمِهِ والتَفَوُّهَ بِذِكْرِهِ، وتلك هِيَ عاقِبَةُ الَّذينَ أساءوا السوأى أَنْ كَذَّبُوا بآياتِ اللهِ وكانوا بِهَا يَسْتَهْزِئون.

                تعليق


                • #9
                  بسم الله الرحمان الرحيم
                  اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
                  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                  ن. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام


                  أَيْنَ الَّذينَ زَعَمُوا أنَّهُم الرَّاسِخُونَ في العِلْمِ دُونَنَا كَذبَاً وَبَغْيَاً عَلَينَا أَنْ رَفَعَنَا اللهُ وَوَضَعَهَمُ وأَعْطَانَا وحَرَمَهُم وَأَدْخَلَنَا وَأَخْرَجَهُم. بِنَا يُسْتَعْطَى الهُدَى وَيُسْتَجْلَى العَمَى.
                  نهج البلاغة/ الخطبة/142

                  أَقولُ: الأداةُ (أنْ) في العبارَةِ سببيَّةٌ أي أنَّهُم ادَّعوا هَذا للأسبابِ الثلاثَةِ حَيْثُ وضعَهُم اللهُ وَرَفَعَ آلَ البيتِ وحَرَمَهُم وأَعْطَى آلَ البيتِ وأَخْرَجَهُم وأَدْخَلَ آلَ البيتِ.
                  والمفاعيلُ والمتعلِّقاتُ متروكَةٌ لتعدُّدِهَا وعَدَمِ إمكانيَّةِ إحصائِهَا في هَذا المُخْتَصَرِ. فَلَو جَاءَ بأحَدِ المتعلِّقَاتِ واقْتَصَرَ عَلَيْهِ فسَيَغمُطُهُم حقَّهم.
                  يُقالُ: مَاذَا أعطاهم؟. فيُقالُ: أعطاهُم عِلْمَ الكِتابِ وأعطاهُم الجودَ والحِلْمَ والشجاعَةَ وعِلْمَ المَنَايَا والبَلايَا وفَصْلَ الخِطابِ و.. و.. وَمَا لا يُحْصَى. وَلِذَلِكَ تَرَكَ ذِكْرَ المتعلِّقاتِ.
                  وَلَمَّا كانوا قَدْ حَسَدُوهُم عَلَى هَذِهِ الثلاثَةِ فقَدِ ابتَكَروا دَعْوى الرسوخِ في العِلْمِ مَعَهُم أو دونَهُم.
                  وَهَذا يَحْتَاجُ إلى تَفْسيرٍ وتوضيحٍ لأنَّ بقيَّةَ الصُّفاتِ لا يقَدِرونَ عَلَى ادِّعاءِها..
                  فَلَو ادَّعوا الجودَ والإنفاقَ كَذَبوا وانْكَشَفُوا لأنَّ عُمْراً دَفَنَ أصوعَةَ التَّمْرِ عِنْدَمَا أَمَرَهُ النبيُّ (ص) بالإنفاقِ.. وَلَمْ يَنْفِقْ لا هُوَ ولا أَحَدٌ سِواه درهَمَاً وَاحِدَاً لمناجاةِ النبيِّ (ص) حِينَمَا نَزَلَ قانونُ التَّصَدُّقِ قَبْلَ التقَدُّمِ بمناجاتِهِ، فَتَرَكوه عَشْرَةَ أيامٍ لا يَرَاهُ سِوَى علي بن أَبي طالب !!
                  وإن ادَّعوا الشجاعَةَ فَضَحَوا أنفسَهُم. فَهُمْ جبناءُ يَفِرُّونَ مِنْ أضْعَفِ المُقَاتلين.. ويُظْهِرونَ شُجاعتَهُم عَلَى الأسْرَى والنِسْوان فقط!
                  فَتَتَبَّعْ شُجَاعَةَ عُمَرَ في التاريخِ تَجِدَهُ كَمَا أَخْبَرْتُكَ وَلَن تَجِدَ قتيلاً وَاحِدَاً مِنَ الكُّفَارِ بسيفِهِ ولا بسيفِ عثمانَ ولا أَبي بكر .
                  وإنِ أدَّعو الحِلْمَ: فَمَا أفْضَحَهم وَمَا أَكْذَبَهم!
                  فَإِنَّهُم أَعْتى وأَطْغَى خَلْقِ اللهِ، وأكثَرُهُم إضماراً للانتقامِ ولو بَعْدَ عشرات السنين.
                  وإنِ ادَّعوا القوَّةَ البدنيَّةَ.. فكذبُهُم ظاهِرٌ عياناً، إِذْ وَلَّى عثمانُ هارباً حَتَّى قِيْلَ (ذَهَبَ بِهَا عريضَةً).. وغابَ ثلاثَةَ أيامٍ عَن معركةِ أُحد.. وفيهم نزلت آيةُ:
                  {لَو يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} (57) سورة التوبة
                  وفرَّ الثلاثَةُ في حُنينٍ وفرُّوا في خَيْبَرَ وفرُّوا في أَكْثَرِ المواقِعِ الحربيَّةِ.
                  والتأويلُ اللغويُّ هُوَ الطريقُ الوحيدُ لهؤلاءِ لأنَّهُمْ يُحسنونَ تَبْديجَ الكلامِ وتخريجَ العباراتِ. قَالَ تَعَالَى في المنافقين:
                  {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (4) سورة المنافقون
                  وَقَالَ تَعَالَى:
                  {وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ}
                  (30) سورة محمد
                  وَهْوَ غَيْرُ اللَّحنِ في الاصطلاحِ اللغويِّ، بَلْ عَكْسُهُ تَمَامَاًَ، لأنَّ اللَّحْنَ عِنْدَ النحويين خِلافَ الفصاحَةِ. والمقصودُ القرآنيُّ هُوَ تنغيمُ الأصواتِ وتحزينُ النَّبَرَاتِ بِمَا يَخْدَعُ السامِعَ ويَظِنُّ أنَّ المتكلِّمَ صادِقٌ. وَهَذِهِ الصِّفَةُ موجودَةٌ في المنافقينَ في كُلِّ زمانٍ.
                  وَلِذَلِكَ حذَّرَ القرآنُ من المنافقين مَا لَنْ تَجِدَ مِثْلَهُ مِنْ تَحْذيرٍ بشأنِ المُشركينَ حَتَّى لَو كانوا دولاً وإمبراطورياتٍ ومَمَالكَ عظيمةً.
                  وَلكنَّ هَذِهِ الأمَّةَ لا زالَتْ تُنَافِقُ وتُوغِلُ في النفاقِ ولا تَتَدَّبَرُ كتابَ اللهِ الَّذي سَوفَ يَكْشِفُهَا لِكُلِّ الأُمَمِ.
                  بَلْ لَمْ يَخْشَ النبيُّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) عَلَى أمته الشرْكَ فقَدْ قَالَ:
                  (إنِّي لا أَخَافُ عَلَى أُمَّتي مُؤمنَاً ولا مُشْرِكَاً أَمَّا المؤْمِنُ فَيَمْنَعُهُ اللهُ بأيمانِهِ وَأمَّا المُشْرِكُ فَيَقْمَعُهُ اللهُ بِشُرْكِهِ ولكنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم كُلَّ مُنَافِقِ الجِنَانِ عَالِمِ اللسانِ يقولُ مَا تعرِفونَ ويَفْعَلُ مَا تُنْكِرونَ
                  ذَكَرَهُ أميرُ المؤمنينَ عَلَيْهِ السَّلام في النهج أَيْضَاً ـ تحت رقم/226 من الطبعة الكاملة البيروتية لدار الاندلس.
                  هَؤُلاءِ إِذَنْ هُمْ الَّذينَ يَخْشَى عَلَى الدِّينِ مِنْهُم. وَهْوَ مأخوذٌ من القرآنِ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى:
                  {هُوَ الَّذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} (7) سورة آل عمران
                  ومعلومٌ أنَّهُم (أي الراسخون في العِلْمِ) لا يَقُولُونَ ذَلِكَ وَهُم لا يعلمونَ تأويلَهُ، إِذْ لا مَعْنَى للعبارةِ، ولا مَعْنَى لامتداحِهِم. فتأويلُهُ الكلِّيُّ عِنْدَ اللهِ ويأتيهم مِنْهُ حَسَبَ الحاجَةِ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ قولَهُم دونَ عطفٍ عَلَى العِلْمِ بالتأويلِ لتجنُّبِ تساوي علمَهُم مَعَ عِلْمِ المتكلِّم عَزَّ وجلَّ لأنَّهُ مُحَالٌ. فاختلفوا في الآيَةِ والوَقْفِ، وَهْوَ اختلافٌ يُعَدُّ جزءاً من ابتغاءِ الفِتْنَةِ والتأويلِ.
                  إنَّ معركَةَ التأويلِ هِيَ بَيْنَ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام وعدُّوِهِ. وَلِذَلِكَ قَالَ النبي (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم):
                  (فِيكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تأويلِهِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ)
                  وَهَذا النصُّ وَحْدُهُ كافٍ لإثباتِ الإمامَةِ بِكُلِّ أبعادِهَا.. وَلِذَلِكَ انْبَرَى أَبو بكرٍ مُسْرِعَاً وَهْوَ يقولُ للنبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): أنا هُوَ.. أنا هُوَ..؟!!
                  فَقَالَ النبيُّ: لا!.
                  واختلَطَ معَهُ صوتُ عُمَرَ وَهْوَ يقولُ: أنا هُوَ؟!
                  فَقَالَ النبيُّ: لا!.
                  وعليٌّ عَلَيْهِ السَّلام في البابِ يَحْمِلُ نِعْلَ رسولِ اللهِ لإصلاحِهَا وَهْوَ لا يَرْفَعُ رأسَهُ! فَقَالَ النبيُّ: هُوَ خاصِفُ النِّعْلِ!
                  وقِيلَ أنَّ النبيَّ قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ دَخَلَ عليٌّ وبيدِهِ النِّعْلُ فأخبروهُ (فَلَمْ يرْفَعْ بِهَا رأسُهُ) حَسَبَ تعبيرِ الرواةِ.
                  قَالَ ابنُ حجر: (كأنَّهُ قَدْ سَمِعَهُ مِنْ رسولِ اللهِ قَبْلَ ذَلِكَ)!
                  يا لَهُ مِنْ نِعْلٍ! فدىً شراكه كُلُّ العَالَمِ.. نِعْلٌ مَشَى عَلَى بِسَاطِ الرَّحْمَةِ ودَخَلَ دهليزَ سرادَقِ المَلَكوتِ حَيْثُ لَمْ يَقْدِرْ جبريلُ عَلَى المرورِ!!
                  شَرَفٌ عظيمٌ لِمَن يُصْلِحُهُ!! ولا يُصْلِحُهُ سِوَى عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام.
                  ذَكَرَ َهذا النصُّ أصْحَابُ الحديثِ من السُّنَةِ والمعتزلَةِ والشيعَةِ جميعاً مُقِرِّينَ بصحَّتِهِ وورودِهِ في عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام وَهْوَ مِنْ أشْهَرِ الأحاديثِ.
                  فيما يلي النصُّ الكامِلُ للحديثِ وأمثالِهِ من طُرُقِ أصحابِ الحديثِ، وَهْوَ مشهورٌ عندهم بحديثِ (خاصف النعل):
                  قَالَ رسول الله (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم):
                  إنَّ مِنْكُم مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تأويلِهِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ فاسْتَشْرَفَ لَهَا أَبو بكرٍ وعمر قَالَ أَبو بكر: أنا هُوَ؟ قَالَ: لا. قَالَ عمر: أنا هُوَ؟ قَالَ: لا وَلكنْ خاصف النعل. قَالَ أَبو سعيد الخدري فأتيناه فَبَشَّرْنَاهُ فَلَمْ يرفَعْ بِهَا رأسَهُ كأنَّهُ قَدْ سمِعَهُ من رسولِ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم).. انتهى.
                  مصادر النصّ:
                  مستدرك الحاكم/ ج 3/ 122 قَالَ: هَذا الحديث صحيحٌ عَلَى شَرْطِ الشيخين (يَعْنِي البخاري ومسلم) وَلَمْ يخرِّجاه.
                  مسند أحمد بن حنبل/ ج 3/ 82 و 33.
                  حلية الأولياء في ترجمة أَبي سعيد.
                  كنز العمال/ الحديث رقم 2585.
                  فَتَعالَ أيُّها الأفَّاكُ وأَخْبِرْ:
                  أَهذا الكلامُ من وَضْعِ متكلّمي الشيعَةِ أَمْ هُوَ كلامُ رسولِ اللهِ أَخْرَجَهُ مَنْ هُمْ في عِدادِ خصومِ الشيعَةِ بالمعنى الطائفي؟. وَهْوَ المَعْنَى الَّذي لا قِيمةَ لَهُ عِنْدَ اللهِ. فَكَمْ في طائفةِ الشيعة مِنْ منافِقٍ؟‍ وكَمْ في طائفَةِ السنَّةِ من مؤمِنٍ يكتُمُ إيمانَهُ؟‍. فَأَخْرَجَ المؤمنونَ بولايَةِ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام هَذِهِ الأحاديثَ لِهَذِهِ الغايَةِ لا لِسواها.
                  ومن هُوَ الَّذي يكونُ قتالُهُ عَلَى التأويلِ مُشابهاً لقتالِ صاحِبِ الرسالَةِ عَلَى التنزيل سِوَى الخليفة بالحَقِّ والإمام بالنصِّ؟
                  فالفقهاءُ أجمَعَوا عَلَى أنَّ الدفاعَ هُوَ من حَقِّ الخلفاءِ. وَلكنَّ صفحَةَ الهجومِ لَيْسَتْ إلاَّ للنبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم)، إِذْ أنَّهُ هُوَ المعصومُ..
                  وَهَذا النصُّ يثبتُ أنَّ عصمتَهُ مِثْلُ عصمَةِ النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) لأنَّ قِتَالَهُ كَقِتَالِ النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم).
                  وكَيفَ تقولُ أيُّها المُتْخَمُ من موائِدِ الطُغَاةِ: إنَّ عِصْمَةَ عليٍّ وإمامتَهُ لا تَثْبِتُ بالأحاديثِ وإنْ صَحَّتْ لأنَّها أحاديثُ فضائلٍ!.
                  فهلاَّ جِئْتَنَا بفضيلةٍ مشابهةٍ لِهَذِهِ أَقَرَّ بِهَا أصحابُ الحديثِ سُنَّةً كانوا أَمْ خوارجَ أَمْ مرجئةً لأحَدِ أصنامِكَ أصنامِ الشُّورَى؟.
                  وَمَا الَّذي يَدْعوهُ للقتالِ عَلَى التأويلِ لَولا الأَمْر الإلهي؟.. كَمَا في اللفظِ الآتي:
                  (عَن أَبي أيوبٍ قَالَ: أَمَرَ رسولُ اللهِ عليَّ بن أَبي طالبٍ بِقِتَالِ الناكثينَ والقاسِطينَ والمَارقين)
                  مصادر الحديث: أَخْرَجَهُ ابن عساكر وَهْوَ الحديث 2588/ ج 6/ من كنز العمال. ونَقَلْتَهُ عَجِلاً مِنَ المُراجعاتِ وَلَمْ أتتبَّعْ بقيَّةَ مصادِرِهِ.
                  أَلا ترَى أنَّهُ أَمْرٌ إلهيٌّ عَلَى لِسانِ الرسول (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) بِأنْ يُقاتِلَ هَذِهِ الفئاتِ؟ وَهَلْ يُؤْمَرُ شَخْصٌ عاديٌّ بِمِثْلِ هَذا الأَمْرِ؟
                  عَن رسول الله (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) قَالَ لعليٍّ عَلَيْهِ السَّلام:
                  (إنَّ الأمَّةَ سَتَغْدِرُ بِكَ بَعْدي وَآَنْتَ تعيشُ عَلَى مُلَّتي وتُقْتَلُ عَلَى سُنَّتي مَنْ أحبَّكَ أَحَبَّني وَمَنْ أَبْغَضَكَ أبْغَضَني)
                  مصادر الحديث: مستدرك الحاكم عَلَى الصحيحين/ ج3/ 147. وأورده الذهبي في التلخيصِ معترِفاً بصحّته عَلَى مَا نقله السيّد شرف الدِّين الموسوي أعلى الله مقامه.
                  ونحن نَذْكِرُ ذَلِكَ عَلَى عادتِهِم وألاَّ فعِلْمُ الرِّجَالِ لا قيمة لَهُ بالمرَّةِ، لأنَّ الأَمْرَ النبويَّ هُوَ في عَرْضِ الحديثِ عَلَى القُرآنِ. وَإنَّمَا خالفوهُ لأنَّهُمْ لَو فَعَلَوا لاضطرُّوا إلى تحديدِ معانيَ القرآنِ، إِذْ لا يُعْقَلُ أنْ يُحْكَمَ بِهِ عَلَى الحديثِ مَعَ الاختلافِ في التفسيرِ. وهم لا يريدونَ الحصولَ عَلَى التفسيرِ الصحيحِ، بَلْ يريدونَ المَنْعَ من ظهورِ التفسيرِ الحَقِّ للقرآنِ، لأنَّهُ سيكشِفُ المؤامرَةَ كلَّها عَلَى قرينِهِ (العترة)!.
                  فافْهَمْ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ السببُ الوحيدُ والأوَّلُ والأخيرُ لظهورِ عِلْمِ الرِّجَال والتضعيفِ للأحاديثِ.. وخاصَّةً أخبار أهلِ البيتِ عليهم السَّلام لأنَّها جميعاً أَخْبَاُر آحادٍ بِسَبَبِ الاضطهاد!.
                  وَهَذا الكاتبُ الأفَّاكُ يستخدِمُ هَذِهِ الطرائقَ عينَهَا لتضعيفِ الأحاديثِ الَّتي لا تعجبُهُ وتقويَةَ الَّتي يُريدُها!.
                  وعمَلُهُ هَذا وإنْ فَعَلَهُ أقوامٌ من طائفةِ الشيعةِ فَإنَّهُ لا يَمِتُ إلى الدِّينِ بِصَلَةٍ، وَهْوَ خلافُ الأوامِرِ النبويَّةِ والمنطقِ والعَقْلِ! فَلا حُجَّةَ فِيهِ، إِذْ أَكْثَرُ السُنَّةِ والشيعَةِ خلافُهُ .
                  ذَلِكَ لأنَّ الرِّجَالَ هُمْ الَّذينَ يحْكمونَ عَلَى وثاقَةِ الرِّجَالِ فيبقى الاختلافُ قائماً بَيْنَ الرِّجَالِ!
                  والطريقُ الوحيدُ لتصحيحِ الأحاديثِ هُوَ قانونٌ لا يأتيه الباطِلُ مِنْ بَيْنِ يديهِ ولا مِنْ خلْفِهِ.
                  وَلَيْسَ هُنَاكَ سِوَى القرآن أو الإمام المنصوص عَلَيْهِ من الرسولِ.
                  أمّا الإمامُ فَقَتَلُوهُ بالسيفِ، وَأمَّا القرآنُ فَقَتَلُوه بِتَعَدُّدِ التأويلِ وابتداعِ المرادَفاتِ والمجازِ لتوجيهِ النصوصِ بحَسَبِ الشهيَّةِ!.
                  وجَعَلوا مكانَهُما أنفسَهُم من خلالِ عِِْلم الرِّجَالِ فَحَلُّوا مَحَلَّ الثقلين كليهما. فلعنَةُ اللهِ عَلَى الظالمين. ثُمَّ وَضَعُوا شروطاً قاسيَّةً جِدَّاً للرجالِ، قاسيَةً ضِدَّ الخصوم ِلا ضِدَّ الانتحالِ والوَضْعِ، فَمَرَّتْ مِنْهَا الموضوعاتُ وَلَمْ تَمُرْ مِنْهَا الصِحَاحُ، لأنَّها تَتَحَدَّثُ عَن كُلّ مَا يُدَمِّرُ المؤامرةَ وأصحابَها مشمولين كأسانيدٍ بشروطِ الاستبعادِ.
                  وَمَعَ ذَلِكَ فقَدْ تَحَامَلوا أَكْثَرَ مِمَّا هُوَ مذكورٌ في الشروطِ ومَنَعَوا من تسجيلِ الأحاديثِ بأقسى مِمَّا هُوَ مشروطٌ، فانبرى بَعْضٌ من بَقِيَ عندهم ضَمِيرٌ حيٌّ واستَدْرَكوا عَلَى الأحاديثِ المارَّةِ بِنَفسِ الشروطِ. وَكَأنَّ لسانَ حالِهِم يقولُ: اظلموا وَلكنْ بالقانونِ الموضوعِ عِنْدكُم للظُلْمِ! .. فيا لبؤس هَذِهِ الأمَّةِ إذا انْكَشَفَ المستورُ!.
                  وَعَلَى هَذا فالكاتبُ يستخدِمُ الأسلوبَ الانتقائيَّ للحديثِ. فللمِرْءِ أنْ يقولَ لَهُ: إنَّ كُلَّ مَا تَسْتَشْهِدُ بِهِ موضوعٌ ومزيَّفٌ!. فيبقى كُلُّ واحِدٍ عَلَى مَا أَرَاد.
                  أهذا هُوَ الدِّينُ الَّذي تَدْعو لَهُ أيُّها الكذوب؟.
                  ألا تَعْلَم أنَّ الحديثَ النبويَّ مُحَارَبٌ بُعَيْدَ رحيلِ النبيِّ وأنَّ الشيخينِ جَمَعَا الحديثَ الشريفَ وأحْرَقَاهُ مرَّتينِ وَلَمْ يقْدِرْ أَبو بكر أنْ ينامَ الليلَ بَعْدَ جَمْعِهِ الحَديثَ فَأَمَرَ بإحْراقِهِ عِنْدَ طلوعِ الشَّمْسِ؟
                  فَلِمَاذَا يقولُ الرسولُ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) لعليٍّ عَلَيْهِ السَّلام ستغْدِرُ بِكَ الأمَّةُ من بعدي؟.
                  فإذا كَانَ مُرَشَّحاً للخلافَةِ أسوةً بِكُلِّ المُرَشَّحينَ فَلا مغدورَ فيهم فَازَ مَنْ فَازَ بِهَا، بَلْ هُمْ أخوةٌ في الأيمانِ يَحْكُمُهُم واحِدٌ مِنْهُم يَرونَهُ بِحَسَبِ عقولِهِم هُوَ الأكفأَ بَيْنَ الجميعِ.
                  أليست هَذِهِ هِيَ أحسنُ صورةٍ للشورى؟
                  يا لِلْعَجَبِ وَكَأنَّ هَؤُلاءِ ملائكةٌ!
                  وَكَأنَّ هَؤُلاءِ لَمْ تَنْزِلْ في أكْثَرِهِم آياتُ النفاقِ المبثوثَةِ في سورِ التوبَةِ والنساءِ والتحريمِ والأحزابِ والحديدِ وغيرِهَا!
                  وإذا صَحَّ مَا تقولُ فَلا مَغْدورَ.. فَلِمَاذَا تَغْدِرُ بِهِ الأمَّةٌ؟.
                  إنَّما بلى.. فَلا شَأْنَ لَكُم بكتابِ اللهِ، بَلْ هُوَ عدوُّكُم اللدودُ شأْنُهُ شَأْنُ قرينِهِ.. وَهَذا مَا أَخْبَرَ بِهِ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام أَيْضَاً حَيْثُ قَالَ:
                  (إنَّهُ سيأتي عَلَيْكُم مِنْ بَعْدي زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ شيءٌ أَخْفَى من الحَقِّ، ولا أَظْهَرَ مِنَ الباطِلِ، ولا أَكْثَرَ من الكَذِبِ عَلَى اللهِ ورسولِهِ، وَلَيْسَ عِنْدَ أهْلِ ذَلِكَ الزمانِ سلعةٌ أبْوَرُ مِنَ الكِتَابِ إذا تُليَ حَقَّ تلاوتِهِ (لاحِظْ‍!.. مُنْتَهى صفْحَةِ التأويلِ اللغويِّ!) ولا شيءَ في البِلادِ أَنْكَرَ مِنَ المَعروفِ ولا أَعْرَفَ مِنَ المُنكَرِ، فقَدْ نَبَذَ الكتابَ حَمَلَتُهُ، وَتَنَاسَاه حَفَظَتُهُ، فالكتابُ يومئِذٍ وأهلُهُ طريدانِ منفيانِ، وصاحبانِ مصطحَبانِ في طريقٍ واحِدٍ لا يؤويهُمَا مؤوٍ، فالكتابُ وأهلُهُ في ذَلِكَ الزمانِ في الناسِ ولَيسَا فيهِم، ومَعَهُم ولَيسَا مَعَهُم، لأنَّ الضلالةَ لا تُوافِقُ الهُدَى وإنِ اجْتَمَعَا، فاجْتَمَعَ القومُ عَلَى الفُرْقَةِ وافْتَرَقوا عَنِ الجَمَاعَةِ كأنَّهُم أئِمَّةُ الكِتَابِ وَلَيْسَ الكتابُ إمامَهُم)
                  نهج البلاغة – الخطبة/145
                  واللهِ لَو وُزِنَتْ هَذِهِ السطورُ بِكُلِّ مَا أنْتَجَتْهُ الأمَّةُ من أبْحَاثٍ لأصبَحَتْ أبحاثُهُم هُبَاءاً ولرَجَحَتْ هَذِهِ الكلماتُ عَلَيْهَا رُجْحَانَ الجبالِ عَلَى الدُخَان ِوَلكنَّ أَكْثَرَ الناسِ لا يَعْلَمُون.
                  نَعَمْ.. إنَّ القرآنَ مَعَهُم وَلَيْسَ مَعَهُم.
                  فهذِهِ نتيجةُ التأويلِ: أنْ يَكُونَ القرآنُ تابعاً للأهواءِ وَلَيْسَ متبوعاً. وَهْوَ مَعَهُم يسمَعُونَهُ من الإذاعاتِ ومُحطاتِ التلفزيونِ ومجالسِ الفاتحَةِ ويضَعُونَهُ في المكاتبِ والسياراتِ ليدرَّ عليهم المَالَ ويحفظهم من الشياطين!
                  يا لبؤس أهلِ هَذِهِ الأمَّةِ!.
                  فهم لا يسمعونَهُ وإذا سَمِعوهُ لا يَقُولُونَ: (مَاذَا يَعْنِي؟). وإذا قالوا: (مَاذَا يَعْنِي؟). قالوا قَبْلَهُ ومِنْ عنْدِهِم لا مِنْ عندِهِ: (يَعْنِي كذا وكذا).
                  وإذا قِيلَ لَهُم: تدبَّروا لا يتدبَّرونَ، وإذا حاولوا لا يَعْلَمونَ.. وإذا أَجْبَرْتَهُم أنْ يعْلَمُوا لا يُصَدِّقون، وإذا صَدَّقوا لا يُؤْمِنون، وإذا آمَنوا لا يَعْمَلُون..
                  فَمِنْ أَيْنَ تَأْتيهِم بَرَكَةُ الكِتَابِ؟ أو كَمَا قَالَ صَديقي نَثْرَاً:
                  (عَلَى المَكْتَبِ قرآنٌ والجالِسُ شيطانٌ)!

                  تعليق


                  • #10
                    س. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام

                    نَحْنُ الشَّعَارُ وَالأَصْحَابُ وَالخَزَنَةُ وَالأبواب. وَلا تُؤْتَى البيوتُ إلاَّ مِنْ أَبْوَابِهَا فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيرِ أَبْوَابِهَا عُدَّ سَارِقَاً..
                    نهج البلاغة/ الخطبة/ 152

                    كَيفَ تقولُ أَيُّهَا الكذَّابُ أنَّ عليَّاً لَمْ يَكُنْ يَرَى لنفسِهِ ولأَهْلِ بيتِهِ حَقَّاً في الإمامَةِ ولا أشارَ إلى الوَصِيَّةِ؟.
                    فَمَا مَعْنَى هَذا الكَلامِ؟
                    وكَيفَ تقولُ لا شيءَ في نَهْجِ البَلاغَةِ يُشيرُ إلى ذَلِكَ؟!!.
                    أَوَ لَيْسَ مَعْناهُ أنَّكَ تُريدُ الوصولَ إلى الدِّينِ مِنْ غَيرِ البابِ الَّذي وَضَعَهُ اللهُ (وَلَنْ تَصِلَ..)؟.
                    فَأَنْتَ إِذَنْ بِحَسَبِ هَذا النصِّ سارِقٌ!
                    فيا لبؤسِكَ: كذّابٌ وسارقٌ أَيْضَاً؟!.
                    لأنَّ قولَكَ هُوَ بِخِلافِ مَا قَال.
                    أقولُ: الألفاظُ الوارِدَةُ في النصِّ مَنْبَعُهَا قرآنيٌّ:
                    فالشَّعارُ النبويُّ (يا مَنْصورُ أَمِتْ) وَهْوَ عَلَى الرايَةِ ومواردُ النَّصْرِ كلُّها فيهِم عليهمُ السَّلام.
                    ومن ذَلِكَ قولُهُ تَعَالَى:
                    {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (13) سورة الصف
                    والآيةُ هِيَ في المهديِّ عَلَيْهِ السَّلام.
                    وقولُهُ تَعَالَى:
                    {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (51) سورة غافر
                    فالرُّسُلُ لَمْ يُنْصَروا بَلْ كُذَّبُوا كَمَا نصَّ عَلَيْهِ القرآنُ، ويَكونُ نَصْرُهُم يومَ المهديِّ عَلَيْهِ السَّلام.
                    وَكَذَلِكَ بقيَّةُ الموارِدِ القرآنيَّةِ الكثيرَةِ وفيها نصوصٌ نبويّةٌ كثيرةٌ جِدَّاً (من الفريقين) حَسَبَ تعبيرِهِم.
                    وقولُهُ: (الأصحابُ) هُمْ أصحابُ الأعرافِ. وحالُهُم مَزبورٌ في سورَةِ الأعرافِ يَلعنونَ الحُكَّامَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ وأَتْباعَهم وأَشْياعَهُم ويدخلونَهُم النارَ ويشفَعونَ لشيعَةِ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام وَلِمَنْ وَالاهُم وآمَنَ باللهِ وحدِهِ وَلَمْ يُشْرِكْ في حُكْمِهِ أحَداً سِوَاه.
                    وقولُهُ: (الخَزَنَةُ) خَزَنَةُ جهنَّمَ وخَزَنَةُ الجنَّةِ. ذَلِكَ أنَّ أميرَ هَؤُلاءِ يومَ القيامةِ هُوَ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام. كَذَلِكَ في الرجعَةِ بَعْدَ ظهورِ المهديِّ عَلَيْهِ السَّلام، وفيه اتِّفَاقٌ دلاليٌّ نصيٌّ مَعَ القرآنِ والسنَّة كَمَا قَالَ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم):
                    عليٌّ قَسيمُ الجنَّةِ والنَّارِ
                    قَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ احتجَاجِ الأتْبَاعِ عَلَى قَادَتِهِم في النارِ:
                    {وَقَالَ الَّذينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ  قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } (49 ـ 50) سورة غافر
                    هَذِهِ آيةٌ مِنَ الآياتِ العجيبَةِ جِدَّاً وَهْيَ تُثْبِتُ أنَّ العَذابَ كَانَ مِنْ أيدِيهِم وبأيديهِم بحَيثُ أنَّ العارِفَ بالحقائِقِ قادِرٌ عَلَى تغييرِ الحالِ بالدُّعاءِ. وَلِذَلِكَ قالوا لَهُم: (أدْعوا أَنْتُم فَنَحْنُ وإيَّاكُم سواء في مَعْرِفَةِ الحقائِقِ مَا دامَتْ رسلُكُم قَدْ جاءَتْكُم بالبيِّنَاتِ وتُقِرُّونَ أَنَّكُم تعرِفُونَهَا جيِّداً..).
                    وبالطَبْعِ يَدْعُون.. وَلكنَّ دعاءَهُم في ضَلالٍ وأوامِرَهُم إلى النارِ ومَصَادِرَ العذابِ لا تنفذُ لأنَّ نواياهُم خبيثةٌ لا لأنَّ عِلْمَهُم قاصِرٌ.. وهُمْ مِثْلُ هَذا الكاتبِ يَعْرِفُ الحَقَّ ويعرِضُ عَنْهُ.
                    هَذا الأمرُ يتحقَّقُ بَعْدَ انكِشَافِ الحُجَبِ بَيْنَ الفِعْلِ والواقِعِ عِنْدَ حُصولِ التغييرِ الطبيعيِّ أُبانَ ظهورِ المهديِّ عَلَيْهِ السَّلام.
                    والحديثُ هُوَ عَنْ مرحلَةِ (النارِ)، وَلكنَّ الخِطَابَ لِخَزَنَةِ جهنَّمَ. والنارُ هِيَ إحْدَى مراحلِهَا الأولى.
                    وقَدْ سمَّى الرسولُ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) عليّاً قَسيمَ الجنَّةِ والنارِ وحامِلَ رايَةَ النبي (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) يومَ القيامَةِ وحامِلَ اللواءِ (وفيه دلالةٌ عَلَى الشَّعَارِ) وسمَّاه صاحِبَ الحوضِ وصاحِبَ الجَوَازِ. وفي كُلٍّ مِنْهَا نصوصٌ أَخْرَجَهَا أصحابُ الحديثِ قَبْلَ عَصْرِ الكلامِ والفِقْهِ، فمنها مثلاً:

                    الحديثُ الأوَّلُ: حديثُ حِمْلِ الرايَةِ:
                    عَنِ ابنِ سَمْرَةَ قَالَ قالوا لرسولِ اللهِ: (يا رسولَ اللهِ مَنْ يَحْمِلُ رايتَكَ يومَ القيامَةِ؟. قَالَ: (مَنْ عَسَى أنْ يحمِلَهَا يومَ القيامَةِ إلاَّ مَنْ كَانَ يَحْمِلُهَا في الدُّنْيَا عليٌّ ابنَ أَبي طالبٍ)
                    هَذا الحديث هُوَ المرقم 398/ ج6 من أحاديث الكنز.
                    قَالَ: وأَخْرَجَهُ الطبرانيُّ أَيْضَاً. وَهْوَ في الحلية ج1/66.
                    أقول: وبحَثْتُ عَنْهُ في مَا أُسْنِدَ إلى جابرَ بنَ سَمْرَةَ فوجَدْتُه فِعْلاً عِنْدَ الطبراني في ج2/ص247/ طبعة بغداد ـ وزارة الأوقاف وَهْوَ المرقم (2036) من الجزءِ الثاني. وَلكنَّ لفظَهُ مُخْتَلِفٌ، والاختلافُ هامٌّ. فَفِيهِ قَالَ النبيُّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم):
                    وَمَنْ يُحْسِنُ أْن يَحْمِلْهَا إلاَّ مَنْ حَمَلَهَا في الدُّنْيَا عليٌّ بنَ أَبي طالبٍ
                    والظاهِرُ أنَّ بَعْضَ عَبَدَةِ الطاغوتِ أَبْدَلَ مُفْرَدَةَ (يُحْسِنُ) بِلَفْظِةِ (عَسَى) للتخفيفِ مِنْ وطئَتِهَا عَلَى القومِ. وَرَوَاهُ الخَطيبُ أَيْضَاً في ج14/ص98.

                    الحديثُ الثاني: حديثُ حِمْلِ اللواءِ (لواءِ الحَمْدِ):
                    عَنِ النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) وَذَكَرَ خَمْسَةَ خِصَالٍ لعليٍّ عَلَيْهِ السَّلام قَالَ: (وَأمَّا الرابِعَةُ فإنَّ لواءَهَا مَعَهُ يومَ القيامَةِ وَتَحْتَهُ آدمُ وَمَا وَلَدَ)
                    ذكره في الكنز ج6/403 عَن الحارثَ.
                    وَوَرَدَ حديثَ حِمْلِ اللواءِ في نصوصٍ أُخْرَى متفرِّقَةٍ في ذخائر العقبى/75 والرياض النضِرَة ج 2/201 والكنز ج 6/393 عَن ابن عباس.

                    الحديثُ الثالثُ: حديثُ سِقايَةِ حَوضِ الكَوثَرِ:
                    عَن أَبي سعيدٍ قَالْ: قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): يا عليٌّ مَعَكَ يومَ القيامَةِ عَصَاً مِنْ عَصِيِّ الجَنَّةِ تَذودُ بِهَا المُنافِقينَ عَن حَوضِي
                    تهذيب التهذيب/ج3/284 والمجمع ج9/135.
                    ومن الفاظِهِ الأُخْرَى:
                    عَنْ أَبي هريرَةَ وجابرَ بن عبد الله قَالا: قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) : عليٌّ بنَ أَبي طالبٍ حَوضي يَوْمَ القيامَةِ فِيهِ أكوابٌ كَعَدَدِ نُجومِ السماءِ، وسِعَةُ حَوضي مَا بَيْنَ الجابيَةَ إلى صَنْعَاءَ
                    المجمع ج10/.367 قَالْ: (وقَدْ رواه الطبراني في الأوسط).
                    والأحاديثُ في هَذا كثيرةٌ. فانظر: تاريخ بغداد ج14/98، والحلية/ج10/211، والكنز ج 6/402، والمستدرك للحاكِمَ ج3/138، وأَحاديثٌ أُخْرَى متفرِّقَةٌ في الكَنْزِ بِهَذا المضمونِ في ج 6/400، 403، 393.

                    الحديثُ الرابِعُ: حديثُ صاحِبِ الجَوَازِ:
                    عَنِ النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) قَالَ: (إنَّ عَلَى الصِّرَاطِ لَعَقَبَةً لا يَجُوزُهَا أَحَدٌ إلاَّ بِجَوَازٍ مِنْ عليٍّ بنَ أَبي طالبٍ..)
                    وفيهِ ألفاظٌ مختلِفَةٌ ومضامينٌ متعَدِّدَةٌ. ومِنْ مصادِرِهِ تاريخُ بغدادَ للخطيبَ ج10/356، والرياضُ النضِرَةُ ج2/172 و177.

                    الحديثُ الخامِسُ: حَديثُ قَسيمِ الجنَّةِ والنارِ:
                    وَرَدَ هَذا الحديثُ في المُنَاشدَةِ المذكورَةِ سابقاً حَيْثُ احتجَّ بِهِ عَلَيْهِ السَّلام عَلَى الإمامَةِ. وَذَكَرَ ابنُ حجر أنَّهُ قَالَهَ للستَّةِ أصحابِ شُورَى عُمَر في كلامٍ طويلٍ منه:
                    أَنْشِدُكُم اللهَ هَلْ فيكُم أَحَدٌ قَالَ لَهُ رسولُ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ: يا عليٌّ أَنْتَ قَسيمُ الجنَّةِ والنارِ غَيري؟. قالوا: اللَّهُمَّ لا
                    مِنْ مصادِرِهِ: الصواعق/75. وَهْوَ مِنْ أحاديثِ الكنز ج6/402. وَذَكَرَهُ المناوي في كنوز الحقائق/92.
                    فإذا كَانَ أصحابُ الشُّورَى يَكْذِبونَ في روايَةِ هَذِهِ الأحاديثِ في مَنْ هُوَ خصمُهُم بالإمَامَةِ، فَهُمْ في الشُّورَى أَكْذَبُ.
                    فَهَلْ هَذا مِنْ كَلامِ المتكلِّمينَ أَيُّهَا الأفَّاكُ أَمْ هُوَ مِنْ كلامِ رسولِ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم)؟

                    عَوْدَةٌ لِشَرْحِ فَقَرَةٍ أُخْرَى من قولِهِ في (س):
                    قولُهُ عَلَيْهِ السَّلام في النصِّ:
                    (والأبوابُ): المُرَادُ أبوابُ رحمَتِهِ تَعَالَى وأبْوابُ العِلْمِ وأبوابُ الخَيرِ.. وَهْيَ إشارةٌ مُخْتَصَرَةٌ لِمَا وَرَدَ عَن النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) في كَونِهِ باب مدينَةِ العِلْمِ وباب بيتِ الحكمَةِ وسِواهَا مِنْ ألفاظٍ. وَمَا يَلي الأحاديثُ الوارِدَةُ:
                    الحديثُ الأوَّلُ:
                    قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): عَلِيٌّ بَابُ عَمَلي ومُبَيِّنٌ لأمَّتي مَا أُرْسِلْتُ بِهِ مِنْ بَعْدي
                    مصادِرُهُ: كنز العمال/6/156، فضائل عليٍّ للسيوطي/ح38.
                    الحديثُ الثاني:
                    قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): أَنَا دَارُ الحِكمَةِ وعَليٌّ بَابُهَا
                    مصادِرُهُ: صحيحُ الترمذي 2/214/الحلية/1/64، مصابيح السنة/2/275.
                    الحديثُ الثالثُ:
                    قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): أَنَا دَارُ العِلْمِ وعليٌّ بَابُهَا
                    مصادرُهُ: ذخائر الطبري/77 ـ البغوي في المصابيح.
                    الحديثُ الرابِعُ:
                    قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): أَنَا مَدينَةُ العِلْمِ وعَليٌّ بابُهَا ولا تُؤْتَى البيوتُ إلاَّ مِنْ أَبْوابِهَا
                    مصادرُهُ: مستدركُ النيسابوري/3/126ـ128، مناقب ابن شهراشوب 1/261 الطبراني في الأوسط والكبير ـ بالرواة الحرث، عاصم، حذيفة، ابن عباس، سعيد ابن جبير. فابْحَثْ عَنْهُ في هَذِهِ الأسماءِ لأنَّ ترتيبَ معجمِهِ عَلَى الأسماءِ لا عَلَى مضمونِ الحديثِ، المناقب لابن حنبل/241، مسند البزار الكبير، مستدرك الحاكم عَلَى الصحيحين 3/127، جامع الترمذي/279/ الاستيعاب لابن عبد البر /2/461، أسد الغابة/4/22، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/28، العسقلاني في التهذيب 7/337.
                    هَذا وَهُنَاكَ ثَبْتٌ بمصادِرِ الحديثِ ورواتِهِ وَهْيَ تبلُغُ (143) مصدراً من كُتُبِ العامَّةِ عدا مئاتِ المواردِ الأُخْرَى لَهُ في كُتُبِ الأدَبِ واللغَةِ والدراساتِ. وقَدْ جَلَّى أكْثَرَهَا الحِبْرُ العَلَمُ المُجَاهِدُ عَبْدُ الحسين الأميني النجفي في كتابِهِ "الغدير" الَّذي هُوَ شوكةٌ في عيونِ الحاقِدين إلى يَوْمِ الدِّين، يَخافونَ الاقترابَ مِنْهُ لأنَّ فِيهِ فضائِحَهُم ومخازيَهُم، ولا قُدْرَةَ لَهُم عَلَى تزويرِ وإعادَةِ طَبْعِ مئاتِ المصادِرِ كَمَا فَعَلوا في بَعْضِها فغيَّروها وحرَّفوها.. ولا يقْدِرون عَلَى صَرْفِ الأموالِ الطائلةِ عَلَى هَذِهِ الغايَةِ وبطونُهُم نَهِمَةٌ لا تَشْبَعُ إلاَّ أنْ تُحْشَى ناراً في جهنَّمَ وَمَا ربُّكَ بظلامٍ للعبيد.
                    لَمْ يكتفوا بالمحنَةِ الَّتي وَقَعَتْ عَلَى عُلَمَاءِ السنَّةِ القُدَامى حَيْثُ أخْرَجوا هَذِهِ الأحاديثَ لإفهامِ الأجيالِ محنتَهُم مَعَ السُلُطات.ِ فإذا الزمانُ يأتي بِقومٍ يكذِّبونَ أَهلَ السنَّةِ والشيعَةِ فيما حدَّثوا بِهِ ونَقَلوهُ تَمهيداً للإجهَازِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ!!
                    وَهَذِهِ هِيَ حقيقَةُ أهدافِهِم.. ولا تَحْسب أنَّ عليَّ بنَ أَبي طالبٍ وخصومَهُ هُمْ الموضوعُ!
                    لا.. لا يا أخي القارئ لا تتوهَّم في هَذا. فالكلامُ كُلُّهُ والصِراعُ كُلُّهُ لا زالَ يَدورُ عَلَى.. (مُحَمَّد)!!.
                    وَمَا هَذِهِ الأسماءُ إلاَّ واجِهَاتٌ أُخْرَى لِهَذا الصراعِ لا غير!.
                    فإذا شَكَكْتَ فانْظُرْ جَميعَ مؤلَّفَاتِ هَذِهِ الموجَةِ الجديدةِ!
                    فإنَّها مُنَظَّمَةٌ بدقَّةٍ مُتناهيَةٍ ومرسومةُ الخطوطِ، وَهَذِهِ بَعْضُ أسماءها:
                    صادق جلال العظم، مُحَمَّد شحرور، نصر أَبو زيد، سلمان رشدي، أحمد الكاتب ـ تَيَّارٌ واحِدٌ وهَدَفٌ مُشْتَرَكٌ يُديرُهُ مُحَمَّدٌ الجابري. رأسُ مالِهِ الكَذِبُ وسلاحُهُ اللغَةُ وجيوبُهُ عيونُ البترولِ العربيِّ ومَكْتَبُهُ طاوِلَةُ المفاوضَاتِ مَعَ إسرائيلَ…
                    وآخرون هَرَعوا خَلْفَهُم بلا وعيٍّ ولا هُدىً ولا كِتابٍ منيرٍ بِحُجَّةِ التجديدِ. وَمَا جاءوا بجديدٍ سِوَى جَديدِ الملأِ مِنْ قُرَيشٍ!
                    ألا تُلاحِظُ هَذا الأفَّاكَ يُدَافعُ عَن دَعاوَى قُرَيشٍ ضِدَّ الأنصارِ وآلِ الرسول؟.
                    وَكَذَلِكَ يفْعَلُ أَبو زيد ورشدي وشحرور فَإِنَّهُم يُفَسِّرونَ الدِّينَ تَفسيراً ماديَّاً مُتَهَلْهِلاً.. ومُشْكِلَةُ النصِّ والوصيَّةُ هما عقبةٌ كُبْرَى أمَامَهُم. فَهْيَ أَكْبَرُ مِنْ عقبةِ القرآنِ نفْسِهِ.
                    فَهَلْ فَهِمْتَ مَا أَقولُ؟.
                    إفْهَمْ يا أخي وشَغِّلْ عقْلَكَ.. فالقرآنُ عندَهُم أمْرُهُ هَيِّنٌ. وهَا هُمْ يَدْعُون لِفَهْمٍ آخرٍ للنصِّ بناءاً عَلَى طُرُقِ التحليلِ الجديدةِ الَّتي لا أَسوأَ مِنْهَا. وَلِذَلِكَ عَلَيْكَ أنْ تَقْرأَ أبحاثَ اللغَةِ كُلِّها الحديثَةَ والقَدِيمَةَ لِتَفْهَمَ المؤامرةَ!.
                    أَمَّا الوَصِيَّةُ فَهْيَ العَقَبَةُ الأَعْظَمُ عِنْدَهُم. ذَلِكَ لأنَّ مُحَمَّداً عِنْدَهُم لَيْسَ إلاَّ مُجَرَّدَ رَجُلٍ (عبقريٍّ) في أَحْسَنِ الأحوالِ، وَهْوَ صاحِبُ دَولَةٍ ومؤسِّسٌ لِمُجْتَمَعٍ، وقُرْآنُ السَّمَاءِ هُوَ مُجَرَّدُ ادِّعَاءٍ لإقنَاعِ الناسِ. وَلكنْ ظَهَرَ مِنْ سِيرَتِهِ وأَعمالِهِ أنَّهُ مُحِبٌّ للخَيرِ ورَجُلُ سياسَةٍ مُوَحِّدٍ لقومِهِ، فَهْوَ مُعَادٍ شديدَ العَداءَ للقبليَّةِ والعشائريَّةِ. ولذا كَانَ يُفْتَرَضُ أنْ يَضَعَ لَهُم نظاماً انتخابياً.
                    وَعَلَى تفسيرهم هَذا.. يَجِبُ ألاَّ يَكونَ في عَقيدتِهِ شيءٌ مِنْ مفاهيمِ الوراثَةِ والوَصيَّةِ والخلافَةِ العائليَّةِ، لأنَّهُ حَارَبَهَا أَصْلاً بِكُلِّ قُوَّةٍ.
                    ولا يمكنُ الجَمْعُ بَيْنَ محاربَتِهِ للعشائريَّةِ والقبليَّةِ وبَيْنَ تثبيتِهِ لوصيٍّ لَهُ مِنْ أَهْلِ بيتِهِ وجَعْلِهِ وَليَّاً لِعَهْدِهِ إلاَّ في حَالَةٍ واحِدَةٍ هِيَ أنَّهُ لا دَخَلَ لَهُ بِهَذا الأمْرِ، وأنَّهُ مأمورٌ بِهِ بالفِعْلِ مِنَ السَّمَاءِ. وَهَذا يُثْبِتُ عَكْسَ المطلوبِ.. إنَّهُ يُثْبِتُ أنَّهُ نبيٌّ بالفِعْلِ!. وإِذَنْ فالوصيَّةُ تُثْبِتُ النبوَّةَ!!.
                    الصراعُ كُلُّهُ هُوَ عَنْ نبوَّةِ مُحَمَّدٍ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم)!.
                    والإمامُ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَيْضَاً. فَقَدْ أَعَادَ كُلَّ أسبابِ البُغْضِ والحَرْبِ عَلَيْهِ إلى النبيِّ!
                    وَذَكَرَ أنَّ كُلَّ الَّذينَ لا يَقْدِرونَ عَلَى التصريحِ بتكذيبِ مُحَمَّدٍ أو مُحارَبَتِهِ سيسْلِكونَ سبيلاً آخرَ هُوَ محاربَةُ عليٍّ!.
                    وبِشَأنِ الوَصِيَّةِ فقَدْ ذَكَرَ النبيُّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) مَا يَشْبَهُ الاعتذارَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ بِشَأنِ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام!.
                    فقَدْ ذَكَرَ لقُرَيشٍ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ أنَّهُ عَبْدٌ مأمورٌ ينفِّذُ مَا يُوحَى إليه، بَلْ اشْتَكَى وبَكَى لحُذَيفَةَ حَتَّى ابْتَلَتْ لحيَةُ حُذَيفَةَ لبكاءِ النبيِّ، إِذْ بَكَى مَعَهُ طويلاً وَهْوَ لا يَدْري مِمَّ يَبْكي!
                    وَكَانَ الَّذي أَبْكَاهُ هُوَ آيَةُ التبليغِ والولايَةِ.. فالإشاراتُ والنصوصُ الَّتي قَالَهَا في كُلِّ حياتِهِ لَمْ تَجْعَلِ القَومَ يُحبُّون عليّاً، بَلْ كانوا يحترِمونَهُ فَقَطْ لأَجْلِ إجلالِ النبيِّ لَهُ، ولِمواقفِهِ الَّتي لا مَغمَزَ فِيْهَا لأحَدٍ.
                    إنَّهُ إقرارٌ إجباريٌّ بالفضلِ!
                    وَلكنَّ النبيَّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) كَانَ يسعى للحُبِّ!
                    وأكَّدَ قضيَّةَ الحُبَّ في عشراتِ النصوصِ فراجِعْها في الكُتُبِ المخصَّصَةِ فإني لا أستطيعُ أنْ أذْكُرَ لك كُلَّ شيءٍ.
                    ولأَجلِ هَذا نَزَلَتْ آيَةُ (المودَّةِ) في القُرْبَى.
                    لكنَّ القومَ مَا أحبُّوا عليَّاً قط.. والذينَ أحَبُّوه ظَاهِرَاً وبَاطِنَاً كانوا نَفَراً معدودِينَ!!.
                    سَأكْشِفُ لَكَ الآنَ عَنْ هَذا السرِّ:
                    لقَدْ دَرَسْتُ حَيَاةَ النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) في ثلاثينَ سَنَةٍ متواصِلَةٍ في علاقَتِهِ مَعَ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام وبقيَّةِ الأصْحَابِ وعُمومِ الناسِ والمُلَلِ.
                    لقَدْ اكْتَشَفْتُ أنَّ النبيَّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) كَانَ في مِحْنَةٍ كَبِيرَةٍ، وإنَّ اللهَ تَعَالَى استَمَرَّ في ابتلاءِهِ بِهَا.
                    وَهَذِهِ المحنَةُ هِيَ: عليٌّ بنَ أَبي طالبٍ.
                    صَحِيحٌ أنَّ عليَّاً ربيبُهُ وحبيبُهُ، فقَدْ كَانَ يَحبُّهُ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الناسِ. ولكنِّي اكْتَشَفْتُ أنَُّه كَانَ يَتَمَنَّى لَو أنَّ هَذا الرَجُلَ الَّذي اسمُهُ عليٌّ بن أَبي طالبٍ لَيْسَ ابنَ عمِّهِ ولا يَمِتُ لَهُ بِصِلَةِ قُرْبَىً تُذْكَرُ!
                    كَانَ يتمنّى ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أنْ يُصَدِّقَ الناسَ أنَّهُ مَا أحَبَّهُ لأنَّهُ ابنُ عَمٍّ لَهُ.. فَمَا أَكْثَرَ أولاد العَمِّ!، بَيْدَ أنَّ عُقولَ الناسِ هِيَ عُقُولٌ عشائريَّةٌ وقَبَليَّةٌ، ولا زَالَتْ إلى اليومِ كَذَلِكَ. وقَدْ سَمِعْتُ إذاعَةً عربيَّةً يتحدَّثُ فِيْهَا رَجُلٌ عَن الانتخاباتِ المحليَّةِ وينقِدُها بالقَوْلِ:
                    (لا زالَ مجتمعنا غارقاً في العشائريَّةِ فَإِنَّهُم لا ينتخِبونَ لأيِّ سببٍ وجيهٍ سِوَى أنَّ هَذا ابن عمِّي وَهَذا مِنْ عشيرتي!!) ـ سَمِعْتُ هَذا بتاريخ 4/3/1999. فَكَيفَ كَانَتِ العشائريَّةُ قَبْلَ ألف وأربعمائة سنة؟.
                    إنَّ هُنَاكَ آياتٍ قرآنيَّةً تُشيرُ إلى هَذِهِ القضيَّةِ. وَهْيَ تؤكِّدُ لَهُ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) أنَّ مَا جَاءَهُ بِشأْنِ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام هُوَ الحَقُّ، وأنَّ الحَقَّ لا يَتَجَزَّأُ!!.
                    إنَّ اللهَ يُريدُ أنْ يبتليَ الخَلْقَ بِهَذِهِ المسألةِ. فَمَنْ أحَبَّ مُحَمَّداً بِحَقٍّ لا بُـدَّ أنْ يُحِبَّ كُلَّ مَا يَأْتي بِهِ مُحَمَّدٌ حَتَّى لَو كَانَ يَخِصُّ أرحامَهُ!.
                    َذَلِكَ لأنِّي لَو قُلْتُ: (يُحَابي أرحامَهُ ويتحيَّزُ لَهُم)، فَهُنَاكَ عندي إِذَنْ شكٌّ أسْبَقٌ بنبوَّتِهِ!.
                    هَذا هُوَ مَكْرُ الله!
                    إنَّهُ يَسْتَخْرِجُ مكنونَ النفوسِ بأوامِرٍ غَريبَةٍ، ويبتلي بِهَا الخَلْقَ.
                    الدِّيْنُ هُوَ التسليمُ لأمْرِ اللهِ لا البَحْثُ في أمْرِ اللهِ!.
                    يَصِحُّ البَحْثُ حِينَمَا لا أَعْلَمُ بالأمْرِ والمُرَادِ الإلهيِّ، فأَبْحَثُ عَنِ المُرادِ!
                    وَبَعْدَ أنْ أعْرِفَ المُرادَ لا يِحِقُّ لي البَحْثَ، بَلْ أُسَلِّمُ وأَطِيْعُ..!
                    إنَّ هَذا الخَلْقَ أكثَرُهُ لا يَطيعُ.. إنَّهُ يُريدُ أنْ يُشَرِّعَ مَعَ اللهِ!
                    هَذِهِ هِيَ كُلُّ القَضِيَّةِ!
                    وفي النهايَةِ فليْسَتْ جَهَنَّمُ مَخْلوقَةً إلاَّ لِلْذينَ يريدونَ أنْ يُشَرِّعُوا مَعَ اللهِ.
                    فَهَلْ فَهِمْتَ الآنَ شيئاً مِنَ السِرِّ الإلهيِّ؟
                    هَلْ فَهِمْتَ لِماذَا يقولُ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام:
                    (أَنَا الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ وَأَنَا السَّبِيلُ المُقِيمُ. أَنَا عَيْنُ المِيزانِ… الخ)
                    لأنَّ الأيمانَ بِصْدْقِ مُحَمَّدٍ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) إنَّمَا يُكْشَفُ ويُثْبَتُ بالإيمانِ بالأَمْرِ الأَصْعَبِ عَلَى النُّفوسِ. إنَّ مَرَضَ النُّفوسِ هُوَ حُبُّ الذَّاتِ.. إنَّهُ الشُّعورُ بالأَنَا.
                    كُلُّ المُسْتَكْبرِينَ يبدءونَ بِلَفْظِ (أَنَا) وأوَّلُهُم إبليسُ المَلْعُونُ حَيْثُ قَالَ:
                    {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } (76) سورة ص
                    وفِرْعونُ الخَبيثُ:
                    {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى} (24) سورة النازعات
                    ونَمْرودُ الكَافِرُ:
                    {..قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ..} (258) سورة البقرة
                    كُلُّ الَّذينَ يَبْدءونَ بالأنا يُلْقَونَ في أَتونِ جَهَنَّم!
                    وكُلُّ الَّذينَ يبدءون بـ (هُوَ) ـ هُوَ الَّذي ولا هُوَ سواه هُمُ الفائزون..
                    فَجَاءَكَ في هَذا أَمْرٌ وموعِظَةٌ وكَشْفٌ لِلسِرِّ.
                    فاقْرَأ الإخلاصَ فَلا خَلاصَ إلاَّ بالإخلاصِ:
                    قُلْ – هُوَ – اللهُ أَحَدٌ
                    يا هَذا لا تَقُلْ أنا.. إِذْ مَنْ أَنْت؟!
                    أَنْتَ جِيفَةٌ نَتِنَةٌ لَو مُتَّ فَلا يُبْقيكَ أحَبُّ الناسِ إليكَ أَكْثَرَ مِنْ ساعاتٍ قلائلٍ! لأنَّ جِيفَتَكَ ستُزْكِمُ أَنْفَهُ!
                    مِنْ أَنْتَ؟
                    أَنْتَ لا شيءَ!!
                    وإذا أَرَدْتَ أنْ تَكُونَ شيئاً فَلا سَبيلَ لَكَ إلاَّ الإقرار بأَنَّكَ لا شيء!
                    اللاشيء هُوَ الَّذي يَبْقَى..
                    الفَنَاءُ هُوَ الَّذي يكونُ فَقَط مَعَ المطلق!
                    لأنَّ اللهَ استحْوَذَ عَلَى الوجودِ كلِّهِ، وكلُّ مَا عَدَاهُ باطِلٌ…
                    أَتُريدُ أنْ تَفْهَمَ التوحيدَ؟
                    إِذَنْ فاقْرَأ أَدْعِيَةَ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام في مُسْتَدْرَكِ النَّهْجِ، وفي الصَحفيَةِ العَلويِّةِ الأولى والثانيةِ، إِذْ هُنَاكَ التوحيدُ!
                    أَمْ أنَّكَ تُريدُ أنْ تُسَجَّلَ مِنْ جُمْلَةِ الباحثينَ في الفْكْرِ والدِّينِ؟!
                    إنَّ سِجِلَّ المُوحِّدينَ مُخْتَلِفٌ يا صاحٍ عَنْ سِجِلّ ِالباحثين!
                    الباحثونَ هُمْ أَهْلُ الأَنَا.. وأَكْثَرُهُم مصيرُهُم إلى جَهَنَّمَ، لأنَّهُمْ يَفْتَرونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ..
                    والمُوحِّدونَ هُمْ (أَهْلُ اللَّيلِ ورُعَاةِ الشَّمْسِ والقَمَرِ والمَواقيتِ..)، قُدوَتُهُم سُليمانُ ومُحَمَّدٌ وعليٌّ وعليٌّ بن الحُسينِ، وكُلُّ بَكَّاءٍ في الليلِ مِنْ ذَنْبِهِ!
                    فَهَلْ بَكيتَ مِنْ ذَنْبِكَ حَتَّى تَكْتُبَ أَبْحَاثاً في دِينِ اللهِ!
                    عليٌّ يُعَلِّمُكَ البكاءَ في اللَّيلِ، عليٌّ يُعَلِّمُكَ التوحيدَ.
                    وَأمَّا الأَرْجاسُ فَيُعَلِّمونَكَ العَسَسَ في اللِّيلِ، والتَسَوُّرَ عَلَى الجُدْرانِ، والتَلَصُّصَ عَلَى الخَلْقِ، وتَجْريبَ (طلاءِ) الشامِ، وركوبَ الفَرَسِ بَدَلَ البَغْلِ خُطُواتٍ، وخَلْطَ الماءِ بالخَمْرِ حَتَّى يَحُلَّ في دِينِ مُحَمَّد!!
                    الأَرْجَاسُ يُعَلِّمونَكَ: (إذا قَبَلَ ثَلاثَةٌ وأَبَى إثنانِ فاضْرِبْ عُنُقَيهِمَا بالسَّيفِ!، وإذا أَبَى ثَلاثَةٌ وقَبَلَ ثلاثةٌ فَكُنْ مَعَ الثلاثَةِ الَّذينَ فيهِم الوَلَدُ الَّذي يُقَالَ إنَّه ابنَ فُلانٍ!)!
                    والأوليَاءُ يعلِّمونَكَ: (كُنْ مَظلومَاً ولا تَكُنْ ظَالِمَاً إنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بُـدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا فَوَرَاءُكَ حِسَابٌ شَديدٌ)!!
                    الأَرْجَاسُ يُريدونَ أنْ يَلْقوكَ في جَهَنَّمَ،
                    والأوليَاءُ يريدونَ لَكَ الخَيْرَ.. يُريدونَ إنقاذَكَ..
                    وَكَانَتْ تِلْكَ شَكْوى عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام حَيْثُ قَالَ مُخَاطِبَاً النَّاسَ:
                    (أَنَا أُريدُكُم لِلَّهِ وَأَنْتُم تُريدونَنَي لِدُنْيَاكُم …!! أو (أنفسكم) خطبة/134.
                    الناسُ هُمُ الناسُ في كُلِّ زمانٍ:
                    {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ باللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} (106) سورة يوسف
                    فَهَلْ يَظِنٌّ هَذا الأَفَّاكُ الكَذوبُ أَنَّ أَهْلَ الشُّورَى هُمُ الناجونَ مِنَ النَّارِ دونَ أَهْلِ الوَصِيَّةِ؟.
                    إنَّ هَذا الكاتِبَ يَتَّهِمُ اللهُ بالجّورِ وقَوْلِ مَا لا يَفْعَلُ!
                    فَإنَّهُ تَعَالَى قَالَ بِنَجَاةِ الأَقَلّيَةِ وهَلاكِ الأكثريَّةِ. ففي سُورَةِ الواقِعَةِ قَسَّمَ الخَلْقَ ثلاثَةَ أَقسامٍ: أصحابُ المشئَمَةِ وأصْحَابُ المَيْمَنَةِ والسابِقونَ السابِقون.
                    وَحِينَمَا فَصَّلَ القَولَ فيهِم قَالَ في أَصْحَابِ المَيمَنَةِ: ثُلَّةٌ مِنَ الأوّلين وقليلٌ مِنَ الآخرين. وَقَالَ في السابِقين: ثُلَّةٌ مِنَ الأولين وثُلَّةٌ مِنَ الآخرين. وسَكَتَ عَنْ أصْحَابِ المَشْئَمَةِ، إِذْ الباقي مِنَ القليلِ لَيْسَ سِوَى الكثير. إنَّها أُمَمٌ كامِلَةٌ:
                    {... كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا..} (38) سورة الأعراف
                    أَمْ أَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ لَيْسَتْ مِنَ الناسِ حَيْثُ يَقولُ تَعَالَى:
                    {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (103) سورة يوسف
                    بَلَى.. هَذِهِ الأُمَّةُ مِنَ الناسِ ويَصْدُقُ عَلَيْهَا المذكورُ.
                    بسم الله الرحمان الرحيم
                    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
                    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                    س. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام

                    نَحْنُ الشَّعَارُ وَالأَصْحَابُ وَالخَزَنَةُ وَالأبواب. وَلا تُؤْتَى البيوتُ إلاَّ مِنْ أَبْوَابِهَا فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيرِ أَبْوَابِهَا عُدَّ سَارِقَاً..
                    نهج البلاغة/ الخطبة/ 152

                    كَيفَ تقولُ أَيُّهَا الكذَّابُ أنَّ عليَّاً لَمْ يَكُنْ يَرَى لنفسِهِ ولأَهْلِ بيتِهِ حَقَّاً في الإمامَةِ ولا أشارَ إلى الوَصِيَّةِ؟.
                    فَمَا مَعْنَى هَذا الكَلامِ؟
                    وكَيفَ تقولُ لا شيءَ في نَهْجِ البَلاغَةِ يُشيرُ إلى ذَلِكَ؟!!.
                    أَوَ لَيْسَ مَعْناهُ أنَّكَ تُريدُ الوصولَ إلى الدِّينِ مِنْ غَيرِ البابِ الَّذي وَضَعَهُ اللهُ (وَلَنْ تَصِلَ..)؟.
                    فَأَنْتَ إِذَنْ بِحَسَبِ هَذا النصِّ سارِقٌ!
                    فيا لبؤسِكَ: كذّابٌ وسارقٌ أَيْضَاً؟!.
                    لأنَّ قولَكَ هُوَ بِخِلافِ مَا قَال.
                    أقولُ: الألفاظُ الوارِدَةُ في النصِّ مَنْبَعُهَا قرآنيٌّ:
                    فالشَّعارُ النبويُّ (يا مَنْصورُ أَمِتْ) وَهْوَ عَلَى الرايَةِ ومواردُ النَّصْرِ كلُّها فيهِم عليهمُ السَّلام.
                    ومن ذَلِكَ قولُهُ تَعَالَى:
                    {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (13) سورة الصف
                    والآيةُ هِيَ في المهديِّ عَلَيْهِ السَّلام.
                    وقولُهُ تَعَالَى:
                    {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (51) سورة غافر
                    فالرُّسُلُ لَمْ يُنْصَروا بَلْ كُذَّبُوا كَمَا نصَّ عَلَيْهِ القرآنُ، ويَكونُ نَصْرُهُم يومَ المهديِّ عَلَيْهِ السَّلام.
                    وَكَذَلِكَ بقيَّةُ الموارِدِ القرآنيَّةِ الكثيرَةِ وفيها نصوصٌ نبويّةٌ كثيرةٌ جِدَّاً (من الفريقين) حَسَبَ تعبيرِهِم.
                    وقولُهُ: (الأصحابُ) هُمْ أصحابُ الأعرافِ. وحالُهُم مَزبورٌ في سورَةِ الأعرافِ يَلعنونَ الحُكَّامَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ وأَتْباعَهم وأَشْياعَهُم ويدخلونَهُم النارَ ويشفَعونَ لشيعَةِ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام وَلِمَنْ وَالاهُم وآمَنَ باللهِ وحدِهِ وَلَمْ يُشْرِكْ في حُكْمِهِ أحَداً سِوَاه.
                    وقولُهُ: (الخَزَنَةُ) خَزَنَةُ جهنَّمَ وخَزَنَةُ الجنَّةِ. ذَلِكَ أنَّ أميرَ هَؤُلاءِ يومَ القيامةِ هُوَ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام. كَذَلِكَ في الرجعَةِ بَعْدَ ظهورِ المهديِّ عَلَيْهِ السَّلام، وفيه اتِّفَاقٌ دلاليٌّ نصيٌّ مَعَ القرآنِ والسنَّة كَمَا قَالَ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم):
                    عليٌّ قَسيمُ الجنَّةِ والنَّارِ
                    قَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ احتجَاجِ الأتْبَاعِ عَلَى قَادَتِهِم في النارِ:
                    {وَقَالَ الَّذينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ  قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } (49 ـ 50) سورة غافر
                    هَذِهِ آيةٌ مِنَ الآياتِ العجيبَةِ جِدَّاً وَهْيَ تُثْبِتُ أنَّ العَذابَ كَانَ مِنْ أيدِيهِم وبأيديهِم بحَيثُ أنَّ العارِفَ بالحقائِقِ قادِرٌ عَلَى تغييرِ الحالِ بالدُّعاءِ. وَلِذَلِكَ قالوا لَهُم: (أدْعوا أَنْتُم فَنَحْنُ وإيَّاكُم سواء في مَعْرِفَةِ الحقائِقِ مَا دامَتْ رسلُكُم قَدْ جاءَتْكُم بالبيِّنَاتِ وتُقِرُّونَ أَنَّكُم تعرِفُونَهَا جيِّداً..).
                    وبالطَبْعِ يَدْعُون.. وَلكنَّ دعاءَهُم في ضَلالٍ وأوامِرَهُم إلى النارِ ومَصَادِرَ العذابِ لا تنفذُ لأنَّ نواياهُم خبيثةٌ لا لأنَّ عِلْمَهُم قاصِرٌ.. وهُمْ مِثْلُ هَذا الكاتبِ يَعْرِفُ الحَقَّ ويعرِضُ عَنْهُ.
                    هَذا الأمرُ يتحقَّقُ بَعْدَ انكِشَافِ الحُجَبِ بَيْنَ الفِعْلِ والواقِعِ عِنْدَ حُصولِ التغييرِ الطبيعيِّ أُبانَ ظهورِ المهديِّ عَلَيْهِ السَّلام.
                    والحديثُ هُوَ عَنْ مرحلَةِ (النارِ)، وَلكنَّ الخِطَابَ لِخَزَنَةِ جهنَّمَ. والنارُ هِيَ إحْدَى مراحلِهَا الأولى.
                    وقَدْ سمَّى الرسولُ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) عليّاً قَسيمَ الجنَّةِ والنارِ وحامِلَ رايَةَ النبي (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) يومَ القيامَةِ وحامِلَ اللواءِ (وفيه دلالةٌ عَلَى الشَّعَارِ) وسمَّاه صاحِبَ الحوضِ وصاحِبَ الجَوَازِ. وفي كُلٍّ مِنْهَا نصوصٌ أَخْرَجَهَا أصحابُ الحديثِ قَبْلَ عَصْرِ الكلامِ والفِقْهِ، فمنها مثلاً:

                    الحديثُ الأوَّلُ: حديثُ حِمْلِ الرايَةِ:
                    عَنِ ابنِ سَمْرَةَ قَالَ قالوا لرسولِ اللهِ: (يا رسولَ اللهِ مَنْ يَحْمِلُ رايتَكَ يومَ القيامَةِ؟. قَالَ: (مَنْ عَسَى أنْ يحمِلَهَا يومَ القيامَةِ إلاَّ مَنْ كَانَ يَحْمِلُهَا في الدُّنْيَا عليٌّ ابنَ أَبي طالبٍ)
                    هَذا الحديث هُوَ المرقم 398/ ج6 من أحاديث الكنز.
                    قَالَ: وأَخْرَجَهُ الطبرانيُّ أَيْضَاً. وَهْوَ في الحلية ج1/66.
                    أقول: وبحَثْتُ عَنْهُ في مَا أُسْنِدَ إلى جابرَ بنَ سَمْرَةَ فوجَدْتُه فِعْلاً عِنْدَ الطبراني في ج2/ص247/ طبعة بغداد ـ وزارة الأوقاف وَهْوَ المرقم (2036) من الجزءِ الثاني. وَلكنَّ لفظَهُ مُخْتَلِفٌ، والاختلافُ هامٌّ. فَفِيهِ قَالَ النبيُّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم):
                    وَمَنْ يُحْسِنُ أْن يَحْمِلْهَا إلاَّ مَنْ حَمَلَهَا في الدُّنْيَا عليٌّ بنَ أَبي طالبٍ
                    والظاهِرُ أنَّ بَعْضَ عَبَدَةِ الطاغوتِ أَبْدَلَ مُفْرَدَةَ (يُحْسِنُ) بِلَفْظِةِ (عَسَى) للتخفيفِ مِنْ وطئَتِهَا عَلَى القومِ. وَرَوَاهُ الخَطيبُ أَيْضَاً في ج14/ص98.

                    الحديثُ الثاني: حديثُ حِمْلِ اللواءِ (لواءِ الحَمْدِ):
                    عَنِ النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) وَذَكَرَ خَمْسَةَ خِصَالٍ لعليٍّ عَلَيْهِ السَّلام قَالَ: (وَأمَّا الرابِعَةُ فإنَّ لواءَهَا مَعَهُ يومَ القيامَةِ وَتَحْتَهُ آدمُ وَمَا وَلَدَ)
                    ذكره في الكنز ج6/403 عَن الحارثَ.
                    وَوَرَدَ حديثَ حِمْلِ اللواءِ في نصوصٍ أُخْرَى متفرِّقَةٍ في ذخائر العقبى/75 والرياض النضِرَة ج 2/201 والكنز ج 6/393 عَن ابن عباس.

                    الحديثُ الثالثُ: حديثُ سِقايَةِ حَوضِ الكَوثَرِ:
                    عَن أَبي سعيدٍ قَالْ: قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): يا عليٌّ مَعَكَ يومَ القيامَةِ عَصَاً مِنْ عَصِيِّ الجَنَّةِ تَذودُ بِهَا المُنافِقينَ عَن حَوضِي
                    تهذيب التهذيب/ج3/284 والمجمع ج9/135.
                    ومن الفاظِهِ الأُخْرَى:
                    عَنْ أَبي هريرَةَ وجابرَ بن عبد الله قَالا: قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) : عليٌّ بنَ أَبي طالبٍ حَوضي يَوْمَ القيامَةِ فِيهِ أكوابٌ كَعَدَدِ نُجومِ السماءِ، وسِعَةُ حَوضي مَا بَيْنَ الجابيَةَ إلى صَنْعَاءَ
                    المجمع ج10/.367 قَالْ: (وقَدْ رواه الطبراني في الأوسط).
                    والأحاديثُ في هَذا كثيرةٌ. فانظر: تاريخ بغداد ج14/98، والحلية/ج10/211، والكنز ج 6/402، والمستدرك للحاكِمَ ج3/138، وأَحاديثٌ أُخْرَى متفرِّقَةٌ في الكَنْزِ بِهَذا المضمونِ في ج 6/400، 403، 393.

                    الحديثُ الرابِعُ: حديثُ صاحِبِ الجَوَازِ:
                    عَنِ النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) قَالَ: (إنَّ عَلَى الصِّرَاطِ لَعَقَبَةً لا يَجُوزُهَا أَحَدٌ إلاَّ بِجَوَازٍ مِنْ عليٍّ بنَ أَبي طالبٍ..)
                    وفيهِ ألفاظٌ مختلِفَةٌ ومضامينٌ متعَدِّدَةٌ. ومِنْ مصادِرِهِ تاريخُ بغدادَ للخطيبَ ج10/356، والرياضُ النضِرَةُ ج2/172 و177.

                    الحديثُ الخامِسُ: حَديثُ قَسيمِ الجنَّةِ والنارِ:
                    وَرَدَ هَذا الحديثُ في المُنَاشدَةِ المذكورَةِ سابقاً حَيْثُ احتجَّ بِهِ عَلَيْهِ السَّلام عَلَى الإمامَةِ. وَذَكَرَ ابنُ حجر أنَّهُ قَالَهَ للستَّةِ أصحابِ شُورَى عُمَر في كلامٍ طويلٍ منه:
                    أَنْشِدُكُم اللهَ هَلْ فيكُم أَحَدٌ قَالَ لَهُ رسولُ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ: يا عليٌّ أَنْتَ قَسيمُ الجنَّةِ والنارِ غَيري؟. قالوا: اللَّهُمَّ لا
                    مِنْ مصادِرِهِ: الصواعق/75. وَهْوَ مِنْ أحاديثِ الكنز ج6/402. وَذَكَرَهُ المناوي في كنوز الحقائق/92.
                    فإذا كَانَ أصحابُ الشُّورَى يَكْذِبونَ في روايَةِ هَذِهِ الأحاديثِ في مَنْ هُوَ خصمُهُم بالإمَامَةِ، فَهُمْ في الشُّورَى أَكْذَبُ.
                    فَهَلْ هَذا مِنْ كَلامِ المتكلِّمينَ أَيُّهَا الأفَّاكُ أَمْ هُوَ مِنْ كلامِ رسولِ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم)؟

                    عَوْدَةٌ لِشَرْحِ فَقَرَةٍ أُخْرَى من قولِهِ في (س):
                    قولُهُ عَلَيْهِ السَّلام في النصِّ:
                    (والأبوابُ): المُرَادُ أبوابُ رحمَتِهِ تَعَالَى وأبْوابُ العِلْمِ وأبوابُ الخَيرِ.. وَهْيَ إشارةٌ مُخْتَصَرَةٌ لِمَا وَرَدَ عَن النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) في كَونِهِ باب مدينَةِ العِلْمِ وباب بيتِ الحكمَةِ وسِواهَا مِنْ ألفاظٍ. وَمَا يَلي الأحاديثُ الوارِدَةُ:
                    الحديثُ الأوَّلُ:
                    قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): عَلِيٌّ بَابُ عَمَلي ومُبَيِّنٌ لأمَّتي مَا أُرْسِلْتُ بِهِ مِنْ بَعْدي
                    مصادِرُهُ: كنز العمال/6/156، فضائل عليٍّ للسيوطي/ح38.
                    الحديثُ الثاني:
                    قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): أَنَا دَارُ الحِكمَةِ وعَليٌّ بَابُهَا
                    مصادِرُهُ: صحيحُ الترمذي 2/214/الحلية/1/64، مصابيح السنة/2/275.
                    الحديثُ الثالثُ:
                    قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): أَنَا دَارُ العِلْمِ وعليٌّ بَابُهَا
                    مصادرُهُ: ذخائر الطبري/77 ـ البغوي في المصابيح.
                    الحديثُ الرابِعُ:
                    قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): أَنَا مَدينَةُ العِلْمِ وعَليٌّ بابُهَا ولا تُؤْتَى البيوتُ إلاَّ مِنْ أَبْوابِهَا
                    مصادرُهُ: مستدركُ النيسابوري/3/126ـ128، مناقب ابن شهراشوب 1/261 الطبراني في الأوسط والكبير ـ بالرواة الحرث، عاصم، حذيفة، ابن عباس، سعيد ابن جبير. فابْحَثْ عَنْهُ في هَذِهِ الأسماءِ لأنَّ ترتيبَ معجمِهِ عَلَى الأسماءِ لا عَلَى مضمونِ الحديثِ، المناقب لابن حنبل/241، مسند البزار الكبير، مستدرك الحاكم عَلَى الصحيحين 3/127، جامع الترمذي/279/ الاستيعاب لابن عبد البر /2/461، أسد الغابة/4/22، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/28، العسقلاني في التهذيب 7/337.
                    هَذا وَهُنَاكَ ثَبْتٌ بمصادِرِ الحديثِ ورواتِهِ وَهْيَ تبلُغُ (143) مصدراً من كُتُبِ العامَّةِ عدا مئاتِ المواردِ الأُخْرَى لَهُ في كُتُبِ الأدَبِ واللغَةِ والدراساتِ. وقَدْ جَلَّى أكْثَرَهَا الحِبْرُ العَلَمُ المُجَاهِدُ عَبْدُ الحسين الأميني النجفي في كتابِهِ "الغدير" الَّذي هُوَ شوكةٌ في عيونِ الحاقِدين إلى يَوْمِ الدِّين، يَخافونَ الاقترابَ مِنْهُ لأنَّ فِيهِ فضائِحَهُم ومخازيَهُم، ولا قُدْرَةَ لَهُم عَلَى تزويرِ وإعادَةِ طَبْعِ مئاتِ المصادِرِ كَمَا فَعَلوا في بَعْضِها فغيَّروها وحرَّفوها.. ولا يقْدِرون عَلَى صَرْفِ الأموالِ الطائلةِ عَلَى هَذِهِ الغايَةِ وبطونُهُم نَهِمَةٌ لا تَشْبَعُ إلاَّ أنْ تُحْشَى ناراً في جهنَّمَ وَمَا ربُّكَ بظلامٍ للعبيد.
                    لَمْ يكتفوا بالمحنَةِ الَّتي وَقَعَتْ عَلَى عُلَمَاءِ السنَّةِ القُدَامى حَيْثُ أخْرَجوا هَذِهِ الأحاديثَ لإفهامِ الأجيالِ محنتَهُم مَعَ السُلُطات.ِ فإذا الزمانُ يأتي بِقومٍ يكذِّبونَ أَهلَ السنَّةِ والشيعَةِ فيما حدَّثوا بِهِ ونَقَلوهُ تَمهيداً للإجهَازِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ!!
                    وَهَذِهِ هِيَ حقيقَةُ أهدافِهِم.. ولا تَحْسب أنَّ عليَّ بنَ أَبي طالبٍ وخصومَهُ هُمْ الموضوعُ!
                    لا.. لا يا أخي القارئ لا تتوهَّم في هَذا. فالكلامُ كُلُّهُ والصِراعُ كُلُّهُ لا زالَ يَدورُ عَلَى.. (مُحَمَّد)!!.
                    وَمَا هَذِهِ الأسماءُ إلاَّ واجِهَاتٌ أُخْرَى لِهَذا الصراعِ لا غير!.
                    فإذا شَكَكْتَ فانْظُرْ جَميعَ مؤلَّفَاتِ هَذِهِ الموجَةِ الجديدةِ!
                    فإنَّها مُنَظَّمَةٌ بدقَّةٍ مُتناهيَةٍ ومرسومةُ الخطوطِ، وَهَذِهِ بَعْضُ أسماءها:
                    صادق جلال العظم، مُحَمَّد شحرور، نصر أَبو زيد، سلمان رشدي، أحمد الكاتب ـ تَيَّارٌ واحِدٌ وهَدَفٌ مُشْتَرَكٌ يُديرُهُ مُحَمَّدٌ الجابري. رأسُ مالِهِ الكَذِبُ وسلاحُهُ اللغَةُ وجيوبُهُ عيونُ البترولِ العربيِّ ومَكْتَبُهُ طاوِلَةُ المفاوضَاتِ مَعَ إسرائيلَ…
                    وآخرون هَرَعوا خَلْفَهُم بلا وعيٍّ ولا هُدىً ولا كِتابٍ منيرٍ بِحُجَّةِ التجديدِ. وَمَا جاءوا بجديدٍ سِوَى جَديدِ الملأِ مِنْ قُرَيشٍ!
                    ألا تُلاحِظُ هَذا الأفَّاكَ يُدَافعُ عَن دَعاوَى قُرَيشٍ ضِدَّ الأنصارِ وآلِ الرسول؟.
                    وَكَذَلِكَ يفْعَلُ أَبو زيد ورشدي وشحرور فَإِنَّهُم يُفَسِّرونَ الدِّينَ تَفسيراً ماديَّاً مُتَهَلْهِلاً.. ومُشْكِلَةُ النصِّ والوصيَّةُ هما عقبةٌ كُبْرَى أمَامَهُم. فَهْيَ أَكْبَرُ مِنْ عقبةِ القرآنِ نفْسِهِ.
                    فَهَلْ فَهِمْتَ مَا أَقولُ؟.
                    إفْهَمْ يا أخي وشَغِّلْ عقْلَكَ.. فالقرآنُ عندَهُم أمْرُهُ هَيِّنٌ. وهَا هُمْ يَدْعُون لِفَهْمٍ آخرٍ للنصِّ بناءاً عَلَى طُرُقِ التحليلِ الجديدةِ الَّتي لا أَسوأَ مِنْهَا. وَلِذَلِكَ عَلَيْكَ أنْ تَقْرأَ أبحاثَ اللغَةِ كُلِّها الحديثَةَ والقَدِيمَةَ لِتَفْهَمَ المؤامرةَ!.
                    أَمَّا الوَصِيَّةُ فَهْيَ العَقَبَةُ الأَعْظَمُ عِنْدَهُم. ذَلِكَ لأنَّ مُحَمَّداً عِنْدَهُم لَيْسَ إلاَّ مُجَرَّدَ رَجُلٍ (عبقريٍّ) في أَحْسَنِ الأحوالِ، وَهْوَ صاحِبُ دَولَةٍ ومؤسِّسٌ لِمُجْتَمَعٍ، وقُرْآنُ السَّمَاءِ هُوَ مُجَرَّدُ ادِّعَاءٍ لإقنَاعِ الناسِ. وَلكنْ ظَهَرَ مِنْ سِيرَتِهِ وأَعمالِهِ أنَّهُ مُحِبٌّ للخَيرِ ورَجُلُ سياسَةٍ مُوَحِّدٍ لقومِهِ، فَهْوَ مُعَادٍ شديدَ العَداءَ للقبليَّةِ والعشائريَّةِ. ولذا كَانَ يُفْتَرَضُ أنْ يَضَعَ لَهُم نظاماً انتخابياً.
                    وَعَلَى تفسيرهم هَذا.. يَجِبُ ألاَّ يَكونَ في عَقيدتِهِ شيءٌ مِنْ مفاهيمِ الوراثَةِ والوَصيَّةِ والخلافَةِ العائليَّةِ، لأنَّهُ حَارَبَهَا أَصْلاً بِكُلِّ قُوَّةٍ.
                    ولا يمكنُ الجَمْعُ بَيْنَ محاربَتِهِ للعشائريَّةِ والقبليَّةِ وبَيْنَ تثبيتِهِ لوصيٍّ لَهُ مِنْ أَهْلِ بيتِهِ وجَعْلِهِ وَليَّاً لِعَهْدِهِ إلاَّ في حَالَةٍ واحِدَةٍ هِيَ أنَّهُ لا دَخَلَ لَهُ بِهَذا الأمْرِ، وأنَّهُ مأمورٌ بِهِ بالفِعْلِ مِنَ السَّمَاءِ. وَهَذا يُثْبِتُ عَكْسَ المطلوبِ.. إنَّهُ يُثْبِتُ أنَّهُ نبيٌّ بالفِعْلِ!. وإِذَنْ فالوصيَّةُ تُثْبِتُ النبوَّةَ!!.
                    الصراعُ كُلُّهُ هُوَ عَنْ نبوَّةِ مُحَمَّدٍ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم)!.
                    والإمامُ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَيْضَاً. فَقَدْ أَعَادَ كُلَّ أسبابِ البُغْضِ والحَرْبِ عَلَيْهِ إلى النبيِّ!
                    وَذَكَرَ أنَّ كُلَّ الَّذينَ لا يَقْدِرونَ عَلَى التصريحِ بتكذيبِ مُحَمَّدٍ أو مُحارَبَتِهِ سيسْلِكونَ سبيلاً آخرَ هُوَ محاربَةُ عليٍّ!.
                    وبِشَأنِ الوَصِيَّةِ فقَدْ ذَكَرَ النبيُّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) مَا يَشْبَهُ الاعتذارَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ بِشَأنِ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام!.
                    فقَدْ ذَكَرَ لقُرَيشٍ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ أنَّهُ عَبْدٌ مأمورٌ ينفِّذُ مَا يُوحَى إليه، بَلْ اشْتَكَى وبَكَى لحُذَيفَةَ حَتَّى ابْتَلَتْ لحيَةُ حُذَيفَةَ لبكاءِ النبيِّ، إِذْ بَكَى مَعَهُ طويلاً وَهْوَ لا يَدْري مِمَّ يَبْكي!
                    وَكَانَ الَّذي أَبْكَاهُ هُوَ آيَةُ التبليغِ والولايَةِ.. فالإشاراتُ والنصوصُ الَّتي قَالَهَا في كُلِّ حياتِهِ لَمْ تَجْعَلِ القَومَ يُحبُّون عليّاً، بَلْ كانوا يحترِمونَهُ فَقَطْ لأَجْلِ إجلالِ النبيِّ لَهُ، ولِمواقفِهِ الَّتي لا مَغمَزَ فِيْهَا لأحَدٍ.
                    إنَّهُ إقرارٌ إجباريٌّ بالفضلِ!
                    وَلكنَّ النبيَّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) كَانَ يسعى للحُبِّ!
                    وأكَّدَ قضيَّةَ الحُبَّ في عشراتِ النصوصِ فراجِعْها في الكُتُبِ المخصَّصَةِ فإني لا أستطيعُ أنْ أذْكُرَ لك كُلَّ شيءٍ.
                    ولأَجلِ هَذا نَزَلَتْ آيَةُ (المودَّةِ) في القُرْبَى.
                    لكنَّ القومَ مَا أحبُّوا عليَّاً قط.. والذينَ أحَبُّوه ظَاهِرَاً وبَاطِنَاً كانوا نَفَراً معدودِينَ!!.
                    سَأكْشِفُ لَكَ الآنَ عَنْ هَذا السرِّ:
                    لقَدْ دَرَسْتُ حَيَاةَ النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) في ثلاثينَ سَنَةٍ متواصِلَةٍ في علاقَتِهِ مَعَ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام وبقيَّةِ الأصْحَابِ وعُمومِ الناسِ والمُلَلِ.
                    لقَدْ اكْتَشَفْتُ أنَّ النبيَّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) كَانَ في مِحْنَةٍ كَبِيرَةٍ، وإنَّ اللهَ تَعَالَى استَمَرَّ في ابتلاءِهِ بِهَا.
                    وَهَذِهِ المحنَةُ هِيَ: عليٌّ بنَ أَبي طالبٍ.
                    صَحِيحٌ أنَّ عليَّاً ربيبُهُ وحبيبُهُ، فقَدْ كَانَ يَحبُّهُ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الناسِ. ولكنِّي اكْتَشَفْتُ أنَُّه كَانَ يَتَمَنَّى لَو أنَّ هَذا الرَجُلَ الَّذي اسمُهُ عليٌّ بن أَبي طالبٍ لَيْسَ ابنَ عمِّهِ ولا يَمِتُ لَهُ بِصِلَةِ قُرْبَىً تُذْكَرُ!
                    كَانَ يتمنّى ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أنْ يُصَدِّقَ الناسَ أنَّهُ مَا أحَبَّهُ لأنَّهُ ابنُ عَمٍّ لَهُ.. فَمَا أَكْثَرَ أولاد العَمِّ!، بَيْدَ أنَّ عُقولَ الناسِ هِيَ عُقُولٌ عشائريَّةٌ وقَبَليَّةٌ، ولا زَالَتْ إلى اليومِ كَذَلِكَ. وقَدْ سَمِعْتُ إذاعَةً عربيَّةً يتحدَّثُ فِيْهَا رَجُلٌ عَن الانتخاباتِ المحليَّةِ وينقِدُها بالقَوْلِ:
                    (لا زالَ مجتمعنا غارقاً في العشائريَّةِ فَإِنَّهُم لا ينتخِبونَ لأيِّ سببٍ وجيهٍ سِوَى أنَّ هَذا ابن عمِّي وَهَذا مِنْ عشيرتي!!) ـ سَمِعْتُ هَذا بتاريخ 4/3/1999. فَكَيفَ كَانَتِ العشائريَّةُ قَبْلَ ألف وأربعمائة سنة؟.
                    إنَّ هُنَاكَ آياتٍ قرآنيَّةً تُشيرُ إلى هَذِهِ القضيَّةِ. وَهْيَ تؤكِّدُ لَهُ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) أنَّ مَا جَاءَهُ بِشأْنِ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام هُوَ الحَقُّ، وأنَّ الحَقَّ لا يَتَجَزَّأُ!!.
                    إنَّ اللهَ يُريدُ أنْ يبتليَ الخَلْقَ بِهَذِهِ المسألةِ. فَمَنْ أحَبَّ مُحَمَّداً بِحَقٍّ لا بُـدَّ أنْ يُحِبَّ كُلَّ مَا يَأْتي بِهِ مُحَمَّدٌ حَتَّى لَو كَانَ يَخِصُّ أرحامَهُ!.
                    َذَلِكَ لأنِّي لَو قُلْتُ: (يُحَابي أرحامَهُ ويتحيَّزُ لَهُم)، فَهُنَاكَ عندي إِذَنْ شكٌّ أسْبَقٌ بنبوَّتِهِ!.
                    هَذا هُوَ مَكْرُ الله!
                    إنَّهُ يَسْتَخْرِجُ مكنونَ النفوسِ بأوامِرٍ غَريبَةٍ، ويبتلي بِهَا الخَلْقَ.
                    الدِّيْنُ هُوَ التسليمُ لأمْرِ اللهِ لا البَحْثُ في أمْرِ اللهِ!.
                    يَصِحُّ البَحْثُ حِينَمَا لا أَعْلَمُ بالأمْرِ والمُرَادِ الإلهيِّ، فأَبْحَثُ عَنِ المُرادِ!
                    وَبَعْدَ أنْ أعْرِفَ المُرادَ لا يِحِقُّ لي البَحْثَ، بَلْ أُسَلِّمُ وأَطِيْعُ..!
                    إنَّ هَذا الخَلْقَ أكثَرُهُ لا يَطيعُ.. إنَّهُ يُريدُ أنْ يُشَرِّعَ مَعَ اللهِ!
                    هَذِهِ هِيَ كُلُّ القَضِيَّةِ!
                    وفي النهايَةِ فليْسَتْ جَهَنَّمُ مَخْلوقَةً إلاَّ لِلْذينَ يريدونَ أنْ يُشَرِّعُوا مَعَ اللهِ.
                    فَهَلْ فَهِمْتَ الآنَ شيئاً مِنَ السِرِّ الإلهيِّ؟
                    هَلْ فَهِمْتَ لِماذَا يقولُ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام:
                    (أَنَا الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ وَأَنَا السَّبِيلُ المُقِيمُ. أَنَا عَيْنُ المِيزانِ… الخ)
                    لأنَّ الأيمانَ بِصْدْقِ مُحَمَّدٍ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) إنَّمَا يُكْشَفُ ويُثْبَتُ بالإيمانِ بالأَمْرِ الأَصْعَبِ عَلَى النُّفوسِ. إنَّ مَرَضَ النُّفوسِ هُوَ حُبُّ الذَّاتِ.. إنَّهُ الشُّعورُ بالأَنَا.
                    كُلُّ المُسْتَكْبرِينَ يبدءونَ بِلَفْظِ (أَنَا) وأوَّلُهُم إبليسُ المَلْعُونُ حَيْثُ قَالَ:
                    {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } (76) سورة ص
                    وفِرْعونُ الخَبيثُ:
                    {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى} (24) سورة النازعات
                    ونَمْرودُ الكَافِرُ:
                    {..قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ..} (258) سورة البقرة
                    كُلُّ الَّذينَ يَبْدءونَ بالأنا يُلْقَونَ في أَتونِ جَهَنَّم!
                    وكُلُّ الَّذينَ يبدءون بـ (هُوَ) ـ هُوَ الَّذي ولا هُوَ سواه هُمُ الفائزون..
                    فَجَاءَكَ في هَذا أَمْرٌ وموعِظَةٌ وكَشْفٌ لِلسِرِّ.
                    فاقْرَأ الإخلاصَ فَلا خَلاصَ إلاَّ بالإخلاصِ:
                    قُلْ – هُوَ – اللهُ أَحَدٌ
                    يا هَذا لا تَقُلْ أنا.. إِذْ مَنْ أَنْت؟!
                    أَنْتَ جِيفَةٌ نَتِنَةٌ لَو مُتَّ فَلا يُبْقيكَ أحَبُّ الناسِ إليكَ أَكْثَرَ مِنْ ساعاتٍ قلائلٍ! لأنَّ جِيفَتَكَ ستُزْكِمُ أَنْفَهُ!
                    مِنْ أَنْتَ؟
                    أَنْتَ لا شيءَ!!
                    وإذا أَرَدْتَ أنْ تَكُونَ شيئاً فَلا سَبيلَ لَكَ إلاَّ الإقرار بأَنَّكَ لا شيء!
                    اللاشيء هُوَ الَّذي يَبْقَى..
                    الفَنَاءُ هُوَ الَّذي يكونُ فَقَط مَعَ المطلق!
                    لأنَّ اللهَ استحْوَذَ عَلَى الوجودِ كلِّهِ، وكلُّ مَا عَدَاهُ باطِلٌ…
                    أَتُريدُ أنْ تَفْهَمَ التوحيدَ؟
                    إِذَنْ فاقْرَأ أَدْعِيَةَ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام في مُسْتَدْرَكِ النَّهْجِ، وفي الصَحفيَةِ العَلويِّةِ الأولى والثانيةِ، إِذْ هُنَاكَ التوحيدُ!
                    أَمْ أنَّكَ تُريدُ أنْ تُسَجَّلَ مِنْ جُمْلَةِ الباحثينَ في الفْكْرِ والدِّينِ؟!
                    إنَّ سِجِلَّ المُوحِّدينَ مُخْتَلِفٌ يا صاحٍ عَنْ سِجِلّ ِالباحثين!
                    الباحثونَ هُمْ أَهْلُ الأَنَا.. وأَكْثَرُهُم مصيرُهُم إلى جَهَنَّمَ، لأنَّهُمْ يَفْتَرونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ..
                    والمُوحِّدونَ هُمْ (أَهْلُ اللَّيلِ ورُعَاةِ الشَّمْسِ والقَمَرِ والمَواقيتِ..)، قُدوَتُهُم سُليمانُ ومُحَمَّدٌ وعليٌّ وعليٌّ بن الحُسينِ، وكُلُّ بَكَّاءٍ في الليلِ مِنْ ذَنْبِهِ!
                    فَهَلْ بَكيتَ مِنْ ذَنْبِكَ حَتَّى تَكْتُبَ أَبْحَاثاً في دِينِ اللهِ!
                    عليٌّ يُعَلِّمُكَ البكاءَ في اللَّيلِ، عليٌّ يُعَلِّمُكَ التوحيدَ.
                    وَأمَّا الأَرْجاسُ فَيُعَلِّمونَكَ العَسَسَ في اللِّيلِ، والتَسَوُّرَ عَلَى الجُدْرانِ، والتَلَصُّصَ عَلَى الخَلْقِ، وتَجْريبَ (طلاءِ) الشامِ، وركوبَ الفَرَسِ بَدَلَ البَغْلِ خُطُواتٍ، وخَلْطَ الماءِ بالخَمْرِ حَتَّى يَحُلَّ في دِينِ مُحَمَّد!!
                    الأَرْجَاسُ يُعَلِّمونَكَ: (إذا قَبَلَ ثَلاثَةٌ وأَبَى إثنانِ فاضْرِبْ عُنُقَيهِمَا بالسَّيفِ!، وإذا أَبَى ثَلاثَةٌ وقَبَلَ ثلاثةٌ فَكُنْ مَعَ الثلاثَةِ الَّذينَ فيهِم الوَلَدُ الَّذي يُقَالَ إنَّه ابنَ فُلانٍ!)!
                    والأوليَاءُ يعلِّمونَكَ: (كُنْ مَظلومَاً ولا تَكُنْ ظَالِمَاً إنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بُـدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا فَوَرَاءُكَ حِسَابٌ شَديدٌ)!!
                    الأَرْجَاسُ يُريدونَ أنْ يَلْقوكَ في جَهَنَّمَ،
                    والأوليَاءُ يريدونَ لَكَ الخَيْرَ.. يُريدونَ إنقاذَكَ..
                    وَكَانَتْ تِلْكَ شَكْوى عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام حَيْثُ قَالَ مُخَاطِبَاً النَّاسَ:
                    (أَنَا أُريدُكُم لِلَّهِ وَأَنْتُم تُريدونَنَي لِدُنْيَاكُم …!! أو (أنفسكم) خطبة/134.
                    الناسُ هُمُ الناسُ في كُلِّ زمانٍ:
                    {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ باللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} (106) سورة يوسف
                    فَهَلْ يَظِنٌّ هَذا الأَفَّاكُ الكَذوبُ أَنَّ أَهْلَ الشُّورَى هُمُ الناجونَ مِنَ النَّارِ دونَ أَهْلِ الوَصِيَّةِ؟.
                    إنَّ هَذا الكاتِبَ يَتَّهِمُ اللهُ بالجّورِ وقَوْلِ مَا لا يَفْعَلُ!
                    فَإنَّهُ تَعَالَى قَالَ بِنَجَاةِ الأَقَلّيَةِ وهَلاكِ الأكثريَّةِ. ففي سُورَةِ الواقِعَةِ قَسَّمَ الخَلْقَ ثلاثَةَ أَقسامٍ: أصحابُ المشئَمَةِ وأصْحَابُ المَيْمَنَةِ والسابِقونَ السابِقون.
                    وَحِينَمَا فَصَّلَ القَولَ فيهِم قَالَ في أَصْحَابِ المَيمَنَةِ: ثُلَّةٌ مِنَ الأوّلين وقليلٌ مِنَ الآخرين. وَقَالَ في السابِقين: ثُلَّةٌ مِنَ الأولين وثُلَّةٌ مِنَ الآخرين. وسَكَتَ عَنْ أصْحَابِ المَشْئَمَةِ، إِذْ الباقي مِنَ القليلِ لَيْسَ سِوَى الكثير. إنَّها أُمَمٌ كامِلَةٌ:
                    {... كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا..} (38) سورة الأعراف
                    أَمْ أَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ لَيْسَتْ مِنَ الناسِ حَيْثُ يَقولُ تَعَالَى:
                    {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (103) سورة يوسف
                    بَلَى.. هَذِهِ الأُمَّةُ مِنَ الناسِ ويَصْدُقُ عَلَيْهَا المذكورُ.

                    تعليق


                    • #11
                      بسم الله الرحمان الرحيم
                      اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم

                      ع. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام

                      فَقُمْتُ بِالأَمْرِ حِيْنَ فَشَلوا، وَتَطَلَّعْتُ حِيْنَ تَقَبَّعُوا، ونَطَقْتُ حِينَ تَعْتَعُوا، وَمَضَيْتُ بِنُوْرِ اللهِ حِيْنَ وَقَفُوا، وكُنْتُ أَخْفَضُهُمْ صَوْتَاً وأَعْلاهُمُ فَوْتَا، فَطِرْتُ بِعَنَانِهَا، واسْتَبْدَدْتُ بِرِهَانِهَا كَالجَّبَلِ لا تُحَرِّكُهُ القَوَاصِفٌُ ولا تُزِيلُهُ العَواصِفُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِيَّ مِنْ مَهْمَزٍ ولا لِقَاِئلٍ فِيَّ مَغْمَزٌ..

                      صَدَقْتَ يا عليٌّ العَلِي وكَذَبَ عَلَيْكَ الكاتِبُ المفتري.
                      أخي القارئ: أَلا تَرَى في هَذا النصِّ أنَّهُ يَحْصِرُ حَقَّ الخِلافَةِ والإمامَةِ فِيهِ ويُشيرُ إلى كُفْرِ ونِفَاِق مِنْ سَبَقَه؟.
                      وَهَذا هُوَ كلامُهُ في الخطبة (37) مِنَ النهج. والأفَّاكُ يقولُ: (لَمْ يَرِدْ شيءٌ عَنْ عَلِيٍّ يُشيرُ إلى أَنَّهُ يُؤْمِنُ بالإمَامَةِ، بَلْ كَانَ يُؤْمِنُ بالشُّورى) عَلَى زَعْمِهِ.
                      وألفَاظُ النصِّ كلُّهَا قُرآنيَّةٌ، وَلكنْ عَلَى القُلوبِ أقفالُهَا.
                      فَتَعَالَ مَعِي وانْظُرْ عِلاقَةَ هَذِهِ المَقاطِعِ بالقُرْآنِ:

                      /1/ فَقَولُهُ عَلَيْهِ السَّلام: (فَقُمْتُ بالأَمْرِ حِينَ فَشَلوا..) فِيهِ إشارَةٌ إلى قَولِهِ تَعَالَى:
                      {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
                      (46) سورة الأنفال
                      ومُحَالٌ عَدَمُ التَنازُعِ إذا كَانَتِ الخِلافَةُ باختيارِ الخَلْقِ، وَإنَّمَا أَمَرَ اللهُ بطاعَةِ اللهِ ورَسولِهِ..
                      ومُحَالٌ أنْ يُنَظِّمَ الدِّينُ كُلَّ شُؤونِ الحَياةِ حَتَّى كيفيَّةَ الغَسْلِ والطَّهَارَةِ وعِيادَةِ المَريضِ والنَّومِ.. وسِوَاهَا مِنَ الأُمورِ، ويَتْرُكَ الإمامَةَ والرئاسَةَ العامَّةَ المَنوطُ بِهَا تَطبيقُ الشَّرْعِ لاختيارِ الخَلْقِ. وقَدْ وَقَعَ النِّزاعُ فِعْلاً حِينَمَا أَنْكَروا الإمامَةَ فَفَشَلوا وَكَانَ عاقِبَةُ أَمْرِهِمْ خُسْرَا. ثمَّ اضْطَرُّوا للرِّجوعِ إليه، ونَسَبَ الفَشَلَ إليهِمِ.
                      فَهَلْ هُنَاكَ وضوحٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذا؟
                      والمعنى: أنَّهُم لَمْ يُطِيعُوا اللهَ ورسولَهُ فَفَشَلوا.. فالَّذِينَ سَبَقُوهُ فِيْهَا عَصَوا اللهَ ورَسُولَهُ.

                      /2/ قَولُهُ عَلَيْهِ السَّلام: (وَتَطَلَّعْتُ حِينَ تَقَبَّعُوا..)، القَابِعُ مِنْ أَسْمَاءِ القُنْفِذِ إِذْ يختفي، فَهْوَ يَحْمي نَفْسَهُ بالشَّوكِ ويُخْفي رَأْسَهُ. وفي هَذا إشارةٌ إلى نِفَاقِهِم.
                      والمُتَطَلِّعُ مِنْ أسماءِ المُؤْمِنِ الَّذي يُواجِهُ المَصَائِبَ، ويَقومُ بواجباتِهِ مُعَرِّضَاً نَفْسَهُ للمَخَاطِرِ.
                      وَهْوَ عَلَيْهِ السَّلام يَتَّهُمُ المَجْموعَ حَيْثُ حَرَّفوا الرِّسَالَةَ، وقَلَبُوا الدِّينَ كَمَا هُوَ واضِحٌ مِنْ بَقيَّةِ كلامِهِ في خُطَبِهِ الأُخْرَى.
                      والمُؤْمِنُ يتطلَّعُ حَتَّى في الجَنَّةِ:
                      {قَالَ هَلْ أَنْتُم مُّطَّلِعُونَ  فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ} (54 ـ 55) سورة الصافات
                      فَهَذَا مُؤْمِنٌ كَادَ أنْ يَهْلَكَ لَولا رَحْمَةُ اللهِ، وَلَمْ يَعْتَدْ عَلَى التَطَلُّعِ. فَقَالَ لَهُ القَائِلُ أو الوَليُّ أو الملائِكَةُ: (اطَّلِعْ لِتَرَى مَوْضِعَ صَاحِبِكَ!)، فاطَّلَعَ فَرَآهُ في سَواءِ الجَّحيمِ، فَقَالَ:
                      {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ  وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} (56 ـ 57) سورة الصافات

                      /3/ قَولُهُ عَلَيْهِ السَّلام: (وَنَطَقْتُ حِينَ تَعْتَعوا..) إشارَةٌ إلى أنَّهُم ظَلَمَةٌ هُمْ وأَصْنَامُهُم المعبودَةُ الَّتي لا تَنْطِقُ حِينَ يَتَوَجَّبُ النَطْقُ. فَإِنَّهُم بَعْدَ حصولِ الفِتْنَةِ خَرِسوا فَلا يَنْطَقُون إلاّ تِلْكَ التَعْتَعَةَ المعهودَةَ وتوقَّفَتْ صفَتُهُم الأولى وَهْيَ رَفْعُ الأصواتِ واللَّحْنِ في القَولِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
                      {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ} (85) سورة النمل

                      /4/ قَولُهُ عَلَيْهِ السَّلام: (وَمَضَيتُ بِنُوْرِ اللهِ حِينَ وَقَفُوا..) دليلٌ متكامِلٌ عَلَى كَوْنِهِ عَلَيْهِ السَّلام يَعْلَمُ نفاقهم ويشير إليه بِكُلِّ وضوحٍ لأنَّ الألفاظ هُنَا قرآنية كلّها. فهؤلاء لا نور لَهُم وَلِذَلِكَ يتوقّفون عَن الحركة. وَهْيَ إشاراتٌ متلاحقةٌ لما وَرَدَ في القرآن. قَالَ تَعَالَى:
                      {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنْتُم تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} (15) سورة المائدة
                      فالكتابُ هُوَ القُرآنٌ، والنُّورُ هُوَ حامِلُ الكِتابِ (مُحَمَّدٌ وعليٌّ والأئِمَّةُ) كَمَا قَالَ في آيَةِ المُشكاةِ: نُوْرٌ عَلَى نُوْرٍ. قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلام: (إمَامٌ عَلَى رَأْسِ إمَامٍ) أو (إِمَامٌ عَلَى أثْرِ إمَامٍ).
                      وقَدْ تَوَقَّفَ الثلاثَةُ وأَتْبَاعُهُم مِنْ قَبْلِهِ عَلَيْهِ السَّلام لأنَّهُمْ بِلا نُورٍ، ولأنَُّهُم بِلا عِلْمٍ بالكِتَابِ، وبِلا طاعَةٍ لِمُنَزِّلِ الكتابِ.. فَمِنْ أَيْنَ يأتيهُمُ النُّورُ؟.
                      فالنُّورُ هَذا مَجْعُولٌ مِنَ اللهِ لا مِنْ قِبَلِ الخَلْقِ. فَلَيْسَ لِهَذا المفتري أنْ يقولَ: (النُّورُ عِنْدَ فُلانٍ) فَنُصَدِّقُهُ، بَلْ هُوَ مِنْ شُؤونِ المُشَرِّعِ نَفْسِهِ. قَالَ تَعَالَى:
                      {..وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} (40) سورة النــور
                      وَمِنْ صُفَاتِ المُنَافِقينَ أنَّهُم يَدورونَ في موضِعِهِم لانعدامِ النُّورِ، فإذا بَرَقَ شيءٌ مِنَ الإمَامِ مَشُوا، وإذا أَعْرَضَ الإمامُ عَنْهُم تَوَقَّفُوا:
                      {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (20) سورة البقرة
                      وَلِذَلِكَ نَصَحَهُم الإمامُ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام وَمَحَضَ لَهُم النَّصيحَةَ. وَلكنْ لا يَمْكن أنْ يَجْعَلَهُم يَحِلُّونَ مَحَلَّهُ في كُلِّ شيءٍ لأنَّ مَسِيرَةَ الدِّينِ هِيَ مَسيرَتُهُ، وَهْوَ مَعْدومُ الأنانيَّةِ، وَلَيْسَ في قَلْبِهِ شيءٌ مِنَ الحَسَدِ. فإذا قَدَرَ عَلَى الإضاءَةِ أضَاءَ.
                      وَلَكِنَّهُم يُريدونَ الإضاءَةَ حَيْثمَا احتاجوا ويترِكونَها حَيْثُ لا يُريدون. وَهْوَ عَمَلٌ متناقِضٌ. فَلا يَجْتَمِعُ النورُ والظُّلُماتُ، وَإنَّمَا هِيَ خَطَفَاتُ بَرْقٍ.
                      ومِنْ هُنَا نُلاحِظُ أنَّهُم سَألوهُ واستَعَانوا بِهِ حَيْثُ احتاجوا إليه، فَبَالَغَ في المَعُونَةِ والنُصْحِ وأَعْطى غايَةَ المَجْهودِ. وَهَذا مِنْ طَبيعَةِ عَمَلِ الوَليِّ.
                      وَلكنَّ الأغبياءَ والحَمْقَى يَبْقونَ أغبياءَ وحَمْقَى، حَيْثُ مَا فَتَأوا يَعْقِدُونَ الندَواتِ ويؤَلِّفونَ الكراريسَ الصفْرَاءَ ويُوحُونَ إلى أَقْرَانِهِم أنَّ عليِّاً كَانَ يُحِبُّ هَؤُلاءِ، وَكَانَ يَرَى رأْيَهُم وألاَّ فَكَيفَ أَعَانَهُم ونَصَحَهُم وَلَمْ يَخْرُجْ عليهم بالسيفِ؟.
                      يا لِحُمْقِ العقولِ ورَينِ القُلوبِ وغِلْظَةِ الكِلَى وعَمَى الأَبْصَارِ!!
                      تَبَّاً لِحَياةٍ أَعيشُ فِيْهَا بَيْنَ قَوْمٍ بَهَائِمٍ لا يَفْقَهونَ شيئاً ولا يَهْتَدون!
                      واللهِ لَولا حُرْمَة التَعَرُّبِ بَعْدَ الهِجْرَةِ.. لَعِشْتُ في البَيْدَاءِ. فإنَّ رَعْيَ بَعيرَينِ أَجْرَبينِ مَعَ كَلْب صَيْدٍ لَهُوَ خَيْرٌ مِنْ مُرَاعَاةِ هَذِهِ العُقولِ فيما تَقولُ!!
                      يا قَومُ أَنَّكُم لَمْ تَفْهَموا الإمامَ بَعْدُ!
                      أَنَّكُم تَتَحدَّثون عَنْ غَيرِهِ وتَجْعلونَ كلامَكُم فِيهِ!
                      وَهَذا افْتِرَاءٌ عَلَى اللهِ الحَقِّ المُبين!
                      يا قَوْمُ لا تُقَارِنوا الإمَامَ بالحُكَّامِ، إِذْ مِنْ هُنَا جَاءَكُمُ الالتِبَاسُ في الأَمْرِ!
                      كأنَّكُمْ تَقُولُونَ لَو كَانَ الإمامُ هُوَ الوصيَّ بِحَقٍّ منصوصٍ مِنَ اللهِ لحَرََّّكَ الدِّروعَ والمُشَاةَ وسَيْطَرَ عَلَى قَصْرِ الخِلافَةِ!!
                      وَهَذا هُوَ الوَهْمُ المَحْضُ.
                      فإنَّكُم تَتَحدَّثونَ عَنْ شَخْصٍ آخَرٍ غَيِرِ الإمامِ، لأنَّ الَّذي يَفْعَلُ ذَلِكَ لَيْسَ إمَامَاً مَنْصوصَاً عَلَيْهِ قطعاً!
                      الإمامُ المَنْصوصُ عَلَيْهِ لا يَفْعَلُ هَذا مُطْلَقَاً وإذا فَعَلَهُ وقَهَرض العِبادَ عَلَى حُكومَتِهِ فقَدْ كَفَرض!
                      الإمامُ مُنَفِّذٌ لِمَشيئَةِ الله تعالى.. الإمامُ لا يُريدُ أنْ يَحْكُمَ الناسَ، فَهَذَا لَيْسَ هُوَ الإمامُ المَعْصومُ.. الإمامُ يُريدُ للناسِ أنْ يَطْلِبوا حُكْمَ اللهِ. فإذا طَلَبوا حُكْمَ اللهِ لَمْ يَعِدُّوهُ في اختيارِهِم لأنَّهُمْ لَنْ يَخْتارُوا سواه!. وإذا وَجَدَهُمْ لا يريدونَ حُكْمَ اللهِ فَهْوَ لا يُريدُ حُكْمَهُم لأنَّهُ سَيَفْشَلُ حَتْمَاً فَهْوَ يَتَطَلَّعُ ويَنْصَحُ ويَنْتَظِرُ ويُعَاوِنُ!
                      إنَّهٌُ لا يَغْدِرُ ولا يَفْجُرُ ولا يَتَآمَرُ ولا يَتَّفِقُ مَعَ جَمَاعَةٍ عَلَى الثَّورَةِ ولا يُؤَسِّسُ حِزْبَاً ولا يُشَكِّلُ جَمْعِيَاتٍ سِرِّيةٍ!.
                      يا قَوْمُ افْهَمُوا مَنْ هُوَ الإمامُ المَعْصومُ أولاً!
                      فإنَّ اللهَ لَو شَاءَ أنْ يَقهرَ العَبادَ لَقَهَرَهُم بِلا إمامٍ!
                      يا قَوْمُ إنَّ الإمامَ هُوَ حُرِّيَةُ الإنسانِ، إنَّهُ نَفْحَةُ اللهِ في الخَلْقِ.. إنَّهُ النورُ الإلهيُّ.. إنَّ الطُغَاةَ يطْفِئونَ نورَ اللهِ باستلابِ الحُرِّيةِ، والإمامُ حارِسٌ لحُرِّيةِ الاختيارِ.. إنَّهُ لا يَقِفُ ضدَّهَا أبداً..
                      إفْهَمُوا خَلْقَ الإنسانِ قَبْلَ خَلْقِ الإمامِ!
                      فإنَّ اللهَ خَلَقًَ الإنسانَ لِيَختارَ.. وَمَا القَولُ بالجَبْرِ والاختيارِ إلاَّ مَظْهَرٌ آخَرٌ مِنْ مَظاهِرِ مُحَارَبَةِ الطُغَاةِ للإمامِ!
                      فَفي الجبْريةِ تِسْقِطُ الإمامَةَ، والبَحْثُ في الأقْدَارِ تَزِلُّ بِهِ الأقْدَامُ، والقَدريةُ أَلْعَنُ الفُرَقِ لأنَّها تُريدُ استِلابَ حرِّيةِ الإنسانِ في الاختيارِ، وتُوحِي للخَلْقِ أنَّ مَا يَجْري مِنَ الوَقَائِعِ مُثَبَّتٌ في لَوحِ الأَزْلِ ولا مَحيصَ عَنْهُ لِيَسْتَعْبدوا الخَلْقَ ويَجْعَلوهُم مِثْلَ الأَنْعامِ.
                      أَمَامَكُمُ الكَثيرُ لِتَعْلَمُوا الفَرَقَ بَيْنَ الظُلُماتِ والنورِ. والطاغوتُ عدوٌّ للنورِ يُخْرِجُ الناسَ مِنْ النورِ إلى الظُلُماتِ. فإنْ كُنْتُم لا تُدْرِكونَ الفَرَقَ للآنِ فَتمَهّلوا وافْهَموا مَنْ هُوَ الإمامُ.
                      فواللهِ إنِي لَكُم مِنَ الناصِحينَ وإنِّي لَمُشْفِقٌ عَلَيْكُم.
                      تَحرَّروا مِنْ كُلِّ عبوديَّةٍ أوَّلاً ثُمَّ اختاروا مُجَدَّداً.. إذا فَعَلْتُم ذَلِكَ اكْتَشَفْتُم الحَقَائِقَ، ولا تَغُرَّنَّكُم الظواهِرُ. فَكُلُّ مَا تُريدونَهُ سيَتَحَقَّقُ لَكُم في هَذِهِ الدُّنْيَا أَكْثَر مِمَّا كُنْتُم تَحْلِمون..
                      إنَّ العلاقَةَ مَعَ اللهِ تَجْرِبَةٌ فَطَهِّروا أنْفُسَكُم وجَرِّبوا!
                      كَذَبَ الَّذينَ يَقُولُونَ أنَّ العِلاقَةَ مَعَ اللهِ هِيَ مِنَ الغيبِ!
                      جَرِّبُوا طَهَارَةَ النفوسِ والتَّحَرُّرَ مِنَ الطاغوتِ فَهَذِهِ التجرِبَةُ أَوَّلُ دَرَجَةٍ في سُلَّمِ مَحَبَّةِ اللهِ الَّذي يُعطي أَكْثَر مِمَّا يُعْطي الطاغوتُ بِمَا لا يُقَاسُ ولا يَسْلِبُ مِنْكُم شيئاً.
                      إنَّ مَنْ لا يَتَحرَّرُ مِنَ الطاغوتِ يَتَوَقَّفُ ولا يَمْضي لأنَّهُ بِلا نُورٍ.
                      /5/ قَولُهُ عَلَيْهِ السَّلام: (وكُنْتُ أَخْفَضُهُم صَوْتَاً وأَعْلاهُمْ فَوتَاً)
                      فارقٌ آخرٌ بَيْنَهُ وبَيْنَهُم وفيهِ التَّعريضُ بنفاقِهِم. لأنَّ المُنافِقَ عاليّ الصَّوتِ خَفِيضُ الفَوتِ عَلَى عَكْسِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صِفَتِهِ عَلَيْهِ السَّلام. وَلَيْسَ المَقصودُ بِهِ صَوتَ الكَلامِ العاديِّ. فالكَثيرُ مِنَ الناسِ يَجْهَرونَ بالقَوْلِ، وبَعْضُهُم هَذا هُوَ طَبْعُهُ، وَهْوَ قَدْ يُحْسِنُ في قَولِ الحَقِّ خصوصاً. وَإنَّمَا المَقصودُ أصواتُ الاعتراضِ والمُطَالَبَةِ والدِّعَايَةِ. فالمُنافِقُ يُعْلي صَوتَهُ عِنْدَ الاعترَاضِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ عُمَرُ وأبو بَكْرٍ مَعَ النبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم)، وفيهِ حَوَادِثٌ كَثيرَةٌ في التاريخِ، مِنْهَا مَا حَدَثَ في صُلْحِ الحديبية. وَكَذَلِكَ في حَادِثِ البَشَارِةِ بِقولِ لا إلهَ إلاَّ اللهَ مُحَمَّدٌ رسولُ الله. وَأَيْضَاً عِنْدَ شَكْوى قُرَيشٍ حَيْثُ قالوا (جِيرانَكَ وحُلَفَاءَكَ)، وفي حَوَادِثِ النصوصِ الخاصَّةِ بِفَضائِلِ العترَةِ حَيْثُ كَانَ عُمَرَ يَعْتَرِضُ رَافِعَاً صوتَهُ: (أَكُلُّ آلِ بَيْتِكَ عَلَى هَذا؟). وعِنْدَ أَسْرَى بَدْرٍ وغيرَهَا بالعَشَرَاتِ يَعْلَمُها كُلُّ قارئ للتاريخِ.
                      وَمَعَ ذَلِكَ كَانَتْ تَفوتُهُم كُلُّ الفَضَائِلِ ولا تَفوتُهُم الموبقاتُ والمخازي. فالفَوتُ مِنَ المُضَاداتِ في المَعْنَى.
                      قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: (الفَوْتُ: السَبْقُ) لأنَّهُ وَجَدَ مَعَهُ العلوَّ في كَلامِهِ وَهْوَ صَحيحٌ عَلَى العمومِ، إِذْ لا يَسْبِقُهُ أَحَدٌ في مُكْرَمَةٍ. وَلكنَّ الفَوْتَ عَلَى الأصلِ عَكْسَ السَّبْقِ. أيْ كَانَ يَفوتُهُ مِنْ حَقِّهِ عَلَى الخَلْقِ أكْثَرُهُ ولا يَفُوتُهُم ذَلِكَ. وَإنَّمَا وَصَفَهُ بالعلوِّ لأنَّهُ كالبَلاءِ فَيُقالُ هَذا بلاءٌ حَسَنٌ وَهَذا بلاءٌ غَيْرُ حَسَنٍ، فَهْوَ فَوْتٌ عَالٍ لَيْسَ بِخَفيضٍ. وَمَا كَانَ كَذَلِكَ جَمَعَ كُلَّ المَعَاني.
                      بَيْنَمَا فَوْتُهُم خَفيضٌ. فإذا فَاتَتْهُم الفَضَائِلُ فَلِعَدَمِ استحقاقٍ، فَهْوَ خفيضٌ. وإذا فَاتَهُم الخَلاصُ مِنَ المُحَرَّمَاتِ فَلِدَنَاءَةِ نُفوسِهِم، فَهْوَ فَوْتٌ خفيضٌ أَيْضَاً. وَهَذِهِ العِبَارَةُ تُعَدُّ مِنْ عَجَائبِ كَلِمَاتِهِ البَليغَةِ. وبالطَبْعِ لا يَأْسَى المُؤمِنُ عَلَى هَذا الفَوْتِ تَحْقيقاً لِقَولِهِ تَعَالَى:
                      {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}
                      (23) سورة الحديد
                      وَكَذَلِكَ قوله تعالى:
                      {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (153) سورة آل عمران

                      تعليق


                      • #12
                        بسم الله الرحمان الرحيم
                        اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
                        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                        /6/ قَولُهُ عَلَيْهِ السَّلام: (فَطِرْتُ بِعَنَانِهَا واسْتَبْدَدْتُ بِرَهَانِهَا)
                        طَارَ بِعَنَانِ الفَرَسِ: انْطَلَقَ بِهَا بِأقْصَى سُرْعَةٍ حَتَّى كَأنَّهُ يَطيرُ فلا يُرَى مِنْهَا حَرَكَةًُ القَوَائِمِ. والتعليقُ عَلَى العَنَانِ لإظْهَارِ القُدْرَةِ عَلَى السيطرَةِ والتوجيهِ، والضميرُ يَعودُ إلى الإمامَةِ. أيْ أنَّهُ صاحِبُهَا الوحيدُ المُنْفَرِدُ لأنَّ الفَرَسَ لا يَطيرُ هَكذا إلاَّ تَحْتَ صَاحِبِهِ. وفيهِ دَليلٌ آخرٌ عَلَى أنَّهُم رَكَبوا غَيْرَ مَرْكَبِهِم فَسَقَطوا في قَعْرِ جَهَنَّمَ.. ثُمَّ بَدَا ظَهْرُهَا عَاريَاً بَعْدَ الفِتْنَةِ فَطَارَ بِهَا، لأنَّها مَخْلوقَةٌ ومَجْعولَةٌ لَهُ دونَ سَائِرِ الخَلْقِ.
                        ويقولَ: (واسْتَبْدَدْتُ بِرِهَانِهَا)!، أيْ أَخَذَ الرِّهانَ ـ رِهَانَ هَذا الفَرَسِ الطائِرِ لِنَفْسِهِ مُسْتَبِدَّاً بِهِ.
                        وَهَذا مَعْنَى بلاغيٌّ عجيبٌ، وفيهِ تَكْفيرٌ لِمَنْ سَبَقَهُ في الحُكْمِ كَمَا في الأوَّل. ذَلِكَ أنَّ الرَّاكِبَ لا يُرَاهِنُ عَلَيْهِ الآخرون. وَلكِنَّهُ جَعَلَ الرِّهَانَ بَيْنَ طَرَفينِ: هُوَ طَرَفٌُ، والَخَلْقُ طَرَفٌ آخَرٌ. فَكَأَنَّهُم تَرَاهَنوا: مَنْ مِنَ الخَلْقِ يَقْدِرُ عَلَى ركوبِ هَذا الأمْرِ؟.. هَذا الجوادِ الإلهيِّ المقَدَّسِ كَنَاقَةِ صَالحٍ.. الفَرَسَ الَّذي يَطيرُ بِحَيثُ يَبْقَى في يَدِهِ العَنَانُ ويَكْسِبُ الرِّهانَ؟
                        فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الخَلْقِ يَقْدِْرُ عَلَى ذَلِكَ سِوَاه. وكَسَبَ الرِّهانَ مَسْتَبِدَّاً بِهِ دونَ سَائِرِ الخَلْقِ.
                        وغايتُهُ عَلَيْهِ السَّلام مِنْ هَذا الكلامِ نَقْلُ الاحتجاجِ مِنَ النظريَّةِ إلى الواقِعِ.. أيْ إذا كُنْتُم تُكذِّبونَ أنِّي صَاحِبُ هَذا الأمْرِ وراكِبُهُ الوَحيدُ فقَدْ أَثْبَتَ الواقِعُ سقوطَ الَّذينَ رَكبوه قَبْلِي. إِذْ عَمَّ الجورُ والظُلْمُ وظَهَرَ الفَسَادُ واغْتيلَ الصحَابَةُ وبُدِّلِتِ السُّنَنُ ومُنِعَ مِنْ تِلاوةِ الكِتابِ وأُحْرِقَتْ السُنَّةُ. والرَّاكِبُ يُلَقَّبُ بأميرِ المؤمنينَ زُوراً، وَهْوَ يُريدُ السيطَرَةَ عَلَى الأمْرِ وَلكِنَّهُ لا يقْدِرُ فَيَضْطَرُّ للسقوطِ في المُهْلَكاتِ.
                        كُلُّ ذَلِكَ وأَنَا مَعَهُم أَنْصَحُ لَهُم وأُعَاونُهُم.
                        فانْظُروا إِذَنْ مِنْ واقِعِ التَجْرُبَةِ إذا كُنْتُم تُكَذِّبونَ الوَحْيَ: مَنْ طَارَ بِعَنَانِهَا واسْتَبَدَّ بِرِهَانِهَا؟.
                        فَكَيفَ يَقولُ الكاتِبُ المُنافِقُ أنَّ عَلَيِّاً لَمْ يُشِرْ إلى انْفِرَادِهِ بِحَقِّ الإمامَةِ والخِلافَةِ؟
                        فَمَا مَعْنَى استِبْدادِهِ بالرِّهَانِ إِذَنْ؟.
                        /7/ قَولُهُ عَلَيْهِ السَّلام: (كالجَبَلِ لا تُحَرِّكُهُ القَوَاصِفُ ولا تُزِيلُهُ العَوَاصِفُ..) إشارَةٌ إلى قَوْلِهِ تَعَالَى:
                        {وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ }
                        (46) سورة إبراهيم
                        وفيه تَعْريضٌ وتَوْضيحٌ لِمَكْرِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ وقَدْ رَكَبَ غَيْرَ مَرْكَبِهِ، واسْتَعْمَلَ المَكْرَ لإزالَةِ الأئِمَّةِ عَنْ مَوَاضِعِهِم، إِذْ هُمُ الجِبَالُ في الآيَةِ جَبَلَهُم اللهُ مِنَ الطِّيْنَةِ الَّتي ذَكَرَهَا النبيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) عِنْدَمَا قَالَ:
                        (أَنَا وَعَلِيٌّ مِنْ طِيْنَةٍ وَاحِدَةٍ)
                        وَجَعَلَهَا في شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ عِنْدَمَا قَالَ:
                        (أَنَا وَعَلِيٌّ مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ والناسُ مِنْ شَجَرٍ شَتَّى)
                        زَيتونَةٌ لا شَرْقيَّةٌ ولا غَرْبيَّةٌ يَكَادُ زَيْتُهَا يَضِيءُ ولو لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ. فَهُمْ (أَوتَادُ الأَرْضِ) كَمَا قَالَ الإمَامُ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلام.
                        والمَقصودُ بالجِّبَالِ هُمْ، لأنَّ الصِّرَاعَ التاريخيَّ هُوَ صِرَاعٌ سِياسِيٌّ بَيْنَ المَلِكِ الَّذي مِنَ اللهِ وبَيْنَ الملوكِ الَّذينَ يُمَلِّكُهُمُ الناسُ.
                        فالمَكْرُ لا عِلاقَةَ لَهُ بالجِبالِ الحَجَريَّةِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ المَجَازاتِ اللغويَّةِ يا عَبَدَةُ الطَّاغوتِ..
                        فَأَنتُم تَعْتَرفونَ أنَّ المَجَازَ هُوَ عَكْسُ الحقيقَةِ في عِلْمِ اللُّغَةِ، وتَعْتَرفونَ أَنَّ اللهَ لا يقولُ غَيْرَ الحقيقَةِ ثُمَّ تَقُولُونَ بالمَجَاز!
                        فَلَو مَسَخَكُمُ اللهُ قرَدَةً وخَنَازيرَ لَمْ يَكُنْ قَدْ وَفَّاكُم مَا تَسْتَحِقّونَ مِنْ عِقَابٍ. فَهَذَا تَفْسيْرُ أَهْلِ البيتِ عَلَيْهِم السَّلام للآيَاتِ لأنَّ مَرْكَزَ الصِّرَاعِ هُوَ الحُكْمُ والسٌّلْطَانث. فالجَّبَلُ هُوَ كنايةٌ حَقيقيَّةٌ عَنِ الإمامِ المنصوصِ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ. والجِبالُ لا تُحَرِّكُهَا قَواصِفُ الرِّيحِ لأنَّها مُوَجَّهَةٌ لإغرَاقِ أَهْلِ المَكْرِ بِفِتْنَتِهِم:
                        {أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} (69) سورة الإسراء
                        فَلَمَّا انْفَتَقَتِ الفِتْنَةُ مِنْ عُمَرَ وَهْوَ (غَلْقُ الفِتْنَةِ) حَسَب الحديثِ النبويِّ الَّذي سَيَأتي ومَاجُوا فِيْهَا، جَاءوا عَليَّاً عَلَيْهِ السَّلام لِيُنقذهُم مِنْهَا فَأَعْرَضَ عَنْهُم حَتَّى إذا جَاءَهُم المَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ دَعَوا اللهَ لَئْنْ قَبِلَهَا إبْنُ أَبي طَالِبٍ لَنُقَاتِلُنَّ مَعَهُ وَلِنطيعَنَّهُ في اللهِ، فَأَخَذَ مُوثِقَهُم ثُمَّ بَغَى عَلَيْهِ البُغَاةُ وَمَا عَلِموا أنَّ بَغْيَهُم عَلَى أنْفُسِهِم، وأنَّ الجَبَلَ لا تُحَرِّكُهُ العَوَاصِفُ. قَالَ تَعَالَى:
                        {هُوَ الَّذي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أنَّهُم أُحِيطَ بِهِم دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ  فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}
                        (22 ـ 23) سورة يونس
                        /8/ وَأمَّا قَولُهُ عَلَيْهِ السَّلام: (لََمْ يَكُنْ لأحَدٍ فيَّ مَهْمَزٌ ولا لِقَائِلٍ فِيَّ مَغْمَزٌ) فَهْوَ إشارةٌ إلى أَصْحَابِ سُورَةِ الهُمَزَةِ. فإنَّهَا نَزَلَتْ في الثَّلاثَةِ وأَصْحَابِهِم حَيْثُ كانوا يَسْخَرونَ مِنَ المؤمنينَ. وقَدْ انْتَشَرَ ذَلِكَ في كُتُبِ المؤرِّخينَ وأَهْلِ الأَخْبَارِ.
                        فَعُمَرُ هُوَ الَّذي كَانَ يَلْمِزُ في الصَّدَقَاتِ، وَكَانَ يَلْمِزُ سَلْمَانَ في ذِكْرِ الأَجْدادِ حَتَّى قَالَ رسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم): (سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلِ البَيْتِ).
                        وَعُمَرُ هُوَ القَائِلُ عَنْ عَليٍّ: (لَولا دَعَابَةٌ فِيهِ). وَهْوَ لا يَفْتَأُ يَفْتَري عَلَى المُؤْمنينَ مِنْ شِيعَةِ النبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم)، وَعَلَى عَلَيٍّ عَلَيْهِ السَّلام أَنْوَاعَ المُفْتَرَيَاتِ والألْقَابِ . وَأَسْوَأُ مِنْهُ أَبو بَكْرٍ الَّذي هْوَ أَحْقَدُ قُرَيشٍ. وعَنْ أَهْلِ البَيْتِ عَلَيْهِم السَّلام إنَّهُ أَحْسَدُ الخَلْقِ مُنْذُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلام. وأَصَابَتْ عَيْنُهُ عَسْكَرَ النبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) في حُنَينَ. وَهْوَ القَائِلُ: (مَا أَكْثَرُنَا اليَومَ)، فَنَزَلَ قَولُهُ تَعَالَى:
                        {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} (25) سورة التوبة
                        والخِطَابُ مُوَجَّهٌ لَهُم لأنَّ عَليَّاً عَلَيْهِ السَّلام هُوَ الثَّابِتُ في حُنينَ بإجماعِ المؤرِّخين. وَكَانَ أَبو بَكْرٍ يُنَمِّقُ الكَلامَ، وَيَمْتَدِحُ الأصْحَابَ في وجوهِهِم، ويَذْكِرُ مآثِرَهُم فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وأبو عُبَيدَةَ إنَّ مَا تَفْعَلُهُ مَعَ هَؤُلاءِ هُوَ غَيْرُ مَا اتَّفَقْنَا عَلَيْهِ مِنَ الأَمْرِ، فَعَنَّفَهُم وَرَدَّهُم وَقَالَ: (إنَّمَا أَفْعَلُ ذَلِكَ لأكْتُمَ بِهِ أَمْرَكُم ويَكونُ مَدْعَاةً للسُّخْريَةِ مِنْهُم فإنِّي إذا لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ شَكُّوا في أَمْرِنَا وانْكَشَفَ حَالُنَا عِنْدَهُم). وقَدْ أَوْرَدَ هَذِهِ المَضَامينُ بأَسانيدِ الثُقَاةِ عَن أَهْلِ البَيْتِ عَلَيْهِم السَّلام جَمْعٌ مِنَ المُؤَلفينَ كالبَحْرَانيِّ وعليٍّ بن إبراهيمَ في تَفْسيرِهِ وغيرِهِم.
                        فَفِيهِم نَزَلَتِ الآياتُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ البَقَرَةِ:
                        {وَإِذَا لَقُواْ الَّذينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ  اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِم وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ  أُولَئِكَ الَّذينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ  مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ  صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} (14 ـ 18) سورة البقرة
                        وفِيهِم نَزَلَتْ آيَاتُ المُنافقين كُلُّهَا، لأنَّهُمْ قَادَةُ المُنافقينَ وزعماءُهُم. ومن هَذِهِ الآيَاتِ سُورَةُ الهُمَزَةِ لارْتِبَاطِهَا بالبُخْلِ وحُبِّ المَالِِ. وَكَانَ أَبو بَكْرٍ قَدْ خَرَجَ إلى الدُّكَانِ الخَاصِّ بِهِ وتَرَكَ مَوضِعَهُ مِنَ الخِلافَةِ فَمَا أَعَادوه إليه حَتَّى اشْتَرَطَ عَلَيهِم رَاتِبَاً مُضَاعَفَاً وَذَلِكَ للمُسَاوَمَةِ عَلَى هَذا الرَّاتِبِ لا جَهْلاً مِنْهُ أَنَّ الجلوسَ في الدُّكَانِ لا يَليقُ بالخَليفَةِ الَّذي يَكُونُ مَشْغولاً عَادَةً بِأمورِ الدَّولَةِ.
                        َكِنَّ أَكْثَرَ الشِّيعَةِ فَسَّروا تَصَرُّفَاتِ هَؤُلاءِ بتفسيراتٍ سَاذِجَةٍ جِدَّاً، ونَسَبُوا لَهُمُ الغَبَاءَ والحُمْقََ. وَهَذا خِلافُ الواقِعِ، فَهُمْ أدْهَى العَرَبِ قَاطِبَةً وأكْثَرُ خَلْقِ اللهِ مَكرَاً. ويَكْفي أَنْ تَعْلَمَ أنَّ فَضَائِلَ عُمَرَ المَذْكورَةَ في التاريخِ صَحيحَةٌ كُلُّهَا وَلكنْ عَلَى مَعْنَاهَا الصحيحَ في اللُّغَةِ لا بالمَعْنَى السَّاذِجِ لَدَى المُفَسِّرينَ. وَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا:

                        تعليق


                        • #13
                          بسم الله الرحمان الرحيم
                          اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم

                          • أَخْرَجَ ابنُ عَسَاكِرَ عَنْ عائشَةَ عَنِ النبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) قَالَ:
                          (إنَّ الشيطَانَ يَفْرُقُ مِنْ عُمَرَ)
                          وأَوْرَدَهُ السيوطيُّ في تاريخِ الخُلَفَاء/ 118.
                          ومِنَ المَعْلومِ أنَّ الشيطانَ لا يَفْرِقُ مِنَ المؤمِنِ، بَلْ الأَمْرُ بالعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ، إِذْ مَا تَجِدُ الشياطينُ مؤمِنَاً حَتَّى تُسَارِعَ إليه لإيذائِهِ أو إغراءِهِ أو إيقاعِهِ في المَعَاصي.. الخ. ولا نَعْلَمُ شَيْطَانَاً يَخافُ مِنَ الإنسانِ إلاَّ إذا كَانَ ذَلِكَ الإنسانُ أعلى دَرَجَةً مِنْهُ في الشَّيْطَنَةِ وَهْوَ مَا يُفَسِّرُهُ الحَديثُ الآتي.
                          • أَخْرَجَ الترمذيُّ عَنْ عائشَةَ عَنِ النبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) قَالَ:
                          (إنِّي لَأَنْظُرُ إلى شَيَاطينِ الجِنِّ والإنْسِ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ)
                          وَهَذا غَيْرُ مَعقولٍ إلاَّ إذا كَانَ هو زعيمُهُم، لأنَّهُمْ لَمْ يَفِرُّوا مِنَ الأوليَاءِ، ولا مِنَ الأنبياءِ عَلَيْهِم السَّلام. فقَدْ قَالَ تَعَالَى مُخَاطِبَاً رَسولَهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم):
                          {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ باللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (36) سورة فصلت
                          وَقَالَ الوليُّ الَّذي مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام:
                          {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} (63) سورة الكهف
                          وَفَعَلَ مُوسَى فِعْلاً نَسَبَهُ إلى الشَّيطانِ حِينَمَا حَاوَلَ قَتْلَ الفرعونيِّ، فَقَالَ:
                          {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذا مِن شِيعَتِهِ وَهَذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ}
                          (15) سورة القصص
                          وتَكَالَبَ الشَّيطانُ والأبَالسَةُ عَلَى سَيِّدِنا أيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلام حَتَّى قَالَ شاكياً:
                          {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}
                          (41) سورة ص
                          ولا يَفِرُّ الشَّيطَانُ إلاَّ مِنْ سَيِّدِهِ ورَئيسِهِ كَمَا يَفِرُّ النَّاسُ مِنْ جَبَّارٍ مِنْ جِنْسِهِم ويَفَسِّرُهُ الحَديثُ الآتي.
                          • أَخْرَجَ السيوطيُّ في الخُلَفَاءِ، والشيخانِ عَن سَعْدٍ بنَ أَبي وقَّاصٍ عَنِ النبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) قَالَ:
                          (يَا بْنَ الخَطَّابِ والذي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيطَانُ سَالِكَاً فَجَّاً قط إلاَّ سَلَكَ فَجَّاً غَيْرَ فَجِّكَ) ـ تاريخ الخلفاء/ 117
                          أَقولُ: مَضْمونُهُ واضِحٌ. فالشَّياطينُ تَجْتَمِعُ وتَتَعَاوَنُ عَلَى المُؤْمِنِ أو القَومِ لإضْلالِهِم. فإذا سَلَكَ عُمَرُ واديَاً أو فَجَّاً اكْتَفَتِ الشياطينُ بِهِ وحْدِهِ في هَذا الفَجِّ فَيَسْلِكونَ فَجَّاً آخراً. ومُحَالٌ أنْ يَكُونَ المَعْنَى غيْرَ هَذا، إِذْ سيكونُ عُمَرُ أفْضَلُ مِنْ كُلِّ الرُّسُلِ والأنبياءِ، وَهْوَ مُحَالٌ.
                          فَلا داعِيَ لِرَفْضِ هَذِهِ النصوصِ الشريفَةِ المُقَدَّسَةِ مِنْ قِبَلِ الشِّيعَةِ والزَّعْمِ بِأَنَّهَا ضَعِيفَةٌ. فهذِهِ دَعَاوى لَيْسَتْ مِنَ العِلْمِ في شيءٍ، بَلْ هِيَ نُصوصٌ صَحِيحَةٌ وصَريحُةٌ في المَضْمونِ.
                          وَلِذَلِكَ يَمْكِنُكَ تفسيرُ أحاديثِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) الأُخْرَى في عُمَرَ بِنَاءاً عَلَى ذَلِكَ مِثْلِ:
                          (مَا رَأى الشَّيطَانُ عمر إلاّ خرّ ساجداً)
                          (مَا رآك الشيطانُ يا عُمَرُ إلاّ خَرَّ لِوَجْهِهِ)
                          (مَا رَأيتُ الشَّيْطَانَ لاقَى عُمَرَ إلاَّ وخَرَّ لأستِهِ)
                          أَخْرَجَهَا جَمْعٌ مِنَ المُحَدِّثين في فَضَائِلِ عُمَرَ، وَهْيَ صَحيحَةٌ كُلُّها، لأنَّهُ زَعيمُ الشَّيَاطِينِ.
                          وَهَذِهِ هِيَ الجَفْرَةُ بَيْنَ رسولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) والمُؤمنينَ، فقَدْ كَشَفْنَاهَا لَكَ فافْهَمْ فقَدْ أَزِفَتِ الآزِفَةُ واقْتَرَبَ الوَعْدُ.
                          • وَمِنْهَا قولُهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم):
                          (إنَّ الشَّيْطَانُ لَمْ يَلْقَ عُمَرَ مُنْذُ أَسْلَمَ إلاَّ خَرَّ لِوَجْهِهِ)
                          أَقُولُ: فِيهِ مَعْنَىً عَمِيقٌ وَهْوَ أَنَّهُ زَعيمُ الشَّيَاطِينِ. ودخولُهُ في الإسْلامِ هُوَ الغَايَةُ والمَأمولُ الَّذي رَسَمَ عَلَيْهِ إبليسُ زعيمُ شياطينِ الجَّانِ، وحَقَّقَ جُزْءَاً مِنْ غايتِهِ في إِبْطَاءِ تَحَقُّقِ الوَعْدِ الإلهيِّ الَّذي هُوَ مُنْتَهَى أَجَلِهِ حَيْثُ يُعَذَّبُ بِمُجَرَّدِ حصولِ الوَعْدِ. ودُخولُ عُمَرَ للإسْلامِ أَعْطَاهُ فُرْصَةً أَطْوَلَ للخَلاصِ مِنَ العَذابِ.
                          وَهَذا يُفَسِّرُ الحادِثَ الغَريبَ الَّذي رَوَاهُ كُلُّ الحُفَّاظِ وأَشْكَلَ تَفْسيرُهُ عَلَى "العُلَمَاءِ"، وَهْوَ قَتْلُ الشَّيْطَانِ أو إبليسَ الَّذي تَمَثَّلَ في صُورَةِ عَابِدٍ أَعْجَبَ الصَّحَابَةُ بِعِبَادَتِهِ، وأَخْبَروا النبيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) بِهِ، فَأَمَرَ أنْ يَنْتَدِبَ لَهُ رَجُلٌ فَيَقْتِلُهُ. فَقَالَ أَبو بَكْرٍ: (أَنَا لَهُ). فَذَهَبَ وَرَجَعَ وَقَالَ: (كَرِهْتُ أنْ أَقْتلَهُ وَهْوَ سَاجِدٌ). ثُمَّ ذَهَبَ عُمَرُ وَرَجَعَ وَلَمْ يَقْتُلِ الرَّجُلَ فجَاءَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلام فَقَالَ لَهُ النبيٌّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم): (هَذا لَهُ إنْ وَجَدَهُ)، فَلَمَّا ذَهَبَ إليهِ مُخْتَرِطَاً سيفَهُ مُسْرِعَاً نَحْوَهُ لَمْ يَجِدْهُ. فَقَالَ النَبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم): (لَو قَتَلْتِموهُ مَا اخْتَلَفَ مِنْ أُمَّتِي رَجُلانِ).
                          ظَنَّ بَعْضُهُم أَنَّهُ ذو الثَدْيَةِ المَقتولِ في النهروانِ مَعَ الخَوَارِج فيما بَعْدُ حَيْثُ أَخْرَجَ الحَدِيثَ أَبو يعلى في مُسْنَدِهِ مِنْ تَرْجُمَةِ ذي الثدية مِنَ الإصَابَةِ. وذَكَرَهُ أحْمَدُ بنَ حنبل في ج3/ 15 مِنَ المُسْنَدِ.
                          وبالطَبْعِ لا يَمْكُنُ أنْ يَقومَ رَجُلٌ واحِدٌ بإضلالِ كُلِّ الأمَّةِ إلاَّ أنْ يَكُونَ قَائِداً للشَيَاطينِ كُلِّهِم. لَكِنَّ عَدَمَ الاختِلافِ بَعْدَ قَتْلِهِ لَيْسَ بِسَبَبِ غِيَابِهِ بَعْدَ القَتْلِ كَمَا قَدْ يُفْهَمُ، وَإنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بالرَّجُلينِ أَبي بَكْرٍ وعُمَر. فَلَو قَتَلا مِثْلَ هَذا الشَّيْطَانِ لَكَانَا مُؤْمِنينِ وَمِنْ أَهْلِ الإسْلامِ، وإذا كَانَا كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِذَنْ مُشْرِكٌ أو كَافِرٌ في كُلِّ الدُّنْيَا، لأنَّهُمَا الأعْلَى دَرَجَةً في الكُفْرِ فَهْوَ مبنيٌّ عَلَى مَعْرِفَةِ قَضِيَّةِ الحُدودِ في المَنْطِقِ كَمَا تَقولُ عَنْ رَجُلٍ مُلْحِدٍ شَديدِ العنَادِ: (لَو آمَنَ هَذا لآمَنَ كُلُّ النَّاسِ كَأَنَّكَ تُشيرُ إلى أنَّهُم دونهُ في العِنَادِ.
                          أمَّا أَنْتَ فَتُبَالِغُ لأنَّكَ لا تَعْرِفُ كُلَّ الخَلْقِ، وَأمَّا رَسولُ اللهِ فَهْوَ لا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى وكلامُهُ حَقٌّ. وَلَيْسَ المَفُهومُ مِنْ كلامِهِ إلاَّ هَذا المَعْنَى. وَهْوَ أَنَّهُ لَو كَانَ ثَمَّةُ احتمالٍ في إيمانِ أَبي بَكْرٍ وعُمَرَ لآمَنَ النَّاسُ كلُّهُم وَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْ أُمَّتِهِ رَجُلانِ لأنَّهُمَا أَكْفَرُ الخَلْقِ.
                          واعْلَمْ أَنِّيَ كَشَفْتُ لَكَ عَنْ سِرٍّ دَفِينٍ وعَظِيمٍ كَتَمَهُ أهْلُهُ عَنْ غَيْرِ أهْلِهِ قُرَابَةَ أرْبَعَةَ عَشَرَ قرْنَاً. فَلا يفوتُكَ تطبيقُ المَعْنَى والبَحْثُ في المَرْويَّاتِ عَلَى كُلِّ مَوردٍ قرآنيٍّ وَرَدَ فِيهِ ذِكْرُ الشَّيْطَانِ، فَإنَّهُ مُرْتَبِطٌ بالرَّجُلينِ لا بِسِوَاهُمَا وسَتَنْكَشِفُ لَكَ الأسْرَارُ.
                          وإنَّ هَذا الأَمْرَ يُفَسِّرُ لَكَ مُعْضَلاتِ المَسَائِلِ ومُشْكِلاتِ الحَديثِ. ولَكُمْ هَذا المِثَالُ:
                          • أَوْرَدَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلام كَلاماً اسْتَشْهَدوا بِهِ عَلَى حُسْنِ علاقَتِهِ ونَظْرَتِهِ لِعُمَرَ عِنْدَمَا مَاتَ عُمَرُ. فقَدْ رَوُوا عَنْ جَابِرٍ: قَالَ: دَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى عُمَر وَهْوَ مُسَجَّى فَقَالَ:
                          (رحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ مَا مِنْ أَحَدٍ أَحَبُّ إليَّ أَنْ أَلْقَى اللهَ بِمَا في صَحِيفَتِهِ بَعْدَ صُحْبَةِ النَبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ مِنْ هَذا المُسَجَّى)
                          ذَكَرَهُ السيوطيُّ في التاريخِ وَقَالَ: (أَخْرَجَهُ الحاكِمُ)1. والمَعْنَى واضِحٌ بَعْدَ تِلْكَ الإشاراتِ: فَرَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ لا لَكَ لأنَّ الإمامَةَ والنبوَّةَ هِيَ رَحْمَةُ اللهِ، والكِتَابُ هُوَ رَحْمَةُ اللهِ. قَالَ تَعَالَى:
                          {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } (107) سورة الأنبياء
                          وَهَذِهِ (عَلَيْكَ) أي تَبِعَتُهَا عَلَيْكَ.
                          أي واللهِ.. رَحْمَةُ اللهِ لَهِيَ عَلَيْهِ2!
                          ثُمَّ هُوَ عَلَيْهِ السَّلام يُريدُ أنْ يَلْقَى اللهَ بِصَحيفَتِهِ ويُقَدِّمُهَا للشَّكوى عَلَيْهِ. وَهَذا مِنْ شؤونه عَلَيْهِ السَّلام لأنَّهُ هُوَ الإمامُ والشهيدُ عَلَى الأُمَّةِ بَعْدَ رسولِهَا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم). وَكَمَا رَأيْنَا فَهْوَ القَسيمُ بَيْنَ الجَنَّةِ والنَّارِ.
                          فالصَحِيفَةُ تَتَضَمَّنُ ظُلاماتِهِ الخَاصَّةِ وظُلاماتِ الخَلْقِ عامَّةً، لأنَّها سَوفَ تَتَتَابَعُ عَنْ طَريقِ الحِسَابِ، فَلِذَلِكَ لا شَيءَ أَحَبُّ عِنْدَهُ مِنْ هَذا اللِّقَاءِ.
                          وَهَذا يُؤَيِّدُهُ أَيْضَاً بِنَفسِ التَفْسيرِ مِنْ (فَضَائِلِ عُمَرَ) قَولُ النَبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم):
                          (مَا في السَّمَاءِ مَلِكٌ إلاَّ وَهْوَ يَوَقِّرُ عُمَرَ ولا في الأَرْضِ شَيْطَانٌ إلاَّ وَهْوَ يَفْرُقُ مِنْ عُمَرَ)
                          أَخْرَجَهُ ابنُ عساكِرٍ عَنِ ابنِ عبَّاسٍ ونَقَلْتُهُ عَن السيوطي في تاريخِهِ/ 118.
                          والوقْرُ هُوَ الحِمْلُ ويوقِّرُ: يُحَمِّلُ، والمَفعولُ مَتْروكٌ وَهْوَ مِنَ الأفْعَالِ الَّتي تأتي لازِمَةً أو مُتَعَدِّيَةً. فالملائِكَةُ في السَّمَاءِ تُحَمِّلُهُ تَبِعَةَ مَا يَحْصِلُ مِنْ فَسَادٍ في الأَرْضِ.. ويوقِّرُ: يُعَظِّمُ أمْرَهُ. ولا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ تَوقيرِ الملائِكَةِ وفَرَقِ الشَّيَاطِين إلاَّ بِهَذا المَعْنَى.
                          وأَخْرَجَ الحُفَّاظُ عَن مُجَاهِدٍ قَالَ:
                          (كُنَّا نَتَحَدَّثُ أنَّ الشَّيَاطِينَ كَانَتْ مُصَفَّدَةً في إِمَارَةِ عُمَرٍ)
                          أَخْرَجَهُ السيوطيُّ في التاريخ عَنِ ابنِ عساكِرٍ/ 121.
                          ولا مَعْنَى لِهَذا إلاَّ أنْ يَكُونُوا قَدْ اكْتَفُوا بِعَمَلِهِ فَبَقوا لا شُغْلَ لَهُم.
                          وأَخْرَجَ سالمٌ بنُ عبد الله قَالَ:
                          أَبْطَأَ خَبَرُ عُمَرٍ عَلَى ابنِ موسى فأَتَى امْرَأةً في بَطْنِهَا شيطانٌ فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ: (حَتَّى يَجيئُني شَيطاني)، فَجَاءَ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ فَقَالَ الشَّيْطَانُ: (تَرَكْتُهُ مُؤْتَزِرَاً بِكِسَاءٍ يهنأ إبلَ الصدقة وَذَاكَ رَجُلٌ لا يَرَاهُ الشَّيْطَانُ إلاَّ خَرَّ لِمَنْخِريهِ) ـ تاريخ الخلفاء/ 118.
                          وبالجُمْلَةِ فإنَّ المَكْرَ والكَيْدَ هُمَا عَمَلُهُ حَيْثمَا جَاءَ في القُرْآنِ. وَيَبْدوا أنَّ الصَّحَابَةَ والتَّابِعينَ كانوا يدرِكونَ هَذِهِ المَسْأَلَةَ فنَقَلوهَا لَنَا بِصُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ.
                          وَهُنَاكَ عَشَرَاتُ الاتِّفاقَاتِ الأُخْرَى في مَنَامَاتِهِ وأحْلامِهِ ومُحَاورَاتِهِ مَعَ أَصْحَابِهِ وَمَعَ المُؤمنينَ تُثْبِتُ أَنَّهُ رئيسُ الشَّيَاطِينِ. ومِنَ المُحْتَمَل أنْ يَكُونَ إبليسُ نَفْسُهُ قَدْ يَحِلُّ بِهِ ويَتَلَبَّسُ فِيهِ فَيَحْصِلُ سُجودُ الشَّيَاطِينِ لَهُ. وإذا غَضَبَ في هَذا الحَالِ فَتَقَعُ دَاهِيَةٌ لا مُحَالَةَ وقَدْ عَلِمَ الأصْحَابُ ذَلِكَ وحَاولوا اسْتِعْمَالَ القُرْآنِ للخَلاص مِنْهُ. فقَدْ رَوى السيوطيُّ عَن بِلالٍ أَنَّهُ قَالَ لأَسْلَمَ:
                          (كَيفَ تَجِدونَ عُمَرَ؟)، قَالَ: (خَيْرٌ إلاَّ أَنَّهُ إذا غَضَبَ فَهْوَ أمْرٌ عَظِيمٌ)، فَقَالَ بِلالُ: (لَو كُنْتُ عِنْدَهُ إذا غَضَبَ قَرَأْتُ عَلَيْهِ القُرْآنَ)!! تاريخ الخلفاء/ 119
                          أَقُولُ: والقُرْآنُ يُسْتَخْدَمُ لِطَرْدِ الشَّيْطَانِ أو إسْكَاتِ حَرَكاتِهِ، وَلَمْ يُؤْثَرُ شيءٌ كهذا إلاَّ عَنْ عُمَرَ!.
                          ويَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ النصوصِ وغيرِهَا الكَثيرُ أنَّ جَمْعَاً مِنَ المؤمنينَ مِنَ الصَّحَابَةِ ومِمَنْ هُمْ بَعْدُهُم مِنَ التابعينَ كانوا يَدْرِكونَ جيِّداً أنَّ عُمَرَ شَيْطَانٌ إنْسِيٌّ، وأنَّهُ زَعيمُ الشَّيَاطِينِ في العَالَمِ وفْقَ هَذِهِ التَصْريحَاتِ النَبَوِيَّةِ. وَلِذَلِكَ وَرَدَ عَن الصَّادِقِينَ عَلَيْهِم السَّلام في أَكْثَرِ مِنْ مَوضِعٍ:
                          (إذا قَرَأْتَ القُرآنَ فَأَيُّمَا مَوْضِعٍ يَرِدُ فِيهِ الشَّيْطَانُ فالمُرَادُ بِهِ الثاني)

                          تعليق


                          • #14
                            اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد

                            يرفع لخاطر عمر مصارع الجان ومفرق الشيطان

                            تعليق


                            • #15
                              كتاب رائع .. بارك الله بك

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 27-03-2024, 06:44 PM
                              ردود 0
                              13 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة وهج الإيمان
                              بواسطة وهج الإيمان
                               
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 25-05-2019, 07:10 AM
                              ردود 3
                              272 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة وهج الإيمان
                              بواسطة وهج الإيمان
                               
                              يعمل...
                              X