بحث حول كينونة مولانا أمير المؤمنين علي (عليه وآله السلام) مع الأنبياء باطناً ومع الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ظاهراً
الإسم: *****
النص: بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة اية الله... العلامة المحقق الشيخ محمد جميل حمود العاملي مد ظله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
نأمل من سماحة المرجع الاجابة على الاستفسار الاتي
قول مولانا مولى الموحدين امير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى اله اجمعين
كنت مع الانبياء باطنا ومع رسول الله ظاهرا
السؤال الاول - بأي صفه وبأي شخصيه كان وجود امير المؤمنين عليه السلام مع الانبياء السابقين
السؤال الثاني - ماهو الدور ووجه الانتفاع من وجود مولانا امير المؤمنين عليه السلام مع كل نبي وقت بعثته
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
الموضوع العقدي: بحث حول كينونة مولانا أمير المؤمنين علي (عليه وآله السلام) مع الأنبياء باطناً ومع الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ظاهراً.
بسمه تعالى
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة على سادة رسله سفن النجاة ومصابيح الدجى رسول الله محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين من كلّ عيب ورجس والمطهرين من كل سوء وعيب، فلعن الله تعالى ظالميهم ومبغضيهم ومنكري معارفهم وفقههم ومعاجزهم وكراماتهم وفضائلهم وظلاماتهم ومنازلهم وولايتهم إلى قيام يوم الدين..وبعد.
السؤال حول الشخصية العظمى أمير المؤمنين وإمام المتقين مولانا الإمام الأعظم أبي الحسن المرتضى عليّ صلى الله عليه وأهل بيته الطاهرين أجمعين لهو سؤال كبير يحتاج إلى جواب كبير يعطي تلك الشخصية العظيمة حقها... وأين لنا من ذاك البحر الزخار الذي لا يمكن الولوج في أمواجه والسباحة في مائه الهدار...!!! ولكن كما قال هذا الرجل العظيم مولانا أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه وآله: ( ما لا يدرك كلّه لا يترك كله" وفي تعبيرٍ آخر له روحي فداه قال عليه السلام: ( الميسور لا يسقط بالمعسور) وها نحن نحاول أن نسبر بعض شواطئه الشريفة عسانا نلتقط بعض درره ولؤلؤه الثمين راجين أن يكتبنا في لائحة خدامه وممن يلتمس أن يربط له شريط نعله أو حذائه..وسوف لن يرتجف قلمي في الكتابة عن السر المكنون لهذا الرجل العظيم أرواحنا فداه وتبقى الكتابة ناقصة لا تفيه حقه ..ومن أنا حتى أوفيه حقه وما أنا إلا غبرة على نعله الشريف..! وها أنا أتشرف بالجواب عن السؤالين اللذين تفضل بهما أحد المؤمنين الأفاضل رضا .... دامت تسديداته وتوفيقاته..وهذان السؤالان هما الآتي:
السؤال الأول:بأي صفة وبأي شخصية كان وجود أمير المؤمنين (ع) مع الأنبياء السابقين؟
السؤال الثاني:ما هو الدور ووجه الإنتفاع من وجود مولانا أمير المؤمنين (ع) مع كل نبي وقت بعثه؟...
والجواب:
للإجابة على هذين السؤالين ينبغي أن نقسم البحث إلى ثلاث نقاط رئيسية حتى يتضح حقيقة الكينونة العلوية على صاحبها آلاف السلام والتحية مع الأنبياء باطناً ثم مع الرسول ظاهراً, فنقول وبه نستعين, أن البحث يدور حول نقاط:
(النقطة الأولى): حول سند الرواية الحاكية عن وجوده الأقدس مع الأنياء باطناً.
(النقطة الثانية): هل تدخل المسألة في التقمص الذي يقول به الدروز وهل أن مجرد انتقال الروح العلوية عبر الأطوار يعتبر تناسخاً؟.
(النقطة الثالثة): كيف نعالج وجود أمير المؤمنين المقدس قبل ولادته الجسدية وصور تعدده الشريفة؟.
*(البحث في النقطة الأولى):
لقد جاء في أخبار متعددة _أورد السيد هاشم البحراني أعلى الله مقامه الشريف في كتابه الشريف مدينة المعاجز ج1 ص 142-144 عدداً وافراً منها حدود ستة أخبار نقلاً عن الحافظ رجب البرسي أعلى الله مقامه في كتابه مشارق أنوار اليقين _ تدل على الوجود الكوني لأمير المؤمنين عليه السلام منذ عهد النبي نوح عليه السلام نزولاً إلى عهد النبي سليمان وموسى وهارون عليهم السلام وبالرغم من كثرة هذه الأخبار حيث تجاوزت حد الإستفاضة فإنها محذوفة الأسانيد, والحذف قد يتخذه مَنْ في قلبه ذريعة للتشكيك في تلكم الأحاديث الشريفة الدالة على علو فضل أمير المؤمنين (عليه السلام), والتشكيك بالكرامات والمعاجز علامة النفاق عند المتظاهر بالإيمان والولاء, فحتى لا يكون حذف الأسانيد ذريعة لبذر الفتنة حول معاجز سيد الأولياء أمير المؤمنين وإمام المتقين(عليه السلام) لا بد لنا من علاج هذه الروايات الشريفة _الدالة على علو فضله_ من الناحية الرجالية وعلم الحديث والدراية فنقول وبه نستعين:
_ أن صحة أي خبر سواء أكان فقهياً أو عقائدياً أو تاريخياً أو تكوينياً ترتبط بجهتين في علم الأصول:
(الجهة الأولى): أن يكون الخبر مدلولاً عليه بالخبر الثقة الذي لا يُحتمل عادةً في حقه الكذب والتلفيق.
(الجهة الثانية): أن يكون الخبر مدلولاً عليه بالخبر الموثوق الصدور وهو الخبر التي دلت القرائن على صحته، ونعني بالقرائن الإشارات والمقدمات الدالة على صحة الخبر المنقول إلينا بواسطة رواة، فالمعول على مدلول الخبر المتوافق مع القرائن من الكتاب والسنة وغير ذلك وليس المعوّل على نفس الراوي كراوٍ للحديث, والقرينة قد تكون لبيَّة (وهي كل ما يساهم في تحديد المراد الجدي للكلام من غير الألفاظ) وقد تكون لفظية وهي (كل ما يتصل بالكلام من لفظ أو غيره فيتحدد به المراد الجدي للمتكلم.
والقرينة اللفظية تارة تكون متصلة :كما لو قال المتكلم "أكرم كل عالم إلا أن يكون فاسقاً" فالقرينة هي الإستثناء, ولولاها لكان ظاهر كلام المتكلم هو وجوب إكرام جميع العلماء إلا أن مجيئها أنتج تحديد المراد الجدي للمتكلم وأنه لا يقصد العموم رغم استعماله للفظٍ يعبر عن العموم وهو لفظ "كل".
ومنشأ التعبير عن هذه القرينة بالمتصلة هو وقوعها في سياق كلام المتكلم واتصالها به.
وأخرى تكون منفصلة :كما لو قال المتكلم "أكرم كلَّ العلماء" ثم يقول في خطاب آخر "لا تكرم فساق العلماء" فالخطاب الثاني قرينة منفصلة يتحدد بها المراد الجدي من الخطاب الأول وأنه لا يريد إكرام الفساق من العلماء.
_وقد وقع خلاف بين الأعلام حول صحة الجهة الثانية ( أي جهة كون الخبر موثوق الصدور) مع اتفاقهم ضمنياً على الأخذ بالخبر الثقة، فمشهور المتقدمين وثلة من المتأخرين تبنوا نظرية الخبر الموثوق الصدور في مجال استنباط الأحكام الشرعية وغيرها من القضايا التاريخية والتكوينية والأخلاقية وفي مجال الأدعية والزيارات والتوسلات والفضائل والمعجزات والكرامات بخلاف مشهور المتأخرين الذين شددوا على وجوب الأخذ بالخبر الثقة ولم يعطوا أهمية لغيره مع أنهم أعرضوا عن أخبار صحيحة سنداً, فهم من الناحية العملية قد عملوا بحجية الخبر الموثوق الصدور لا الخبر الثقة... وبالغض عن كل ذلك فإن روايات الفضائل والمعاجز والكرامات يجوز الأخذ بها بل يجب ذلك ما دامت لاتعارض الكتاب والسنة ودليل العقل الشرعي وذلك لأن أخبار الفضائل والكرامات والمعاجز لا تحكي عن الفعل الشرعي للمكلفين بل هي مبيّنة ومؤكّدة للأدلة الدالة على طهارة صاحب المعجزة والكرامة والفضيلة فهي خارجة عن محل التكليف.
وبعبارة أوضح: أن ما عدا الحكم التكليفي الخاص بالمكلّف يكون خارجاً عن التكليف به شخصياً بل هوحاكٍ عن تكليف غيره من المعصومين أو أنه واصف لحال المعصوم عليه السلام بما هو عليه من الفضل والكرامة فلا يحتاج الخبر الواصف لغير المكلف أن يكون صحيحاً من الناحية السندية...بالإضافة إلى أن حجية الخبر الواحد إنما هي خاصة بالمكلف بالتكليف الشرعي الإلزامي ولا علاقة لها بالتكليف الشرعي غير الإلزامي كالمستحب والمباح...فضلاً عن أنها خارجة عن الأوصاف الحاكية للفضائل والملاحم والتواريخ والحوادث التكوينية شريطة أي يكون الوصف مديحاً لا ذمّاً أو إنتقاضاً وإلا لصدق على الخبر الناقل بأنه مصداق لقوله تعالى ( أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
_وكون هذه الروايات مرسلة لا يضر بصحة التمسك بها وذلك لأمرين:
الأول: أن المرسل ينجبر بعمل الأصحاب.
الثاني: أن الإرسال لا يضر مع كثرة الرواية.
وبالجملة: سواء قلنا بحجية الخبر الثقة أو الموثوق الصدور, فإن خبر وجود أمير المؤمنين (عليه السلام) مع الأنبياء باطناً صحيح من الناحية الدلالية, ولا بأس به من الناحية السندية حتى ولو كان مرسلاً فإن الإرسال لا يضر مع كثرة الروايات المتعلقة بوجود أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين مع الأنبياء باطناً..هذا بالإضافة إلى أنه لا يشترط قوة السند في أخبار الفضائل والمعاجز لأن المطلوب في أخبار الفضائل والمعاجز والكرامات عقد القلب على المعارف اليقينية والتسليم لفضائل الحجج الطاهرين الذين لولاهم ما خلق الله تعالى الخلق (لولاكم لما خلقت الأفلاك).
*(النقطة الثانية):
هل تدخل المسألة في مفهوم التقمص؟ وهل أن مجرد انتقال الروح عبر الأطوار يعتبر تناسخاً؟.
الجواب: إنَّ انتقال الروح المجردة إلى جسد مثالي آخر لا يدل على وجود تناسخ لأن مفهوم التناسخ هو عبارة عن الإنتقال الروحي إلى أجساد متعددة بنية الثواب والعقاب أي أن تعدد الروح عبر الأجساد المتكررة إنما هو لأجل تعذيب الروح أو تنعيمها بواسطة الجسد الذي انتقلت إليه, والتناسخيون لا يعتقدون بوجود جنة ونار أخروية بل هما _أي الجنة والنار_ في عالم الدنيا ولا ثمة عالم آخروي غير هذا العالم الدنيوي, فالفرق بين التجرد الروحي عبر الجسد المثالي وبين التناسخ واضح كما أشرنا أعلاه, فأصحاب التجرد الروحي _وهم أتباع الشرائع السماوية كاليهود والنصارى والمسلمون_ يؤمنون بوجود عالم أُخروي فيه عذاب ونعيم ولا يؤمنون بالتقمص أو ما يسمى بالتناسخ بل إن فكرة التناسخ منشؤها وثني بوذي كما فصّلنا ذلك في كتابنا (الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية ج1 باب عقيدتنا في المعاد الجسماني) فليُراجع.
الفرق بين التناسخ والتجرد المثالي
_والفرق بين التناسخ والتجرد الروحي في عالم الصور المثالية من وجوه:
(الوجه الأول): إن النتاسخ عبارة عن خروج الروح من جسد وانتقالها إلى جسد آخر لأجل التنعيم أو التعذيب فالروح في مفهوم التجسد كانت في جسد مادي ثم انتقلت إلى جسد مادي آخر, بخلاف التجرد الروحي عند أمير المؤمنين (عليه السلام) قبل حلوله في جسده المادي كان روحاً في قالب مثالي ثابت لم ينتقل من جسد إلى جسد آخر كما هو حاصل في التجسد التناسخي بل إنه جسد واحد قبل عالم الأبدان كان في قالب مثالي وهو ما عبرت عنه الأخبار إنهم عليهم السلام كانوا أشباح نور قبل عالم الدنيا أو قبل تسلسلهم في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة...ومعنى (أشباح) أي صور مثالية كانت قالباً لأرواحهم المقدسة، وبهذا القالب كانوا يتنقلون في العوالم العلوية والسفلية معلِّمين للملائكة ومنقذين للأنبياء من الهلكة باعتبار أن أئمتنا الطاهرين (عليهم السلام) _وفي طليعتهم أمير المؤمنين (عليه السلام)_ وهو ما جاءنا من الأخبار الشريفة التي نقلها لنا الحافظ الجليل رجب البرسي أعلى الله مقامه الشريف في كتابه الشريف مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين (ع) وقد نقلها عنه المحدث الجليل السيد هاشم البحراني في كتابه الجليل مدنية المعاجز الجزء الأول / من الباب الرابع والعشرين إلى الباب السابع والعشرين/ حديث الجنّي الذي كان عند رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن ننقلها لكم ليتضح الصبح لذي عينين وهي التالي:
81_البرسي: قال: أخبر أصحاب التواريخ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان جالساً وعنده جنيّ يسأله عن قضايا مشكلة, فأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) فتصاغر الجنيّ، حتى صار كالعصفور، ثمّ قال: أخبرني يا رسول الله. قال: عمّن؟ فقال: من هذا الشاب المقبل؟ قال: وما ذاك:؟ قال الجنيّ: أتيت سفينة نوح لأغرقها يوم الطوفان، فلّما تناولتها ضربني هذا فقطع يدي، ثمّ أخرج يده مقطوعة، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): هو ذاك.
82_البرسي: قال: بهذا الإسناد إن جنيّاً كان جالساً عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) فاستغاث الجنيّ وقال: أجرني ( يا رسول الله من هذا الشاب المقبل. قال: ما فعل بك؟ قال: تمردت على سليمان، فأرسل إليّ نفراً من الجنّ، فطلت عليهم، فجاءني هذا الفارس، فأسرّني وجرحني، وهذا مكان الضربة إلى الآن لم تندمل.
83_ من طريق المخالفين ما رواه صاحب فضائل العشرة: إن جنيّاً كان جالساً في مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخل عليٌّ (عليه السلام) فغاب الجنيّ، فلمّا خرج عليّ عاد الجنيّ إلى مكانه، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) لم غبت عند حضور[الإمام] عليّ عليه السلام؟ فقال: يا رسول الله إن عليّاً جرحني. قال: وكيف؟ ولم تظهر إلا في زمن سليمان (ع) ثمّ قال (صلى الله عليه وآله): إنّ الله تعالى خلق ملكاً على صورة عليّ يقاتل مع الأنبياء.
ملاحظة وتنبيه: كل الأخبار المتعلقة بسبق وجود أمير المؤمنين عليّ عليه السلام دلت على وجوده حقيقة إلا هذا الخبر الدال على أن الله تعالى خلق ملكاً بصورة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وهو على ضعفه السندي من حيث كونه من طرق المخالفين الذين ينكرون تقدم سبق الأرواح على الأجسام لا سيما أرواح أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام..بالإضافة إلى أنَّ وجود روح أمير المؤمنين عليه السلام قبل جسده الشريف تسجل على القوم حجة كبرى عليهم لإقرارهم حينئذٍ بفضائله الكبرى التي تضاهي كرامات النبيّ الأعظم محمد صلى الله عليه وآله، وعلى كلِّ حال فإن نفس إعترافهم بوجود ملك بصورة إمام المتقين سيدنا المعظم أمير المؤمنين عليّ عليه السلام يعتبر دليلاً مهماً على عظمة مولانا أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وقربه من الله تعالى ما يصبغ عليه صفة العصمة لأن تشبه الملك المعصوم بالهيكل المعظم لأمير المؤمنين عليه السلام يستلزم عصمته وعلو منزلته ومساواته لرسول الله صلى الله عليه وآله..ووجود صورته على هيكل الملاك لا يتعارض مع الأخبار الأُخرى الدالة على أن روحه المقدسة كانت في قالب مثالي وأنه كان حقيقة مع الأنبياء وليس صورته على هيكل الملاك وذلك لوجود قرينة واضحة في الأخبار تشير إلى أنه صلوات الله عليه أيد به النبيين سراً..ولا يصلح التأييد إلا بالوجود الحقيقي لروحه المقدسة وليس بوجوده الصوري الملقى على الملك فلا يطلق عليه بأنه ناصر للأنبياء بل كان المناسب إطلاق لفظ آخر عليه بأن الله نصر الأنبياء بملك متصوراً بصورة الإمام عليّ عليه السلام وهو منتفٍ وجوده في الأخبار التي صرحت بأن الله تعالى أيد به الأنبياء سراً وأيد به رسول الله جهراً ...فتأييد النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله جهراً معطوفاً على تأييد الأنبياء به سراً دلالة أخرى على وجوده الحقيقي مع الأنبياء كما كان موجوداً حقيقةً مع رسول الله محمد صلى الله عليه وآله..يرجى التدبر جيداً.
84_ البرسي: قال: روي أنّ فرعون _لعنه الله_ لمّا لحق هارون(ع) بأخيه موسى(ع) دخلا عليه يوماً، وأوجسا خيفة منه، فإذا فارس يقدمهما، ولباسه من ذهبٍ، وبيده سيف من ذهبٍ، وكان فرعون يحبّ الذهب، فقال لفرعون: أجب هذين الرجلين ,وإلا قتلتك، فانزعج فرعون لذلك، وقال: عودا إليّ غداً، فلمّا خرجا دعا البوابين، وعاقبهم وقال: كيف دخل عليّ هذا الفارس بغير إذن؟ فحلفوا بعزّة فرعون (انّه) ما دخل إلا هذان الرجلان، وكان الفارس مثال عليّ (هذا) الذي أيّد الله به النبيين سرّاً، وأيّد به محمّداً جهراً لأنّه كلمة الله الكبرى التّي أظهرها الله لأوليائه فيما شاء من الصور، فنصرهم بها وبتلك الكلمة يدعون (الله) فيجيبهم، وينجيهم، والآيه الإشارة بقوله " ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بآياتنا ".
وقال ابن عبّاس: كانت الآية الكبرى لهما هذا الفارس (والسلطان).
85_وأيضاً البرسي: قال المفسّرون في معنى هذه الآية: كانت الآية والسلطان صورة عليّ وكذا لسائر النبيين.
86_وقال أيضاً: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي إنّ الله أيّد بك النبيين سرّاً، وأيّدني بك جهراً.
وما يؤيد وجوده السري مع الأنبياء كونه الوليّ الأكبر لله تعالى والآية العظمى الباهرة لله تعالى ما صدر منه من محاربته للجن في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وقد ورد بخبر مستفيض اشتهر بخبر عطرفة الجني، أورده السيد الجليل هاشم البحراني في مدينة المعاجز الجزء الأول بسندين عن سلمان الفارسي رضي الله عنه ، وقد رواه البحراني نقلاً عن إبن شهر أشوب في كتاب المناقب ونقلاً عن السيد المرتضى في عيون المعجزات وقد أقر السيد المرتضى رحمه الله تعالى بأن الخبر معروف عند علماء الشيعة، وقد نقله السيد المرتضى عن كتاب الأنوار لصاحبه الجليل أبي عليّ محمد بن أبي بكر همام بن سهيل الكاتب الأسكافي المولود عام 258 والمتوفى عام 336هـ وقد وثقه النجاشي قائلاً عنه بأنه شيخ أصحابنا ومتقدميهم وله منزلة عظيمة...فمن كانت له هذه المنقبة وهي محاربته للجن التي تتطلب إيماناً كاملاً وقدرات ربانية هائلة لا يمكن مساواته مع سائر المؤمنين أو بعض الصحابة الذين يتشدق المخالفون بعلو درجاتهم ويخصون بالذكر أبا بكر وعمر وعثمان، فليكشفوا لنا عن مناقبهم العالية كتلك المناقب التي اتصف بها أمير المؤمنين عليه السلام بإعتراف علمائهم المنصفين ...!.
(الوجه الثاني): التجرد الروحي بالجسد المثالي يختلف عن التقمص الروحي المشروط فيه الخلع واللبس المتكرر بمعنى أن الروح في المفهوم التناسخي تنتقل عبر أجساد متعددة أصلية في حين أنها _في المفهوم التجردي_ باقية في جسد مثالي واحد ولا تنتقل من جسد إلى آخر لأجل النعيم أو التعذيب المشروطين في التقمص.
(الوجه الثالث): للتناسخ حالات وانتقالات عدة، كل حالة يُصطلح عليها باسمٍ خاص عندهم _كما فصلناه في كتابنا الفوائد البهية ج1 ص633.
وهذه الحالات هي أربعٌ:
1_النسخ: وهو انتقال النفس بالموت من البدن الأول المادي إلى بدن آخر مادي في هذه النشأة.
2_المسخ: هو الرجوع إلى بدن حيواني، فإن كان محسناً فإلى حيوان سعيد، وإن كان مسيئاً فإلى حيوان شقي.
3_ الفسخ: وهو انتقال إلى شجر ونبات.
4_الرسخ: وهو انتقال إلى حجر وجماد.
وهذه أقسام التناسخ في مدارج النزول، وهناك أقسام أخرى في مدارج الصعود نلخصها بالبيان التالي هو :
إن النفس في بدء وجودها إنما توجد في صورة أحسن النباتات ثم تتدرج بالصعود إلى أرقى الدرجات لتصل إلى درجة الحيوان الذي هو أشرف من النبات ثم تتدرج لتصل إلى النوع الإنساني وبعده تتصل بأجرام فلكية غاية استكمالها النهائي فتصبح في عالم المجردات متحدة مع العقول ومن كانت بهذه الصفة فهي مع السعداء، وأما الأشقياء فتنتكس نفوسهم في مظاهر الظلمانيات لتخلد إلى الأرض مع الأبد.
فيتلخص مما ذكرنا: أن النفس لا تزال تنتقل ضمن أجسادها هابطة أو صاعدة.
ويترتب على القول بالتناسخ محذورات:
الأول: الإستخفاف بقدرة الله تبارك شأنه حيث إن الإعتقاد بإنتقال الروح من بدن إلى بدن آخر ــ بحسب نظرية التناسخ ــ دليل عجز الإله على أن يخلق لكل بدن روحاً خاصة به (تعالى الله تعالى عن العجز علواً كبيراً ).
الثاني: إنكار المعاد الجسماني وهو عودة الأرواح إلى أجسادها الأصلية يوم القيامة، مع أن المسلمين مجمعون على صحة المعاد الجسماني لصريح الآيات والأخبار بذلك.
وبالجملة: إن مجرد إنتقال الروح من جسد إلى جسد آخر أصلي كالأول أو مخالف له بالماهية _كأن تتحول الروح إلى جسد حيوان أو حجر أو شجر _ كافٍ في أن يكون باطلاً بخلاف التجرد الروحي عبر صورة واحدة لا تعدد فيها لأجل الثواب والعقاب لصاحبها، وعلى فرض التعدد لا يكون مشابهاً للتناسخ الباطل.
(الوجه الرابع): إن الإنتقال من جسد إلى جسد في مورد التناسخ إنما يكون مشروطاً بالجزاء الأخروي بمعنى أن نفس الإنتقال من جسد إلى جسد يكون على وجه العقاب أو الثواب... بخلاف التجرد الروحي فإنه ليس كذلك بل هو مجرد روح موضوعة في قالب واحد تماماً كإنتقال النفس بعد الموت إلى بدن مثالي آخر في عالم البرزخ وكحشر بعض الناس يوم القيامة على صور البهائم والحشرات... فهو حشر لهم بصورة حيوان كالمسخ الذي يصيب أناساً من أهل العناد والنصب والعداوة، فإن المسخ الذي هو عبارة عن بقاء الروح في جسدها الأصلي الذي تحول من الجسد الإنساني إلى جسد حيوان، فالتغير حصل في جزئيات الجسم الإنساني التي تحولت من الأجزاء الإنسانية إلى أجزاء حيوانية... فالتجرد الروحي الحاصل لأمير المؤمنين (ع) قبل تسلسله في الأصلاب الشامخة إنما هو صورة مثالية حاملةً للروح الإنسانية، والبدن المثالي يختلف بطبيعته عن البدن الأصلي المعتبر وجوده في النسخ....وقد استفضنا البحث في مسألة التناسخ والفرق بينه وبين التجرد المثالي في كتابنا " الفوائد البهية ج1 الباب الأربعون " ....
الإسم: *****
النص: بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة اية الله... العلامة المحقق الشيخ محمد جميل حمود العاملي مد ظله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
نأمل من سماحة المرجع الاجابة على الاستفسار الاتي
قول مولانا مولى الموحدين امير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى اله اجمعين
كنت مع الانبياء باطنا ومع رسول الله ظاهرا
السؤال الاول - بأي صفه وبأي شخصيه كان وجود امير المؤمنين عليه السلام مع الانبياء السابقين
السؤال الثاني - ماهو الدور ووجه الانتفاع من وجود مولانا امير المؤمنين عليه السلام مع كل نبي وقت بعثته
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
الموضوع العقدي: بحث حول كينونة مولانا أمير المؤمنين علي (عليه وآله السلام) مع الأنبياء باطناً ومع الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ظاهراً.
بسمه تعالى
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة على سادة رسله سفن النجاة ومصابيح الدجى رسول الله محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين من كلّ عيب ورجس والمطهرين من كل سوء وعيب، فلعن الله تعالى ظالميهم ومبغضيهم ومنكري معارفهم وفقههم ومعاجزهم وكراماتهم وفضائلهم وظلاماتهم ومنازلهم وولايتهم إلى قيام يوم الدين..وبعد.
السؤال حول الشخصية العظمى أمير المؤمنين وإمام المتقين مولانا الإمام الأعظم أبي الحسن المرتضى عليّ صلى الله عليه وأهل بيته الطاهرين أجمعين لهو سؤال كبير يحتاج إلى جواب كبير يعطي تلك الشخصية العظيمة حقها... وأين لنا من ذاك البحر الزخار الذي لا يمكن الولوج في أمواجه والسباحة في مائه الهدار...!!! ولكن كما قال هذا الرجل العظيم مولانا أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه وآله: ( ما لا يدرك كلّه لا يترك كله" وفي تعبيرٍ آخر له روحي فداه قال عليه السلام: ( الميسور لا يسقط بالمعسور) وها نحن نحاول أن نسبر بعض شواطئه الشريفة عسانا نلتقط بعض درره ولؤلؤه الثمين راجين أن يكتبنا في لائحة خدامه وممن يلتمس أن يربط له شريط نعله أو حذائه..وسوف لن يرتجف قلمي في الكتابة عن السر المكنون لهذا الرجل العظيم أرواحنا فداه وتبقى الكتابة ناقصة لا تفيه حقه ..ومن أنا حتى أوفيه حقه وما أنا إلا غبرة على نعله الشريف..! وها أنا أتشرف بالجواب عن السؤالين اللذين تفضل بهما أحد المؤمنين الأفاضل رضا .... دامت تسديداته وتوفيقاته..وهذان السؤالان هما الآتي:
السؤال الأول:بأي صفة وبأي شخصية كان وجود أمير المؤمنين (ع) مع الأنبياء السابقين؟
السؤال الثاني:ما هو الدور ووجه الإنتفاع من وجود مولانا أمير المؤمنين (ع) مع كل نبي وقت بعثه؟...
والجواب:
للإجابة على هذين السؤالين ينبغي أن نقسم البحث إلى ثلاث نقاط رئيسية حتى يتضح حقيقة الكينونة العلوية على صاحبها آلاف السلام والتحية مع الأنبياء باطناً ثم مع الرسول ظاهراً, فنقول وبه نستعين, أن البحث يدور حول نقاط:
(النقطة الأولى): حول سند الرواية الحاكية عن وجوده الأقدس مع الأنياء باطناً.
(النقطة الثانية): هل تدخل المسألة في التقمص الذي يقول به الدروز وهل أن مجرد انتقال الروح العلوية عبر الأطوار يعتبر تناسخاً؟.
(النقطة الثالثة): كيف نعالج وجود أمير المؤمنين المقدس قبل ولادته الجسدية وصور تعدده الشريفة؟.
*(البحث في النقطة الأولى):
لقد جاء في أخبار متعددة _أورد السيد هاشم البحراني أعلى الله مقامه الشريف في كتابه الشريف مدينة المعاجز ج1 ص 142-144 عدداً وافراً منها حدود ستة أخبار نقلاً عن الحافظ رجب البرسي أعلى الله مقامه في كتابه مشارق أنوار اليقين _ تدل على الوجود الكوني لأمير المؤمنين عليه السلام منذ عهد النبي نوح عليه السلام نزولاً إلى عهد النبي سليمان وموسى وهارون عليهم السلام وبالرغم من كثرة هذه الأخبار حيث تجاوزت حد الإستفاضة فإنها محذوفة الأسانيد, والحذف قد يتخذه مَنْ في قلبه ذريعة للتشكيك في تلكم الأحاديث الشريفة الدالة على علو فضل أمير المؤمنين (عليه السلام), والتشكيك بالكرامات والمعاجز علامة النفاق عند المتظاهر بالإيمان والولاء, فحتى لا يكون حذف الأسانيد ذريعة لبذر الفتنة حول معاجز سيد الأولياء أمير المؤمنين وإمام المتقين(عليه السلام) لا بد لنا من علاج هذه الروايات الشريفة _الدالة على علو فضله_ من الناحية الرجالية وعلم الحديث والدراية فنقول وبه نستعين:
_ أن صحة أي خبر سواء أكان فقهياً أو عقائدياً أو تاريخياً أو تكوينياً ترتبط بجهتين في علم الأصول:
(الجهة الأولى): أن يكون الخبر مدلولاً عليه بالخبر الثقة الذي لا يُحتمل عادةً في حقه الكذب والتلفيق.
(الجهة الثانية): أن يكون الخبر مدلولاً عليه بالخبر الموثوق الصدور وهو الخبر التي دلت القرائن على صحته، ونعني بالقرائن الإشارات والمقدمات الدالة على صحة الخبر المنقول إلينا بواسطة رواة، فالمعول على مدلول الخبر المتوافق مع القرائن من الكتاب والسنة وغير ذلك وليس المعوّل على نفس الراوي كراوٍ للحديث, والقرينة قد تكون لبيَّة (وهي كل ما يساهم في تحديد المراد الجدي للكلام من غير الألفاظ) وقد تكون لفظية وهي (كل ما يتصل بالكلام من لفظ أو غيره فيتحدد به المراد الجدي للمتكلم.
والقرينة اللفظية تارة تكون متصلة :كما لو قال المتكلم "أكرم كل عالم إلا أن يكون فاسقاً" فالقرينة هي الإستثناء, ولولاها لكان ظاهر كلام المتكلم هو وجوب إكرام جميع العلماء إلا أن مجيئها أنتج تحديد المراد الجدي للمتكلم وأنه لا يقصد العموم رغم استعماله للفظٍ يعبر عن العموم وهو لفظ "كل".
ومنشأ التعبير عن هذه القرينة بالمتصلة هو وقوعها في سياق كلام المتكلم واتصالها به.
وأخرى تكون منفصلة :كما لو قال المتكلم "أكرم كلَّ العلماء" ثم يقول في خطاب آخر "لا تكرم فساق العلماء" فالخطاب الثاني قرينة منفصلة يتحدد بها المراد الجدي من الخطاب الأول وأنه لا يريد إكرام الفساق من العلماء.
_وقد وقع خلاف بين الأعلام حول صحة الجهة الثانية ( أي جهة كون الخبر موثوق الصدور) مع اتفاقهم ضمنياً على الأخذ بالخبر الثقة، فمشهور المتقدمين وثلة من المتأخرين تبنوا نظرية الخبر الموثوق الصدور في مجال استنباط الأحكام الشرعية وغيرها من القضايا التاريخية والتكوينية والأخلاقية وفي مجال الأدعية والزيارات والتوسلات والفضائل والمعجزات والكرامات بخلاف مشهور المتأخرين الذين شددوا على وجوب الأخذ بالخبر الثقة ولم يعطوا أهمية لغيره مع أنهم أعرضوا عن أخبار صحيحة سنداً, فهم من الناحية العملية قد عملوا بحجية الخبر الموثوق الصدور لا الخبر الثقة... وبالغض عن كل ذلك فإن روايات الفضائل والمعاجز والكرامات يجوز الأخذ بها بل يجب ذلك ما دامت لاتعارض الكتاب والسنة ودليل العقل الشرعي وذلك لأن أخبار الفضائل والكرامات والمعاجز لا تحكي عن الفعل الشرعي للمكلفين بل هي مبيّنة ومؤكّدة للأدلة الدالة على طهارة صاحب المعجزة والكرامة والفضيلة فهي خارجة عن محل التكليف.
وبعبارة أوضح: أن ما عدا الحكم التكليفي الخاص بالمكلّف يكون خارجاً عن التكليف به شخصياً بل هوحاكٍ عن تكليف غيره من المعصومين أو أنه واصف لحال المعصوم عليه السلام بما هو عليه من الفضل والكرامة فلا يحتاج الخبر الواصف لغير المكلف أن يكون صحيحاً من الناحية السندية...بالإضافة إلى أن حجية الخبر الواحد إنما هي خاصة بالمكلف بالتكليف الشرعي الإلزامي ولا علاقة لها بالتكليف الشرعي غير الإلزامي كالمستحب والمباح...فضلاً عن أنها خارجة عن الأوصاف الحاكية للفضائل والملاحم والتواريخ والحوادث التكوينية شريطة أي يكون الوصف مديحاً لا ذمّاً أو إنتقاضاً وإلا لصدق على الخبر الناقل بأنه مصداق لقوله تعالى ( أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
_وكون هذه الروايات مرسلة لا يضر بصحة التمسك بها وذلك لأمرين:
الأول: أن المرسل ينجبر بعمل الأصحاب.
الثاني: أن الإرسال لا يضر مع كثرة الرواية.
وبالجملة: سواء قلنا بحجية الخبر الثقة أو الموثوق الصدور, فإن خبر وجود أمير المؤمنين (عليه السلام) مع الأنبياء باطناً صحيح من الناحية الدلالية, ولا بأس به من الناحية السندية حتى ولو كان مرسلاً فإن الإرسال لا يضر مع كثرة الروايات المتعلقة بوجود أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين مع الأنبياء باطناً..هذا بالإضافة إلى أنه لا يشترط قوة السند في أخبار الفضائل والمعاجز لأن المطلوب في أخبار الفضائل والمعاجز والكرامات عقد القلب على المعارف اليقينية والتسليم لفضائل الحجج الطاهرين الذين لولاهم ما خلق الله تعالى الخلق (لولاكم لما خلقت الأفلاك).
*(النقطة الثانية):
هل تدخل المسألة في مفهوم التقمص؟ وهل أن مجرد انتقال الروح عبر الأطوار يعتبر تناسخاً؟.
الجواب: إنَّ انتقال الروح المجردة إلى جسد مثالي آخر لا يدل على وجود تناسخ لأن مفهوم التناسخ هو عبارة عن الإنتقال الروحي إلى أجساد متعددة بنية الثواب والعقاب أي أن تعدد الروح عبر الأجساد المتكررة إنما هو لأجل تعذيب الروح أو تنعيمها بواسطة الجسد الذي انتقلت إليه, والتناسخيون لا يعتقدون بوجود جنة ونار أخروية بل هما _أي الجنة والنار_ في عالم الدنيا ولا ثمة عالم آخروي غير هذا العالم الدنيوي, فالفرق بين التجرد الروحي عبر الجسد المثالي وبين التناسخ واضح كما أشرنا أعلاه, فأصحاب التجرد الروحي _وهم أتباع الشرائع السماوية كاليهود والنصارى والمسلمون_ يؤمنون بوجود عالم أُخروي فيه عذاب ونعيم ولا يؤمنون بالتقمص أو ما يسمى بالتناسخ بل إن فكرة التناسخ منشؤها وثني بوذي كما فصّلنا ذلك في كتابنا (الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية ج1 باب عقيدتنا في المعاد الجسماني) فليُراجع.
الفرق بين التناسخ والتجرد المثالي
_والفرق بين التناسخ والتجرد الروحي في عالم الصور المثالية من وجوه:
(الوجه الأول): إن النتاسخ عبارة عن خروج الروح من جسد وانتقالها إلى جسد آخر لأجل التنعيم أو التعذيب فالروح في مفهوم التجسد كانت في جسد مادي ثم انتقلت إلى جسد مادي آخر, بخلاف التجرد الروحي عند أمير المؤمنين (عليه السلام) قبل حلوله في جسده المادي كان روحاً في قالب مثالي ثابت لم ينتقل من جسد إلى جسد آخر كما هو حاصل في التجسد التناسخي بل إنه جسد واحد قبل عالم الأبدان كان في قالب مثالي وهو ما عبرت عنه الأخبار إنهم عليهم السلام كانوا أشباح نور قبل عالم الدنيا أو قبل تسلسلهم في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة...ومعنى (أشباح) أي صور مثالية كانت قالباً لأرواحهم المقدسة، وبهذا القالب كانوا يتنقلون في العوالم العلوية والسفلية معلِّمين للملائكة ومنقذين للأنبياء من الهلكة باعتبار أن أئمتنا الطاهرين (عليهم السلام) _وفي طليعتهم أمير المؤمنين (عليه السلام)_ وهو ما جاءنا من الأخبار الشريفة التي نقلها لنا الحافظ الجليل رجب البرسي أعلى الله مقامه الشريف في كتابه الشريف مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين (ع) وقد نقلها عنه المحدث الجليل السيد هاشم البحراني في كتابه الجليل مدنية المعاجز الجزء الأول / من الباب الرابع والعشرين إلى الباب السابع والعشرين/ حديث الجنّي الذي كان عند رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن ننقلها لكم ليتضح الصبح لذي عينين وهي التالي:
81_البرسي: قال: أخبر أصحاب التواريخ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان جالساً وعنده جنيّ يسأله عن قضايا مشكلة, فأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) فتصاغر الجنيّ، حتى صار كالعصفور، ثمّ قال: أخبرني يا رسول الله. قال: عمّن؟ فقال: من هذا الشاب المقبل؟ قال: وما ذاك:؟ قال الجنيّ: أتيت سفينة نوح لأغرقها يوم الطوفان، فلّما تناولتها ضربني هذا فقطع يدي، ثمّ أخرج يده مقطوعة، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): هو ذاك.
82_البرسي: قال: بهذا الإسناد إن جنيّاً كان جالساً عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) فاستغاث الجنيّ وقال: أجرني ( يا رسول الله من هذا الشاب المقبل. قال: ما فعل بك؟ قال: تمردت على سليمان، فأرسل إليّ نفراً من الجنّ، فطلت عليهم، فجاءني هذا الفارس، فأسرّني وجرحني، وهذا مكان الضربة إلى الآن لم تندمل.
83_ من طريق المخالفين ما رواه صاحب فضائل العشرة: إن جنيّاً كان جالساً في مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخل عليٌّ (عليه السلام) فغاب الجنيّ، فلمّا خرج عليّ عاد الجنيّ إلى مكانه، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) لم غبت عند حضور[الإمام] عليّ عليه السلام؟ فقال: يا رسول الله إن عليّاً جرحني. قال: وكيف؟ ولم تظهر إلا في زمن سليمان (ع) ثمّ قال (صلى الله عليه وآله): إنّ الله تعالى خلق ملكاً على صورة عليّ يقاتل مع الأنبياء.
ملاحظة وتنبيه: كل الأخبار المتعلقة بسبق وجود أمير المؤمنين عليّ عليه السلام دلت على وجوده حقيقة إلا هذا الخبر الدال على أن الله تعالى خلق ملكاً بصورة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وهو على ضعفه السندي من حيث كونه من طرق المخالفين الذين ينكرون تقدم سبق الأرواح على الأجسام لا سيما أرواح أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام..بالإضافة إلى أنَّ وجود روح أمير المؤمنين عليه السلام قبل جسده الشريف تسجل على القوم حجة كبرى عليهم لإقرارهم حينئذٍ بفضائله الكبرى التي تضاهي كرامات النبيّ الأعظم محمد صلى الله عليه وآله، وعلى كلِّ حال فإن نفس إعترافهم بوجود ملك بصورة إمام المتقين سيدنا المعظم أمير المؤمنين عليّ عليه السلام يعتبر دليلاً مهماً على عظمة مولانا أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وقربه من الله تعالى ما يصبغ عليه صفة العصمة لأن تشبه الملك المعصوم بالهيكل المعظم لأمير المؤمنين عليه السلام يستلزم عصمته وعلو منزلته ومساواته لرسول الله صلى الله عليه وآله..ووجود صورته على هيكل الملاك لا يتعارض مع الأخبار الأُخرى الدالة على أن روحه المقدسة كانت في قالب مثالي وأنه كان حقيقة مع الأنبياء وليس صورته على هيكل الملاك وذلك لوجود قرينة واضحة في الأخبار تشير إلى أنه صلوات الله عليه أيد به النبيين سراً..ولا يصلح التأييد إلا بالوجود الحقيقي لروحه المقدسة وليس بوجوده الصوري الملقى على الملك فلا يطلق عليه بأنه ناصر للأنبياء بل كان المناسب إطلاق لفظ آخر عليه بأن الله نصر الأنبياء بملك متصوراً بصورة الإمام عليّ عليه السلام وهو منتفٍ وجوده في الأخبار التي صرحت بأن الله تعالى أيد به الأنبياء سراً وأيد به رسول الله جهراً ...فتأييد النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله جهراً معطوفاً على تأييد الأنبياء به سراً دلالة أخرى على وجوده الحقيقي مع الأنبياء كما كان موجوداً حقيقةً مع رسول الله محمد صلى الله عليه وآله..يرجى التدبر جيداً.
84_ البرسي: قال: روي أنّ فرعون _لعنه الله_ لمّا لحق هارون(ع) بأخيه موسى(ع) دخلا عليه يوماً، وأوجسا خيفة منه، فإذا فارس يقدمهما، ولباسه من ذهبٍ، وبيده سيف من ذهبٍ، وكان فرعون يحبّ الذهب، فقال لفرعون: أجب هذين الرجلين ,وإلا قتلتك، فانزعج فرعون لذلك، وقال: عودا إليّ غداً، فلمّا خرجا دعا البوابين، وعاقبهم وقال: كيف دخل عليّ هذا الفارس بغير إذن؟ فحلفوا بعزّة فرعون (انّه) ما دخل إلا هذان الرجلان، وكان الفارس مثال عليّ (هذا) الذي أيّد الله به النبيين سرّاً، وأيّد به محمّداً جهراً لأنّه كلمة الله الكبرى التّي أظهرها الله لأوليائه فيما شاء من الصور، فنصرهم بها وبتلك الكلمة يدعون (الله) فيجيبهم، وينجيهم، والآيه الإشارة بقوله " ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بآياتنا ".
وقال ابن عبّاس: كانت الآية الكبرى لهما هذا الفارس (والسلطان).
85_وأيضاً البرسي: قال المفسّرون في معنى هذه الآية: كانت الآية والسلطان صورة عليّ وكذا لسائر النبيين.
86_وقال أيضاً: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي إنّ الله أيّد بك النبيين سرّاً، وأيّدني بك جهراً.
وما يؤيد وجوده السري مع الأنبياء كونه الوليّ الأكبر لله تعالى والآية العظمى الباهرة لله تعالى ما صدر منه من محاربته للجن في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وقد ورد بخبر مستفيض اشتهر بخبر عطرفة الجني، أورده السيد الجليل هاشم البحراني في مدينة المعاجز الجزء الأول بسندين عن سلمان الفارسي رضي الله عنه ، وقد رواه البحراني نقلاً عن إبن شهر أشوب في كتاب المناقب ونقلاً عن السيد المرتضى في عيون المعجزات وقد أقر السيد المرتضى رحمه الله تعالى بأن الخبر معروف عند علماء الشيعة، وقد نقله السيد المرتضى عن كتاب الأنوار لصاحبه الجليل أبي عليّ محمد بن أبي بكر همام بن سهيل الكاتب الأسكافي المولود عام 258 والمتوفى عام 336هـ وقد وثقه النجاشي قائلاً عنه بأنه شيخ أصحابنا ومتقدميهم وله منزلة عظيمة...فمن كانت له هذه المنقبة وهي محاربته للجن التي تتطلب إيماناً كاملاً وقدرات ربانية هائلة لا يمكن مساواته مع سائر المؤمنين أو بعض الصحابة الذين يتشدق المخالفون بعلو درجاتهم ويخصون بالذكر أبا بكر وعمر وعثمان، فليكشفوا لنا عن مناقبهم العالية كتلك المناقب التي اتصف بها أمير المؤمنين عليه السلام بإعتراف علمائهم المنصفين ...!.
(الوجه الثاني): التجرد الروحي بالجسد المثالي يختلف عن التقمص الروحي المشروط فيه الخلع واللبس المتكرر بمعنى أن الروح في المفهوم التناسخي تنتقل عبر أجساد متعددة أصلية في حين أنها _في المفهوم التجردي_ باقية في جسد مثالي واحد ولا تنتقل من جسد إلى آخر لأجل النعيم أو التعذيب المشروطين في التقمص.
(الوجه الثالث): للتناسخ حالات وانتقالات عدة، كل حالة يُصطلح عليها باسمٍ خاص عندهم _كما فصلناه في كتابنا الفوائد البهية ج1 ص633.
وهذه الحالات هي أربعٌ:
1_النسخ: وهو انتقال النفس بالموت من البدن الأول المادي إلى بدن آخر مادي في هذه النشأة.
2_المسخ: هو الرجوع إلى بدن حيواني، فإن كان محسناً فإلى حيوان سعيد، وإن كان مسيئاً فإلى حيوان شقي.
3_ الفسخ: وهو انتقال إلى شجر ونبات.
4_الرسخ: وهو انتقال إلى حجر وجماد.
وهذه أقسام التناسخ في مدارج النزول، وهناك أقسام أخرى في مدارج الصعود نلخصها بالبيان التالي هو :
إن النفس في بدء وجودها إنما توجد في صورة أحسن النباتات ثم تتدرج بالصعود إلى أرقى الدرجات لتصل إلى درجة الحيوان الذي هو أشرف من النبات ثم تتدرج لتصل إلى النوع الإنساني وبعده تتصل بأجرام فلكية غاية استكمالها النهائي فتصبح في عالم المجردات متحدة مع العقول ومن كانت بهذه الصفة فهي مع السعداء، وأما الأشقياء فتنتكس نفوسهم في مظاهر الظلمانيات لتخلد إلى الأرض مع الأبد.
فيتلخص مما ذكرنا: أن النفس لا تزال تنتقل ضمن أجسادها هابطة أو صاعدة.
ويترتب على القول بالتناسخ محذورات:
الأول: الإستخفاف بقدرة الله تبارك شأنه حيث إن الإعتقاد بإنتقال الروح من بدن إلى بدن آخر ــ بحسب نظرية التناسخ ــ دليل عجز الإله على أن يخلق لكل بدن روحاً خاصة به (تعالى الله تعالى عن العجز علواً كبيراً ).
الثاني: إنكار المعاد الجسماني وهو عودة الأرواح إلى أجسادها الأصلية يوم القيامة، مع أن المسلمين مجمعون على صحة المعاد الجسماني لصريح الآيات والأخبار بذلك.
وبالجملة: إن مجرد إنتقال الروح من جسد إلى جسد آخر أصلي كالأول أو مخالف له بالماهية _كأن تتحول الروح إلى جسد حيوان أو حجر أو شجر _ كافٍ في أن يكون باطلاً بخلاف التجرد الروحي عبر صورة واحدة لا تعدد فيها لأجل الثواب والعقاب لصاحبها، وعلى فرض التعدد لا يكون مشابهاً للتناسخ الباطل.
(الوجه الرابع): إن الإنتقال من جسد إلى جسد في مورد التناسخ إنما يكون مشروطاً بالجزاء الأخروي بمعنى أن نفس الإنتقال من جسد إلى جسد يكون على وجه العقاب أو الثواب... بخلاف التجرد الروحي فإنه ليس كذلك بل هو مجرد روح موضوعة في قالب واحد تماماً كإنتقال النفس بعد الموت إلى بدن مثالي آخر في عالم البرزخ وكحشر بعض الناس يوم القيامة على صور البهائم والحشرات... فهو حشر لهم بصورة حيوان كالمسخ الذي يصيب أناساً من أهل العناد والنصب والعداوة، فإن المسخ الذي هو عبارة عن بقاء الروح في جسدها الأصلي الذي تحول من الجسد الإنساني إلى جسد حيوان، فالتغير حصل في جزئيات الجسم الإنساني التي تحولت من الأجزاء الإنسانية إلى أجزاء حيوانية... فالتجرد الروحي الحاصل لأمير المؤمنين (ع) قبل تسلسله في الأصلاب الشامخة إنما هو صورة مثالية حاملةً للروح الإنسانية، والبدن المثالي يختلف بطبيعته عن البدن الأصلي المعتبر وجوده في النسخ....وقد استفضنا البحث في مسألة التناسخ والفرق بينه وبين التجرد المثالي في كتابنا " الفوائد البهية ج1 الباب الأربعون " ....
تعليق