الهجوم
على بيت فاطمة (ع)
تأليف
عبد الزهراء مهدي
سلسلة الكتب المؤلفة في أهل البيت عليهم السلام (100)
إعداد
مركز الأبحاث العقائدية
http://aqaed.com/shialib/index.html
على بيت فاطمة (ع)
تأليف
عبد الزهراء مهدي
سلسلة الكتب المؤلفة في أهل البيت عليهم السلام (100)
إعداد
مركز الأبحاث العقائدية
http://aqaed.com/shialib/index.html
التوطئة للهجوم الأخير
فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع..(1)؟! وإن لم تفعل لأفعلن. ثم خرج مغضباً وجعل ينادي القبائل والعشائر: أجيبوا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! فأجابه الناس من كل ناحية ومكان..! فاجتمعوا عند مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فدخل على أبي بكر وقال: قد جمعت لك الخيل والرجال(2).. فقال له أبو بكر: من نرسل إليه؟ قال عمر: نرسل إليه قنفذاً فهو رجل فظّ غليظ جاف من الطلقاء، أحد بني عدي بن كعب، فأرسله وأرسل معه أعواناً(3)، وقال له: أخرجهم من البيت فإن خرجوا وإلاّ فاجمع الأحطاب على بابه، وأعلمهم إنّهم إن لم يخرجوا للبيعة أضرمت البيت عليهم ناراً(4).
فانطلق قنفذ واستأذن على علي (عليه السلام) فأبى أن يأذن لهم، فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر ـ وهما جالسان في المسجد والناس حولهما ـ فقالوا: لم يؤذن لنا، فقال عمر: اذهبوا! فإن أذن لكم وإلاّ فادخلوا بغير إذن.. فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمة (عليها السلام): " أحرّج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير إذن.. " فرجعوا وثبت قنفذ، فقالوا: إنّ فاطمة قالت: كذا وكذا.. فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن.
الهجوم الأخير
فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء..؟! ثم أمر أُناساً حوله بتحصيل
____________
1. كتاب سليم: 83.
2. الكوكب الدرّي: 1/194 ـ 195.
3. كتاب سليم: 82.
4. الجمل: 117.
الحطب(1).
وفي رواية: فوثب عمر غضبان.. فنادى خالد بن الوليد وقنفذاً فأمرهما أن يحملا حطباً وناراً(2) فقال أبو بكر لعمر: إئتني به بأعنف العنف..(3)! وأخرجهم وإن أبوا فقاتلهم(4)، فخرج في جماعة(5) كثيرة(6) من الصحابة(7) من المهاجرين والأنصار(8) والطلقاء(9)والمنافقين(10) وسفلة ا لأعراب وبقايا الأحزاب(11).
وفي رواية: إنّهم كانوا ثلاثمائة(12).
وقيل: غير ذلك، منهم:
1 ـ عمر بن الخطاب(13) 2 ـ خالد بن الوليد(14) 3 ـ قنفذ(15)
____________
1. كتاب سليم: 83.
2. كتاب سليم: 250.
3. أنساب الأشراف: 1/587 ـ 588.
4. العقد الفريد: 4/259، (ط المصر).
5. اليعقوبي: 2/126 ; المسترشد: 377 ـ 378.
6. شرح نهج البلاغة: 6/49 ; الأحتجاج: 80.
7. الكشكول: 83 ـ 84.
8. تاريخ الخميس: 2/169.
9. علم اليقين: 2/686.
10. المصدر السابق ; مؤتمر علماء بغداد: 63 ; كامل بهائي: 1/305 ; حديقة الشيعة: 30.
11. مصباح الزائر: 463 ـ 464.
12. جنات الخلود: 19.
13. اتفق الجميع على كون عمر بن الخطاب منهم.
14. تفسير العياشي: 2/66 ; شرح نهج البلاغة: 2/57 و 6/48 ; مؤتمر علماء بغداد: 63 ; الاختصاص: 186 ; كتاب سليم: 251 ; كامل بهائي: 1/305 ; الكشكول: 83 ـ 84 ; الهداية الكبرى: 178 ـ 179 ; بحار الأنوار: 30/290، 348 و 53/13.
15. تفسير العياشي: 2/307 ـ 308 ; مؤتمر علماء بغداد: 63 ; الجمل: 117 ; كتاب سليم: 84 ; الهداية الكبرى: 178 ـ 179 و 400 ; حديقة الشيعة: 30 ; بحار الأنوار: 30/290 ـ 348 و 53/18.
4 ـ عبد الرحمن بن عوف(1) 5 ـ أسيد بن حضير(2) الأشهلي(3) 6 ـ سلمة بن سلامة بن وقش الأشهلي(4) 7 ـ سملة بن أسلم(5).
وفي بعضها: سلمة بن أسلم بن جريش الأشهلي(6) 8 ـ المغيرة بن شعبة(7) 9 ـ أبو عبيد ة بن الجراح(8) 10 ـ ثابت بن قيس بن شماس(9) 11 ـ محمد بن مسلمة(10)
____________
1. السنن للبيهقي: 8/152 ; المستدرك: 3/66 ; حياة الصحابة للكاندهلوي: 2/13 ; شرح نهج البلاغة: 6/48 ; الكشكول: 83 ـ 84 ; حديقة الشيعة: 30.
2. خ. ل: حصين.
3. شرح نهج البلاغة: 2/50 و 6/11 و 47 ; الامامة والسياسة: 1/18 ; الاحتجاج: 73 ; تاريخ الخميس: 2/169.
4. شرح نهج البلاغة: 2/50 و 6/47 ; الاحتجاج: 73 ; تاريخ الخميس: 2/169.
5. شرح نهج البلاغة: 6/11 ; الامامة والسياسة 1: 18.
6. المسترشد: 378.
7. الاختصاص: 186، تفسير العياشي: 2/66 ; الكوكب الدرّي: 1/194.
8. الكوكب الدرّي: 1/194.
9. تاريخ الخميس: 2/169 ; شرح نهج البلاغة: 6/48.
10. شرح نهج البلاغة: 6/48 ; السنن للبيهقي: 8/152 ; المستدرك: 3/66 ; حياة الصحابة للكاندهلوي: 2/13.
12 ـ سالم مولى أبي حذيفة(1) 13 ـ أسلم العدوي(2) 14 ـ عياش بن ربيعة(3) 15 ـ هرمز الفارسي (جدّ عمرو بن أبي المقدام)(4) 16 ـ عثمان(5) 17 ـ زياد بن لبيد(6) 18 ـ عبد الله بن أبي ربيعة(7) 19 ـ عبد الله بن زمعة(8) 20 ـ سعد بن مالك(9) 21 ـ حماد(10) وذكروا بعضهم أبا بكر أيضاً(11) وكذا زيد بن ثابت(12)، فقال لهم عمر: هلّموا في جمع الحطب(13).. فأتوا بالحطب(14)، والنار(15)، وجاء
____________
1. الجمل: 117 ; الاختصاص: 186 ; تفسير العياشي: 2/67.
2. الشافي لابن حمزة: 4/173.
3. الشافي لابن حمزة: 4/173.
4. الاختصاص: 186 ; تفسير العياشي: 2/66 ـ 67.
5. الاختصاص: 186، تفسير العياشي: 2/66 ـ 67.
6. شرح نهج البلاغة: 2/56، 6/48.
7. تثبيت الامامة: 17.
8. مثالب النواصب: 136.
9. مثالب النواصب: 136.
10. مثالب النواصب: 136.
11. الاختصاص: 186 ; تفسير العياشي: 2/66 ; الكوكب الدرّي: 1/194 ـ 195 ولعله المستفاد مما رواه المفيد في الأمالي: 49 ـ 50 فراجع.
12. في رواية موضوعة رووها عن أبي سعيد الخدري راجع كنز العمال: 5/613.
13. دلائل الأمامة: ج 2، عنه بحار الأنوار: 30/293.
14. الطرائف: 239 ; نهج الحقّ: 271 ; مؤتمر علماء بغداد: 63 ; دلائل الامامة: 242 (ط مؤسسة البعثة، ص 455) ; كتاب سليم: 83 وغيرها.
15. تفسير العياشي: 2/308 ; كتاب سليم: 250 ; الهداية الكبرى: 178 ـ 179.
عمر ومعه فتيلة(1).
وفي رواية: أقبل بقبس من نار(2)، وهو يقول: إن أبوا أن يخرجوا فيبايعوا أحرقت عليهم البيت.. فقيل له: إنّ في البيت فاطمة، أفتحرقها؟! قال: سنلتقي أنا وفاطمة(3)!!.
فساروا إلى منزل علي (عليه السلام) وقد عزموا على إحراق البيت بمن فيه(4). قال أُبي بن كعب: فسمعنا صهيل الخيل، وقعقعة اللجم، واصطفاق الأسنة، فخرجنا من منازلنا مشتملين بأرديتنا مع القوم حتى وافوا منزل علي (عليه السلام)(5). وكانت فاطمة (عليها السلام)قاعدة خلف الباب، قد عصبت رأسها ونحل جسمها في وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(6)، فلما رأتهم أغلقت الباب في وجوههم وهي لا تشكّ أن لا يدخل عليها إلاّ بإذنها(7)، فقرعوا الباب قرعاً شديداً(8) ورفعوا أصواتهم وخاطبوا من في البيت بخطابات شتّى(9)، ودعوهم إلى بيعة أبي بكر(10)، وصاح عمر:
يابن أبي طالب! افتح الباب(11)..!
____________
1. أنساب الأشراف: 1/586.
2. العقد الفريد: 4/242 (مكتبة النهضة المصرية) ; تاريخ أبي الفداء: 1/156.
3. الشافي، لابن حمزة: 4/173.
4. العقد الفريد: 4/242 ; تاريخ أبي الفداء: 1/156 ; أمالي المفيد: 50 ومصادر أخرى.
5. الكوكب الدرّي: 194 ـ 195.
6. كتاب سليم: 250.
7. تفسير العياشي: 2/67 ; الاختصاص: 186.
8. دلائل الامامة: ج 2، عنه بحار الأنوار: 30/290 ; الكشكول، للآملي: 83 ـ 84.
9. حديقة الشيعة: 30.
10. الشافي لابن حمزة: 4/171.
11. كتاب سليم: 250.
والله لئن لم تفتحوا لنحرقّنه بالنار(1)..!
والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقنّ البيت عليكم(2)..!
اخرج يا علي إلى ما أجمع عليه المسلمون وإلاّ قتلناك(3)..!
إن لم تخرج يابن أبي طالب وتدخل مع الناس لأحرقنّ البيت بمن فيه(4)..!
يابن أبي طالب! افتح الباب وإلاّ أحرقت عليك دارك(5)..!
والله لتخرجن إلى البيعة ولتبايعنّ خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلاّ أضرمت عليك النار(6)..!
يا علي! اخرج وإلاّ أحرقنا البيت بالنار(7)..!
فخرجت فاطمة (عليها السلام) فوقفت من وراء الباب، فقالت: " أيها الضالّون المكذبون! ماذا تقولون؟ وأيّ شيء تريدون؟ " فقال عمر: يا فاطمة! فقالت: " ما تشاء يا عمر؟ " قال: ما بال ابن عمّك قد أوردك للجواب وجلس من وراء الحجاب؟
فقالت:" طغيانك يا شقيّ أخرجني وألزمك الحجّة.. وكلّ ضالّ غوي ".
فقال: دعي عنك الأباطيل وأساطير النساء!! وقولي لعلي يخرج.
فقالت: " لاحبّ ولاكرامة، أبحزب الشيطان تخوّفني يا عمر؟! وكان حزب الشيطان ضعيفاً ".
____________
1. علم اليقين: 2/687 ; التتمة في تواريخ الائمة (عليهم السلام): 52.
2. السقيفة للجوهري عنه شرح نهج البلاغة: 2/56 ; قريب منها: الطبري، 3/202 ; المسترشد: 378 وغيرها.
3. الهداية الكبرى: 406 ; بحار الأنوار: 53/18.
4. الكشكول: 83 ـ 84.
5. كامل بهائي: 1/305.
6. كتاب سليم: 83.
7. الكوكب الدرّي: 194 ـ 195.
فقال: إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل وأضرمتها ناراً على أهل هذا البيت وأحرق من فيه، أو يقاد علي إلى البيعة(1)..!
فقالت فاطمة (عليها السلام): " يا عمر! ما لنا ولك لا تدعنا وما نحن فيه؟ " فقال: افتحي الباب وإلاّ أحرقنا عليكم بيتكم(2)..
فقالت فاطمة (عليها السلام): " أفتحرق عليّ ولدي(3)؟! " فقال: إي والله أو ليخرجنّ وليبايعنّ(4).
وفي رواية: " يابن الخطاب! أتراك محرقاً عليَّ بابي؟! " قال: نعم(5).
قالت: " ويحك يا عمر! ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله؟! تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتطفئ نور الله والله متمّ نوره؟! " فقال: كفّي يا فاطمة! فليس محمّد حاضراً! ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عند الله! وما عليّ إلاّ كأحد من المسلمين، فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعاً..!
____________
1. دلائل الامامة: ج 2، عنه بحار الأنوار: 30/293.
2. كتاب سليم: 83 ـ 84، 250.
3. خ. ل: عليّاً وولدي.
4. الطرائف: 239، نهج الحق: 271.
5. أنساب الأشراف: 1/586 ; وانظر: روضة المناظر: 11/113 (حاشية الكامل لابن الأثير); الجمل: 117 ; كامل بهائي: 2/24.
فقالت ـ وهي باكية ـ: " اللّهم إليك نشكو فقد نبيّك ورسولك وصفيّك، وارتداد أمّته علينا، ومنعهم إيّانا حقّنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيّك المرسل ".
فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة حمقات [حماقات] النساء! فلم يكن الله ليجمع لكم النبوّة والخلافة(1)..!!
فقالت: " يا عمر! أما تتقي الله عزّ وجلّ.. تدخل على بيتي، وتهجم على داري؟! " فأبى أن ينصرف(2).
إحراق الباب وإسقاط جنين فاطمة (عليها السلام) وضربها
ثم أمر عمر بجعل الحطب حوالي البيت وانطلق هو بنار(3) وأخذ يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها(4).
فنادت فاطمة (عليها السلام) بأعلى صوتها: " يا أبت يا رسول الله! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ".
فلما سمع القوم صوتها وبكاءَها انصرفوا باكين، وبقي عمر ومعه قوم(5)، ودعا بالنار وأضرمها في الباب(6)، فأخذت النار في خشب الباب(7)، ودخل الدخان البيت(8)، فدخل قنفذ يده يروم فتح الباب(9)..
____________
1. الهداية الكبرى: 407، بحار الأنوار: 53/19.
2. كتاب سليم: 84، 250.
3. تفسير العياشي: 2/308.
4. الملل والنحل: 1/57.
5. الامامة والسياسة: 1/20 ; المسترشد: 377 ـ 378.
6. كتاب سليم: 250.
7. الهداية الكبرى: 407 ; بحار الأنوار: 53/19.
8. الشافي للسيد المرتضى: 3/241.
9. الهداية الكبرى: 407 ; بحار الأنوار: 53/19.
فأخذت فاطمة (عليها السلام) بعضادتي الباب تمنعهم من فتحه، وقالت: " ناشدتكم الله وبأبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تكفّوا عنا وتنصرفوا ".
فأخذ عمر السوط من قنفذ وضرب به عضدها، فالتوى السوط على يديها حتى صار كالدملج(1) الأسود(2).
فضرب عمر الباب برجله فكسره(3)، وفاطمة (عليها السلام) قد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه، فركل الباب برجله(4) وعصرها بين الباب والحائط عصرة شديدة قاسية حتى كادت روحها أن تخرج من شدّة العصرة، ونبت المسمار في صدرها(5) ونبع الدم من صدرها وثدييها(6)، فسقطت لوجهها ـ والنار تسعر(7) ـ، فصرخت صرخة جعلت أعلى المدينة أسفلها، وصاحت: " يا أبتاه! يا رسول الله! هكذا يصنع بحبيبتك وابنتك.. آه يا فضّة! إليك فخذيني فقد والله قتل ما في أحشائي "، ثم استندت إلى الجدار وهي تمخض(8)، وكانت حاملة بالمحسن لستة أشهر فأسقطته(9)، فدخل عمر وصفق على خدّها صفقة من ظاهر الخمار، فانقطع قرطها وتناثرت إلى الأرض(10).
____________
1. الهداية الكُبرى: 178 ـ 179.
2. المصدر: 407 ; بحار الأنوار: 53/19.
3. تفسير العياشي: 2/67 ; الاختصاص: 186.
4. دلائل الامامة: ج 2، عنه بحار الأنوار: 30/294.
5. مؤتمر علماء بغداد: 63.
6. الكوكب الدرّي: 194 ـ 195.
7. الهداية الكبرى: 178 ـ 179.
8. دلائل الامامة: ج 2، عنه بحار الأنوار: 30/294.
9. الهداية الكبرى: 407 ; بحار الأنوار: 53/19.
10. دلائل الإمامة: ج 2، عنه بحار الأنوار: 30/294، وراجع إرشاد القلوب: ج 2، عنه بحار الأنوار: 30/349 ; الهداية الكبرى: 179، 407 ; المحتضر: 44 ـ 45، ويظهر من بعض الروايات أنّ لطم الخدّ كان حين إخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) من البيت، راجع الكوكب الدرّي: 195.
فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) من داخل الدار محمرّ العين حاسراً، حتى ألقى ملاءته عليها وضمّها إلى صدره وصاح بفضّة: " يا فضة! مولاتك! فاقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة وردّ الباب، فأسقطت محسناً ".
وقال (عليه السلام): " إنّه لا حق بجدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيشكو اليه ".
وقال لفضة: " واريه بقعر البيت "(1).
ثم وثب علي (عليه السلام) فأخذ بتلابيب عمر ثم هزّه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهمّ بقتله، فذكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما أوصاه به من الصبر والطاعة، فقال: " والذي أكرم محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة يا ابن صهاك! لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلمت أنك لا تدخل بيتي ".
فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار، فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوّف أن يخرج عليّ (عليه السلام) بسيفه، لما قد عرف من بأسه وشدّته، فقال أبو بكر لقنفذ: ارجع، فإن خرج وإلاّ فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم النار..!
فانطلق قنفذ فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار علي (عليه السلام) إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه ـ وهم كثيرون ـ، فتناول بعض سيوفهم فكاثروه(2).
فقال عمر لعلي (عليه السلام): قم فبايع لأبي بكر، فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده وقال: قم، فأبى أن يقوم(3)، فألقوا في عنقه حبلاً(4) وفي رواية: جعلوا حمائل سيفه في عنقه(5)، وفي غير واحد من النصوص: أخرجوه ملبباً(6)(7)
____________
1. الهداية الكبرى: 408.
2. كتاب سليم: 84.
3. شرح نهج البلاغة: 2/57 و 6/49.
4. كتاب سليم: 84 ; رجال الكشي: 1/37 ; الاحتجاج: 83 ; الصراط المستقيم: 3/25.
5. الكوكب الدرّي: 1/194 ـ 195.
6. لبّب فلاناً: أخذه بتلبيته وجرّه.
7. الإيضاح: 367 ; بصائر الدرجات: 275 ; تفسير العياشي: 2/67 ; الشافي: 3/244 ; الاختصاص: 11، 186، 275 ; المسترشد: 381 ; المناقب: 2/248 ; شرح نهج البلاغة: 6/45.
بثيابه يجرّونه إلى المسجد، فصاحت فاطمة (عليها السلام) وناشدتهم الله(1) وحالت بينهم وبين بلعها، وقالت: " والله لا أدعكم تجرّون ابن عمّي ظلماً، ويلكم ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا أهل البيت.. " وبزعمها أنّها تخلّصه من أيديهم(2)، فتركه أكثر القوم لأجلها.
فأمر عمر قنفذاً أن يضربها بسوطه، فضربها بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها وأثر في جسمها الشريف(3).
وفي رواية: ضربها قنفذ على وجهها وأصاب عينها(4).
وفي رواية اخرى: ألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة(5).
وفي روايات اُخرى: ضربها على رأسها أو ذراعها أو كتفها، أو عضدها وبقي أثر السوط في عضدها مثل الدملج(6)، أو لكزها بنعل السيف، وأنّ
____________
1. شرح نهج البلاغة: 2/50.
2. الكوكب الدرّي: 194 ـ 195.
3. علم اليقين: 2/686 ـ 688.
4. سيرة الأئمّة الاثنى عشر (عليهم السلام): 1/145.
5. كتاب سليم: 85 ; الاحتجاج: 83. وفي كسر ضلعها أو جَنْبها روايات أُخرى، راجع كتاب سليم: 2/907 (الطبعة الحديثة) ; أمالي الصدوق: 114 (ط بيروت ص 100) ; الفضائل: 9 ; المحتضر: 61، 109 ; مكتوب بخط الشيخ الجبعي، عنه بحار الأنوار: 101/44 ; فرائد السمطين: 2/35 ; إرشاد القلوب: 295 ; مصباح الكفعمي: 553.
6. كتاب سليم: 134 ; الكشكول للآملي: 83 ـ 84 ; حديقة الشيعة: 30 ; الكوكب الدرّي: 1/194 ـ 195 ; الكبريت الأحمر: 277.
الضرب الصادر منه كان السبب في إسقاط جنينها(1) أو كان اقوى سبب في ذلك(2).
وفي رواية: ضربها خالد بن الوليد ايضاً بغلاف السيف.
وفي رواية: ضغطها خالد بن الوليد خلف الباب فصاحت.. ولذا أسند بعض الثقات إسقاط الحمل إلى خالد أيضاً(3).
وفي رواية ضربها المغيرة بن شعبة حتى أدماها، أو دفع الباب على بطنها..
ولذا أُسند الإسقاط إليه أيضاً(4).
وفي رواية: التفت عمر إلى من حوله وقال: اضربوا فاطمة..!! فانهالت السياط على حبيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبضعته حتى أدموا جسمها، وبقيت آثار العصرة القاسية والصدمة المريرة تنخر في جسم فاطمة، فأصبحت مريضة عليلة حزينة(5).
وفي عدّة من الروايات: ضرب عمر بالغلاف على جنبها، وبالسوط على ذراعها(6)، واسودّ متنها من أثر الضرب(7) وبقي إلى أن قبضت(8).
قال سلمان: فلقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون!! ما فيهم إلاّ باك، غير عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة، وعمر يقول: إنّا لسنا من النساء ومن
____________
1. دلائل الإمامة: 45 (الطبعة الحديثة ص 134 ـ 135).
2. علم اليقين: 2/686 ـ 688.
3. الكشكول، للآملي: 83 ـ 84 ; حديقة الشيعة: 30.
4. الاحتجاج: 278 ; جلاء العيون للسيّد شبّر: 1/193.
5. مؤتمر علماء بغداد: 63.
6. كتاب سليم: 84، 250 وراجع كامل بهائي: 1/305 ; جنّات الخلود: 19.
7. جنّة العاصمة: 252 ; الشمس الضحى: 154.
8. مصائب المعصومين (عليهم السلام): 127 وغيره كما يأتي.
رأيهنّ في شيء(1).
إخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) ثانياً
فاستخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) من منزله(2) مكرهاً مسحوباً(3)، وانطلقوا به(4)، يسوقه عمر(5) سوقاً عنيفاً(6)، ويقوده آخرون كما قال (عليه السلام): ".. كما يقاد الجمل المخشوش(7).. " إلى بيعتهم، مصلتة سيوفها، مقذعة أسنتها.. وهو ساخط القلب، هائج الغضب، شديد الصبر، كاظم الغيظ(8)، فجيء به تعباً(9)، وفي رواية: يمضي به ركضاً(10).. واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة من الرجال(11)، فما مرّ بمجلس من المجالس إلاّ يقال له: انطلق فبايع(12).. واتّبعه سلمان وأبو ذر والمقداد وعمّار وبريدة، وهم يقولون: ما أسرع ما خنتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وأخرجتم الضغائن التي في
____________
1. كتاب سليم: 85، وذكر بكاؤهم أيضاً في الإمامة والسياسة: 1/20 ; المسترشد: 377 ـ 378.
2. المسترشد: 381 ; الاحتجاج: 86.
3. الهداية الكبرى: 138 ـ 139.
4. شرح نهج البلاغة: 6 / 11.
5. المسترشد: 378 ; شرح نهج البلاغة: 2/50 و 6/47.
6. شرح نهج البلاغة: 6/49.
7. هذه العبارة موجودة في كتاب معاوية وجواب أمير المؤمنين (عليه السلام) له، راجع وقعة صفّين: 87 ; الفتوح، للأعثم الكوفي: 2/578 ; العقد الفريد: 4/308 ـ 309 (دار الكتاب العربي) ; نهج البلاغة: 122 ـ 123 ; الفصول المختارة: 287 ; تقريب المعارف: 237 ; المناقب للخوارزمي: 175 ; الاحتجاج: 171 ; شرح نهج البلاغة: 15/74 و 183 ; صبح الأعشى: 1/228 ـ 230 ; جواهر المطالب: 1/357، 374 ; الصراط المستقيم: 3/11.
8. مصباح الزائر: 463 ـ 464.
9. تاريخ الطبري: 2/203.
10. شرح نهج البلاغة: 6/45.
11. شرح نهج البلاغة: 6/49.
12. شرح نهج البلاغة: 6/45.
صدوركم.
وقال بريدة بن الخصيب الأسلمي: يا عمر! أتيت على أخي رسول الله ووصيّه وعلى ابنته فتضربها، وأنت الذي تعرفك قريش بما تعرفك به(1)!!
وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يتألّم ويتظلّم ويستنجد ويستصرخ(2)، وهو يقول: " أما والله لو وقع سيفي في يدي، لعلمتم أنكم لم [لن] تصلوا إلى هذا أبداً، أما والله ما ألوم نفسي في جهادكم ولو كنت استمسك من أربعين رجلاً لفرّقت جماعتكم، ولكن لعن الله أقواماً بايعوني ثم خذلوني.. "(3).
ويقول أيضاً: " واجعفراه..! ولا جعفر لي اليوم، واحمزتاه..! ولا حمزة لي اليوم.. "(4).
فمرّوا به على قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فوقف عند القبر وقال: " يـ ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي )(5) " فخرجت يد من قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يعرفون أنها يده، وصوت يعرفون أنه صوته نحو أبي بكر: " يا هذا ( أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُراب ثُمَّ مِنْ نُطْفَة ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلا )(6)..؟! " قال عدي بن حاتم: ما رحمت أحداً رحمتي علياً حين أُتي به ملببا(7)..
وقال سلمان حينما رأى ذلك: أيصنع ذا بهذا؟ والله لو أقسم على الله
____________
1. كتاب سليم: 251.
2. شرح نهج البلاغة: 11/111، عن كثير من المحدّثين.
3. كتاب سليم: 85 ; بحار الأنوار: 28/270.
4. شرح نهج البلاغة: 11/111.
5. الأعراف (7): 150.
6. بصائر الدرجات: 275 ; الاختصاص: 275 ; المناقب: 2/248 ; الكشكول للآملي: 83 ـ 84 والآية الشريفة في سورة الكهف: 37.
7. الشافي: 3/244 ; تلخيص الشافي: 3/79.
لانطبقت ذه على ذه [أي السماء على الأرض](1)!!
وقال أبوذر: ليت السيوف عادت بأيدينا ثانية(2).
فخرجت فاطمة (عليها السلام) واضعة قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على رأسها آخذة بيدي ابنيها ـ وهي تبكي وتصيح فنهنهت من الناس ـ فما بقيت هاشمية إلاّ خرجت معها فصرخت وولولت ونادت: " يا أبا بكر! ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).. والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله(3).. خلّوا عن ابن عمّي..، مالي ولك يا أبا بكر؟! أتريد أن تؤتم ابنيّ وترملني من زوجي؟! والله لئن لم تكف عنه لأنشرنّ شعري، ولا شقنّ جيبي، ولآتينّ قبر أبي، ولأصيحنّ إلى ربّي.. فما صالح باكرم على الله من ابن عمّي، ولا ناقة صالح بأكرم على الله منّي، ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي.. " فقال علي (عليه السلام) لسلمان: " أدرك ابنة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإني أرى جنبتي المدينة تكفئان، والله إن نشرت شعرها، وشقّت جيبها، وأتت قبر أبيها وصاحت إلى ربّها، لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها وبمن فيها.. " فأدركها سلمان (رضي الله عنه) فقال: يا بنت محمّد! إن الله بعث أباك رحمةً.. فارجعي.
فقالت: " يا سلمان! يريدون قتل علي، ما عَلَيّ صبر ".
فقال سلمان: إنّي أخاف أن يخسف بالمدينة، وعلي (عليه السلام) بعثني إليك يأمرك أن ترجعني إلى بيتك.
فقالت:" إذاً أرجع وأصبر وأسمع له وأُطيع "(4).
____________
1. الاختصاص: 11.
2. رجال الكشي: 1/37.
3. شرح نهج البلاغة: 2/56 ـ 57 و 6/49.
4. راجع تفسير العياشي: 2/67 ; الاختصاص: 186 ; الكافي: 8/237 ; المسترشد: 381 ; المناقب: 3/339 ـ 340 ; الاحتجاج: 86 ـ 87.
قال أبو جعفر (عليه السلام): " والله لو نشرت شعرها لماتوا طرّاً "(1).
وفي رواية: عدلت بعد ذلك إلى قبر أبيها، فأشارت إليه بحزنة ونحيب وهي تقول:
" نفسي على زفراتها محبوسةيا ليتها خرجت مع الزفراتلا خير بعدك في الحياة وإنماأبكي مخافة أن تطول حياتي "
ثم قالت: " وا أسفاه عليك يا أبتاه، واثكل حبيبك أبو الحسن المؤتمن، وأبو سبطيك الحسن والحسين، ومن ربيّته صغيراً وواخيته كبيراً، وأجلّ أحبّائك لديك، وأحبّ أصحابك عليك، أولهم سبقاً إلى الاسلام، ومهاجرةً إليك يا خير الأنام.. فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير ".
ثم إنها أنّت أنّةً وقالت: " وامحمداه..! واحبيباه..!، وا أباه..! وا أبا القاسماه..! وا أحمداه..! وا قلّة ناصراه..! وا غوثاه وا طول كربتاه..! وا حزناه..! وا مصيبتاه..! وا سوء صباحاه..! " وخرّت مغشيةً عليها، فضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وصار المسجد مأتماً(2).
وفي رواية: وأصبحت فاطمة (عليها السلام) تنادي: " وا سوء صباحاه..! "، فسمعها أبو بكر فقال لها: إنّ صباحك لصباح سوء(3)(4).
الإجبار على البيعة
____________
1. الكافي: 8/237.
2. علم اليقين: 2/686 ـ 688.
3. قال الجوهرى: يوم الصباح: يوم الغارة انظر الصحاح: 1/380. وقال الطريحي: يا صباحاه! هذه كلمة يقولها المستغيث عند وقوع أمر عظيم، وأصلها إذا صاحوا للغارة، لأنّهم أكثر ما كانوا يغيرون وقت الصباح، فكأنّ القائل: واصباحاه! يقول: قد غشينا العدوّ. راجع مجمع البحرين: 2/283.
4. مصباح الأنوار: 290 ; الارشاد: 1/189.
ثم انتهى بعليّ (عليه السلام) إلى أبي بكر فأجلسوه بين يديه(1) ـ وعمر قائم بالسيف على رأسه ـ وخالد بن الوليد وأبو عبيد ة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة و معاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأُسيد بن حضير و بشير بن سعد وسائر الناس حول أبي بكر عليهم السلاح، فقال علي (عليه السلام): " ما أسرع ما توثّبتم على أهل بيت نبيّكم، يا أبا بكر! بأيّ حقّ.. وبأيّ ميراث.. وبأيّ سابقة..! تحثّ الناس إلى بيعتك؟ ألم تبايعني بالأمس بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ "(2) فجلس عمر على ركبتيه وحسر عن ذراعيه(3)، وانتهر علياً (عليه السلام) وقال له: بايع ودع عنك هذه الأباطيل، فقال له (عليه السلام): " فإن لم أفعل فما أنتم صانعون؟ " قالوا: نقتلك ذلاً وصغاراً.
وفي بعض الروايات: قال أبو بكر ـ وفي بعضها قال عمر ـ: إذاً والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك.
فقال: " إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله ".
قال أبو بكر أو عمر ـ على اختلاف النصوص ـ: أمّا عبد الله فنعم، أمّا أخا رسول الله فلا(4).
فقال علي (عليه السلام): " أما والله لولا قضاء من الله سبق وعهد عهده إليّ خليلي لست أجوزه لعلمت أيّنا أضعف ناصراً وأقلّ عدداً ".
ثم أقبل علي (عليه السلام) عليهم فقال: " يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار! أُنشدكم الله أسمعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خم.. كذا وكذا، وفي غزوة تبوك.. كذا وكذا.. " فلم يدع علي (عليه السلام) شيئاً قاله فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)علانية للعامّة
____________
1. المسترشد: 377 ـ 378.
2. كتاب سليم: 84 ـ 85، 251.
3. الكوكب الدريّ: 1/194 ـ 195.
4. راجع كتاب سليم: 86 ; الايضاح: 367 ; الامامة والسياسة: 1/19 ـ 20 ; تفسير العياشي: 2/67 ; الاختصاص: 187 ; الشافي: 3/244 ; المسترشد: 377 ـ 381 ـ الاحتجاج: 83.
إلاّ ذكّرهم إيّاه. فقالوا: اللّهم نعم، فلما تخوّف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه.. بادرهم فقال: كلّما قلت حقّ، قد سمعناه بآذاننا ووعته قلوبنا، ولكن قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول بعد هذا: إنّا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإنّ الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوّة والخلافة.
فقال علي (عليه السلام): " هل أحد من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شهد هذا معك؟ " فقال عمر: صدق خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد سمعنا هذا منه كما قال، وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل: قد سمعنا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فقال علي (عليه السلام): " لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي قد تعاقدتم عليها في الكعبة إن قتل الله محمداً أو مات لتزونّ هذا الأمر عنّا أهل البيت، فقال أبو بكر: فما علمك بذلك؟! ما اطلعناك عليها؟!
فقال علي (عليه السلام): " أنت يا زبير.. وأنت يا سلمان.. وأنت يا أباذر.. وأنت يا مقداد.. أسألكم بالله وبالإسلام أما سمعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ذلك وأنتم تسمعون: " إن فلاناً وفلاناً.. حتى عدّ هؤلاء الخمسة قد كتبوا بينهم كتاباً وتعاهدوا فيه وتعاقدوا على ما صنعوا؟ " فقالوا: اللّهم نعم، قد سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " إنّهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا وكتبوا بينهم كتاباً إن قتلت أو متُّ أن يزووا عنك هذا يا علي "، فقلتَ: " بأبي أنت يا رسول الله! فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل؟ " فقال لك: " إن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم ونابذهم، وإن لم تجد أعواناً فبايعهم واحقن دمك ".
فقال علي (عليه السلام): " أما والله لو أنّ اؤلئك الأربعين رجلاً الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله، ولكن ـ أما والله ـ لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة. وفيما يكذّب قولكم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قول الله: ( أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً
عَظِيماً )(1)
فالكتاب: النبوّة، والحكمة: السنّة، والملك: الخلافة، ونحن آل ابراهيم.. " فقام بريدة فقال: يا عمر! ألستما اللذين قال لكما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " انطلقا إلى علي (عليه السلام) فسلّما عليه بإمرة المؤمنين "، فقلتما: أعن أمر الله وأمر رسوله؟ فقال: " نعم ".
فقال أبو بكر: قد كان ذلك يا بريدة ولكنّك غبت وشهدنا والأمر يحدث بعده الأمر.
وفي رواية قال أبو بكر: قد كان ذلك ; ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ـ بعد ذلك ـ: لا يجتمع لأهل بيتي الخلافة والنبوة. فقال: والله ما قال هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فقال عمر: ما أنت وهذا يا بريده! وما يدخلك في هذا؟ قال بريدة: والله لاسكنت في بلدة أنتم فيها أُمراء.. فأمر به عمر فضُرب وأُخرج.
ثم قام سلمان فقال: يا أبا بكر! اتق الله وقم عن هذا المجلس ودعه لأهله، يأكلوا به رغداً إلى يوم القيامة، لا يختلف على هذه الاُمة سيفان.. فلم يجبه أبو بكر، فأعاد سلمان فقال مثلها، فانتهره عمر وقال: ما لك ولهذا الأمر وما يدخلك فيما هاهنا؟ فقال: مهلاً يا عمر! قم يا أبا بكر عن هذا المجلس ودعه لأهله يأكلوا به والله خضراً إلى يوم القيامة، وإن أبيتم لتحلبن به دماً، وليطمعن فيه الطلقاء والطرداء والمنافقون، والله لو أعلم أني أدفع ضيماً أو أعز لله ديناً لوضعت سيفي على عاتقي ثم ضربت به قدماً قدماً، أتثبون على وصيّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!! فابشروا بالبلاء.. واقنطوا من الرخاء.
ثم قام أبو ذر فقال: أيّتها الأُمّة المتحيرة بعد نبيّها (صلى الله عليه وآله وسلم) المخذولة بعصيانها..! إنّ الله يقول: ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ
____________
1. النساء (4): 54.
عَلَى الْعالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْض وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(1) وآل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) الأخلاف من نوح وآل إبراهيم من إبراهيم، والصفوة والسلالة من إسماعيل وعترة النبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، أهل بيت النبوّة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وهم كالسماء المرفوعة، والجبال المنصوبة، والكعبة المستورة، والعين الصافية، والنجوم الهادية، والشجرة المباركة، أضاء نورها، وبورك زيتها.. محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء، وسيد ولد آدم، وعلي وصيّ الأوصياء، وإمام المتقين، وقائد الغرّ المحجلين، وهو الصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، ووصيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)ووارث علمه، وأولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم، كما قال الله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْض فِي كِتابِ اللّهِ )(2) فقدّموا من قدّم الله، وأخّروا من أخرّ الله، واجعلوا الولاية والوزارة لمن جعل الله..
ثم قام أبو ذر والمقداد وعمار فقالوا لعليّ (عليه السلام): ما تأمر؟ والله إن أمرتنا لنضربن بالسيف حتى نُقتل. فقال علي (عليه السلام): " كفّوا رحمكم الله! واذكروا عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما أوصاكم به.. " فكفّوا.
وأقبلت أُمّ أيمن النوبية ـ حاضنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وأُمّ سلمة فقالتا: يا عتيق! ما أسرع ما أبديتم حسدكم لآل محمّد.. فأمر بهما عمر أن تخرجا من المسجد، وقال: ما لنا وللنساء(3)؟!
ثم قام عمر فقال لأبي بكر ـ وهو جالس فوق المنبر ـ: ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فيبايعك أو تأمر به فتضرب عنقه..؟ والحسن والحسين (عليهما السلام) قائمان، فلما سمعا مقالة عمر بكيا، فضمّهما (عليه السلام) إلى صدره فقال:
____________
1. آل عمران (3): 33.
2. الأحزاب (33): 6.
3. كتاب سليم: 86 ـ 87، 251 ـ 252.
" لا تبكيا فوالله ما يقدران على قتل أبيكما "، ثم قال عمر: قم يابن أبي طالب فبايع.
فقال (عليه السلام): " فإن لم أفعل؟ " قال: اذاً والله نضرب عنقك(1).. فاحتج عليهم ثلاث مرّات(2)فالتفت علي (عليه السلام) إلى القبر، وقال: " يـ ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي )(3) " ـ وفي بعض الروايات قالها قبل ذلك(4)، وفي بعضها بعده(5) ـ ورفع رأسه إلى السماء وقال: " اللّهم اشهد "(6).
فمدّوا يده كرهاً فقبض على أنامله وعسر عليهم فتحها فراموا بأجمعهم فتحها فلم يقدروا، فمسح أبو بكر عليها وهي مضمومة(7).
وفي رواية: لما بلغ ذلك العباس بن عبد المطلب أقبل مسرعاً يهرول ويقول: ارفقوا بابن أخي ولكم عليّ أن يبايعكم.. فأخذ هو بيد علي (عليه السلام) فمسحها على يد أبي بكر ثمّ خلّوه مغضباً(8).
ثم قال علي (عليه السلام): " سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ليجئن قوم من أصحابي من أهل العلية والمكانة منّي ليمرّوا على الصراط فإذا رأيتهم ورأوني.. وعرفتهم
____________
1. وفي رواية: قال عمر لعلي (عليه السلام) والزبير: لتبايعان وأنتما طائعان أو لتبايعان وأنتما كارهان. انظر الطبري: 3/203.
2. راجع كتاب سليم: 88 ـ 89.
3. كتاب سليم: ص 89 ; الاحتجاج: ص 84 ; المسترشد: ص 377 ـ 378. والآية في سورة الأعراف (7): 150.
4. بصائر الدرجات: 275 ; تفسير العياشي: 2/67 ; الاختصاص: 186، 275 ; المناقب: 2/248.
5. الإمامة والسياسة: 1/19 ـ 20 ; علم اليقين: 2/386 ـ 388.
6. الشافي: 3/244.
7. إثبات الوصيّة: 145 ـ 146 ; الشافي: 3/244 ; علم اليقين: 2/386 ـ 388.
8. تفسير العياشي: 2/68 ; الاختصاص: 187.
وعرفوني.. اختلجوا دوني فأقول: أي ربّ أصحابي.. أصحابي! فيقال: ما تدري ما أحدثوا بعدك، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم حيث فارقتهم، فأقول: بعداً وسحقاً "(1).
وأما فاطمة (عليها السلام)
وأما فاطمة (عليها السلام) ; فبقيت آثار العصرة القاسية في جسمها، وأصبحت مريضة عليلة حزينة(2)، ولزمت الفراش، ونحل جسمها، وذاب لحمها، وصارت كالخيال(3)، ومرضت مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها(4)، وما رئيت ضاحكة إلى أن قبضت(5).
عيادة الشيخين
فلما ثقلت واشتدّ مرضها(6) قال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة (عليها السلام)فإنّا قد أغضبناها.. فاستأذنا عليها فلم تأذن لهما(7)، فطالت عليهما المدافعة(8)، فأتيا علياً (عليه السلام) وقالا: قد كان بيننا وبينها ما قد علمت، فإن رأيت
____________
1. راجع كتاب سليم: 93.
2. مؤتمر علماء بغداد: 63.
3. دعائم الاسلام: 1/232.
4. دلائل الإمامة: 45، عنه بحار الأنوار: 43/170.
5. حلية الأولياء: 2/43 ; المعجم الكبير للطبراني: 22/399 ; الطبقات: 2/ ق 2/84 ; المستدرك: 3/162 ; تهذيب الكمال: 35/251 ; مجمع الزوائد: 9/211 ـ 212 ; البداية والنهاية: 6/367.
6. كتاب سليم: 253، عنه بحار الأنوار: 28/303.
7. الامامة والسياسة: 19.
8. الشافي: 4/214، عنه شرح نهج البلاغة: 16/218.
أن تأذن لنا فنعتذر إليها من ذنبنا(1).
وفي رواية: فلما رأى ذلك أبو بكر أعطى الله عهداً، لا يظلّه سقف بيت حتى يدخل على فاطمة (عليه السلام) ويترضاها، فبات ليلة في الصقيع(2) ما أظلّه شيء، ثم إن عمر أتى علياً (عليه السلام) فقال له: إنّ أبا بكر شيخ رقيق القلب وقد كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار فله صحبة، وقد أتيناها غير هذه المرّة مراراً نريد الإذن عليها وهي تأبى أن تأذن لنا حتى ندخل عليها فنتراضى، فإن رأيت أن تستأذن لنا عليها فافعل، قال: " نعم ". فدخل علي (عليه السلام) على فاطمة (عليها السلام) فقال: "
يا بنت رسول الله! قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيت.. وقد تردّدا مراراً كثيرة... ورددتِهما ولم تأذني لهما، وقد سألاني أن أستأذن لهما عليك "، فقالت: " والله لا آذن لهما ولا أكلّمهما كلمة من رأسي حتى ألقى أبي فأشكوهما إليه بما صنعاه وارتكباه مني.. "
فألحّ عليها علي (عليه السلام)(3) وقال: " فإنّي ضمنت لهما ذلك "، قالت: " إن كنت قد ضمنت لهما شيئاً.. فالبيت بيتك، والنساء تتبع الرجال لا أُخالف عليك شيء، فائذن لمن أحببت " فخرج علي (عليه السلام) فأذن لهما، فلما وقع بصرهما على فاطمة
(عليها السلام) سلّما عليها.. فلم تردّ عليهما وحوّلت وجهها الكريم عنهما!!، فتحولا واستقبلا وجهها، حتى فعلت مراراً، وقالت: " يا علي! جاف الثوب.. " وقالت لنسوة حولها: " حوّلن وجهي.. " فلما حولن وجهها حَوَّلا إليها، فقال أبو بكر: يا بنت رسول الله! إنّما أتيناك ابتغاء مرضاتك، واجتناب سخطك، نسألك أن تغفري لنا وتصفحي عمّا كان منّا إليك، قالت: " لا أكلمكما من رأسي كلمة واحدة حتى ألقى أبي.. وأشكوكما إليه.. وأشكو صنعكما وفعالكما وما ارتكبتما منّي ". قالا: إنا جئنا
____________
1. كتاب سليم: 253، عنه بحار الأنوار: 28/303.
2. خ. ل: البقيع.
3. الشافي: 4/214.
معتذرين مبتغين مرضاتك فاغفري واصفحي عنّا ولا تؤاخذينا بما كان منا.
وفي رواية: اعترفنا بالإساءة ورجونا أن تعفي عنا وتخرجي سخيمتك.
فالتفتت إلى علي (عليه السلام) وقالت: " إنّي لا أكلمهما من رأسي كلمة حتى أسألهما عن شيء سمعاه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنْ صدقاني رأيت رأيى.. " قالا: اللّهم ذلك لها، وإنّا لا نقول إلاّ حقّاً ولا نشهد إلاّ صدقاً، فقالت: " أُنشدكما بالله! هل سمعتما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " فاطمة بضعة منّي وأنا منها، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي؟! "
قالا: اللّهم نعم.
فقالت: " الحمد لله "،
ثم قالت: " اللّهم إنّي أُشهدك فاشهدوا يا من حضرني، أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي، والله لا أُكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربي فأشكوكما إليه بما صنعتما به وبي وارتكبتما مني.. " فدعا أبو بكر بالويل والثبور، وقال: ليت أُمّي لم تلدني، فقال عمر: عجباً للناس كيف ولّوك أُمورهم وأنت شيخ قد خرفت، تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها(1).
وفي رواية: قالت: " نشدتكما الله! ألم تسمعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمَنْ أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبّني، ومَنْ أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومَنْ أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ " قالا: نعم، قالت: " فإني أُشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني..
ولئن لقيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأشكونكما إليه " فانتحب أبو بكر يبكي، وهي تقول: " والله لأدعونّ الله عليك في كل صلاة أصلّيها "(1).
____________
1. علل الشرايع: 186 ـ 187، عنه بحار الأنوار: 43/202 ـ 203.
فلما خرجا قالت لامير المؤمنين (عليه السلام): " هل صنعت ما أردت؟ " قال: " نعم "، قالت: " فهل أنت صانع ما آمرك به؟ " قال: " نعم "، قالت: " فإنىّ أُنشدك الله ألاّ يصلّيا على جنازتي.. ولا يقوما على قبري "(2).
تجهيز فاطمة (عليها السلام) ودفنها وبكاء أمير المؤمنين (عليه السلام) عليها
ثم إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يمرّضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس سرّاً، إلى أن حضرتها الوفاة فأخذت تبكى، فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): " يا سيدتي! ما يبكيك؟ " قالت: " أبكي لما تلقى بعدي ". فقال لها: " لا تبكي! فوالله إن ذلك لصغير في ذات الله "(3) فوصّته بأن يتولى أمرها ويدفنها ليلاً،
____________
1. الامامة والسياسة: 19 ـ 20. أقول: قولها (عليه السلام): " والله لأدعونّ عليك.. " رواه أيضاً البلاذري في أنساب الأشراف: 10/79 (ط دار الفكر) في ترجمة أبي بكر، والجاحظ في الرسائل (السياسية)، ص 467 (ط مكتبة دار الهلال) وعنه شرح نهج البلاغة: 16/264 ; والجوهري في السقيفة وفدك عنه شرح نهج البلاغة: 16/214.
وأما العيادة ; فذكرها كثير من علماء الفريقين راجع: 167 (الهامش).
2. الشافي: 4/214، عنه شرح نهج البلاغة: 16/281.
3. مصباح الانوار (مخطوط)، عنه بحار الأنوار: 43/217.
أقول: لماذا أخرّ أبو بكر وعمر عيادتها وطلب مرضاتها إلى أن ثقلت وأيقنا بوفاتها؟!
لماذا أصرّت فاطمة (عليها السلام) على المنع وألحّ علي (عليه السلام) على الإذن لهما؟!
لماذا لم تردّ فاطمة (عليها السلام) عليهما جواب السلام..؟! ألم يكونا مسلمَيْن؟!
لماذا لم تعف عنهما..؟! أليس العفو من الصفات الحسنة التي أمرنا بها في الكتاب والسنّة؟! ولماذا...
الجواب واضح:إنّهما أرادا بهذه العيادة السياسية تلبيس الأُمور على الناس، ولماذا.. ولذا أخرّاها إلى قبل وفاتها،.. وقد أظهرت فاطمة (عليها السلام) غضبها بمنعها عن العيادة، وزاد وضوحاً حين أجاز أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يدخلا عليها، إذ صرحت بأنّها تدعو على أبي بكر، ولذا خرج باكياً.
نعم، العفو عن المقرّ لا عن المصرّ،
فلو كانا صادقَيْن! لماذا لم يردّا الخلافة المغتصبة إلى أمير المؤمين (عليه السلام)؟! ولماذا لم يردّا فدكاً إلى فاطمة (عليها السلام)؟!
ويعفى قبرها(1)، ولا يحضر عند تجهيزها والصلاة عليها ودفنها الشيخان وأعوانهم
(2).
ثم إنها لبست ثيابها الجدد ـ بعد أن اغتسلت ـ ثم أمرت أن لا تكشف(3)..
وفي بعض الروايات قالت: " لا يكشفنّ أحد لي كتفاً "(4).
فعمل أمير المؤمنين (عليه السلام) بوصيتها، فغسّلها ليلاً، وحينما كان مشغولاً بتغسيلها بكى بكاءً عالياً، ثم خرج ودموعه تسيل على خدّيه، فلما سُئل عن ذلك أجاب بأنّه وجد آثار السياط والرفسة والضربات بجسمها(5)، بل قال المقداد
____________
1. الكافي: 1/458 ; أمالى المفيد: 281.
2. علل الشرائع: 185 ; المناقب: 3/363، مصباح الأنوار، عنه بحار الأنوار: 81/390، 254 ـ 255.
3. حلية الأولياء: 2/43 ; المعجم الكبير للطبراني: 22/399 ; مسند أحمد: 6/461 ـ 462 ; الاصابة: 4/379 ; اُسد الغابة: 5/590 ; مجمع الزوائد: 9/210 ـ 211 ; مقتل الخوارزمي: 1/81 ; البداية والنهاية: 5/350 ; وفاء الوفاء: 3/903.
4. الطبقات لابن سعد: 8/18 ; الإصابة: 4/379، (8/58، ط دار الجيل) ; سير أعلام النبلاء: 2/95 ; شرح المواهب للزرقاني: 3/206.
أقول: ولعلّها تريد بذلك أن تغسل الدم عن ثيابها وجسدها وتمنع عن كشف كتفها لتخفي على أمير المؤمنين المظلوم (عليه السلام) ما أصابها من الضربات.
5. راجع مصائب المعصومين (عليهم السلام): 27 ; بيت الأحزان: 33 (لليزدي) ; جامع النورين: 244 ; شعشعة الحسينية: 144 ـ 145 ; حزن المؤمنين: 61 ; بشارة الباكين: 26 ; مرقاة الإيقان: 1/112، 125 ; أنوار الشهادة: 207، 208 (مصوّرة) ماتمكده: المجلس الثالث عشر.
: خرجت بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الدنيا وظهرها وجنبها يدميان من أثر ضربات السيف والسياط(1). فصلّى عليها أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلاً(2) ولم يشهدها إلاّ خواصه(3).
فدفنها أمير المؤمنين (عليه السلام) وعَفَّى موضع قبرها.. فلما نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خدّيه وحوّل وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: " السلام عليك يا رسول الله منّى والسلام عليك من ابنتك وحبيبتك، وقرّة عينك، وزائرتك، والبائتة في الثري ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك.. قلّ يا رسول الله! عن صفيّتك صبري، وضعف عن سيّدة النساء تجلّدي، إلاّ أن في التأسّي لي بسنّتك والحزن الذي حلّ بي لفراقك موضع التعزي، ولقد وسّدتك في ملحود قبرك، بعد أن فاضت نفسك على صدري، وغمّضتك بيدي، وتولّيت أمرك بنفسي، نعم وفي كتاب الله أنعم القبول ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ )(4) قد استُرجِعَت الوديعة وأُخذت الرهينة وأُخلست الزهراء فما أقبح الخضراء والغبراء.
يا رسول الله! أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهّد، لا يبرح الحزن من
____________
1. كامل بهائي: 1/312. (فارسي)
2. له مصادر كثيرة عن العامة والخاصة كما يأتي في محلّه ان شاء الله تعالى.
3. المشهور حضور سبعة من الأصحاب للصلاة على فاطمة (عليها السلام) وهم: سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وحذيفة وعبد الله بن مسعود وهذا هو المروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) كما في الخصال: 361 ورجال الكشى: 1/34 ح 13 ولكن ورد في غير واحد من المصادر حضور غيرهم والمتحصّل من الجميع حضور: الإمام الحسن والإمام الحسين (عليهما السلام)، وعقيل، وعبد الله بن جعفر وبريدة والعباس وابناه فضل وعبد الله وأُسامة والزبير ونفر من بني هاشم وبنات أمير المؤمنين (عليه السلام) ونسوة من قريش وأسماء بنت عميس وخادمتها فضة، راجع إعلام الورى: 152 ; المناقب: 3/363 ; بحار الأنوار: 43/180، 183، 189، 192، 199 ـ 200 و 81/310 ; كامل بهائي: 1/312.
4. البقرة (2): 156.
قلبي أو يختار الله لي دارك الّتي فيها أنت مقيم، كمد مقيّح، وهم مهيّج، سرعان ما فرّق بيننا وإلى الله أشكو..
وستنبئك ابنتك بتظاهر أُمّتك عليّ وعلى هضمها حقّها فاستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً، وستقول و ( يَحْكُم اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ )(1).
سلام عليك ـ يا رسول الله! ـ سلام مودّع، لاسئم ولا قال، فإنْ أنصرف فلا عن ملالة، وإنْ أقم فلا عن سوء ظنّي بما وعد الله الصابرين الصبر أيمن وأجمل، ولو لا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند، قبرك لزاماً، والتلبّث عنده معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزيّة فبعين الله تدفن بنتك سرّاً.. ويهتضم حقّها قهراً.. ويمنع إرثها جهراً.. ولم يطل العهد، ولم يخلق منك الذكر، فإلى الله ـ يا رسول الله! ـ المشتكى، وفيك أجمل العزاء.. فصلوات الله عليها وعليك ورحمة الله وبركاته "(2).
____________
1. يونس (10): 109.
2. أمالي المفيد: 281 ; بشارة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): 258 ; الكافي: 1/458 ; أمالي الطوسي: 1/107 ; (ط النجف) ; دلائل الإمامة: 47 ; بحار الأنوار: 43/193، 211، وله مصادر أُخرى يأتي مع الإشارة إلى موارد اختلاف النُسخ، راجع الرواية المرقّمة [130] في الفصل الآتي.
اللهم العن كل من ظلم الزهراء فاطمة عليها السلام وظلم امير المؤمنين علي عليه السلام وكل نجس يدافع عن المجرمين المنافقين خونة الاسلام
تعليق