السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
-14-رحيل النبي (ص), وفاة أم أغتيال؟
يتبع....
الفصل الرابع عشر والاخير من كتاب مؤامرة المسلمين على النبي محمد (ص)
الفهرس:
مقدمة,
المسلمون يحاولون اغتيال النبي في العقبة, من هم رجال عصبة الاغتيال في العقبة؟
أحد رجال عصبة الاغتيال يفضح نفسه,
التغطية على المشتركين في عملية الاغتيال,
هل مات النبي بالسم؟
الشراب المسموم,
المتآمرون يجنون ماخططوا لهم ويفوزون بالحكم.
-14-رحيل النبي (ص), وفاة أم أغتيال؟
(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين)(آل عمران 144)
تعرض النبي الكريم الى محاولات اغتيال عديدة كان أغلبها بتدبير قبيلة قريش وزعماءها من مثل أبوسفيان بن حرب وغيره .ذكرت كتب السيرة تلك المحاولات التي خطط لها كفار قريش, ولم يجد المؤرخون حرجاً في تفصيل ذلك ولم يخش المؤرخون سلطة الخلفاء من كتابة تلك المحاولات, بل على العكس كان ذكرمحاولات الاغتيال التي قام بها مشركو قريش وباقي العرب واليهود يوحي للناس أن المشركين واليهود هم فقط الذين كانوا وراء محاولات الاغتيال تلك وليس غيرهم ! لكن النبي تعرض الى محاولات اغتيال اخرى كانت بتدبير المسلمين أنفسهم , ذكرت كتب السيرة نتفاً من تلك المحاولات ولم تذكر الاشخاص وتكتمت عن التصريح واكتفت بتلميحات يسيرة فصلتها كتب اخرى خارجة عن سلطة الدولة. ان سبب تكتم بعض كتب السيرة عن ذكر اسماء المسلمين الذين حاولوا اغتيال النبي لايحتاج الى محقق جنائي لادراك ذلك التكتم ! فالاشخاص الذين خططوا لاغتيال النبي في أيامه الاخيرة هم الذين تسدوا مناصب الامارة والسيادة في الدولة التي أقامها النبي محمد(ص) واغتصبوا الخلافة ونالوا مايريدون , فقد كانت مصلحة الجناة التعجيل برحيل النبي كي يرثوا دولة كاملة وجاهزة, ولم يقدر المؤرخون والكتاب الذين عاشوا تحت تسلط أولئك الحكام ذكر تفاصيل الاغتيال تلك وأكتفى بعضهم بالتلميح , ويعود الفضل في اكتشاف جناة محاولات الاغتيال تلك الى حصافة المحققين الذين جمعوا النتف والتلمحيات من كتب التاريخ والسيرة ,ليظهروا الصورة كاملة ويبينوا لنا من هم الذين أبرموا تلك الخطط. ومن المعجزات القرانية أن ايات القران أشارت الى اولئك المخططين, ولم يجد الذين اغتصبوا سلطة الدولة سوى تأويل تلك الايات وتفسيرها بشكل يخالف ما اوحت به تلك الايات , ولو تسنى لهم أن يمحوا من كتاب الله مايقدروا لمحوا مايحلو لهم .
ومن تلك الايات التي تتحدث عن اغتيال النبي وقتله , اية 144 من سورة آل عمران (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم) , حيث تبين الاية أن قتل النبي موضوع وارد وقد يحصل ( أفإن مات أو قتل) ,فاحتمال موت النبي قتلاً ليس من المستحيلات , واذا كان القرآن قد تحدث أن الله سبحانه سيعصم النبي من الناس كما في الاية (يا أيها النبي بلغ ما أنزل أليك من ربك وأن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لايهدي الكافرين) (المائدة57) فأن العصمة كانت فاعلة حتى إتمام تبليغ الرسالة كاملة , ثم تأتي آية ( اليوم أكملت لكم دينكم.....)( المائدة3) , فبعد تبليغ الرسالة للناس وإكمال الدين وإتمام النعمة يبقى موضوع قتل النبي أو وفاته محتمل الوقوع كما بينت اية ال عمران, وإن كانت أغلب كتب السيرة تلقي تفسيراً غامضا حول وفاة النبي وتتطرق بحذر الى احتمال وفاته مسموماً وذلك بتأويل آيات عصمة الله له من الناس , حيث يخلط جمع من الكتاب بين اية ( والله يعصمك من الناس ) وبين آية ( أفإن مات أو قتل) فمرة يقولون أنه معصوم عن القتل حسب اية والله يعصمك من الناس, وأخرى يتحدثون عن أمكانية وفاته بالقتل والسم, وفاتهم ان أية العصمة هي كانت لحفظه حتى يبلغ رسالة الخلافة وقد مربنا تفسيرها في فصل نظام الحكم , وبقي أحتمال موته قتلاً أحتمالاً واردا وليس مستحيلاً بل مؤكدا. إن ترجيح وفاة النبي وفاة طبيعية يصب في مصلحة الجناة لرفع تهمة الاغتيال عنهم !
إن سبب محاولات المسلمين لاغتيال النبي هوالطمع بتسدي امارة الدولة التي أقامها النبي في الجزيرة العربية, فالذين حاولوا أغتيال النبي من المسلمين ونجحوا في ذلك لاحقاً, علموا من أحاديث النبي (ص) ومن خطبه أنه في أواخر أيامه , وأنه على وشك الرحيل الى العالم الاخر فأرادوا أن يعجلوا من رحيله كي يتسنى لهم أفساد وصيته بالخلافة لعلي بن أبي طالب ,ويتسنى لهم اغتصاب السلطة ليستحوذوا على دولة كاملة جاهزة تحكم الجزيرة العربية ولها من الزخم والقوة ما سيمكنها من التسلط على أقوى دولتين في تلك الازمنة وهي دولة فارس ودولة الروم. انه حلم لا يصل اليه العربي انذاك في أبعد تخيلاته قبل ظهور النبي محمد (ص) وقبل انتصار الدين الجديد, لكن ذلك الحلم البعيد قد يصير حقيقة بعد موت النبي, فالنبي اوجد دولة كبيرة تسيطر على الجزيرة العربية وهي دولة قابلة للتوسع, فما أعظم الحصول على ذلك للعربي الذي كانت غاية أحلامه تزعم قبيلة, ولكن بقتل النبي يتمكن الطامع وعشيرته من حكم العرب. من البديهي أن الطامع في تسدي خلافة النبي لابد أن يكون من الذين كانوا قريبين للنبي, فليس للاعرابي المسلم الذي يعيش بعيدا عن النبي حظ في ذلك, وهذا السبب يرشد الباحث الى الجاني والطامع في اغتيال النبي(ص) , فالجناة يعيشون مع النبي وبالقرب منه وهم الذين سعوا للحصول على السلطة وانتحال خلافته . من المهم ذكر أن اليهود حاولوا قتل النبي بواسطة السم أكثر من مرة ,وفي أحد المرات سمموا ذراع شاة واهدوها له وعرف النبي(ص) ان الذراع المطبوخة كانت مسمومة فلم يأكلها , ان محاولة الاغتيال اليهودية تلك لها علاقة باغتيال المسلمين للنبي , ولذا من الضروري المرور عليها وذكر تأثيرها في الروايات التاريخية. لقد ضخًّم المؤرخون محاولات أغتيال اليهود للنبي(ص) فغطت على محاولات المسلمين وصار المسلم في الماضي وفي عصرنا الحاضر يعرف نتفاَ غامضة عن محاولات اليهود لاغتيال النبي , ولايعرف شيئا عن باقي الروايات التي قام بها المسلمون .
المسلمون يحاولون أغتيال النبي في العقبة
في منطقة تدعى العقبة تقع بين المدينة والشام حدثت محاولة من محاولات أغتيال النبي, وقد حدثت الحادثة بعد غزوة تبوك, وعندها كانت الدولة التي أقامها النبي محمد(ص) تسيطر على معظم الجزيرة العربية والأمور مستتبة وليس للطامع سوى قتل النبي ليسيطرعلى دولة كاملة لم تكن قبل ذلك في عهد الجاهلية سوى مدن وواحات متفرقة. يمر النبي(ص) وهو في عودته من غزوة تبوك في مسارعلى حافة جبل عال وكان حينها راكباً راحلته ومعه فقط إثنين ممن يثق من الصحابة وهما عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان . كان مسار النبي في حافة الجبل ليلاً, وقال لجنوده بأنه سيتخذ ذلك الممر الضيق لوحده وحثهم على السير في بطن الوادي من حول الجبل بدلا من السير معه على حافة الجبل شديد الانحدار ,فكانت فرصة سانحة للخونة الذين خططوا لاغتياله, فهجموا عليه وغايتهم هي تنفير ناقته لإسقاطه وناقته من حافة الجبل العالية نحو وادي العقبة لقتله, لكن عمار بن ياسر ضرب بمحجنه وجوه راوحلهم وكشفهم ضوء القمر وإن كانوا ملثمين, وعرفهم النبي(ص) وعرفهم كذلك عمار وحذيفة من دوابهم التي كانوا يركبونها, فخابوا وهربوا من انكشاف أمرهم وأفشل الله خطتهم تلك . وقال حذيفة بن اليمان للنبي ألا نقتلهم فقال النبي (ص) أنه لايقتل أصحابه, ثم جمعهم بعد ذلك وعاتبهم على مافعلوا فحلفوا له اغلظ الايمان انهم لم يكن في نيتهم قتله فتركهم(ص) ومضى في مسيره! كان للرحمة التي يحملها النبي سبب في ذلك, فطالما عفى عليه الصلاة والسلام عن أناس وتركهم أملاً منه في هدايتهم وتحققت الهداية لكثير من الذين عفا عنهم ولم يعنفهم, وقد يكون أيضا أن النبي (ص) عفا عن الذين خططوا لقتله أملاً منه في توحيد المسلمين في دولة الاسلام الفتية تلك, فالعقوبة الرادعة لاولئك المتآمرين قد تؤدي الى انقسام المسلمين بانضمام المنافقين والمتقلبين إلى تلك العصبة لوجود التعصب العشائري والقبلي, وهذا السبب الثاني يرجح أن تلك العصبة من الرجال لابد أن كانت من الصحابة المقربين ممن لهم علاقة مصاهرة وجيرة مع النبي وليسوا من الاعراب وعوام الناس, فعقوبة صحابة مقربين سيخلخل المسلمين , وهذا ما يرجح سبب عفو النبي الكريم عنهم والتغاضي عن جريمتهم. ان النبي (ص) كما بيَّن في أكثر من مرة لا يعاقب الناس على النوايا , وإنما يعاقب على الاعمال , فلم يرضى أن يحاكم تلك العصبة على نية خبيثة نووها ولم يحققوا منها شيئاً. لنقرأ النصوص :
لقد خلد القرآن حادثة الاغتيال تلك في سورة التوبة حيث تقول الاية : ( يحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) ( سورة التوبة, 74) لقد هموا بقتل النبي ولكنهم لم ينالوا ذلك, وتأمل قوله تعالى في بداية الاية ( يحلفون بالله ماقالوا) أي أنهم حلفوا بالله للنبي (ص) أنهم أبرياء بعد أن جمعهم وعاتبهم , ثم تذكر الاية أنهم كفروا بعد أسلامهم أي أنهم كانوا مسلمين أسروا الكفر وجهروا بالاسلام كذباً ونفاقاً. وقد ذكرت كتب التفاسير هذه الحادثة ومنها مايلي من تفسير البيضاوي حيث يقول :
( وَهَمُّوا بما لم يَنالوا ، من الفتك بالرسول وهو أن خمسة عشر منهم توافقوا عند مرجعه من تبوك أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذ تسنم العقبة بالليل ! فأخذ عمار بن ياسر بخطام راحلته يقودها وحذيفة خلفها يسوقها، فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الإبل وقعقعة السلاح فقال: إليكم إليكم يا أعداء الله، فهربوا) ( تفسير البيضاوي , ج3 ص 158)
وروى ابن كثير : (عن حذيفة بن اليمان، قال: كنت آخذاً بخطام ناقة رسولوسلَّم أقود به، وعمار يسوق النَّاقة - أو أنا أسوقالنَّاقة وعمار يقود به - حتَّى إذا كنَّا بالعقبة، إذا باثني عشر رجلاً قداعترضوه فيها.قال: فأنبهت رسول الله فصرخ بهم فولّوا مدبرين. فقال لنا رسول الله: هل عرفتم القوم؟ قلنا: لا يا رسول الله قد كانوا متلثمين، ولكنا قد عرفنا الرّكاب
قال:هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة، وهل تدرون ما أرادوا ؟قلنا: لا. قال: أرادوا أن يزحموا رسول الله في العقبة، فيلقوه منها, قلنا: يا رسول الله أولا تبعث إلى عشائرهم حتَّى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم؟. قال: لا أكره أن يتحدَّث العرب بينها أنَّ محمَّداً قاتل لقومه، حتَّى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم.)( البداية والنهاية لابن كثيرج5 ص25)
لم يعاقب النبي(ص) أولئك العصبة لكنه عاتبهم على فعلهم كما يروي الرازي في تفسيره
(فقال (ص): قم يا فلان قم يا فلان حتى عدَّ اثني عشر رجلاً منهم ! فقاموا وقالوا: كنا عزمنا على ما قلت ، ونحن نتوب إلى الله من ظلمنا أنفسنا فاستغفر لنا ! فقال: الآن ! أخرجوا . أنا كنت في بدء الأمر أقرب إلى الإستغفار ، وكان الله أقرب إلى الإجابة . أخرجوا عني) ( تفسير الرازي ج10 ص 162), تأمل قوله : قم يافلان قم يافلان.. دون ذكر الاسماء وهذا من فعل المؤرخين وكتبة التاريخ الذين ارادوا التغطية على اولئك الرجال.
إن حذيفة بن اليمان عرف من النبي أسماء جميع المنافقين وحفظ تلك الاسرار الخطيرة ولم يطلع عليها أحد ألا من أئتمنه , وكان حذيفة الشاهد على محاولة الاغتيال في العقبة وعرف جميع الذين اشتركوا في تلك المحاولة . وعرف المسلمون أن حذيفة عنده اسماء المنافقين لكنه كان يبقي ذلك سرا ربما حفاظا على حياته وربما توصية له من النبي (ص), ولم يكن حذيفة يصلي على المنافقين عند وفاتهم , فكان المسلمون يتأكدون من نفاق أي رجل بعد وفاته وذلك عندما يتخلف حذيفة عن الصلاة على الميت , فيعرف الناس أن الميت من المنافقين!. أخرج الذهبي في ترجمة حذيفة بن اليمان مايلي: ( وكان النبيّ قد أسرّ إلى حذيفة أسماء المنافقين ، وضبط عنه الفتن الكائنة في الأُمّة)( سير اعلام النبلاء للذهبي ج2 ص361). وقال الامام علي في حذيفة ( ذلك رجل عُلم أسماء المنافقين , إن تسألوه عن حدود الله تجدوه بها عالما) ( الاحتجاج للطبرسي ج1 ص388)
يتبع....
تعليق