إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

موسوعة نساء خالدات

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • موسوعة نساء خالدات

    السيّدة حميدة المغربية (عليها السلام) والدة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)
    نسبها
    هي السيدة حميدة المغربية (البربرية) بنت صاعد البربري.
    لقبها: لؤلؤة.
    وقد لقبها الإمام الباقر (عليه السلام) بالمحمودة، حيث قال لها: «أنت حميدة في الدنيا، محمودة في الآخرة»(1).
    ولقبها الإمام الصادق (عليه السلام) بالمصفاة من الأدناس(2).
    والسيدة حميدة من أهل بربر، وقيل: إنها أندلسية.
    وكانت من المتّقيات الثقاة.
    وكانت الملائكة تحرسها، كما في الحديث الشريف(3).
    وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يرسلها مع اُمّ فروة لقضاء حقوق أهل المدينة.
    وكانت من أشراف العجم(4).

    قصة زواجها
    وقصة زواج السيدة حميدة (عليها السلام) بالإمام الصادق (عليه السلام) تتضمّن كرامات عديدة، حيث ورد أنّ ابن عكاشة بن محصن الأسدي دخل على أبي جعفر(عليه السلام)، وكان أبو عبد الله (عليه السلام) قائماً عنده، فقدّم إليه عنباً، فقال: حبة حبة يأكله الشيخ الكبير والصبي الصغير، وثلاثة وأربعة يأكله من يظن أنه لايشبع، وكله حبّتين حبّتين فإنه يستحب.
    فقال لأبي جعفر (عليه السلام): لأي شيء لا تزوّج أبا عبد الله (عليه السلام)، فقد أدرك التزويج؟
    قال: وبين يديه صرّة مختومة.
    فقال: سيجيء نخّاس(5) من أهل بربر فينزل دار ميمون فنشتري لـه بهذه الصرّة جارية.
    قال: فأتى لذلك ما أتى.
    فدخلنا يوماً على أبي جعفر (عليه السلام)، فقال: «ألا اُخبركم عن النخّاس الذي ذكرته لكم؟ قد قدم، فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرّة منه جارية».
    قال: فأتينا النخّاس، فقال: قد بعت ما كان عندي، إلاّ جاريتين مريضتين إحداهما أمثل من الاُخرى.
    قلنا: فأخرجهما حتى ننظر إليهما، فأخرجهما.
    فقلنا: بكم تبيع هذه الجارية المتماثلة؟
    قال: بسبعين ديناراً.
    قلنا: أحسن.
    قال: لا أنقص من سبعين ديناراً.
    قلنا: نشتريها منك بهذه الصرّة ما بلغت ولا ندري ما فيها، وكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية قال: فكّوا وزنوا.
    فقال: النخّاس: لا تفكّوا فإنّها إن نقصت حبّة من سبعين ديناراً لم اُبايعكم.
    فقال الشيخ: ادنوا.
    فدنونا وفككنا الخاتم ووزنا الدنانير فإذا هي سبعون ديناراً لا تزيد ولا تنقص.
    فأخذنا الجارية فأدخلناها على أبي جعفر (عليه السلام) وجعفر (عليه السلام) قائم عنده، فأخبرنا أبا جعفر (عليه السلام) بما كان.
    فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال لها: ما اسمك؟
    قالت: حميدة.
    فقال: حميدة في الدنيا محمودة في الآخرة، أخبريني عنك، أبكر أنت أم ثيّب؟
    قالت: بكر.
    قال: وكيف ولا يقع في أيدي النخّاسين شيء إلاّ أفسدوه؟
    فقالت: قد كان يجيئني فيقعد منّي مقعد الرجل من المرأة فيسلّط الله عليه رجلاً أبيض الرأس واللحية فلا يزال يلطمه حتّى يقوم عنّي، ففعل بي مراراً، وفعل الشيخ به مراراً.
    فقال (عليه السلام): يا جعفر خذها إليك، فولدت خير أهل الأرض موسى بن جعفر(عليه السلام)(6).
    المولود المبارك
    عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «حميدة مصفّاة من الأدناس كسبيكة الذهب، ما زالت الأملاك تحرسها، حتى أدّت إليّ كرامة من الله لي، والحجّة من بعدي»(7).
    وعن أبي بصير قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) في السنة التي ولد فيها ابنه موسى(عليه السلام)، فلمّا نزلنا الأبواء، وضع لنا أبو عبد الله (عليه السلام) الغداء ولأصحابه، وأكثره وأطابه، فبينا نحن نتغدى إذ أتاه رسول حميدة: أنّ الطلق قد ضربني، وقد أمرتني أن لا أسبقك بابنك هذا.
    فقام أبو عبد الله (عليه السلام) فرحاً مسروراً، فلم يلبث أن عاد إلينا حاسراً عن ذراعيه، ضاحكاً سنُّه.
    فقلنا: أضحك الله سنّك، وأقرّ عينك ما صنعت حميدة؟
    فقال: «وهب الله لي غلاماً، وهو خير مَن برأ الله (أي خلق الله من العدم) ولقد خبّرتني بأمر كنت أعلم به منها».
    قلت: جعلت فداك وما خبّرتك عنه حميدة؟
    قال: «ذكرت أنه لمّا وقع من بطنها، وقع واضعاً يديه على الأرض، رافعاً رأسه إلى السماء، فأخبرتها أنّ تلك أمارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأمارة الإمام (عليه السلام) من بعده(8)، الحديث.
    وفي رواية أخرى:
    عن أبي بصير قال: حججنا مع أبي عبد الله (عليه السلام) في السنة التي ولد فيها ابنه موسى (عليه السلام) فلما نزلنا الأبواء وضع لنا الغداء وكان إذا وضع الطعام لأصحابه أكثر وأطاب، قال: فبينا نحن نأكل إذ أتاه رسول حميدة فقال له: إن حميدة تقول: قد أنكرت نفسي وقد وجدت ما كنت أجد إذا حضرت ولادتي وقد أمرتني أن لا أستبقك بابنك هذا.
    فقام أبو عبد الله (عليه السلام) فانطلق مع الرسول.
    فلما انصرف قال لـه أصحابه: سرك الله وجعلنا فداك فما أنت صنعت من حميدة؟
    قال: «سلمها الله وقد وهب لي غلاما وهو خير من برأ الله في خلقه، ولقد أخبرتني حميدة عنه بأمر ظنت أني لا أعرفه ولقد كنت أعلم به منها».
    فقلت: جعلت فداك وما الذي أخبرتك به حميدة عنه؟
    قال: ذكرت أنه سقط من بطنها حين سقط واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء، فأخبرتها أن ذلك أمارة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأمارة الوصي من بعده.
    فقلت: جعلت فداك وما هذا من أمارة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأمارة الوصي من بعده؟
    فقال لي: «إنه لما كانت الليلة التي علق فيها بجدي أتى آت جد أبي بكأس فيه شربة أرق من الماء وألين من الزبد وأحلى من الشهد وأبرد من الثلج وأبيض من اللبن فسقاه إياه وأمره بالجماع، فقام فجامع فعلق بجدي، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بأبي أتى آت جدي فسقاه كما سقى جد أبي وأمره بمثل الذي أمره فقام فجامع فعلق بأبي، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بي أتى آت أبي فسقاه بما سقاهم وأمره بالذي أمرهم به فقام فجامع فعلق بي، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بابني أتاني آت كما أتاهم ففعل بي كما فعل بهم، فقمت بعلم الله وإني مسرور بما يهب الله لي فجامعت فعلق بابني هذا المولود، فدونكم فهو والله صاحبكم من بعدي، إن نطفة الإمام مما أخبرتك، وإذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر وأنشئ فيها الروح بعث الله تبارك وتعالى ملكا يقال لـه حيوان فكتب على عضده الأيمن (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم((9) وإذا وقع من بطن أمه وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء، فأما وضعه يديه على الأرض فإنه يقبض كل علم لله أنزله من السماء إلى الأرض، وأما رفعه رأسه إلى السماء فإن مناديا ينادي به من بطنان العرش من قبل رب العزة من الأفق الأعلى باسمه واسم أبيه يقول: يا فلان بن فلان اثبت تثبت فلعظيم ما خلقتك أنت صفوتي من خلقي وموضع سري وعيبة علمي وأميني على وحيي وخليفتي في أرضي، لك ولمن تولاك أوجبت رحمتي ومنحت جناني وأحللت جواري، ثم وعزتي وجلالي لأصلين من عاداك أشد عذابي وإن وسعت عليه في دنياي من سعة رزقي، فإذا انقضى الصوت صوت المنادي أجابه هو واضعا يديه رافعا رأسه إلى السماء يقول: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم((10)».
    قال: «فإذا قال ذلك أعطاه الله العلم الأول والعلم الآخر واستحق زيارة الروح في ليلة القدر».
    قلت: جعلت فداك الروح ليس هو جبرئيل؟
    قال: الروح هو أعظم من جبرئيل، إن جبرئيل من الملائكة وإن الروح هو خلق أعظم من الملائكة، أليس يقول الله تبارك وتعالى: (تنزل الملائكة والروح((11)»(12).
    بخ بخ لك
    وقالوا: لما ولد موسى بن جعفر (عليه السلام) دخل أبو عبد الله (عليه السلام) على حميدة البربرية أم موسى (عليه السلام) فقال لها: «يا حميدة بخ بخ حل الملك في بيتك»(13).
    راعيتها لزوجها
    وكانت السيدة حميدة مهتمة برعاية زوجها الإمام الصادق (عليه السلام).
    عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ولقد آذاني أكل الخل والزيت حتى إن حميدة أمرت بدجاجة مشوية فرجعت إلي نفسي»(14).
    أولادها
    وقد رزقها الله من الإمام الصادق (عليه السلام)، مضافاً إلى الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام): إسحاق ومحمد وفاطمة(15).
    فقهها
    كانت السيدة حميدة فقيهة بمذهب أهل البيت (عليهم السلام)وكان الإمام الصادق(عليه السلام) يرجع النساء إليها في تعلم الأحكام الشرعية والسؤال عن المسائل الفقهية وما أشبه.
    عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: قلت له: إن معنا صبيا مولوداً فكيف نصنع به؟
    فقال (عليه السلام): «مر أمه تلقى حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها».
    فأتتها فسألتها كيف تصنع؟
    فقالت: (إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه وجردوه وغسلوه كما يجرد المحرم، وقفوا به المواقف، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه واحلقوا رأسه، ثم زوروا به البيت، ومري الجارية أن تطوف به بين الصفا والمروة)(16).

    روايتها
    وكانت السيدة حميدة (عليها السلام) من رواة أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
    روى أبو بصير قال: دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله (عليه السلام) فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) عند الموت لرأيت عجباً، فتح عينيه ثم قال: «اجمعوا كل من بيني وبينه قرابة» قالت: فما تركنا أحداً إلا جمعناه، فنظر إليهم ثم قال: «إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة»(17).
    وفي حديث آخر: قال (عليه السلام): «إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة ولم يرد علينا الحوض من يشرب من هذه الأشربة» فقال لـه بعضهم: أي أشربة هي؟ فقال: «كل مسكر»(18).
    تزويج ابنها
    كانت السيدة حميدة (عليها السلام) ذات مكانة عالية عند أهل البيت (عليهم السلام)، وقد اهتمت بأمر تزويج ولدها الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وهي التي اشترت السيدة نجمة (تكتم) والدة الإمام الرضا (عليه السلام) لولدها وزوجته منه بأمر الإمام الصادق(عليه السلام)، بل بأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أيضاً.
    عن علي بن ميثم عن أبيه قال: (لما اشترت حميدة أم موسى بن جعفر (عليه السلام) أم الرضا (عليه السلام) نجمة ذكرت حميدة أنها رأت في المنام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول لها: «يا حميدة هي نجمة لابنك موسى، فإنه سيولد لـه منها خير أهل الأرض» فوهبتها له، فلما ولدت لـه الرضا (عليه السلام) سماها الطاهرة، وكانت لها أسماء منها: نجمة وأروى وسكن وسمان وتكتم وهو آخر أساميها)(19).
    وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) عن عون بن محمد الكندي قال: سمعت أبا الحسن علي بن ميثم يقول: ما رأيت أحداً قط أعرف بأمر الأئمة (عليهم السلام)وأخبارهم ومناكحهم منه، قال: اشترت حميدة المصفاة وهي أم أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) وكانت من أشراف العجم جارية مولدة واسمها تكتم، وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة حتى أنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالا لها، فقالت لابنها موسى (عليه السلام): يا بني إن تكتم جارية ما رأيت جارية قط أفضل منها ولست أشك أن الله تعالى سيطهر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتها لك فاستوص بها خيرا، فلما ولدت لـه الرضا ع سماها الطاهرة)(20).
    بكاؤها على زوجها
    وقد بكت السيدة حميدة على زوجها في وفاته وكلما كانت تذكره، كما مر في رواية أبي بصير قال: (دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله (عليه السلام) فبكت وبكيت لبكائها)(21).
    </B>(1) راجع الكافي: ج1 ص476 باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ضمن ح1.
    (2) الكافي: ج1 ص477 ح2.
    (3) الكافي: ج1 ص477 ح2.
    (4) انظر بحار الأنوار: ج49 ص4 ب1.
    (5) النخّاس: بائع الرقيق، (لسان العرب) مادّة نخس.
    (6) الكافي: ج1 ص477 باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ح1.
    (7) الكافي: ج1 ص477 ح2.
    (8) بصائر الدرجات: ص440 ب12 ح4.
    (9) سورة الأنعام: 115.
    (10) سورة آل عمران: 18.
    (11) سورة القدر: 4.
    (12) الكافي: ج1 ص385 باب مواليد الأئمة ? ح1.
    (13) بحار الأنوار: ج37 ص15 ب49.
    (14) وسائل الشيعة: ج25 ص47 ب16 ح31133.
    (15) بحار الأنوار: ج48 ص7 ب1ضمن ح10.
    (16) وسائل الشيعة: ج11 ص286 ب17 ح14817.
    (17) وسائل الشيعة: ج4 ص26 ب6 ح4423.
    (18) مستدرك الوسائل: ج17 ص57 ب11 ح20738.
    (19) بحار الأنوار: ج49 ص7 ب1 ح8.
    (20) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج1 ص14 ب2 ح2.
    (21) وسائل الشيعة: ج4 ص26 ب6 ح4423.

  • #2
    موسوعة نساء خالدات

    السيّدة شاه زنان (عليها السلام) بنت كسرى والدة الإمام زين العابدين (عليه السلام)


    نسبها
    هي السيدة الجليلة: شهربانوية بنت يزدجر بن شهريار بن كسرى ملك الفرس، ولقبها: (شاه زنان) أي ملكة النساء(1).
    سمّاها أمير المؤمنين (عليه السلام): (مريم).
    وقيل: سمّاها ب‍ (فاطمة).
    وقيل: إنّ اسمها (خولة) وسمّاها أمير المؤمنين (عليه السلام) ب‍ (شاه زنان).
    وقيل: إنّ اسمها (برّة بنت النوشجان).
    وقيل: إن اسمها (سلافة) أو (سلامة).
    وقيل: إن اسمها (غزالة).
    ولعلها كانت لها عدة أسماء وألقاب.
    فهي حفيدة كسرى الملك الذي لقب بالعادل حيث قال فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «ولدت في زمان الملك العادل صالح»(2)، والمراد بذلك هو عدالته في دينه ومبدئه، أو عدالته النسبية كما لا يخفى.
    وقد تزوّجت (شاه زنان) الإمام الحسين (عليه السلام) وولدت لـه الإمام زين العابدين(عليه السلام)، وهي جدّة الأئمّة (عليهم السلام).

    ما اسمك؟
    وفي بحار الأنوار:
    قال علي (عليه السلام) لها: ما اسمك؟
    قالت: شاه ‏زنان.
    فقال: نه شاه زنان نيست مكر دختر محمد، وهي سيدة النساء وأنت شهربانويه. أي إن سيدة النساء هي فاطمة بنت محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)دون غيرها(3).
    وخيرت أختها مرواريد فاختارت الحسن بن علي (عليه السلام) .
    أكرموا كريم قوم
    نقل أبو جعفر الطبري: لمّا ورد سبي الفرس إلى المدينة أراد عمر بن الخطاب بيع النساء وأن يجعل الرجال عبيداً، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أكرموا كريم كل قوم.
    فقال عمر: قد سمعته يقول: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وإن خالفكم.
    فقال لـه أمير المؤمنين (عليه السلام): هؤلاء قوم قد ألقوا إليكم السلم ورغبوا في الإسلام ولابدّ أن يكون لي فيهم ذرية وأنا اُشهد الله واُشهدكم أنّي قد أعتقت نصيبي منهم لوجه الله.
    فقال جميع بني هاشم: قد وهبنا حقّنا أيضاً لك.
    فقال: اللهم اشهد أنّي قد أعتقت ما وهبوا لي لوجه الله.
    فقال المهاجرون والأنصار: قد وهبنا حقّنا لك يا أخا رسول الله.
    فقال: اللهمّ اشهد أنّهم قد وهبوا لي حقّهم وقبلته واُشهدك أنّي قد أعتقتهم لوجهك.
    فقال عمر: لِمَ نقضت عليّ عزمي في الأعاجم وما الذي رغّبك عن رأيي فيهم.
    فأعاد عليه ما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في إكرام الكرماء.
    فقال عمر: قد وهبت لله ولك يا أبا الحسن ما يخصّني وسائر ما لم يوهب لك.
    فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): اللهم اشهد على ما قالوه وعلى عتقي إيّاهم.
    فرغب جماعة من قريش في أن يستنكحوا النساء، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): هنّ لا يكرهن على ذلك ولكن يخيّرن ما اخترنه عمل به.
    فأشار جماعة إلى شهربانويه بنت كسرى فخيّرت وخوطبت من وراء الحجاب والجمع حضور، فقيل لها: من تختارين من خطّابك، وهل أنت ممّن تريدين بعلاً؟
    فسكتت.
    فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): قد أرادت وبقي الاختيار.
    فقال عمر: وما علمك بإرادتها البعل؟
    فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كان إذا أتته كريمة قوم لا ولي لها وقد خطبت يأمر أن يقال لها: أنت راضية بالبعل، فإن استحيت وسكتت جعل إذنها صمتها وأمر بتزويجها، وإن قالت: لا، لم يكرهها على ما تختاره.
    وإنّ شهربانويه أريت الخطّاب فأومأت بيدها واختارت الحسين بن علي(عليه السلام) فاُعيد القول عليها في التخيير فأشارت بيدها وقالت: هذا إن كنت مخيّرة، وجعلت أمير المؤمنين (عليه السلام) وليّها وتكلّم حذيفة بالخطبة.
    فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): ما اسمك؟
    فقالت: شاه زنان بنت كسرى.
    قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنت شهربانويه واُختك مرواريد بنت كسرى؟
    قالت: آريه(4).
    وقال المبرد: (كان اسم اُمّ علي بن الحسين (عليه السلام) سلافة من ولد يزدجرد معروفة النسب من خيرات النساء، وقيل: خولة، ولقبه (عليه السلام) ذو الثفنات والخالص والزاهد والخاشع والبكّاء والمتهجّد والرهباني وزين العابدين وسيّد العابدين والسجّاد، وكنيته أبو محمد وأبو الحسن، بابه يحيى ابن اُمّ الطويل المدفون بواسط قتله الحجّاج لعنه الله)(5).
    ما حفظت عن أبيك؟
    في الإرشاد قال: سأل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) شاه ‏زنان بنت كسرى حين أسرت: ما حفظت عن أبيك بعد وقعة الفيل؟
    قالت: حفظت عنه أنه كان يقول: إذا غلب الله على أمر ذلت المطامع دونه، وإذا انقضت المدة كان الحتف في الحيلة.
    فقال (عليه السلام): «ما أحسن ما قال أبوك، تذل الأمور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير»(6).
    زواجها (عليها السلام)
    كانت السيّدة شهربانو من اُسراء الفرس الذين جاؤوا بهم إلى المدينة من بنات يزدجرد وكنّ ثلاث فتيات:
    1: تزوّجت واحدة منهنّ من عبد الله بن عمر، فأولدها سالم.
    2: والاُخرى من محمد بن أبي بكر، فأولدها القاسم.
    3: والثالثة من الإمام الحسين (عليه السلام) وأولدها الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، وقد اُسرت في عهد عمر، وإنه أراد بيعها، فنهاه الإمام علي (عليه السلام) وقال له: أعرض عليها أن تختار واحداً من المسلمين فاختارت الإمام الحسين بن علي(عليه السلام) ـ كما سبق ـ فأمره بحفظها والإحسان إليها، فولدت لـه خير أهل الأرض في زمانه.
    ولم يكن بعض أهل المدينة يرغبون في نكاح الجواري حتى ولد الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، فرغبوا فيهنّ.
    ابن الخيرتين
    عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «لمّا أقدمت بنت يزدجرد على عمر، أشرف لها عذاري المدينة، وأشرق المسجد بضوئها لمّا دخلته، فلمّا نظر إليها عمر، غطّت وجهها وقالت: «اَف بيروج بادا روى هرمز».
    فقال عمر: أتشتمني هذه وهمّ بها.
    فقال لـه أمير المؤمنين (عليه السلام): ليس ذلك لك، خيّرها رجلاً من المسلمين واحسبها بفيئه.
    فخيّرها، فجاءت حتى وضعت يدها على رأس الإمام الحسين (عليه السلام).
    فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): ما اسمك؟
    فقالت: جهان شاه.
    فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): بل شهربانويه.
    ثم قال للإمام الحسين (عليه السلام): يا أبا عبد الله، لتلدنّ لك منها خير أهل الأرض، فولدت الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، وكان يقال للإمام علي بن الحسين (عليه السلام): ابن الخيرتين، فخيرة الله من العرب هاشم، ومن العجم فارس(7).
    الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)يخطبها في عالم الرؤيا
    وفي بعض الأخبار أنها ـ شاه زنان ـ قامت ووضعت يدها على منكب الإمام الحسين (عليه السلام)، كأنّها كانت تعرفه ورأته في منامها، كما حكت قصّتها لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فقالت: رأيت في النوم قبل ورود عسكر المسلمين علينا كأنّ محمّداً رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)دخل دارنا وقعد ومعه الإمام الحسين (عليه السلام)، وخطبني لـه وزوّجني أبي منه. فلمّا أصبحت، كان ذلك يؤثّر في قلبي، وما كان لي خاطب غير هذا، فلمّا كانت الليلة الثانية، رأيت السيّدة فاطمة بنت محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)وقد أتتني وعرضت عليّ الإسلام وأسلمت، ثم قالت: إنّ الغلبة تكون للمسلمين، وأنّك تصلين عن قريب إلى ابني الحسين (عليه السلام) سالمة لا يصيبك بسوء أحد، وكان من الحال أن اُخرجت إلى المدينة(8).

    وروي أيضاً: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) ولى حريث بن جابر جانباً من المشرق فبعث إليه بنتي يزدجرد بن شهريار، فنحل ابنه الحسين (عليه السلام) شاه زنان منهما فأولدها زين العابدين (عليه السلام) ونحل الأخرى محمد بن أبي بكر فولدت لـه القاسم بن محمد بن أبي بكر، فهما ابنا خالة(9).
    المولود المبارك
    حملت السيدة شاه زنان بالإمام علي بن الحسين (عليه السلام) وكان مولده (عليه السلام) سنة ثمان وثلاثين من الهجرة، وقد أنشأ أبو الأسود: في وصف الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) فقال:
    لأكرم من نيطت عليه التمائم(10)
    وإنّ غلاماً بين كسرى وهاشم عاش الإمام (عليه السلام) مع جدّه أمير المؤمنين (عليه السلام) سنتين، ومع عمّه الإمام الحسن (عليه السلام) اثنتي عشر سنة، ومع أبيه (عليه السلام) ثلاثاً وعشرين سنة.
    وقد عاش بعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة.
    وتوفّي بالسم في المدينة المنوّرة سنة خمس وتسعين من الهجرة، وله يومئذ سبع وخمسون سنة. وكانت إمامته أربعاً وثلاثين سنة، ودفن في البقيع مع عمه الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)(11).

    احتراماً للأم
    ورد أنه قيل لعلي بن الحسين (عليه السلام): إنك من أبرّ الناس، ولا تأكل مع اُمّك(12) في قصعة(13)؟ وهي تريد ذلك؟
    فقال: أكره أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون عاقاً، فكان بعد ذلك يغطي الغضارة(14) بطبق ويدخل يده من تحت الطبق ويأكل(15).
    وفاتها
    قيل: إن السيدة (شهربانو) ماتت في نفاسها، أي حين ولادتها للإمام زين العابدين (عليه السلام) فكفلته بعض اُمّهات ولد أبيه. فكان يحسن إليها كما يحسن إلى والدته، وكان الناس يسمّونها اُمّه، ثم زوّجها، فقال بعض الناس: زوّج اُمّه.
    وعلى هذا الخبر فلم تكن (السيدة شهربانو) حاضرة يوم الطف، ولكن في بعض التواريخ أن امرأة تسمى بشهربانو كانت حاضرة يوم عاشوراء، حيث ورد: (وخرج غلام وبيده عمود من تلك الأبنية وفي أذنيه درتان وهو مذعور فجعل يلتفت يميناً وشمالاً وقرطاه يتذبذبان فحمل عليه هانئ بن ثبيت فقتله، فصارت شهربانو تنظر إليه ولا تتكلم كالمدهوشة)(16).
    </B>(1) راجع مناقب آل أبي طالب: ج4 ص176.
    (2) راجع إعلام الورى: ص5 ف1.
    (3) بحار الأنوار: ج101 ص200 ب2 ح22.
    (4) آريه كلمة فارسية: أي نعم.
    (5) بحار الأنوار: ج46 ص16.
    (6) الإرشاد: ج1 ص302.
    (7) الكافي: ج1 ص466 باب مولد علي بن الحسين (عليه السلام) ح1.
    (8) راجع الخرائج والجرائح: ج2 ص751.
    (9) بحار الأنوار: ج46 ص12 عن الإرشاد: ج2 ص137.
    (10) الكافي: ج1 ص467 باب مولد علي بن الحسين (عليه السلام).
    (11) راجع بحار الأنوار: ج46 ص12 ح23.
    (12) يرى البعض أن أم الإمام (عليه السلام) توفيت في نفاسها، والمقصود بالأم في هذه الرواية التي أرضعته وربته.
    (13) القصعة: وهي تشبع العشرة، مجمع البحرين مادّة قصع.
    (14) الغضارة: الطين الحر، وقيل الطين اللازب الأخضر، (لسان العرب) مادّة غضر.
    (15) مناقب آل أبي طالب: ج4 ص162.
    (16) بحار الأنوار: ج45 ص45-46.

    تعليق


    • #3
      بسم الله الرحمن الرحيم
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      سلم الله الأنامل التي خطت هذه السطور ..
      فلقد قلت فيها يا أخ سيد حسنين ما يجب أن يقال أو فلنقل فلقد كتبت ما يجب أن يقال ليعرفه من يجهلها .
      ويكفيها فخرا أنها سكنت بيت علي بين ابي طالب وعاشرت الحسين عليهم أفضل الصلاة والسلام , وأصبحت أم الإمام علي بن الحسين أبو الأئمة سدات البشر .. فسلام عليها يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تبعث حية ..
      فسلام وتسليم عليها الى يوم الدين ..
      وتقبل تحيات ترنيمة الحزن ...

      تعليق


      • #4
        رد

        مشكورة اختي على مرورك

        تعليق


        • #5
          موسوعة نساء خالدات

          حليمة السعدية ( رضوان الله عليها )

          مرضعة النبي ( صلى الله عليه وآله )

          نسبها :


          حليمة بنت عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيسا بن عيلان ، من قبيلة بني سعد بن بكر ، من بادية الحديبية بالقرب من مكة .

          قصة الرضاعة :


          كانت عادة الأشراف من العرب أن ترسل بأولادها إلى البادية للارتضاع ، حتى يشب الولد وفيه طهارة الجو الطلق ، وفصاحة اللغة البدوية ، التي لم تشبها رطانة الحضر المختلط من صنوف مختلفة ، وشجاعة القبائل التي لا تعرف جبناً بواسطة قيود المدينة ، وصفاء النفس التي تشمل انطلاق الصحراء ، وهكذا ارتأى جدُّ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عبد المطلب .

          وجرياً وراء هذه العادة ، كانت نساء القبائل تأتي في كل سنة إلى مكة المكرمة لتأخذ أبناء الأشراف ، وذوي المناصب والجاه .

          فأمر عبد المطلب أن يؤتى بالمرضعات ، ليختار منهن واحدة ، لحفيده الميمون ، فأتت النساء تسعى إلى عبد المطلب ، لتنال هذا الشرف الذي فيه مفخرة إرضاع هاشمي والنيل من رفد زعيم مكة .

          فلم يقبل الوليد – وهو النبي ( صلى الله عليه وآله ) – ثدي أية امرأة منهنَّ ، فَكُنَّ يرجعن بالخيبة ، وكأن الله سبحانه وتعالى لم يشأ إلا أن ترضع النبي ( صلى الله عليه وآله ) امرأة طاهرة نقية .

          وهكذا حتى انتهى الدور إلى امرأة شريفة عفيفة تسمى بـ ( حليمة السعدية ) .

          فلما مَثُلَت بين يدي عبد المطلب سألها عن اسمها ، ولما أُخبر باسمها ، تفآءل وقال : حلم وسعد !! .

          فأعطَوهَا النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وإذا به يلقم ثديها ويقبل على المص ببهجة وحبور .

          ففرح الجميع لذلك ، وأخذوا يباركون الجدَّ والمرضعةَ .

          وهناك عادت حليمة إلى قومها بخير الدنيا ، وسعادة الآخرة ، تحمل الوليد المبارك ، وشاءت الأقدار أن تَدُرَّ على قبيلة حليمة الخير والبركة ، بِيُمنِ هذا المولود الرضيع .

          فكانت السماء تهطل عليهم بركة وسعة وفضلاً ، والوليد الرضيع ينمو نمواً مدهشاً على غير عادة أمثاله .

          ويوماً بعد يوم تظهر في سماته آثار العز والجلال ، مما تُنبئ بمستقبل نير ، فكانت القبيلة تتعجب من هذا الرضيع .

          وأخذ الطفل يَشبُّ وينمو ، ويقوى ويكبر ، وفي صباح كل يوم تقع عينا حليمة وعيون القبيلة على وجه وضاء مشرق .

          أخبارها مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) :


          لقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يكرم مرضعته حليمة السعدية ، ويتحفها بما يستطيع .

          فعن شيخ من بني سعد قال : قدمت حليمة بنت عبد الله على رسول الله مكة ، وقد تزوج ( صلى الله عليه وآله ) خديجة ، فشكت جدب البلاد ، وهلاك الماشية ، فَكَلَّمَ رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله ) خديجة ( رضوان الله عليها ) فيها ، فأعطتها أربعين شاة وبعيراً ، وانصرفت إلى أهلها ، وكانت المرة الثانية التي التقت فيها النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم حنين .

          وفاتها :


          توفيت حليمة السعدية ( رضوان الله عليها ) في المدينة المنورة ، ودفنت في البقيع .

          تعليق


          • #6
            موسوعة نساء خالدات

            السيدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) والدة الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام)

            نسبها وزواجها
            هي السيّدة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.
            تقدّم أبو طالب (عليه السلام) إلى والدها أسد بن هاشم وخطبها منه، ولمّا حضرت الوفود لخطبة الزواج والاحتفال بالعروسين، قام أبو طالب وقال:
            (الحمد لله ربّ العالمين، ربّ العرش العظيم، والمقام الكريم، والمشعر والحطيم، الذي اصطفانا أعلاماً، وسدنة، وعرفاء، وخلصاء، وحجّته بهاليل، أطهار من الخنى والريب، والأذى والعيب، وأقام لنا المشاعر، وفضّلنا على العشائر، نخب آل إبراهيم وصفوته وزرع إسماعيل).
            ثم قال: تزوّجت فاطمة بنت أسد وسقت المهر ونفذت الأمر، فاسألوه واشهدوا.
            فقال أبوها أسد: زوّجناك ورضينا بك، ثم أطعم الناس(1).
            ثمّ انتقلت السيّدة فاطمة بنت أسد إلى بيت أبي طالب، المؤمن الموحّد، الذي أقام للشريعة الحنفية أساسها، وركّز للقرآن الكريم دعائمه، وفدى نفسه من أجل حياة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأباد بحكمته وثباته وأولاده ودفاعه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)قواعد الكفر والشرك، وأذناب الشيطان، رحمة الله تعالى وبركاته وتحياته على روحه وبدنه الطاهر إلى أن يبعث حياً.
            وقد عاشت السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) إلى جانب أبي طالب (عليه السلام)، وقامت بأعباء المسؤولية في إدارة بيته وتدبير شؤون منزله، بصبر وصدق وإخلاص، وطهارة وصفاء ومحبّة وإيمان وطيب، وأنجبت لـه أولاداً بين ذكور وإناث هم:
            1: طالب.
            2: عقيل.
            3: جعفر.
            4: علي (عليه السلام).
            5: اُم هانىء.
            6: جمانة(2).
            فاطمة تتحدّث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
            عن السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام)، قالت: لمّا ظهرت أمارة وفاة عبدالمطّلب، قال لأولاده: من يكفل محمداً؟
            قالوا: هو أكيس(3) منّا، فقل لـه يختار لنفسه.
            فقال عبد المطّلب: يا محمد جدّك على جناح السفر إلى القيامة، أي عمومتك وعمّاتك تريد أن يكفلك؟
            فنظر في وجوههم ثمّ زحف إلى عند أبي طالب (عليه السلام).
            فقال لـه عبد المطّلب: يا أبا طالب إني قد عرفت ديانتك وأمانتك، فكن لـه كما كنت له.
            قالت: فلمّا توفّي أخذه أبو طالب، وكنت أخدمه وكان يدعوني الأم.
            قالت: وكان في بستان دارنا نخلات، وكان أول إدراك الرطب ، وكان أربعون صبياً من أتراب(4) محمّد، يدخلون علينا كل يوم في البستان، ويلتقطون ما يسقط، فما رأيت قطّ محمّداً(صلى الله عليه وآله وسلم)يأخذ رطبة من يد صبي سبق إليها، والآخرون يختلس بعضهم من بعض، وكنت كل يوم ألتقط لمحمد حفنة(5) فما فوقها، وكذلك جاريتي، فاتّفق يوماً أن نسيت أن ألتقط لـه شيئاً، ونسيت جاريتي، وكان محمّد نائماً، ودخل الصبيان وأخذوا كل ما سقط من الرطب، وانصرفوا فنمت فوضعت الكم(6) على وجهي حياء من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
            قالت: فانتبه محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ودخل البستان فلم يرَ رطبة على وجه الأرض، فانصرف، فقالت لـه الجارية: إنّا نسينا أن نلتقط شيئاً، والصبيان دخلوا وأكلوا جميع ما كان قد سقط.
            قالت: فانصرف محمد إلى البستان، وأشار إلى نخلة، وقال: أيّتها الشجرة أنا جائع!
            قالت: فرأيت النخلة قد وضعت أغصانها التي عليها الرطب، حتى أكل منها محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)ما أراد، ثم ارتفعت إلى موضعها.
            قالت فاطمة: فتعجّبت، وكان أبو طالب قد خرج من الدار، وكل يوم إذا رجع وقرع الباب كنت أقول للجارية حتى تفتح الباب، فقرع أبو طالب الباب فعدوت حافية إليه وفتحت الباب وحكيت لـه ما رأيت.
            فقال: هو إنما يكون نبياً، أنت تلدين وزيره بعد ثلاثين، فولدت علياً (عليه السلام) كما قال(7).
            إن فاطمة بنت أسد ولدت طالباً، ولم نعرف لـه خبراً وقالوا: إنه لا عقب له، وقد توفّي قبل أن يهاجر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بثلاث سنين.
            كما ولدت عقيلاً وجعفراً وعلياً، وكل واحد أسنُّ من الآخر بعشر سنين.
            وولدت من البنات: اُم هانيء واسمها (فاختة)، وجمانة.
            البشارة بميلاد الأمير (عليه السلام)
            سبق أنّ الكثير بشّروا بميلاد النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)وأشاروا إلى صفاته وخصاله الحميدة، وكذلك كان الحال بالنسبة لأمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فقد بشّروا بميلاده الشريف وصرّحوا بعظيم شأنه (عليه السلام).
            فمّما جاء في الروايات الشريفة:
            أنّ السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) قبل أن ترزق ولداً كانت يوماً جالسة مع الفواطم تتحدّث، إذ أقبل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بنوره الباهر وسعده الظاهر وقد تبعه بعض الكهّان ينظر إليه، إلى أن أتى إليهنّ فسألهنّ عنه.
            فقلن: هذا محمّد ذو الشرف الباذخ والفضل الشامخ.
            فأخبرهنّ الكاهن بما يعلمه من رفيع قدره وبشّرهنّ بما سيكون من مستقبل أمره، وأنه سيبعث نبياً وينال منالاً علياً، وقال: إنّ التي تكفله منكنّ في صغره سيكفل لها ولداً يكون عنصره من عنصره، يختصّه بسرّه وبصحبته، ويحبوه بمصادقته وأُخوّته.
            فقالت لـه السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) أنا التي كفلته وأنا زوجة عمّه الذي يرجوه ويؤمله.
            فقال: إن كنت صادقة فستلدين غلاماً علاّماً مطواعاً لربّه هماماً، اسمه على ثلاثة أحرف، يلي هذا النبي في جميع أُموره، وينصره في قليله وكثيره، حتى يكون سيفه على أعدائه وبابه لأوليائه، يفرج عن وجهه الكربات ويجلو عنه حندس الظلمات، تهاب صولته أطفال المهاد، وترتعد من خيفته، لـه فضائل شريفة ومناقب معروفة وصلة منيعة ومنزلة رفيعة، يهاجر إلى النبي في طاعته ويجاهد بنفسه في نصرته وهو وصيه الدافن لـه في حجرته.
            قالت أُم علي (عليه السلام): فجعلت أُفكّر في هذا القول، فلمّا كان الليل رأيت في منامي كأنّ جبال الشام قد أقبلت تدبّ وعليها جلابيب الحديد وهي تصيح من صدورها بصوت مهول فأسرعت نحوها جبال مكّة وأجابتها بمثل صياحها وأهول وهي كالشرد المحمر وأبو قبيس(8) ينتفض كالفرس ونصال تسقط عن يمينه وشماله والناس يلتقطون ذلك، فلقطت معهم أربعة أسياف وبيضة حديدة مذهبة، فأوّل ما دخلت مكة سقطت منها سيف في ماء فغمر، وطار الثاني في الجو واستمرّ، وسقط الثالث إلى الأرض فانكسر، وبقي الرابع في يدي مسلولاً، فبينا أنا به أصول إذا صار السيف شبلاً فتبيّنته فصار ليثاً مهولاً فخرج عن يدي ومرّ نحو الجبال يجوب بلاطحها (9) ويخرق صلادحها(10) والناس منه مشفقون ومن خوفه حذرون، إذ أتى محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)فقبض على رقبته فانقاد لـه كالظبية الألوف فانتبهت وقد راعني الزمع(11) والفزع، فالتمست المفسّرين والمخبرين فقالوا: أنت تلدين أربعة أولاد ذكور وبنتاً بعدهم، وإنّ أحد البنين يغرق والآخر يقتل في الحرب والآخر يموت ويبقى لـه عقب والرابع يكون إماماً للخلق صاحب سيف وحق ذا فضل وبراعة يطيع النبي المبعوث أحسن طاعة.
            فقالت السيّدة فاطمة: فلم أزل مفكّرة في ذلك ورزقت بني الثلاثة عقيلاً وطالباً وجعفراً ثم حملت بعلي(عليه السلام)، فلمّا كان الشهر الذي ولدته فيه رأيت في منامي كأنّ عمود حديد قد انتزع من أُمّ رأسي ثم سطع في الهواء حتى بلغ السماء ثم ردّ إلي فقلت: ما هذا؟
            فقيل لي: هذا قاتل أهل الكفر وصاحب ميثاق النصر بأسه شديد يفزع من خيفته وهو معونة الله لنبيه وتأييده على عدوّه.
            قالت: فولدت علياً (عليه السلام)(12).
            إنها تتحدّث عن ولادتها
            من أكبر فضائل السيدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) أن الله اختارها من بين نساء العالمين لتلد مولودها الطاهر في بيته الحرام، حيث استضافها الله تعالى في جوف الكعبة ثلاثة أيام فولدت أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) في ذلك المكان الطاهر.
            روى الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)قال: كان العباس بن عبد المطّلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانت حاملة بأمير المؤمنين تسعة أشهر وكان يوم التمام.
            قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق فرمت بطرفها نحو السماء وقالت:
            أي ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء به من عندك الرسول وبكل نبي من أنبيائك وبكل كتاب أنزلته، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل وإنه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحق هذا البيت ومن بناه وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه وأنا موقنة أنه إحدى آياتك ودلائلك، لما يسّرت عليّ ولادتي.
            قال العباس بن عبدالمطّلب ويزيد بن قعنب: لمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء رأينا البيت قد انفتح من ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا ثم عادت الفتحة والتزقت بإذن الله تعالى، فرمنا أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نسائنا فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر الله تعالى، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام.
            قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك وتتحدّث المخدّرات في خدورهنّ.
            قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعلي(عليه السلام) على يديها، ثم قالت:
            معاشر الناس إنّ الله عزّوجلّ اختارني من خلقه وفضّلني على المختارات ممّن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنّها عبدت الله سرّاً في موضع لا يحبّ أن يعبد الله فيها إلاّ اضطراراً، ومريم بنت عمران حيث اختارها الله ويسّر عليها ولادة عيسى فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة(13) من الأرض حتى تساقط عليها رطباً جنياً، وإنّ الله تعالى اختارني وفضّلني عليهما وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين لأنّي ولدت في بيته العتيق وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنّة وأوراقها، فلمّا أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة سمّيه علياً، فأنا العلي الأعلى وإنّي خلقته من قدرتي وعزّ جلالي وقسط عدلي واشتققت اسمه من اسمي وأدّبته بأدبي وفوّضت إليه أمري ووقفته على غامض علمي وولد في بيتي وهو أوّل من يؤذّن فوق بيتي ويكسّر الأصنام ويرميها على وجهها ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي ووصيه، فطوبى لمن أحبّه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقّه.
            قال: فلمّا رآه أبو طالب سرّ، وقال لـه علي (عليه السلام): السلام عليك يا أبه ورحمة الله وبركاته.
            ثم دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا دخل اهتزّ لـه أمير المؤمنين (عليه السلام) وضحك في وجهه وقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.
            قال: ثم تنحنح بإذن الله تعالى وقال: {بسم الله الرحمن الرحيم، قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون}(14) إلى آخر الآيات.
            فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قد أفلحوا بك وقرأ تمام الآيات إلى قوله {أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}(15).
            فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنت والله أميرهم تميرهم من علومك فيمتارون، وأنت والله دليلهم وبك يهتدون.
            ثم قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لفاطمة: اذهبي إلى عمّه حمزة فبشّريه به.
            فقالت: فإذا خرجت أنا فمن يرويه؟
            قال: أنا أرويه.
            فقالت فاطمة: أنت ترويه؟
            قال: نعم، فوضع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لسانه في فيه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً.
            قال: فسمّي ذلك اليوم يوم التروية، فلمّا أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نوراً قد ارتفع من علي (عليه السلام) إلى عنان السماء، قال: ثم شدّته وقمطته بقماط فبتر القماط.
            قال: فأخذت فاطمة قماطاً جيداً فشدّته به فبتر القماط، ثم جعلته في قماطين فبترهما، فجعلته ثلاثة فبترها، فجعلته أربعة أقمطة من رقّ مصر لصلابته فبترها، فجعلته خمسة أقمطة ديباج لصلابته فبترها كلّها، فجعلته ستة من ديباج وواحد من الأدم، فتمطّى فيها، فقطعها كلّها بإذن الله ثم قال بعد ذلك: يا أمة لا تشدّي يدي فإنّي أحتاج أن أبصبص(16) لربّي بإصبعي.
            قال: فقال أبو طالب عند ذلك: إنه سيكون لـه شأن ونبأ.
            قال: فلمّا كان من غد دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)على فاطمة فلمّا بصر عليّ (عليه السلام) برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)سلّم عليه وضحك في وجهه وأشار إليه أن خذني إليك واسقني بما سقيتني الأمس.
            قال: فأخذه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقالت فاطمة: عرفه وربّ الكعبة.
            قال: فلكلام فاطمة سمّي ذلك اليوم يوم عرفة، يعني أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) عرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
            فلمّا كان اليوم الثالث وكان العاشر من ذي الحجّة أذّن أبو طالب في الناس أذاناً جامعاً وقال: هلمّوا إلى وليمة ابني علي.
            قال: ونحر ثلاثمائة من الإبل وألف رأس من البقر والغنم واتّخذ وليمة عظيمة وقال: معاشر الناس ألا من أراد من طعام علي ولدي فهلمّوا وطوفوا بالبيت سبعاً وادخلوا وسلّموا على ولدي علي فإنّ الله شرّفه، ولفعل أبي طالب شرف يوم النحر(17).
            وفي حديث آخر: وضعته أمه بين يدي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ففتح فاه بلسانه وحنكه وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، فعرف الشهادتين وولد على الفطرة(18).
            ميلاد الإمام علي (عليه السلام)
            من الأمور المتّفق عليها أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) قد ولد في جوف الكعبة، وهي منزلة عظيمة من مختصّاته التي انفرد بها دون سواه من الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)فضلاً عن الناس العاديين(19).
            ففي الحديث عن سعيد بن جبير قال: قال يزيد بن قعنب كنت جالساً مع العباس بن عبد المطّلب وفريق من عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانت حاملة به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق، فقالت: ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل (عليه السلام) وإنه بنى البيت العتيق فبحقّ الذي بنى هذا البيت وبحق المولود الذي في بطني لما يسّرت عليّ ولادتي.
            قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا والتزق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنّ ذلك أمر من الله تعالى.
            ثم خرجت بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين (عليه السلام) الحديث(20).
            إيمان فاطمة بنت أسد (عليها السلام)
            ويستفاد من هذه الرواية وغيرها أن فاطمة بنت أسد (عليها السلام) كانت مؤمنة بالله عزوجل وموحدة لـه تعالى على دين إبراهيم (عليه السلام) ولم تكن تعبد الأصنام أبداً لا كسائر الجاهليين، فلما بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كانت من السابقات إلى الإسلام والمؤمنات بنبوته (صلى الله عليه وآله وسلم).
            من عظمة المولود
            لا يخفى أنّ الإمام علي (عليه السلام) هو أعظم شخصية بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهذا ما نصّت عليه الأدلّة المتواترة عند العامّة والخاصّة، ولذا فإنّه (عليه السلام) كان أعظم ولد أبي طالب وأشرفهم منزلة، ومن هنا فقد أشرنا إلى كيفية ولادته (عليه السلام) دون سائر اُخوته، خاصّة أنّ الروايات الشريفة ومصنّفات التاريخ قد أشارت إلى ولادته بالتفصيل، ومن ذلك:
            ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري حيث قال: سألت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عن ميلاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى خلقني وعلياً من نور واحد قبل أن يخلق الخلق بخمسمائة ألف عام، فكنّا نسبّح الله ونقدّسه، فلمّا خلق الله تعالى آدم (عليه السلام) قذف بنا في صلبه واستقررت أنا في جنبه الأيمن وعلي في الأيسر، ثم نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الطيّبة، فلم نزل كذلك حتّى أطلعني الله تبارك وتعالى من ظهر طاهر وهو عبد الله بن عبد المطّلب فاستودعني خير رحم وهي آمنة، ثمّ أطلع الله تبارك وتعالى علياً من ظهر طاهر وهو أبو طالب واستودعه خير رحم وهي فاطمة بنت أسد، ثم قال: يا جابر ومن قبل أن وقع علي (عليه السلام) في بطن اُمّه كان في زمانه رجل عابد راهب يقال لـه المثرم بن دعيب بن الشيقتام وكان مذكوراً في العبادة قد عبد الله مائة وتسعين سنة ولم يسأله حاجة، فسأله ربّه أن يريه وليّاً لـه، فبعث الله تبارك وتعالى بأبي طالب إليه، فلمّا أن بصر به المثرم قام إليه فقبّل رأسه وأجلسه بين يديه، فقال: من أنت يرحمك الله؟
            قال: رجل من تهامة.
            فقال: من أي تهامة؟
            قال: من مكّة.
            قال: ممّن؟
            قال: من عبد مناف.
            قال: من أي عبد مناف؟
            قال: من بني هاشم.
            فوثب إليه الراهب وقبّل رأسه ثانياً، وقال: الحمد لله الذي أعطاني مسألتي ولم يمتني حتّى أراني وليّه.
            ثم قال: أبشر يا هذا فإنّ العلي الأعلى قد ألهمني إلهاماً فيه بشارتك.
            قال أبو طالب: وما هو؟
            قال: ولد يخرج من صلبك هو ولي الله تبارك اسمه وتعالى ذكره وهو إمام المتّقين ووصي رسول ربّ العالمين، فإن أدركت ذلك الولد فأقرئه منّي السلام وقل له: إنّ المثرم يقرأ عليك السلام.
            فبكي أبو طالب وقال له: ما اسم هذا المولود؟
            قال: اسمه علي.
            فقال أبو طالب: إنّي لا أعلم حقيقة ما تقوله إلاّ ببرهان بيّن ودلالة واضحة.
            قال المثرم: فما تريد أن أسأل الله لك أن يعطيك في مكانك ما يكون دلالة لك؟
            قال أبو طالب: اُريد طعاماً من الجنّة في وقتي هذا.
            فدعا الراهب بذلك، فما استتمّ دعاؤه حتّى أتى بطبق عليه من فاكهة الجنّة رطبة وعنبة ورمّان، فتناول أبو طالب منه رمّانة ونهض فرحاً من ساعته حتّى رجع إلى منزله فأكلها، فتحوّلت ماء في صلبه فجامع فاطمة بنت أسد فحملت بعلي (عليه السلام) وارتجّت الأرض وزلزلت بهم أياماً حتّى لقيت قريش من ذلك شدّة وفزعوا وقالوا: قوموا بآلهتكم إلى ذروة أبي قبيس حتّى نسألهم أن يسكنوا ما نزل بكم وحلّ بساحتكم. فلمّا اجتمعوا على ذروة جبل أبي قبيس فجعل يرتجّ ارتجاجاً حتّى تدكدكت بهم صمّ الصخور وتناثرت وتساقطت الآلهة على وجهها، فلمّا بصروا بذلك قالوا: لا طاقة لنا بما حلّ بنا.
            فصعد أبو طالب الجبل وهو غير مكترث بما هم فيه، فقال: أيّها الناس إنّ الله تبارك وتعالى قد أحدث في هذه الليلة حادثة وخلق فيها خلقاً إن لم تطيعوه ولم تقرّوا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم ولا يكون لكم بتهامة مسكن.
            فقالوا: يا أبا طالب! إنّا نقول بمقالتك.
            فبكى أبو طالب ورفع يده إلى الله عزّوجلّ وقال: إلهي وسيّدي أسألك بالمحمّدية المحمودة وبالعلوية العالية وبالفاطمية البيضاء إلاّ تفضّلت على تهامة(21) بالرأفة والرحمة، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لقد كانت العرب تكتب هذه الكلمات فتدعو بها عند شدائدها في الجاهلية وهي لا تعلمها ولا تعرف حقيقتها(22).
            فلمّا قربت ولادته أتت السيّدة فاطمة إلى بيت الله وقالت: ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم (عليه السلام) فبحقّ الذي بنى هذا البيت وبحقّ المولود الذي في بطني لما يسّرت عليّ ولادتي، فانفتح البيت ودخلت فيه، فإذا هي بحواء ومريم وآسية واُمّ موسى وغيرهن، فصنعن مثل ما صنعن برسول الله وقت ولادته، فلمّا ولد سجد على الأرض يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله وأشهد أنّ علياً وصي محمّد رسول الله، بمحمّد يختم الله النبوّة وبي تتم الوصية وأنا أمير المؤمنين، ثمّ سلّم على النساء وسأل عن أحوالهن وأشرقت السماء بضيائه، فخرج أبو طالب يقول: أبشروا فقد ظهر ولي الله يختم به الوصيين وهو وصي نبي ربّ العالمين(23).
            الحيدرة
            عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال يوم خيبر:
            كليث غابات شديد قسورة
            أنا الذي سمّتني اُمّي حيدرة فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لمّا ولد سمّته اُمّه (السيّدة فاطمة بنت أسد) أسداً باسم أبيها، فلمّا رجز الإمام علي (عليه السلام) يوم خيبر ذكر الاسم الذي سمّته به اُمّه.
            وحيدرة اسم من أسامي الأسد، وهي أشجعها، كأنه قال: أنا الأسد(24).
            الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) يتلقى الأمير (عليه السلام)
            فور ما ولدت السيدة فاطمة بنت أسد علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) وخرجت به من الكعبة الشريفة جاء جبرئيل الأمين إلى الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)وهنّأه بهذا المولود المبارك وأشار عليه أن يذهب لاستقباله..
            فعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ـ في خبر طويل ـ قال: لقد هبط حبيبي جبرئيل في وقت ولادة علي (عليه السلام) فقال: يا حبيب الله العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ويهنّئك بولادة أخيك علي ويقول: هذا أوان ظهور نبوّتك وإعلان وحيك وكشف رسالتك إذ أيّدتك بأخيك ووزيرك وصنوك وخليفتك ومن شددت به أزرك وأعلنت به ذكرك، فقم إليه واستقبله بيدك اليمنى فإنّه من أصحاب اليمين وشيعته الغرّ المحجّلون.
            فقمت مبادراً، فوجدت فاطمة بنت أسد اُمّ علي وقد جاء لها المخاض وهي بين النساء والقوابل حولها.
            فقال حبيبي جبرئيل: يا محمد نسجف بينها وبينك سجفاً(25) فإذا وضعت بعلي تتلقّاه، ففعلت ما أمرت به. ثم قال لي: اُمدد يدك يا محمّد، فمددت يدي اليمنى نحو اُمّه فإذا أنا بعلي على يدي واضعاً يده اليمنى في اُذنه اليمنى وهو يؤذّن ويقيم بالحنيفية ويشهد بوحدانية الله عزّوجلّ وبرسالاتي، ثم انثنى إليّ وقال: السلام عليك يا رسول الله.
            ثم قال لي: يا رسول الله اقرأ؟
            قلت: اقرأ فو الذي نفس محمد بيده لقد ابتدأ بالصحف التي أنزلها الله عزّوجلّ على آدم، فقام بها ابنه شيث فتلاها من أول حرف فيها إلى آخر حرف فيها حتى لو حضر شيث لأقرّ لـه أنه أحفظ لـه منه، ثم تلا صحف نوح، ثم صحف إبراهيم، ثم قرأ توراة موسى حتى لو حضر موسى لأقرّ لـه بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ زبور داود حتى لو حضر داود لأقرّ بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ إنجيل عيسى حتى لو حضر عيسى لأقرّ بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ القرآن الذي أنزل الله عليّ من أوّله إلى آخره، فوجدته يحفظ كحفظي لـه الساعة من غير أن أسمع منه آية.
            ثمّ خاطبني وخاطبته بما يخاطب الأنبياء الأوصياء (عليهم السلام)ثم عاد إلى حال طفوليته وهكذا أحد عشر إماماً من نسله، فلِمَ تحزنون وماذا عليكم من قول أهل الشك والشرك؟
            بالله هل تعلمون أنّي أفضل النبيين وأنّ وصيي أفضل الوصيين وأنّ أبي آدم لمّا رأى اسمي واسم علي وابنتي فاطمة والحسن والحسين وأسماء أولادهم(عليهم السلام) مكتوبة على ساق العرش بالنور، قال: إلهي وسيدي هل خلقت خلقاً هو أكرم عليك منّي؟
            فقال: يا آدم لولا هذه الأسماء لما خلقت سماء مبنية ولا أرضاً مدحيّة ولا ملكاً مقرّباً ولا نبياً مرسلاً ولا خلقتك يا آدم.
            فلمّا عصى آدم ربّه وسأله بحقّنا أن يتقبّل توبته ويغفر خطيئته فأجابه، وكنّا الكلمات تلقّاها آدم من ربّه عزّوجلّ فتاب عليه وغفر لـه، فقال لـه: يا آدم أبشر فإنّ هذه الأسماء من ذريتك وولدك، فحمد آدم ربّه عزّوجلّ وافتخر على الملائكة بنا، وإنّ هذا من فضلنا وفضل الله علينا.
            فقام سلمان ومن معه وهم يقولون: نحن الفائزون، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنتم الفائزون ولكم خلقت الجنة ولأعدائنا وأعدائكم النار(26).
            وفاة السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام)
            وحيث بلغ بنا الحديث إلى ذكر مناقب هذه السيّدة الجليلة فلا بأس بالإشارة إلى بعض المقتطفات التي تدلّ على مقامها الشامخ ومكانتها الرفيعة، وذلك في حديث وفاتها (سلام الله عليها).
            فعن عبد الله بن عباس قال: أقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) ذات يوم إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)باكياً وهو يقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
            فقال لـه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مه يا علي.
            فقال علي: يا رسول الله ماتت اُمّي فاطمة بنت أسد!.
            قال: فبكى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ثم قال: رحم الله اُمّك يا علي، أما إنّها كانت لك اُمّاً فقد كانت لي اُمّاً، خذ عمامتي هذه وخذ ثوبي هذين فكفّنها فيهما ومر النساء فليحسن غسلها ولا تخرجها حتى أجيء فإليّ أمرها.
            قال: وأقبل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بعد ساعة واُخرجت فاطمة اُمّ علي(صلى الله عليه وآله وسلم)فصلّى عليها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)صلاة لم يصلّ على أحد قبلها مثل تلك الصلاة، ثم كبّر عليها أربعين تكبيرة، ثم دخل إلى القبر فتمدّد فيه، فلم يسمع لـه أنين ولا حركة..
            ثم قال: يا علي اُدخل، يا حسن اُدخل، فدخلا القبر، فلمّا فرغ ممّا احتاج إليه قال لـه: يا علي اُخرج يا حسن اُخرج، فخرجا، ثم زحف النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)حتى صار عند رأسها ثم قال: يا فاطمة أنا محمد سيد ولد آدم ولا فخر فإن أتاك منكر ونكير فسألاك من ربّك فقولي الله ربّي ومحمد نبيي والإسلام ديني والقرآن كتابي وابني إمامي ووليي.
            ثم قال: اللهم ثبّت فاطمة بالقول الثابت.
            ثم خرج من قبرها وحثا عليها حثيّات، ثم ضرب بيده اليمنى على اليسرى فنفضهما ثم قال: والذي نفس محمد بيده لقد سمعت فاطمة تصفيق يميني على شمالي.
            فقام إليه عمّار بن ياسر فقال: فداك أبي واُمّي يا رسول الله لقد صلّيت عليها صلاة لم تصلّ على أحد قبلها مثل تلك الصلاة.
            فقال: يا أبا اليقظان وأهل ذلك هي منّي؟
            لقد كان لها من أبي طالب (عليه السلام) ولد كثير ولقد كان خيرهم كثيراً وكان خيرنا قليلاً فكانت تشبعني وتجيعهم، وتكسوني وتعريهم، وتدهنني وتشعثهم.
            قال: فلِمَ كبّرت عليها أربعين تكبيرة يا رسول الله؟
            قال: نعم يا عمّار التفت عن يميني فنظرت إلى أربعين صفّاً من الملائكة فكبّرت لكل صف تكبيرة.
            قال: فتمدّدك في القبر ولم يسمع لك أنين ولا حركة؟
            قال: إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة ولم أزل أطلب إلى ربّي عزّوجلّ أن يبعثها ستيرة، والذي نفس محمد بيده ما خرجت من قبرها حتى رأيت مصباحين من نور عند رأسها ومصباحين من نور عند يديها ومصباحين من نور عند رجليها وملكيها الموكّلين بقبرها يستغفران لها إلى أن تقوم الساعة(27).
            وفي بعض الروايات أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)كبر على جنازتها سبعين تكبيرة ممّا يدلّ على عظمتها، ففي الحديث أنّه لمّا حانت وفاة السيّدة فاطمة بنت أسد صلّى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عليها وكبّر سبعين تكبيرة ثم لحّدها في قبرها بيده الكريمة، إلى أن قال (صلى الله عليه وآله وسلم): وأمّا تكبيري سبعين تكبيرة فإنّما صلّى عليها سبعون صفّاً من الملائكة(28).
            وإلى جانب ذلك، فإنّ عظم التجليل الذي أولاه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لها عند وفاتها وتشييعها ودفنها يدلّ بوضوح على عظم مقامها الرفيع.
            فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كانت أول امرأة هاجرت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من مكة إلى المدينة على قدميها، وكانت من أبرّ الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فسمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو يقول: إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة كما ولدوا، فقالت: وا سوأتاه، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فإنّي أسأل الله أن يبعثك كاسية.
            وسمعته يذكر ضغطة القبر، فقالت: وا ضعفاه، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فإنّي أسأل الله أن يكفيك ذلك.
            وقالت لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يوماً: إنّي اُريد أن أعتق جاريتي هذه، فقال لها: إن فعلت أعتق الله بكل عضو منها عضواً منك من النار، فلمّا مرضت أوصت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأمرت أن يعتق خادمها واعتقل لسانها فجعلت تومي إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)إيماءً، فقبل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وصيّتها.
            فبينما هو(صلى الله عليه وآله وسلم)ذات يوم قاعد إذ أتاه أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو يبكي، فقال لـه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما يبكيك؟
            فقال: ماتت اُمّي فاطمة.
            فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم):واُمّي والله،وقام مسرعاً حتى دخل فنظر إليها وبكى.
            ثم أمر(صلى الله عليه وآله وسلم)النساء أن يغسلنها وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا فرغتنّ فلا تحدثنّ شيئاً حتى تعلمنني، فلمّا فرغن أعلمنه بذلك فأعطاهنّ أحد قميصيه الذي يلي جسده وأمرهنّ أن يكفّنها فيه، وقال للمسلمين: إذا رأيتموني قد فعلت شيئاً لم أفعله قبل ذلك فسلوني لِمَ فعلته.
            فلمّا فرغن من غسلها وكفنها دخل(صلى الله عليه وآله وسلم)فحمل جنازتها على عاتقه، فلم يزل تحت جنازتها حتى أوردها قبرها، ثم وضعها ودخل القبر فاضطجع فيه.
            ثم قال: فأخذها على يديه حتى وضعها في القبر ثم انكبّ عليها طويلاً يناجيها ويقول لها: ابنك ابنك (ابنك)، ثم خرج وسوّى عليها ثم انكبّ على قبرها، فسمعوه يقول: لا إله إلاّ الله اللهمّ إنّي أستودعها إيّاك، ثم انصرف.
            فقال لـه المسلمون: إنّا رأيناك فعلت أشياء لم تفعلها قبل اليوم؟
            فقال: اليوم فقدت برّ أبي طالب إن كانت ليكون عندها الشيء فتؤثرني به على نفسها وولدها، وإنّي ذكرت القيامة وأنّ الناس يحشرون عراة، فقالت: وا سوأتاه، فضمنت لها أن يبعثها الله كاسية، وذكرت ضغطة القبر، فقالت: وا ضعفاه، فضمنت لها أن يكفيها الله ذلك فكفّنتها بقميصي، واضطجعت في قبرها لذلك وانكببت عليها فلقّنتها ما تسأل عنه، فإنّها سُئلت عن ربّها فقالت، وسُئلت عن رسولها فأجابت، وسُئلت عن وليّها وإمامها فارتجّ عليها، فقلت: ابنك ابنك (ابنك) (29).
            باب للحوائج إلى الله
            وقد أصبحت السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) لمقامها الرفيع وإخلاصها الشديد من أولياء الله الذين يتوسّل بهم في قضاء الحوائج المستعصية، والمؤيّدات على ذلك كثيرة، إلاّ أنّنا نقتصر على ما يلي:
            عن داود الرقّي قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) ولي على رجل مال قد خفت تواه، فشكوت إليه ذلك، فقال لي: إذا صرت بمكّة فطف عن عبد المطّلب طوافاً وصلّ ركعتين عنه، وطف عن أبي طالب طوافاً وصلّ عنه ركعتين، وطف عن عبد الله طوافاً وصلّ عنه ركعتين، وطف عن آمنة طوافاً وصلّ عنها ركعتين، وطف عن فاطمة بنت أسد طوافاً وصلّ عنها ركعتين، ثم اُدع أن يردّ عليك مالك، قال: ففعلت ذلك ثم خرجت من باب الصفا وإذا غريمي واقف يقول: يا داود حبستني تعال اقبض مالك(30).

            قبرها الشريف
            قبرها الشريف في البقيع الغرقد بقرب قبور أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد هدم الوهابيون تلك القباب الطاهرة، ويجب على المسلمين السعي لإعادة تلك القباب الشريفة.
            قال السمهودي: إنّ قبرها في موضع من البقيع كان يعرف بحمام أبي قطيفة، بجهة مشهد سيدنا إبراهيم، وعليه قبّة، واليوم يقابلها نخل يعرف بالحمام، وإنّ مشهد فاطمة معروف.
            وعن عيسى بن عبدالله، عن أبيه عن جدّه، أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)دفن فاطمة بنت أسد بن هاشم اُمّ على بن أبي طالب بالروحاء مقابل حمام أبي قطيفة(31).
            زيارتها الشريفة
            ومن خصائص السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) أنّه قد وردت في حقّها زيارة خاصّة دون سائر اُمّهات المعصومين ما عدا الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) والسيّدة نرجس(عليها السلام)، وممّا يدلّ على عظم شأنها وجلالة قدرها هي العبارات الرفيعة التي وردت في زيارتها وهي:
            «السلام على نبي الله، السلام على رسول الله، السلام على محمّد سيّد المرسلين، السلام على محمّد سيّد الأوّلين، السلام على محمّد سيّد الآخرين، السلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام على فاطمة بنت أسد الهاشمية، السلام عليك أيّتها الصدّيقة المرضية، السلام عليك أيّتها التقية النقيّة، السلام عليك أيّتها الكريمة الرضية المرضية، السلام عليك يا كافلة محمّد خاتم النبيين، السلام عليك يا والدة سيّد الوصيين، السلام عليك يا من ظهرت شفقتها على رسول الله خاتم النبيين، السلام عليك يا من تربيتها لولي الله الأمين، السلام عليك وعلى روحك وبدنك الطاهر، السلام عليك وعلى ولدك، ورحمة الله وبركاته، أشهد أنّك قد أحسنت الكفالة، وأدّيت الأمانة، واجتهدت في مرضات الله، وبالغت في حفظ رسول الله، عارفة بحقّه، مؤمنة بصدقه، معترفة بنبوّته، مستبصرة بنعمته، كافلة بتربيته، مشفقة على نفسه، واقفة على خدمته، مختارة رضاه، مؤثرة هواه، وأشهد أنّك مضيت على الإيمان، والتمسّك بأشرف الأديان، راضية مرضية، طاهرة زكية، تقية نقية، فرضي الله عنك وأرضاك، وجعل الجنّة منزلك ومأواك، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وانفعني بزيارتها، وثبّتني على محبّتها، ولا تحرمني شفاعتها، وشفاعة الأئمّة من ذرّيتها، وارزقني مرافقتها، واحشرني معها ومع أولادها الطاهرين، اللهمّ لا تجعله آخر العهد من زيارتي إيّاها، وارزقني العود إليها أبدا، ما أبقيتني، وإذا توفّيتني فاحشرني في زمرتها، وادخلني في شفاعتها، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهمّ بحقّها عندك، ومنزلتها لديك، اغفر لي ولوالدي، ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا برحمتك عذاب النار»(32).
            </B>(1) مناقب آل أبي طالب: ج2 ص171.
            (2) إعلام الورى: ص144.
            (3) أكيس: أي أعقل، النهاية في غريب الحديث: ج4 ص217.
            (4) أتراب: أقران، (مجمع البحرين) مادّة ترب.
            (5) الحفنة: ملأ الكفّين، (لسان العرب) مادّة حفن.
            (6) الكُم: من الثوب مدخل اليد ومخرجها، (لسان العرب) مادّة كمم.
            (7) الخرائج والجرائح: ج1 ص138.
            (8) أبو قبيس: هو اسم الجبل المشرف على مكّة، (معجم البلدان) للحموي: ج1 ص80
            (9) بلاطح: أتباع، (تاج العروس): ج2 ص183.
            (10) صلدح: هو الحجر العريض، كتاب (العين) مادّة صلدح.
            (11) الزمع: أي التعب والدهش، (مجمع البحرين) مادّة زمع.
            (12) راجع كنز الفوائد: ج1 ص252.
            (13) الفلاة: الأرض التي لا ماء فيها ولا أنيس، (لسان العرب) مادّة فلو.
            (14) سورة المؤمنون: 1-2.
            (15) سورة المؤمنون: 10-11.
            (16) البصبصة: هي أن ترفع سبّابتيك إلى السماء وتحرّكهما وتدعو، (مجمع البحرين) مادّة بصبص.
            (17) الأمالي للطوسي: ص706 المجلس23 ح1511.
            (18) بحار الأنوار: ج35 ص18 ب1 ضمن ح14.
            (19) لمزيد من التفصيل راجع كتاب (علي (عليه السلام) وليد الكعبة) لمؤلّفه الشيخ محمّد علي ابن ميرزا أبو القاسم الاُردوبادي المتوفّى عام 1380هـ.
            (20) علل الشرائع: ج1 ص135 ب116 ح3.
            (21) تهامة: اسم مكّة، كتاب (العين) مادّة تهم.
            (22) بحار الأنوار: ج35 ص10.
            (23) مناقب آل أبي طالب: ج2 ص172.
            (24) راجع بحار الأنوار: ج39 ص14.
            (25) سجف: أي الستر، (لسان العرب) مادّة سجف.
            (26) بحار الأنوار: ج35 ص19 ح15.
            (27) بحار الأنوار: ج35 ص70 ح4.
            (28) مستدرك الوسائل: ج2 ص266 ب6 ح1929.
            (29) الكافي: ج1 ص453 باب مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه ح2.
            (30) الكافي: ج4 ص544 باب النوادر ح21.
            (31) راجع علل الشرائع: ج2 ص469 باب النوادر.
            (32) مفاتيح الجنان: ص421.

            تعليق


            • #7
              السلام عليك يا ام امير المؤمنين

              تعليق


              • #8
                بوركت يا أخي الموالي وجعلها الله في موازين حسناتك ورزقنا الله وإياك شفاعة آل بيت النبوة يوم القيامة

                اللهم صلي على محمد وعلي وآلهما الطاهرين

                السلام عليك يا مولاتي يا أم حيدر السلام عليك وعلى أبناءك الطاهرين

                تعليق


                • #9
                  السلام عليك ياسيدتي ياام امير المؤمنين وقائد الغر المحجلين
                  بارك الله فيك اخي سيد حسنين وجعله في ميزان حسناتك
                  موضوغ غاية في الروعة

                  تعليق


                  • #10
                    السلام عليك يا مولاتي يا أم حيدر السلام عليك وعلى أبناءك الطاهرين


                    حياك الله

                    أخي الفاضل سيد حسنين

                    الله يعطيك العافية

                    جزاك الله خيراً

                    نسألكم الدعاء

                    تعليق


                    • #11
                      احسنتم بارك الله بكم واعلى شأنكم
                      سدد الله خطاكم ورفعكم مكانا مع محمد وال محمد
                      معلومات افدتني بها لك اكن اعلمها
                      مأجورين ان شاء الله
                      نسالكم الدعاء

                      تعليق


                      • #12
                        شكرا

                        شكرا اختي العزيزة التوبة والغفان على مرورك والله يسعدني ويشرفني مشاركتك لنا في الموضوع

                        تعليق


                        • #13
                          جزاكم الله جزاء المحسنين

                          اللهم صلي على محمد وال محمد

                          تعليق


                          • #14
                            مشكوووووووووووووور ارك الله فيك

                            تعليق


                            • #15
                              جزاك الله ووفقك وسدد مسعاك وزادك معرفه يااخي الفاضل على هذه الموسوعه الجميله والمفيده وشكرا

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                              يعمل...
                              X