إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

لا تثقوا بالغرب ولا بالولايات المتحدة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لا تثقوا بالغرب ولا بالولايات المتحدة

    لا تثقوا بالغرب ولا بالولايات المتحدة (1)
    التحوّل من "داعش" إلى "الجهاديين"

    يقول برناردشو: (إن تمثال الحرية موجود في الولايات المتحدة بالذات، ودون إي مكان آخر في العالم؛ لأن الناس عادة لا يقيمون التماثيل إلا للموتى) ..

    ويمكن اعتبار ما يقوله الأستاذ "حمدي سفيق" في مقالته "التاريخ الأسود للاستعباد في الولايات المتحدة" تعليقا على مقولة برناردشو حيث يقول :
    (من أكثر المناظر اثارة للسخرية أن زائر الولايات المتحدة الأمريكية بحراً- عندما تقترب به السفينة من ميناء "نيويورك" – يرى تمثال "الحرية" الشهير خارج جزيرة مانهاتن !!! ويعتبر الأمريكيون البيض تمثال " الحرية " هذا رمزاً لبلادهم !! ويود كاتب هذه السطور أن يسأل هؤلاء : هل أُقيم هذا التمثال رمزاً للحرية التى أسبغت على 122 مليون هندى أحمر ؟! أم أنه رمز لحرية عشرات الملايين من الأفارقة المساكين الذين جرى خطفهم وجلبهم بالقوة إلى "الجنَّة الأمريكية" للعمل الشاق حتى الموت من أجل تحقيق "الحلم الأمريكى" ؟!! إنها لمهزلة كبرى أن يُقام تمثال "الحرية" على جثث وجماجم عشرات الملايين من البشر تمت إبادتهم جماعياً بشكل لم يحدث مثله لحيوانات الغابات .. بل لو حدث معشار هذه الإبادة أو 1% منها فقط ضد الحيوانات ، لأقامت جمعيات الرفق بالحيوان فى الغرب الدنيا ولم تقعدها !! أما إبادة مائة مليون هندى أحمر فهو أمر "يؤسف له" - على حد زعمهم- ولكنه كان "ضروريًا" لأمن البلاد !!! بل كان أبو "الحرية" الأمريكية المزعومة- جورج واشنطن- نفسه يملك ثلاثمائة عبد وجارية فى مزرعته الخاصة ، ولم يحرر منهم واحداً قط !!) .

    ومن عادتي – أولاً - أن أتحدّث عن الظواهر السياسية في أغلب الأحوال بقدر من الرؤية التي يفرضها تخصصي بالطب النفسي واطلاعي الذي اعتبره واسعا على تفصيلات علم النفس عموما وعلم النفس السياسي والدعاية خصوصا .

    وعليه أقول لا تثقوا بالغرب ولا بالولايات المتحدة لأن كل التاريخ النفسي للغرب وخصوصا الولايات المتحدة يشير إلى "بنية" راسخة لم تتوفر إلى الآن عوامل زحزحتها ولا تشذيبها .. نعم "بنية" عدوانية تجاه الآخر ، تحتقره وتستخف به وتستغله حد مصّ دمّه ، ولسنا معنيين هنا بالمظاهر الفردية بل بالظواهر الجماعية .

    ويمكننا ذكر حقيقتين :

    الأولى أنه ، وبخلاف الواقع – وكما يقول المفكر الراحل د. عبد الوهاب المسيري – فقد تمّت تسمية الحربين "العالميتين" بهذه التسمية الخاطئة ، وهما فعلياً حربان "غربيتان" ، كأسباب ودوافع وقوى عدوانية مدمرة سحق الغرب فيها الشعوب الفقيرة وجعلها وقودا ، وحين يتصارع فيلان في الغابة لا يتأذى سوى العشب كما تقول الحكمة القديمة .

    والثانية هي أن أمريكا منذ نشأتها إلى يومنا هذا قتلت في حروب إبادة جماعية ما لا يقل عن 40 مليون إنسان لأجل مصالحها فقط، وبالتأكيد أن هذا الرقم قليل مع الجرائم الكثيرة والسرّية التي اقترفتها أمريكا، فضلا عن الحروب التي خاضتها بالوكالة، مما قد يجعل عدد ضحايا الأمريكان ربما يقارب 100 مليون إنسان على وجه الأرض. كما يقول الأستاذ أنور مالك في مقالته "مسخرة الحرب على الإرهاب" .

    وعليه – ثانيا – فلدي المبررات الكافية التي تجعلني أؤمن بنظرية المؤامرة بقوة ، وأحاول البحث عن "المستفيد" الغربي ، وليس فقط "المسبّب" ، للكوارث التي تمحق شعوب العالم الثالث ، وحتى شعوب أوروبا الشرقية وروسيا واليابان والصين وغيرها .

    المهم ..

    مؤخرا ، بدأت القنوات الغربية – الناطقة باللغة الإنكليزية – باستعمال مصطلح جديد لوصف حركة داعش الإرهابية التوراتية ، وهو مصطلح "الجهاديون – jihadists" – راجع قناة france 24 مثلاً - . ومن المهم التأكيد على أن الإعلام الغربي لا يقوم بـ "الإعلام" عن الحقائق مثلما يروّج البعض ، بل بـ "التجهيل" كما أشار أحد الكتّاب بحق . ومن قواعد عمل الدعاية والحرب النفسية الغربية هي أن تبديل المصطلحات يأتي دائما مقدمة لتبديل في الحركة المدمّرة على أرض الواقع .. ما هي أهداف هذا التحوّل الخطير؟

    هل هو التمهيد لجعل وجود داعش في المدن العراقية – نينوى وصلاح الدين والأنبار العزيزة – وجوداّ "جهادياً" يمكن التفاوض معه ويحقق الإقليم السنّي المُخطط له منذ عقود ؟! وخصوصا أن "جو بايدن" نائب الرئيس الأمريكي منذ عام 2009 ، وصاحب مشروع تقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات ، هو الذي كان يبارك الوضع الأمني والنجاحات الأمنية في العراق كل أسبوع حتى ليلة سقوط نينوى الحبيبة !!

    دائماً يتمدّد العربي ويتابع المتغيرات التي تتعلق بمصيره – ومنها هذا التغيّر في الخطاب – على شاشة التلفزيون كأي مواطن من الواق واق .. يتشارك في ذلك المواطنون البسطاء والرؤساء والملوك العرب على حد سواء . فلنترك لهم هذا المتغير الخطير يتسلّون به قبيل القيلولة بعد الغداء ..

    د. حسين سرمك حسن
    ناقد وطبيب مختص بالطب النفسي
    بغداد - صحيفة المثقف

  • #2
    لا تثقوا بالولايات المتحدة (2):
    هل تعرفون عاصمة دولة داعش الإرهابية؟

    تحدّثتُ في مقالات سابقة (راجع سلسلة مقالاتي عن داعش وتطبيق التعاليم التوراتية) عن القاعدة الذهبيّة في تقعيد "نظريّة المؤامرة - Conspiracy Theory" على أسس منطقيّة من خلال ليس البحث عن المنفّذ فقط، بل – وهذا هو الأهم – عن "المُستفيد" ايضاً الذي سيظهر أنّه أمريكي أو صهيوني في أغلب ما يصيب أوطاننا من خراب . هذه القاعد ذهبيّة يجب أن نتمسّك بها، لأنّ الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها يحاولون بطريقة الحرب النفسيّة تثبيت ظاهرة تخويفيّة تمسّ شخصيّة وعقلية من يتحدث من الكتّاب العرب عن وجود "نظريّة مؤامرة" على العرب والعراقيين خصوصاً والعالم الإسلامي عموماً، بشنّ حملة إعلاميّة شرسة تبغي ترسيخ "حقيقة" مفادها أن من يتحدّث عن وجود نظرية مؤامرة هو شخص "بارانوي - Paranoid" ذو عقلية مريضة مُصابة بالشك والشعور بالإضطهاد، وأنّ من يفتّش عن الأسباب في نفسه أو في دينه أو في الظاهرة المطروحة فقط (وأؤكّد : فقط)، هو الشخص العلمي المُتحضّر والمتطوّر والذي يتمتع بعقلية موضوعية . أنا أقول – وعلى أسس علميّة كما سنرى في هذه السلسلة من المقالات إنّ نظرية المؤامرة نظرية حقيقية وموضوعية لأنّها توصلك إلى عدوّك الحقيقي ومصدر كل خراب واجَهْتَه وهو الولايات المتحدة وحلفاؤها، نعم الولايات المتحدة على المستوى المحلّي والعربي والإسلامي .. وكذلك على مستوى العالم خصوصاً العالم الثالث .. فكونوا معنا .

    هل تعرفون ما هي عاصمة دولة داعش "الإسلامية" الإرهابية ؟

    على الرغم من متابعتنا لما تقوم به حركة داعش الإرهابية من أعمال على مدى سنوات، فلم يكن متداولاً باستمرار إسم المدينة التي تمثّل عاصمة دولة داعش الإسلامية، من منطلق أنّها ليست دولة حقيقيّة معترف بها على الأرض تزورها الوفود الدوليّة التي تحطّ في مطارات العاصمة لتلتقي بالرئيس أو الخليفة ( "السيّد البغدادي – Mister Baghdadi" كما وصفه السناتور المتآمر "جون مكين" وستكون لنا وقفة معه) . حتى في أخبار الجهات المناصرة لداعش لا تستخدم اسم عاصمتها .

    لكن من هي الجهة التي تُذكّر بعاصمة الخلافة بين وقت وآخر ؟

    إنّها قناة سي أن أن – CNN الأمريكيّة .

    لماذا ؟

    لكي تعزّز هذا الإسم في أذهان الناس كعاصمة لدولة لها حضور مادّي جغرافي خطط له الأمريكان والصهاينة والأعراب ليمزّق وجود دولتين عربيّتين موجودتين منذ آلاف السنين هما العراق وسورية، ولإعداد العقل والنفس العربية لاستقبال كيان آخر أنشىء بنفس الطريقة وحسب الوصايا التوراتية هو الكيان الصهيوني اللقيط .

    السي أن أن توصف بأنّها القناة الأكثر مهنيّة إعلامياً في العالم ! هذا ما تروّجه الولايات المتحدة والمؤسسات الإعلامية الغربيّة، والمشكلة أنّ الكثير من الإعلاميين العرب يستقبلون هذه "الحقيقة" بلا نقاش، كما أنّ أغلب السياسيين العرب لا ينامون قبل أن يقرأوا خلاصة أخبار السي أن أن ويبنون سياساتهم عليها !

    في حين أنّ هذه القناة هي الأخبث والأكثر انحيازاً وكذباً مدروسا ًوعلميّاً متحضّراً . نعم هناك كذب متحضّر وعلمي ومدروس هو الكذب الذرائعي الأمريكي الذي يقوم به خصوصاً المسؤولون الأمريكيون، وهم في السلطة، ثم يندمون ويعترفون به بعد خروجهم من المنصب، ولكن بعد أن يمرّ المخطط المقصود ويدمّروا شعباً من االشعوب، والشواهد على ذلك لا تُحصى . أليست السي أن أن هي التي فبركت خدعة الطيور المسكينة التي سوف تقتلها بقعة النفط المتسرب في حرب الخليج، وأبكت العالم على الطيور المختنقة ؟ . ثم ماذا ظهر ؟ ظهر أنّ هذه الطيور غير موجودة في المنطقة وأن المشاهد مُفبركة !

    ثم هاكم أفظع وأوضح شاهد على انحياز هذه القناة ولا مهنيّتها : خلال حرب غزّة الصابرة المظلومة الأخيرة . لقد تابعت هذه القناة المنحازة التي تعرف عاصمة دولة داعش الإرهابية أياماً واسابيع طويلة، ولم اشاهد أي خبر عن حرب غزة .. لم تذكر اي شيء عن حرب غزة واكتفت بالصمت المطلق، والعالم بأكمله مشغول بجحيم هذا العدوان الصهيوني الذي قتل أكثر من ألفي شهيد (بينهم أكثر من 500 طفل والس أن أن محبّة للأطفال) وعشرة آلاف جريح (بينهم 3000 طفل والأمريكان يحبّون الأطفال فأحرقوا أكثر من 800 طفل عراقي في ملجأ العامرية) ودمّر أكثر من 17000 منزل، اكتفت السي أن أن بالصمت، وهي التي تتشدّق بأنها صاحبة السبق والموضوعيّة . ولهذا علينا أن نشكّ بها كأداة أمريكية رأسمالية، قبل أن نثق، خصوصا في ما يتعلّق بقضايانا كعراقيين وعرب ومسلمين .

    تعليق


    • #3
      لا تثقوا بالولايات المتحدة (3):
      مستشارون عجيبون!

      هل يحتاج أي إنسان في العراق - من المواطن البسيط والقارىء العام إلى الباحث المتخصّص - إلى أن يراجع مصادر في المصطلحات أو الإدارة أو القانون لمعرفة معنى كلمة "مستشار"؟ وهل هو بحاجة إلى أن يعود إلى قواميس اللغة ليعرف معاني الجذر "شَوَرَ" ومنه الفعل السداسي "استشار"؟

      اسأل اي مواطن بسيط وقل له ما هو معنى "المستشار" ، وسيقول لك على قاعدة فسّر الماء بعد الجهد بالماء: هو الذي يعطي الإستشارة . ولمن؟ طبعاً لمن يطلب الإستشارة . وفي العمل الإداري في الدولة المعاصرة يكون المستشار تحت سلطة من يستعين به لإعطاء الإستشارة . حتى في العشائر هناك "مستشارون" كاتموا أسرار أهم صفة فيهم إعطاء الإستشارة المخلصة أولاً والكتمان أوّلاً .

      فما هي خصائص المستشار الأمريكي؟

      لنعد إلى بداية القصّة .

      بعد سقوط محافظة نينوى الحبيبة بيد إرهابيي داعش ، بدأ الرئيس الأمريكي أوباما بالمماطلة : لا نستطيع التدخّل الآن .. الولايات المتحدة غير مستعدة لإرسال قوات .. لا حل للمشكلة بدون الحل السياسي .. لسنا مستعدين للعودة إلى القتال البرّي .. وهكذا استمر مسلسل التبريرات ..

      لماذا؟

      الحقيقة بسيطة : لضمان وصول داعش إلى حزام بغداد وتهديدها (والهدف الأبعد هو تكرار التجربة السوريّة المريرة) .

      بعدها خرج علينا الرئيس الأمريكي بخبر إرسال المستشارين العسكريين الأمريكيين الذين سينقذون الوضع . وصل المستشارون .

      فماذا فعل رئيس المستشارين؟

      أول ما وصل صرّح بأن الجيش العراقي غير قادر على الدفاع عن بغداد !!

      هل سمعتم في حياتكم بمستشار مثل هذا؟

      يصرّح علناً بالإستشارة؟

      ثم كم هي خطورة هذا التصريح؟

      ألا يرعب الناس ويهزّ معنوياتهم ويدعم معنويات إرهابيي داعش؟

      وقبل يومين ظهر علينا مستشار فطحل آخر وصرح أنّ كل معاونيه من العراقيين من الوسط والجنوب .

      ضع ألف علامة استفهام .

      أليس من المفروض أن يصمت ويقدّم الإستشارة إلى الجهة التي جاء يقدم إليها الإستشارة؟ ثم ما هي الغاية من هذا التصريح ذي المضمون الطائفي؟ الغاية واضحة .. أليس كذلك؟

      ثم جاءنا قبل أيام السيناتور "جون ماكين" ووصف – في لقائه التلفزيوني - الإرهابي أبو بكر البغدادي بـ "السيّد البغدادي" ، "المستر بغدادي – Mister Baghdadi" . وضع ألف علامة استفهام ثانية .

      ثمّ ماذا صرّح أيضاً؟ قال نصّاً :

      "الجيش العراقي لا يستطيع تحرير نينوى" !!

      بشرفكم .. هل يجوز لأي مسؤول من أي دولة يزور الولايات المتحدة ، ويلتقي بمسؤوليها ، ثم يخرج ، أن يصرّح أن القدرات الدفاعية للجيش الأمريكي محدودة وفيه حوادث اغتصاب ولواطيون . لا يستطيع طبعاً ، لأن هذا يخالف القواعد الدبلوماسية ويُعتبر تدخلاً في شؤون الولايات المتحدة . إنّه يخالف حتى قواعد اللياقة والأدب .

      لكن السؤال الأهم هو :

      لماذا يريد الأمريكان ، مستشارون وسيناتورات ، تحطيم معنويات الجيش العراقي ومجاهدي الحشد الشعبي الشرفاء الأبطال الصناديد؟

      الجيش العراقي مازالت لديه دبابات ومدرعات وراجمات وطيران جيش ومدفعية .. كلّها حسب السيّد ماكين لا تستطيع مواجهة إرهابيي داعش المسلّحين بالبنادق والأحاديات والهاونات !

      ألم نشاهد بأمّ أعيننا بطولات مجاهدي الحشد الشعبي وانسحابات بل انهيارات داعش أمام زحفهم المقدّس؟! ألم نشاهد شرفاء الجيش والحشد الشعبي العراقيين الأبطال الغيارى وهم يحرّرون المدن العراقيّة بأرواحهم؟

      قابلتُ في الديوانية مقاتلا من الحشد الشعبي يعمل عامل بناء في بيت أخي يأتي من القتال ليعمل ويعيل عائلته ثم يرجع ليقاتل !! أيّة أساطير هؤلاء العراقيون؟! وهل سيصمد أمامهم جرذان داعش؟ وصدّقوني أرهابيو داعش هم جرذان لولا النفخ الإعلامي الغربي والأمريكي الذي كان ينشر أخبارهم وفيديوهاتهم وأفلامهم أوّلا بأوّل كجزء من مخطّط الحرب النفسيّة .

      ثمّ إذا كان الجيش العراقي لا يستطيع تحرير نينوى الحبيبة ، فلماذا يريد السيّد جون ماكين والسادة الأمريكان تسليح العشائر في نينوى وصلاح الدين والأنبار؟ أليس لمواجهة داعش وتحرير المدن المحتلة التي ليست لدينا القدرة على تحريرها حسب قولهم؟!

      أم أنّهم سوف يسلّحون العشائر لهدف آخر؟؟

      أنا أعتقد أن هناك هدفاً آخر ، وأترك هذا الهدف الآخر لذكاء السادة القرّاء العراقيين.

      تعليق


      • #4
        لا تثقوا بالولايات المتحدة (4):
        القطط أهم من البشر

        في موقع (ياهو – Yahoo) (و "ياهو"مأخوذ من اسم واحد من ملوك اليهود التوراتيين)، ظهر يوم امس، خبر وتحليل على الصفحة الرئيسية يوزّع على ملايين المشتركين في هذا المحرّك، يتحدّث بمرارة وألم وأسف كبير وشديد عن قيام السلطات الفيتنامية بدفن آلاف القطط يُعتقد أن قسما منها دفن حيّاً، هذه القطط كانت مُهرّبة في صناديق من الصين ضمن تجارة لحوم القطط غير المشروعة في بعض مطاعم العاصمة الفيتنامية هانوي .

        قد يعتقد السادة القرّاء – وخصوصا من الشباب الذين لا يعرفون شيئا عن أحقر وأسفل واشرّ دولة في العالم والتاريخ وهي الولايات المتحدة الأمريكية – أقول : قد يعتقد هؤلاء القرّاء أن هذا الموقف يعبّر عن الروح الإنسانية لدى الولايات المتحدة التي استنفرت قواها للحفاظ على أرواح القطط الفيتنامية . فهل تعرف أخي القارىء مجموع المواطنين الفيتناميين المدنيين الأبرياء الذين قتلتهم الولايات المتحدة في عدوانها على فيتنام المسالمة ؟

        لقد قتلت الولايات المتحدة (4) أربعة ملايين مواطن فيتنامي مدني بريء ! أكرّر قتلت الولايات المتحدة الأمريكية (4) أربعة ملايين مواطن فيتنامي مدني بريء ! والآن ها هي تبكي على القطط البريئة في فيتنام ! دولة كذّابة حقيرة سافلة وساقطة لا تتورّع عن اتباع أي اسلوب منحط ومنافق في تحقيق أهدافها .

        ويتحدّث التحليل عن الخوف من أن يكون قسم من هذه القطط قد دُفن وهي حيّة . طبعاً أنا أرفض اي قسوة على الحيوانات، وأؤيد كل من يعطف عليها، لكن حين يأتي هذا العطف ورفض القسوة من الولايات المتحدة فأنا أشك فوراً لأنها دولة كذابة ومنافقة تقوم - ومنذ أن وطأ مواطنوها القارة المكتشفة وحتى اليوم - بقتل الإنسان وتعتبره أحقر من الحيوان . فهل تعرف سيّدي القارىء كيف كانت الولايات المتحدة الأمريكية تقتل أعداداً هائلة من الفيتناميين المدنيين المساكين العُزّل ؟

        كانت تضعهم في شبكات تحملها الطائرات السمتية وتلقي بهم في عرض البحر وهم أحياء !! أو تقوم بحرقهم وهم أحياء في بيوتهم الخشبيّة !! أو تحفر لهم حفرا واسعة وتدفنهم وهم أحياء !! وكل ذلك موثّق بالصوّر .. فتصوّر .

        وهل تعلم أخي القارىء ما هي الأسلحة التي استعملتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد المدنيين في فيتنام ؟

        استعملت أسلحة الدمار الشامل المحرّمة، ومنها الأسلحة الكيمياوية، وأهمها "العامل البرتقالي – Orange Agent" الذي يحرق النباتات نهائيا، ولكنه يسبب السرطانات والإجهاضات والتشوّهات الوراثية . حتى اليوم تحصل عشرات الألوف من هذه الإصابات كل سنة في فيتنام !

        هل تعلم ما هو تقييم المحلّلين النهائي عن نتيجة العدوان الأمريكي على فيتنام ؟

        تقييمهم هو أن فيتنام أُخرجت من التاريخ والحياة !! ومن المؤكّد أنك أخي القارىء تفهم معنى ذلك .

        ويذكر محلّل الياهو أنّ صوراً مؤلمة نُشرت لمئات القطط المكدّسة في صناديق من الخيزران بلا عناية في سيارات التهريب .

        وهو أمر مؤلم بالنسبة لي لكني أريد من السيّد القاريء أن لا ينخدع بهذه البكائية الأمريكية المكرورة المنافقة، فهل تعلم أخي القارىء ما الذي كان الأمريكان يفعلونه بالمدنيين الفيتناميين خلال فترة احتلالها ؟ نقلوا ملايين من الفيتناميين إلى معسكرات اعتقال لا خروج منها، نقلوهم بشاحنات مكدّسين حد الإختناق والموت بصورة اسوأ من الحيوانات . وأرجو منك سيّدي القارىء أن تتأمّل هاتين الصورتين :

        الأولى للطفلة الفيتنامية "كيم" تركض – مع عشرات الأطفال - عارية باكية ومرعوبة وهي تحترق بشظايا قنابل النابالم الأمريكية المحرّمة دوليّا، فقد أحرقت القنابل ملابسها كاملة، وذاب جلدها مثل الشمع ووقفت أمام المصوّر تصرخ : ماء .. ماء. والثانية لعيّنة من أكثر من (700) سبع مئة طفل عراقي أحرقتهم الولايات المتحدة الأمريكية وهم أحياء في ملجأ العامرية وقامت بتكريم الخنزير الذي أحرقهم الجنرال "شوارزكوف" ...



        (1) الطفلة الفيتنامية "كيم وان" تركض عارية محترقة بالنابالم الأمريكي

        والثانية لعيّنة من أكثر من (700) سبع مئة طفل عراقي أحرقتهم الولايات المتحدة الأمريكية وهم أحياء في ملجأ العامرية وقامت بتكريم الخنزير الذي أحرقهم الجنرال "شوارزكوف" ...



        (2) جانب من جثث (700) طفل عراقي أحرقتهم الولايات المتحدة وهم أحياء في ملجأ العامرية .

        أيّها الأخوة :

        لا تثقوا بالولايات المتحدة .
        الملفات المرفقة

        تعليق


        • #5
          لا تثقوا بالولايات المتحدة الأمريكية (5):
          أول دولة إرهابية في العالم تدينها الأمم المتحدة بقرار رسمي

          عندما يأتيك اي مسؤول في الولايات المتحدة الأمريكية ، ويقول لك إن الولايات المتحدة سوف تساعدك على محاربة الإرهاب أو أنّها سوف تقود حملة ضد الإرهاب ، استأذن منه أولاً واذهب إلى أقرب تواليت ، وانفجر ضاحكا ، أو اضحك أمامه ، ما الفرق ؟ وحين يسألك : لماذا تضحك ؟ قل له أرجو أن تجيبني على هذا السؤال : من هي أول دولة في العالم أدانتها الأمم المتحدة بقرار رسمي وبالإجماع على أنّها دولة إرهابية وأنها تستخدم القوة في العلاقات الدولية بصورة غير شرعية أي بصورة إرهابيّة ؟

          طبعا لن يصمت ، وسوف يدخل في عينك كما نقول في التعبير العامي العراقي بسبب صلافته وقبحه وسفالته .

          الولايات المتحدة الأمريكية – أيها الأخوة – هي أوّل دولة في العالم ، وفي التاريخ المعاصر ، أدانتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بشكل واضح وصريح بأنها دولة إرهابية وتمارس إرهاب الدولة وذلك في حزيران عام 1986 .

          صدرت الإدانة أوّلا عن محكمة العدل الدولية بعد أن قدمت إليها دولة نيكاراغوا شكوى بقيام الولايات المتحدة الأمريكية بعدوان مسلح مدمّر وبشع ضدّ أرضها وشعبها . اعتبرت محكمة العدل الدولية الولايات المتحدة الأمريكية دولةً معتدية تقوم بـ "إرهاب الدولة" ضد نيكاراغوا ، وعليها أن تتوقف عن قصفها فوراً ، وتقدّم لها تعويضات بمقدار 12 مليار دولار !! .

          صدر القرار بالإجماع عدا صوت واحد معارض يؤيّد التدمير . من هو هذا الصوت ؟ إنّه صوت دولة الإجرام والقتل الولايات المتحدة الأمريكية . ولم تكتف الولايات المتحدة بالرفض فحسب .. بل انسحبت من المحكمة وسحبت اعترافها المُلزم بالمحكمة !!

          ثم توجّهت حكومة نيكاراغوا إلى مجلس الأمن لضمان إلزامية القرار ، فاتُخذ القرار بالأغلبية عدا صوتين . من هما ؟ إنّهما صوتا الوحشية والقتل والعهر في السياسة الدولية : الولايات المتحدة وحليفها – أو قائدها ؟؟؟- الكيان الصهيوني اللقيط .

          ثم ذهبت حكومة نيكاراغوا بشكواها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ، فاتخذت الجمعية قرار إدانة الولايات المتحدة الأمريكية بالأغلبية ، وعارضته أصوات العدوان وفي مقدمتها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني اللقيط .

          ودعونا نستمع للمفكر والمؤرخ الأمريكي الشهير "نعوم تشومسكي" وهو يتحدّث عن هذه السابقة التاريخية في كتابه ( القوة والإرهاب – جذورهما في عمق الثقافة الأمريكية ) :

          (الإستنتاج نفسه ينطبق على موقف الولايات المتحدة من قضية الإرهاب ، فالولايات المتحدة لا تصلح لأن تكون حَكَماً في هذا المجال لأربعة اسباب :

          - الأول أنها هي التي أدخلت الإرهاب في حياة العالم المعاصر ،

          - والثاني أنها هي الداعمة له في كل مكان ،

          - والثالث هو أنها أول دولة أُدِينت رسميا بالإرهاب من قبل المحكمة الدولية ،

          - والرابع هو أنها الدولة الوحيدة صاحبة الريادة والدور الفعلي في دعم ورعاية الدول الإرهابية .

          فالزعيم الحالي " للحرب على الإرهاب " وهو الولايات المتحدة هو الدولة الوحيدة في العالم التي أدانتها المحكمة الدولية بالإرهاب ، والتي استخدمت الفيتو ضد قرار لمجلس الأمن يدعو جميع الدول إلى احترام القانون الدولي
          - ص 63 ) .

          أي أن أول سابقة في تاريخ السياسة الدولية لما يُصطلح عليه الآن بـ "إرهاب الدولة" كان مرتبطا بالسلوك السياسي والعسكري الإرهابي للولايات المتحدة الأمريكية . هذه الدولة هي التي أدخلت مفهوم إرهاب الدولة عمليا في الحياة السياسية العالمية ، ولم تكن دول العالم تعرفها كمصطلح ومفهوم قبل ذلك ، كما أن الأمم المتحدة لم تتعاط معها إلّا على أيدي أمريكا .

          إذن . لا تثقوا - أيها الأخوة - بالولايات المتحدة الأمريكية حين تتحدّث عن مكافحة الإرهاب ورفضها للإرهاب ، فهي أول دولة في العالم تُدان بتهمة الإرهاب من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية .

          لكن يبقى سؤال مهم جدا :

          ما هو ملخص قصة إرهاب الدولة الأمريكي هذه ؟ ما هي قصة تدمير الولايات المتحدة البشعة لنيكاراغوا ؟ وكيف أخرجت هذا البلد المسكين من التاريخ والحياة مثلما فعلت بالعراق ؟

          هذا ما سنقدّمه في الحلقة المقبلة .

          تعليق


          • #6
            لا تثقوا بالولايات المتحدة (6):
            تفاصيل العدوان الإرهابي للولايات المتحدة على دولة نيكاراغوا .. وما هي نتائجه؟

            قلنا في الحلقة السابقة أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أوّل دولة في العالم تُدان بوصفها دولة إرهابية بقرارات رسمية من محكمة العدل الدولية والجمعية العامة للأمم ومجلس الأمن ، وذلك في عام 1986 م ، قرارات وصفتها بالدولة التي تستخدم إرهاب الدولة وذلك لعدوانها على جمهورية نيكاراغوا وتدميرها ، وأن عليها أن توقف عدوانها فوراً ، وتعوّض نيكاراغوا بـ (12) مليار دولار عن الخسائر الجسيمة التي ألحقتها بهذه الدولة (في تقارير أخرى 18 مليار دولار) . فما هي قصّة العدوان الإرهابي الأمريكي الذي دمّر دولة نيكاراغوا وما هي نتائجه ؟

            في البداية ، نيكاراغوا دولة من دول أمريكا الوسطى في أمريكا اللاتينية عدد نفوسها 5 ملايين نسمة فقط ! تبلغ مساحتها 130,000 كيلومتر مربع، وعاصمتها مدينة ماناجوا . استعمرتها أسبانيا لقرون ، ثم استقلت منها عام 1821 ، وأصبحت جمهورية في عام 1838 م .

            ما يهمّنا هو أنّ الحاكم المفضّل لدى الولايات المتحدة (الديمقراطية) لنيكاراغوا كان ديكتاتور نيكاراغوا ورئيس جمهوريتها ( أناستازيو سوموزا ) الذي سيطر وعائلته على الحكم منذ عام 1936 . كان منفّذاً للسياسات الأمريكية ، ومنح الشركات الأمريكية كل موارد نيكاراغوا ، وحكم البلاد بالحديد والنار ، وسيطر على ثرواتها هو وأسرته . بعد اغتيال هذا الديكتاتور جاء صديق جديد للولايات المتحدة ، ديكتاتور أيضاً حكم البلاد وهو إبن الديكتاتور السابق واسمه (لويس سوموزا) . في ظلّه عاشت البلاد ليلا دامساً ودامياً وحربا أهلية مرعبة هرب بسببها من البلاد (2) مليونا مواطن إلى الدول المجاورة . كانت الولايات المتحدة النصير الأول أيضاً لهذا الديكتاتور ، فتشكلت جبهة التحرير الساندينية اليسارية المعروفة للإطاحة بالديكتاتور . في عام 1967 تسلّم السلطة ديكتاتور جديد صديق للولايات المتحدة أيضاً هو (أناستاسيو سوموزا ديبايلي) وهو شقيق الديكتاتور الإبن السابق (لويس سوموزا) . واصلت جبهة ساندنستا نضالها بعد تصاعد معدلات الجوع والفقر والبطالة والأمّية والأمراض وهدر ثروات البلاد من قبل الشركات الأمريكية . أسقطت الجبهة الديكتاتور ، وبدأت برنامج بناء جذري وإصلاح اقتصادي واسع (عملت حكومة الثوار الساندينيين على تطبيق نظام اقتصادي كان مزيجًا من الملكية العامة والخاصة، تولت الحكومة الصادرات الزراعية، ووزعت الأراضي على الفلاحين ومنحتهم القروض ، طوّرت الأعمال المصرفية والتأمين، والتعدين، وتبنّت سياسات عديدة صُممت لمساعدة الفقراء وتحسين الاقتصاد الذي تضرّر كثيرًا بالحرب الأهلية . وشهدت المؤسسات الدولية بالتطور الإقتصادي الذي أخاف الولايات المتحدة لأنه سيكون أنموذجاً لدول المنطقة الأخرى) . وفي عام 1984 فاز مرشح جبهة ساندنستا في انتخابات ديمقراطية شهد لها مراقبون مستقلون حضروها من الدول الغربية . أي أن نيكاراغوا ستصبح ديمقراطية وتخرج من سيطرة الديكتاتورية .

            هنا انتفضت الولايات المتحدة وقرّرت ترتيب الحكم في نيكاراغوا وفق "ديمقراطية" الولايات المتحدة ووصفات البنك الدولي بعد إسقاط الحكم الديمقراطي المنحاز للشعب ، فأسّست جبهة معارضة هي "الكونترا" التي درّبت عناصرها الـ CIA على أعمال الإرهاب والإغتيالات وتدمير البنى التحتية . في عهد حكومة رونالد ريغان قدّمت الولايات المتحدة 100 مليون دولار لدعم الكونترا وتدريبها . أدانت محكمة العدل الدولية هذا التصرّف . اشتعلت حرب داخلية واسعة في نيكاراغوا . كان الإرهابيون يقتلون المدنيين العزل بما فيهم الأطفال ، ويغتصبون النساء ، ويحرقون القرى بمن فيها أحياء ، ويقطعون الرؤوس ويمثّلون بالجثث . في عام 1984 بدأت الولايات المتحدة بتلغيم (زرع الألغام) في موانىء نيكاراغوا ومحاصرتها اقتصاديا حد التجويع والتدمير الشامل .

            وفي سياق البرنامج التدريبي قامت (السي آي إيه) بإعداد وتوزيع كتيب تحت عنوان "عمليات نفسية في حرب العصابات" ضم إرشادات لاستخدام الإرهاب ضد أهداف محددة، بما فيها المحاكم، القضاة، والشرطة. ويدعو إلى اغتيال بعض الحكام المحليين بهدف التخويف. وقد اعترف الرئيس رونالد ريجان في مؤتمر صحفي صراحة بأن موظفًا متعاقدًا مع (السي آي إيه) قام بإعداد الكتيب. وأدانت محكمة العدل الدولية هذا السلوك .

            قامت حكومة نيكاراغوا بعرض قضية الإرهاب الأمريكي على محكمة العدل الدولية فى 9 أبريل سنة 1984 واتهمت حكومة الرئيس ريجان باستعمال القوة العسكرية ضدها وبالتدخل فى شئونها الداخلية، انتهاكا لسيادتها وسلامتها الإقليمية واستقلالها السياسى وللمبادئ الأساسية للقانون الدولى المعترف بها دوليا ، وطلبت من المحكمة أن تمتنع الولايات المتحدة فورا عن استخدام القوة ضدها وان تدفع تعويضات عن الأضرار التى لحقت بالأشخاص والممتلكات والاقتصاد .

            أصدرت المحكمة ثم مجلس الأمن ثم الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها الشهير بإدانة الولايات المتحدة بالإرهاب ودعتها إلى التوقف فورا عن الإعتداء على نيكاراغوا كما بيّنا في الحلقة الخامسة .

            فماذا كان رد فعل الولايات المتحدة المناهضة للإرهاب ؟

            قلنا أنها رفضت قرار المحكمة ، وانسحبت منها ، واستخدمت الفيتو في مجلس الأمن ضده .

            لكن هل اكتفت بذلك ؟

            دعونا نستمع للمؤرخ والمفكر (نعوم تشومسكي) وهو يتحدث عما قامت به هذه الولايات المتحدة بعد صدور قرار الإدانة ضدها بالإرهاب . يقول تشومسكي :

            (أول ما فعلته نيكارغوا ، هو الذهاب إلى المحكمة الدولية التي أدانت الولايات المتحدة بالإرهاب الدولي (بسبب استخدامها اللاشرعي للقوة) ، ولانتهاكها المعاهدات . فأمرت الولايات المتحدة أن تنهي الجرائم وتدفع تعويضات كبيرة. وكان ردّ فعل الولايات المتحدة تصعيد الحرب ( بتأييد من الحزبين في لعبة الديمقراطية الكاذبة !!) فأعطت لأول مرة أوامر رسمية بمهاجمة ما يُسمى بـ " الأهداف اللينة " – المقصود بها الأهداف المدنية فتم تدمير المستوصفات الصحية ، والتعاونيات الزراعية ، والجسور ومحطات الطاقة الكهربائية والمعامل والموانيء والمدارس والمجمعات السكانية وما إلى ذلك . وتابعت الهجوم إلى أن صوّت الشعب في النهاية لمرشح الولايات المتحدة الأمريكية رئيسا للبلاد ، فتوقف الرعب في العام 1990 ) .

            أي أن الشعب النيكاراغوي لم يتخلّص من قصف الولايات المتحدة المرعب وإرهابها بالقصف والموت والتجويع والحصار الإقتصادي إلّا بانتخاب المرشح الذي تريده أمريكا وهي (فيولتا باريوس دي شامورو) التي كان أول قرار اتخذته كرئيسة جديدة هو إعفاء الولايات المتحدة من مبلغ التعويضات (الـ 18 مليار !!) . ومنذ عام 1990 صار حال الشعب النيكاراغوي على يديها على الشكل التالي :

            ازداد الفقر الفلاحي بشدة ، يعاني 70% من الأطفال من سوء التغذية ، نسبة البطالة 50 % من السكان ، صيّادو الأسماك فقدو 80% من موارد عيشهم لصالح الشركات الأجنبية التي خولتها الحكومة حق الصيد في المياه الساحلية . عادت الأمراض الوبائية التي استؤصلت ايام الساندينيين . 90% من السكان لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الغذائية الأساسية . 22 ألف أسرة صارت تعيش على الجذور والسلاحف والملح حسب الاتحاد الوطني للمزارعين . مع إغراق السوق المحلية بالسلع الأجنبية تراجعت الصناعات المحلية من 3800 منشأة إلى 2500 خلال سنتين والتدهور مستمر . صارت نيكاراغوا تستورد حتى بيرتها المشهورة من شركات أجنبية تحت علامة نيكاراغوية . انخفض الدخل الفردي إلى مستوى دخل عام 1945 ، والأجور إلى 13% من قيمتها عام 1980 ومازالت في انخفاض . ألغي حق الرعاية الصحية وخفضت ميزانية الرعاية الصحية بمقدار 40% فتدهورت المستشفيات ونقصت الأدوية وتصاعدت وفيات الأطفال مع تناقص وزن المواليد الجدد وهو أمر تضاءل كثيرا في ظل الحكومة اليسارية السابقة . 80% من المومسات بدأن العمل في السنة الماضية أي بعد سقوط اليساريين وأغلبهن من المراهقات . أعلنت الولايات المتحدة أنها ستعطي الأولوية في المساعدات لمواطني الولايات المتحدة في نيكاراغوا ورجال الأعمال البارزين ولقادة الكونترا (الإرهابيين) السابقين .

            وكيف صار حال نيكاراغوا بعد العدوان الإرهابي الأمريكي ، وما هي الخسائر التي سبّبها هذا العدوان ؟

            -تم تدمير البلاد تدميرا كاملاً

            -سقط 75 ألف ضحية بينهم 29 ألف قتيل


            -أصبحت نيكاراغوا الآن ثاني أفقر دولة في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية ، ولن تنتعش بعد ذلك أبدا كما يقول نعوم تشومسكي .

            -آلاف الأطفال في الشوارع يستنشقون المواد اللاصقة ، أعداد هائلة من العاطلين عن العمل ، أشكال شبه بشرية تنقب في أكوام القمامة في العاصمة ، طرد المزارعون من أراضي التعاونيات وأعيدت إلى اسرة سوموزا ،


            وأكّدت التقديرات أن إجمالي الناتج المحلي النيكاراغوي يجب أن ينمو بمعدل 5 بالمئة سنوياً على مدى الخمسين سنة القادمة حتى يسترد مستوياته الانتاجية لعام 1978 !!

            وباختصار لقد تمّت إعادة نيكاراغوا إلى العصور الوسطى كما فعلوا ويفعلون بالعراق.

            وفي انتخابات عام 2002 قامت الولايات المتحدة بتصرف آخر ، "كلبي" حسب وصف تشومسكي ، وهو تهديد الشعب النيكاراغوي بأن لا يعيد "الخطأ" وينتخب مرشح الساندنستا ثانية .. وإلّا ... . جاء ذلك في تحذير للشعب النيكاراغوي أصدرته وزارة خارجية الولايات المتحدة :

            (تُرى ما الذي يجعلنا ، وصحيفة سوابقهم هي هذه ، نصدّق بأن أعضاء قيادة الجبهة الساندينية للتحرر الوطني قد تغيّروا . إننا واثقون من أن شعب نيكاراغوا سوف يفكر ملياً في طبيعة وسيرة المرشحين ويختار نوابه بحكمة وحصافة) .

            وبعد ما ذاقه الشعب – ولسنوات طويلة - من دمار وخراب وقتل وحرق وتجويع واغتصاب وقطع رؤوس وتهجير ، عرف من ينتخب . انتخب مرشح الولايات المتحدة وكان من موظفي البنك الدولي الذي سلّم كل شىء للشركات الأمريكية . وفي هذه الحالة قبلت أمريكا بالنتائج الديمقراطية هذه المرة .

            ملاحظات خطيرة:

            # كان المشرف على (فرق الموت) الإرهابية وتدريبها في هندوراس وإرسالها لتقطيع جثث ورؤوس المدنيين النيكاراغويين الأبرياء وحرقهم ، هو السفير الأمريكي (جون نغرو بونتي) الذي أرسلوه لنا سفيرا ، والله وحده يعرف ماذا فعل في العراق . ثم اختارته الولايات المتحدة سفيرا لها إلى الأمم المتحدة ليقود " الحرب على الإرهاب " دوليّاً !!

            # الولايات المتحدة تتبجح بحريّة الصحافة وأن صحافتها منبر للديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان . الصحف الأمريكية الكبرى مثل نيويورك تايمز والواشنطن بوست وغيرها الكثير ساندت العدوان الإرهابي على نيكاراغوا (سنخصص حلقة خاصة تفضح حرية الصحافة المزعومة) . هتفت النيويورك تايمز بعد تدمير نيكاراغوا وسقوط مرشح الشعب قائلة في عناوينها الرئيسية :

            (إننا متحدون متضامنون في الإبتهاج بهذه النتيجة ، وفخورون بهذا النصر الذي تكلّلت به نزاهة الولايات المتحدة)

            ووجّه رئيس تحرير مجلة (نيو رباببليك) (ميكايل كينزلي) انتقادات لاذعة إلى منظمات حقوق الإنسان لانفعالها الزائد عن الحد تجاه تبريرات وزارة الخارجية الأمريكية للهجمات الإرهابية على "الأهداف الرخوة" في نيكاراغوا داعيا إلى حسابها ضمن سياسة التكاليف والعائدات خصوصا أمام الديمقراطية التي سوف تتحقق . ثم أعلن : (نستطيع أن نفتخر بأننا قمنا بدور ملهم لانتصار الديمقراطية في زماننا) .

            في الختام ننقل ما قاله قال "كارلوس ساليناس" مدير العلاقات الحكومية في منظمة العفو الدولية (آمنستي انترناشيونال) آنذاك :

            (الأمريكيون اللاتينيون أدرى من معظم الشعوب الأخرى بأن الحكومة الأمريكية هي أحد أكبر عرّابي الإرهاب ورُعاته) .

            لكن مأساة نيكاراغوا المبكية هذه هي جزء بسيط من المأساة المرعبة والخراب الرهيب الذي سبّبته الولايات المتحدة لأمريكا الوسطى خصوصا وأمريكا اللاتينية عموماً . فما هي طبيعة هذه الماساة وهذا الخراب . هذا ما سنتناوله في الحلقة المقبلة .

            تعليق


            • #7
              لا تثقوا بالولايات المتحدة (7):
              خلّي أمريكا تڇفّينا شرها وما نريد خيرها

              اخترتُ هذا التعبير الذي أعلنه الشيخ العراقي الباسل المقاتل "قيس الخزعلي" للصحفيين عبر الفضائيات (26/1/2015) والمأخوذ عن مثل عراقي معروف ليكون عنواناً لهذه الحلقة، ففي هذا التعبير خلاصة ما نريد قوله، وهو إعلان يثلج القلب والضمير لأن قطاعا مهمّاً من القادة العراقيين يدرك طبيعة الدور الأمريكي التخريبي في العراق . لقد دمّروا وطننا . ولكن قبله دمّروا كلّ بلد امتدت إليه إيديهم . قد يقول قائل إنّ هذه المواقف تعبّر عن كره غير مبرّر للولايات المتحدة الأمريكية . وقول القائل هذا يشعر به الساسة الأمريكيون قبل غيرهم باستمرار . هل تعتقد سيّدي القارىء أنّ السؤال الذي طرحه الرئيس الأمريكي المدمن والمتأتىء "جورج بوش الإبن" بعد أحداث الحادي عشر من أيلول وهو:

              (لماذا يكرهنا العالم مع أنّنا طيّبون ؟)

              هل تعتقد أخي القارىء أنّه سؤال جديد على الساسة الأمريكيين الذين يندهشون لأن العالم يكره دولتهم وهي أعظم وأقوى وأحدث دولة في التاريخ؟

              نفس هذا السؤال طرحه الرئيس الأمريكي "دوايت إيزنهاور" وهو الرئيس الرابع والثلاثون للولايات المتحدة (1953 – 1961) طرحه في مناقشة داخلية على هيئة مستشاريه في عام 1958 حيث سألهم، وبالحرف الواحد :

              (هناك حملة كراهية ضدنا في العالم العربي ليس من قبل الحكومات فحسب، بل من قبل الشعب . فما هو السبب؟) .

              فجرى نقاش حول ذلك، وقدم مجلس الأمن القومي تحليله قائلا:

              (هنالك إدراك في المنطقة بأن الولايات المتحدة تدعم أنظمة قاسية وحشية فاسدة، وتحول دون قيام الديمقراطية ودون التنمية، وتفعل ذلك كله بسبب اهتمامها بالسيطرة على مخزون النفط في المنطقة) .

              وأضافوا قائلين:

              (من الصعب مواجهة هذا الإدراك لأنه صحيح، وليس صحيحا فقط، بل ينبغي أن يكون صحيحا . ومن الطبيعي أن ندعم الحكومات القائمة وأن نمنع ظهور الديمقراطية، ونحول دون التنمية، لأننا نريد الاحتفاظ بمصادر الطاقة في المنطقة، ولهذا هناك حملة كراهية ضدنا من قبل الشعب، وهذا هو سببها) .

              إذن شعور الأمريكان بأن الشعوب تكرههم، ومعرفتهم بالأسباب الحقيقية معروف وليس غريباً، ولكن الأغرب هو أنهم يصرّون على الأسباب التي تجعلهم مكروهين وهذا ما نسمّيه "البنية"، البنية النفسية والعقلية العدوانية، التي ترسخت مثل الإسمنت ولا ينفع معها سوى الكسر .

              لكن هل هذا الكره هو بين الشعوب فقط كما يرى الرؤساء الأمريكيون؟

              سيندهش السادة القرّاء حين يعلمون أنّ هذا الكره موجود حتى بين فئة "التكنوقراط" المُعجبين بالنموذج الأمريكي والذين تُطبّل الولايات المتحدة لدورهم وتعتبرهم مفتاح الخلاص للشعوب المتخلّفة . وهذه مفارقة عجيبة كشفها المؤرّخ والمفكر "نعوم تشومسكي" حين أظهر أنه ليست الشعوب فقط هي التي تكره سياسات الولايات المتحدة بل حتى "مريدوها" !! . فقد أجرت الصحافة الأمريكية خصوصا "الوول ستريت جورنال" استقصاء في الشرق الأوسط لإيجاد جواب عن سؤال جورج بوش الإبن الهام: " لماذا يكرهوننا، مع أننا طيبون؟" . لم تجره على قطاعات شعبية أو مجموعات سياسية معارضة أصلا لسياسات الولايات المتحدة، بل على ما يسمونهم " المسلمين المتموّلين "، أي المصرفيون والمحامون ومديرو فروع شركات وبنوك الولايات المتحدة في العالم، وهم أناس ضمن إطار نظام الولايات المتحدة وبالتالي يحتقرون "الإرهابيين" الذين يكرهون الولايات المتحدة لأنهم يشكلون هدف هؤلاء الأساسي ويلاحقونهم، فماذا كان رأي هذه المجموعة في الولايات المتحدة؟ .

              لقد تبين أنهم مُعادون لسياسة الولايات المتحدة – مثل السياسات الاقتصادية العالمية التي هم جزء منها !!، ولكن اعتراضهم الأساسي يتركز على واقعة أن الولايات المتحدة الأمريكية تعارض الديمقراطية والتنمية وتدعم الأنظمة الفاسدة الوحشية . وهم يعترضون بقوة على دعم الولايات المتحدة طرفا واحدا هو الاحتلال العسكري "الإسرائيلي" القاسي والوحشي الذي مازال مستمرا .

              وكان جوابهم النهائي هو أنهم يكنون كرها كبيرا لسياسات الولايات المتحدة، رغم أنهم في قلب النظام الأمريكي كله . هذا جواب على سؤال جورج بوش (من كتاب االقوة والإرهاب جذورهما في عمق الثقافة الأمريكية) .

              لكن هذا الكره هل هو بالنسبة للعرب فقط ؟

              وفي ختام الحلقة السابقة نقلنا تصريحا لـ "كارلوس ساليناس" مدير العلاقات الحكومية في منظمة العفو الدولية (آمنستي انترناشيونال) آنذاك قال فيه:

              (الأمريكيون اللاتينيون أدرى من معظم الشعوب الأخرى بأن الحكومة الأمريكية هي أحد أكبر عرّابي الإرهاب ورُعاته)

              فما هو الخراب الذي سبّبته الوايات المتحدة لدول أمريكا اللاتينية ؟

              تعليق


              • #8
                لا تثقوا بالولايات المتحدة (8):
                تدمير هاييتي وإخراجها من الحياة

                قلنا إنّ الولايات المتحدة دمّرت دول أمريكا اللاتينية بصورة مرعبة بالإنقلابات العسكرية واحتضان الديكتاتوريين والاحتلالات العسكرية والقصف والحصار الإقتصادي واستنزاف الموارد وبـ "فرق الموت" وغيرها من الوسائل البشعة التي تسحق حقوق الإنسان وإعلانها، وفي كل ذلك كانت تدوس قرارات الأمم المتحدة بل تسخر منها وتدعو إلى تغييرها – كما سنرى في حلقة مستقلة - .

                وكقاعدة أثبتها التاريخ:

                (أي دولة تمد الولايات يدها نحوها يكون مصيرها الخراب والموت والدمار) .

                لنستمر بالبشواهد من أمريكا اللاتينية بعد أن عرضنا تدمير الولايت المتحدة لنيكاراغوا في الحلقة السادسة:

                تدمير دولة هاييتي وإخراجها من الحياة والتاريخ:

                كانت هاييتي مستعمرة إسبانية ثم استعمرتها فرنسا . تحرّرت بثورة للعبيد في 1/كانون الثاني/1804؛ العبيد المواطنون الأصليون الذين غيّروا الإسم الفرنسي القديم "سانت دومينغ" إلى إسم (هاييتي) الذي يستخدمه الشعب . تبلغ مساحة هايتي 27،750 كم2، ونفوسها 10 ملايين نسمة. وتعد أول جمهورية سوداء في العالم، وثاني جمهورية في العالم الجديد.

                بين عام 1849 و1913 دخلت سفن البحرية الأمريكية المياه الهاييتية 24 مرة لحماية أرواح الأمريكيين وممتلكاتهم كما تزعم الولايات المتحدة . ثم غزاها الرئيس الأمريكي (ويلسون) صاحب إعلان حق الشعوب في تقرير مصيرها الشهير عام 1915، وكان الغزو الأكثر تدميرا ووحشية . قتلوا الناس، ودمّروا الدولة، وألغوا النظام الدستوري وأعادوا العبودية . قتلوا 3250 وأعدموا 400 من المقاومين، وكان العدد الإجمالي للقتلى هو 15000 . نزعوا ملكية الفلاحين، واستولت الشركات الامريكية على مقدرات البلاد، وسُمح للأمريكيين بالاستيلاء على الأراضي الزراعية . دمّروا المزارع الصغيرة ودعموا الاقلية المستبدة الثرية وأعادوا الرق وعبودية الاستعمار الفرنسي . ثم فرض الأمريكان دستورا جديدا جرى عليه استفتاء غريب شارك فيه أقل من 5% من السكان وكانت النتيجة 99,9% .

                ملاحظة مهمة جدا:

                لاحظ أنّ أول دولة ترعى نتائج الـ 99,99% في الإنتخابات المفبركة هي الولايات المتحدة الأمريكية.

                عودة:

                بعد 10 سنوات اعترفت وزارة الخارجية الأمريكية بانها فرضت هذا الدستور بطرق استبدادية.

                وارتباطا بالصحافة الحرّة أيّدتْ النيويورك تايمز المذابح وأكدت على (حق الولايات المتحدة في حماية امننا وسلامنا) (والتدخل الأبوي لإعطاء منافع السلم للشعب المعذّب بالثورات) .

                ولكي لا نطيل على السادة القرّاء ونصل إلى هدفنا بإيجاز وبسرعة نقول إنّ حاكم هاييتي الذي كان مقرّباً من قلب الولايات المتحدة كان ديكتاتورها – كما كان الحال في نيكاراغوا في الحلقة السابقة السادسة - الذي حكمها بالحديد والنار، هو وأسرته، (فرانسوا دوفالييه) (1907-1971)، وأتصف حكمه بالإرهاب والاعتداء على جميع حريات المواطنين وممتلكاتهم، وقد جمع بين مساوئ الأقطاع والعصابات الإرهابية. فرض عزلة مظلمة على هاييتي وكان المناصر للولايات المتحدة داخليا وخارجيا . وبعد وفاته في عام 1971 خلفه ديكتاتور آخر صديق للولايات المتحدة هو ابنه (جان كلود دوفالييه) وكان عمره 19 عاماً، وسار على نهجه في تسليم ثروات البلاد للأمريكان، وكانت من ضحايا البنك الدولي – المخلب الاقتصادي للولايات المتحدة – الذي اتبع الديكتاتور توجيهاته. وبرغم مذابحه البشعة لم تتحدّث الولايات المتحدة ولا صحافتها عن حقوق الإنسان في هاييتي إلّا عندما وصل الديمقراطيون إلى الحكم . كانت ليلة زفاف الديكتاتور بـ 2 مليون دولار وشعبه أفقر شعب في نصف الكرة الغربي. جمع الملايين من تجارة المخدرات وبيع الأعضاء البشرية من اجسام الهاييتيين الذين يموتون في الشوارع.

                مع إزاحة دوفالييه كان الدخل الفردي السنوي لـ 60% من السكان ستين دولارا أو اقل تبعا للبنك الدولي، ومعدل الوفيات مرتفع بشكل مذهل، وكان المواطن يهلك في عمل نهار كامل مقابل 20 سنت !

                في حزيران 1985 تبنّت الهيئة التشريعية في هاييتي بالإجماع قانونا يفرض على الأحزاب السياسية الاعتراف بالرئيس مدى الحياة جون كلود دوفالييه كحاكم أعلى للأمة، وأقرّ القانون بأغلبية 99,98% .

                ملاحظة مهمة جدا أخرى:

                لاحظ من جديد أخي القارىء هذه النسبة 99,98% والرئيس مدى الحياة .

                عودة:

                أعلن الرئيس الأمريكي أن هذا القرار (قرار الرئيس مدى الحياة) هو: (خطوة مشجّعة إلى الأمام)، وقال رونالد ريغان لمجلس الشيوخ إن الولايات المتحدة سوف تقدّم المساعدات العسكرية والاقتصادية لدوفالييه بسبب التطورات الديمقراطية !!!

                بعد أن اشتدت الثورة الشعبية ضد دوفالييه غادر البلاد وخلفه الجنرال (هنري نامفي) . وهنا بدأ مسلسل فرق الموت . في حزيران من عام 1987 قام الجيش والحرس الوطني (الماكوتس) بمجزرة رهيبة راح ضحيّتها المئات . ولكي يعطل الانتخابات التي تقرر أن تجري في تشرين الثاني من عام 1987 والتي كان من المتوقع أن يفوز بها الأب المناصر للفقراء (جان أرستيد) تم قتل 300 في يوم الانتخابات فتم تاجيلها . واستمر مسلسل التقتيل والتشريد . أعلن السفير الأمريكي:

                (لا أرى أي أدلة على وجود سياسة معادية لحقوق الإنسان . صحيح أن العنف موجود لكنه جزء من الثقافة).

                بعد شهر هاجمت فرق الموت كنيسة الأب (أرستيد) وقتلت وجرحت أكثر من 150 شخصا .

                تولّى رجل الدين التحرري الشجاع الملتزم بـ (الخيار التفضيلي لصالح الفقراء) الذي ناصره اساقفة أمريكا اللاتينية، السلطة في شباط من عام 1990 كأول رئيس منتخب ديمقراطيا في تاريخ هاييتي . لكن لفترة قصيرة فقد أطاح به انقلاب عسكري رتّبته الولايات المتحدة في الثلاثين من أيلول من العام نفسه .

                أصاب فوزه الشعبي الولايات المتحدة بالرعب لانه لا ينسجم مع نموذجها للديمقراطية.

                قال أرستيد: (لا أستطيع قبول فكرة أن على هاييتي أن تكون ما تريده الولايات المتحدة أن تكون).

                في أول أسبوعين بعد الانقلاب قُتل ما لا يقل عن ألف شخص، ثم قُتل مئات غيرهم في شهر كانون الأول . ولم يسجل أحد فظائع القتل في الأرياف . اضطر مئات الألوف إلى الإختباء . وكان الهدف مزدوجا:

                أولاً- تدمير المكاسب الاجتماعية والسياسية التي انجزت في عهد الأب أرستيد بعد سقوط الدكتاتور دوفالييه.

                ثانياً- ضمان تدمير كل البنى اللازمة لاحراز هذه المكاسب ثانية بصرف النظر عما يمكن أن يحمله المستقبل السياسي للبلاد .

                ولهذا شُنّت حملة لتدمير النقابات والمنظمات التي جلبت أرستيد وانتخبته عن طريق خطف القادة النقابيين ، قتل الصحفيين، تدمير الإذاعات، وتفجير الصحف .


                موقف الصحافة الأمريكية المتحرّرة:

                النيويورك تايمز: (أرستيد قائد متعصب خطر يعتقد أن شعبيته يمكن أن تكون بديلا عن سياسة خذ واعطِ) و (التصريحات المتزايدة الحدّة من قبل الأب أرستيد التي يحمّل فيها مسؤولية فقر الجماهير على الطبقات الأكثر ثراء هي سبب الإنقلاب)

                مجلة "فورين أفيرز": (لم يكن سهلا جدا التمييز بين الديمقراطيين (أرستيد) والديكتاتوريين (دوفالييه) في هاييتي)

                قبلها اقترحت النيورك تايمز (زيارة أرستيد لواشنطن قد تدعم صورته كقائد عاقل ملتزم بالديمقراطية يكسب لنفسه مصداقية عند الرئيس بوش)

                موقف الشعب الهاييتي البطل:

                ولكن رغم البؤس والحصار والموت والتقتيل على يد فرق الموت كانت اللازمة التي يرددها الفقراء:

                (أبقوا الحصار . لقد أعطانا أرستيد الكرامة والأمل – إننا مستعدون للمعاناة إن كانت ستعيده لنا)

                ما الذي قدّمه أرستيد للشعب الهاييتي ؟

                لقد فاز القس (جان برتران أرستيد) في انتخابات كانون الثاني عام 1990 وتسلم أعماله في شباط 1991 - كما قلنا - بنسبة 67%، وهُزم مرشح الولايات المتحدة (مارك بازين) وهو موظف في البنك الدولي بعد أن حصل على 14% من الأصوات برغم كل إمكانات الولايات المتحدة وبرغم العنف والتقتيل والتهديد ودور فرق الموت ضد المواطنين ومنظمات المجتمع المدني . ولاحظ أن مرشح الولايات المتحدة كان من موظفي البنك الدولي كما كان مرشحها في نيكاراغوا (راجع الحلقة السابقة).

                فما الذي قام به أرستيد للشعب المحروم ؟

                انحاز إلى الفقراء . قضى على تجارة المخدرات . قام بالإصلاح الزراعي . خفض معدل الفساد . حجّم البيروقراطية . أوقف تدفق اللاجئين إلى الولايات المتحدة الذين كان يموت منهم المئات في البحر . حجّم العنف .

                هنا ثارت الولايات المتحدة وتحت ستار "الديمقراطية" كالعادة، فأسست منظمات "ديمقراطية" دعمتها بالأموال، ثم أعدّت لانقلاب عسكري أطاح بالرئيس أرستيد في 1 أكتوبر من نفس العام 1991 أي بعد ستة أشهر فقط من تولّيه الرئاسة. هنا بدأت مسيرة رهيبة لتدمير المنظمات المدنية وتفتيت النقابات وقتل المدنيين المناصرين لأرستيد . كان الناس يُقطّعون إربا إرباً، وتشوّه وجوههم، ويُرمَون في الحفر .

                فرضت بعض دول أمريكا اللاتينية حصارا اقتصاديا على حكومة هاييتي ساندته الولايات المتحدة (في الظاهر) ثم خرقته حكومة بوش وبعدها كلنتون لضمان مصالح الشركات الأمريكية وتحت غطاء توفير فرص عمل للهايتيين المساكين !!

                وبرغم التقتيل والتقطيع والحصار والتدمير عاد أرستيد إلى الحكم بين عامي 1994 و1996 . ثم انتخب ثانية في عام 2001 وفرضت عليه الولايات المتحدة تقديم تنازلات للمجلس العسكري الحاكم بتأليف حكومة مشاركة تضم عناصر المجموعة الاقتصادية (المعتدلة) من مدراء ومالكين محليين لمصانع النسيج ومصانع كرات البيسبول وممن لهم ارتباطات بالمصالح الزراعية الأمريكية . وإذا كان هؤلاء خارج الحكومة فالحكومة ليست ديمقراطية كما يقول الأمريكان . بعد مدّة أصبح موظف البنك الدولي الذي خسر الإنتخابات (مارك بازين) رئيساً للوزراء .

                ولاحظ الفارق بين سلوك المناضل وسلوك موظف البنك الدولي:

                نُصب موظّف البنك (بازين) رئيسا للوزراء وألقى خطابه باللغة الفرنسية أمام حشد رسمي من رجال ببزات رسمية ونساء معطرات باثواب بيض

                أما القس المناضل (أرستيد) فقد ألقى خطابه بلغة الشعب واستلم وشاح الرئاسة من احدى الفلاحات .

                إنقلاب أمريكي جديد:

                وبالرغم من موافقته القسرية وتنازلاته التي كان عليه أن لا يقدّمها، فلم يتم تطويع الرئيس أرستيد تماما لخطط الولايات المتحدة، ولهذا وضعوا خطة كشفتها وثيقة سرّية من وثائق وزارة الخارجية الأمريكية حول التعامل مع أرستيد تمّ تسريبها وتنص على (إعادة رمزية لأرستيد كخدعة دعائية، ومن ثم إزالته كليا بعد أن يخف الانتباه العام) وهذا ما حصل فعلاً . فقد تم القيام بانقلاب جديد حيث تم اختطاف أرستيد وزوجته ليلا في عام 2004 واقتياده من قصر الرئاسة، وهو معصوب العينين وموثق اليدين، لينقل بطائرة أمريكية إلى المنفى في جنوب أفريقيا. وقد أعلن أرستيد لوسائل الإعلام بعد ذلك بأن الولايات المتحدة خطفته وأجبرته على مفادرة هاييتي .

                السلوك الأمريكي الإنتهازي في التعامل مع قضية اللاجئين:

                وقامت الولايات المتحدة بـ (لعبة اللجوء الإنساني والسياسي) . فحين يحكم هاييتي دكتاتور أو طغمة عسكرية يتم غلق اللجوء في وجه المدنيين والناشطين الهاربين ويُعادون بالقوة إلى هاييتي . وفي اليوم التالي تجد الشرطة هؤلاء الأشخاص وقد تم تقطيع جثثهم بوحشية في الشارع كما يقول نعوم تشومسكي (كتاب أسرار وأكاذيب وديمقراطية) .

                في السبعينات فرّ آلاف الناس من الجزيرة المنهوبة بواسطة القوارب لكن موظفي الولايات المتحدة أجبروهم كلهم تقريبا على العودة لأن لا قيمة دعائية لمعاناتهم . في عام 1981 أطلقت إدارة ريغان سياسة منع جديدة، فمن أصل 24000 هاييتي تم اعتراضهم من قبل حرس السواحل الأمريكيين خلال 1981 – 1991 لم يعط حق اللجوء إلا لـ (11) أحد عشر شخصاً باعتبارهم ضحايا اضطهاد سياسي، بالمقارنة مع قبول 75000 ألف كوبي من أصل 75000 كوبي لأن الموقف الأمريكي ضد المناضل كاسترو يتطلب ذلك . وفي حكم أرستيد تلاشت طلبات اللجوء بسبب انتهاء الإرهاب (20 طلب لجوء) ولكن بعد الإطاحة به عاد تدفق قوارب اللاجئين ليصل عدة آلاف من الأشخاص سنوياً وتمت إعادة معظمهم برغم الظروف الوحشية التي تنتظرهم .

                الوحشية الأمريكية في تدمير اقتصاد هاييتي:

                في كل بلد تقوم السياسة الأمريكية الاقتصادية على تدمير البنى الاقتصادية القائمة منذ مئات السنين، وتحويل البلد الزراعي إلى مصدر لمواد زراعية أولية، وتسليم القطاع العام إلى القطاع الخاص والشركات المتعددة الجنسيات، والسيطرة على ثروات البلاد من قبل الشركات الأمريكية . والجهة التدميرية الوحشية في ذلك هي البنك الدولي وسياساته، أو التهديد والحصار الإقتصادي، أو العدوان العسكري المسلح . لاحظ جانبا بسيطا – وأؤكد جانبا بسيطا – مما قامت به الولايات المتحدة من تدمير للإقتصاد الهاييتي:

                مذبحة الخنازير:

                في مشروعها للتطوير الزراعي قامت الشركة الأمريكية الهاييتية بطرد 40000 أربعين ألف أسرة فلاحية . وبعد فشل المشروع عاد الفلاحون ولم يتعرفوا على أراضيهم بسبب الادغال . ولكن الخراب حصل في مذبحة الخنازير، حيث يعيش الفلاحون الهاييتيون على تربية الخنازير . أعلنت الولايات المتحدة أن حمّى الخنازير اجتاحت خنازير الدومينيكان وسوف تؤثر على خنازير هاييتي المجاورة وستنتقل العدوى إلى خنازير الولايات المتحدة !!! فبدأت حكومة هاييتي العميلة بقتل (1,3 مليون خنزير بقيمة 600 مليون دولار) ) في هاييتي وهي أثمن ممتلكات الفلاحين . كانت الحمّى محدودة جدا، ومع ذلك لم يبقوا أي خنزير في هاييتي . خنازير الفلاحين الهايتتين المساكين . أرسلت أمريكا معونة من خنازير أمريكية لا تصلح للبيئة الهاييتية لأنها تحتاج علفا هائلا ومولد ومكيف هواء !!

                سموم كرات البسيسبول القاتلة:

                يتم تصنيع كرات البيسبول الجميلة في مصانع تملكها الولايات المتحدة حيث تحصل النساء اللواتي يصنعنهن على عشرة سنتات فقط في الساعة . هذا إذا تمكّنّ من تحقيق النسبة المطلوبة . وبما أنه يستحيل تحقيق تلك النسبة، فإن ما يحصلنَ عليه في الساعة هي خمس سنتات فقط . والكرات المصنوعة في هاييتي ناعمة فيتم الترويج لها في وسائل الإعلام الأمريكية لأنها تُغمس بالأيدي في سائل كيمياوي خاص يجعلها متماسكة بشكل مناسب . لكن الإعلان لا ينوّه إلى أن ذلك السائل سامٌّ مما لا يُمكن النساء من الاستمرار طويلا في العمل بسبب السرطانات والموت !!

                ماذا قال معاون أرستيد ؟

                قال معاون أرستيد:

                (سياسة الولايات المتحدة أكثر الأشياء كلبية على وجه البسيطة ولا أعتقد أنها تريد عودة أرستيد لأنّه لا يخضع لسيطرتها، وليس دمية في يدها)

                الدَّين المقيت،

                حلّ مستحيل من تشومسكي:

                يقول تشومسكي في كتابه (طموحات إمبريالية):

                (على الجميع إعفاء العراق من دينه لأنّه يُعرف بـ "الدين المقيت" . والدين المقيت دين يُفرض على الشعب في ظل نظام قسري . على سبيل المثال، إذا أوقع الجنرالات الفاسدون الذين يديرون مجتمعاً ما البلد في دين كبير، هل يجب على شعب ذلك البلد سداده ؟ لا، إنه دين مقيت ويجب شطبه .

                ينطبق الأمر نفسه على هاييتي، أفقر بلد في نصف الكرة الغربي، بل أنه يكاد يكون على شفير الانقراض . من المسؤول عن ذلك ؟ المجرمان الرئيسيان هما فرنسا والولايات المتحدة . إنهما يدينان لهاييتي بتعويضات ضخمة بسبب أفعال ترجع إلى مئات السنين . إذا ما تمكّنا يوماً من الوصول إلى مرحلة يمكن أن يقول فيها أحدهم: "إننا آسفون على ما فعلنا"، يكون ذلك رائعاً . لكن إذا كان ذلك يلطف من الذنب، فإنه يصبح جريمة أخرى . فلكي نصبح متحضّرين بالحدود الدنيا، علينا أن نقول: "لقد ارتكبنا جرائم فظيعة وانتفعنا منها . وقد جاء قسم كبير من ثروة فرنسا والولايات المتحدة من الجرائم التي ارتُكبت ضد هاييتي . لذلك فإننا سندفع تعويضات إلى الشعب الهايّتي" . عندئذٍ سنشاهد بدايات الحضارة
                ) .

                ملاحظة أخيرة:

                .. وبقيت التجارة الأمريكية مع هاييتي ناشطة في عام 1992، وازدادت إلى النصف تقريباً حين وسّع كلنتون انتهاكات الحظر، وبينها صفقات قامت بها الحكومة الأمريكية، التي حافظت على روابط وثيقة مع الجلادين، والقَتَلة الحاكمين؛ وكم كانت وثيقة لا نعرف، بما أن إدارة كلنتون ترفض أن تعيد إلى هاييتي (160000) مئة وستين ألف ورقة من الوثائق التي استولت عليها القوات الأمريكية، "كي تتجنب عمليات كشف مُربكة" عن تورّط حكومة الولايات المتحدة مع النظام الإرهابي، بحسب "منظمة هيومان رايتس ووتش - Human Rights Watch" (كتاب الدول المارقة – تشومسكي).

                ملاحظة عن هذه الحلقات:

                هذه الحلقات تحمل بعض الآراء والتحليلات الشخصية، لكن أغلب ما فيها من معلومات تاريخية واقتصادية وسياسية مُعدّ عن عشرات المصادر من مواقع إنترنت ومقالات ودراسات وصحف وكتب خصوصاً الكتب التالية:
                ثلاثة عشر كتاباً للمفكّر نعوم تشومسكي، كتاب أمريكا المُستبدة لمايكل موردانت، التاريخ السري للامبراطورية الأمريكية لجاك بركنس، أمريكا والعالم د. رأفت الشيخ، تاريخ الولايات المتحدة د. محمود النيرب، الولايات المتحدة طليعة الإنحطاط لروجيه غارودي، الفردوس الأرضي د. عبد الوهاب المسيري، وغيرها الكثير
                .

                تعليق


                • #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة رحيق مختوم
                  وفرضت عليه الولايات المتحدة تقديم تنازلات للمجلس العسكري الحاكم بتأليف حكومة مشاركة تضم عناصر المجموعة الاقتصادية (المعتدلة) من مدراء ومالكين محليين لمصانع النسيج ومصانع كرات البيسبول وممن لهم ارتباطات بالمصالح الزراعية الأمريكية . وإذا كان هؤلاء خارج الحكومة فالحكومة ليست ديمقراطية كما يقول الأمريكان . بعد مدّة أصبح موظف البنك الدولي الذي خسر الإنتخابات (مارك بازين) رئيساً للوزراء .
                  سبحان الله!
                  حكومة مشاركة!!!!
                  التاريخ دائما يعيد نفسه
                  هذا الموضوع يجب أن يكتب بماء الذهب

                  تعليق


                  • #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة alyatem
                    سبحان الله!
                    حكومة مشاركة!!!!
                    التاريخ دائما يعيد نفسه
                    هذا الموضوع يجب أن يكتب بماء الذهب
                    هههههه، صحيح ذكرتنا بحكومة الشراك، نتابع

                    تعليق


                    • #11
                      لا تثقوا بالولايات المتحدة (9):
                      البرازيل .. خدعة عملاق الجنوب ومؤامرة الخصخصة

                      (البرازيل مثل العاهرة التي ملابسها الخارجية نظيفة وملوّنة، ولكن ملابسها الداخلية وسخة وقذرة)
                      الرئيس الأمريكي ريشارد نكسون
                      كتاب (1999 نصرٌ بلا حرب)

                      تمهيد:

                      البرازيل أو - رسمياً – "جمهورية البرازيل الاتحادية" هي أكبر دولة في أمريكا الجنوبية، وثالث أكبر بلد في الأمريكتين، وخامس أكبر دولة في العالم، سواء من حيث المساحة الجغرافية أو عدد السكان، حيث تبلغ مساحة البرازيل (8.511.965) كم2، ويبلغ عدد سكانها (188.078.227) نسمة.

                      كانت البرازيل مستعمرة للبرتغال بدايةً منذ هبوط المستكشف "بيدرو الفاريس كابرال" فيها عام 1500 حتى عام 1815. في عام 1815، رُقّيت البرازيل إلى رتبة مملكة عند تشكيل مملكة البرتغال والبرازيل والغرب المتحدة. بقيت البرازيل مستعمرة برتغالية حتى 1808 عندما نُقلت عاصمة الإمبراطورية من لشبونة إلى ريو دي جانيرو بعد غزو نابليون البرتغال. وقد تحقق الإستقلال في 1822 عندما تم تشكيل الإمبراطورية البرازيلية، وهي دولة موحّدة يحكمها نظام ملكي دستوري ونظام برلماني. أصبحت البلاد جمهورية رئاسية في عام 1889، عندما أعلن الانقلاب العسكري الجمهورية في البرازيل، مع وجود مجلسين تشريعيين. يعود تاريخ التصديق على أول دستور إلى عام 1824. دستور البرازيل الحالي والذي وُضع في عام 1988، يُعرّف البرازيل بأنها جمهورية فدرالية. ويتكون الإتحاد من اتحاد منطقة العاصمة الاتحادية، واتحاد 26 ولاية.

                      وعود الرئيس الأمريكي إيزنهاور للبرازيليين:

                      طمأن الرئيس إيزنهاور خلال زيارة عام 1960 البرازيليين بأن:

                      (نظام شركاتنا الخاصة الواعية اجتماعيا يعود بالفائدة على جميع الناس؛ الملّاكين والعمال على حدّ سواء. في ظل الحرّية ييرهن العامل البرازيلي بسعادة على مباهج الحياة في ظل النظام الديمقراطي).

                      فماذا كانت نتيجة هذه الوعود الأمريكية ؟

                      الإنقلاب العسكري هو أول نتيجة للوعود الأمريكية:

                      دبّرت إدارة الرئيس "جون كنيدي" الإنقلاب العسكري في البرازيل عام 1964، وساعدت على تحطيم الديمقراطية البرازيلية، التي خُطّت في سبيل الإستقلال. دعمت الولايات المتحدة الانقلاب الذي وضع حجر الأساس لعمليات التعذيب والإرهاب على طريقة النازي. دمّر الإنقلاب الحياة البرلمانية التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، وبدأت فترة دمويّة مُرعبة خرّبت الحياة في البرازيل لمدة ثلاثة عقود. (مرّت الأرجنتين وتشيلي وغيرهما بفترة دموية مشابهة من منتصف الستينات إلى الثمانينات وسوف نتناولها قريباً).

                      كيف قامت الولايات المتحدة بالتخطيط للإنقلاب العسكري؟:

                      بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بالتخطيط للإنقلاب العسكري بعد أن أصبح السيّد (خواو غولارت) رئيساً للبرازيل عام 1961. قلق العسكريون من جاذبيّة هذا الشخص اليساري وخطابه الشعبي، وأغضبتهم جهوده الهادفة لرفع الحد الأدنى لأجور العمال المدنيين، وزادت مخاوف جماعة رجال الأعمال الأمريكيين عندما أصدر قراراً يفرض قيوداً على الاستثمار الأجنبي ويحدّ من تحويل الأرباح، لأنّ هذا التحويل يستنزف الاقتصاد البرازيلي. وبالرغم من أن هذا الرجل كان معادياً للشيوعية إلّا أن رجال الأعمال الأمريكيين ومسؤولي السفارة الأمريكية شعروا بالخوف من علاقاته مع العمال والمنظمات الفلاحية وتعيينه عددا من الشيوعيين في مناصب عالية. اعتبرت وكالة المخابرات الأمريكية (السي آي أي) هذا نهجاً شيوعياً صريحاً. أخبر الجنرالات البرازيليون (وأغلبهم تمّ تدريبهم في الولايات المتحدة) السفير الأمريكي في البرازيل بأنّهم يحضّرون لانقلاب. بمبادرة شخصية من الرئيس "جون كندي" بدأ الدعم السرّي والعلني للمرشحين اليمينيين. أرسل جون كندي شقيقه "روبرت كندي" ليبلغ الرئيس البرازيلي "غولارت" بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية قلقة من مضايقات رجال الأعمال الأمريكيين والمستثمرين الأجانب، وتسرُّب الشيوعيين والقوميين اليساريين المعادين للولايات المتحدة إلى الحكومة، وأن على الرئيس "غولارت" أن يهتم بأن يشغل المواقع الإدارية والإقتصادية "المفتاحية" في البرازيل أشخاصٌ موالين للولايات المتحدة، وأن يفرض السياسات الاقتصادية التي تريدها.

                      لم ينصاع الرئيس "غولارت" لهذه "الأوامر"، فتوتّرت العلاقات. حثّ مدراء الشركات الأمريكيون آنذاك الولايات المتحدة على وقف تام للمعونات الإقتصادية لتسريع الانقلاب. حذّرت السفارة الأمريكية من أن "غولارت" يرقّي الضبّاط ذوي الميول القومية على حساب الضبّاط الموالين للولايات المتحدة وللديمقراطية (لاحظ أن الديمقراطية ترادف الولاء للولايات المتحدة بالنسبة للأمريكان). زادت المساعدات العسكرية. قدّمت الـ CIA تمويلاً لتظاهرات في بعض المدن. وفي 31 آذار قام الجيش بانقلاب وصفه الأمريكيون بـ (العصيان الديمقراطي)، ورحب السفير الأمريكي بالانقلاب باعتباره "ثورة ديمقراطية" ووصفه بأنّه (الانتصار الوحيد الأكثر حسما للحرية في منتصف القرن العشرين) وقال: (إن انتصار الحرية هذا – أي الإطاحة العنيفة بالديمقراطية البرلمانية وبالرئيس المُنتخَب – لا بد أن "يخلق جوّاً أفضل بكثير بالنسبة للإستثمارات الخاصة). أهّلتْ تلك الإنجازات الولايات المتحدة للقب "مُلهمة انتصار الديمقراطية"، كما أطلقت عليها الجريدة الليبرالية (نيو ريببلكان – الجمهورية الجديدة). ويخبرنا "توم ولف" أن الثمانينات "جاءت بأعظم الفترات الذهبية في تاريخ الإنسانية".

                      بعد الإنقلاب أُطيح بالنظام البرلماني بعنف، وسُحقت الحركة العمالية. خُفّضت الأجور 25% خلال السنوات الثلاث الأولى. أُعيد توزيع الدخل لصالح جماعات الدخول العالية. اعتبرت "النيويورك تايمز" (القمع الوحشي والهجوم على مستويات المعيشة شرطاً أوّلياً لدورة جديدة من النمو الرأسمالي في الاقتصاد الداخلي البرازيلي). الآن قدّم البنك الدولي أوّل قروضه بعد أن رفض ذلك لمدة 15 عاما، وازدادات المعونة الأمريكية مع زيادة التعذيب والقتل والجوع والأمراض ووفيات الأطفال... وأرباح الشركات. صارت الولايات المتحدة تُشرف على كلّ جوانب السياسة الاقتصادية البرازيلية.

                      تكتيك دخول البنك الدولي إلى ساحة اللعبة:

                      بالطبع، يبدأ العسكريون – وبتخطيط من الولايات المتحدة - بهمّة، في صنع مأساة اقتصادية – وغالبا ما يكون ذلك باتباع وصفات المستشارين الأمريكيين – وبعيد الفراغ من ذلك، يسلّمون المشكلات للمدنيين الذين سيجدون اقتصاداً مُصادراً، وقطاعاً عامّاً مُباعاً، وثروات مُستباحة يتلاعب بها 3 – 5 % من السكان ومن يرتبط بهم، مقابل حالة من البؤس العارمة تطيح بأكثر من 80% من السكان. هنا يأتي حبراء البنك الدولي ليعرضوا خدماتهم لإنقاذ الإقتصاد المُحطّم.

                      وبالنسبة للولايات المتحدة – وفي كثير من الأحوال - لم يعد الاحتلال العسكري السافر ضرورياً، فقد برزت وسائل حديثة مثل: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي.

                      يُقرض البنك الدولي البلدان مقابل شروط تتمثل في سياسة "تحرير الاقتصاد"، أي تهيئة الاقتصاد الوطني لاختراق المال الأجنبي، وتحكّمه فيه، مع تخفيضات حادّة في خدمة المجتمع. يكرّس هذا تقسيم المجتمع إلى أقلية ثرية وأكثرية تعاني الحرمان والفقر المدقع.

                      تهيء الديون والفوضى الاقتصادية التي ينجزها العسكريون – كما قلنا - الساحة أمام شروط وقواعد صندوق النقد الدولي، إلّا إذا حاولت قوى سياسية وطنية ذات شعبية التدخل، وفي هذه الحالة يعود العسكريون لاستعادة الاستقرار ! وفي حالة بلدان أمريكا اللاتينية – ومنها البرازيل - يكون عذر المخابرات الأمريكية حين تدبّر الإنقلابات هو إبقاء الشيوعية بعيدة عنها (المقصود بالشيوعيين أولئك الميّالون إلى الفقراء والذين طالموا رغبوا في نهب الأغنياء على حد تعبير "جون فوستر دالاس" وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك).

                      وتقدّم البرازيل حالة كاشفة على هذه السياسة التدميرية حيث تتمتع بثروات طبيعية تمكنها من أن تكون أغنى دول العالم. كذلك تمتعت بتنمية صناعية عالية المستوى. ولكن بفضل انقلاب عام 1964، ومن ثم "المعجزة الاقتصادية" التي يشيد الكلّ بها، أصبح أكثر البرازيليين يعيشون مثل الأثيوبيين، وأقلّ من سكان أوروبا الشرقية. دع عنك التعذيب والقتل والأساليب الأخرى لضبط عدد السكان كما سنرى !.

                      أهداف الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية عموماً والبرازيل خصوصاً:

                      تتلخّص أهداف الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية عموماً والبرازيل خصوصاً بما يأتي :

                      - إبقاء المنطقة سوقاً مفتوحة لفوائض الإنتاج الصناعي في الولايات المتحدة وللاستثمارات الخاصة.

                      - استغلال احتياطيها الهائل من المواد الخام.

                      - منع النزعات القومية الاقتصادية.

                      - منع أي تطوّر صناعي مُفرط يمكن أن ينافس الشركات الأمريكية.


                      - وبالنسبة للبرازيل كانت القاعدة هي: (لا بأس بتنمية البرازيل طالما لا تتعارض هذه التنمية مع الأرباح والهيمنة الأمريكيتين، وطالما استمر ضمان تحويل أرباح كافية للخارج).

                      - تشجيع التنمية الزراعية طالما تجنبت برامج تقوّض الإستقرار كالإصلاح الزراعي، وتعتمد على المعدات الزراعية الأمريكية.

                      - تشجيع البضائع التي تكمل الإنتاج الأمريكي كالبن والكاكاو والمطاط والجوت.

                      - خلق أسواق جديدة للسلع الزراعية الأمريكية مثل منتجات الألبان والقمح.


                      - تأتي الرغبات البرازيلية في المرتبة الثانية، وهي مفيدة (للطبطبة عليهم قليلا وجعلهم يعتقدون أنك تحبهم كما يقول "جون فوستر دالاس" أيضاً).

                      مؤامرة الخصخصة:

                      قرّرت الحكومة البرازيلية - برغم المعارضة الشعبية القوية - الشروع بعمليّة "الخصخصة" حسب شروط البنك الدولي، ومعناها الدقيق بيع القطاع العام حسب شروط البنك الدولي واستجابة لخططه في "تحرير" الإقتصاد. وقد شعرت قيادات الشعب البرازيلي السياسية والنقابية – العمالية خصوصاً - بأن هذه "الخصخصة" مؤامرة. تقوم هذه المؤامرة المُحكمة التي يتبعونها مع كلّ بلد على دور من يُسمّون بـ "رجال الإقتصاد المأجورين" الذين يقومون عبر الندوات والفضائيات والمقالات والمؤلفات، والمناصب التي يحتلونها في البلد المعني، بإشاعة أنّ شركات القطاع العام غير مُربحة وأنّها مُفلسة وليست قادرة على دفع رواتب منتسبيها، وأنّها عبء على الدولة وعلى الميزانية وعلى كاهل المواطن، وأن بيعها إلى القطاع الخاص يعني تطوّرها وملاحقتها للتطوّرات العلمية الحديثة وتزويدها بأحدث الآلات والمعدات التكنولوجية، كما أنّه يعني تشغيل أيدي عاملة ويقضي على البطالة ويضمن تسليم رواتب العاملين فيها في مواعيدها، بالإضافة إلى ما يعنيه من إغراق للسوق بالسلع.

                      لكن ما هي الطريقة الخبيثة التي يتبعها خبراء البنك الدولي والتكنوقراط المرتبطين به وخصوصاً رجال الإقتصاد المأجورين ؟

                      إنّه الطَرْق المستمر على تخلّف القطاع العام، وعلى شطارة القطاع الخاص، وعلى ضرورة بيع شركات القطاع العام، مع رسم صورة زاهية ومتعالية للقطاع الخاص والشركات الأجنبية – الأمريكية خصوصا – كـ "منقذ" يحمل التطوّر والرفاهية.

                      لكن ما الذي يفعلونه لتحقيق أفظع الأرباح من هذا الهدف – الشراء بأرخص الأسعار والبيع بأغلى الأسعار كما هو معروف عن السلوك الإقتصادي الرأسمالي - ؟

                      إنّهم يشكّلون لجنة لتقييم كل شركة من شركات القطاع العام من "خبراء" اقتصاد هم في الحقيقة خبراء اقتصاد مأجورين (راجع كتاب اعترافات رجل اقتصاد مأجور الشهير لجان بركنس الخبير السابق في البنك الدولي) أو يحيلون عمليّة التقييم لشركة حسابات اقتصادية خاصّة دوليّة "مشهورة". تقوم هذه اللجنة أو تلك الشركة بوضع صورة سيّئة لشركة القطاع العام المطلوب تقييمها كشركة فاشلة موشكة على الإفلاس وليس لها ربحية، وتقترح بيعها وتضع "سعراً" للبيع زهيد جداً !! يتم تسريب خبر التقييم والسعر بصورة سرّية – وبمالغ رشا كبيرة – للشركات الأمريكية والأجنبية متعددة الجنسيات التي تخطط لشراء تلك الشركة منذ سنوات، فتسرع لتقديم العروض وشراء الشركة.

                      لناخذ مثالاً محدّداً من البرازيل:

                      قرّرت الحكومة البرازيلية بيع شركة "فال" التي تسيطر على مصادر واسعة من اليورانيوم والحديد ومعادن أخرى، وشركات صناعية، ووسائل مواصلات، بما في ذلك تكنولوجيا متطورة وتحقق أرباحا طائلة (أي أنها ليست خاسرة كما اشاع خبراء الإقتصاد المأجورون)، بلغ دخلها في عام 1996 أكثر من 5 مليارات دولار، كما أن آفاق المستقبل بالنسبة لها ممتازة. وهي واحدة من ست شركات أميركية لاتينية مُدرجة في قائمة الخمسمائة شركة الأكثر ربحا في العالم. قدرت الحكومة ثمنها أقل كثيرا من قيمتها الحقيقية. قالت الحكومة انها اعتمدت على تحليل "مستقل" قامت به شركة "ميريل لنش" التي "صادف" أنها مرتبطة بالشركة العملاقة الأنجلو – أمريكية التي اشترت هذه الشركة !! التي هي المكون المهم من مكونات الاقتصاد البرازيلي.

                      معجزة أم مأساة ؟:

                      في تاريخ "أمركة" البرازيل الذي امتُدح كثيراً يقول "جيرالد هاينز" منذ 1945 استخدمت الولايات المتحدة البرازيل "كحقل تجارب للاساليب العلمية الحديثة للتنمية الصناعية المبنية على أسسس راسمالية متينة. أصبحت البرازيل – كما تذكر صحافة رجال المال – تحت نير الحكم العسكري "محبوبة مجتمع رجال الأعمال العالمي في أمريكا اللاتينية"، وفي نفس الوقت يذكر فيه تقرير البنك الدولي أن ثلثي السكان لا يجدون من الطعام ما يكفي لنشاطهم الجسدي العادي. ويصفون عام 1989 بأنه عام نجاح سياسات أمريكا في البرازيل وأنها "قصة نجاح أمريكي حقيقي". فعلا، كانت سنة ذهبية بالنسبة لعالم رجال الأعمال حيث زادت الأرباح ثلاثة أضعاف عمّا كانت عليه عام 1988، بينما انخفضت أجور عمال الصناعة – وهي من أكثر الأجور تدنيا في العالم – بنسبة 20% أخرى، وأدرج تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية البرازيل بمستوى ألبانيا.

                      مع تولّي التكنوقراطيون لإدارة السياسة الاقتصادية عام 1967 ومعهم بدأت ما سمي بـ (المعجزة الاقتصادية البرازيلية) بنمو غير مسبوق في الإقتصاد. ولكن معها تم تخفيض الأجور، وازدادت الرقابة، وألغي استقلال القضاء، وألغيت المناهج التي تروّج للنزعة الوطنية.

                      في 1970، أُعلن أن القمع سيكون قاسياً، وصار التعذيب طقساً مُروّعاً وذبحاً محسوباً للجسد والروح، وتعذيب الأطفال والاغتصاب الجماعي للزوجات أمام أسرهن. قدمت حمّى التعذيب تحذيرا واضحا لكل من يحمل أفكارا يسارية، بل لكل من تسوّل له نفسه الإعتراض على نتائج "المعجزة".

                      صارت البرازيل جذّابة من جديد لمستثمري القطاع الخاص. حصل توسع سريع في الناتج القومي الخام والاستثمار الأجنبي، وحصل تحسّن درامي وهائل من الناحية التجارية، ومثّل حقنة قويّة في ذراع الجنرالات وتكنوقراطييهم، فقد التزموا بقوة بالمبدأ القائل: (إن الردّ الحقيقي على الفقر والتوزيع غير العادل للدخل إنما هو النمو الاقتصادي السريع بحيث تزيد الكعكة الاقتصادية بمجملها). تراوحت معدلات النمو في 1965- 1981 بحدود لم تتجاوز الحكم البرلماني 1947 – 1964. بالكاد زادت معدلات الادخار الاجتماعي خلال (سنوات المعجزة). غصّت الأسواق بالسلع الكمالية من أجل الأغنياء. صحيح صارت البرازيل الأسرع نموا بين أسواق التصدير الصناعي ما وراء البحار، لكن السكّان في قمة سنوات المعجزة 1975، كان 68% منهم يحصلون على الحد الأدنى من السعرات الحرارية اللازمة للنشاط الجسدي، 58% من الأطفال يعانون من سوء التغذية، مصاريف وزارة الصحة صارت أقل مما في 1965. زار "هنتنغتون" البرازيل عام 1972 وحثّ على تخفيف الإرهاب الفاشي!

                      في الثمانينات، انفجرت فقاعة "المعجزة" في أزمة الثمانينات الاقتصادية العالمية المعروفة، حيث تراجعت ظروف التجارة، وذهبت بدعائم من يمسكون بالسوط وكيس النقود معاً.

                      بعد أربع سنوات من التدهور الاقتصادي الحاد، عاد الإقتصاد يتعافى، والفضل إلى التصنيع الذي حلّ محل الإستيراد الذي فرضه البنك الدولي. اضطر الجنرالات إلى مغادرة المسرح تاركين أمر إدارة الحطام الإقتصادي والإجتماعي لحكومة مدنية يديرها التكنوقراط.

                      معجزة البرازيل تستند إلى وجود (برازيلان مختلفتان تماماً) !! فعندما بلغت المعجزة ذروتها في السبعينات كان النزاع الأساسي في البرازيل بين 1% وربما 5% من السكان وهم النخبة، و80% ممن تُركوا خارج النموذج البرازيلي للتنمية. استفادت الأولى، وغاصت الثانية في بحر البؤس. الحكومة البرازيلية نفسها - وفي عام 1986 - قالت برغم التبجّح بأن البرازيل هي الاقتصاد الثامن في العالم الغربي، فإنها كانت في الوقت نفسه تُصنف مع أضعف دول أفريقيا وآسيا تطوّرا عندما تكون المقارنة وفق مؤشرات الأحوال الاجتماعية، وهذا بعد عقدين من اطلاق يد التكنوقراط. وفي تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية (التعليم والصحّة.. إلخ) صُنّفت البرازيل في المرتبة (80) بعد ألبانيا وتايلاند.

                      وفي تشرين الاول 1990، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة أن أكثر من 40% من السكان (أي 52 مليون إنسان) يعانون الجوع، وتقدر وزارة الصحة البرازيلية أن مئات الألوف من الاطفال يموتون جوعا كل عام، أما النظام التعليمي فيقف مباشرة فوق بنغلادش حسب تقرير اليونسكو لعام 1990. أمّا تقرير لجنة (مراقبة أمريكا) لعام 1992 فقد أعلن أن البرازيل تعجز عن تأمين عيشٍ مقبول لسكانها البالغين 182 مليونا بحيث أن ثلثهم مصابون بسوء التغذية. ينتشر الجوع والمرض بشكل مخيف. التشغيل العبودي للعمال المتعاقدين الذين يُعاملون بكل وحشية أو يُقتلون بكل بساطة إذا هربوا قبل تسديد ديونهم عملاً. تقرير الكنيسة الكاثوليكية 1992 وجد (4000) عامل مُستعبد يستخرجون الفحم النباتي في مشروع مُموّل من الحكومة العسكرية، يعملون 16 ساعة يومياً بلا أجر يُضرَبون ويُعذّبون، بل يُقتلون أحيانا. يملك 1% من المزارعين نصف الأراضي الزراعية، والتركيز على المحاصيل التصديرية حسب وصفات السادة الأجانب. المالكون يستدعون فرقاً مسلحة أو قوات الشرطة لحرق المنازل والمواشي واغتيال النقابيين والقساوسة والممرضات والمحامين الذي يحاولون الدفاع عن الفلاحين، ولدفع الفلاحين نحو مناطق الأكواخ أو مناطق الأمازون حيث يُتهمون بحجة أنهم يحرقون الغابة لأنهم ينظّفون قطعة صغيرة لزراعتها والبقاء أحياء. يصف الباحثون البرازيليون سكّان تلك المنطقة بأنهم جنس جديد (أقزام) يملكون 40% من الامكانات العقلية البشرية العادية بسبب سوء التغذية في بلاد أرضها أكثر خصوبة في العالم، ولكن تمتلكها المزارع الكبرى التي تنتج المحاصيل التصديرية النقدية.

                      صارت البرازيل مركزاً لانجازات عالمية مثل عبودية الأطفال حيث يعمل (7) سبعة ملايين طفل كعبيد أو مومسات، ويُستغلون ويُدفعون للعمل بما يفوق طاقتهم، ويُحرمون من التعليم والصحة حسب منظمة العمل الدولية. الاطفال الأوفر حظّاً يعملون لصالح مروّجي المخدّرات مقابل مواد لاصقة يستنشقونها لجعل الجوع يذهب عنهم.

                      تستحق البرازيل جائزة في التعذيب، وقتل الأطفال المُشردين على يد قوات الأمن (عملية إبادة الشبان) حسب تعبير مديرية العدل في ريو دي جانيرو.

                      رصدت لجنة برلمانية (15) فرقة من فرق الموت في ريو دي جانيرو وحدها، من الشرطة ويموّلها التجار. يتم العثور على جثث من تقتلهم هذه الفرق خارج الأحياء السكنية، وتكون أيديهم موثقة وتبدو عليها آثار التعذيب وثقوب الرصاص، أما الفتيات المشرّدات فيُجبرن على العمل كمومسات. سجّل معهد الطب الشرعي مقتل (427) طفلا في ريو وحدها خلال العشرة أشهر الأولى عام 1991، قُتِل معظمهم على يد فرق الموت. وأفادت لجنة برلمانية أن (7000) سبعة آلاف طفل قُتلوا خلال السنوات الأربع الماضية. إنها ضريبة (الطرق العلمية الحديثة في التنمية المستندة بقوة على الرأسمالية) كما تتبجح الدوائر الإقتصادية الأمريكية.

                      المعنى الحقيقي لـ (المعجزة الإقتصادية) هو أرباح كبرى للمستثمرين الأجانب وحياة مرفّهة للنخبة المحلية، وزيادة البؤس لعموم الناس.

                      أفادت تقارير وزارة التعليم البرازيلية أن أكثر من ثلث ميزانيتها يذهب في إطعام التلاميذ، لأنّ أغلبهم لا يحصلون في طعامهم إلّا على تلك الوجبة المجّانية. وطبقا لمجلة (الجنوب) تفوّقت البرازيل في عدد وفيات الاطفال على سري لانكا. يعيش ثلث السكان تحت خط الفقر، ويشحذ ويشم الغراء (الصمغ / السيكوتين) سبعة ملايين طفل، تركهم آباؤهم في الشوارع. يسكن الملايين في أكواخ متهالكة في أحياء مُعدمة، أو ينامون تحت الجسور.

                      تلك هي البرازيل، واحدة من أغنى بلاد العالم بالثروات الطبيعية.

                      والحال شبيه بذلك في كل أمريكا اللاتينية. أما في أمريكا الوسطى، فقد ارتفع عدد القتلى بمساندة القوات الأمريكية إلى 200,000 كما سنرى ذلك قريباً.

                      بينما كانت (المعجزة) بسبيلها للإنهيار، كانت انجازات البرازيل تُعلن في الصحافة والتلفاز على أنها إظهار لروائع رأسمالية السوق الحرة، وانها النتيجة السعيدة للمعونة والإرشاد الأمريكيين. أمّا بعد الإنهيار فقد اعتُبرت البرازيل مثالاً على الفشل في اتباع النصائح الأمريكية الخلّأقة وللانحراف عن العقيدة الاقتصادية الصحيحة.

                      معجزة الرئيس (لولا دي سيلفا) وطيحان حظّ الرؤساء العرب:

                      لم يحصل أي انتخاب علني شعبي خارج الكونغرس لرئيس البرازيل إلا في عام 1989، وبعد سلسلة من الترشيحات والفشل أرادت منها الولايات المتحدة ترتيب (قصة نجاح جديدة للرأسمالية ذات النمط الأمريكي)، حصل العكس وتفاقم الإنهيار حيث انخفض النمو الاقتصادي من 5% إلى 3%، وتراجع الدخل الفردي 6% والانفاق على الصحة 32% وعلى التعليم أكثر من ذلك.,. إلى أن تم انتخاب السيّد (لولا دا سيلفا) رئيسًا للجمهورية في شهر أكتوبر 2002م، بعد أن حصل على أكثر من 51 مليون صوت بنسبة (62%) من اجمالى عدد الأصوات ليصبح لولا دا سيلفا (صبّاغ الأحذية، وعامل الحديد السابق، ومؤسّس ورئيس حزب العمال الحالي) أوّل رئيس يساري اشتراكي مُنتخب منذ إنشاء جمهورية البرازيل في 15 من نوفمبر عام 1889م. لُقِّب لولا بـ (بطل الفقراء)، وفاز بدورة ثانية عام 2006 ليترك الرئاسة ويرفض تعديل الدستور ليحصل على رئاسة ثالثة. في عهد هذا الرجل حصل النهوض التنموي الحقيقي، وتنفسّت الناس الصعداء. كانت البرازيل على شفا الهاوية، وهى الآن تتمتع بفائض يزيد عن 200 مليار دولار، واصبحت صاحبة أقل نسبة غلاء بين دول العالم الثالث، وذلك بفضل مجهودات دا سيلفا. نجح في توفير ما يقارب 60 مليار دولار خصصها لمساعدة الأسر الفقيرة والقضاء على ظاهرة توارث الفقر. وبفضل مجهودات هذا الرئيس أصبحت البرازيل من ضمن قائمة الدول المؤثرة في الخمس عشرة سنة المقبلة. وهناك توقّعات بأنه بحلول عام 2040م، سيكون اقتصاد البرازيل أكبر من اقتصاد ألمانيا واليابان معاً، نظراً لمقوّماتها الاقتصادية الضخمة في مجالات الزراعة والصناعة والاكتشافات البترولية الجديدة.

                      لقد نجح الرئيس لولا دا سيلفا في تطبيق برنامج "بولسا فاملى" ؛ وهو برنامج لتحسين الأوضاع الاجتماعية، حيث حُسِّنَتْ أوضاع (8) ثمانية ملايين أسرة فقيرة، وذلك بتوفير دخل بحد أدنى وهو: 160 دولارًا شهرياً. ولقد بلغت تكلفة هذا البرنامج اكثر من 80 مليار ريـال برازيلى. وتم تمويل هذا البرنامج من خلال الضرائب التصاعدية التي تمثل أكثر من 40 %. واشترط الرئيس على كل الأسر المستفيدة من هذا البرنامج أن يواظب أبناؤهم على الدراسة. والهدف الأساسى من تطبيق هذا المشروع هو تخفيف وطأة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية. وبعد أن انتهت فترته الرئاسية، قال إنه لا يمكن تعديل الدستور ليتمكن من أن يترشح للمرة الثالثة، وفي تصريح للرئيس لولا دا سيلفا لمجلة برازيلية قال:

                      (ناضلتُ قبل عشرين سنة، ودخلتُ السجن لمنع الرؤساء من أن يبقوا في الحكم أطول من المدة القانونية. كيف أسمح لنفسى أن أفعل ذلك الآن ؟)

                      تعليق


                      • #12
                        لا تثقوا بالولايات المتحدة (10):
                        هل ستدمّر الولايات المتحدة فنزويلا بعد مئة عام من المؤامرات والإستغلال؟

                        ظلم الوحش الأمريكي لشعب فنزويلا من الألف إلى الياء

                        قبل أيام أعلنت الولايات المتحدة أن فنزويلا تمثّل تهديدا لأمنها القومي . ووفق المعلومات التي سوف أقدّمها للسادة القرّاء في هذه الحلقة الموسّعة فإن هذا الإعلان هو خطوة سيتبعها الحصار الإقتصادي، وتصاعد نشاط ثعالب وكالة الإستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) كما يلقبّونهم، ثم القصف الجوي والغزو وهي الخطوات الثلاثة التي تتبعها الولايات المتحدة مع الدول التي تخرج عن إرادتها.

                        خدعة التهديد للأمن القومي الأمريكي:

                        قبل أن نمضي في استعراض الظلم الفظيع الذي سبّبه الوحش الأمريكي لشعب فنزويلا، نقول: إنّ إعلان الإدارة الأمريكية أن دولةً ما تمثل تهديداً لأمنها القومي هو إشارة البدء بتدمير تلك الدولة بوحشية لا تُصدّق لتنفيذ أهداف الشركات الأمريكية في استنزاف ثروات تلك الدولة .

                        قد لا يعلم السادة القرّاء إن الولايات المتحدة تحتل حتى الآن نصف المكسيك وضمّت تلك الأراضي إليها كولايات وانتهى الأمر وهي: ولاية فلوريدا، ولاية جورجيا، ولاية تكساس، وإحتلت أمريكا عن طريق الحرب نصف المكسيك وهو الولايات المسماة حالياً نيومكسكو، كالفورنيا، اريزونا، كلورادو، ونيفادا. وقد أضافت تلك الحرب مليون ميل مربع من الأراضي لمساحة أمريكا. وكان الجيش الأمريكي قد قام في أثناء الحرب وبعدها بإغتصاب الأراضي الزراعية من المكسيكيين وممارسة القتل والسرقة وإغتصاب النساء. وجاءت الحرب تحت غطاء أن بقاء هذه الأراضي تابعة للمكسيك يمثل تهديداً للأمن القومي للولايات المتحدة .

                        قبل حرب الولايات المتحدة الوحشية على نيكاراغوا أعلنت الولايات المتحدة أن نيكاراغوا تمثل تهديداً للأمن القومي، وأن ثوار جبهة "الساندنيستا" الوطنيّة سيصلون بعد قليل إلى تكساس وفلوريدا !

                        وقبل تدمير هاواي رفعوا نفس الحجّة .. ومثل ذلك قبل التدخل في غواتيمالا وقبل احتلال هاواي .. وفي فرض الحصار المُدمّر على كوبا .. ولا ننسى نفس الحجّة التي رفعوها قبل غزو العراق وتدميره ... وهكذا .

                        وفي ظلّ الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي السابق كان التهديد الذي تعلنه الولايات المتحدة يرتبط بانحياز تلك الدولة التي يريدون تدميرها للشيوعية. لكن الكارثة هو أن الإدارة الأمريكية استمرت – الآن – في استغلال نفس الحجة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي .

                        لقد فقدت ذريعة الأمن القومي كلّ مصداقية كان يمكن أن تكون لها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، لكن أجهزة الاستخبارات الأميركية انتظرت حتى عام 1998 لتخبر الأمريكان أن كوبا لم تعد تشكل بعد الآن أي تهديد للأمن القومي الأميركي . غير أن إدارة كلنتون أصرت على أن الخطر العسكري الذي تمثّله كوبا وإنْ تقلّصَ "إلى حدّ بعيد" إلّا أنه لم يختفِ تماماً . لقد أزال التقييم الاستخباري، حتى بهذا التوصيف، خطراً كان سبق لسفير المكسيك أن حدّد ماهيته عام 1961، حين رفض مسعى الرئيس الأمريكي "جون كنيدي" لاتخاذ عمل عسكري جماعي ضد كوبا، حيث قال هذا الوزير:

                        (لو أعلنّا على الملأ أن كوبا تُشكّل خطرا على أمّتنا، لمات أربعون مليون مكسيكي من الضحك) .

                        على أنه من الإنصاف الإقرار بأن الصواريخ (الروسية) في كوبا عام 1961، كانت تشكّل خطرا بالفعل . ففي مجالس مغلقة، أعرب الشقيقان كنيدي عن مخاوفهما من أن يردع وجود الصواريخ الروسية المنصوبة في كوبا غزواً أمريكيا مُحتملا لفنزويلا . إذن كانت عملية خليج الخنازير في محلها تماما، هذا ما استنتجه جون ف. كنيدي .

                        إذن كانت نوايا الولايات المتحدة في غزو فنزويلا تعود إلى ما قبل عملية خليج الخنازير عام 1961 م !!

                        فلماذا فكّرت الولايات المتحدة منذ أكثر من خمسين عاماً في غزو فنزويلا، ولماذا تعود إلى مشروعها العدواني الآن ؟

                        قبل أن نجيب على هذا السؤال دعونا نطّلع على نبذة مختصرة عن دولة فنزويلا .

                        نبذة مُختصرة عن فنزويلا:

                        فنزويلا (بالإسبانية: Venezuela)؛ رسمياً هي جمهورية فنزويلا البوليفارية (بالإسبانية: Repْblica Bolivariana de Venezuela)، هي دولة تقع على الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية . تغطي أراضي فنزويلا مساحة تقدر بنحو (٩١٦،٤٤٥ )كيلومتر مربع، ويقدر عدد سكانها بحوالي (٢٩) مليون نسمة. تعتبر فنزويلا دولة ذات تنوع بيولوجي شديد للغاية، فهي تضم مناطق بيئية عديدة ومتنوعة تبدأ من جبال الأنديز في الغرب لتصل إلى حوض غابات الأمازون المطيرة في الجنوب، مارة عبر سهول يانوس الواسعة وساحل الكاريبي في الوسط ودلتا نهر أورينوكو في شرق البلاد.

                        في عام ١٥٢٢م سقطت فنزويلا تحت الاحتلال الإسباني رغم مقاومة الشعوب الأصلية. ولكنها أصبحت واحدة من أولى المستعمرات الأميركية الإسبانية التي اعلنت الاستقلال (في عام ١٨١١م)، ومع ذلك لم يصبح أمر الاستقلال راسخاً ومستقراً حتى عام ١٨٢١م . كما حصلت فنزويلا على الاستقلال الكامل في عام ١٨٣٠م كقسم من جمهورية كولومبيا الكبرى الاتحادية . خلال القرن التاسع عشر عانت فنزويلا من الاضطراب السياسي والدكتاتورية، وسيطر عليها مجموعة من الكوديللو الإقليميين (وهم زعماء عسكريون أقوياء مطلقون) لفترة طويلة تصل حتى القرن العشرين. وقد وصلت حكومات ديمقراطية إلى الحكم في فنزويلا منذ عام ١٩٥٨، ولكن سبق ذلك فترة عانت فيها فنزويلا من بعض الانقلابات والدكتاتوريات العسكرية، مثل معظم بلدان أمريكا اللاتينية. أدّت الصدمات الاقتصادية في الثمانينات والتسعينات إلى أزمة سياسية تسببت في مقتل مئات الأشخاص في أعمال شغب سُمّيت بكاراكازو (ضربة كركاس) في عام ١٩٨٩م، كما سنرى بعد قليل .

                        فنزويلا ولعنة البترول، البترول "براز الشيطان":

                        يحظى البترول الفنزويلي بأهمية بالغة على مستوى العالم . ففي عام 2002 كانت فنزويلا رابع أكبر دولة مصدرة للبترول على مستوى العالم، وحلّت في المرتبة الثالثة بين الدول التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في استيراد البترول . ويعمل في شركة "بترول فنزويلا" نحو 40 ألف عامل، وتحقق الشركة مبيعات قدرها مليار دولار سنوياً . وتسهم هذه الشركة بنحو 80% من عائدات التصدير . إنها بلا منازع أهم أعمدة الإقتصاد الفنزويلي .

                        اعتقد كثير من أبناء الشعب الفنزويلي أن البترول سيكون طوق نجاتهم، والذي بدأ تدفقه قبل ثمانين عاما في 14 ديسمبر 1922 / حيث تدفقت من باطن الأرض تلقائيا كمّية قُدّرت بمائة ألف برميل يوميا واستمر ذلك لثلاثة ايام .

                        في أثناء الحظر الذي قرّرته مجموعة الأوبك في عام 1973، وصلت أسعار البترول إلى مستويات غير مسبوقة، وتضاعفت ميزانية فنزويلا أربعة أمثال ما كانت عليه . انطلق قراصنة الإقتصاد للعمل في فنزويلا . غمرت البنوك الدولية البلد بقروض ضخمة لتحسين البنية التحتية والمشروعات الصناعية وبناء أعلى ناطحات السحاب في القارة . ومع ذلك بقيت شريحة كبيرة من الفقراء تنتظر الحصول على فرصة للعمل في الورش والمصانع وغيرها من المؤسسات الصناعية المُستغِلة حيث ساعات طويلة من العمل في ظروف قاسية وبأجر زهيد .

                        ثم انهارت أسعار البترول ولم تستطع فنزويلا الوفاء بدينها . ففرض عليها صندوق النقد الدولي في عام 1989 شروطا صارمة وضغط على فنزويلا للخضوع لشروط البنك الدولي المدمّرة. تبدّد سراب البترول كطوق نجاة ومورد لا ينفذ . وبين عامي 1978 و2003 هبط الناتج القومي بنسبة زادت على 40% . وصار الفنزويليون يسمّون النفط " براز الشيطان "، وهذه التسمية أطلقها وزير النفط الفنزويلي السابق "خوان بالو بيريس ألفونسو" الذي قال: "بعد عشر سنوات أو عشرين سنة سترون أن النفط سوف يجلب علينا الخراب" . وهذا ما حصل فعلاً .

                        دكتاتوريو فنزويلا هم أحبّاء الولايات المتحدة:

                        دعمت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية (الأصح الغربية) الثانية، بنشاط، نظام الدكتاتور الفنزويلي "خوان فنسنتي غوميز" الفاسد الشرير الذي فتح البلاد على مصاريعها أمام الإستغلال الأجنبي. ضغطت وزارة الخارجية الأمريكية على حكومة فنزويلا لمنع اعطاء امتيازات لبريطانيا (بريطانيا التي تعمل الآن خادماً للولايات المتحدة !) . في 1928 صارت فنزويلا أوّل مُصدّر للنفط في العالم، تحت إشراف الشركات الأمريكية . وخلال الحرب العالمية (الغربيّة) الثانية، وافقت الولايات المتحدة على طلب فنزويلا (بتقاسم الأرباح مناصفة) . سيطرت الشركات الأمريكية على اقتصاد البلاد وعلى القرارات الاقتصادية الكبرى في كل المجالات . وخلال سنوات ديكتاتورية "بيريز خيمينيز" (1949 – 1958) كانت العلاقات الأمريكية الفنزويلية منسجمة ومربحة اقتصاديا لرجال الأعمال الأمريكيين، ومرّ الإرهاب والتعذيب والقمع المُعمّم دون أي اهتمام، ولم تتحدّث الولايات المتحدة عن انتهاك حقوق الإنسان بأيّ كلمة على الإطلاق .

                        ومنذ الحرب العالمية الثانية تولّت الولايات المتحدة السيطرة الكلية على الجيش لمد النفوذ السياسي والعسكري الأمريكي في النصف الغربي، وإبقاء صناعة الاسلحة الأمريكية مزدهرة . وزادت الإدارة مساعداتها لقوات الأمن الفنزويلية من أجل القمع . وكان هدفها الأوّل هو تحويل الجيوش في دول أمريكا اللاتينية عامة وفنزويلا خاصة، من الدفاع عن الوطن وهو واجبها الأساسي إلى حفظ الأمن الداخلي وهي بداية الكارثة لأي بلد. عُيِّنت عناصر أمريكية بصفة مستشارين في العمليات القتالية الداخلية. ودعا السفير الأمريكي الحكومة إلى "إنتاج أفلام" عن اعتقالات اليساريين لخلق انطباع جيّد في واشنطن، ولردع الفنزويليين .

                        الرئيس الأمريكي يمنح دكتاتور فنزويلا وسام "جوقة الشرف":

                        في عام 1954 مُنح الديكتاتور الفنزويلي "بيريز خيمينيز" وسام "فرقة الشرف"، وهو من أعلى الأوسمة الأمريكية، من قبل الرئيس الأمريكي "إيزنهاور" . وكان قرار التبرير:

                        (إن سياسته الإجمالية، في الاقتصاد والمسائل المالية، قد سهّلت الإستثمار الأجنبي، وساهمت إدارته على هذا النحو بتحقيق رخاء أكبر للبلاد، وتنمية سريعة لمواردها الطبيعية الضخمة) .

                        ويقصد الرئيس الأمريكي تسليم الديكتاتور ثروات فنزويلا للشركات الأمريكية، على سبيل المثال جاءت نصف أرباح شركة ستاندار أويل الأمريكية من فروعها الفنزويلية .

                        أعلنت الولايات المتحدة بأن "معجزة اقتصادية" تحصل في فنزويلا حيث ينمو الاقتصاد بمعدل 9,1% عام 1991 وهو الأعلى في الأمريكيتين .

                        فماذا كان محصول الشعب الفنزويلي من هذه التنمية المعجزة ؟

                        هذا ما جناه الشعب الفنزويلي من المعجزة الإقتصادية الأمريكية:

                        أثارت عودة مرشح الحزب الإشتراكي الديمقراطي "كارلوس أندريز بيريز" للحكم عام 1988 بعض المخاوف، لكن المخاوف تبدّدت سريعا عندما بدأ برنامج إعادة التصحيح الهيكلي الذي أقّره صندوق النقد الدولي، والذي أصرّ على الإستمرار فيه برغم آلاف الاحتجاجات، وكثير منها كان عنيفاً، بما في ذلك آخرها الذي قُتل فيه 300 شخص عام 1989 على يد قوات الأمن في كاراكاس . لم تنقل الصحافة "الديمقراطية" الأمريكية أي شيء عن الإضطرابات والفوضى . بعد أسبوعين استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق مظاهرة سلمية ضمت 15000 شخص في كراكاس ضد سياسات بيريز الإقتصادية . في كانون الثاني أعلن الاتحاد النقابي العمالي الرئيسي أن الاضطرابات سوف تتصاعد لأن البرامج الليبرالية الجديدة سبّبت "إفقاراً شديداً" حيث انخفضت القدرة الشرائية للعمال بمقدار 60% خلال 3 سنوات في حين اغتنت الشركات الأجنبية والعائلات الثرية المرتبطة بها .

                        انخفض الحد الأدنى للأجور إلى 44% من مستوى عام 1987 . وانخفض مستوى التغذية وحصل تركّز مفضوح للثروة بيد فئة قليلة.

                        بعد عدة اسابيع، وإثر محاولة انقلابية، ظهرت حقائق مخيفة أخرى نُشرت في الولايات المتحدة من بينها إقرار الحكومة بأن 57% فقط من السكان كانوا قادرين على تأمين أكثر من وجبة يومية واحدة في هذا البلد ذي الثراء الواسع !! . وتراجع الدخل الحقيقي للفرد بنسبة 55% في فترة 1988 – 1991، وهو ما يساوي مِثْلَي تراجعه في فترة 1980 – 1988 . شهدت التسعينات ذروة التضخم عند 100 ٪ في عام 1996، وارتفاع معدلات الفقر إلى 66 ٪ في عام 1995.

                        في 4 شباط سُحقت محاولة انقلابية جديدة ضد (الإصلاحات الاقتصادية التي سجلت نجاحا في الإقتصاد الكلي Macroeconomy) كما يتشدّق تكنوقراطيو الولايات المتحدة. وقد فعل بيريز الصواب مثله مثل التكنوقراطيين البرازيليين وذلك بـ "تقليص الإنفاق العام، نقل الشركات الحكومية إلى القطاع الخاص، وفتح الإقتصاد الذي كان مُغلقا أمام المنافسة" . كان النمو الاقتصادي بسبب ارتفاع أسعار النفط عام 1991 وليس بسبب إجراءات البنك الدولي . انهار المستوى المعاشي للطبقات الوسطى والدنيا بشكل مأساوي، وارتفعت وفيات الأطفال بشدة في العامين الماضيين . وانتشرت مدن الأكواخ والصفيح . كانت المعجزة التي تتحدّث عنها الولايات المتحدة معجزة اقتصادية سمّاها خبير اقتصادي: "الأصولية النقدية الدولية الجديدة" .

                        المُنقذ المناضل "هوغو شافيز":

                        أخذ نجم المناضل الفنزويلي "هوغو شافيز" بالصعود والشهرة في شباط 1992، عندما كان برتبة مقدم في الجيش الفنزويلي، حيث قاد انقلاباً ضد الرئيس المحبوب من قبل الولايات المتحدة والبنك الدولي "كارلوس اندريس بيريز" الذي أصبح اسمه مرادفا للفساد، وأغضب الشعب باستعداده لبيع وطنه للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والشركات الأجنبية – الأمريكية تحديداً . لم ينجح الإنقلاب، لكنه وضع الأساس لمستقبل عمل شافيز السياسي . بعد اعتقال شافيز، سُمح له بالظهور على شاشة التلفاز لإقناع جنوده بوقف الأعمال العدائية مُعلنا لهم بأنه خسر جولة واحدة فقط . سُجن شافيز لمدة سنتين، وخلالها خُلع الرئيس العميل "بيريز" بسبب الفساد، وبزغ نجم شافيز وفاز في انتخابات عام 1998 بـ 56% من الأصوات .

                        لم يَحنِ شافيز هامته للفساد، بدلا من ذلك كرّم رجالا مقاومين للوحش الأمريكي في أمريكا اللاتينية مثل: آربينز في غواتيمالا، الليندي في تشيلي، توريخوز في بنما، ورولدوس في الإكوادور، وكلهم رؤساء أغتيلوا أو أُسقطوا على يد وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وقال إنه سيسير على خطى هؤلاء .

                        سرعان ما فرض شافيز إجراءات مُلزمة، وتولّى السيطرة على القضاء وغيره من المؤسسات، وحلّ البرلمان الفنزويلي . ندّد شافيز بسياسة الولايات المتحدة "الإمبريالية الفاضحة"، وقدّم نقدا لاذعا للعولمة، وفرض قانونا جديدا للتنقيب عن البترول شبيها، حتى في إسمه، بذلك القانون الذي فرضه الرئيس المقاوم لأمريكا "خايمس رولدوس " في الأكوادور قبيل أن يلقى مصرعه في تحطم طائرته المروحية على يد المخابرات المركزية الأمريكية. ضاعف القانون الجديد من النسبة المطلوب من شركات البرتول الأجنبية دفعها للدولة . ثم التفت شافيز إلى شركة البترول الحكومية المعروفة باسم "بترول فنزوويلا – Petrpleos de Venezuela" وأحكم القبضة عليها بأن أبدل بالذين يديرونها آخرين أكثر ولاء له .

                        الولايات المتحدة تقود إنقلاباً للإطاحة بالرئيس شافيز لأنه استرد ثروات شعبه وناصر الفقراء:

                        استخدمت الولايات المتحدة تكتيكا كان قد اتُبع في إسقاط مصدّق في إيران، وأللندي في تشيلي وفي كولومبيا، حيث دفع العملاء بآلاف الناس إلى شوارع كاراكاس في 11 نيسان 2002، حاصروا القصرالرئاسي، وهناك تقابلوا مع متظاهرين مناصرين لشافيز الذين اتهموا قادة المسيرة بالعمالة للاستخبارات الأمريكية المركزية .

                        رسمت صحيفة "النيويورك تايمز" "الديمقراطيّة" السيناريو في مقالاتها: (امتلأت الشوارع بمئات الآلاف من أفراد الشعب الفنزويلي اليوم لإرغام الرئيس هوغو شافيز على ترك السلطة .

                        يهدّد الإضراب الذي يشارك فيه ثلاثون ألفاً من عمال شركات البترول بإيقاع فوضى مُخرّبة تستمر لأشهر مقبلة في هذه الدولة التي تُعد خامس دولة في العالم إنتاجاً للبترول .

                        تحوّل الإضراب في الأيام الأخيرة الى مازق وورطة، فاستعان السيد شافيز بالعمّال غير المشاركين في الإضراب لإعادة تشغيل شركة البترول الحكومية . أمّا خصومه الذين يتزعمهم رجال الأعمال وبعض قادة العمال فيزعمون أن بوسعهم إجبار شركة البترول، ومن ثم الرئيس شافيز، على السقوط
                        ) .

                        فجأة وبشكل متوقع – أعلن ضبّاط في القوات المسلحة من الذين درّبتهم الولايات المتحدة في مدرسة الأمريكيتين في بنما ثم في فلوريدا (أخطر مدرسة للإرهاب عالمياً ستكون لنا معها وقفة مستقلة)، بأن شافيز قد استقال كرئيس دولة وهو قيد الإعتقال في إحدى القواعد العسكرية .

                        احتفلت واشنطن، وأعلن الرئيس بوش الثاني الكحولي فرحه، واعترف البيت الأبيض بدوره في الإنقلاب ونشرت الإعتراف صحيفة "لوس أنجلز تايمز" .

                        قال أحد عملاء المخابرات الامريكية السابقين أن شركة أمنية خاصة (لاحظ خطورة الشركات الأمنية الخاصة) طلبت منه عمل ترتيبات لإثارة الاضطرابات في العاصمة الفنزويلية كراكاس وتقديم رشى لضباط الجيش، الذين تلقّى كثير منهم تدريبهم في مدرسة الأمريكيتين الشهيرة التي تُدرّب ضباطا من أمريكا اللاتينية ليكونوا إرهابيين في الأمن الداخلي وليس للدفاع الخارجي عن الوطن، لعمل انقلاب ضد رئيسهم المُنتخب . كانت إدارة بوش تعمل ما بوسعها لتطيح بشافيز . وقد أطاحوا بشافيز .

                        لم تتردّد النيويورك تايمز بالوقاحة الأمريكية المعتادة كما يصفها الفيلسوف الراحل "روجيه غارودي" في فضح حتى أسماء المخطّطين للإغتيال بفخر:

                        (كان السيّد أوتو ريتش من أولئك الذين طالهم الإتهام، وهو عسكري متقاعد وله خبرة بصراعات كثيرة في أمريكا اللاتينية، لكن الاتهامات لم تثبت على السيّد ريتش وأصبح فيما بعد سفيراً للولايات المتحدة في فنزويلا، ويعمل الآن مساعدا لوزير الخارجية لعلاقات دول الأمريكيتين، وقد عُيّن بقرار رئاسي . ولم تكن الإطاحة بشافيز سوى واحدة من بنات أفكاره).

                        احتفل السيد ريتش ومن معه من إدارة بوش مع الرئيس بوش الثاني الذي أعلن فرحه بالإطاحة بشافيز. لكن انفضّت الحفلة فجأة، وحصل تحوّل مثير في الأحداث حيث تمكن شافيز من العودة إلى السلطة من جديد والإمساك بمقاليد الحكم في أقل من 72 ساعة . فقد دعا الرئيس شافيز الجنود الموالين له والجماهير الفقيرة التي انتصر لها، إلى مسيرات ضخمة، تدفقت الحشود الغفيرة إلى الشوارع، وفي 13 نيسان استعاد شافيز القيادة وتابع الرئاسة .

                        وبلا تردّد أعلنت النيويورك تايمز:

                        (أقر المسؤولون في إدارة بوش اليوم الثلاثاء أنهم على مدى شهور بحثوا مع القادة العسكريين والمدنيين الفنزويليين مسألة إزاحة الرئيس هوغو شافيز عن السلطة، والآن تتخذ الإدارة الأمريكية التدابير الدقيقة للتعامل مع تداعيات الإنقلاب الفاشل) .

                        الإجراءات السريعة لشافيز:

                        بعدما انقشع غبار تلك العاصفة العابرة، أحكم شافيز قبضة الحكومة على موظفي شركة البترول، طهّر الجيش من ثلة الضباط الذين رضوا بخيانته، وطالب بعشرين عاماً سجنا لاثنين من زعماء المعارضة الذين تعاونوا مع واشنطن وتواطؤوا مع الثعالب الأمريكية لتدبير الإضراب الذي شمل كل أنحاء البلاد .

                        من هو الديمقراطي: شافيز أم بوش ؟:

                        لنقرأ ما كتبه المؤرّخ "نعوم تشومسكي" عن هذين الضابطين اللذين طالب الرئيس "هوغو شافيز" بسجنهما:

                        (الحكومة الفنزويلية تسعى لاسترداد ضابطين عسكريين اتُّهما بالاشتراك في هجمات بالقنابل في كراكاس: فهربا من البلد، وتقدّما بالتماس للحصول على لجوء سياسي في الولايات المتحدة . واشترك هذان الضابطان في انقلاب عسكري نجح في إقصاء شافيز عن الحكم بضعة أيام في سنة 2002 . وقد دعمت الحكومة الأمريكية الإنقلاب بصورة علنية، بل أنها شاركت في التحريض عليه بحسب الصحافة البريطانية . لو استولى بعض الضباط العسكريين على البيت الأبيض وأداروا الحكومة لكانوا أُعدِموا، لكن المحاكم الفنزويلية الرجعية جدا، والتي ما تزال مرتبطة بالنظام السابق، رفضت مساعي الحكومة لمحاكمة الضباط . ونزل نظام شافيز "الشمولي" عند حكم المحكمة ولم يحاكمهم، لذا أطلق سراحهم، وها هم يطلبون الآن اللجوء في الولايات المتحدة، ويحصلون عليه) .

                        تعليق


                        • #13
                          لماذا لم تغزو الولايات المتحدة فنزويلا فوراً ؟

                          العراق يُنقذ فنزويلا !:

                          يقول العميل الإقتصادي ألأمريكي "التائب" "جون بيكنس" في كتابه "اعترافات رجل اقتصاد ماجور":

                          (نجى شافيز وأفلتت فنزويلا لبعض الوقت من كارثة مُحققة، وهي كارثة القصف والغزو الأمريكي، والفضل يعود للعراق . فلم تستطع إدارة بوش الحرب على ثلاث جبهات في آن واحد، في أفغانستان والعراق وفنزويلا . ففي تلك اللحظة، لم يكن لديها القوة العسكرية أو الدعم السياسي الذي يمكنها من تدبير أمورها على الجبهات الثلاث) .

                          يبدو أن العراق حتى في خرابه ينقذ الآخرين .. مسيح العصر .

                          ويقول في موضع آخر من كتابه:

                          (لسخرية القدر قدّم غزو العراق في عام 2003 هبةً إلى شافيز . كانت خيارات بوش بالتدخل العسكري محدودة نتيجة الحرب على العراق وافغانستان، وانهيار عملية السلام بين الفلسطينيين والصهاينة، وتعاظم انهيار شعبية العائلة المالكة في السعودية، والمشاكل السياسية في الكويت، والدور الإيراني . كما أعطى أيضا الإنتصار الساحق الذي حققه "لولا دا سيلفا" في البرازيل عام 2002 زخماً جديداً للحركات الوطنية .

                          كان انتصار لولا وشافيز، وتحالفهما، موجة رهيبة اكتسحت المنطقة ووصلت إلى أبعد القرى في جبال الأنديز، تشجّعت أمريكا اللاتينية ورأت شعوبها ولأول مرة في التاريخ الحديث أن الفرصة سانحة ليخرجوا من تحت نير هيمنة هذا الوحش المسمى الولايات المتحدة والتي امتدت لأكثر من مئة عام
                          ) .

                          شافيز يواصل مسيرة الإصلاح لصالح الفقراء:

                          استطاع شافيز أن يحقق نقله اجتماعية ضخمة من خلال التركيز على رفع مستوى المعيشة للمواطنين من خلال تأميم النفط وإعادة توزيع عائداته على المواطنين، ورفع شعار القضاء على بيوت الصفيح، التي كانت منتشرة في فنزويلا بسبب الحالة الاقتصادية المتردية، وتبنى مشروع إنشاء 200 ألف مسكن اقتصادي توزع مجانا على المحتاجين.

                          تمتلك فنزويلا أعلى نصيب للفرد من الناتج القومي الإجمالي في أمريكا اللاتينية، ويرى أغلب الشعب أن هذا التناقض بين ما تملكه فنزويلا من ثروة وما يعيشه الشعب من فقر هو نتيجة للطبقة السياسية الفاسدة وتابعيها من رجال الأعمال الذين سرقوا ثروات الدولة، والذين وصفهم شافيز ذات مرة بأنهم يقيمون في شاليهات فخمة حيث ينظمون حفلات دعارة ويشربون الويسكى، لكن معالجة هذا الوضع الشاذ لم يمض سهلا بل كان طريقه ممهدا بالتضحيات والدماء. عندما وصل هوجو شافيز إلى رئاسة الجمهورية في 1998، تسلم مقاليد بلد ودولة ناقصي التسيس بشكل عميق، ومصابين بالفساد المالي والإداري على نحو خطير.

                          جرى انتخاب شافيز على قاعدة رفض هذا النظام القديم اكثر مما انتخب بناء على مشروع سياسي صلب تحمله قوى اجتماعية منظمة قد تكون سندا له على رغم وجود جماهير عريضة مناصرة له. وظهر منذ الوهلة الأولى، أنه ليس في فنزويلا ثورة اشتراكية يقودها هوجو شافيز، ولكن كان هناك تغييرا جذريا للعقلية السياسية وتنظيمها والوعي الجماهيري، وأن السلطة للشعب، وأن الثورة مستمرة.

                          وعقب عودته للحكم وجه شافيز نداء إلى الشعب دعاه فيه إلى الوحدة، واعلن بدء حوار وطنى بين الكنيسة والمسئولين والنقابات والاحزاب السياسية ومدارء وسائل الاعلام الخاصة، واكد في الوقت نفسه انه لن يكون هناك أي نوع من الانتقام أو المطاردة للاشرار. كما جرت في عهد شافيز خمسة انتخابات واستفتاءات حاسمه بحضور مراقبين دوليين من الاتحاد الاوربى، ومؤسسة كارتر الاميريكية .

                          شافيز: سيّدي الرئيس جورج بوش: "أنتَ حمار" !:

                          أعلن شافيز عن مناهضة العولمة، وضرورة وجود عدة محاور وأقطاب في العالم، في خطاب سياسى معاد لأمريكا. كما قام باصلاحات اقتصاديه هامة من أبرزها توزيع الأراضي على الفقراء بعد أن كانت في أيدى زمرة قليلة من المواطنين. وفي خطاب علني وصف الرئيس بوش الإبن الكحولي المتأتىء بـ "الحمار" .

                          لقطة لا تُنسى من "مارادونا":

                          في الفيلم الذي أخرجه المخرج المعروف "أمير كوستاريكا" عن اللاعب الأسطورة مارادونا هناك مشهد يستقبل فيه شافيز مارادونا في تجمّع جماهيري ضمّ عشرات الألوف من الفنزويليين، وبعد خطاب رائع لشافيز ضد بوش والإمبريالية الأمريكية، أعطى فرصة الكلام لمارادونا الذي جاء إلى المنصة ولم يقل سوى جملة واحدة صرخ بها وأشعل الجمهور وهي:

                          (يسقط بوش) .

                          هذا يبيّن لك مقدار كره شعوب أمريكا اللاتينية للولايات المتحدة .

                          رئيس وزراء إسبانيا "اثنار" جاسوس، ويحاول اقناع شافيز بخيانة شعبه:

                          "يتوجّب عليك نسيان موضوع الدول الفقيرة في العالم، يتوجّب عليك نسيان الدول الأفريقيه الفقيرة التى فوّتت قطار التاريخ والمحكوم عليها بالزوال، يتوجّب عليك ركوب قطار المستقبل، والابتعاد عن الرئيس الكوبي فيدل كاسترو" .

                          تلك "النصائح" التي وجهها رئيس وزراء إسبانيا السابق "خوسيه ماريا اثنار" – المتحمّس لغزو العراق وتدميره إلى الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز . لقد وصف شافيز صاحب هذه التصريحات بالمعتوه والفاشي والنازي (بتاريخ 19/5/2005) .

                          والتساؤلات التي تثور هي:

                          هل كانت كلماته في أذني الرئيس الفنزويلي تعكس نوايا وسياسات حكومته فقط؟ ولماذا توجّه بنصائحه الفظيعة هذه إلى رئيس يساري، وهي من النوع الذي لا يُقال في صفوف اليمين بالذات إلّا همساً، بل بمجرد الإشارات والغمزات ؟

                          يبدو إن أقوال الرئيس الإسباني السابق تدل على فقدانه الحذر في لحظة لاندري ما طبيعتها ! ولعلّه لم يقم وزنا لما قد يترتب على حديث ثنائي غير رسمي على الأغلب، وبالتالي فهو لا يشكل وثيقة دامغة، بل يمكن التنصّل منه أو انكاره بكل بساطه كما يفعل الجواسيس المُدرّبون.

                          أمّا لماذا هذه المخاطرة مع شافيز اليساري فإنّ السبب يعود بلا ريب إلى النفط الفنزويلي ! لقد أراد اثنار إغراء شافيز بالخيانة كونه مؤتمناً على ثروة شعبه النفطية الهائلة، أي أن يخون شعبه والشعوب الأخرى، ويلتحق بنادي الأغنياء العالمي، وبقطار الشركات الألف المتعددة الجنسية التي تقف خلف الحكومات والسياسة الدولية . ان نصائح اثنار لا تعكس قناعته وحده، بل قناعات النظام الربوى العالمى، وهو كان يرجو، ولابُدّ، في حال نجاحه في اقناع شافيز بالخيانة، تحقيق مكاسب خاصة لشخصه ولبلده غير ان اثنار نصح شافيز بالابتعاد تحديدا عن الرئيس الكوبي، فلماذا هذا الالحاح على مقاطعة الجزيرة الصغيرة وشعبها الصغير، الصامد بإباء تحت حصار اميركي مُحكم لا يطاق منذ أكثر من اربعين عاما ؟ وأيّ خطر تشكله كوبا على النظام الربوى العالمى، بامكاناتها البشرية والاقتصادية والعسكرية المتواضعه ؟ الواقع هو ان كوبا تنهض منذ عقود طويله بقواها الذاتية كتجسيد لارادة الحياة الأممية والكبرياء الأممي . انها تعبّر عن أمل لم يمتْ، وثقة لم تتزعزع، بمستقبل كريم للبشرية جمعاء. انها الدولة الصغيرة المحكومة بالاعدام، والمستعصيه على محاولات تنفيذ حكم الكاوبوى! ان صمودها هو العزاء لما اصاب بعض الدول الافريقية المدمرة التي أشار إليها اثنار، وهو ما يبقى الباب مفتوحا أمام الأمل البشري بالخلاص .

                          كوبا وفنزويلا: قاعدة التفّاحة الفاسدة ولعبة الدومينو:

                          للولايات المتحدة قاعدة من شقين تتعامل وفقها مع أي دولة تخرج عن إرادتها وتحاول تحرير ثرواتها وخدمة فقراء شعبها مثل كوبا وفنزويلا على سبيل المثال:

                          الأول عدم السماح لأي دولة بالتحرّر من قبضتها الوحشية لأنها ستكون وفق تعبير المسؤولين الأمريكيين "تفّاحة فاسدة" ستتسبّب في إفساد باقي التفّاحات في السلّة .

                          والثاني هو الردع السريع لأنّ هذه التفّاحة الفاسدة قد تكون حجر الدومينو الذي يسقط ويسبب سقوط باقي الأحجار بالتتالي حسب اللعبة المعروفة .

                          وتعلن الولايات المتحدة دائماً أنّها تتعمّد اختيار بلدٍ ضعيف وتدميره تماماً بكل وحشيّة كما سنرى مستقبلاً .

                          ما الذي قدّمه شافيز لشعوب أمريكا اللاتينية:

                          بعد تأميم الرئيس البوليفي الغاز والبترول في عيد العمال أول أيار سنة 2006، تعرضت لهجمة إعلامية من أجهزة الإعلام الاميركية، وعلى رأسها صحيفة (وول ستريت جورنال) التي تعكس آراء الاحتكارات البتروليه. قدمت فنزويلا المساعدات الآتية لدعم الرئيس الجديد:

                          • استثمارات في مشروعات بترولية حوإلى 1.5 مليار دولار

                          • 200 الف برميل من البنزين والمنتجات البترولية شهريا باسعار مخفضة لبوليفيا ويتم سداد ثمنها بمنتجات زراعية بوليفية، وعلى رأسها فول الصويا.

                          • 500 منحة دراسية لطلبة بوليفيا للدراسة في فنزويلا.

                          • 140 مليون دولار كقرض لمساعدة الرئيس "ايفو موراليس" لتنفيذ وعده بتوزيع أراضي الدولة واستصلاح الأراضي القاحلة وإعادة تشجير الغابات ضمن مشرع للاصلاح الزراعى وتوزيع الأراضي على فقراء المزارعين .

                          • تقديم الخبراء في حقول صناعة الصلب والصناعات البترولية .

                          وهو مافعله شافيز بالنسبه للإكوادور أيضاً التي الغت اتفاقها في مايو 2006 مع شركة ويسترن اويل الاميركية، بما يشبه التأميم، واوقفت اميركا اتفاقية التجارة الحرة مع إكوادور واعلن وزير الاقتصاد الاكوادورى الذي سافر لكراكاس لطلب المساعدات انه يتوقع مقاطعة اميركا لبلاده، وان زيارته جاءت لتاكيد مساعدة فنزويلا لهم في الأزمة، وللوقاية من تعسف اميركا بعد الغائها اتفاقية التجارة الحرة والتسهيلات التي كانت تُقدم للإكوادور .

                          بالنسبة للأرجنتين ساعد شافيز الرئيس الأرجنتيني "كيرشنر" على شراء مديونية بلاده لصندوق النقد الدولي والتي بلغت أكثر من 10 مليارات دولار، وباع النفط بسعر الحسم لمن لا يقدرون على شرائه بالأسعار الجارية . خصّص جزءا من عائدات النفط كي تستطيع كوبا إرسال أطباء إلى المناطق الفقيرة في القارة . كما قدم شافيز مساعدات وبترولا رخيصا لتشيلى بعد انتخاب "ميشيل بكلت" اليسارية رئيسة جمهورية شيلى في يناير 2006، وهي أول سيّدة تصل لرئاسة شيلى، وكانت إحدى ضحايا بينوشيه ديكتاتور تشيلى السابق، وتدفقت مساعدات شافيز على جواتيمالا أيضاً وغيرها من الدول اللاتينية.

                          محنة الوحش الأمريكي تتسع:

                          الفوز الذي حققه ايفو موراليس ونائبه الفا روليفيرا في الانتخابات البوليفية، حمل كابوسا آخر للولايات المتحدة، يُضاف إلى كوابيسها السابقة في كوبا وفنزويلا والبرازيل وكوابيسها اللاحقة في نيكاراجوا والإكوادور. ويبدو ان وصول موراليس صديق كاسترو وشافيز ولولا، إضافة إلى رموز اليسار في أميركا الجنوبية، إلى السلطة، سرّعت مسيرة المنطقة إلى اشتراكية وطنية ترتكز إلى تراث أبنائها وتاريخهم وثرواتهم، وحققت أجمل انتصاراتها في الانتخابات الرئاسيه في جمهورية تشيلى، وفوز الطبيبة اليساريه "ميشال باشويه" بالرئاسة كما قلنا .

                          إنّ مايمكن قراءته من خلال هذه الانتصارات الثورية المتلاحقة في أمريكا اللاتينية، هو ان معظم دول هذه المنطقة، حقّقت خلاصها من الهيمنة والسيطرة الأميريكية، بل باتت تشكل طوقاً ضد كل ماهو أمريكي، وبالتإلى فانّ هذا التوجه اليسارى للمنطقة، ذات الموارد الطبيعية والبشرية الضخمة، بات يقلق واشنطن كثيرا فهي تخشى على مصالحها الاقتصادية والسياسية، وعلى نفوذها في المنطقة من خلال قيام تحالفات يساريه قوية تجمع البرازيل، الأرجنتين، كوبا، فنزويلا وصولا إلى تشيلي وبوليفيا ونيكارجوا والإكوادور، ما يفقد الولايات المتحدة موقعها وتاثيرها الكبيرين اللذين توفرا لها منذ عقود طويلة.

                          شيء مختلف رهيب حصل في العقد الأول من الألفية الجديدة . لم يحصل مثل ظاهرة دعم أفقر الفقراء من سكان المدن والريف .. لم يحصل أن تحمل بلدان مُستعمرة مثل هذه الرسالة القوية إلى مستعمرها الأمريكي لا في العالم الغربي ولا آسيا ولا أفريقيا . لقد صارت مثلاً وقدوة، وألهمت البشر في جميع أصقاع الأرض .. والظاهرة الأغرب هي أن الرؤساء وافقوا على أن يدافعوا عن بعضهم البعض من خلال تعاون جماعي . بلاد مثل البرازيل والأرجنتين وتشيلي والبيرو وفنزويلا بدأو جهودا حثيثة لتغيير أهداف جيوشهم من حماية الشركات المتعددة الجنسيات إلى الدفاع عن بلدانهم ضد التدخل الأجنبي . مقابل ذلك وضعت الولايات المتحدة مشروعا لجيش أمريكا اللاتينية الموحّد ومركز قيادته البنتاغون .

                          أدارت شركة صينية وبفعالية مرافىء "أنكور" على طرفي قناة بنما، أطلقت الصين والبرازيل قمرا صناعيا للكشف عن الموارد الأرضية . لأنهم ينظرون للصين كقوة ردع وتوازن وهذا أغاض الوحش أكثر.

                          كل هذه التغيرات عمّقت جراح الوحش الذي لا يرحم والمكبّل في العراق .

                          ماذا بعد وفاة المناضل شافيز:

                          بعد وفاة هذا الرئيس البطل في 5 مارس 2013 بعد معركة ما يقرب من عامين مع مرض السرطان . خلفه نائبه "نيكولاس مادورو" وهو رئيس فنزويلا منذ 14 أبريل 2013، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الثانية بعد وفاة شافيز، مع 50,61 ٪ من الأصوات.

                          ومنذ اليوم الأول لرئاسته واصلت الولايات المتحدة استفزازتها وتآمرها الوقح لأنه سار على منهج شافيز نفسه، لتعلن أخيراً أن فنزويلا تمثل تهديداً للأمن القومي معتمدة على تناقص اعتمادها على البترول الفنزويلي بسبب مخزوناتها المتصاعدة ومؤامرة خفض أسعار البترول، ولعبها بورقة حقوق الإنسان هي التي تكره الإنسان وتحتقر حقوقه كما سنرى في حلقة مستقلة . هذه المرّة بدأ الوحش الأمريكي بورقة حقوق الإنسان والحرب على الإرهاب، فلنر شيئاً من "ديمقراطية" الولايات المتحدة و "حرصها" على حقوق الإنسان .

                          من هو الإرهابي: الولايات المتحدة أم فنزويلا ؟ مثال عملي:

                          في عام 2006 سعتْ فنزويلا إلى استرداد واحد من أسوأ إرهابيي أميركا اللاتينية سُمعة، وهو "لويس بوسادا كاريلّس" لمواجهة تهم بتفجير طائرة ركاب تابعة لشركة "كوبانا" وقتل سبعة وثلاثين شخصا كانوا على متنها . كانت التهم موثوقة، لكن كان ثمة صعوبة حقيقية . إذ بعد فرار بوسادا من سجنه في فنزويلا، استأجره عملاء سرّيون أمريكيون لإدارة عمليات إمداد منظمة الكونترا النيكاراغوية بالسلاح والذخيرة من السلفادور أي ليلعب دوراً بارزاً في حرب واشنطن الإرهابية على نيكاراغوا . ومن هنا كانت المعضلة: فاسترداده لمحاكمته من شأنه أن يُرسل إشارة مقلقة إلى العملاء الأجانب السريّين من أنهم لا يستطيعون الإتكال على حماية غير مشروطة من جانب الحكومة الأمريكية، وقد يعرّض وكالة الاستخبارات الأميركية (السي آي إيه) لاعترافات علنية مُحرجة لها من أحد عملائها السابقين . الصحافة الأمريكية "الحرة" قالت إنها مشكلة طفيفة .

                          وفي الوقت الذي كانت فيه فنزويلا تلح في طلبها لاسترداد الإرهابي كاريلّس أقرّت الأغلبيتان الساحقتان في مجلسي الشيوخ والنواب مشروع قانون يحظر على الولايات المتحدة مساعدة البلدان التي ترفض طلبات الاسترداد والمقصود بها الطلبات الأمريكية طبعا . لطالما مرّ رفض واشنطن المعتاد الاستجابة لمناشدة البلدان الأخرى استرداد إرهابيين بارزين منها مرور الكرام، وإن بدرت هنا بعض الأصوات المعبرة عن القلق من إمكانية أن يمنع مشروع القانون هذا المساعدة عن الكيان الصهيوني من الوجهة النظرية لرفضه تسليم رجل اتُهم بجريمة قتل وحشية حصلت عام 1997 في ماريلاند وفر إلى الكيان الصهيوني وطالب بالحصول على الجنسية "الإسرائيلية" من خلال أبيه .

                          وقد حُلّت معضلة بوسادا، مؤقتا ولله الحمد، بفضل المحاكم التي رفضت طلب فنزويلا، خلافاً لما تنص عليه معاهدة تسليم المتهمين الموقعة بين البلدين . وبعد ذلك بيوم واحد، حث روبرت مولر، رئيس مكتب التحقيقات الفدرالي أوروبا على الإسراع بتلبية طلبات الولايات المتحدة بإرسال بعض المتهمين قائلا: "إنا نتطلع دائما إلى ما ينبغي عمله حتى يمكننا جعل عملية الاسترداد تسير بوتيرة اسرع . أظن أننا مدينون لضحايا الإرهاب بأن نسهر على تحقيق العدالة بنجاعة وبفعالية) .

                          هل هناك وقاحة وسفالة أكثر من هذه ؟

                          وفي القمة الإيبيرية – الأمريكية التي عُقدت بعد ذلك بفترة وجيزة، أعرب قادة إسبانيا ودول أمريكا اللاتينية "عن دعمهم لجهود فنزويلا الرامية إلى تسلم (بوسادا) من الولايات المتحدة كي يُقدّم إلى المحكمة " لتفجيره طائرة خطوط "كوبانا" الجوّية، إلّا أنهم سرعان ما تراجعوا عن ذلك بعدما احتجّت السفارة الأمريكية على هذا الموقف . إن واشنطن لا ترفض فقط، أو تكتفي بتجاهل طلبات استرداد الإرهابيين، بل إنها تستخدم كذلك أداة العفو الرئاسي عن جرائم مقبولة لديها . فبوش الأول منح عفوا رئاسياً لـ "أورلاندو بوسك"، الإرهابي الدولي السيء السمعة وشريك "بوسادا"، برغم اعتراضات وزارة العدل التي ألحّت على ترحيله عن البلاد لكونه يشكّل تهديدا للأمن القومي . والإرهابي "بوسك" يقيم الآن آمناً مطمئناً في الولايات المتحدة، وربّما لينضم إليه بوسادا لاحقا، وسط محافل ما فتئت تُستخدم قاعدة للإرهاب الدولي .

                          وبعد ..:

                          أعتقد أن جراح الوحش الأمريكي في فنزويلا خصوصاً وأمريكا الجنوبية عموما، بليغة جداً . ولم يعتد هذا الوحش على لعق جراحه بل على الهجوم والتدمير المسعور لذا أتوقّع أن هجمة الولايات المتحدة على فنزويلا ستكون جامحة عاتية لتحطيم هذا البلد وجعله "عبرة" لدول أمريكا الجنوبية الأخرى التي تبعته وتعاونت معه .

                          يعتقد البعض أن الرأي العام العالمي الذي يرفض العدوان على فنزويلا سيردع الوحش الأمريكي، فنقول:

                          الرأي العام العالمي لن يردع الوحش الأمريكي:

                          قبل هجوم الولايات المتحدة على العراق، كانت مسوحات الرأي العام تشير إلى أن 10% فقط يؤيّدون هجوم الولايات المتحدة على العراق، ومع ذلك هجمت الولايات المتحدة عليه واحتلته ودمّرته . صارت القوّتان العظمييان على الكرة الأرضية الآن هما: الولايات المتحدة والرأي العام العالمي، والمقصود بالولايات المتحدة هنا سلطة الدولة والمال، وليس رأي العامة أو رأي النخبة . أظهرت الإستقصاءات في بداية 2003 أن العالم كله يخاف من الولايات المتحدة ويكرهها . لكن مسؤولي الإدارة الأمريكية – بفعل سيكولوجحية الكاوبوي "البلطجي" لا يهمهم أن يكونوا محبوين .. بل مرهوبين .

                          تعليق


                          • #14
                            لا تثقوا بالولايات المتحدة (11):


                            مأساة بنما: تغتال الرئيس الشريف وتعتبر الرئيس المحتال "نوريغا" ديمقراطياً!



                            كيف تتحكم شركة "بكتل" في السياسة الأمريكية؟

                            نبذة عن جمهورية بنما:
                            تقع جمهورية بنما في أميركا الوسطى، وهي حلقة الوصل بين أميركا الوسطى وأميركا الجنوبية. عاصمتها بنما سيتي. يحدها «البحر الكاريبي» شمالاً، و«كوستاريكا» غرباً، و«المحيط الهادىء» جنوباً، و«كولومبيا» شرقاً. مساحتها: 75,517 كلم2. عدد سكانها: 2,735,943. أصبحت باناما، بين 1739م و1819م جزءاً من مستعمرة غرينادا الجديدة الإسبانية، وعندما نالت المستعمرات الإسبانية في أمريكا اللاتينية إستقلالها، نالت باناما استقلالها في 28 تشرين الثاني عام 1821م وانضمت إلى كولومبيا.

                            كيف استولت الولايات المتحدة على بنما:
                            كانت بنما جزءاً من كولومبيا عندما قرر المهندس الفرنسي "فرديناند دي لسبس" الذي اشرف على حفر قناة السويس حفر قناة عبر برزخ امريكا الوسطى ليربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادي . من 1881 إلى 1889 قام الفرنسيون بجهد خارق تعرّضوا خلاله لكوارث كثيرة، طبيعية (انتشار الأوبئة والأمراض) وهندسيّة (خطأ في الحسابات)، ومالية، ولكنهم لم يستطيعوا أكمال العمل حتى النهاية، فقاموا بـ "بيع !!" حقوق ملكية القناة إلى الولايات المتحدة التي كانت أعينها تترقب الحدث بحذر شديد وتنتظر اللحظات المناسبة لاقتناص الفرصة، فاشترت حقوق الملكية من الشركة الفرنسية، وبدأت بالتخطيط لانفصال بنما عن دولة كولومبيا التي عرضت عليها في أثناء الأعوام الأولى من القرن العشرين التوقيع على معاهدة تحويل البرزخ لاشراف اتحاد شركات "أمريكا الشمالية"، لكن كولومبيا رفضت. وقد تحقّق للولايات المتحدة المراد عبر مؤامرة حرّضت فيها العديد من السياسيين البنميين وإغرتهم بالأموال والمناصب في الدولة الجديدة، التي ظهرت معالمها في الخامس من نوفمبر 1903.
                            كانت الولايات المتحدة قد دفعت لرجالها المنشقين 100 ألف دولار للشخص الواحد وعمدت إلى تزويدهم بوثيقة جاهزة للاستقلال وعَلَما مشابها للعلم الأمريكي، ودفعت بقواتها العسكرية لحماية الدولة الجديدة، ومنعت تقدّم الجيش الكولومبي، الذي لم يكن يرغب في الانفصال، قبل أن تضغط بثقلها حتى جاء اعتراف الدول العظمى (الولايات المتحدة، فرنسا وبريطانيا) بالدولة الجديدة بنما، التي سارعت الولايات المتحدة إلى توقيع اتفاقية معها لاستغلال القناة ومنحها السيطرة المطلقة عليها وعلى الأراضي المحيطة بها لمدة 100 عام المقبلة،
                            في عام 1903 أرسل روزفلت أسطوله البحري حيث هبط الجنود، وقتلوا الميليشيا المحلية، وأعلنوا بنما دولة مستقلة، ونصّبوا حكومة عميلة من الأقلية البيضاء، وتم التوقيع على معاهدة القناة الأولى التي منحت الولايات المتحدة الشرعية للتواجد العسكري على جانبي القناة، وحق التدخل العسكري، والسيطرة على تلك الدولة الحديثة التي يُزعم أنها مستقلة .

                            احتقار الشعب البنمي:
                            والمفارقة أنّ من وقّع على تلك الاتفاقية هما وزير الخارجية الأمريكي والمهندس الفرنسي "فيليب بونو فاريللا" الذي كان عضو فريق العمل الذي شقّ القناة، ولم يوقّعها بنمي واحد، فتصوّر الإستخفاف بإرادة الشعوب واحتقار الشعب البنمي .

                            خمسين عاماً من البؤس في ظل السيطرة الأمريكية:
                            ظلّت بنما لأكثر من نصف قرن تحكمها حكومة أقلية ثريّة تخدم واشنطن، وتساعد شركة بترول استاندرد أويل للبترول التي يملكها روكفلر آنذاك، وشركة الفواكه المتحدة (يونايتد فروت) (التي باعها جورج بوش الأب) والتي تحكمت بحكومات أمريكا اللاتينية طوال القرن العشرين . كان الشعب في فقر ويعمل أغلب أفراده أمّا كعبيد أو كبغايا . وبين اعلان الاستقلال كدولة مستقلة وعام 1968 تدخلت القوات الامريكية عشرات المرّات في الشؤون الداخلية البنميّة .
                            كان وضع الشعب البنمي يتدهور بصورة مستمرة مع نمو ثروات الشركات الأمريكية خصوصا شركة "بكتل" مالكة القناة . كانت نسبة البطالة بين الشعب 30%، ودَخْل المواطن في مركز العاصمة أقل من ألف دولار سنوياً !!، فكيف الحال بالمواطنين الذين يعيشون في أطرافها ؟!
                            كان الأمريكان يملكون كل شيء في بنما حتى محلات الحلاقة والمطاعم وصالونات التجميل .. ولهذا كان البنميون يسمّونهم "دولة داخل دولة" .

                            الشعب يتحرّك:
                            بدأ التواجد الأمريكي الكثيف في بنما وتحكمها المطلق في كل شيء نتيجة قوانينها العنصرية ضد الشعب يثير حنق الشعب البنمي، الذي بدأ حالة من العصيان في التاسع من يناير 1964، تلتْها مظاهرات واحتجاجات بدأها الطلبة البنميون ضد التواجد العسكري الأمريكي، وتم بموجبها اختراق السياج الأمني المضروب حول منطقة القناة والأراضي المحيطة بها، وتسارعت وتيرة المواجهات حتى سقط قرابة (20) شهيدا ومئات الجرحى، وأخذت البلاد تمور بالغضب والثورة حتى وقع الانقلاب العسكري على التواجد الأمريكي عام 1969، حيث أطاح برئيس العائلات العميلة، وهو الأخير في سلسلة متعاقبة من الدكتاتوريين، وتولّى الجنرال "عمر توريخوس" السلطة في بنما على الرغم من أنّه لم يشارك في الإنقلاب بنفسه بصورة مباشرة .

                            نهج عمر توريخوس الوطني يغيض الولايات المتحدة:
                            كان عمر توريخوس إنساناً بسيطاً مُحباً للفقراء من ابناء شعبه، فقد نشأ في بيئة ريفية . كان يتجوّل ماشياً في الأحياء الفقيرة، ويتبرع بأموال قليلة مما يملكه للعائلات المنكوبة بالأمراض والمآسي .
                            لم يسمّ توريخوس رسميا برئيس الجمهورية، لكنه بدلا من ذلك أطلق على نفسه ألقابا منها "القائد الأعلى لثورة بنما" و"الرئيس الأعلى للحكومة".
                            وحين تسلم الحكم بدأ بحركة للاصلاح الاجتماعي والإقتصادي حققت نتائج باهرة . جعل بنما ملاذاً لكل المطاردين حتى من كانوا ضد حلفائه مثل كوبا . تدخّل كثيرا للاصلاح بين دول امريكا اللاتينية لإنهاء خلافاتها . لم يستسلم لاغراءات موسكو وبكين للدخول في تحالفات معهما . كان منهجه الأساسي كما أعلنه هو التحرّر من الولايات المتحدة دون التحالف مع أعدائها . توريخوس وقف ضد الولايات المتحدة، لكن ولأول مرة في أمريكا اللاتينية لم يكن شيوعياً .
                            قبل توريخوس سيطرت الصفوة الأوروبية على مقادير بنما، على الرغم من أنها أقل من 10% من السكان . لكن ذلك تغيّر في عهده حيث سمح للسود والمستيزو (الأجناس المخلّطة) والفقراء بالإشتراك ولو بنصيب متواضع في حكمه .

                            خبراء البنك الدولي يفشلون .. خبراء الإغتيال يتحضّرون:
                            بدأ "خبراء البنك الدولي / التكنوقراط" بالمجىء إلى بنما يعرضون على توريخوس قروضاً بالمليارات "من أجل تطوير بنما " و"تحقيق معجزة اقتصادية فيها"، ولكن توريخوس كان يدرك أن هذه خديعة لتكبيل بنما بالديون، وتسليم عنقها ومستقبلها للولايات المتحدة . أي الآن خطوة التآمر الأولى في المخطط الثلاثي (راجع الحلقة السابقة العاشرة) فشلت . يأتي الآن دور ثعالب وكالة المخابرات الأمريكية كما يسمّونهم عادة . ليدبّروا عمليّة اغتياله .
                            ورغم أن توريخوس كان يوصف بأنه "دكتاتور يساري !"، إلّا أنه لم يكن بهذا المعني الصريح، فهو لم يعلن نفسه زعيما أو امتدادا لخطوات مثل خطوات جيفارا أو كاسترو أو سالفادور الليندي , وهم نماذج يسارية في أمريكا اللاتينية وقفت ضد هيمنة الولايات المتحدة، بل كان هدفه هو استقلال بلاده من الهيمنة الأمريكية وفرض سيطرة الدولة كاملة على قناة بنما دون إثارة نعرات أو شعارات معادية للولايات المتحدة، وكان يرى أيضاً انه من الأفضل التعامل مع الولايات المتحدة والاستفادة منها دون معاداتها خاصة وأنّه يهمه مصلحة شعب بلاده الفقيرة والتي يجب أن تستفيد من عائدات قناتها، ولذلك لقي دعم الولايات المتحدة في البداية لكونه معارضا للشيوعية. ولهذا أيضاً وقّعت معه المعاهدة التي أعطت بنما السيادة الكاملة على قناة بنما عام 1979. وجاءت المعاهدة في إطار مجاراة الولايات المتحدة لأهداف توريخوس، وسعيها في نفس الوقت إلى إعادة سيطرتها علي قناة بنما . وكانت المشكلة تكمن في أن توريخوس من وجهة النظر الأمريكية لم يكن فاسداً، ولم يكن قابلاً للإفساد، وبالتالي فهو ليس نموذجا للنظام الأمريكي المُفترض والذي يقوم على أساس أنّ من يحتلون المناصب العليا في الدول التي تحيى تحت هيمنتها فاسدون بشكل أو بآخر. حين يأتي شخص ما ويهدم هذه القاعدة فإنه يمثل تهديداً للنظام في باقي الدول الأخرى (تفّاحة فاسدة كما تسمّيها)، ونموذجاً لكيفية رفض الهيمنة الأمريكية يمكن أن يحتذيه آخرون، وبالتالي تم تفجير طائرة عمر توريخوس عام 1981 بأيدي (أبناء آوى – جاكالز)، وهو تعبير أمريكي عن رجال الاغتيالات التابعين للـ "سي.أي.ايه".

                            ما الذي جعل الولايات المتحدة تغتال الرئيس توريخوس؟
                            اغتيل الرئيس عمر توريخوس عندما انفجرت به طائرته وهي في الجو في عام 1981، وكان ذلك بتدبير من وكالة المخابرات الأمريكية، وذلك لأسباب عديدة في مقدّمتها سببان رئيسيان بالإضافة إلى الأسباب السابقة:

                            أوّلاً: الإصرار على استعادة قناة بنما إلى السيادة الوطنية:
                            أعلن عمر توريخوس في أكثر من مناسبة عن عزمه على استعادة القناة إلى السيادة الوطنية . وهدّد بأنه قد يزرع القناة بالألغام في بعض المواضع التي يحتاج تنظيفها إلى سنتين . دخل في مفاوضات شاقة مع الإدارة الأمريكية تكللت – كما قلنا باتفاقية جديدة تنص على إعادة القناة إلى بنما في بداية عام 1990 . وقد مثّل هذا انتصارا عظيما لتوريخوس ولشعب بنما .

                            لكن هناك ما هو أكثر استفزازاً للولايات المتحدة في هذا المجال !
                            ما هو؟
                            كان توريخوس يريد لا استعادة القناة فقط، بل تشييد قناة جديدة لتستوعب سفناً أكثر ومنع التكدس الذي يضر بأكبر مستخدمي القناة وهي اليابان . بدأ بمحاولات للتفاهم مع اليابانيين للقيام بهذا المشروع، وهذا كفيل بأن يثير جنون الوحش الأمريكي الذي اضمر له الإنتقام لمنع هذه التفاحة الفاسدة من إفساد باقي التفاحات في السلّة .

                            ثانياً: إلغاء مدرسة الأمريكيتين الحربيّة:
                            من الظواهر المُلفتة للنظر في تأريخ أمريكا الجنوبية الحديث هو كثرة الإنقلابات العسكرية الموالية للولايات المتحدة ضد الحكومات اليسارية بمجرد تفكيرها في الخروج عن هيمنة الولايات اتلمتحدة وبدءها استعادة ثروات الشعب . حتى بدأ التندّر بأن هذه القارة تشهد انقلاباً عسكرياً بين انقلاب عسكري وآخر . فما هو السبب ؟
                            إن السبّب الرئيسي هو خطة الولايات المتحدة الجهنمية في تحويل جيوش أمريكا اللاتينية من جيوش للدفاع عن الحدود إلى جيوش لإداء مهمات الأمن الداخلي والقمع .
                            لقد حوّلت إدارة كنيدي مهمة العسكريين في أميركا اللاتينية من مجال "الدفاع الوطني" إلى مجال "الأمن الداخلي"، فكان لهذا القرار نتائج مصيرية، ابتداءً من الانقلاب العسكري الوحشي والإجرامي في البرازيل . كانت واشنطن تنظر إلى العسكريين على أنهم "جزيرة تعقّل" في البرازيل .
                            بعد عامين من قرار الرئيس الأمريكي كنيدي، أبلغ وزير الدفاع "روبرت ماكنمارا" العاملين معه بأن: (سياسات الولايات المتحدة تجاه العسكريين في أمريكا اللاتينية كانت فعّالة في مجملها في تحقيق الاهداف المحدّدة لها حيث حسّنت قدرات الأمن الداخلي، وأوجدت نفوذاً عسكرياً أمريكيا طاغيا، وأصبح العسكريون في أمريكا اللاتينية يفهمون مهماتهم ولديهم التجهيزات للقيام بها بفضل برامج كنيدي الخاصة بالمساعدات العسكرية والتدريب. وتشمل مهمات الجيوش الآن الإطاحة بالحكومات المدنية حالما يشعر العسكريون بأن تصرف الزعماء أصبح يضر برفاه الأمة) .

                            فكيف استطاعت الولايات المتحدة تحقيق هذا الهدف واين؟
                            استطاعت الولايات المتحدة تحقيق ذلك عبر مناهج تدريبية خاصّة وبرامج تسليح مركّزة كانت تجري في مؤسسة عسكرية اسمها (مدرسة الأمريكيتين الحربيّة في بنما) . كانت مدرسة الأمريكيتين تدعو ديكتاتوريي أمريكا اللاتينية ورؤساءها ليرسلوا ابناءهم وقوّادهم العسكريين إلى هذه المؤسسة وهي الأفضل والأكبر خارج أمريكا الشمالية . هناك يتعلمون مهارات التحقيق والعمليات الحربية السرّية وحماية الشركات المتعددة الجنسيات وشركات البترول . كانت هذه المدرسة مثار كراهية شعوب أمريكا اللاتينية فيما عدا القلة الثرية التي تنتفع منها . كان معروفا أن المسؤولين عليها يدرّبون "فرق الموت" المتطرّفة والجلّادين الذين حوّلوا بلاداً كثيرة الى أنظمة دكتاتورية . وكانت المدرسة تدرّب الجنود اللاتينيين على قمع التمرد والعصيان والتحقيق والتعذيب والتجسس والاغتيال، وقد شمل خريجوها أسوأ الجنرالات والدكتاتوريين سمعة في أمريكا اللاتينية. وقد عرف توريخوس بأهداف هذه المدرسة التدميرية لأنّه كان – ومعاونه لاحقاً "مانويل نوريجا" – من خرّيجيها .
                            أعلنها توريخوس واضحة: إنّه لا يريد إقامة مراكز تدريب في بنما، وأمر بنقل المدرسة هذه من بلاده .

                            إلى أين نُقلت هذه المدرسة ؟:
                            نُقلت هذه المدرسة إلى ولاية جورجيا (نورث بيينغ) بالولايات المتحدة، واستمرت بتدريب الضباط ورجال الشرطة في بلدان أمريكا اللاتينية المتحالفة مع الولايات المتحدة، وتهدف هذه المدرسة – كما قلنا إلى تدريب الضباط ورجال الشرطة على استخدام وسائل القمع . وقد اعترفت وزارة الدفاع الامريكية بأن الكتب الدراسية المقرّرة في هذه المدرسة مازالت حتى بين عامي 1982 – 1991 توصي باستخدام التعذيب والإعدامات بدون محاكمة، واستخدام كل أساليب العنف بغية الحصول على معلومات من المعارضين وأعضاء الميلشيات السياسية أو العاملين في صفوف حرب الغوار . ووفقا للسلطات العسكرية فقد أجري تعديل منذ عام 1992 وبشكل سرّي . وكان على الرأي العام الأمريكي أن ينتظر حتى عام 1996 ليعرف حقيقة المناهج وحقيقة هذه المدرسة، وذلك بعد تحقيق أجراه الكونغرس عن دور المخابرات المركزية الأمريكية في تدمير غواتيمالا (كما سنرى في حلقة مقبلة عن غواتيمالا) . وقد قامت هذه المدرسة منذ تأسيسها عام 1946 بتريب 46 ألف طالب من 12 بلدا، وبلغت أوج مجدها في الستينات حيث كانت الولايات المتحدة منغمسة بعمق في دعم الأنظمة الموالية لها في أمريكا اللاتينية وتصفية الأنظمة الديمقراطية واليسارية . وقد أصبح عدد من هؤلاء الضباط بعد أن أصبحوا جلّادين مشهورين، رؤساء دول، وقد شكّلوا طبقتهم الخاصة. منهجها يتكون من سبعة كتب بالإسبانية وفصولها تتحدث عن التعذيب ونزع الاعترافات واحتجاز والدي وأقارب المقاوم والتهديد بالسجن والإعدام والتظاهر بتنفيذ الإعدام وغيرها . تم تغيير اسم هذه المدرسة إلى "المعهد العالمي الغربي للتعاون الأمني" لامتصاص النقمة . وارتباطا بحلقتنا السابقة (العاشرة) عن فنزويلا فإن هذه المدرسة وحسب اعترافات أحد ضباطها قد درّبت جيشا من مقاتلي الأدغال ويتكلمون الإسبانية لغزو فنزويلا (المشهورة بأدغالها والناطقة بالإسبانية) في السبعينات .
                            كان توريخوس يعلم خطورة الشوط الذي قطعه في مواجهة الوحش الأمريكي ولهذا كان يكرّر على سامعيه: "على رجال الوكالة أن يغتالوني بأنفسهم" .

                            بعد اغتيال توريخوس، الولايات المتحدة تعلن نوريجا كرمز للديمقراطية !:
                            بعد اغتيال توريخوس سيطر الجنرال "نوريجا" على الحكم في عام 1983، على الرغم من استمرارا "الإنتخابات" الرئاسية في اللعبة الديمقراطية المزيّفة.
                            هذا الجنرال "نوريجا" كان مُسجّلاً في قوائم المتعاونين مع وكالة الإستخبارات الأمريكية كعميل لهم، كان فاسداً ويسمّيه الشعب البنمي "المحتال" كما يقول "نعوم تشومسكي" . لكن هذا النمط من الحكّام هو الذي اعتبرته الولايات المتحدة النموذج الأعلى للديمقراطية في أمريكا الجنوبية . شيء لا يُصدّق ! أليس كذلك ؟ إذن تابعوا السفالة التي تتصرف بها الإدارة الأمريكية:



                            تعلم حكومة الولايات المتحدة أن "نوريجا" متورّط في تجارة المخدرات منذ عام 1972 إن لم يكن من قبل ذلك، وقد فكرت إدارة نيكسون في اغتياله، ولكنه ظل في كشوف مرتبات المخابرات الأمريكية . وفي عام 1983 استخلص تقرير إحدى لجان الكونغرس أن بنما مركز لتجارة المخدرات وغسيل أموالها .
                            استمرت حكومة الولايات المتحدة في تقدير خدمات نوريجا . وفي مايو عام 1986 أشاد مدير وكالة مكافحة المخدرات بسياسة نوريغا الشديدة في محاربة المخدرات !!. وبعد ذلك بسنة أشاد نفس المدير بتعاوننا الوثيق مع "نوريجا"، بينما أوقف المدّعى العام "إدوين ميسه" تحقيقات وزارة العدل عن نشاطات "نوريجا" الإجرامية . وفي أغسطس عام 1987 عارض "إليوت ابرامز" أحد مسئولي الخارجية الأمريكية (المسئولين عن أمريكا الوسطى وبنما) قرارا للكونجرس يدين نوريجا. هل تصدّقون ذلك أيها السادة القرّاء ؟؟
                            وبعد ذلك كلّه عندما وُجهت الاتهامات لنوريجا عام 1988، رجعت الإتهامات كلّها عدا واحدا منها – إلى فترة ما قبل عام 1984، أي إلى الفترة عندما كان رجلنا يخدم مصالحنا بكفاءة واجتهاد كما يقول "تشومسكي" .
                            القصة معروفة ومتوقعة ومكررة ؛ يتحول الحاكم من الصديق اللطيف الذي يُعتمد عليه – فيستحق التأييد، ويُكال له المديح والثناء – إلى الطاغية الفاسد المستبد فور ان يبدأ بارتكاب جريمة الاستقلال واتخاذ القرارات بنفسه . الخطيئة الشائعة هي تجاوز سرقة فقراء شعبه – الأمر المقبول في حد ذاته لدينا – إلى البدء في التدخل في ما لا يعنيه من أمور الصفوة ومصالح رجال الأعمال والشركات الكبرى (الأمريكية بالطبع) .

                            لماذا أسقطت واشنطن الجنرال نوريجا رمز الديمقراطية:
                            مجموعة من الأمور جعلت واشنطن تقرّر إسقاط نوريجا . منها أنه رفض أيضاً عودة مدرسة الأمريكيتين الإرهابية إلى بنما ؛ المدرسة التي أخرجها توريخوس من البلاد . كذلك فإنه – من بين تهمٍ أخرى – تردّد في مساعدة منظمة "الكونترا" التي تدعمها الولايات المتحدة لإسقاط النظام اليساري في نيكاراغوا (راجع الحلقة السادسة). وبالطبع فإن استقلال نوريجا يهدّد مصالح الولايات المتحدة في قناة بنما . بدءا من 1 يناير عام 1990 تسترد بنما معظم قناتها، وتعود إليها القناة كاملة بحلول عام 2000، لذا وجب على واشنطن التأكد من أن بنما كلّها ستصبح في أيديها قبل أن تعود إليها قناتها .
                            ولكن بما أنها لم تعد تثق في نوريجا فيجب أن يذهب، تبدأ القصة المكرّرة بأن تفرض الولايات حظرا اقتصاديا لتدمير الاقتصاد البنمي، وبالطبع يقع العبء الأكبر على الفقراء – ومن ثم يُكرِه البنميون نوريجا (ولديهم أسباب كثيرة أخرى) وسيتمنون هم أيضا ذهابه .
                            أشياء لا تصدّق عن دعم الولايات المتحدة لنوريجا الديمقراطي
                            إعلام الولايات المتحدة الحرّ يساند رجل الديمقراطية نوريجا !!:

                            يقول تشومسكي:
                            (اتبع الإعلام الامريكي خط الحكومة طوال العملية واختار الأبطال والأشرار بدقة . وما كنا نصفح عنه صرنا نعتبره جريمة . فعلى سبيل المثال، فاز بانتخابات الرئاسة في بنما عام 1984 "أرنولف أرياس"، ولكن نوريجا تدخل وزوّر وسرق الانتخابات لمرشّح آخر عن طريق العنف والنصب .
                            في ذلك الوقت كان نوريجا رجلنا المطيع في بنما بينما كان أرياس يحمل في فكره وفكر حزبه جراثيم الوطنية الزائدة كما تقول الصحف الأمريكية.
                            إذن كان لابد على إدارة ريجان أن تصفّق لانتصار نوريجا وترسل وزير الخارجية "جورج شولتز" بتهنئة خاصة للديمقراطية الجديدة الخاصة في بنما.
                            لقد ترفّع الاعلام الأمريكي عن الخوض في نقد انتخابات بنما .

                            الإعلام الأمريكي الحرّ ينقلب على نوريجا بعد تأييده:
                            وفي عام 1989 سرق نوريجا انتخابات أخرى بعنفٍ أقل، لكنّه أثار غضب واشنطن وآلتها الإعلامية . لقد ارتكب نوريجا خطيئة الاستقلال عن تبعية واشنطن كما قلنا، وأظهر تخاذلا في عدم تقديم الدعم لسادته في واشنطن الذين كانوا يقومون بحرب إرهابية ضد نيكاراغوا ويحتاجون فيها إلى مساعدته . فورا صار نوريجا في الصحف الأمريكية:
                            "من أعضاء الجمعية الدولية للزعماء السذج الذين يكرههم الأمريكيون"
                            "واحدا من أكثر المخلوقات التي عرفناها كراهية"
                            "رأس قائمة حثالة تجار المخدرات في العالم"

                            أغرب رسالة تهنئة في التاريخ:
                            كانت الانتخابات عام 1984 بمثابة النموذج الثابث الذي تم فيه استخدام أشكال مختلفة من الاحتيال والعنف لصالح السفاح نوريجا، وكان وقتها صديقا لواشنطن ولهذا باركت جهوده "الديمقراطية" . قدّمت ادارة ريجان التهنئة لذلك السفاح بعد أن كانت قد موّلت حملته للفوز، وكانت رسالة التهنئة قد وصلته قبل سبع ساعات من التصديق على نتيجة (انتخابه) !!!
                            كما سافر وزير الخارجية "جورج شولتز" بنفسه ليشرعن عملية الإحتيال وليقدم الثناء لـ "عملية الديمقراطية الرائدة" – كما وصفها التي وقفت بالمرصاد للساندنستيين، لتضاهي معايير بنما الراقية في العملية الديمقراطية . هكذا حالت الولايات المتحدة بدعمها نوريجا دون فوز "أرنولفو أرياس" الذي اعتبرته وزارة الخارجية "قوميا متعصبا غير مرغوب فيه "، بينما كان نوريجا – وهو تلميذ سابق لجورج شولتز – "حسن السلوك" حتى لو عُرف في بلده بنما باسم "المحتال" كما يقول تشومسكي.

                            لكن لماذا كان جورج شولتز فرحا بالسفاح نوريجا ؟:
                            كيف يسافر وزير خارجية الولايات المتحدة بجلالة قدره، ليهنّىء سفّاحا هو نوريجا على التزوير ويعتبره رائداً للديمقراطية، وهو يعلم بأنه عميل لمخابراتهم ويتاجر بالمخدرات ؟
                            يجب علينا الإشارة إلى ظاهرة مخيفة في الحياة السياسية الأمريكية – سنقف عندها في حلقات مقبلة – وتتمثل في خضوع السياسة للإقتصاد وتحديداً لنشاط الشركات الأمريكية الكبرى .
                            لنأخذ أمثلة محدّدة:

                            تعليق


                            • #15
                              من مدير شركة فورد للسيارات إلى وزير دفاع ثم مديرا للبنك الدولي !!!!:
                              وزير الدفاع الأمريكي "روبرت مكنمارا" صعد مثل الشهاب من مجرد مدير تخطيط الى محلل مالي في شركة فورد للسيارات عام 1949، ثم الى منصب رئيس الشركة شخصيا عام 1960، وهو أول رئيس للشركة يختارونه من خارج عائلة فورد، ليصبح بعد وقت قصير وزيرا لدفاع كنيدي . ثم رئيسا للبنك الدولي . وقَبِل الوظيفة بسرعة بعد ترك منصب وزير الدفاع ويرمز إلى ارتباط الجيش بالصناعة، فاحتال على البنك الدولي وجعله وسيلة الامبراطورية العالمية الأكثر شرا في التاريخ . وأرسى الأساس للتنقل بين السلطات المختلفة في مجموعة (الكوربوقراطية Corporatocracy) .
                              الآن أرجو أن يركّز معي السادة القراء على هذه المعلومات العجيبة فهي المفتاح لفهم السبب الذي جعل الولايات المتحدة تطيح بعميلها في بنما، وتغتال الرئيس توريخوس قبله، مثلما تظهر السبب الحقيقي للبرقية المستعجلة ولسفر شولتز المستعجل:

                              المال يتحكّم في السياسة:
                              "جورج شولتز" كان وزيراً للحزانة ورئيس مجلس السياسة الاقتصادية في عهد نيكسون، ثم عمل رئيسا لشركة "بكتل" – لا تنسوا أن شركة بكتل مالكة قناة بنما ثم صار وزير خارجية في ادارة ريغان . "كاسبر واينبرجر" نائب رئيس شركة "بكتل" والمجلس العام ثم وزيرا للدفاع في عهد ريغان . ريتشارد هيلمز قائد وكالة المخابرات في عهد جونسون ثم سفيرا للولايات المتحدة في ايران في عهد نيكسون عمل مستساراً فيها . أما "ريشارد تشيني" وزير دفاع عهد بوش الأب، ثم رئيساً لشركة هالبيرتون، ثم نائباً للرئيس في عهد جورج بوش الإبن، بدأ حياته مؤسساً لمجموعة شركات زاباتا للبترول (هل تتذكرون من هو مالك شركات زاباتا ؟)، وعُيّن سفيرا للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في عهد نيكسون وفورد، وكذلك رئيسا لوكالة المخابرات في عهد فورد .
                              شركة الفواكه المتحدة التي تتحكم بالحكومات في أمريكا اللاتينية تملكها شركة زاباتا للبترول، وجورج بوش، وهم من مالكي شركة "بكتل" المالكة للقناة (ها رجعنا إلى "بكتل" ) .



                              الآن تحضّروا للصدمة الكبرى:
                              بعد احتلال العراق قام الرئيس جورج بوش الكحولي بمنح امتيازات إعادة إعمار العراق إلى شركة أمريكية ....
                              فأي شركة تعتقدون ؟؟؟؟
                              إنّها شركة "بكتل" !!!!

                              دعم أمريكي آخر شهير للديمقراطي نوريجا:
                              ومن الاحداث التي حذفتها واشنطن من سجلها التاريخي قرار 30 مارس 1980 لمجموعة الثماني (الدول الديمقراطية في أمريكا اللاتينية) والذي تم من خلاله طرد بنما، وهو قرار قامت واشنطن بتعليقه خلال حكم نوريجا بذريعة أن (عملية التشريع الديمقراطي في بنما تتطلب رأي الشعب دون تدخل قوة أجنبية بما يضمن حرية كاملة للشعب لاختيار حكومته)، وهو بالطبع تخريج انتهازي لأنه أمر مستحيل في ظل نظام صوري وضعته واشنطن.
                              كرّر نوريجا احتياله في انتخابات عام 1989، وفي هذه المرة سرق الإنتخابات من "جاميليو اندارا" ممثل رجال الأعمال . مارس نوريجا عنفا أقل، ولكن إدارة ريجان أعطت إشارة التحوّل، فانفجر بركان الإعلام على تجاوزات نوريجا ضد الديمقراطية .
                              ثم ارتفعت نغمة انتهاك حقوق الإنسان . وعندما غزت الولايات المتحدة بنما في ديسمبر 1989 كان الإعلام قد طبع صورة نوريجا الشيطان في رؤوس الشعب .
                              نشرت منظمة "أمريكا تراقب – America Watch" في عام 1988 تقريرا عن انتهاكات نوريجا لحقوق الانسان، اوضح ان تلك الفترة أفضل من قبلها عندما كان نوريجا رجلنا بل افضل من انتهاكات أشد يقوم بها آخرون من رجالنا في المنطقة مثل تروجيليو ديكتاتور الدومنيكان، وسوموزا نيكاراغوا، وماركوس الفلبين، ودوفالييه هاييتي وأخرين من طائفة الرؤساء المجرمين في ثمانينات امريكا الوسطى . كانوا كلهم أكثر وحشية من نوريجا ولكن ساندتهم واشنطن بثقل وحماسة طوال عهودهم المليئة بالفظائع والإرهاب، مادامت الأرباح تتدفق من بلادهم إلى الولايات المتحدة) كما يقول تشومسكي.

                              الزعيق بحقوق الإنسان وسحقها في نفس الوقت !!:
                              في اللحظة نفسها التي غزت فيها الولايات المتحدة بنما، أعلنت ادارة بوش عن صفقة تكنولوجيا عالية للصين، وتحت ضغط رجال الأعمال، وكان ذلك بعد مذبحة ميدان "تيانانمن" الشهيرة في بكين .
                              كذلك في نفس يوم غزو بنما أعلن البيت الأبيض (ونفّذ بعد ذلك) رفع الحظر عن العراق، وبررت الخارجية ذلك بوقاحة ان الهدف من وراء زيادة صادراتنا هو تأهيلنا لوضع يسمح لنا بطريقة أفضل أن تجعل العراق يحترم حقوق الإنسان .
                              استمرت الادارة الأمريكية في مساندة "صدام حسين " ضد معارضيه، وأجهضت مجهودات الكونجرس لإدانة جرائمه الفظيعة . مقارنة فظائع نوريجا بفظائع بغداد وبكين تجعله يبدو كالأم تريزا كما يقول روجيه غارودي.

                              هل كانت التسجيلات الشاذة لبوش الإبن سبباً في تدمير بنما والإطاحة بنوريجا؟
                              يقول "جون بيركنس" صاحب كتاب "اعترافات سفاح اقتصادي مأجور" إن المستشار الأعلى للرئيس البرازيلي "لولا دا سيلفا" قال له في عام 2005 :
                              (كان نوريجا يضع كاميرات في جزيرة "كونتادورا"، وهي منتجع سيّء الصيت على الشاطىء البنمي يُستخدم كملاذ حيث رجال الأعمال في الولايات المتحدة يستضيفون السياسيين ليمارسوا كل رذيلة بالإمكان تخيّلها . وانتشرت إشاعات إنّ من وقع في شرك هذه الكاميرات هو "جورج دبليو بوش" حيث صُوّر وهو يتعاطى الكوكايين ويمارس شذوذا جنسيا خلال رئاسة والده، وأن نورييجا استعمل صورا تجرّم بوش الإبن وأصدقاء مقربين له، لكي يقنع الرئيس بوش الأب ليقف إلى جانب الحكومة البنمية في قضايا مفتاحية) .

                              شنّت الولايات المتحدة هجوماً ساحقاً لا يُصدّق على بنما وكان بإمكانها احتلالها والقبض على نوريجا ببساطة دون تدميرها .
                              البناء الذي احتوى على ملفات نوريجا السرية دُمر بالقنابل وتحوّل إلى رماد، واحترق حتى الموت 2000 إنسان من المدنيين الأبرياء في المناطق المدنية المحيطة بالمقر !!
                              وتقدير الكنيسة أن هناك (650) ضحية في منظقة تشوريللو الفقيرة في العاصمة ماتوا في المستشفيات .
                              هل قضى الهجوم الأمريكي على تجارة المخدرات التي اتهمت واشنطن نوريجا برعايتها؟ هل حسّن حقوق الإنسان؟ هل طوّر التنمية؟

                              لقد زادت تجارة المخدرات بعد العدوان وفي ظل الأمريكان إلى 400% !!!، ويقول السكرتير التنفيذي لمركز دراسات أمريكا اللاتينية إن الوحدات الأمريكة المناط بها مكافحة المخدرات تمثل سوقاً غنية للمخدرات مما يساهم في زيادة الأزمة .
                              ازداد مستوى الفقر من 40% إلى 54% منذ غزو 1989 . أما الرئيس "غويلرمو أندارا" الذي أقسم اليمين في قاعدة عسكرية أمريكية يوم الغزو، فلن يحظى بأكثر من 2,4% من الأصوات إن جرت الإنتخابات، وفقا لاستطلاع الرأي عام 1992 . وقد جعلت حكومته الذكرى السنوية للغزو "يوماً وطنيّاً للتأمّل" . أما آلاف الباناميين فقد "احتفلوا بذلك اليوم (بمسيرة سوداء) عبر شوارع العاصمة ليشجبوا الغزو الأمريكي، وسياسات "أندارا" الإقتصادية، كما أفادت وكالة الأنباء الفرنسية، وقال المشاركون في المسيرة أن القوات الأمريكية قتلت ثلاثة آلاف شخص، ودفنت كثيرا من الجثث في قبور جماعية، أو رمتها في البحر، ولم يتعاف الإقتصاد بعد الضربات التي تلقاها في أثناء الحظر الأمريكي وأثناء الغزو. قال أحد قادة "الحملة المدنية" التي قادت معارضة الطبقة الوسطى لنورييغا، لمراسل شيكاغو تريبيون "إن الحظر الإقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة – ضد إرادتنا – لإسقاط نورييغا لم يؤذه في شيء . لكنه دمّر اقتصادنا، والآن صرنا مقتنعين أن هذا الحظر كان جزءا من خطة هادفة لتدمير الإقتصاد، بحيث لا يبقى لدينا ما نستند إليه في طلب الكرامة والمعاملة الأفضل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية" . أمّا زيارة جورج بوش في حزيران عام 1992 فقد فشلت بسبب الكراهية الجياشة التي يكنها المواطنون لهذا الوحش القذر .
                              وفي تقرير عن بنما بعد الغزو قدمه السفير المكسيكي "خافيير وايمر" إلى الأمم المتحدة جاء أن الإقتصاد قد انهار مع نتائج كارثية في مجالات الغذاء والإسكان والخدمات الأساسية كالصحة والثقافة. وتزداد انتهاكات حقوق الإنسان وتصفية النزوع القومي السابق، مع تعرض حقوق العمال لهجوم خاص إلى جانب أي مؤسسات يمكن أن تشكل نوى احتجاج مدني أو معارضة سياسية، كما أن حرب المخدرات التي تشنها الولايات المتحدة، كانت غطاءَ لمهاجمة الناشطين اجتماعيا، وغير ذلك من الإساءات لحقوق الإنسان التي تتم على يد قوات الأمن بإشراف القوات الأمريكية.
                              أعادت الولايات المتحدة القوة لرجال البنوك واستأنفوا أعمالهم في غسيل أموال المخدرات، حتى أن نشاط نوريجا السابق في تجارة المخدرات يُعد تافها بالنسبة لما وصل إليه الحال .
                              أشارت منظمة الدول الأمريكية واللجنة الأمريكية لحقوق الانسان إلى مسؤولية الولايات المتحدة عن آلاف القتلى والجرحى، وعن كلفة التدمير التي بلغت بليون دولار . تقوم قوات الاحتلال والجيش الأمريكي وخصوصا "وحدات حملة البنادق الأمريكيين" بتصفية الصحفيين والتعدي على المواطنين . تزايد الفقر . تدهور مستوى الدخل الفردي إلى أقل مما كان عليه عام 1985 مع تفاوت صارخ في دخول الأفراد . صار نصف سكان بنما يعيشون تحت خط الفقر (والمُعبّر عنه بنصف الدخل المطلوب لتحقيق الضروريات الإنسانية يوميا)، بينما يعيش ثلث السكان في فقر مدقع (أقل من 50% مما يحصل عليه أصحاب خط الفقر) .
                              بصفة عامة عادت الأمور في بنما لما كانت عليه، مع فارق واحد، أن البلد أصبحت في يد خادم يُعتمد عليه .

                              بعض النتائج السياسيّة لتدمير بنما:
                              عدوانية النظام الدولي الجديد واحتقار الأمم المتحدة:
                              لقد افتتحت الولايات المتحدة عصر "النظام الدولي الجديد" الذي بشّرت به بعد الحرب الباردة باحتلال بنما عام 1989 في عملية سمّتها: (القضية العادلة – just cause) لاحظ التسمية المخادعة التي يضحكون بها على عقول الشعب الأمريكي وشعوب العالم . ووضعت نظام من العرائس المتحركة يخضع لأمرتها في بنما، وكان حواريوه رجال الاعمال والبنوك وتجار المخدرات .
                              رفضت واشنطن قرارين لمجلس الأمن يدينان غزو بنما وساعدتها بريطانيا (الكلب الهجومي كما يسمّيها تشومسكي) في الفيتو، كما اعترضت واشنطن أيضاً على قرار الجمعية العامة الذي اعتبر غزوها بنما (انتهاكا فاضحا للقانون الدولي ولاستقلالية وسيادة ووحدة أراضي بنما) ودعت إلى (انسحاب القوات الامريكية الغازية) .
                              قال مساعد وزير الخارجية "آبرامز": (صارت الولايات المتحدة أكثر حرّية في الغزو دون قلق من أن أحدا ما كالروس مثلاً يمكن أن يرد في مكان ما في العالم) .
                              بعد الغزو قام "توماس بيكرنج" السفير الامريكي الى الأمم المتحدة باعلام مجلس الأمن ان المادة (51) (تخوّلنا حق استخدام القوة لحماية بلادنا ومصالحنا) . كما أعلنت وزارة العدل ان اللجوء الى القوة لغزو بنما استنادا إلى المادة (51)، كان بهدف إلى (الحيلولة دون استخدام اراضي هذه الدولة كقاعدة لترويج المخدرات الى الولايات المتحدة) .
                              سياسة الكذب والعهر:
                              بعد سنوات أعلنت "واشنطن بوست" عن البيت الابيض (أن بنما ذات الديمقراطية الجديدة قد صارت المركز الاكثر نشاطا لغسيل الأموال من تجارة الكوكايين في نصف العالم الغربي)، وهي حقيقة قلّلت واشنطن من أهميتها بهدف دعم القادة الديمقراطيين الجدد الذين أوصلتهم لحكم بنما . وحسب "الإيكونومست" زادت تجارة المخدرات عن عهد الجنرال نوريجا، وكان من بين الذين أُلقي القبض عليهم مسؤول رفيع في الحكومة البنمية الجديدة بتهمة غسيل أموال تجارة الكوكايين الآتية من كولومبيا الى السوق البنمي، وهذا هو النجاح الذي حققته واشنطن بغزو بنما حين أصبح مثل هؤلاء المسؤولين الفاسدين منتشرين في البنوك البنمية ليضمنوا سيطرة واشنطن على المؤسسات المالية .

                              استفسار خطير:
                              في هجمات 11/9 التي أصابت الولايات المتحدة والتي يرى البعض أنّها "هجوم استباقي" من نوع "الحرب الإستباقية" التي كان يدعو إليها الرئيس بوش والإدارة الأمريكية، قُتل 3 آلاف شخص فقامت الدنيا ولم تقعد، في حين لم يتكلم أحد حين قتلت الولايات المتحدة 3 آلاف بنمي، و75 ألف نيكاراغوي، و100 ألف سفادوري، و40 ألف هاييتي، و210000 عراقي في قصف وحرب 1991 (حسب غارودي)، و4 ملايين فيتنامي في فيتنام (حسب تشومسكي) و..و..و.. وكلها سنراها في حلقات مقبلة، أليسوا هؤلاء بشراً أيضاً ؟ الجواب: هؤلاء لا تنفعل لهم الولايات المتحدة لأنهم ليسوا بشرا في عرفها .

                              سؤال أخير:
                              قصف الأحياء السكنية وازهاق أرواح 3 آلاف من المواطنين الباناميين فقط لإخراج شخص واحد هو "مانويل نوريجا" من مخبئه أليس ارهاب دولة؟

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              أنشئ بواسطة مروان1400, 15-03-2024, 06:34 AM
                              ردود 2
                              22 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة مروان1400
                              بواسطة مروان1400
                               
                              يعمل...
                              X