إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

معك يا أم النبي السيدة آمنة (عليها السلام) والدة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • معك يا أم النبي السيدة آمنة (عليها السلام) والدة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)

    السيدة آمنة (عليها السلام) والدة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)

    النسب الشريف
    هي السيّدة آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، والدة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)، يجتمع نسبها مع عبد الله زوجها والد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في كلاب، حيث إنّ أحد ابنيه قصي جدّ عبد الله، والآخر زهرة جدّ آمنة.

    اُمّها: برة بنت عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب.

    فكانت آمنة (عليها السلام) من بنات أعمام عبد الله (عليه السلام).

    فهي قرشية كلابية من الأبوين.

    وقد تزوجها عبد الله وهو ابن ثلاثين سنة أو خمس وعشرين سنة.

    الأصلاب الطاهرة
    من معتقدات الشيعة الإمامية في المعصومين (عليهم السلام) أنهم لم يتنقّلوا إلا من صلب طاهر إلى رحم مطهّر، وذلك من أبينا آدم (عليه السلام) وأمنا حواء (عليها السلام) حتّى قدموا إلى هذه الحياة الدنيا.

    فلا يمكن أن يودع المعصوم والعياذ بالله في صلب غير طاهر أو ليس بموحّد، أو أنّه يبقى في رحم غير مطهّر، وهذا ما دلّت عليه الروايات الشريفة:

    فعن معاذ بن جبل أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إنّ الله عزّوجلّ خلقني وعلياً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام».
    قلت: فأين كنتم يا رسول الله؟
    قال: «قدّام العرش نسبّح الله تعالى ونحمده ونقدّسه ونمجّده».
    قلت: على أي مثال؟
    قال: «أشباح نور حتّى إذا أراد الله عزّوجلّ أن يخلق صورنا صيّرنا عمود نور، ثم قذفنا في صلب آدم، ثم أخرجنا إلى أصلاب الآباء وأرحام الاُمّهات، ولا يصيبنا نجس الشرك ولا سفاح الكفر، يسعد بنا قوم ويشقى بنا آخرون، فلمّا صيّرنا إلى صلب عبد المطّلب أخرج ذلك النور فشقّه نصفين فجعل نصفه في عبد الله ونصفه في أبي طالب، ثمّ أخرج النصف الذي لي إلى آمنة والنصف إلى فاطمة بنت أسد، فأخرجتني آمنة وأخرجت فاطمة علياً، ثمّ أعاد عزّوجلّ العمود إليّ فخرجت منّي فاطمة، ثمّ أعاد عزّوجلّ العمود إلى علي فخرج منه الحسن والحسين يعني من النصفين جميعاً، فما كان من نور علي فصار في ولد الحسن، وما كان من نوري صار في ولد الحسين، فهو ينتقل في الأئمّة من ولده إلى يوم القيامة»
    (1).

    وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): «خلقني الله تبارك وتعالى وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم (عليه السلام) بسبعة آلاف عام، ثم نقلنا إلى صلب آدم(عليه السلام) ثم نقلنا من صلبه إلى أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات».
    فقلنا: يا رسول الله، فأين كنتم وعلى أي مثال كنتم؟
    قال: «أشباحاً من نور تحت العرش نسبّح الله تعالى ونقدّسه ونمجّده».
    ثمّ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «لمّا عُرج بي إلى السماء وعند سدرة المنتهى ودّعني جبرائيل(عليه السلام)، فقلت له: في هذا المكان تفارقني؟ فقال: إني لا أجوزه فتحرق أجنحتي».
    ثمّ قال(صلى الله عليه وآله وسلم): «زجّ(2) بي في النور ما شاء الله، وأوحى الله تبارك وتعالى إليّ: يا محمّد إنّي اطّلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبياً، ثمّ أطلعت ثانية فاخترت منها علياً وجعلته وصيّك ووارثك ووارث علمك والإمام من بعدك، وأخرج من أصلابكما الذرّية الطاهرة والأئمّة المعصومين خزّان علمي، فلولاكم ما خلقت الدنيا ولا الآخرة ولا الجنة ولا النار، يا محمّد أتحبّ أن تراهم؟

    قلت: نعم.
    فنوديت يا محمّد ارفع رأسك.
    فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمّد بن علي وعلي بن محمّد والحسن بن علي والحجّة بن الحسن يتلألأ وجهه من بينهم نوراً كأنه كوكب درّي، فقلت: يا ربّ ومن هؤلاء ومن هذا؟
    قال: يا محمّد هم الأئمّة من بعدك المطهّرون من صلبك وهذا الحجّة الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ويشفي صدور قوم مؤمنين
    ».
    فقلنا: بآبائنا واُمّهاتنا يا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لقد قلت عجباً.
    فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «وأعجب من هذا أنّ قوماً يسمعون منّي هذا الكلام ثم يرجعون على أعقابهم بعد إذ هداهم الله ويؤذونني فيهم، ما لهم، لا أنالهم الله شفاعتي»
    (3).

    ونقرأ في زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أشهد يا رسول الله أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة، والأرحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها»(4).

    وكذلك في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)(5).

    إلى غير ذلك من الروايات والزيارات الشريفة التي تنصّ على أنّ المعصومين(عليهم السلام) لا يودعون إلاّ في الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهّرة، مضافاً إلى بعض الشواهد التاريخية المؤيّدة لذلك.

    نور النبوة
    نقل المؤرخون أنّه كانت هناك امرأة تدعى فاطمة بنت مرّة قد قرأت الكتب واطّلعت على ما فيها من الوقائع المهمّة، وفي أحد الأيام التقت بعبد الله والد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقالت له: أنت الذي فداك أبوك بمائة من الإبل؟
    قال: نعم.
    فعرضت عليه نفسها ولو بالحرام مقابل أن تعطيه مائة من الإبل.
    فتشاءم عبد الله منها وأنشأ يقول:
    والحل لا حل فأستبينه
    أمّا الحرام فالممات دونه

    فكيف بالأمر الذي تبغينه

    ثمّ إنّه ذهب مع أبيه فزوّجه آمنة بنت وهب، فبقي عندها يوماً وليلة، فحملت بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد ذلك رأته فاطمة بنت مرّة فلم تعرض عليه رغبتها الاُولى، فتساءل منها عن سبب إعراضها بعد رغبتها؟
    فأجابته: بأنّ ماذا صنعت بعد ذهابك عنّا؟
    فأجابها عبد الله: تزوّجت آمنة بنت وهب.
    وعندها قالت:
    لله ما زهرية(6) سلبت ثوبيك ما سلبت وما تدري
    ثمّ قالت: رأيت في وجهك نور النبوّة فأردت أن يكون فيّ، وأبى الله إلاّ أن يضعه حيث يحبّ، ثمّ قالت:
    بني هاشم قد غادرت من أخيكم**أمينة إذ للباه يعتلجان

    كما غادر المصباح بعد خبوه**فتايل قد شبّت له بدخّان
    وما كل ما يحوي الفتى من نصيبه**بحرص ولا ما فاته بتواني(7)

    مكانة الهاشميين
    على الرغم من أنّه كانت لبني هاشم عند العرب منزلة رفيعة جعلت كافّة القبائل في مختلف الأمصار تطمح في مناسبتهم ومواصلتهم منهم، إلاّ أنّ مثل عبد الله والد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان في جبينه نور النبوّة وعلى سيماه آثار الصلاح وسمات الأولياء التي لم توجد إلاّ عند الأنبياء وأوصيائهم (عليهم السلام) كان محط أنظار كافّة الناس الذين عرفوه واطّلعوا على جلالته وعظم شأنه.

    فقد نُقل في الحديث أنّ عبد الله(عليه السلام) لمّا تزوّج السيّدة آمنة(عليها السلام) ماتت العديد من النساء حسرة.

    وكما في التاريخ أنّه لمّا شبّ عبد الله تطاولت إليه أعناق الخطّاب، وبذلوا في طلبه الكثير من الأموال رغبة في تحصيل نور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يكن في عهده أحد أجمل ولا أكمل منه، وكان إذا مرّ بالناس نهاراً يشمّون منه الروائح الطيّبة، وإذا مرّ بهم ليلاً أضاءت من أنواره الظلم، حتّى أنّ أهل مكّة سمّوه مصباح الحرم(8).

    الملائكة تحرس عبدالله (عليه السلام)
    بالإضافة إلى كل ما ذكرنا من الصفات الحميدة والخصال الحسنة التي جعلت الخطّاب يتنافسون من أجل الوصول إلى عبد الله (عليه السلام) إلاّ أنّ هناك حادثة خاصّة جعلت وهب بن عبد المناف يقدّم ابنته آمنة ويطلب بنفسه من عبد المطّلب أن يكون عبد الله صهراً له.

    فقد نقل أنّ عبد الله لمّا ترعرع واشتدّ ساعده، ركب يوماً ليصيد، وقد نزل بالبطحاء(9) قوم من اليهود كانوا قد قدموا لقتل والد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وإطفاء نور الله المودع في صلبه، فنظروا إليه فرأوا سمات الأنبياء (عليهم السلام) فيه فقصدوه وكانوا ثمانين نفراً حاملين السيوف، وكان والد السيّدة آمنة في نفس المنطقة يصيد وقد رأى اليهود قد احتوشوا عبدالله ليقتلوه، فأراد أن يدفعهم عنه وإذا بجمع من الملائكة معهم الأسلحة قد طردوهم عنه، فتعجّب من ذلك وجاء إلى عبد المطّلب وقال له: زوّج بنتي آمنة من عبد الله(10).

    _________________
    *بحث مستل من كتاب امهات المعصومين للمرحوم السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله.
    (1) علل الشرائع: ج1 ص208 ب156 ح11.

    (2) زجّ: رمي به، لسان العرب مادّة زجج.
    (3) إرشاد القلوب: ج2 ص415.
    (4) بحار الأنوار: ج97 ص187 ب3 زيارته (صلى الله عليه وآله وسلم) من البعيد.
    (5) بحار الأنوار: ج98 ص200 ب18 زيارته صلوات الله عليه.
    (6) المراد بالزهرية: آمنة (عليها السلام)، أي إنها لم تسلب ثوبيك فقط حين قاربتها وإنما سلبت منك شيئاً عظيما وهو نور النبوة التي كان في صلبك.
    (7) مناقب آل أبي طالب: ج1 ص26.
    (8) بحار الأنوار: ج15 ص90.
    (9) مسيل فيه دقاق الحصى، والجمع الأباطح والبطاح، معجم البلدان: ج1 ص444.
    (10) الخرائج والجرائح: ج1 ص129.


  • #2
    وهب يخطب عبد الله لابنته
    في بعض التواريخ: إنّ اليهود لما عرفوا أنه سيخرج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من صلب عبد الله (عليه السلام) همّوا بقتل عبد الله(عليه السلام) فرآهم وهب بن عبد المناف في المعركة، فأتى الحرم المكّي وأخبر بني هاشم، فهبّوا مسرعين لإنقاذ عبد الله.
    ولمّا رآهم اليهود أيقنوا بالهلاك وتظاهروا أنّهم لم يقصدوا أذيته إلاّ أنّه لم يقبل منهم وطاردهم مع بني هاشم وتشابكوا معهم وقتلوا منهم قسماً والبقية أخذوهم إلى مكّة اُسارى وذلك لرغبتهم في إيصال بعض الأمانات التي كانت معهم إلى مكّة.
    ثم أقبل عبد المطّلب (عليه السلام) إلى ولده عبد الله (عليه السلام) وقال له: يا ولدي لولا وهب بن عبد مناف أخبرنا بأمرك ما علمنا بأمرك ولكن الله تعالى يحفظك.
    فلمّا أشرفوا على مكّة المكرّمة خرج الناس يهنّئونهم بالسلامة وإذا باليهود مقيّدين فأخذوا يرشقونهم بالحجارة، فقام عبد المطّلب وقال: أرسلوا بهم إلى دار وهب حتّى يستقصوا على أموالهم ولم يبق لهم شيء، فأرسلوهم إلى دار وهب.
    وفي نفس الليلة أقبل وهب على زوجته برّة بنت عبد العزّى وقال لها: لقد رأيت اليوم عجباً من عبد الله ما رأيته من أحد، رأيته وهو يكرّ على اليهود كالليث، وكلّما رماهم بنبلة قتل منهم إنساناً، وهو أجمل الناس وجهاً، فامضي إلى والده واخطبيه لآمنة واعرضيها عليه، فعسى أن يقبلها، فإن قبلها سعدنا سعادة عظيمة.
    فقالت له: يا وهب إنّ رؤساء مكّة وأشراف العرب قد رغبوا فيه فأبى عن ذلك، فكيف يتزوّج بابنتنا وهي قليلة المال؟
    فقال لها: إنّ لي عليهم فضل حيث إنّني أخبرتهم بأمر عبد الله مع اليهود.
    ثمّ إنّ والدة السيّدة آمنة خرجت إلى دار عبد المطّلب(عليه السلام)، فرحّب بها كثيراً وقال لها: لقد كان لزوجك اليوم علينا فضل لا نقدر أن نكافيه أبداً، وله أياد بالغة بذلك وسنجازيه بما فعل إن شاء الله تعالى، فاذهبي إليه وأبلغيه عنّا التحية والإكرام وقولي له: إن كانت له إلينا حاجة تُقضى إن شاء الله مهما كانت.
    فاسترّت برّة وقالت: قد علمنا أنّ ملوك الشام والعراق وغيرهم رغبوا في ولدكم يطلبون أنواركم المضيئة ونحن أيضاً طمعنا فيمن طمع في ولدكم عبد الله، وقد رجا وهب أن يكون عبد الله زوجاً لابنتنا، وقد جئناكم طامعين ونسألكم أن تقبلونا، فإن كان مالها قليلاً فعلينا ما نجمّلها به وهي هدية منّا لابنك عبد الله.
    فلمّا سمع عبد المطّلب (عليه السلام) كلامها نظر إلى عبد الله وكان قبل ذلك إذا عرض عليه التزويج من بنات الملوك يظهر في وجهه الامتناع وقال له: ما تقول يا بني فيما سمعت؟ فوالله ما في بنات أهل مكّة مثلها، فهي المحتشمة في نفسها، الطاهرة المطهّرة.
    فسكت عبد الله (عليه السلام) ولم يجب.
    فعلم عبد المطّلب (عليه السلام) أنّه قد مال إليها، فقال: قد قبلنا دعوتكم ورضينا بابنتكم.
    وحينذاك قالت فاطمة زوجة عبد المطّلب: أنا أمضي معك إليها لأنظر إلى آمنة، فإن كانت تصلح لولدي رضينا بها.
    فرجعت برّة مسرورة بما سمعت، وقد سمعت هاتفاً في الطريق يقول: بخٍ بخٍ لكم، قد قرب خروج المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم).
    فدخلت على زوجها، فقال: وما وراءك؟
    فأخبرته الخبر وقالت له: اعلم أنّ عبد المطّلب قد رضي بابنتك، إلاّ أنّ فاطمة والدته تريد أن تنظر إلى ابنتك آمنة، فإن رضيت بها وإلاّ لم يكن شيئاً، وإنّي أخاف أن لا ترضى بها.
    فقال لها وهب: اُخرجي فوراً إلى ابنتك وزيّنيها، فعسى أن ترغب فاطمة فيها؟!
    فعمدت برّة إلى بنتها وألبستها أفخر ما عندها من الثياب وقالت لها: يا بنية إذا أتتك فاطمة فتأدّبي معها بأحسن الأدب.
    وبينما هما على ذلك إذ أقبلت فاطمة وخرج وهب من المنزل وإذا بعبد المطّلب (عليه السلام)، فأدخلوا فاطمة، فقامت لها السيّدة آمنة إجلالاً وتعظيماً ورحّبت بها أحسن الترحيب.
    فنظرت إليها فاطمة فأعجبت بها جدّاً وقالت لوالدتها: يا برّة ما كنت عهدت أنّ آمنة على هذه الصورة؟ علماً أنّني كنت قد رأيتها قبل ذلك مراراً وكراراً.
    فقالت برّة: يا فاطمة كل ذلك ببركتكم علينا.
    فقامت فاطمة وأتت إلى عبد المطّلب وعبد الله (عليهما السلام) وقالت: يا ولدي ما في بنات العرب مثلها أبداً، ولقد ارتضيتها، وإنّ الله تعالى لا يودع هذا النور إلاّ في مثل هذه(11).

    الزواج الميمون
    نقل العلاّمة المجلسي (رحمه الله) في (بحار الأنوار): أنّه لمّا حضرت ساعة عقد عبد الله (عليه السلام) من آمنة (عليها السلام) قام عقيل بن أبي وقّاص وقال:
    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي جعلنا من نسل إبراهيم، ومن شجرة إسماعيل، ومن غصن نزار، ومن ثمرة عبد مناف، ثمّ أثنى على الله تعالى ثناء بليغاً وقال فيه جميلاً وعقد النكاح، ونظر إلى وهب وقال: يا أبا الوادح زوّجت كريمتك آمنة من ابن سيّدنا عبد المطّلب على صداق أربعة آلاف درهم بيض هجرية جياد وخمسمائة مثقال ذهب أحمر.
    فقال: نعم.
    ثمّ التفت إلى والد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: يا عبد الله قبلت هذا الصداق يا أيّها السيّد الخاطب؟
    قال: نعم، وعندها دعا لهما بالخير والكرامة.
    وأمر وهب أن تقدّم المائدة، فقدّمت مائدة خضرة فوضع الطعام وأكل الناس وشربوا، ونثر عبد المطّلب (عليه السلام) على ولده قيمة ألف درهم من النثار وكان متّخذاً من مسك ومن عنبر ومن سكّر ومن كافور، ونثر وهب كذلك بقيمة ألف درهم عنبراً وفرح الناس بذلك فرحاً شديداً(12).

    ليلة الزفاف
    عندما فرغ الناس من مراسم القران نظر عبد المطّلب (عليه السلام) إلى والد السيّدة آمنة وطلب منه أن تزفّ آمنة إلى عبد الله(عليه السلام)، فاستغرب وقال: بهذه السرعة؟
    فأعرب عبد المطّلب (عليه السلام) عن شديد رغبته في رؤية زواج ابنه قبل وفاته.
    فما كان من وهب إلاّ أن دخل على زوجته برّة وقال لها: اعلمي أنّ عبد المطّلب (عليه السلام) راغب أن يجمع بين ولده عبد الله وزوجته آمنة.
    فقامت المرأة من وقتها مع بعض النساء وأعددن السيّدة آمنة، وما أن غربت الشمس حتّى زفّت إلى بيت عبد الله. وفي نفس تلك الليلة جاء وهب وقال لعبد المطّلب: أقدم على العروس.
    فقام عبد المطّلب (عليه السلام) إلى العروس وقبّل ما بين عينيها وقال لولده عبد الله: اجلس يا ولدي معها وافرح برؤيتها.
    فقعد عبد الله (عليه السلام) إلى جنب العروس وفرح عبد المطّلب (عليه السلام)، وكان من عبد الله إلى أهله ما يكون من الرجال إلى النساء(13).

    من مؤامرات اليهود
    وعندما جرى الكلام بين وهب وعبد المطّلب في أمر السيّدة آمنة (عليها السلام)، قال وهب: يا أبا الحارث هي هدية منّي إليك بغير صداق معجّل ولا مؤجّل.
    إلاّ أنّ عبد المطّلب (عليه السلام) رفض وقال: جزيت خيراً يا وهب ولابدّ من صداق ويكون بيننا وبينك من يشهد به من قومنا.
    ثمّ إنّ عبد المطّلب أراد أن يقدّم إليه شيئاً من المال ليصلح به شأنها وإذا به يسمع همهمة وأصواتاً، فتحرّى هو ووهب عن الخبر، وإذا باليهود الذين كانوا محبوسين في دار وهب قد تآمروا لقتل عبد المطّلب وعبد الله، فساروا إلى دار وهب فكانوا يرون عبد الله ووالده ووهب وهم لا يرونهم، فرموهم بالحجارة فردّها الله عزّوجلّ عليهم.
    ثمّ إنّ عبد المطّلب خرج مع عبد الله وفاطمة إلى منزلهم، وقالوا: يا وهب إذا كان في الغد جمعنا قومنا وقومك ليشهدوا بما يكون من الصداق.
    فقال: جزاك الله خيراً فلمّا طلع الفجر أرسل عبد المطّلب إلى بني عمّه ليحضروا خطبتهم، وجمع وهب أيضاً قرابته وبني عمّه، فاجتمعوا في الأبطح.
    فلمّا أشرف عليهم الناس قاموا إجلالاً لعبد المطّلب وأولاده، ثمّ إنّه لمّا استقرّ بهم المجلس خطبوا خطبتهم وعقدوا عقد النكاح وقام عبد المطّلب فيهم خطيباً، فقال:
    الحمد لله حمد الشاكرين، حمداً استوجبه بما أنعم علينا وأعطانا وجعلنا لبيته جيراناً ولحرمه سكّاناً وألقى محبّتنا في قلوب عباده وشرّفنا على جميع الاُمم ووقانا شرّ الآفات والنقم، والحمد لله الذي أحلّ لنا النكاح وحرّم علينا السفاح وأمرنا بالاتّصال وحرّم علينا الحرام، اعلموا أنّ ولدنا عبد الله هذا الذي تعرفونه قد خطب فتاتكم آمنة بصداق معجّل ومؤجّل كذا وكذا، فهل رضيتم بذلك من ولدنا؟
    قال وهب: قد رضينا منكم.
    فقال عبد المطّلب: اشهدوا يا من حضر.
    ثمّ تصافحوا وتهانوا وتصافقوا وتعانقوا وأولم عبد المطّلب وليمة عظيمة فيها جميع أهل مكّة وأوديتها وشعابها وسوادها، فأقام الناس في مكّة أربعة أيّام(14).

    محاولة اغتيال السيّدة آمنة
    بعد أن قدمت زرقاء اليمامة(15) من الشام إلى مكّة المكرّمة واطّلعت على النور العظيم الذي يحمله والد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وكيف إنّه انتقل إلى السيّدة آمنة(عليها السلام) عمدت إلى تدبير مخطّط تتخلّص من خلاله من آمنة (عليها السلام) وتطفأ النور الإلهي المودع في أحشائها.
    وبالفعل، فقد أخذت تلك المرأة تفكّر في الحيلة التي تتخلّص من خلالها من السيّدة فانتهى فكرها إلى ما يلي:
    أن تجهّز من الماشطات حتّى يقتلنها، فعثرت على امرأة من الخزرج اسمها «تكنا» وكانت ماشطة للسيّدة آمنة، فلمّا كان في بعض الليالي استيقظت «تكنا» فرأت عند رأس الزرقاء شخصاً يحدّثها ويقول:
    ويلك يا زرقاء! لقد نزل بنا أمر عظيم، كنّا نصعد إلى السماء السابعة ونسترق السمع، وفي هذه الأيام الأخيرة طردنا من السماء وسمعنا منادياً ينادي في السماوات: أنّ الله قد أراد أن يظهر المكسّر للأصنام ومظهر عبادة الرحمن فامتنعوا جملة الشياطين من السماء ورمتنا الملائكة بشهب من نار، وقد جئتك لاُحذّرك.
    فلمّا سمعت زرقاء كلامه قالت له: انصرف عنّي، فلابدّ أن أجتهد في قتل هذا المولود.
    ثمّ إنّه فارقها و«تكنا» تسمع ما جرى بينهما، فأتت إلى الزرقاء وقالت لها: ما لي أراك مغمومة؟
    قالت لها: يا ويلك إنّ همّي وحزني من حامل مولود يدعو إلى تكسير الأصنام ويذلّ السحرة والكهّان، فلو وجدت من يساعدني على قتل آمنة بذلت له الجزيل من الأموال والهدايا، وعمدت إلى كيس كان معها فأفرغته بين يدي «تكنا» وكان مالاً جزيلاً.
    فلمّا نظرت «تكنا» إلى المال أغراها وراقها بريقها، وقالت لها: يا زرقاء لقد ذكرت أمراً عظيماً إلاّ أنّني سأفكّر لك فيما ذكرت، ولكن كيف أجسر على ما وصفت والوصول إلى ما ذكرت؟
    فقالت الزرقاء: إذا دخلت عليها وجلست عندها فاقبضي على ذوائبها(16) واضربيها بهذا الخنجر فإنّه مسموم، وإذا وقعت عليك التهمة أو وجبت عليك دية فأنا أقوم بخلاصك وأدفع عنك فما أنت قائلة؟
    قالت: إنّي أجبتك لكن اُريد منك الحيلة بأن تشغلي بني هاشم عنّي.
    فقالت الزرقاء: لا عليك أنا أشغلهم عنك.
    ثمّ إنّ الزرقاء أعطت «تكنا» الخنجر المسموم وقالت لها: قومي إلى حاجتك، فقامت ودخلت على السيّدة آمنة (عليها السلام) فرحّبت بها وسألتها عن أحوالها وقالت: يا «تكنا» لقد انقطعت عنّا؟
    فقالت: اشتغلت بهمّي وحزني، ولولا فضلكم علينا لكنّا بأقبح حال ولا أحد أعزّ عليّ منك، هلمّي يا بنيّة إليّ حتّى اُزيّنك.
    فجاءت السيّدة آمنة (عليها السلام) وجلست بين يديها، فلمّا فرغت من تسريح شعرها عمدت إلى الخنجر وأرادت أن تضربها به فحسّت كأنّ أحداً قبض على قلبها فغشي على بصرها فسقط الخنجر من يدها إلى الأرض، فصاحت واحزناه.
    فالتفتت السيّدة آمنة (عليها السلام) إليها وإذا الخنجر قد سقط من يدها، فصاحت السيّدة آمنة، فتبادرت النسوان إليها وقلن لها: ما دهاك؟
    قالت: أما ترين ما جرى عليّ من «تكنا»؟ لقد كادت أن تقتلني بهذا الخنجر المسموم.
    فقلن: يا «تكنا» ما أصابك، ويلك تريدين أن تقتلي آمنة؟
    فقالت: نعم، لقد أردت قتلها.
    فقالت لها النساء: يا «تكنا» ما حملك على ذلك؟
    قالت: لا تلوموني حملني طمع الدنيا والغرور، ثمّ أخبرتهنّ بالقصة وقالت لهنّ: ويحكنّ دونكنّ الزرقاء اقتلنها قبل أن تفوتكنّ(17).

    نور وجه عبد الله (عليه السلام)
    روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال: ولد لأبي، عبد المطلب عبد الله فرأينا في وجهه نوراً يزهر كنور الشمس، فقال أبي: إن لهذا الغلام شأناً عظيماً.
    قال: فرأيت في منامي أنه خرج من منخره طائر أبيض فطار فبلغ المشرق والمغرب، ثم رجع راجعاً حتى سقط على بيت الكعبة، فسجدت له قريش كلها، فبينما الناس يتأملونه إذ صار نوراً بين السماوات والأرض وامتد حتى بلغ المشرق والمغرب.
    فلما انتبهت سألت كاهنة بني مخزوم، فقالت: يا عباس لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعاً له.
    قال أبي أي العباس : فهمّني أمر عبد الله إلى أن تزوج بآمنة وكانت من أجمل نساء قريش وأتمها خلقاً، فلما مات عبد الله وولدت آمنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أتيته فرأيت النور بين عينيه يزهر
    ... الحديث(18).
    __________________
    (11) راجع بحار الأنوار: ج15 ص97.

    (12) بحار الأنوار: ج15 ص281.
    (13) راجع بحار الأنوار: ج15 ص281.
    (14) راجع بحار الأنوار ج15 ص97.
    (15) زرقاء اليمامة بنت مرهل كاهنة اليمامة وداهية الدهياء.
    (16) الذؤابة: المضفورة من شعر، كتاب‏ (العين) ‏مادة ذأب .
    (17) بحار الأنوار ج15 ص322.
    (18) كمال الدين: ج1 ص175 ح33.

    تعليق


    • #3
      فترة الحمل
      إنّ مرحلة حمل السيّدة آمنة (عليها السلام) بالنبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) كانت مليئة بالخيرات والبركات وما يؤكد على قداسة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ومدى علوّ مقامه عند الله تعالى وارتفاع شأنه العالي لديه.

      فقد نقل العلاّمة المجلسي(قدس سره) قائلاً:
      لمّا مرّ على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في بطن اُمّه شهران أمر الباري تعالى منادياً في السماوات والأرضين، أن ناد في السماوات والأرض والملائكة: أن استغفروا لمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) واُمّته، كل هذا ببركة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
      ولمّا أتى على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في بطن اُمّه ثلاثة أشهر كان أبو قحافة راجعاً من الشام، فلمّا بلغ مشارف مكّة وضعت ناقته جمجمتها على الأرض ساجدة وكان بيده قضيب فضربها، فلم ترفع رأسها، فقال أبو قحافة: فما أرى ناقة تركت صاحبها، وإذا بهاتف يقول: لا تضرب يا أبا قحافة من لا يطيعك ألا ترى أنّ الجبال والبحار والأشجار سوى الآدميين سجدوا لله!
      فقال أبو قحافة: يا هاتف وما السبب في ذلك؟
      قال: سترى يا أبا قحافة إن شاء الله تعالى.
      يقول أبو قحافة: فوقفت ساعة حتّى رفعت الناقة رأسها وجئت إلى عبد المطّلب فأخبرته.
      ولمّا أتى على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أربعة أشهر كان زاهد على الطريق من الطائف وكان له صومعة(19) بمكّة على مرحلة قال: فخرج الزاهد وكان اسمه حبيباً فجاء إلى بعض أصدقائه بمكّة، فلمّا بلغ أرض الموقف إذا بصبي قد وضع جبينه على الأرض وقد سجد على جمجمته، فدنا حبيب منه وأخذه وإذا بهاتف يهتف ويقول: خلّ عنه يا حبيب ألا ترى إلى الخلائق من البر والبحر والسهل والجبل قد سجدوا لله شكراً
      (20).

      البشرى بمولد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
      كثيرة كانت البشارات التي بشّرت بنبي آخر الزمان(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي سينقذ الاُمّة من ظلمات الجاهلية الاُولى ويدخلها في عزّ الوحدانية والتوحيد.
      فمن قبل أن تنعقد نطفة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان الأنبياء والصلحاء (عليهم السلام) بل وحتّى المنجّمين وغيرهم ممّن يعتقد بهم بعض الناس يخبرون عن قرب ظهور نبي آخر الزمان ويشيدون بفضائله ومكانته الرفيعة عند الله تبارك وتعالى.
      وربما لا نبالغ إذا ما ذهبنا بالقول إنّ استعراض مثل هذه المبشّرات يحتاج إلى مجلّد ضخم إلاّ أنّ الذي يهمّنا في بحثنا هذا هو البشارات المرتبطة باُمّهات المعصومين (عليهم السلام).

      فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: كان حيث طلقت آمنة بنت وهب وأخذها المخاض بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) حضرتها فاطمة بنت أسد امرأة أبي طالب، فلم تزل معها حتّى وضعت، فقالت إحداهما للاُخرى: هل ترين ما أرى؟
      فقالت: وما ترين؟
      قالت: هذا النور الذي قد سطع ما بين المشرق والمغرب.
      فبينما هما كذلك إذ دخل عليهما أبو طالب(عليه السلام)، فقال لهما: ما لكما من أي شيء تعجبان؟
      فأخبرته فاطمة بالنور الذي قد رأت.
      فقال لها أبو طالب: ألا اُبشّرك؟
      فقالت: بلى.
      فقال: أما إنّك ستلدين غلاماً يكون وصي هذا المولود
      (21).

      الميلاد المبارك
      ومن الاُمور المهمّة التي دوّنها المؤرخون في سيرة السيّدة آمنة (سلام الله عليها) هي لحظات ولادتها المباركة للرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) التي لم يشهد التاريخ مثلها قطّ.
      فقد رافقت تلك الولادة الميمونه أحداث ووقائع مهمّة تدلّ على عظمة ذلك المولود المبارك الذي أطلّ على الوجود، فملأ العالمين ضياءً وغطّى الكون الواسع بركة وجلالة.
      لقد شاءت إرادة السماء أن تهدي للبشرية هديتها العظمى التي لم ولن يُعرف قدرها إلى قيام يوم الدين، فها هو سيّد المرسلين محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي طالما بشّرت به الرسالات السابقة وأكّدت على جلالة قدره وعظمة شأنه الرفيع يطرق الأبواب ليجلب معه أنوار الهداية إلى البشرية جمعاء.
      فما أعظم تلك اللحظات؟!
      وما أقدس جلالة قدرها؟!

      فقد روي أنّ السيّدة فاطمة بنت أسد اُمّ أميرالمؤمنين(عليه السلام) كانت حاضرة في الليلة التي ولدت فيها السيّدة آمنة بنت وهب اُمّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ورأت مثل الذي رأته، فلمّا كان الصبح انصرف أبو طالب (عليه السلام) من الطواف فاستقبلته، ثم قالت له: لقد رأيت الليلة عجباً.
      قال لها: ما رأيت؟
      قالت: ولدت آمنة بنت وهب مولوداً أضاءت له الدنيا بين السماء والأرض نوراً حتّى مددت عيني فرأيت سعفات(22) هجر(23).
      فقال لها أبو طالب(عليه السلام): انتظري سبتاً تأتين بمثله، فولدت أمير المؤمنين(عليه السلام) بعد ثلاثين سنة، وهكذا روي أنّ السبت ثلاثون سنة(24).

      وقد روي عن السيّدة آمنة (سلام الله عليها) إنّها قالت: لمّا اقتربت ولادة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) رأيت جناح طائر أبيض قد مسح على فؤادي فذهب الرعب عنّي واُوتيت بشربة بيضاء وكنت عطشى فشربتها فأصابني نور عال.
      ثمّ رأيت نسوة كالنخل طولاً تحدّثني، وسمعت كلاماً لا يشبه كلام الآدميين حتّى رأيت كالديباج الأبيض قد ملأ بين السماء والأرض وقائل يقول: خذوه من أعزّ الناس.
      ورأيت رجالاً وقوفاً في الهواء بأيديهم أباريق.
      ورأيت مشارق الأرض ومغاربها.
      ورأيت عَلَماً من سندس على قضيب من ياقوتة قد ضرب بين السماء والأرض في ظهر الكعبة فخرج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) رافعاً إصبعه إلى السماء.
      ورأيت سحابة بيضاء تنزل من السماء حتّى غشيته، فسمعت نداءً: طوفوا لمحمّد شرق الأرض وغربها والبحار لتعرفوه باسمه ونعته وصورته، ثمّ انجلت عنه الغمامة فإذا أنا به في ثوب أبيض من اللبن وتحته حريرة خضراء وقد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب، وقائل يقول: قبض محمّد على مفاتيح النصرة والريح والنبوّة.
      ثمّ أقبلت سحابة اُخرى فغيّبته عن وجهي أطول من المرّة الاُولى، وسمعت نداءً: طوفوا بمحمّد الشرق والغرب واعرضوه على روحاني الجنّ والإنس والطير والسباع وأعطوه صفاء آدم ورقّة نوح وخلّة إبراهيم ولسان إسماعيل وكمال يوسف وبشرى يعقوب وصوت داود وزهد يحيى وكرم عيسى (عليهم السلام).
      ثمّ انكشف عنه فإذا أنا به وبيده حريرة بيضاء قد طويت طيّاً شديداً وقد قبض عليها وقائل يقول: قد قبض محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) على الدنيا كلّها فلم يبق شيء إلاّ دخل في قبضته.
      ثمّ إنّ ثلاثة نفر كأنّ الشمس تطلع من وجوههم، في يد أحدهم إبريق فضّة ونافجة
      (25) مسك، وفي يد الثاني طست من زمردة خضراء لها أربع جوانب من كل جانب لؤلؤة بيضاء وقائل يقول: هذه الدنيا فاقبض عليها يا حبيب الله، فقبض على وسطها، وقائل يقول: قبض الكعبة، وفي يد الثالث حريرة بيضاء مطوية فنشرها فأخرج منها خاتماً تحار أبصار الناظرين فيه، فغسّل بذلك الماء من الإبريق سبع مرّات ثمّ ضرب الخاتم على كتفيه وتفل في فيه فاستنطقه فنطق، فلم أفهم ما قال إلاّ أنّه قال: في أمان الله وحفظه وكلاءته قد حشوت قلبك إيماناً وعلماً ويقيناً وعقلاً وشجاعة، أنت خير البشر، طوبى لمن اتّبعك وويل لمن تخلّف عنك، ثمّ أدخل بين أجنحتهم ساعة وكان الفاعل به هذا رضوان، ثمّ انصرف وجعل يلتفت إليه ويقول: أبشر يا عزّ الدنيا والآخرة، ورأيت نوراً يسطع من رأسه حتّى بلغ السماء ورأيت قصور الشامات كأنّها شعلة نار نوراً، ورأيت حولي من القطا(26) أمراً عظيماً قد نشرت أجنحتها(27).

      البشارة العظمى
      على الرغم من أنّ ولادة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) رافقها العديد من المبشّرات من الأحداث المهمّة التي تدلّ على عظمته(صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ أنّ هناك بشارة عظيمة تفوقها جميعها، ألا وهي البشارة بقدوم مكمّل الرسالة وهادي الناس من الضلالة وصي المصطفى المختار ووالد الأئمّة الأطهار أميرالمؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام).

      فعن المفضّل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «لمّا ولد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فتح لآمنة بياض فارس وقصور الشام، فجاءت فاطمة بنت أسد اُمّ أميرالمؤمنين إلى أبي طالب ضاحكة مستبشرة فأعلمته ما قالته آمنة، فقال لها أبو طالب: وتتعجّبين من هذا إنّك تحبلين وتلدين بوصيّه ووزيره»(28).

      إرهاصات الولادة
      من المسلّمات المشهورة أن لدى ولادة معظم الأنبياء والأوصياء الصالحين(عليهم السلام) وكذا في أيّام حملهم تظهر إرهاصات وعلامات مهمّة تدلّ على عظمة شأن المولود ومدى قداسته عند الله تبارك وتعالى.
      وقد أحيطت ولادة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) بالكثير من الأحداث المهمّة المشيرة إلى علوّ مكانته العظيمة عند الباري عزّوجلّ.
      ونحن نشير إلى بعض تلك الأحداث والإرهاصات حيث قد نقلتها والدة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) السيّدة آمنة (عليها السلام) فقالت:

      نظرت إلى وجه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا هو مكتحل العينين، منقّط الجبين والذقن، وقد أشرق من وجنتي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) نور ساطع في ظلمة الليل ومرّ في سقف البيت وشقّ السقف.
      ورأت آمنة (عليها السلام) من نور وجهه كل منظر حسن وقصر بالحرم، وسقط في تلك الليلة أربعة وعشرون شرفاً من إيوان كسرى، وأخمدت في تلك الليلة نيران فارس، وأبرق في تلك الليلة برق ساطع في كل بيت وغرفة في الدنيا ممّن قد علم الله تعالى وسبق في علمه أنّهم يؤمنون بالله ورسوله محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يسطع في بقاع الكفر بأمر الله تعالى، وما بقي في مشارق الأرض ومغاربها صنم ولا وثن إلاّ وخرّت على وجوهها ساقطة على جباهها خاشعة، وذلك كلّه إجلالاً للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)(29).

      وفي حديث آخر نقل عن السيّدة آمنة (عليها السلام) أنّها قالت: لمّا حملت برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل، ورأيت في نومي كأنّ آتياً أتاني وقال لي: قد حملت بخير الأنام.
      فلمّا حان وقت الولادة خفّ ذلك عليّ حتّى وضعته(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يتّقي الأرض بيديه وسمعت قائلاً يقول: وضعت خير البشر فعوّذيه بالواحد الصمد من شرّ كل باغٍ وحاسد، فولدت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عام الفيل لاثنتي عشرة ليلة من شهر ربيع الأوّل يوم الإثنين
      .

      أقول: هذا على رواية، وهو يؤيّد القائلين بأنّ ميلاد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، إلاّ أن المشهور بين الإمامية هو السابع عشر من شهر ربيع الأول كما ذكرناه في كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم)(30).

      فقالت السيّدة آمنة (عليها السلام): لمّا سقط إلى الأرض اتّقى الأرض بيديه وركبتيه ورفع رأسه إلى السماء، وخرج منّي نور أضاء ما بين السماء والأرض، ورميت الشياطين بالنجوم وحجبوا عن السماء.

      ورأت قريش الشهب والنجوم تسير في السماء ففزعوا لذلك وقالوا: هذا قيام الساعة، واجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة فأخبروه بذلك وكان شيخاً كبيراً مجرّباً، فقال: انظروا إلى هذه النجوم التي يهتدي بها في البر والبحر، فإن كانت قد زالت فهو قيام الساعة، وإن كانت هذه ثابتة فهو لأمر قد حدث.

      وأبصرت الشياطين ذلك فاجتمعوا إلى إبليس فأخبروه بأنّهم قد منعوا من السماء ورموا بالشهب، فقال: اطلبوا فإنّ أمراً قد حدث.
      فجالوا في الدنيا ورجعوا، فقالوا: لم نر شيئاً.
      فقال: أنا لهذا، فخرق ما بين المشرق والمغرب فانتهى إلى الحرم، فوجد الحرم محفوفاً بالملائكة، فلمّا أراد أن يدخل صاح به جبرئيل، فقال: اخسأ يا ملعون.
      فجاء من قبل فصار مثل الصرّ(31) قال: يا جبرئيل ما هذا؟
      قال: هذا نبي قد ولد وهو خير الأنبياء.
      قال: هل لي فيه نصيب؟
      قال: لا.
      قال: ففي اُمّته؟
      قال: نعم.
      قال: قد رضيت(32).

      المشركون يقرون بالإرهاصات
      إنّ الأحداث العظيمة التي حصلت عند ولادة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقرّ بها الموحّدون فحسب، بل حتّى المشركين على عنادهم وإلحادهم أقرّوا بها وشهدوا للرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) بطيب الولادة وعظم الشأن لدى الله تعالى.

      ورد عن عمرو بن اُميّة وكان من أزجر أهل الجاهلية أنّه قال: انظروا هذه النجوم التي يهتدى بها ويعرف بها أزمان الشتاء والصيف فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شيء، وإن كانت ثبتت ورمي بغيرها فهو أمر حدث، وأصبحت الأصنام كلّها صبيحة مولد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ليس منها صنم إلاّ وهو منكبّ على وجهه، وارتجس في تلك الليلة إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة(33)، وغاضت بحيرة ساوه، وفاض وادي السماوة، وخمدت نيران فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، ورأى الموبذان(34) في تلك الليلة في المنام إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانسربت في بلادهم، وانقصم طاق الملك كسرى من وسطه، وانخرقت عليه دجلة العوراء، وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطار حتّى بلغ المشرق، ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلاّ أصبح منكوساً، والملك مخرساً لا يتكلّم يومه ذلك، وانتزع علم الكهنة، وبطل سحر السحرة، ولم تبق كاهنة في العرب إلاّ حجبت عن صاحبها، وعظمت قريش في العرب وسمّوا آل الله عزوجل. قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): «إنّما سمّوا آل الله لأنّهم في بيت الله الحرام»(35).

      العباس يخبر عن المولد الشريف
      وقد روى العباس بن عبد المطّلب(عليه السلام) عم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) عن لسان السيّدة آمنة(عليها السلام) عظمة تلك الأحداث التي صاحبت ميلاد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال:
      «لمّا مات عبد الله وولدت آمنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أتيته فرأيت النور بين عينيه يزهر، فحملته وتفرّست في وجهه فوجدت منه ريح المسك، وصرت كأنّي قطعة مسك من شدّة ريحي، فحدّثتني آمنة وقالت لي: إنّه لمّا أخذني الطلق واشتدّ بي الأمر سمعت جلبة(36) وكلاماً لا يشبه كلام الآدميين، ورأيت علماً من سندس على قضيب من ياقوت قد ضرب بين السماء والأرض، ورأيت نوراً يسطع من رأسه حتّى بلغ السماء، ورأيت قصور الشامات كأنّها شعلة نار نوراً، ورأيت حولي من القطاة أمراً عظيماً قد نشرت أجنحتها حولي، ورأيت شعيرة الأسدية قد مرّت وهي تقول: آمنة ما لقيت الكهّان والأصنام من ولدك، ورأيت رجلاً شاباً من أتمّ الناس طولاً وأشدّهم بياضاً وأحسنهم ثياباً ما ظننته إلاّ عبد المطّلب قد دنا منّي فأخذ المولود فتفل في فيه واستنطقه، فنطق فلم أفهم ما قال إلاّ أنّه قال: في أمان الله أنت خير البشر، طوبى لمن اتّبعك، وويل لمن تخلّف عنك، وأخرج صرّة اُخرى من حريرة بيضاء ففتحها فإذا فيها خاتم فضرب على كتفيه ثمّ قال: أمرني ربّي أن أنفخ فيك من روح القدس، فنفخ فيه وألبسه قميصاً وقال: هذا أمانك من آفات الدنيا فهذا ما رأيت يا عباس بعيني.
      قال العباس: وأنا يومئذ أقرأ فكشفت عن ثوبه فإذا خاتم النبوّة بين كتفيه فلم أزل أكتم شأنه وأنسيت الحديث فلم أذكره إلى يوم إسلامي حتّى ذكّرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)»(37).
      __________________________
      (19) الصومعة: منار الراهب، (لسان العرب) مادّة صمع.
      (20) بحار الأنوار: ج15 ص284.
      (21) الكافي ج8 ص302 ح460.
      (22) السعفات جمع سعفة بالتحريك: جريدة النخل ما دامت بالخوص. (مجمع البحرين) مادّة سعف.
      (23) هَجَر: بلدة باليمن واسم لجميع أرض البحرين وقرية كانت قرب المدينة، كتاب (العين) مادّة هجر.
      (24) روضة الواعظين: ج1 ص81.
      (25) النافجة المسك: سمّيت بذلك لنفاستها، (مجمع البحرين) مادّة نفج.
      (26) القطا: طائر معروف سمّي بذلك لثقل مشيه، (لسان العرب) مادّة قطو.
      (27) بحار الأنوار ج15 ص272.
      (28) الكافي: ج1 ص454 باب مولد أمير المؤمنين(عليه السلام) ح3.
      (29) بحار الأنوار: ج15 ص287.
      (30) انظر أيضاً: وسائل الشيعة: ج10 ص456 ح13835، وبحار الأنوار: ج15 ص248 ح1.
      (31) الصر: عصفور أو طائر، (مجمع البحرين) مادّة صرر.
      (32) بحار الأنوار ج15 ص269.
      (33) الشرفة: ما يوضع على أعالي القصور والمدن، انظر (لسان العرب) مادّة (شرف).
      (34) الموبذان للمجوس: كقاضي القضاة للمسلمين، انظر (لسان العرب) مادّة (موبذ).
      (35) الأمالي للصدوق: ص285 المجلس الثامن والأربعون ح1.
      (36) الجلبة: الأصوات، لسان العرب مادّة جلب.
      (37) كمال الدين: ج1 ص175 ح33.

      تعليق


      • #4
        في مجلس معاوية
        على الرغم من أنّ معاوية بن أبي سفيان كان يكنّ الحقد والعداء للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته الطاهرة (عليهم السلام) إلاّ أنّه أكثر من مرّة اضطر لكي يسمح للآخرين بأن يذكروا فضائلهم (عليهم السلام) وذلك من أجل كسب السمعة وتغطية بغضه لهم (عليهم السلام) ولو في بعض الأحيان.

        والواقعة التالية هي من مصاديق ذلك:
        يقول ليث بن سعد، قلت لكعب وهو عند معاوية: كيف تجدون صفة مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
        وهل تجدون لعترته فضلاً؟
        فالتفت كعب إلى معاوية لينظر كيف هواه، فأجرى الله عزوجل على لسانه، فقال: هات يا أبا إسحاق رحمك الله ما عندك.
        فقال كعب: إنّي قد قرأت اثنين وسبعين كتاباً كلّها اُنزلت من السماء، وقرأت صحف دانيال كلّها ووجدت في كلّها ذكر مولده(صلى الله عليه وآله وسلم) ومولد عترته وإنّ اسمه لمعروف وإنّه لم يولد نبي قط فنزلت عليه الملائكة ما خلا عيسى وأحمد (صلّى الله عليهما)، وما ضرب على آدمية حجب الجنّة غير مريم وآمنة اُمّ أحمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وما وكّلت الملائكة باُنثى حملت غير مريم اُمّ المسيح (عليها السلام) وآمنة اُم أحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان من علامة حمله أنّه لمّا كانت الليلة التي حملت آمنة به(صلى الله عليه وآله وسلم) نادى مناد في السماوات السبع: أبشروا فقد حمل الليلة بأحمد، وفي الأرضين كذلك حتّى في البحور، وما بقي يومئذ في الأرض دابة تدب ولا طائر يطير إلاّ علم بمولده، ولقد بني في الجنّة ليلة مولده سبعون ألف قصر من ياقوت أحمر وسبعون ألف قصر من لؤلؤ رطب، فقيل: هذه قصور الولادة، ونجدت(38) الجنان وقيل لها: اهتزّي وتزيّني فإنّ نبي أوليائك قد ولد، فضحكت الجنّة يومئذ، فهي ضاحكة إلى يوم القيامة، وبلغني أنّ حوتاً من حيتان البحر يقال له: طموساً وهو سيّد الحيتان له سبعمائة ألف ذنب يمشي على ظهره سبعمائة ألف ثور الواحد منها أكبر من الدنيا لكل ثور سبعمائة ألف قرن من زمرد أخضر لايشعر بهنّ اضطرب فرحاً بمولده، ولولا أنّ الله تبارك وتعالى ثبّته لجعل عاليها سافلها، ولقد بلغني أنّ يومئذ ما بقي جبل إلاّ نادى صاحبه بالبشارة ويقول: لا إله إلاّ الله، ولقد خضعت الجبال كلّها لأبي قبيس كرامةً لمولده(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولقد قدّست الأشجار أربعين يوماً بأنواع أفنانها وثمارها فرحاً بمولده(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولقد ضرب بين السماء والأرض سبعون عموداً من أنواع الأنوار لا يشبه كل واحد صاحبه، وقد بشّر آدم (عليه السلام) بمولده فزيد في حسنه سبعين ضعفاً، وكان قد وجد مرارة الموت وكان قد مسّه ذلك فسري عنه ذلك، ولقد بلغني أنّ الكوثر اضطرب في الجنّة واهتزّ فرمى بسبعمائة ألف قصر من قصور الدرّ والياقوت نثاراً لمولد محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولقد زمّ(39) إبليس وكُبّل(40) واُلقي في الحصن أربعين يوماً وغرق عرشه أربعين يوماً، ولقد تنكّست الأصنام كلّها وصاحت وولولت، ولقد سمعوا صوتاً من الكعبة يا آل قريش لقد جاءكم البشير، جاءكم النذير، معه العزّ الأبد والربح الأكبر وهو خاتم الأنبياء، ونجد في الكتب أنّ عترته خير الناس بعده وأنّه لا يزال الناس في أمان من العذاب ما دام من عترته في دار الدنيا خلق يمشي.
        فقال معاوية: يا أبا إسحاق ومَن عترته؟
        قال كعب: ولد فاطمة(عليها السلام).
        فعبس وجهه وعضّ على شفتيه وأخذ يعبث بلحيته.
        فقال كعب: وإنّا نجد صفة الفرخين المستشهدين، وهما فرخا فاطمة(عليها السلام) يقتلهما شرّ البرية.
        قال: فمن يقتلهما؟
        قال: رجل من قريش.
        فقام معاوية وقال: قوموا إن شئتم، فقمنا
        (41).

        حال الأبالسة
        إنّ من العلامات الحتميّة التي أكّدها الأئمّة الأطهار(عليهم السلام) في مختلف أحاديثهم والتي تدلّ على قداسة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وعظمة مولده المبارك هو أنّ الأبالسة بعد أن كانت تخترق السماوات السبع حبست فور ميلاده(صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك، ومنعت من التجسّس واستراق السمع.
        بل إنّ الأبالسة اضطربت يوم ميلاد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وراعها هول الأحداث العظيمة التي حدثت إثر ولادته (صلى الله عليه وآله وسلم)، ففي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «صاح إبليس لعنه الله في أبالسته فاجتمعوا إليه، فقالوا: ما الذي أفزعك ياسيدنا؟
        فقال لهم: ويلكم لقد أنكرت السماء والأرض منذ الليلة، لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع عيسى ابن مريم (عليهما السلام)، فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث؟
        فافترقوا ثمّ اجتمعوا إليه، فقالوا: ما وجدنا شيئاً.
        فقال إبليس لعنه الله: أنا لهذا الأمر، ثمّ انغمس في الدنيا فجالها حتّى انتهى إلى الحرم فوجد الحرم محفوظاً بالملائكة، فذهب ليدخل فصاحوا به فرجع ثمّ صار مثل الصرّ وهو العصفور فدخل من قبل حراء، فقال له جبرئيل: وراك لعنك الله؟
        فقال له: حرف أسألك عنه يا جبرئيل، ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في الأرض؟
        فقال له: ولد محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم).
        فقال له: هل لي فيه نصيب؟
        قال: لا.
        قال: ففي اُمّته؟
        قال: نعم.
        قال: رضيت
        »(42).

        وفي حديث آخر: إنّ إبليس (لعنه الله تعالى) لمّا رأى ذلك وضع التراب على رأسه وجمع أولاده وقال لهم: يا أولادي اعلموا أنّني ما أصابني منذ خلقت مثل هذه المصيبة.
        قالوا: وما هذه المصيبة؟
        قال: اعلموا أنّه قد ولد في هذه الليلة مولود اسمه محمّد بن عبد الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يبطل عبادة الأوثان ويمنع السجود للأصنام ويدعو الناس إلى عبادة الرحمن.
        فنثروا التراب على رؤوسهم، ودخل إبليس (لعنه الله تعالى) في البحر الرابع وقعد فيه للمصيبة هو وأولاده مكرهين أربعين يوماً(43).

        الملائكة والحور تستبشر
        وبعد أن ولد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وأطلّ بمحيّاه الشريف على الدنيا أخذته الحوريات ولففنه في منديل رومي ووضعنه بين يدي آمنة(عليها السلام) ورجعن إلى الجنّة يبشّرن الملائكة في السماوات بمولده (صلى الله عليه وآله وسلم).
        ونزل جبرئيل وميكائيل(عليهما السلام) ودخلا البيت على صورة الآدميين وهما شابان، ومع جبرئيل طشت من ذهب، ومع ميكائيل إبريق من عقيق أحمر، فأخذ جبرئيل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وغسّله، وميكائيل يصبّ الماء عليه، فغسّلاه، وآمنة (عليها السلام) في زاوية البيت قاعدة.
        فقال لها جبرئيل: يا آمنة لا نغسّله من النجاسة، فإنّه لم يكن نجساً ولكن غسّلناه من ظلمات بطنك.
        فلمّا فرغوا من غسله وكحّلوا عينيه ونقّطوا جبينيه بزرقة كانت معهم مسك وعنبر وكافور مسحوق بعضه ببعض فذروه فوق رأسه(صلى الله عليه وآله وسلم).
        قالت آمنة(عليها السلام): وسمعت كلاماً على الباب، فذهب جبرئيل إلى الباب فنظر ورجع إلى البيت وقال: ملائكة سبع سماوات يريدون السلام على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فاتّسع البيت ودخلوا عليه(44).

        وفاة والد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
        بقي عبد الله (عليه السلام) بعد زواجه من السيّدة آمنة (عليها السلام) أربعين يوماً لا يخرج من داره، ثمّ خرج فنظر أهل مكّة إليه وإذا بالنور الذي كان يشرق في جبينه قد فارق موضعه.
        ولمّا أتى على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) شهر واحد في بطن اُمّه نادت الجبال والأشجار والسماوات بعضها بعضاً مستبشرين قائلين: ألا إنّ محمّداً قد سقط في رحم اُمّه آمنة وقد مضى عليه شهر، ففرح بذلك الجبال والبحار والسماوات والأرضون.
        آنذاك ورد على عبد المطّلب (عليه السلام) كتاب من يثرب يخبره بموت فاطمة بنت عبد المطّلب، وكان ممّا في طيّاته أنّها ورّثت مالاً كثيراً خطيراً، فاخرج أسرع ما تقدر عليه.
        فقال عبد المطّلب لولده عبد الله: يا ولدي لابدّ لك أن ترافقني إلى المدينة، فسافر مع والده ودخلا مدينة يثرب فاستلم عبد المطّلب المال. ولمّا مضى من على دخولهما المدينة عشرة أيّام اعتلّ عبد الله علّة شديدة، وبقي خمسة عشر يوماً وفي اليوم السادس عشر مات عبد الله، فبكى عليه أبوه عبد المطّلب بكاءً مرّاً وشقّ سقف البيت لأجله في دار فاطمة بنت عبد المطّلب آنذاك، وبينما كان عبد المطّلب غارق في أحزانه إذا بهاتف يهتف ويقول: قد مات من كان في صلبه خاتم النبيين وأي نفر لا يموت، فقام عبد المطّلب فغسّله وكفّنه ودفنه في محلّة يقال لها (شين) وبنى على قبره قبّة عظيمة من جص وآجر(45).

        وفي رواية: إن عبد الله خرج إلى الشام في عير(46) من عيرات قريش يحملون تجارات، ففرغوا من تجاراتهم ثمّ انصرفوا، فمرّوا بالمدينة وعبد الله بن عبدالمطّلب يومئذ مريض فقال: أتخلّف عند أخوالي بني عدي بن النجّار، فأقام عندهم مريضاً شهراً، ومضى أصحابه فقدموا مكّة، فسألهم عبد المطّلب عن عبد الله، فقالوا: خلّفناه عند أخواله بني عدي بن النجّار وهو مريض.
        فبعث إليه عبد المطّلب أعظم ولده الحارث فوجده قد توفّي في دار النابغة فرجع إلى أبيه فأخبره، فوجد(47) عليه عبدالمطّلب وإخوته وأخواته وجداً شديداً ورسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ حمل ولعبد الله يوم توفّي خمس وعشرون سنة(48).

        السيّدة آمنة (عليها السلام) تفجع بزوجها
        عندما وصل خبر وفاة عبد الله إلى السيّدة آمنة (عليها السلام) بكت بكاءً مرّاً وحزنت عليه حزناً شديداً، ودعت بالنائحات ينحن عليه ويندبنه.
        وقد جاءها بعد ذلك عبد المطّلب (عليه السلام) إلى دارها وطيّب خاطرها وهدّأ من روعها، ووهب لها ألف درهم بيض وتاجين قد اتّخذهما عبد مناف لبعض بناته وقال لها: يا آمنة لا تحزني فإنّك عندي جليلة لأجل من في بطنك ورحمك فلا تهتك أمرك(49).

        وفاة السيدة آمنة (عليها السلام)
        روي إنّه لمّا كبر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ردّته مرضعته السيّدة حليمة السعدية إلى اُمّه فافتطمته وأخذته إلى أخواله من بني عدي بن النجّار بالمدينة، ثمّ رجعت به حتّى بلغا «الأبواء»(50) فماتت بها (سلام الله عليها) فيتم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وكان عمره آنذاك ست سنين..
        فرجعت به(صلى الله عليه وآله وسلم) اُمّ أيمن إلى مكّة المكرّمة وكانت تحضنه.

        وورث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من والدته كل من: اُمّ أيمن وخمسة جمال أوداك(51) وقطيعة غنم، فلمّا تزوّج بخديجة (عليها السلام) أعتق اُمّ أيمن(52).

        وروي أنّ السيّدة آمنة (عليها السلام) لمّا قدمت برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة نزلت به في دار النابغة وهو رجل من بني عدي بن النجّار، فأقامت بها شهراً، فكان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يذكر له اُموراً كانت تدلّ على سمو مقامه ورفعة درجته عند الله تعالى.

        منها: إنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: نظرت إلى رجل من اليهود يختلف وينظر إليّ ثمّ ينصرف عنّي، فلقيني يوماً خالياً، فقال لي: يا غلام ما اسمك؟
        قلت: أحمد. فنظر إلى ظهري فسمعته يقول: هذا نبي هذه الاُمّة، ثمّ راح إلى أخوالي فخبّرهم الخبر، فأخبروا اُمّي فخافت عليّ وخرجنا من المدينة
        (53).

        من فضائل السيّدة آمنة (عليها السلام)
        ممّا يؤسف له حقّاً أنّ سيرة اُمّهات المعصومين (عليهم السلام) وفضائلهم الرفيعة مجهولة في التاريخ عادة، وعند المسلمين أيضاً، ففي أهم المصادر التاريخية لا يكاد يجد الإنسان شيئاً إلا القليل عن تاريخ هؤلاء النسوة الأخيار، وكيف أنّهنّ كنّ يخدمن المعصومين (عليهم السلام) ويجهدن بكل ما لديهم من طاقة من أجل رعاية أبنائهنّ المعصومين (عليهم السلام) وإن كانت عناية السماء ترعاهم وتسدّدهم قبلهم.
        ولكن القرائن الكثيرة هي التي تدل على عظيم مقامهن، فالسيّدة آمنة(عليها السلام) يمكن معرفة شيء من عظمتها وجلالتها عبر هذه القرائن وغيرها:

        1: إنّها (عليها السلام) كانت في سلسلة الأرحام المطهّرة التي ورد ذكرها في الروايات الشريفة.
        2: إنّها (عليها السلام) كانت زوجة لعبد الله(عليه السلام) والد النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا توفيق خاصّ لا تناله إلاّ من كانت لها حظّ عظيم.
        3: إنّها (عليها السلام) حملت برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وكانت له وعاءً ضمّته تسعة أشهر.
        4: إنّها (عليها السلام) أصبحت اُمّاً لسيّد الكونين ورسول العالمين محمّد بن عبد الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
        5: إنّها (عليها السلام) كانت تكنف الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) وترعاه من كيد المناوئين طيلة أيّام حياتها.
        6: إنها (عليها السلام) قد ترحّم عليها الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وزار قبرها وبكى عليها عند ذلك.
        ففي التاريخ إنّه لمّا توفّيت آمنة رجعت اُمّ أيمن بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مكّة، ثمّ إنه لمّا مرّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في عمرة الحديبية بالأبواء قال: إنّ الله قد أذن لي في زيارة قبر اُمّي فأتاه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فأصلحه وبكى عنده، وبكى المسلمون لبكاء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقيل له، فقال: أدركتني رحمة رحمتها فبكيت(54).
        7: إنها (عليه السلام) يستحب الطواف عنها لقضاء الحوائج.
        ففي الحديث المروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) ما يدلّ بوضوح على أنّ للسيّدة آمنة(عليها السلام) مقاماً عظيماً عند الله وأنّها من صفوة أولياء الله الذين يتوسّل بهم لقضاء الحوائج.

        فعن داود الرقّي قال: «دخلت على أبي عبد الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ولي على رجل مال قد خفت تواه فشكوت إليه ذلك، فقال لي: إذا صرت بمكّة فطف عن عبد المطّلب طوافاً وصلّ ركعتين عنه، وطف عن أبي طالب طوافاً وصلّ عنه ركعتين، وطف عن عبد الله طوافاً وصلّ عنه ركعتين، وطف عن آمنة طوافاً وصلّ عنها ركعتين، وطف عن فاطمة بنت أسد طوافاً وصلّ عنها ركعتين، ثمّ ادع أن يردّ عليك مالك، قال: ففعلت ذلك، ثمّ خرجت من باب الصفا وإذا غريمي واقف يقول: يا داود حبستني تعال اقبض مالك»(55).
        _______________________
        (38) أي تزيّنت. انظر لسان العرب: مادّة (نجد).
        (39) أي شُدّ، (لسان العرب) مادّة (زمم).
        (40) أي القيد الضخم، (لسان العرب) مادّة (كبل).
        (41) الأمالي للصدوق: ص601 المجلس الثامن والثمانون ح1.
        (42) الأمالي للصدوق: ص286 المجلس الثامن والأربعون ح1.
        (43) الفضائل: ص18.
        (44) الفضائل: ص19.
        (45) راجع بحار الأنوار: ج15 ص283.
        (46) العير: القافلة، (لسان العرب) مادّة عير.
        (47) الوجد: الحزن، كتاب (العين) مادّة وجد.
        (48) بحار الأنوار: ج15 ص125.
        (49) راجع الفضائل: ص14.
        (50) الأبواء: قرية من أعمال الفرع من المدينة، بينها وبين الجحفة ممّا يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً، معجم البلدان: ج1 ص79.
        (51) أي السمينة (لسان العرب) مادة ودك.
        (52) بحار الأنوار: ج15 ص116 ح61.
        (53) العدد القوية: ص126.
        (54) بحار الأنوار ج15 ص162.
        (55) الكافي ج4 ص544 باب النوادر ح21.

        تعليق


        • #5
          دفع شبهة
          ممّا يؤسف له أنّ البعض من الناس يذهب إلى أنّ السيّدة آمنة بنت وهب(عليها السلام) والدة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لم تكن مؤمنة، ويزعمون أنها قد ماتت على ذلك، ولولا أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) استشفع لها واستوهبها من الله فوهبها له، لكانت من المخلّدين في الجحيم!.

          ولم يقتصر هؤلاء على ذلك وإنّما أخذوا يفسرون بعض الروايات كما يشاؤون ويستدلون بتفسيرهم على ذلك.

          منها: قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّي مستوهب من ربّي أربعة، وهو واهبهم لي إن شاء الله تعالى: آمنة بنت وهب، وعبد الله بن عبد المطّلب وأبو طالب بن عبد المطّلب، ورجل من الأنصار جرت بيني وبينه ملحة»(56).

          ولكن في المقابل ينبغي الالتفات إلى الاُمور التالية:

          أولا: رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه يصرّح في أكثر من حديث أنّه كان يتنقّل من الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهّرة، وهذا ينافي الشرك الذي هو دنس ورجس، ففي الحديث الشريف عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات»(57).

          وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله أخرجني ورجلاً معي من طُهر إلى طُهر، من صلب آدم حتّى خرجنا من صلب أبينا، فسبقته بفضل هذه على هذه وضمّ بين السبّابة والوسطى وهو النبوّة»(58).
          فقيل له: ومن هو يا رسول الله؟
          قال
          : «علي بن أبي طالب»(59).

          فكيف يصف الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) الرحم الذي كان فيه بالطهر والحال أنّ الآية الكريمة تصرّح بنجاسة المشركين فتقول: (إنّما المشركون نجس)(60)، فيعلم من هذا أن آمنة (عليها السلام) كانت مؤمنة بالله عزوجل وموحدة لرب العالمين على دين إبراهيم (عليه السلام).

          ثانياً: نفس الحديث الذي استدلّوا به يدلّ على إيمان السيّدة آمنة(عليها السلام)، إذ أنّه كيف يستوهب الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لمشرك وإن كانت اُمّه، والحال إنّ الله قد نهى عن موادّتهم والشفاعة أو الدعاء لهم.
          [لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ]

          ثالثاً: ممّا يؤيّد القول بإيمان السيّدة آمنة (عليها السلام) هي الروايات الصريحة التي تنصّ على أنّ الله قد حرّم النار على بطن حمل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال:
          «نزل جبرئيل على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمّد إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول: إنّي قد حرّمت النار على صلب أنزلك، وبطن حملك، وحجر كفلك، فالصلب الذي أنزلك فعبد الله بن عبد المطّلب، والبطن الذي حملك فآمنة بنت وهب، وأمّا الحجر الذي كفلك فحجر أبي طالب»(61).

          وعن أنس بن مالك قال: أتى أبوذرّ يوماً إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: ما رأيت كما رأيت البارحة.
          قالوا: وما رأيت البارحة؟
          قال: رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ببابه، فخرج ليلاً فأخذ بيد علي بن أبي طالب(عليه السلام) وقد خرجا إلى البقيع، فما زلت أقفو أثرهما إلى أن أتيا مقابر مكّة، فعدل إلى قبر أبيه فصلّى عنده ركعتين، فإذا بالقبر قد انشقّ وإذا بعبد الله جالس وهو يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله.
          فقال له: مَن وليّك يا أبة؟
          فقال: وما الولي يا بنيّ؟
          قال: هو هذا علي.
          قال: وإنّ علياً ولييّ.
          قال: فارجع إلى روضتك.
          ثمّ عدل إلى قبر اُمّه، فصنع كما صنع عند قبر أبيه، فإذا بالقبر قد انشقّ، فإذا هي تقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّك نبي الله ورسوله.
          فقال لها: مَن وليّك يا اُمّاه؟
          فقالت: ومَن الولي يا بني؟
          فقال: هو هذا علي بن أبي طالب.
          فقالت: إنّ علياً وليّي.
          فقال: ارجعي إلى حفرتك وروضتك.
          فكذّبوه، ولبّبوه(62)، وقالوا: يا رسول الله كذب عليك اليوم.

          فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): وما كان من ذلك؟
          قالوا: إنّ جندب حكى عنك كيت وكيت.
          فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر»
          (63).

          وهذا يؤيّد بوضوح أنّها (عليها السلام) كانت مؤمنة، وقد كمل إيمانها بالإقرار بولاية علي أميرالمؤمنين (عليه السلام)، فإنّ الله تعالى أوجب النار على المشركين والكفّار كما دلّت عليه الآيات والأخيار.

          رابعاً: زيارة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لقبرها وترحّمه عليها يدلّ أيضاً على أنّها كانت مؤمنة بالله عزّوجلّ، ففي الحديث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أنّه قال: «استأذنت ربّي في زيارة اُمّي، فأذن لي، فزوروا القبور تذكّركم الموت»(64).
          وهذا وغيره أيضاً يدل على استحباب زيارة القبور، على تفصيل مذكور في محله.

          بناء الأضرحة والقباب
          قبر السيدة آمنة بنت وهب (عليها السلام) في منطقة الأبواء، وهي قرية بين مكّة والمدينة، وقد ولد الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بها.
          ومن اللازم أن يسعى المؤمنون والمسلمون كافة لبناء ضريح السيدة آمنة(عليها السلام) والدة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فإن ترك القبر هكذا لا يليق بشأنها العظيم وشأن ولدها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم).
          وقد زار رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قبر أمه، وأمر بزيارتها.
          قال تعالى: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً} (65).
          _____________________
          (56) قرب الإسناد: ص27.
          (57) القصص للجزائري: ص108.
          (58) الأمالي للطوسي: ص340 المجلس الثاني عشر .
          (59) الأمالي للطوسي: ص340 المجلس الثاني عشر.
          (60) سورة التوبة: 28.
          (61) الكافي: ج1 ص446 باب مولد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ووفاته ح21.
          (62) لبّبوه: أخذوا بتلابيبه، (مجمع البحرين) مادّة: لبب.
          (63) علل الشرائع: ج1 ص176 ح1.
          (64) كشف الغمّة ج1 ص16.
          (65) سورة الأحزاب: 21.

          تم والحمد لله

          تعليق


          • #6
            مفتي سعودي يتهم ام النبي (ص) بالشرك: لايجوز الرحمة عليها ولا الدعاء لها

            شبكة راصد الإخبارية راصد الإنترنت 9 / 4 / 2007م



            الشيخ ناصر العمر مشرف عام موقع المسلم

            اتهم شيخ سعودي سلفي أم النبي محمد بالشرك في فتوى نشرها موقع «المسلم» المملوك للشيخ ناصر العمر، والمعروف بتطرفه الديني في السعودية.

            وقال الشيخ خالد الماجد، خريج جامعة محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ورئيس اللجنة العلمية في موقع «المسلم» بأن آمنة بنت وهب، ام الرسول محمد كانت مشركة، وتوفيت وهي مشركة.

            وقال أنه لايجوز الرحمة عليها ولاالدعاء لها.

            ومن المتوقع أن تؤدي هذه الفتوى الى ردود فعل تترواح بين الصمت، والتأييد، الى التنديد الشديد من جهات إسلامية متنوعة في داخل البلاد وخارجها.

            الاستفتاء كما ورد في موقع المسلم:
            زيارة قبر الزوجة الكتابية

            أجاب عليه فضيلة الشيخ د. خالد الماجد
            التصنيف الفهرسة/ الركن العلمي/ العقيدة/الولاء والبراء
            التاريخ 18 / ربيع الاول / 1428 هـ
            رقم السؤال 25440

            السؤال
            ما حكم زيارة المسلم لقبر زوجتة الكتابية، وقراءة الفاتحة لها ونعتها بالمرحومة، مع العلم أنها لم تسلم وبقيت على دينها المسيحي ولم يرزق منها بأولاد؟ وجزاكم الله خيراً.

            الجواب
            الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
            تجوز زيارة قبرها للاتعاظ؛ فقد زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه وكانت مشركة، ولا تجوز قراءة الفاتحة على قبرها لأن قراءة القرآن على القبر بدعة لو كان المقبور مسلماً، فكيف وهي كافرة، ولا يجوز الترحم عليها؛ لقوله جل وعلا
            : "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى" (التوبة: من الآية113)، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي. رواه مسلم (976).
            والله أعلم.
            وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

            تعليق


            • #7
              معك يا أم النبي

              لقد آلمنا كثيراً أن يُدنس مقام هذه الشخصية العظيمة، والأم الجليلة لرسول الله(ص) على لسان الشيخ ناصر العمر في إجابة لسؤال حول الترحم للأم الكتابية مستدلاً بحرمة ذلك إلى الآية الكريمة ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى﴾، والمروي عن رسول الله(ص) في مسلم: «استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي».

              إنّ هذه السيدة الطاهرة، والتي نتلمس ملامحها العطرة من خلال صورة ابنها النبي العظيم الذي آوته أحشاؤها، وغذاه دمها، واتصلت حياته بحياتها، فقد كان سيدنا محمد هو الأثر الجليل الذي خلفته سيدتنا آمنة بنت وهب.

              فهي «زهرة قريش» بنت بني زهرة، وأفضل فتاة في قريش نسباً وموضعاً، والمحشومة المحجوبة عن عيون البشر حتى إنَّ الرواة كانوا لا يعرفون ملامحها لعفتها، فكانت حديث قريش في المحامد والفضائل.

              وحينما سئل الرسول(ص) عن نفسه، أو بدء أمره، فأجاب: «دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام»، قال ابن كثير: وهذا إسناده جيد[1] .

              وأخرج الإمام أحمد بسنده عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله(ص) : «إني عند الله لخاتم النبيين، وإنّ آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات الأنبياء يرين»[2] .

              ولقد قال رسول الله(ص) فيما رواه عن ربه في الحديث القدسي: «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب»[3] .

              وقال كذلك: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده»[4] .

              ومن أَجَلِّ مظاهر محبة رسول الله(ص) الدفاع عنه وعدم أذيته في أبويه؛ لأنَّ في أذيتهم أذية له، وفي أذيته أذية لله تعالى.

              ومما يؤذي رسول الله(ص) ويمس من شرف نبوته وشرف نسبه القول بدخول أبويه الشريفين جهنم والعياذ بالله قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤذُونَ اللهَ رَسُولَهُ لَعنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنيَا الآَخِرَةِ أَعَدَّ لَهُم عَذَاباً مُّهِيناً﴾[5] .

              وكان القاضي أبو بكر ابن العربي يلعن من يقول بدخول آباء النبي في النار فقد أورد العلامة السيوطي ما هذا نصه: «نقلت من مجموع بخطّ الشيخ كمال الدين الشمني، والد شيخنا الإمام تقي الدين رحمه الله ما نصّه: سُئل القاضي أبو بكر ابن العربي عن رجل قال: إنّ آباء النبي في النار، فأجاب بأنّه ملعون; لأنّ الله تعالى قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناًقال: ولا أذى أعظم من أن يقال عن أبيه: إنّه في النّار»[6] .

              وقال أيضاً في رده على السخاوي: «...إنّه تكلّم في حق والدي المصطفى بما لا يحلّ لمسلم ذكره، ولا يسوغ أن يجزم عليه فكره، فوجب علَيّ أنْ أقوم عليه بالإنكار، وأنْ أستعمل في تنزيه هذا المقام الشريف الأقلام والأفكار، فألّفت في ذلك ست مؤلّفات شحنتها بالفوائد وهي في الحقيقة أبكار، ومن ذا الذي يستطيع أنْ ينكر علَيّ قيامي في ذلك، أو يلقي نفسه في هذه المهالك، من أنكر ذلك أكاد أقول بكفره وأستغرق العمر في هجره».

              وكذلك اعترض ابن حجر العسقلاني على قول أبي حيّان الأندلسي بانحصار القول بإيمان آباء النبي بالشيعة الإمامية قائلاً: «وقول أبي حيان: إنّ الرافضة هم القائلون بأنّ آباء النبي مؤمنون غير معذَّبين، مستدلّين بقوله تعالى: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾. فلك ردّه: بأنّ مثل أبي حيّان إنّما يرجع إليه في علم النحو وما يتعلّق بذلك، وأمّا المسائل الأصوليّة فهو عنها بمعزل، كيف والأشاعرة ومن ذكر معهم - فيما مر آنفاً - على أنّهم مؤمنون، فنسبة ذلك للرافضة وحدهم - مع أنّ هؤلاء الذين هم أئمّة أهل السنّة قائلون به - قصور وأيّ قصور، تساهل وأيّ تساهل»[7] .

              وقال: «هذا الحصر باطل منك، أيّها النحوي البعيد عن مدارك الأصول والفروع. كيف؟ وأئمّة الأشاعرة من الشافعيّة وغيرهم - على ما مرّ التصريح به - في نجاة سائر آبائه كبقيّة أهل الفترة، فلو كنت ذا إلمام بذلك لما حصرت نقل ذلك عن الرافضة وزعمت أنّهم المستدلّون عليه بالآية والحديث. وهذا الفخر الرازي من أكابر أئمة أهل السنّة قد استدلّ بهما ونقل ذلك عن غيره...».

              ونحن نسأل مثيري الفتن: ما الفائدة من طرح هذه المسالة أو التكلم فيها أصلاً، إضافة لما فيها من خطر إفساد عقيدة الناس وإثارة الاختلاف في صفوف المسلمين؟!...

              ولكن القائلون بعذاب أبوي النبي لا يلتفتون إلى عمق الاستدلال على عنوان إسلامي بحاجة إلى تقصي الأدلة بشكل جيد بدلاً من التسرع في الحكم وحتى لا يكونوا مصداق قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتِغَاءَ الفِتنَةِ وَابتِغَاءَ تَأوِيلَهُ﴾[8] .

              عمدة المروجين لشرك أبوي النبي:

              وعمدتهم في ذلك حديثين وهما:
              1- حديث مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً: أنّ رسول الله(ص) قال: «استأذنت ربي أن استغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي»[9] .

              2- ما رواه مسلم أنّ رجلا قال: يا رسول الله(ص) أين أبي؟ قال: في النار. فلما قضى دعاه فقال: «إنّ أبي وأباك في النار»[10] .

              معارضة الحديثين لظاهر القرآن:
              والمتأمل في هذين الحديثين يستطيع أن يتبين علتهما، وذلك لمعارضتهما لصريح القران:
              كقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبعَثَ رَسُولاً﴾[11] .
              وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ أَن لَّم يَكُن رَّبُّكَ مُهلِكَ القُرَى بِظُلمٍ وَأَهلُهَا غَافِلُونَ﴾[12] .

              والقوم الذين بعث فيهم سيدنا رسول الله(ص) والذين منهم أبويه لم يأتهم نذير قبله لصريح قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرسَلنَا إِلَيهِم قَبلَكَ مِن نَّذِيرٍ﴾[13] ، وقوله تعالى: ﴿لِتُنذِرَ قَوماً مَّا أَتَـهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبلِكَ لَعَلَّهُم يَهتَدُونَ﴾[14] .

              فمعارضة هذين الحديثين المخالفين لفظاً ومعناً لصريح القرآن الذي هو قطعي الثبوت مع عدم إمكانية الجمع بينهما سقط الاحتجاج بهما، وتمسكنا بالقرآن كما هو مقرر وحسب قواعد الشريعة.

              يقول الإمام النووي في شرح المهذب: «ومتى خالف خبر الآحاد نص القرآن أو إجماعاً وجب ترك ظاهره»[15] .

              وقال إمام الحرمين الجويني: «ذهبت الحشوية من الحنابلة وكتبة الحديث إلى أنّ خبر الواحد العدل يوجب العلم، وهذا خزي لا يخفى مدركه على ذي لب، فنقول لهؤلاء: أتجوزون أن يزل العدل الذي وصفتموه ويخطئ؟ فإن قالوا: لا؛ كان بهتاً وهتكاً وخرقاً لحجاب الهيبة، ولا حاجة إلى مزيد البيان فيه»[16] .

              وقال السمرقندي الحنفي: «ومنها - أي شروط الخبر الآحاد -: أنّ يكون موافقاً لكتاب الله تعالى والسنة المتواترة والإجماع، فأما إذا خالف واحداً من هذه الأصول القاطعة فإنه يجب رده أو تأويله على وجه يجمع بينهما... ولأنّ خبر الواحد يحتمل الصدق والكذب والسهو والغلط، والكتاب دليل قاطع فلا يقبل المحتمل بمعارضة القاطع بل يخرج على موافقة بنوع تأويل. ومنها: أن يرد الخبر في باب العمل فإذا ورد الخبر في باب الاعتقادات - وهي مسائل الكلام - فإنه لا يكون حجة لأنه يوجب الظن وعلم غالب الرأي لا علماً قطعياً فلا يكون حجة فيما يبتني على العلم القطعي والاعتقاد حقيقة»[17] .

              والقاعدة عند علماء أهل السنة وبقية المذاهب الإسلامية: أنّ خبر الآحاد متى عارض الكتاب والسنة المتواترة أو الإجماع المعتبر لفظاً ومعنى مع عدم إمكانية الجمع بحال سقط الاستدلال به.

              إضافة إلى أنّهم اتفقوا على العمل به في الأمور الشرعية دون العقائد، حيث إنّ مسائل العقائد مبنية على القطعيات التي تفيد العلم اليقيني والتي يكفر منكرها، بخلاف الآحاد الذي لا يفيد إلا الظن[18] .

              أهل الفترة[19] ناجون:
              إنّ من العقيدة التي يجب على كل مؤمن أن يعتقدها ولا يجوز له جهلها فضلاً عن إنكارها هي أنّ أهل الفترة ناجون وإن بدلوا وغيروا بدليل النصوص القرآنية القطعية السابقة الذكر وأبوي النبي من أهل الفترة بلا خلاف.

              قال المفسر الشيخ محمد أمين الشنقيطي[20] :
              «ظاهر الآية الكريمة أنّ الله عز وجل لا يعذّب أحداً من خلقه لا في الدنيا ولا في الآخرة، حتى يبعث إليه رسولاً ينذره ويحذره، فيعصي ذلك الرسول(ص) ويستمر على الكفر والمعصية بعد الإنذار والإعذار.

              وقد أوضح الله عزوجل هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله تعالى: ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾[21] ، فصرح بأنه لابد أن يقطع حجة كل أحد بإرسال الرسل مبشرين من أطاعهم بالجنة، ومنذرين من عصاهم بالنار.

              وهذه الحجة بينها في سورة طه بقوله: ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى﴾[22] ، وأشار لها في سورة القصص بقوله تعالى: ﴿وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[23] ، وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ﴾[24] ، وقوله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[25] ، وكقوله تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ﴾[26] ، إلى غير ذلك من الآيات.

              ووضَّح ما دلت عليه الآيات المذكورة وأمثالها في القرآن الكريم من أنّ الله جل وعلا لا يعذب أحداً إلا بعد الإنذار والإعذار على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام تصريحه جل وعلا في آيات كثيرة بأنه لم يدخل أحداً النار إلا بعد الإعذار والإنذار... فمن ذلك قوله جل وعلا: ﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ﴾[27] ، ومعلوم أنّ ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْج يعم جميع الأفواج الملقين في النار... - إلى أن قال - وهذه الآيات التي ذكرنا وأمثالها في القرآن العظيم تدل على عذر أهل الفترة بأنهم لم يأتهم نذير ولو ماتوا على الكفر»، انتهى كلامه.

              فإذا كان أهل الفترة من أهل النجاة فكيف يمكن تصور حرمان والدي الرسول(ص) من هذا الأمر؟!

              المنحى الأصولي:
              يجب أن يعلم بأنّ المتفق عليه أنّ الفقيه لا يصل إلى الحكم الشرعي من دليل واحد غالباً، بل هو نتيجة تفاعل مجموعة من العلوم المشتركة من آيات قرآنية وأحاديث شرعية صحيحة وقواعد أصولية وحديثية ولغوية والتي لا غنى عنها لفهم معاني النصوص وإصدار الحكم الشرعي.

              ومن القواعد التي لابد منها لفهم هذين الحديثين على وفق ما اتفق عليه كبار أهل الحل والعقد من نقاد علماء أهل السنة والجماعة من حفاظ وأصوليين وغيرهم أنّ من أسباب رد الحديث:

              1) مخالفته لصريح القرآن لفظاً ومعنى مع عدم إمكانية تأويله ليوافق القرآن بلا تكلف.
              2) مخالفته لصريح العقل السليم لأنّ أفعال الله تعالى لا تخلو عن حكمة وإن كنا لا ندركها غالباً ولأنّ العقل شاهد من شواهد الشرع فالشرع لا يأتي إلا بمجوزات العقول.
              3) أنه لا يستدل في العقائد إلا بالمتواتر أو المشهور خلافاً لأبي حنيفة الذي يرى أنه يجوز الاستدلال بخبر الآحاد في العقائد بشرط أن لا يكون له معارض من القرآن أو من السنة المتواترة أو المشهورة.

              وما نحن فيه ليس من هذا القبيل لا عند الإمام أبي حنيفة، ولا عند غيره من باب الأولى لأنّ الظني لا يقوى على معارضة القطعي.

              والقرآن قطعي الثبوت ويمثل له بهذه الآية: ﴿ومَا كُنَا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبعَثَ رَسُولاً﴾[28] . ويؤيد ذلك ما قاله الأصوليون من أنّ «ترك الاستفصال يؤدي إلى تعلق الحكم في عموم المقال». وهذه الآية تدخل تحت هذه القاعدة. وهو يتطابق مع هذه الآية، أنّ كل من لم يأته رسول لا يعذب إلا ما خرج على غير قياس.

              هذا في كيفية العمل إذا ما عارض الحديث القرآن، أما إذا ما عارض الحديث الحديث فكلامهم في هذا الباب كثير.

              نقد حديثي الشرك:
              الحديث الأ‌ول: حديث «استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي».
              وفي الحديث أنه بكى وأبكى من حوله، فإنّ هذا الحديث لا يصح الاستدلال به على أنّ والدته في النار لعدة أمور:

              1) أنّ هذا الحديث يعارض معارضة صريحة قول الله تعالى: ﴿وَمَا كُنَا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبعَثَ رَسُولاً﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرسَلنَا إِلَيهِم قَبلَكَ مِن نَّذِيرٍ﴾[29] .

              2) أنّ بكائه على أمه لا يدل على أنها من أهل النار بأي وجه من الوجوه بدليل أنه بكى على ابنه إبراهيم كما في الصحيحين إذ قال: «تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون».

              3) إنّ الله تعالى أذن له بزيارة قبرها يدل على أنها مؤمنة وليست كافرة من أهل النار وإلا لتعارض صدر الحديث مع عجزه، ناهيك أيضاً أنّ الله تعالى قد نهاه أن يقوم على قبور الكفار والمنافقين بقوله عز من قائل: ﴿ولا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنهُم مَّاتَ أَبَداً ولا تَقُم عَلَى قَبرِهِ إِنَّهُم كَفَرُواْ بِاللهِ ورَسُولِهِ ومَاتُواْ وهُم فَاسِقُونَ﴾[30] وحاشى مقام رسول الله(ص) أن يخالف أمر الله تعالى ومن يظن ذلك فليس له نصيب من الإيمان في شيء.

              الحديث الثاني: حديث أنّ رجلاً قال: يا رسول الله(ص) أين أبي؟ قال: في النار، فلما قضى دعاه فقال: «إنّ أبي وأباك في النار...».

              ومما يجب أن يعلم أنّ لهذا الحديث ثلاثة طرق:

              1) السند الأول عن طريق حماد بن سلمة عن ثابت وهي التي جاء فيها: إنّ أبي وأباك في النار.
              2) السند الثاني عن طريق معمر عن ثابت وهي خالية من ذكر «إن أبي وأباك في النار».
              3) السند الثالث عن طريق إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه سعد بن أبي وقاص وهي خالية أيضاً من ذكر «إنّ أبي وأباك في النار» غير أنها تنتهي بقوله : «حيث ما مررت بقبر كافر فبشره بالنار».

              فالطريق الأول في سنده: ثابت وحماد بن سلمة.

              أما ثابت فهو عند بعضهم ثقة، ولكن ذكره ابن عدي في الضعفاء وعلل الحديث فقال: «إنه وقع في أحاديثه ما ينكر»، وهذا الحديث منها.

              وأما حماد فقال عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري: «حماد بن سلمة بن دينار البصري أحد الأئمة الأثبات إلا أنه ساء حفظه في الآخر».

              وقال السيوطي عن حماد بن سلمة: «إنّ حماد تكلم في حفظه ووقع في أحاديثه مناكير ذكروا أنّ ربيبه دسها في كتبه وكان حماد في آخر حياته لا يحفظ فحدث بها فوهم فيها ومن ثم لم يخرج له البخاري شيئاً ولا خرَّج له مسلم في أصول الدين إلا من روايته عن ثابت. قال الحاكم في المدخل: ما خرج مسلم لحماد إلا من حديثه عن ثابت»[31] .

              أما الطريق الثاني ففي سنده: «معمر عن ثابت، عن أنس» عوضاً «عن حماد، عن ثابت».

              والطريق الثالث جاء بالسند الآتي: فقد أخرج البزار والطبراني والبيهقي من طريق إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه سعد بن أبي وقاص: أنّ أعرابياً قال لرسول الله(ص) : أين أبي؟ قال: «في النار» قال: فأين أبوك؟ قال: «حيث ما مررت بقبر كافر فبشره بالنار».

              ويُلاحظ أنّ السند الأول ذكر فيه «حماد، عن ثابت» والسند الثاني ذكر فيه «معمر، عن ثابت» ومن المعروف أنّ معمراً أثبت من حماد بدليل أنّ حماداً تُكلِّم في حفظه كما سلف ولم يتكلم أحد في معمر.

              قال السيوطي في نفس المرجع المذكور: «وأما معمر فلم يتكلم في حفظه ولا اسْتُنكر شيءٌ من حديثه واتفق على التخريج له الشيخان فكان لفظه أثبت أي فتكون روايته أوثق وأثبت وأقرب الى الصحة».

              وأما سند الرواية الثالثة فقد قال السيوطي في نفس المرجع: «وهذا إسناد على شرط الشيخين فتعين المصير إليه والاعتماد على هذا اللفظ وتقديمه على غيره».

              في أدلة نجاة أبوي النبي من الكتاب والسنة:

              من الكتاب:
              1 - قوله تعالى: ﴿ومَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبعَثَ رَسُولاً﴾[32] فالآية عامة وصريحة في أنّ الله تعالى لا يعذِّب أحداً حتى يرسل الرسل.

              قال الألوسي صاحب روح المعاني في تفسيره عند شرح هذه الآية: «وما صح وما استقام بل استحال في السنة الإلهية المبنية على الحكم البالغة أو في قضائنا السابق أن نعذب أحداً بنوع من أنواع التعذيب دنيوياً أو أُخروياً على فعل شيء أو ترك شيء أصلياً كان أو فرعياً حتى نبعث إليه رسولاًً يهدي إلى الحق ويبين الشريعة». فإنه وإن كان ﴿لا يُسئَلُ عَمَّا يَفعَلُ وهُم يُسئَلُونَ﴾[33] إلا أنه سبحانه وتعالى ببالغ حكمته وكمال عدله وبمحض فضله لا يعذب أحد إلا بعد إرسال الرسل.

              قال الشاطبي: «جرت سنته سبحانه في خلقه: أنه لا يؤاخذ بالمخالفة إلا بعد إرسال الرسل، فإذا قامت الحجة عليهم؛ فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، ولكل جزاء مثله»[34] .

              قال القاسمي - في معنى الآية -: «وما صحَّ، وما استقام منا، بل استحال في سنَّتنا المبنية على الحِكم البالغة، أن نعذِّب قوماً حتى نبعث إليهم رسولاً يهديهم إلى الحق، ويردعهم عن الضلال؛ لإقامة الحجة، وقطعاً للعذر. والعذاب أعمُّ من الدنيوي والأخروي، أي: فهو يشملهما، وليس مختصا بأحدهما»[35] .

              وقال ابن تيمية: «إنّ الكتاب والسنة قد دلت على أنّ الله لا يعذب أحداً إلا بعد إبلاغ الرسالة، فمن لم تبلغه جملة، لم يعذِّبه رأساً، ومن بلغته جملة دون بعض التفصيل، لم يعذِّبه إلا على إنكار ما قامت عليه الحجة الرسالية»[36] .

              2 - قوله تعالى: ﴿ولَولا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةُ بِمَا قَدَّمَت أَيدِيهِم فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَولا أَرسَلتَ إِلَينَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ ونَكُونَ مِنَ المُؤمِنِينَ﴾[37] أي أنّ الحامل على إرسال الرسل تعللهم بهذا القول واحتجاجهم به.

              3 - قوله تعالى: ﴿ومَا كَانَ رَبُكُّ مُهلِكَ القُرَى حَتَّى يَبعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتلُواْ عَلَيهِم ءَايَاتِنَا﴾[38] .

              قال ابن جُزَيْ في تفسيره (التسهيل لعلوم التنـزيل): «أُمُّ القرى مكة لأنها أوَّل ما خلق الله من الأرض ولأنَّ فيها بيت الله، والمعنى أنّ الله أقام الحجة على أهل القرى بأن بعث سيدنا محمد في أمِّ القرى فإن كفروا أهلكهم بظلمهم بعد البيان لهم وإقامة الحجة عليهم».

              4 - قوله تعالى: ﴿ولَو أَنَّا أَهلَكَنـهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَولا أَرسَلتَ إِلَينَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ ءَايَـتِكَ مِن قَبلِ أَن نَّذِلَّ ونَخزَى﴾[39] .

              5 - قوله تعالى: ﴿ومَا أَهلَكنَا مِن قَريَةٍ إِلا لَهَا مُنذِرُونَ، ذِكرَى ومَا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾[40] .

              6 - قوله تعالى: ﴿وهُم يَصطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخرِجنَا نَعمل صَالِحاً غَيرَ الَّذِى كُنَّا نَعمَلُ أَوَلَم نُعَمِّركُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ﴾[41] .

              7 - قوله تعالى: ﴿أَم يَقُولُونَ افتَرَاهُ بَل هُوَ الحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوماً مَّا أَتَـهُم مِّن نَّذِيرٍ مّن قَبلِكَ لَعَلَّهُم يَهتَدُونَ﴾[42] .

              8 - قوله تعالى: ﴿وهَذَا كِتَابَ أَنـزلنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ واتَّقُواْ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ، أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنـزلَ الكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَينِ مِن قَبلِنَا وإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِم لَغَافِلينَ، أَو تَقُولُواْ لَو أَنَّا أُنـزلَ عَلَينَا الكِتَابُ لَكُنَّا أَهدَى مِنهُم فَقَد جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُم وهُدًى ورَحمةٌ﴾[43] .

              9 - قوله تعالى: ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾[44] .

              قال البرسوي: «والمعنى: لئلا يكون للناس على الله معذرة يوم القيامة يعتذرون بها، قائلين: لولا أرسلتَ إلينا رسولاً فيبين لنا شرائعك، ويعلمنا ما لم نكن نعلم من أحكامك، وينبهنا من سَنة الغفلة، لقصور القوة البشرية عن إدراك جزئيات المصالح، وعجز أكثر الناس عن إدراك كلياتها. ففيه تنبيهٌ على أنَّ بعثة الأنبياء إلى الناس ضرورة، وإنّما سميت المعذرةُ حجةً مع استحالة أن يكون لأحد عليه سبحانه حجة في فعلٍ من أفعاله، بل أن يفعل ما يشاء، للتنبيه على أنّ المعذرة في القبول عنده تعالى بمقتضى كرمه ورحمته، لعباده بمنزلة الحجة القاطعة التي لا مردَّ لها»[45] .

              والآيات في هذا الباب كثيرة جداً لمن أراد أن يتبصر فعليه بكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

              وقد سئل الإمام الشافعي عن صفات الله، وما يؤمن به؟
              فقال: «لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه، وأخبر بها نبيه أمته، ولا يسع أحداً من خلق الله قامت عليه الحجة ردها؛ لأنّ القرآن نزل بها، وصح عن رسول الله(ص) القول بها، فيما روى عنه العدول، فإن خالف بعد ذلك بعد ثبوت الحجة عليه، فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة عليه، فمعذور بالجهل؛ لأنّ علم ذلك لا يقدر عليه بالعقل، ولا بالروية، والقلب، والفكر، ولا نكفر بالجهل بها أحداً إلا بعد انتهاء الخبر إليه به»[46] .

              ما جاء في السنة:
              1 - ما أخرجه مسلم في كتاب المناقب: بسنده إلى واثلة بن الأسقع يقول: سمعت رسول الله(ص) يقول: «إنَّ الله عزوجل اصطفى كِنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كِنانة، واصطفى من قريشٍ بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم».

              ووجه الدليل من الحديث أنّ الاصطفاء يشعر بالنجاة، والقرآن يشهد لذلك الاصطفاء بآياتٍ كثيرة إذ أنَّ الله لا يصطفي المشركين الأنجاس، إنّما يصطفي الموحدين الطاهرين فعبد الله أبي رسول الله(ص) اصطفاه الله.
              فلا يوجد دليل ما على قيام أي من الوالدين المحترمين للرسول بعبادة الأصنام. فمن الحقائق التاريخية وجود كثير من الموحدين الذين لم يعبدوا الأصنام والأوثان في ذلك العهد حيث كانوا على دين إبراهيم .
              أيمكن تصور أنّ الله تعالى الذي لا يهمل ولا يضيع أي شيء حتى الذرات التي تدخل في جسد الإنسان بل يجعلها في الميزان يوم القيامة، والمنزه عن أي عبث... أيمكن تصور أن الله تعالى سيضيع والديّ الرسول(ص) وكانا هما السبب والوسيلة في ظهور الجسد المادي للرسول إلى الدنيا؟!
              فإن لم يكن الله ليضيع الموحدين في ذلك العهد من أمثال زيد بن عمرو، وورقة بن نوفل، وغيرهما. فلقد آمن هؤلاء بقلوبهم بالله تعالى، قد لا يكونون يعلمون كلمة (الله) فلا يستطيعون قول (يا الله)، ولكنهم كانوا يؤمنون بوجود اله واحد وكانوا يتوجهون بدعائهم إليه. فقبيل البعثة المحمدية كان الجو قد أصبح ملائماً ومناسباً. فكان أصحاب هذه الأرواح الحساسة قد شعروا بقرب هطول الرحمة الإلهية.. شعروا وحدسوا بهذا وكانوا يبشرون من حولهم من الناس بهذه البشارة. لذا فنحن نأمل أنّ رسول الله(ص) الذي أعطي حق شفاعة واسعة لا ينسى يوم القيامة هؤلاء الأشخاص والأفراد الذين كانوا يترقبون مجيئه بفارغ الصبر وبكل وجد وشوق وأن يأخذ بيدهم في ذلك اليوم ليقودهم إلى بر الأمان. كما نؤمن بأنّ الأشخاص الآخرين في ذلك العهد الذين لم يعبدوا الأصنام سيكونون من أهل النجاة مثل هؤلاء الأصناف تماماً.

              وجاء في التاريخ: أنّ عبد المطلب قد ذهب إلى أبرهة الأشرم وقال له: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه. وكان ذلك عند ما جاء أبرهة لهدم الكعبة وأخذ بعض الإبل الخاصة بعبد المطلب.
              وقد صدق عبد المطلب في قوله فإنّ الله قد حمى البيت كما قال. فهل هذا كان عن صدفة أم أنّ عبد المطلب كان موحداً بل مؤمناً بالله، ولذلك قال بأنّ للبيت رب يحميه؟! ولماذا لم يقل الآلهة تحميه، بل قال رب يحميه، أي رب واحد.

              2 - روى أبو نعيم في دلائل النبوة: أنّ النبي قال: «لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفَّى مهذَّباً لا تنشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما».

              فوصف رسول الله(ص) أصوله بالطاهرة والطيبة وهما صفتان منافيتان للكفر والشرك قال تعالى يصف المشركين: ﴿إِنَّمَا المُشرِكُونَ نَجَسُ﴾[47] .

              قال الحافظ زين الدين العراقي في مورده الهني ومولده السني:

              حفظ الإله كرامةً لمحمدٍ**ءاباءهُ الأمجادُ صوناً لاسمهِ
              تركوا السفاح فلم يصيبهم عارهُ**من آدمٍ وإلى أبيهِ وأمهِ

              3 - ما ذكره ابن حجر القسطلاني في كتابه المواهب اللدنية قال: روى الزهري عن أسماء بنت رهم عن أمها قالت: «شهدت آمنة أمَّ النَّبي في علتها التي ماتت بها ومحمد يفع له خمس سنين عند رأسها فنظرت إلى وجهه وقالت أبيات شعر ثم قالت كل حيٍّ ميِّت وكل جديد بال وكل كثير يفنى وأنا ميِّتة وذكري باقٍ وقد تركت خيراًَ وولدت طهراً ثم ماتت فكنَّا نسمع نوح الجنِّ عليها، أخرج الإمام أحمد وصححه الحاكم من حديث العرباض ابن سارية السلمي قال ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام وكذلك أمهات النبيين يرين
              » بمعنى أي يلهمن.

              أفمن كان آخر كلامه هذه الحكم الدالة على سلامة فطرته ومن يبشر بقدوم رسول الله(ص) ومن كانت الجن تنوح عليه أسفاً على فراقه يُقال فيه أنَّه من أصحاب النَّار.

              تعليق


              • #8
                مقولة الشيعة الإمامية:
                من معتقدات الشيعة الإمامية في الأنبياء والمعصومين أنهم لم يتنقّلوا إلا من صلب طاهر إلى رحم مطهّر، وذلك من أبينا آدم وأمنا حواء حتى قدموا إلى هذه الحياة الدنيا.
                فلا يمكن أن يودع المعصوم في صلب غير طاهر أو ليس بموحّد، أو أنّه يبقى في رحم غير مطهّر، وهذا ما دلّت عليه الروايات الشريفة:

                قال : «خلقني الله تبارك وتعالى وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف عام، ثم نقلنا إلى صلب آدم ثم نقلنا من صلبه إلى أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات»[48] .

                وعن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أميرالمؤمنين يقول: والله ما عبد أبي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قط، قيل: فما كانوا يعبدون؟ قال : كانوا يعبدون - يصلّون إلى- البيت على دين إبراهيم متمسكين به[49] .

                وقال رسول الله(ص) : «يا علي إنّ عبد المطلب كان لا يستقسم بالأزلام، ولا يعبد الأصنام، ولا يأكل ما ذبح على النصب، ويقول: أنا على دين أبي إبراهيم»[50] .

                وعن داود الرَّقِّي قال: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ - يعني الإمام الصادق - وَلِي عَلَى رَجُلٍ مَالٌ قَدْ خِفْتُ تَوَاهُ فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ ذَلِكَ.
                فقال لي:
                «إِذَا صِرْتَ بِمَكَّةَ فَطُفْ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ طَوَافاً، وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ عَنْهُ، وَطُفْ عَنْ أَبِي طَالِبٍ طَوَافاً، وَصَلِّ عَنْهُ رَكْعَتَيْنِ، وَطُفْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ طَوَافاً، وَصَلِّ عَنْهُ رَكْعَتَيْنِ، وَطُفْ عَنْ آمِنَةَ طَوَافاً وَصَلِّ عَنْهَا رَكْعَتَيْنِ، وَطُفْ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ طَوَافاً، وَصَلِّ عَنْهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ ادْعُ أَنْ يُرَدَّ عَلَيْكَ مَالُكَ».
                قال: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ بَابِ الصَّفَا وَإِذَا غَرِيمِي وَاقِفٌ يَقُولُ يَا دَاوُدُ حَبَسْتَنِي تَعَالَ اقْبِضْ مَالَكَ.[51] .

                وقد روي عن محمد بن علي الباقر أنه سئل عما يقوله الناس أنّ أبا طالب في ضحضاح من نار؟
                فقال : «لو وضع إيمان أبي طالب في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق في الكفة الأخرى لرجح إيمانه».
                ثم قال : «ألم تعلموا أنّ أميرالمؤمنين علياً كان يأمر أن يحج عن عبد الله وآمنة وأبي طالب في حياته ثم أوصى في وصيته بالحج عنهم»[52] .

                وهاتان الروايتان دليل فقهي على إسلامهم، لأنّ غير المسلم لا يُحَجّ عنه.

                وقد روى هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله قال: هبط جبرئيل على رسول الله(ص) فقال: يا محمد إنّ الله عزوجل قد شفعك في خمسة: في بطن حَمَلك وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف، وفي صلب أنزلك وهو عبد الله بن عبد المطلب، وفي حجر كفلك وهو عبد المطلب بن هاشم، وفي بيت آواك وهو عبد مناف بن عبد المطلب أبو طالب، وفي أخ كان لك في الجاهلية.
                قيل: يا رسول الله(ص) من هذا الأخ؟!
                فقال: «كان أُنسي وكنت أنسه وكان سخياً يطعم الطعام»[53] .

                ونقرأ في زيارة رسول الله(ص) : «أشهد يا رسول الله(ص) أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة، والأرحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها».

                ونقرأ أيضاً في زيارته : «...السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين الهادين المهديين، السلام عليك وعلى جدك عبد المطلب وعلى أبيك عبد الله، السلام عليك وعلى أمك آمنة بنت وهب، السلام على عمك حمزة سيد الشهداء، السلام عليك وعلى عمك عباس بن عبد المطلب، السلام على عمك وكفيلك أبي طالب...»

                إلى غير ذلك من الروايات والزيارات الشريفة التي تنصّ على أنّ المعصومين لا يودعون إلا في الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهّرة، مضافاً إلى بعض الشواهد التاريخية المؤيّدة لذلك.

                وأخيراً نقول:
                ثبت عن أبي حميد وأبي أسيد، عن سيدنا رسول الله(ص) أنه قال: «إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه»[54] .

                وعن أبي هريرة قال رسول الله(ص) : «إذا حدثتم عني حديثاً تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به قلته أو لم أقله فإني أقول ما تعرفونه ولا تنكرونه، وإذا حدثتم عني حديثاً تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به فإني لا أقول ما تنكرونه وأقول ما تعرفونه»[55] .

                وعن أبي أيوب الأنصاري وعوف ابن مالك الأشجعي وعبد الله بن عمرو أنّ رسول الله(ص) قال: «أطيعوني ما كنت بين أظهركم وعليكم بكتاب الله عزوجل أحلوا حلاله وحرموا حرامه»[56] .

                إنّ النبي أمر بالتمسك بكتاب الله تعالى بعد وفاته لأنّ الحديث المروي عنه يمكن أن يتلاعب به بعض الناس أو يدسوا فيه ما يوافق أهواءهم خلافاً لكتاب الله تعالى الذي تكفل الله بحفظه.. ولذا قال الإمام فخر الدين الرازي: «إن جميع آباء محمد كانوا مسلمين ومما يدل على ذلك قوله : «لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات» رواه أبو نعيم في الدلائل وقد قال تعالى: ﴿إِنَّمَا المُشرِكُونَ نَجَسٌ﴾[57] فوجب أن لا يكون أحد من أجداده مشركاً فكيف بآبائه».

                ويقول أميرالمؤمنين علي عن آباء الرسول(ص) : «فاستودَعَهم في أفضل مستودَع، وأقرّهم في خير مقرّ، تناسختْهم كرام الأصلاب إلى مطهرات الأرحام، كلّما مضى منهم سَلَف قام منهم بدِين الله خلف، حتى أفضت كرامة الله سبحانه إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فأخرجه من أفضل المعادن مَنبتاً، وأعزّ الأرومة مغرساً، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه، وانتجب منها أُمناءه»[58] .

                فعليك يا رسول الله(ص) السلام وعلى أمك الطاهرة آمنة بنت وهب:
                تتباهى بك العصور وتسمو**بك علياء بعدها علياء
                فهنيئاً به لآمنة الفضل**الذي شرفت به حواء

                ________________
                [1] مسند الإمام أحمد: ج 5 ص 262، وتفسير ابن كثير: ج 1 ص 186 وج 4 ص360.
                [2] مسند الإمام أحمد: ج 4 ص 127 - 128.
                [3] أخرجه البخاري في كتاب الرقائق باب 38.
                [4] أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب 8.
                [5] الأحزاب: 57.
                [6] الدرج المنيفة في الآباء الشريفة (ضمن الرسائل العشر): ص 42.
                [7] المنح المكيّة: ص 27.
                [8] آل عمران: 7.
                [9] صحيح مسلم: حديث 976.
                [10] صحيح مسلم: حديث 203، وسنن أبي داود: حديث 4718، ومسند أحمد: ج 3 ص 119، 268.
                [11] الإسراء: 15.
                [12] الأنعام: 131.
                [13] سبأ: 44.
                [14] السجدة: 3.
                [15] المجموع: ج 4 ص 342.
                [16] البرهان: ج 1 ص 606.
                [17] ميزان الأصول: ج 2 ص 642-643.
                [18] الورقات، للجويني: ص 184، المستصفى، للغزالي: ج 1 ص 145، واللمع، لأبي إسحاق الشيرازي: ص 72، وأصول السرخسي: ص 313، والفصول في الأصول، للجصاص: ج 3 ص 93.
                [19] أهل الفترة: وهو اصطلاح يستعمل في الفقه الإسلامي للدلالة على أولئك الذين عاشوا بين رسالتي المسيح والرسول(ص) الكريم, ولم يتسن لهم أن يتبعوا أحداً من الأنبياء الكرام, وفي هذه الحالة فإنّ جمهور الفقهاء كانوا لا يرون أنّ هؤلاء من أهل التكليف نظراً لغياب الرسالات عنهم, ولا يصح مطالبة هؤلاء بالتزام أحكام الشريعة ويسمون أهل فترة.
                [20] تفسير أضواء البيان: تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾.
                [21] النساء: 165.
                [22] طه: 134.
                [23] القصص: 47.
                [24] الأنعام: 31.
                [25] المائدة: 19.
                [26] الأنعام: 155 - 157.
                [27] الملك: 8 - 9.
                [28] الإسراء: 15.
                [29] سبأ: 44.
                [30] التوبة: 84.
                [31] مسالك الحنفا في نجاة والدي المصطفى، المطبوع مع الحاوي: ج 2 ص 202.
                [32] الإسراء: 15.
                [33] الأنبياء: 23.
                [34] الموافقات: ج 3 ص 377.
                [35] محاسن التأويل: ج 10 ص 213.
                [36] مجموع الفتاوى: ج 13 ص 493.
                [37] القصص: 47.
                [38] القصص: 59.
                [39] طه: 134.
                [40] الشعراء: 208 - 209.
                [41] فاطر: 37.
                [42] السجدة: 3.
                [43] الأنعام: 155 - 157.
                [44] النساء: 165.
                [45] تفسير روح البيان: ج 2 ص 324.
                [46] مختصر العلو، للذهبي: ص 177.
                [47] التوبة: 28.
                [48] إرشاد القلوب: ج 2 ص 415.
                [49] كمال الدين للصدوق: ص 174 ح 32، وبحار الأنوار: ج 15 ص 144 ح 76.
                [50] الخصال: ص 312 ح 90، ومن لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 365 ح 5762، وبحار الأنوار: ج 15 ص 127 ح 67.
                [51] الكافي: ج 4 ص 544، ومن لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 520 ح 3116.
                [52] بحار الأنوار: ج 35 ص 156.
                [53] الخصال: ج 1 ص 293.
                [54] وهو حديث صحيح صححه الألباني في الصحيح ج 2 ص 369.
                [55] رواه الطحاوي في مشكل الآثار: ص 14 ح 347 وهو حسن.
                [56] رواه الطبراني في الكبير، 18- 38، وصححه الألباني في الصحيح: ج 3 ص 458.
                [57] التوبة: 28.
                [58] نهج البلاغة: الخطبة الرابعة.

                الشيخ حسين المصطفى


                تعليق


                • #9
                  وَوَقَعَ آزَرُ بِأَهْلِهِ فَعَلِقَتْ بِإِبْرَاهِيمَ (عَلَيْهِ السَّلام)
                  الكافي ج 8 / ص 367

                  قال المجلسي في مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول : حسن . ج‏26، ص: 548




                  عن ابى بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله " واذ قال ابراهيم لابيه آزر " قال: كان اسم أبيه آزر.
                  تفسير العياشي ج 1 / ص 362




                  (من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم) وهو ابن آزر
                  تفسير القمي ج2 / ص 71



                  المعصوم عندكم يقرر أن في آباء النبي صلى الله عليه وآله وسلم من هو مشرك عدو لله تعالى . والقمي يؤكد ذلك

                  تعليق


                  • #10

                    قال السيد علي الميلاني في كتابه استخراج المرام من استقصاء الافحام:
                    ربّما نسب بعض المتعصّبين المفترين من أهل السنّة إلى الشيعة القول بعدم طيب ولادة آباء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم... وهذا بهتان عظيم، اللّهمّ العن قائله ومعتقده و مثبته ألف ألف لعنة، وأذقه حرّ النار وأصله سعيراً...
                    ولكنّ الكثيرين من أهل السنة قائلون بعدم إسلام وإيمان آباء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم... والعياذ بالله
                    .

                    أباطيل الأعور الواسطي
                    بل الأعجب من ذلك ردّ بعضهم على الإماميّة تشنيعهم على أهل السنّة وإعابتهم القول بذلك...!!
                    ألا ترى كيف يدافع الأعور الواسطي عن هذه المقالة الفاسدة والزعم الباطل، ويردّ على أهل الحق قائلاً:
                    «ومنها: إعابتهم قول أهل السنّة بكفر أبوي النبي. وذلك حقّ لا إعابة على أهل السنّة، لوجوه:
                    الأوّل: إنّ نصّ القرآن والأحاديث والتواريخ عن مجموع الكفّار من قريش، مثل أبي لهب عمّ النبي وأبي جهل، ومن أسلم منهم مثل أبي سفيان وغيرهم: أنّ محمّداً سفّه ما كان آباؤنا عليه من عبادة الأصنام، ونحن لا نرغب عن ملّة عبدالمطّلب.
                    الثاني: إنّ الله يقول لمن عرف الإسلام به (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) فمن أين جاء الإيمان لأبويه.
                    الثالث: إنّ الرافضة يزعمون إنّ عليّاً رضي الله عنه رمى أصنام قريش عن الكعبة، وعبدالمطّلب وعبدالله من رؤوسهم، فأيّ شيء أخبرهم عن عدم عبادتهما؟
                    قالوا: نقل من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة.
                    قلنا: معناه لم يكن سفاح بل عن عقود وأنكحة.
                    قالوا: كيف يمكن خروج نبيّ من كافر؟
                    قلنا: كثير من الأنبياء، كخروج إبراهيم عليه السلام من آزر.
                    قالوا: عمّه أو خاله؟
                    قلنا: يكذب ذلك أنّ الله تعالى سمّاه أباً بقوله: (إذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتّخذ أصناماً) ويقول إبراهيم لآزر: يا أبتِ، مراراً كثيرة. وأيضاً: العم ابن الجد لأب والخال ابن الجد لاُم، وحينئذ فيكون جدّه كافراً، ولا ينتفع الرافضة بشيء من هذه الدعوى، ودليل كفره شهادة ابنه عليه كقوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناماً فنظلُّ لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذْ تدعون أو ينفعونكم أو يضرّون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون) وكقوله تعالى: (ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين)
                    »
                    (
                    رسالة الأعور الواسطي في الرد على الرافضة ـ مخطوط).

                    أقول:
                    إنّها خرافات ركيكة وهفوات سخيفة:
                    فأمّا ما ذكره في الوجه الأوّل، فلا دليل عليه في القرآن والحديث، ولو فرض أنّ مجموع الكفّار قالوا كذلك، فأيّ اعتبار بقول الكفّار؟
                    وأمّا ما ذكره في الوجه الثاني، فليس إلاّ وساوس ظلمانيّة وتلبيسات شيطانيّة، ومحصّلها الكفر والزندقة والإلحاد.
                    وأمّا ما ذكره في الوجه الثالث، ففي غاية الضعف ولا محصَّل له، وأيّ ارتباط لمقصوده بقضيّة كسر الأصنام التي رواها ابن أبي شيبة وأبو يعلى وأحمد والطبري والحاكم والخطيب والنسائي وأمثالهم من الأعلام.
                    (
                    كنز العمال للمتقي الهندي، عن ابن أبي شيبة وأبي يعلى وابن جرير، مسند أحمد 1: 84 ، خصائص علي: 225 الحديث 122، المستدرك 2: 366 و3 : 5.)

                    وهل رئاسة عبدالمطلب وعبدالله لقريش تستلزم عبادة الأصنام؟
                    إنّه لا يقول بذلك إلاّ الجهلة الأغثام والسفهاء اللئام!
                    كيف لا؟ وقد قال السيوطي في (طراز العمامة في الفرق بين العمامة والقمامة) في بيان المسالك التي سلكها في إثبات إسلام أبوي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم:
                    «الثالث: إنّهما كانا على دين إبراهام، ما عبدا قطّ في عمرهما الأصنام، وأحاديث هذا المسلك قويّة السند، كثيرة العدد، عظيمة المدد، لا يقوم لردّها أحد».
                    وأمّا ما ذكره عن إبراهيم عليه السلام، فبطلانه يتّضح بمراجعة (رسائل السيوطي) و(المنح المكيّة) لابن حجر المكي، وأمثالهما.

                    وبالجملة، فإنّ القائلين منهم بهذا القول الباطل والرأي الفاسد كثيرون، ولنذكر كلمات بعضهم:

                    ابن كثير الدمشقي
                    قال ابن كثير الدمشقي في تاريخه (البداية والنهاية):
                    «وإخباره عليه السلام عن أبويه وجدّه عبدالمطلب بأنّهم من أهل النّار، لا ينافي الحديث الوارد عنهم ـ من طرق متعددة ـ أنّ أهل الفترة والأطفال والمجانين والصمّ يمتحنون في العرصات يوم القيامة، كما بسط سنداً ومتناً عند قوله تعالى: (وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولاً) فيكون منهم من يجيب ومنهم من لا يجيب، فيكون هؤلاء من جملة من لا يجيب.
                    والحديث الذي ذكره السهيلي ـ في إسناده مجاهيل ـ إلى أبي الزناد عن عروة عن عائشة: إنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم سأل ربّه أن يحيي أبويه فأحياهما وآمنا به.
                    فإنّه منكر جدّاً، وإنْ كان ممكناً بالنظر إلى قدرة الله تعالى، لكن الذي ثبت في الصحيح يعارضه
                    ».
                    البداية والنهاية = تاريخ ابن كثير 2: 281.

                    وكذّب أبوالخطّاب ابن دحية أيضاً حديث السهيلي، ونصَّ على أنّه موضوع، قال القسطلاني:
                    «قال ابن دحية: هذا الحديث موضوع، يردّه القرآن والإجماع، إنتهى. وقد جزم بعض العلماء بأنّ أبويه صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ناجيان وليسا في النّار، متمسّكاً بهذا الحديث وغيره. وتعقّبه عالم آخر بأنّه لم ير أحداً صرّح بأنّ الإيمان بعد انقطاع العمل بالموت ينفع صاحبه، فإنْ ادّعى أحد الخصوصيّة فعليه الدليل، إنتهى. وقد سبقه بذلك أبوالخطّاب ابن دحية وعبارته: من مات كافراً لم ينفعه الإيمان بعد الرجعة، بل لو آمن عند المعاينة لم ينفعه ذلك فكيف بعد الإعادة».
                    المواهب اللدنيّة بالمنح المحمّديّة 1: 90/ ذكر رضاعه.

                    وقد أطنب ابن كثير في المسألة في (تفسيره) بتفسير قوله تعالى: (وما كان للنبيّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا اُولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم) وقال:
                    «قال الإمام أحمد: حدّثنا الحسن بن موسى، حدّثنا زهير، حدّثنا زبيد ابن الحرث اليامي، عن محارب بن دثار، عن ابن بريدة عن أبيه قال:
                    كنّا مع النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، فنزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب، فصلّى ركعتين، ثمّ أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر بن الخطّاب وفدّاه بالأب والاُم وقال: يا رسول الله! مالك؟
                    قال: إنّي سألت ربّي عزّوجلّ في الإستغفار لاُمّي فلم يأذن لي، فدمعت عيناي رحمةً لها من النّار.
                    وإنّي كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها لتذكّركم زيارتها خيراً، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث، فكلوا وأمسكوا ما شئتم، ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية، فاشربوا في أيّ وعاء شئتم ولا تشربوا مسكراً.
                    وروى ابن جرير من حديث علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه: أنّ النبيّ صلّى الله عليه
                    [وآله] وسلّم لمّا قدم مكّة، أتى رسم قبر، فجلس إليه فجعل يخاطب، ثمّ قام مستعبراً، فقلنا: يا رسول الله! إنّا رأينا ما صنعت.
                    قال: إنّي استأذنت ربّي في زيارة قبر اُمّي فأذن لي، واستأذنته في الإستغفار لها، فلم يأذن لي، فما رُئي باكياً أكثر من يومئذ.
                    وقال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدّثنا أبي، حدّثنا خالد بن خداش، حدّثنا عبدالله بن وهب، عن ابن جريح عن أيوب بن هاني، عن مسروق، عن عبدالله بن مسعود قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه
                    [وآله] وسلّم يوماً إلى المقابر فأتبعناه، فجاء حتّى جلس إلى قبر منها، فناجاه طويلاً ثمّ بكى، فبكينا لبكائه، ثمّ قام، فقام إليه عمر بن الخطّاب فدعاه ثمّ دعانا فقال: ما أبكاكم؟ قلنا: بكينا لبكائك.
                    قال: إنّ القبر الذي جلست عنده قبر آمنة، وإنّي استأذنت ربّي في زيارتها فأذن لي، وإنّي استأذنت ربّي في الدعاء لها، فلم يأذن لي وأنزل علَيّ: (ما كان للنبيّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا اُولي قربىفأخذني ما يأخذ الولد للوالد، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنّها تذكّر الآخرة.
                    حديث آخر في معناه: قال الطبراني: حدّثنا محمّد بن علي المروزي، حدّثنا أبوالدرداء عبدالعزيز بن منيب، حدّثنا إسحاق بن عبدالله بن كيسان، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عبّاس: أنّ رسول الله صلّى الله عليه
                    [وآله] وسلّم لمّا أقبل من غزوة تبوك واعتمر، فلمّا هبط من ثنية عسفان، أمر أصحابه أن يستندوا إلى العقبة حتّى أرجع إليكم، فذهب فنزل على قبر اُمّه، فناجا ربّه طويلاً، ثمّ إنّه بكى، فاشتدّ بكاؤه وبكى هؤلاء لبكائه وقالوا: ما بكى نبيّ الله هذا البكاء إلاّ وقد اُحدث في اُمّته شيء لا يطيقه، فلمّا بكى هؤلاء قام فرجع إليهم فقال: ما يبكيكم؟ فقالوا: يا نبيّ الله! بكينا لبكائك، قلنا: لعلّه اُحدث في اُمّتك شيء لا تطيقه. قال: لا، وقد كان بعضه.
                    ولكن نزلت على قبر اُمّي، فدعوت الله أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة فأبى الله أن يأذن لي، فرحمتها وهي اُمّي فبكيت، ثمّ جاءني جبرئيل فقال: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدة وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ لله تبرّأ منه) فتبرّأ أنت من اُمّك كما تبرّأ إبراهيم من أبيه، فرحمتها وهي اُمّي.
                    ودعوت ربّي أن يرفع عن اُمّتي أربعاً، فرفع عنهم اثنين وأبى أن يرفع عنهم اثنتين، دعوت ربّي أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض، وأن لا يلبسهم شيعاً، وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض، فرفع عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض، وأبى الله أن يرفع عنهم القتل والهرج
                    .
                    وإنّما عدل إلى قبر اُمّه، لأنّها كانت مدفونة تحت كدي، وكانت عسفان لهم.
                    وهذا حديث غريب وسياق عجيب.
                    وأغرب منه وأشدّ نكارة:
                    ما رواه الخطيب البغدادي في كتاب السابق واللاّحق، بسند مجهول، عن عائشة، في حديث فيه قصّة: أنّ الله أحيا اُمّه فآمنت ثمّ عادت.
                    وكذلك ما رواه السهيلي في الرّوض، بسند فيه جماعة مجهولون: أنّ الله أحيا له أباه واُمّه فآمنا به. وقد قال الحافظ ابن دحية: هذا الحديث موضوع، يردّه القرآن والإجماع، قال الله تعالى: (ولا الذين يموتون وهم كفّار).
                    وقد مال أبو عبدالله القرطبي إلى هذا الحديث، وردّ على ابن دحية في هذا الإستدلال ما حاصله: إنّ هذه حياة جديدة، كما رجعت الشمس بعد غيبوبتها فصلّى عليّ العصر. قال الطحاوي: وهو حديث ثابت. يعني حديث الشمس. قال القرطبي: فليس إحياؤهما بممتنع عقلاً ولا شرعاً. قال: وقد سمعت أنّ الله أحيى عمّه أباطالب فآمن به.
                    قلت: وهذا كلّه يتوقّف على صحّة الحديث، فإذا صحّ فلا مانع منه. والله أعلم.
                    وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: (ما كان للنبيّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) الآية، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه
                    [وآله] وسلّم أراد أن يستغفر لاُمّه فنهاه الله عن ذلك، فقال: فإنّ إبراهيم خليل الله قد استغفر لأبيه فأنزل الله: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدة وعدها إيّاه) الآية.
                    وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس في هذه الآية: كانوا يستغفرون لهم حتّى نزلت هذه الآية، فلمّا اُنزلت أمسكوا عن الإستغفار لأمواتهم، ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتّى يموتوا، ثمّ أنزل الله: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه) الآية.
                    وقال قتادة في هذه الآية: ذكر لنا أنّ رجالاً من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه
                    [وآله] وسلّم قالوا: يا نبيّ الله! إنّ من آبائنا من كان يحسن الجوار ويصل الأرحام، ويفكّ العاني ويوفي بالذمم، أفلا نستغفر لهم؟ قال: فقال النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: بلى والله، إنّي لأستغفر لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه، فأنزل الله: (ما كان للنبيّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) حتّى بلغ الجحيم، ثمّ عذّر الله إبراهيم عليه [وآله] الصلاة والسلام فقال: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدة وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ لله تبرّأ منه)»
                    (
                    تفسير ابن كثير 4: 221 ـ 224 والآية في سورة التوبة: 113).

                    الذهبي
                    والذهبي أيضاً كذّب الحديث المذكور، حيث قال في (ميزان الإعتدال):
                    «عبدالوهّاب بن موسى، عن عبدالرحمن بن أبي الزناد، بحديث: إنّ الله أحيا لي اُمّي فآمنت بي.
                    الحديث كذب، مخالف لِما صحَّ أنّه عليه السلام استأذن ربّه في الإستغفار لهما فلم يؤذن له
                    »(1).
                    وفي (لسان الميزان) عن جماعة أنّهم كذّبوا الحديث كذلك(2).
                    ______________
                    (1) ميزان الاعتدال 4 : 437 /5332 ترجمة عبدالوهّاب بن موسى.
                    (2) لسان الميزان 4 : 512 /5416 ترجمة عبدالوهّاب بن موسى.

                    تعليق


                    • #11
                      القائلون بالحقّ وأدلّتهم

                      لكنّ جماعةً من أعلامهم دافعوا عن الحق، وأبطلوا هذه الأقاويل الفاسدة.

                      فالحافظ السيوطي ـ مثلاً ـ ألّف رسائل عديدة في إثبات نجاة آباء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، حتّى أنّه قال بكفر من يقول بكفر والدي النبي، ففي رسالته التي أسماها: (الدرج المنيفة في الآباء الشريفة):
                      «نقلت من مجموع بخطّ الشيخ كمال الدين الشمني، والد شيخنا الإمام تقي الدين رحمه الله ما نصّه: سُئل القاضي أبوبكر ابن العربي عن رجل قال: إنّ آباء النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم في النار، فأجاب بأنّه ملعون; لأنّ الله تعالى قال: (إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مهيناً) قال: ولا أذى أعظم من أن يقال عن أبيه: إنّه في النّار»(1).

                      وقال في رسالته (الدوران الفلكي على ابن الكركي) في بيان الاُمور المستهجنة التي ذكر صدورها من السخاوي:
                      «الثاني: إنّه تكلّم في حق والدي المصطفى بما لا يحلّ لمسلم ذكره، ولا يسوغ أن يجزم عليه فكره، فوجب علَيّ أنْ أقوم عليه بالإنكار، وأنْ أستعمل في تنزيه هذا المقام الشريف الأقلام والأفكار، فألّفت في ذلك ست مؤلّفات شحنتها بالفوائد وهي في الحقيقة أبكار، ومن ذا الذي يستطيع أنْ ينكر علَيّ قيامي في ذلك، أو يلقي نفسه في هذه المهالك، من أنكر ذلك أكاد أقول بكفره وأستغرق العمر في هجره».

                      وقال السهيلي في (الروض الأنف):
                      «وذكر قاسم بن ثابت في الحديث: إنّ رسول الله صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم زار قبر اُمّه بالأبواء في ألف مقنّع، فبكى وأبكى: وهذا حديث صحيح.
                      وفي الصحيح أيضاً أنّه قال: استأذنت ربّي في زيارة قبر اُمّي فأذن لي، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي.
                      وفي مسند البزّار من حديث بريدة: إنّه عليه السلام حين أراد أن يستغفر لاُمّه، ضرب جبرئيل في صدره وقال: لا تستغفر لمن مات مشركاً، فرجع حزيناً.
                      وفي الحديث زيادة في غير الصحيح: إنّه سئل عن بكائه، فقال: ذكرت ضعفها وشدّة عذاب الله، إن كان صحَّ هذا.
                      وفي حديث آخر ما يصحّحه وهو أنّ رجلاً قال له: يا رسول الله! أين أبي؟ فقال: في النار، فلمّا ولّى الرجل قال عليه السلام له: إنّ أبي وأباك في النّار.
                      وليس لنا أنْ نقول هذا في أبويه صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، لقوله صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم: لا تؤذوا الأحياء بسبب الأموات، والله عزّوجلّ يقول: (إنّ الذين يؤذون الله ورسوله) الآية»(2).

                      والواقع: إنّ السهيلي متذبذب مضطربٌ في هذا المقام، ويزيد ذلك وضوحاً قوله بعد ذلك:
                      «وإنّما قال النبي صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم لذلك الرجل هذه المقالة، لأنّه وجد في نفسه، وقد قيل: إنّه قال: أين أبوك أنت، فحينئذ قال ذلك.
                      وقد روى معمر بن راشد بغير هذا اللفظ، فلم يذكر أنّه قال له: إنّ أبي وأباك في النّار، ولكن ذكر أنّه قال له: إذا مررت بقبر كافر فبشّره بالنّار.
                      وروي في حديث غريب لعلّه أن يصحّ ـ وجدته بخطّ جدّي أبي عمرو ـ إنّ أحمد بن أبي الحسن القاضي رحمه الله ـ بسند فيه مجهولون ـ ذكر أنّه نقله من كتاب انتسخ من كتاب معوذ بن داود بن معوذ الزاهد، يرفعه إلى أبي الزناد عن عروة عن عائشة: اُخبرت أنّ رسول الله صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم سأل ربّه أن يحيي أبويه، فأحياهما له وآمنا به ثمّ ماتا.
                      والله قادر على كلّ شيء، وليس تعجز رحمته وقدرته عن شيء، ونبيّه أهل أن يخصّه بما شاء من فضله وينعم عليه بما شاء من كرامته، صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم»(3).

                      بل رجع إلى قول أسلافه الموجب للّعن ووافق عليه، في موضع آخر من كتابه، حيث قال في غزوة اُحد:
                      «ووقع في هذه الغزوة: إنّ رسول الله صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم جمع لسعد أبويه فقال له: إرم فداك أبي واُمّي. وروى الترمذي من طريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ما سمعت رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يقول لأحد فداك أبي واُمّي إلاّ لسعد. وقال في رواية اُخرى عنه: ما جمع رسول الله أبويه إلاّ لسعد.
                      والرواية الاُولى أصحّ والله أعلم; لأنّه أخبر فيها أنّه لم يسمع، وقد روى الزبير بن العوام أنّ رسول الله صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم جمع له أيضاً أبويه وقال له كما قال لسعد، ورواه عنه ابنه عبدالله بن الزبير، وأسنده في كتاب أنساب قريش الزبير ابن أبي بكر.
                      وفقه هذا الحديث أنّه جائز هذا الكلام لمن كان أبواه غير مؤمنين، وأمّا من كان أبواه مؤمنين فلا; لأنّه كالعقوق لهما. كذلك سمعت شيخنا أبابكر يقول في هذه المسألة
                      ».

                      ومن الذين قالوا بالحقّ ودافعوا عنه: ابن حجر المكي، حتّى أنّه اعترض على قول أبي حيّان الأندلسي بانحصار القول بإيمان آباء النبي بالإماميّة، فقد ذكر القسطلاني في (المواهب اللدنيّة):
                      «نقل الإمام أبو حيان في البحر عند تفسير قوله تعالى (وتقلّبك في السّاجدين) إنّ الرافضة هم القائلون إنّ آباء النبي صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم كانوا مؤمنين، مستدلّين بقوله تعالى: (وتقلّبك في السّاجدين) وبقوله عليه السلام: لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين، الحديث»(4).

                      قال شارحه الشبراملسي في (تيسير المطالب السنيّة):
                      «قوله: ونقل الإمام أبو حيان...
                      قال الشهاب ابن حجر في كتابه: النعمة الكبرى على العالم بمولد سيّد بني آدم: وقول بعضهم: ونقل أبو حيان... سوء تصرّف منه، لأنّه ـ أعني ناقل هذا الكلام عن أبي حيان ـ لو كان له أدنى مسكة من علم أو فهم لتعقّب ما قاله أبو حيان أنّ الرافضة هم القائلون.. وقال له: هذا الحصر باطل منك، أيّها النحوي البعيد عن مدارك الاُصول والفروع. كيف؟ وأئمّة الأشاعرة من الشافعيّة وغيرهم ـ على ما مرّ التصريح به ـ في نجاة سائر آبائه صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم كبقيّة أهل الفترة، فلو كنت ذا إلمام بذلك لما حصرت نقل ذلك عن الرافضة وزعمت أنّهم المستدلّون عليه بالآية والحديث. وهذا الفخر الرازي من أكابر أئمّة أهل السنّة قد استدلّ بهما ونقل ذلك عن غيره، فليتك أيّها الناقل عن أبي حيّان سكتَّ عن ذلك، ووقيت عرضك وعرضه من رشق سهام الصواب فيهما».

                      وهذا كلام ابن حجر المكي في (المنح المكيّة ـ شرح القصيدة الهمزيّة):
                      «وقول أبي حيان: إنّ الرافضة هم القائلون بأنّ آباء النبي صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم مؤمنون غير معذَّبين، مستدلّين بقوله تعالى: (وتقلّبك في الساجدين).
                      فلك ردّه: بأنّ مثل أبي حيّان إنّما يرجع إليه في علم النحو وما يتعلّق بذلك، وأمّا المسائل الاُصوليّة فهو عنها بمعزل، كيف والأشاعرة ومن ذكر معهم ـ فيما مرّ آنفاً ـ على أنّهم مؤمنون، فنسبة ذلك للرافضة وحدهم ـ مع أنّ هؤلاء الذين هم أئمّة أهل السنّة قائلون به ـ قصور وأيّ قصور، تساهل وأيّ تساهل
                      »(5).

                      فثبت ـ والحمد لله ـ أنّ القائلين بالقول الحقّ هم أهل الحقّ، وأنّ كثيراً من غيرهم أيضاً يشاركونهم في هذا القول.

                      وقال السيوطي في (الدرج المنيفة في الآباء الشريفة):
                      «الدرجة الثالثة: أنّهما كانا على التوحيد ودين إبراهيم عليه السّلام، كما كان على ذلك طائفة من العرب، كزيد بن نفيل وقس بن ساعدة وورقة بن نوفل وعمير ابن حبيب الجهني وعمر بن عنبسة، في جماعة آخرين، وهذه طريقة الإمام فخرالدين الرازي وزاد: إن آباء النبي صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم كلّهم إلى آدم على التوحيد ودين إبراهيم، لم يكن فيهم شرك.
                      قال: ممّا يدلّ على أنّ آباءه صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم ما كانوا مشركين: قوله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: لم أزل أُنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات، وقال تعالى: (إنّما المشركون نَجَسٌ) فوجب أن لا يكون أحد من أجداده مشركاً.
                      قال: ومن ذلك قوله تعالى: (الذي يراك حين تقوم وتقلّبك في الساجدين) معناه أنّه ينقل نوره من ساجد إلى ساجد.
                      قال: وبهذا التقرير، فالآية دالّة على أنّ جميع آباء محمّد صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم كانوا مسلمين.
                      قال: وحينئذ يجب القطع بأنّ والد إبراهيم ما كان من الكافرين، إنّما كان ذاك عمّه، أقصى ما في الباب أن يحمل قوله تعالى (وتقلّبك في الساجدين) على وجوه اُخرى، وإذا وردت الروايات بالكلّ ولا منافاة بينهما، وجب حمل الآية على الكلّ، وبذلك يثبت أنّ والد إبراهيم ما كان من عبدة الأوثان، وإنّ آزر لم يكن والده بل كان عمّه، إنتهى ملخّصاً.
                      وقد وافقه على الإستدلال بالآية الإمام الماوردي صاحب الحاوي الكبير من أئمّة أصحابنا.
                      وقد وجدت ما يعضد هذه المقالة من الأدلّة ما بين مجمل ومفصّل; فالمجمل: دليل مركّب من مقدّمتين:
                      إحداهما: أنّ الأحاديث الصحيحة دلّت على أنّ كلّ أصل من اُصوله صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم من أبيه إلى آدم خير أهل زمانه.
                      والثانية: إنّ الأحاديث والآثار دلّت على أنّ الله لم يخل الأرض من عهد نوح إلى بعثة النبي صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم من ناس على الفطرة، يعبدون الله ويوحّدونه ويصلّون له وبهم يحفظ الأرض، ولولاهم لهلكت الأرض ومن عليها.
                      ومن أدلّة المقدّمة الاُولى حديث البخاري: بعثت من خير قرن بني آدم، قرناً فقرناً، حتّى بعثت من القرن الذي كنت فيه.
                      وحديث البيهقي: ما افترقت الناس فرقتين إلاّ جعلني الله في خيرهما، فاُخرجت من بين أبوي فلم يصبني شيء من عهد الجاهليّة، وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم حتّى انتهيت إلى أبي واُمّي; فأنا خيركم نفساً وخيركم أباً.
                      وحديث أبي نعيم وغيره: لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيّبة إلى الأرحام الطاهرة مصفّى مهذّباً، لا يتشعّب شعبتان إلاّ كنت في خيرهما.
                      في أحاديث كثيرة.
                      ومن أدلّة المقدّمة الثانية: ما أخرجه عبدالرزاق في المصنّف، وابن المنذر في تفسيره ـ بسند صحيح على شرط الشيخين ـ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لم يزل على وجه الأرض من يعبد الله عليها.
                      وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في الزهد، والخلاّل في كرامات الأولياء ـ بسند صحيح على شرط الشيخين ـ عن ابن عبّاس رضي الله عنه: ما خلت الأرض من بعد نوح من شعبة يدفع الله بهم عن أهل الأرض.
                      في آثار اُخر.
                      وإذا قرنت بين هاتين المقدمتين، اُنتج منهما قطعاً: أنّ آباء النبي صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم لم يكن فيهم شرك; لأنّه قد ثبت في كلّ منهم أنّه خير قرنه، فإن كان الناس الذين هم على الفطرة هم آباؤه فهو المدّعى، وإن كان غيرهم وهم على الشرك، لزم أحد الأمرين: إمّا أن يكون المشرك خيراً من المسلم، وهو باطل بنصّ القرآن والإجماع، وإمّا يكون غيرهم خيراً منهم، وهو باطل، لمخالفته الأحاديث الصحيحة.
                      فوجب قطعاً أن لا يكون فيهم مشرك، ليكونوا خير أهل الأرض، كلّ في قرنه
                      »(6).

                      وقال ابن حجر بشرح:
                      «لم تزل في ضمائر الكون *** تختار لك الاُمّهات والآباء»
                      قال ما نصّه:
                      «تنبيه: لك أن تأخذ من كلام الناظم، الذي علمت أنّ الأحاديث مصرّحة به لفظاً في أكثره ومعنى في كلّه: أنّ آباء النبي صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم ـ غير الأنبياء ـ واُمّهاته إلى آدم وحوّاء ليس فيهم كافر; لأنّ الكافر لا يقال في حقّه أنّه مختار ولا كريم ولا طاهر بل نجس كما في آية (إنّما المشركون نَجَسٌ).
                      وقد صرّحت الأحاديث السابقة بأنّهم مختارون، وأنّ الآباء كرام، وإنّ الاُمّهات طاهرات.
                      وأيضاً: فهم إلى إسماعيل كانوا من أهل الفترة، وهم في حكم المسلمين بنصّ الآية الآتية، وكذا من بين كلّ رسولين.
                      وأيضاً: قال تعالى: (وتقلّبك في الساجدين) على أحد التفاسير فيه: أنّ المراد ينقل نوره من ساجد إلى ساجد. وحينئذ، فهذا صريح في أنّ أبوي النبي صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم ـ آمنة وعبدالله ـ من أهل الجنّة، لأنّهما أقرب المختارين له صلّى الله عليه [وآله] وسلّم.
                      وهذا هو الحقّ
                      ، بل في حديث ـ صحّحه غير واحد من الحفّاظ ولم يلتفتوا لمن طعن فيه ـ: أنّ الله تعالى أحياهما فآمنا به. خصوصيّة لهما وكرامة له عليه السلام.
                      فقول ابن دحية يردّه القرآن والإجماع، ليس في محلّه; لأنّ ذلك ممكن شرعاً وعقلاً، على جهة الكرامة والخصوصيّة، فلا يردّه قرآن ولا إجماع.
                      وكون الإيمان لا ينفع بعد الموت. محلّه في غير الخصوصيّة والكرامة.
                      وقد صحّ أنّه عليه السلام ردّت عليه الشمس بعد مغيبها فعاد الوقت حتّى صلّى عليّ العصر أداء، كرامة له صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم، فكذا هنا، وطعن بعضهم في صحّة هذا بما لا يجدي أيضاً.
                      وخبر أنّه تعالى لم يأذن لنبيّه صلّى الله عليه
                      [وآله] وسلّم في الإستغفار لأبويه، إمّا كان قبل إحيائهما له وإيمانهما به، أو أنّ المصلحة اقتضت تأخير الإستغفار لهما عن ذلك الوقت، فلم يؤذن له فيه حينئذ.
                      فإن قلت: إذا قرّرتم أنّهما من أهل الفترة، وأنّهم لا يعذّبون، فما فائدة الإحياء؟
                      قلت: فائدته إتحافهما بكمال لم يحصل لأهل الفترة; لأنّ غاية أمرهم أنّهم اُلحقوا بالمسلمين في مجرّد السلامة من العقاب، وأمّا مراتب الثواب العليّة فهم بمعزل عنها، فاُتحفا بمرتبة الإيمان زيادة في شرف كمالهما لحصول تلك المراتب لهما. وفي هذا مزيد ذكرته في الفتاوى.
                      ولا يرد على الناظم آزر، فإنه كافر مع أنّ الله تعالى ذكر في كتابه العزيز أنّه أبو إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه، وذلك لأنّ أهل الكتابين أجمعوا على أنّه لم يكن أباً حقيقة وإنّما كان عمّه، والعرب تسمّى العمّ أباً، بل في القرآن ذلك، قال تعالى: (وإله آبائي إبراهيم وإسماعيل) مع أنّه كان عمّ يعقوب، بل لو لم يجمعوا على ذلك وجب تأويله بهذا جمعاً بين الأحاديث، وأمّا من أخذ بظاهره ـكالبيضاوي وغيره ـ فقد تساهل واستروح
                      »(7).

                      هذا، والأعجب من ذلك كلّه: قدح جماعة من أئمّتهم في نسب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، بدعوى أنّ كنانة زوجة خزيمة قد مكَّنت أباها من نفسها، فكان النضر بن كنانة، وهو من أجداده صلّى الله عليه وآله وسلّم... أعاذنا الله من الإفتراء والبهتان والإرتباك في العمى والخذلان، وتفصيل هذه القصّة الشنيعة في (الروض الأنف) و(المعارف) وغيرهما من كتب القوم(8).
                      _________________________
                      (1) الدرج المنيفة في الآباء الشريفة (ضمن الرسائل العشر) : 42.

                      (2) الروض الانف 2 : 185 ـ 186 بتفاوت يسير.
                      (3) الروض الانف 2 : 187.
                      (4) المواهب اللدنيّة بالمنح المحمّديّة 1 : 92.
                      (5) المنح المكيّة ـ شرح القصيدة الهمزيّة : 27.
                      (6) الدرج المنيفة في الآباء الشريفة (ضمن الرسائل العشر) : 32 ـ 34.
                      (7) المنح المكيّة ـ شرح القصيدة الهمزيّة: 25 ـ 26.
                      (8) الروض الانف 2: 356 ـ 357، المعارف لابن قتيبة: 130.

                      تعليق


                      • #12
                        تنبيه حول رأي الرازي
                        قد تقدَّم في كلام السيوطي وابن حجر المكي: أنّ الفخر الرازي من القائلين بإسلام آباء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأنّ السيوطي والقسطلاني نقلا ذلك عنه في كتابه (أسرار التنزيل)، فاقتضى ذلك مراجعة الكتاب المذكور، ومراجعة (التفسير الكبير).
                        أمّا في (التفسير الكبير) فقد وجدنا الرازي ـ وللأسف الشديد ـ يحاول إثبات القول المخالف للحق، فكان من الضروري الوقوف على كلامه في (أسرار التنزيل) لمعرفة مدى صحّة ما نسبوا إليه، حتّى عثرنا عليه فوجدناه كذلك، فإنّه ينقل القول الحقّ الصحيح ثمّ يردّ عليه بزعمه، غير أنّه في (التفسير الكبير) ينسب القول الحق والإستدلال عليه إلى الإماميّة بصراحة، أمّا في (أسرار التنزيل) فيذكر في والد سيّدنا إبراهيم عليه السلام قولين ـ بلا نسبة لأحد ـ أحدهما: كون آزر والده، والآخر: أنّه لم يكن والده... فأورد للاستدلال على هذا القول ما نقله السيوطي وغيره عنه... ثمّ جعل يردّ عليه... وكأنّ السيوطي لم يلحظ آخر كلامه، فنسب إليه القول بالحق، والحال أنّه ليس كذلك.

                        وإليك نصّ كلامه في (التفسير الكبير):
                        «قالت الشيعة: أنّ أحداً من آباء الرسول وأجداده ما كان كافراً، وأنكروا أن يقال أنّ والد إبراهيم كان كافراً، وذكروا أنّ آزر كان عمّ إبراهيم عليه السلام وما كان والداً له، واحتجّوا على قولهم بوجوه:
                        الحجّة الاُولى: إنّ آباء الأنبياء ما كانوا كفّاراً، ويدلّ عليه وجوه: منها قوله تعالى: (الذي يراك حين تقوم وتقلّبك في الساجدين)(1) قيل: معناه أنّه كان ينقل روحه من ساجد إلى ساجد، وبهذا التقرير فالآية دالّة على أنّ جميع آباء محمّد عليه السلام كانوا مسلمين، وحينئذ، يجب القطع بأنّ والد إبراهيم كان مسلماً.
                        فإن قيل: (وتقلّبك في الساجدين) يحتمل وجوهاً اُخرى:
                        أحدها: أنّه لمّا نسخ فرض قيام اللّيل، طاف الرسول عليه السلام تلك اللّيلة على بيوت أصحابه لينظر ماذا يصنعون، لشدّة حرصه على ما يظهر منهم من الطاعات، فوجدها كبيوت الزنابير، لكثرة ما يسمع من أصوات قراءتهم وتسبيحهم وتهليلهم، فالمراد من قوله (وتقلّبك في الساجدين) طوافه صلوات الله عليه تلك اللّيلة على الساجدين.
                        وثانيها: المراد أنّه عليه السلام كان يصلّي بالجماعة، فتقلّبه في الساجدين معناه: كونه فيما بينهم ومختلطاً بهم حال القيام والركوع والسجود.
                        وثالثها: أن يكون المراد أنّه لا يخفى حالك على الله كلّما قمت وتقلّبت مع الساجدين في الاشتغال باُمور الدين.
                        ورابعها: المراد تقلّب بصره فيمن يصلّي خلفه، والدليل عليه قوله عليه السلام: أتمّوا الركوع والسجود فإنّي أراكم من وراء ظهري.
                        فهذه الوجوه الأربعة ممّا يحتملها ظاهر الآية، فسقط ما ذكرتم.
                        والجواب: لفظ الآية محتمل للكلّ، وليس حمل الآية على البعض أولى من حملها على الباقي، فوجب أن نحملها على الكلّ، وحينئذ حصل المقصود.
                        وممّا يدلّ أيضاً على أنّ أحداً من آباء محمّد عليه السلام ما كان من المشركين: قوله عليه السلام: «لم أزل أُنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات»، وقال تعالى: (إنّما المشركون نَجَسٌ)(2) وذلك يوجب أن يقال: أنّ أحداً من أجداده ما كان من المشركين.
                        إذا ثبت هذا فنقول: ثبت بما ذكرنا أنّ والد إبراهيم عليه السلام ما كان مشركاً، وثبت أنّ آزر كان مشركاً، فوجب القطع بأنّ والد إبراهيم كان إنساناً آخر غير آزر....
                        وأمّا أصحابنا، فقد زعموا أنّ والد رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم كان كافراً، وذكروا أنّ نصّ الكتاب في هذه الآية يدلّ على أنّ آزر كان كافراً، وكان والد إبراهيم عليه السلام، وأيضاً: قوله تعالى: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه)(3) إلى قوله (فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ لله تبرّأ منه)(4) وذلك يدلّ على قولنا. وأمّا قوله (وتقلّبك في الساجدين) قلنا: قد بيّنّا أنّ هذه الآية تحتمل سائر الوجوه، قوله: تحمل هذه الآية على الكل، قلنا: هذا محال، لأنّ حمل اللفظ المشترك على جميع معانيه لا يجوز، وأيضاً: حمل اللفظ على حقيقته ومجازه معاً لا يجوز.
                        وأمّا قوله عليه السلام: لم أزل أُنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات، فذلك محمول على أنّه ما وقع في نسبه ما كان...
                        »(5).

                        وقال في (أسرار التنزيل):
                        «أمّا قوله تعالى (وإذ قال إبراهيم لأبيه)(6) ففيه مسائل:
                        المسألة الاُولى: في آزر قولان:
                        الأوّل: إنّه والد إبراهيم عليه السلام، ولهم في ذلك دلائل:
                        الحجّة الاُولى: ظاهر لفظ القرآن في هذه الآية يدلّ على ذلك، ثمّ إنّ ظاهر هذه الآية متأكّد بآيات اُخرى، منها: قوله تعالى في سورة مريم: (إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر)(7) وقال أيضاً: (ما كان استغفار إبراهيم لأبيه) إلى قوله: (فلمّا تبيّن له أنّه عدوّ لله تبرّأ منه)، فكلّ هذه الآيات تدلّ على أنّ أبا إبراهيم كان كافراً عابداً للوثن.
                        الحجّة الثانية: إنّ العرب سمعوا هذه الآية، وقد كانوا أحرص الناس على تكذيب الرسول وأعظمهم رغبة في براءة شجرة النسب عن كلّ عيب، فلو لم يكن آزر والد إبراهيم لتسارعوا إلى تكذيبه، ولوجدوا ذلك غنيمة عظيمة في الطعن فيه.
                        الحجّة الثالثة: إنّه تعالى ذكر قصّة إبراهيم عليه السلام مع أبيه في آيات كثيرة، ولم يذكر اسم العمّ في القرآن، فيتعذّر حمل لفظ الأب في هذه الآية على العم.
                        القول الثاني: إنّ آزر لم يكن والد إبراهيم عليه السلام. واحتجّوا عليه بوجوه:
                        الأوّل: إنّ آباء الأنبياء ما كانوا كفّاراً، ويدلّ عليه وجوه:
                        منها: قوله تعالى: (الذي يراك حين تقوم وتقلّبك في الساجدين) قيل: معناه أنّه كان ينتقل روحه من ساجد إلى ساجد، وبهذا التقرير، فالآية دالّة على أنّ جميع آباء محمّد عليه السلام كانوا مسلمين، وحينئذ، يجب القطع بأنّ والد إبراهيم ما كان من الكافرين، أقصى ما في الباب أن يحمل قوله تعالى (وتقلّبك في الساجدين) على وجوه:
                        منها: إنّه لمّا نسخ فرض قيام الليل طاف الرسول عليه السلام تلك الليلة على بيوت أصحابه لينظر ماذا يصنعون، لشدّة حرصه على ما يظهر منهم من الطاعات، فوجدها كبيوت الزنابير لكثرة ما يسمع من دندنتهم بذكر الله، فالمراد من قوله (وتقلّبك في الساجدين) طوفه عليه السلام على الساجدين في تلك الليلة.
                        ومنها: المراد يراك حين تقوم للصّلاة بالناس جماعة، وتقلّبه في الساجدين: كونه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده; لأنّه كان إماماً.
                        ومنها: أنّه لا يخفى على الله حالك كلّما قمت وتقلّبت مع الساجدين، في الإشتغال بأمر الدين.
                        ومنها: المراد تقلّب بصره فيمن يصلّي خلفه من قوله: أتمّوا الركوع والسجود فإنّي أراكم من ورائي وخلفي.
                        فهذه الآية وإن كانت تحتمل هذه الوجوه الأربعة، إلاّ أنّ الوجه الذي ذكرناه الآن أيضاً محتمل، والروايات وردت بالكلّ، ولا منافاة بين هذه الوجوه، فوجب حمل الآية على الكلّ، ومتى صحّ ذلك ثبت أنّ والد إبراهيم ما كان من عبدة الأوثان.
                        وممّا يدلّ على أنّ آباء محمّد عليه السلام ما كانوا من المشركين: قوله عليه السلام: لم أزل أُنتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات، وقال تعالى: (إنّما المشركون نجس)، فوجب أن لا يكون أحد من آبائه مشركاً.
                        الحجّة الثانية على أنّ آزر ما كان والد إبراهيم عليه السلام: إنّ هذه الآية دالّة على أنّ إبراهيم شافه آزر بالغلظة، ومشافهة الأب بالغلظة لا تجوز، وذلك يدلّ على أنّ آزر ما كان والد إبراهيم. أما إنّ إبراهيم شافه آزر بالغلظة، فلوجهين:
                        الأوّل: إنّه قرىء (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر) بضمّ آزر، وهذا يكون محمولاً على النداء، ومخاطبة الأب ونداؤه بالإسم من أعظم أنواع الجفاء.
                        الثاني: إنّه قال لآزر: (إنّي أراك وقومك في ضلال مبين) وهو من أعظم أنواع الإيذاء.
                        فثبت أنّه شافه آزر بالغلظة.
                        وإنّما قلنا أنّ مشافهة الأب بالغلظة لا يجوز، لوجوه:
                        الأوّل: قوله تعالى: (وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه وبالوالدين إحساناً) وهذا عام في حقّ الكافر والمسلم. وقال تعالى: (لا تقل لهما اُفّ ولا تنهرهما) وهذا أيضاً عام.
                        الثاني: إنّه تعالى لمّا بعث موسى إلى فرعون أمره بالرفق معه، قال تعالى: (فقولا له قولاً ليّناً) والسبب في ذلك أن يصير هذا رعاية لحقّ تربية فرعون، فهاهنا الوالد أولى بالرفق.
                        الثالث: إنّ الدعوة مع الرفق أكثر تأثيراً في القلب، وأمّا التغليظ فإنّه ينفّر السامع عن القبول، ولهذا قال تعالى لمحمّد عليه السلام: (وجادلهم بالتي هي أحسن)، فكيف يليق بإبراهيم هذه الخشونة مع أبيه في وقت الدعوة.
                        الرابع: إنّه تعالى حكى عن إبراهيم عليه السلام الرفق الشديد مع هذا المسمّى بالأب، وهو قوله: (يا أبت لِمَ تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً)، ثمّ إنّ ذلك الإنسان غلظ معه في القول فقال: (لئن لم تنته لأرجمنّك)، ثمّ إنّ إبراهيم عليه السلام ما ترك الرفق معه بل قال: (سلام عليك سأستغفر لك ربّي)، فإذا كان عادة إبراهيم في الرفق والقول الحسن هذا، فكيف يليق أن يظهر الخشونة والغلظة مع أبيه؟
                        فثبت بهذه الحجّة أنّ آزر ما كان والد إبراهيم.
                        الحجّة الثالثة: إنّه جاء في كتب التواريخ: أنّ اسم والد إبراهيم عليه السلام تارخ، وأمّا آزر فهو كان عمّ إبراهيم.
                        ثمّ إنّ القائلين بهذا القول أجابوا عن دلائل أصحاب القول الأوّل فقالوا:
                        القرآن وإن دلّ على تسمية آزر بالأب، إلاّ أنّ هذا لا يدلّ على القطع بكونه والداً له، وذلك، لأنّ لفظة الأب فقد تطلق على العمّ، قال تعالى حكاية عن أولاد يعقوب: (نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل) فسمّوا إسماعيل أباً ليعقوب، مع أنّ إسماعيل كان عمّاً ليعقوب، وقال رسولنا عليه السلام: ردّوا علَيّ أبي. يعني العبّاس. وأيضاً: يحتمل أن يكون آزر كان أب اُم إبراهيم، وهذا قد يقال له الأب، قال تعالى: (ومن ذرّيّته داود وسليمان) إلى قوله: (وعيسى)، فجعل عيسى من ذرّيّة إبراهيم مع أنّه كان جدّه من قبل الاُمّ، وبهذا ظهر الجواب عن الحجّة الثانية، وذلك لأنّ تسمية العم بالأب مشهور في اللغة العربيّة، فلهذا السبب في هذه الآية ما كذّبوه.
                        هذا تمام هذا الكلام في نصرة هذا القول.
                        واعلم أنّ القول الأوّل أولى، وذلك لأنّ ظاهر لفظ الأب يدلّ على الوالد.
                        أمّا التمسّك بقوله تعالى: (وتقلّبك في الساجدين) فهو محمول على سائر الوجوه، ولا نحمله على أنّ روحه كانت تنتقل من ساجد إلى ساجد، محافظة على ظاهر الآية التي تمسّكنا بها وهو قوله (لأبيه آزر).
                        وأمّا الحجّة الثانية فجوابها: إنّكم تمسّكتم بعمومات دالّة على أنّه لا يجوز إظهار الخشونة مع الأب فنقول: إن قلنا بما ذكرتم سَلِمَتْ تلك العمومات عن هذا التخصيص، إلاّ أنّه وجب حمل لفظ الأب على المجاز، وإن أجرينا لفظ الأب على حقيقته، لزمنا إدخال التخصيص في تلك العمومات، لكنّا بيّنّا في اُصول الفقه إنّه مهما وقع التعارض بين المجاز والتخصيص، كان التزام التخصيص أولى، فكان الترجيح معنا
                        »(8).

                        أقول:
                        وأمّا تشكيكات الرازي ـ المعروف بإمام المشكّكين ـ في استدلال أهل الحق بالآية (وتقلّبك في الساجدين) والحديث المذكور، فركيكة جدّاً.
                        أمّا في الآية فغاية ما قال: إنّ حمل اللفظ المشترك على جميع معانيه غير جائز، كحمل اللفظ الواحد على كلا معنييه الحقيقي والمجازي، وفيه:
                        أوّلاً: إنّه متى ورد بتفسير الآية المباركة رواية من أهل السنّة تثبت قول أهل الحق، صحّ الاستدلال بها، لمطابقتها روايات أهل البيت عليهم السلام واعتضادها بالأدلّة السديدة الاُخرى، وحينئذ، لا يلتفت إلى الأقوال والتفاسير الاُخرى للآية، ولا تكون قادحةً في هذا الاستدلال.
                        وقد عرفت من كلام السيوطي احتجاج الماوردي صاحب كتاب (الحاوي) بالآية على إسلام آباء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكفى بذلك ردعاً للشبهات ودفعاً للتوهّمات.
                        وثانياً: إنّ إرادة المعاني المتعدّدة من اللفظ المشترك جائز عند الشافعي وهو إمام الفخر الرازي، بل لقد قال بوجوبه عند عدم المخصّص... وقد ذكر الرازي نفسه هذا القول عن الشافعي في كتابه الذي ألّفه في ترجيح مذهبه ـ أي الشافعي ـ على سائر المذاهب، ودافع عنه ونصّ على موافقة أجلّة الاُصوليّين معه، وهذا نصّ عبارة الرازي:
                        «المسألة الرابعة: عابوا عليه قوله: اللفظ المشترك محمول على جميع معانيه عند عدم المخصص.
                        قالوا: والدليل على أنّه غير جائز: أنّ الواضع وضعه لأحد المعنيين فقط، فاستعماله فيهما يكون مخالفةً للّغة.
                        وأقول: إنّ كثيراً من الاُصوليّين المحقّقين وافقوه عليه، كالقاضي أبي بكر الباقلاني والقاضي عبدالجبار بن أحمد، ووجه قوله فيه ظاهر، وهو أنّه لمّا تعذَّر التعطيل والترجيح لم يبق إلاّ الجمع. وإنّما قلنا: إنّه تعذّر التعطيل، لأنّه تعالى إنّما ذكره للبيان والفائدة، والقول بالتعطيل إخراج له عن كونه بياناً، وإنّما قلنا: إنّه تعذّر الترجيح، لأنّه يقتضي ترجيح الممكن من غير مرجح وهو محال. ولمّا بطل القسمان لم يبق إلاّ الجمع. وهذا وجه قويّ حسن في المسألة، وإنْ كنّا لا نقول به
                        »(9).
                        فظهر: إنّ هذا القول قول إمامه الشافعي، وغير واحد من الأئمّة موافقون له، والرازي يدافع عنه بوجه قوي حسن.
                        وإذا كان الرازي لا يوافق عليه في (التفسير الكبير)، فهو موافق له في (أسرار التنزيل) حيث يقول:
                        «أمّا التمسّك بقوله تعالى: (وتقلّبك في الساجدين) فهو محمول على سائر الوجوه، ولا نحمله على أنّ روحه كانت تنتقل من ساجد إلى ساجد»(10).
                        فإنّ معنى الحمل على سائر الوجوه هو الحمل على المعاني المتعدّدة.
                        وأمّا في الحديث ـ وهو قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لم أزل اُنقل من أصلاب الطاهرين ـ فحاصل استدلال أهل الحق هو: إنّ الله تعالى وصف المشركين بالنجاسة وهي ضدّ الطهارة، فلو كان آباؤه صلّى الله عليه وآله وسلّم مشركين لما وصفهم بالطهارة، وإلاّ لزم اجتماع الضدّين.
                        ولم يتعرَّض الفخر الرازي للجواب عن هذا الاستدلال، والحديث منقول بطرق متعدّدة، فحاول تأويله بما لم يرتضه هو في (أسرار التنزيل) حيث لم يذكره أصلاً، وإنّما قال:
                        «وأمّا الحديث، فهو خبر واحد فلا يعارض القرآن».
                        ولا يخفى وهن هذا الكلام... وكم من مورد قد رفعوا اليد فيه عن ظاهر القرآن بخبر واحد!!
                        ثمّ إنّ عدم كون آزر والداً لسيّدنا إبراهيم عليه السلام ليس قول أهل الحق وحدهم، فقد وافقهم غير واحد من أئمّة المفسّرين، كما ذكر السيوطي في (الدرج المنيفة).

                        هذا، ويعجبني في هذا المقام كلام شارح (مسلّم الثبوت)، فإنّه مع مرائه التام وتعصّبه الشديد الشائع بين الخاص والعام، أتى بما يجلو صدء الأفهام ويزيح ظلمة الشكوك والأوهام، حيث قال في (فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت):
                        «وأمّا الواقع، فالمتوارث من لدن آدم عليه السلام أبي البشر إلى نبيّنا ومولانا أفضل الرسل وأشرف الخلق محمّد رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: أنّه لم يبعث نبيّ قطّ أشرك بالله طرفة عين، وعليه نصّ الإمام أبو حنيفة رحمه الله في الفقه الأكبر، وفي بعض المعتبرات أنّ الأنبياء عليهم السلام معصومون عن حقيقة الكفر وعن حكمه بتبعيّة آبائهم، وعلى هذا، فلابدّ من أن يكون تولّد الأنبياء بين أبوين مسلمين أو يكون موتهما قبل تولّدهم، لكن الشقّ الثاني قلّما يوجد في الآباء ولا يمكن في الاُمّهات، ومن هاهنا بطل ما نسب بعضهم من الكفر إلى اُمّ سيّد العالم مفخر بني آدم، صلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلامه، وذلك لأنّه حينئذ يلزم نسبة الكفر بالتبع، وهو خلاف الإجماع، بل الحقّ الراجح هو الأوّل.
                        وأمّا الأحاديث الواردة في أبوي سيّد العالم صلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلامه، متعارضة مرويّة آحاداً، فلا تعويل عليها في الإعتقاديّات.
                        وأمّا آزر، فالصحيح أنّه لم يكن أبا إبراهيم عليه السلام بل أبوه تارخ، كذا صحّح في بعض التواريخ، وإنّما كان آزر عمّ إبراهيم عليه السلام وربّاه الله تعالى في حجره، والعرب تسمّي العم الذي ولي لتربية ابن أخيه أباً له، وعلى هذا التأويل قوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر)، وهو المراد بما روي في بعض الصحاح أنّه نزل في أبي سيّد العالم صلوات الله عليه: (ما كان للنبيّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا اُولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم)، فإنّ المراد بالأب العم، كيف لا؟ وقد وقع صريحاً في صحيح البخاري أنّه نزل في أبي طالب. هذا.
                        وينبغي أن يعتقد أنّ آباء سيّد العالم ـ صلّى الله عليه وآله وأصحابه وسلّم ـ من لدن أبيه إلى آدم كلّهم مؤمنون، وقد بيّن السيوطي بوجه أتم
                        »(11) إنتهى.

                        _______________________
                        (1) سورة الشعراء 26 :218 ـ 219.
                        (2) سورة التوبة 9 :28.
                        (3) سورة التوبة 9 :114.
                        (4) سورة التوبة 9 :114.
                        (5) تفسير الرازي 13 :38 ـ 40 .
                        (6) سورة الأنعام 6 :74 .
                        (7) سورة مريم 19 :42.
                        (8) أسرار التنزيل للفخر الرازي: 296 ـ 272، الباب الثاني، الفصل الأوّل.
                        (9) رسالة الرازي في ترجيح مذهب الشافعي ـ المسألة الرّابعة.
                        (10) أسرار التنزيل: 272، الباب الثاني، الفصل الأوّل.
                        (11) فواتح الرحموت ـ شرح مسلّم الثبوت ـ على هامش المستصفى 2: 98.

                        انتهى كلام السيد الميلاني حفظه الله.

                        تعليق


                        • #13
                          الشيخ محمد أبو زهرة ونجاة أبوي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم

                          يقول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه خاتم النبيين ج1 ص117 - 118:
                          94 - ذاق حب الأم، وذاق لوعة فراقه، ولذلك زار قبرها، بعد أن بلغ أشده، وصار رجلا مكتملا سويا ورسولا نبيا، جاء في الروض الأنف:
                          «وفي الحديث أن رسول الله صلى الله تعالى عليه [وآله] وسلم زار قبر أمه بالأبواء. فبكى وأبكى» وهذا حديث صحيح، وفي الصحيح أيضا أنه قال:
                          «استأذنت ربي في زيارة قبر أمي، فأذن لي واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي» وفي سند البزاز من حديث بريدة أنه صلى الله تعالى عليه
                          [وآله] وسلم حين أراد أن يستغفر لأمه ضرب جبريل عليه السلام في صدره، وقال له: لا تستغفر لمن كان مشركا، فرجع وهو حزين.
                          وفي حديث آخر ما يصححه، وهو أن رجلا قال له: يا رسول الله أين أبي؟ فقال: في النار، فلما ولى الرجل قال عليه السلام: إن أبي وأباك في النار» وليس لنا أن نقول نحن هذا في أبويه صلى الله تعالى عليه
                          [وآله] وسلم، لقوله عليه الصلاة والسلام «لا تؤذوا الأحياء بسبب الأموات» وإنما قال النبي عليه [وآله] الصلاة والسلام لذلك الرجل ما قال، لأنه وجد في نفسه، وقد قيل أنه قال أين أبوك أنت، فحينئذ قال، وقد رواه معمر بن راشد بغير هذا اللفظ، فلم يذكر أنه قال: إن أبي وأباك في النار.
                          ولا شك أن الخبر الذي يقول أن أبا محمد عليه [وآله] الصلاة السلام في النار خبر غريب في معناه كما هو غريب في سنده
                          لأن الله تعالى يقول: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا وقد كان أبو محمد عليه [وآله] الصلاة والسلام وأمه على فترة من الرسل فكيف يعذبون؟!! إن هذا مخالف للحقائق الدينية، لقد مات أحدهما قبل أن يبرز الرسول إلى الوجود، وماتت الاخرى وهو غلام لم يبعث رسولا، ولذلك كان الخبر الذي يقول إنهما في النار مردودا لغرابة سنده أولا ولبعد معناه عن الحقيقة ثانيا.
                          ولعل نهي النبي عليه [وآله] الصلاة والسلام عن الاستغفار؛ لأن الاستغفار لا موضع له، إذ أنه لم يكن خطاب بالتكليف من نبي مبعوث، وليس كاستغفار إبراهيم لأبيه الذي نهى عنه؛ لأن أبا إبراهيم قد خوطب برسالة إبراهيم فعلا، فهو مكلف أن يؤمن بالله، ويكفر بالأوثان.
                          وفي الحق أني ضرست في سمعي وفهمي عندما تصورت أن عبد الله وآمنة يتصور أن يدخلا النار؛ لأنه عبدالله الشاب الصبور الذي رضي بأن يذبح لنذر أبيه وتقدم راضيا
                          ، ولما افتدته قريش استقبل الفداء راضيا، وهو الذي كان عيوفا عن اللهو والعبث، وهو الذي برزت إليه المرأة تقول هيت لك، فيقول لها أما الحرام فالممات دونه، ولماذا يعاقب بالنار وهو لم تبلغه دعوة رسول، ونفى الله تعالى العذاب إلا بعد أن يرسل رسولا، ولما تكن الرسالة قد وجدت، ولم يكن الرسول قد بعث.
                          وأما الأم الرؤوم التي لاقت الحرمان من زوجها فصبرت ورأت ولدها يتيما فقيرا فصبرت
                          وحملته صابرة راضية في الذهاب إلى أخواله، أيتصور عاقل أن تدخل هذه النار من غير أن يكون ثمة رسالة تهديها ودعوة إلى الواحدانية توجهها.
                          إني ضرست لا لمحبتي للنبي فقط وإن كانت كافية ولكن لأن قصة آمنة جعلتني لا أستطيع أن أتصور هذه الصبور معذبة بالنار وقد شبهتها بالبتول مريم العذراء لولا أن الملائكة لم تخاطبها.
                          95 -
                          ويظهر أن النبى صلى الله عليه [وآله] سلم كان كلما مر بقبر أمه غلبت عبراته، ولا عيب فى ذلك، فقد قال عليه [وآله] الصلاة والسلام أن البكاء من الرحمن والصراخ من الشيطان، ولقد ذكر الرواة أنه بكى عندما مر بالأبواء، وبكى من معه لتذكر أمه، ولقد قال القرطبي في تذكرته «جزم أبو بكر الخطيب فى كتاب السابق واللاحق، والناسخ والمنسوخ، وأبو حفص عمر بن شاهين بإسناديهما عن عائشة رضي الله عنها، قالت: حج بنا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم حجة الوداع فمر على قبر أمه، وهو باك حزين مغتم، فبكيت لبكائه صلى الله تعالى عليه [وآله] وسلم، ثم إنه نزل، فقال: يا حميراء استمسكي، فاستندت إلى بيت البعير، فمكث عني طويلا، ثم عاد إلي وهو فرح مبتسم، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله نزلت من عندي وأنت باك حزين مغتم، فبكيت لبكائك، ثم عدت وأنت فرح مبتسم، فيم ذا يا رسول الله، فقال «ذهبت لقبر امنة أمي، فسألت أن يحييها الله تعالى، فأحياها فآمنت بي».
                          روي في إحياء أمه وأبيه خبر مثل ذلك بسند فيه مجهولون.
                          ونحن نرى أن توافر السند الصحيح في هذه الأخبار غير ثابت، ولكن نقول ما قاله صاحب الروض الأنف:
                          «الله قادر على كل شيء، ولا تعجز رحمته وقدرته عن أي شيء، ونبيه عليه
                          [وآله] الصلاة والسلام أهل أن يخصه بما شاء من فضله، وينعم عليه بما شاء من كرامته صلوات الله تعالى وسلامه عليه [وآله]».
                          ولقد روى الحافظ ابن كثير أحاديث كثيرة في هذا الباب، وذكر أن فيها غرابة، وذكر الخبر الذي سقناه عن عائشة رضى الله تبارك وتعالى عنها أن رسول الله صلى الله تعالى عليه
                          [وآله] وسلم، سأل ربه أن يحيي أبويه فأحياهما وآمنا به ثم قال فيه:
                          «إنه حديث منكر جدا - وإن كان ممكنا بالنظر إلى قدرة الله تعالى - لكن الذي ثبت في الصحيح يعارضه».
                          البداية والنهاية ج 2 ص 281.

                          وخلاصة القول، وهو ما انتهينا إليه بعد مراجعة الأخبار في هذه المسألة أن أبوي محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم في فترة، وأنهما كانا قريبين إلى الهدى وإلى الأخلاق الكريمة التي جاء بها شرع ابنهما من بعد، وأنهما كانا على فترة من الرسل، ونعتقد أنه بمراجعة النصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة لا يمكن أن يكونا في النار، فأمه المجاهدة الصبور الحفية بولدها لا تمسها النار. لأنه لا دليل على استحقاقها، بل الدليل قام على وجوب الثناء عليها هي وزوجها الذبيح الطاهر.
                          وما انتهينا إلى هذا بحكم محبتنا لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وإن كنا نرجوها ونتمناها، ولكن بحكم العقل والمنطق والقانون الخلقي المستقيم والأدلة الشرعية المستقيمة ومقاصد الشريعة وغاياتها
                          .

                          تعليق


                          • #14
                            الشيخ محمد الغزالي يرد على الوهابية في تكفير أبويّ النبي محمد صلى الله عليه وآله
                            في كتابه هموم داعية فصل لا سنّة من غير فقه


                            ورأيت نفرا من هؤلاء يغشون المجامع مذكرين بحديث أن أبا الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم في النار! وشعرت بالاشمئزاز من استطالتهم وسوء خلقهم!
                            قالوا لي: كأنك تعترض ما نقول؟
                            قلت ساخرا: هناك حديث أخر يقول: "ماكنا معذبين حتى نبعث رسولا" فاختاروا أحد الحديثين..
                            قال أذكاهم بعد هنية: هذه آية لاحديث!
                            قلت: نعم جعلتها حديثا لتهتموا بها، فأنتم قلما تفقهون الكتاب!!
                            قال: كانت هناك رسالات قبل البعثة، والعرب من قوم إبراهيم وهم متعبدون بدينه..!
                            قلت: العرب لا من قوم نوح ولا من قوم ابراهيم وقد قال الله تعالى في الذين بعث فيهم سيد المرسلين "وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير" وقال لنبيه الخاتم: "وما كنت بجانب الطور إذ نادينا، ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون".
                            كل الرسالات السابقة محلية، مؤقتة، وابراهيم وموسى وعيسى كانوا لاقوامهم خاصة!! وللفقهاء كلام في أن أبوي الرسول في النار، يريدون به ما تروون...
                            لقد أحرجتم الضمير الاسلامي حتى جعلتموه ليستريح يروي أن الله أحيى الأبوين الكريمين فآمنا بابنهما، وهي رواية ينقصها السند، كما أن روايتكم ينقصها الفقه، ولا ادرى ما تعشقكم لتعذيب أبوين كريمين لأشرف الخلق؟ ولم تنطلقون بهذه الطبيعة المسعورة تسوءون الناس..؟
                            إن المرويات تتعارض في ظاهر الأمر، وهنا يدخل علماء الفقه والأثر للتنسيق والترجيح، وقد يصح السند ولا يصح المتن، وقد يصحان جميعا ويقع الخلاف في المعنى المراد.
                            وهذا باب واسع جدا.. ومنه نشأ ما يسمى بمدرسة الاثر ومدرسة الرأي، والأولون أٌقرب الى الفقه الظاهري، وإن خالفوه كثيرا.. والآخرون أوسع دائرة وأبصر بالحكمة والغاية، وكلاهما إلى خير إن شاء الله!!
                            وعندما يخالف أثر صحيح ماهو أصح سمى شاذا ورفض، وعندما يخالف الضعيف الصحيح يسمى متروكا أو منكرا وقد رأيت ناسا يبنون كثيرا من المسالك على هذه المتروكات والمناكر باسم السنّة، والسنة مظلومة مع هؤلاء الجهال...

                            تعليق


                            • #15
                              والسؤال هل يمكن ان يكون في اباء النبي وامهاته من هو كافر؟؟؟

                              انتظر جوابك من جهة نظرك؟

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 07:21 AM
                              ردود 2
                              14 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                              بواسطة ibrahim aly awaly
                               
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
                              استجابة 1
                              12 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                              بواسطة ibrahim aly awaly
                               
                              يعمل...
                              X