|
مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كلما حمد الله شي ء وكما يحب الله أن يحمد وكما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله ولا إله إلا الله كلما هلل الله شي ء وكما يحب الله أن يهلل وكما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله والصلاة والسلام على مصابيح الدجى في ديجور العمى، وسفن النجاة في بحور الظلام، أعلام الهدى ومفاتيح الرحمة والخلاص، الطهر الميامين، وأحباب رب العالمين محمد وآله الطيبين الطاهرين. قال الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم {يُرِيدُونَ ليطفئوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(1)، وعليه فقد انتشرت في الآونة الأخيرة بعض الاسطوانات التي لا هدف منها إلا التجريح والافتراء على طائفة من المسلمين بما لا يليق، فعمدوا إلى آيات الذكر الحكيم النازلة في المشركين فجعلوها في المسلمين كما هو عهد الخوارج، والهم الأساسي لها هو بث روح التفرقة والعنصرية في وقت نحن أحوج ما فيه إلى الوحدة الإسلامية، ولكن بحول الله وبقوة منه سنناقش ما تعرضت له تلكم الاسطوانات ونبين حقيقة ما فيها، عسى الله أن يتقبل منا بخالص القبول.
حرره الفقير إلى ربه العبد المذنب السيد سليل الرسالة الموسوي في العاشر من ربيع الأول لسنة 1427 هـ الموافق الثامن من شهر إبريل لسنة 2006
(1/1)
__________
(1) سورة الصف 8
الرد على مسألة نشأة الشيعة وهويتهم
الفصل الأول:
لقد أبدع عميد المنبر الحسيني الشيخ الدكتور أحمد الوائلي تغمده الله بواسع رحمته في بيان نشأة التشيع ومتى بدأ التشيع حيث يقول بعد أن استعرض الآراء في نشأة التشيع "رأي الشيعة وغيرهم من المحققين من المذاهب الأخرى، حيث ذهب هؤلاء إلى أن التشيع ولد أيام النبي صلى الله عليه وآله وأن النبي نفسه هو الذي غرسه في النفوس عن طريق الأحاديث التي وردت على لسان النبي صلى الله عليه وآله وكشفت عما لعلي عليه السلام من مكانة"(1) وفي الحقيقة إن النبي صلى الله عليه وآله بيَّنَ وبشكل واضح هوية التشيع، وعندما نزلت الآية المكرمة {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}(2) قال النبي صلى الله عليه وآله أنت يا علي وشيعتك(3). ويروي ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة الإمام علي سلام الله عليه "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا علي إذا كان يوم القيامة يخرج قوم من قبورهم لباسهم النور على بخائب من نور أزمتها يواقيت حمر تزفهم الملائكة إلى المحشر فقال علي تبارك الله ما أكرم هؤلاء على الله قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا علي هم أهل ولايتك وشيعتك ومحبوك يحبونك بحبي ويحبوني بحب الله هم الفائزون يوم القيامة"(4).
وفي الحقيقة عُرف عن بعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم بأنهم شيعة علي بن أبي طالب ودونكم كتب التأريخ والتراجم لتقعوا على تراجع هؤلاء مثل أبو ذر الغفاري، عمار بن ياسر، المقداد بن الأسود، سلمان المحمدي، حذيفة بن اليمان، ، أبي الهيثم بن التيهان ، سهل بن حنيف ، عبادة بن الصامت ، أبي أيوب الأنصاري ، خزيمة بن ثابت، جابر بن عبد الله الأنصاري، عبد الله بن مسعود، أبي بن كعب، عمرو بن الحمق الخزاعي، حجر (1/2)
__________
(1) هوية التشيع: ص 26
(2) سورة البينة 7
(3) تفسير الطبري ج30 ص 335، فتح القدير ج5 ص 673، الدر المنثور ج8 ص 589، روح المعاني ج30 ص 207
(4) تاريخ دمشق ج 42 ص 332
بن عدي، عبد الله بن عبد المدان، عامر بن واثلة، مالك بن نويرة وغيرهم رضوان الله تعالى عليهم من أجلاء الصحابة الذين عرفوا بتشيعهم لعلي بن أبي طالب سلام الله عليه، هذا ونزيد عليهم بني هاشم. فالمتتبع لهذه الأسماء والتي وصفها بعض أهل العلم بأنهم من شيعة علي أو محبي علي أو غيرها من الأمور التي تكشف عن تشيعهم، وبالتالي فإن منشأ التشيع كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لما تقدم من الروايات التي تبين وجود شيعة للإمام علي في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله.
(1/3)
و بعد هذه المقدمة علينا أن نطلع على ما كتبه صحاب الإسطوانة ، يقول صاحب اسطوانة الحقائق الخفية في مذهب الرافضة الاثني عشرية في باب نشأة الشيعة ونبذة تعريفية "نشأت فرقة الرافضة عندما ظهر رجل يهودي من يهود اليمن اسمه (عبدا لله بن سبأ) ادّعى الإسلام وزعم محبة آل البيت ، وغالى في علي - رضي الله عنه - وادعى له الوصية بالخلافة ثم رفعه إلى مرتبة الألوهية ، وهذا ما تعترف به الكتب الشيعية نفسها."
هنا علينا أن نستعرض هذه الفكرة ونبين بُطلانها، مع أن قولنا لن يزيد فوق أعلامنا العظماء كالعلامة المحقق والباحث الناقد السيد مرتضى العسكري في كتابيه عبد الله بن سبأ وخمسون ومائة صحابي مختلق حيث أبدع في تفنيد هذه الأسطورة وجمع فيها الآراء التي تبين أن هذه الشخصية المزعومة التي ذكرها أهل العامة إنما هي من أساطير وأكاذيب سيف بن عمر التميمي .وأصل تلك الروايات كتابيّ سيف بن عمر وهما كتاب الفتوح الكبيرة والردة وكتاب الجمل ومسيرة علي وعائشة ومنهما أخذ الطبري وأخذ غيره منه.
وبين العلامة السيد مرتضى العسكري بأسلوب يقر له الجميع أن تلك الروايات ليست سوى أكاذيب سطرها سيف بن عمر التميمي المتهم بالزندقة(1) ونهل منها أرباب التأريخ دونما تمحيص وتدقيق. فكل الروايات التي ترد علينا بأخبار عبد الله بن سبأ ودوره البطولي في تأليب الناس على عثمان ودوره في واقعة البصرة هي من رواية سيف بن عمر الضبي التميمي، الذي اختلق مجموعة كبيرة من الصحابة والتابعين فقط ليدس في تأريخنا الإسلامي روايات تنخره من الداخل، وهمها الوحيد نشر روح التفرقة، فإنه كما ذكرنا سابقاً متهم بالزندقة والزنادقة لم يكن لهم هم في ذلك الوقت إلا تشتيت الدين الإسلامي الحنيف وعليه فقد نقل السيد العسكري في كتابه خمسون ومائة صحابي مختلق دور الزنادقة في ذلك العصر (أعني في نهايات الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية) فمثلاً ينقل أن إبن أبي العوجاء-و هو أحد الزنادقة- قال قُبيل مقتله بأنه وضع أربعة آلاف حديث يحلل فيها حراماً ويحرم فيها حلالاً(2)، فلا استغراب من أن يكون سيف بن عمر التميمي يسير على خطى أقرانه. ويستعرض العلامة العسكري في كتابه عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى بعض الروايات التي وردت عن سيف بن عمر الضبي التميمي بشأن أحداث تاريخية معروفة ومن ثمة يقارن تلك الأحداث برواية الثقات ليخلص إلى نتيجة واحدة بينها علماء الجرح والتعديل وهي أن سيف بن عمر كذاب ووضّاع للحديث غير معتمد على روايته أبداً ولا بأس بأن ننقل ترجمته من كتب التراجم
(1/4)
النسائي المتوفى سنة 303 هـ في كتابه الضعفاء والمتروكين بترجمة رقم256 "سيف بن عمر الضبي ضعيف".(1)
أبو محمد الرازي المتوفى سنة 327 هـ في كتابه الجرح والتعديل بترجمة رقم 1198 "عن يحيى بن معين انه قال سيف بن عمر الضبي الذي يحدث عنه المحاربي ضعيف الحديث حدثنا عبد الرحمن قال سئل أبى عن سيف بن عمر الضبي فقال متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي".(2)
إبن حبان المتوفى سنة 354 هـ في كتابه المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين بترجمة رقم 443 ما نصه"سيف بن عمر الضبي الأسيدي من أهل البصرة أتهم بالزندقة يروي عن عبيد الله بن عمر روى عنه المحاربي والبصريون كان أصله من الكوفة يروي الموضوعات عن الأثبات ثنا محمد بن عبد الله بن عبد السلام ببيروت سمعت جعفر بن أبان يقول سمعت بن نمير يقول سيف الضبي تميمي وكان جميع يقول حدثني رجل من بني تميم وكان سيف يضع الحديث وكان قداتهم بالزندقة".(3)
إبن عدي المتوفى سنة 365 هـ في كتابه الكامل في الضعفاء بعد أن ذكر أنه ضعيف "ولسيف بن عمر أحاديث غير ما ذكرت وبعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق".(4)
أبو نعيم الأصبهاني المتوفى سنة 435 هـ في كتابه الضعفاء، ترجمة رقم95 "سيف بن عمر الضبي الكوفي متهم في دينه مرمي بالزندقة ساقط الحديث لاشيء".(5)
__________ (1/5)
(1) الضعفاء والمتروكين للنسائي ص 187
(2) الجرح والتعديل للرازي ج4 ص 278
(3) الضعفاء لإبن حبان ج3 ص 345
(4) الكامل في الضعفاء لإبن عدي ج3 ص 435
(5) الضعفاء لأبي نعيم الأصبهاني ص 91
إبن حجر في تهذيب التهذيب "قال بن معين ضعيف الحديث وقال مرة فليس خير منه وقال أبو حاتم متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي وقال أبو داود ليس بشيء وقال النسائي والدارقطني ضعيف وقال بن عدي بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها وقال بن حبان يروي الموضوعات عن الأثبات قال وقالوا أنه كان يضع الحديث قلت بقية كلام بن حبان اتهم بالزندقة وقال البرقاني عن الدارقطني متروك الحديث وقال الحاكم اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط قرأت بخط الذهبي مات سيف زمن الرشيد".(1)
(1/6)
المتحصل من ذلك كله أن سيف بن عمر رجل متهم في دينه، يروي الموضوعات لا بل يضع الحديث أيضاً فهو ساقط الرواية، السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا قبل القوم رواية سيف بن عمر في شأن عبد الله بن سبأ وهم يعلمون حاله من الضعف والزندقة ووضع الحديث؟ هل لأن الموضوع يطعن في الشيعة الإمامية؟ أم أن لهم مآرب أخرى من تصديق هكذا روايات؟ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
__________
(1) تهذيب التهذيب لإبن حجر العسقلاني ج4 ص 259
عموماً عودة على ذي بدء فإن صاحب الإسطوانة اعتمد على ثلاثة أقوال لصاحب المقالات والفرق وفرق الشيعة والكشي، وعموماً نستعرض أقوالهم كما نقلها صاحب الإسطوانة . يقول صاحب الإسطوانة "قال القمي في كتابه (المقالات والفرق) : يقر بوجوده ويعتبره أول من قال بفرض إمامة علي ورجعته وأظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان وسائر الصحابة" فالعاقل عليه أن ينظر في هذا القول، فإذا كانت مسألة أنه أول من قال بفرض الإمامة فهذا خطأ لأن الله جل وعلا قد فرض إمامة أمير المؤمنين سلام الله عليه على لسان النبي صلى الله عليه وآله في آية الولاية {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(1)، هذا وقد صدح بها رسول الله صلى الله عليه وآله في غير موضع، منها في ما يُسمى بحديث الدار عندما نزلت الآية الكريمة {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}(2) أمسك النبي بأمير المؤمنين سلام الله عليه وقال إن هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا(3) وأيضاً عندما أعلن النبي صلى الله عليه وآله ولاية الإمام علي على الناس في يوم الغدير حين قال من كنت مولاه فعلي مولاه وقد أنشد حسان بن ثابت قصيدته المشهورة:
يناديهـمُ يـومَ الغديـر نبيُّهـم بِخُمٍّ فأسمعْ بالرَّسـول مناديـا
وقالَ فمـن مولاكـم ووليُّكـم
فقالوا ولم يُبدوا هناك تعاميـا
إلهـك مولانـا وأنـت وليُّنـا ولم يُلْفَ منا في الولاية عاصيا
فقالَ له قم يـا علـيُّ فإننـي
رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فمنْ كنتُ مولاه فهـذا وليُّـه فكونوا له أنصارَ صدقٍ مواليا
هنـاك دعـا اللهم والِ وليَّـه
وكن بالذي عادى عليّاً معاديـا(4)
__________
(1) سورة المائدة 55 (1/7)
(2) سورة الشعراء 214
(3) تاريخ الطبري ج1 ص 543، علل الشرائع للشيخ الصدوق ج1 ص 170، الإرشاد للشيخ المفيد ج1 ص 7، أمالي الشيخ الطوسي ص 583
(4) يقول جلال الدين السيوطي في كتابه الازدهار في ما عقد الشعراء من الأحاديث والآثار ص 19 و أنشد الشيخ تاج الدين بن مكتوم لحسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه: يناديهم يوم الغدير ... الأبيات
لذلك نرى بأن مسألة فرض إمامة أمير المؤمنين سلام الله عليه أمر أقره الله جل وعلا وبلغ به رسوله الأمين صلى الله عليه وآله وسلم. (1/8)
النقطة الثانية المطروحة وهي الرجعة ولعلنا سنسهب القول فيها قليلاً حتى يتضح الأمر.الرجعة كما يعرفها علماؤنا الأجلاء هي أن يُعيد الله قوماً من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة في صورهم التي كانوا عليها. وعليه قال الشيخ المفيد عن الرجعة " واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة"(1) ونقل العلامة السيد محسن الأمين في أعيانه عن علم الهدي السيد المرتضى أنه سئل في الرجعة وأجاب: بأن الذي تذهب إليه الشيعة الإمامية أن الله تعالى يعيد عند ظهور المهدي قوما ممن كان تقدم موته من شيعته.(2)
__________
(1) أوائل المقالات للشيخ المفيد ص 46
(2) أعيان الشيعة للعلامة السيد محسن الأمين ج1 ص 132 ط دمشق.
هذا من ناحية التعريف وإذا أتينا إلى العقل فإنه لا يستبعد أن يُرجع الله تبارك وتعالى أناس إلى الحياة الدنيا بعد أن يميتهم، أولم يقل جل من قال بسم الله الرحمن الرحيم {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ}(1) ثم إن العقل أي استبعاد في ذلك ولا يراها من الممتنعات العقلية كاجتماع النقيضين والضدين وذلك لان مفاد الرجعة التي نعتقدها هي عبارة عن إحياء بعض النفوس في هذه النشأة بعد ما ذاقت الموت وهذا أمر ممكن الحصول والوقوع وشي معقول. فالمنكر للرجعة أمام أمرين إما أن يقول بأن الرجعة مستحيلة وبالتالي يُكذب القرآن الكريم وقد صرح في غير موضع رجوع أنا بعد الموت كالآية الكريمة التي ذكرناها سابقاً أو الآية الكريمة {ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(2) التي تحكي عن بني إسرائيل أو {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ}(3). القصد بأن فرض استحالة الرجعة تكذيب للقرآن الكريم، أو أن منكر الرجعة يقول والعياذ بالله بأن الله غير قادر على إرجاع الموتى وهذا كفر بواح. (1/9)
__________
(1) سورة البقرة 259
(2) سورة البقرة 56
(3) سورة البقرة 243
إذا أردنا أن نناقش الرجعة ونرى أخبارها عند أهل العامة فما علينا إلا الإطلاع على كتاب من عاش بعد الموت لعبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا المتوفى سنة 281 فقد أدرج فيه 64 رواية لأناس توفاهم الله جل وعلا ثم أحياهم مرة أخرى وعلى سبيل المثال لا الحصر ينقل بسنده إلى مالك بن أنس بن مالك قال عدت شابا من الأنصار فما كان بأسرع من أن مات فأغمضناه ومددنا عليه الثوب فقال بعضنا لأمه احتسبيه قالت وقد مات؟ قلنا نعم. قالت أحق ما تقولون؟ قلنا نعم. فمدت يديها إلى السماء وقالت اللهم إني آمنت بك وهاجرت إلى رسولك فإذا أنزلت بي شدة شديدة دعوتك ففرجتها فأسألك اللهم أن لا تحمل علي هذه المصيبة اليوم. قال فكشف الثوب عن وجهه فما برحنا حتى أكلنا وأكل معنا.(1) فالمسألة ليست بتلك الغرابة التي يصورها المخالفون وأن الرجعة من تأليف الشيعة وتلفيقهم، فالحمد لله رب العالمين. (1/10)
__________
(1) من عاش بعد الموت لابن أبي الدنيا ص 11
أما النقطة الثالثة التي يذكرها صاحب الإسطوانة هي إظهار الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان وسائر الصحابة. إذا كانت العبارة كما نقلها صاحب الإسطوانة فلا بأس بذلك فالطعن كان موجود وقد روى أهل العامة في كتبهم ما يغنينا عن البحث في مطاعن مشايخهم في كتب غيرهم. ولا بأس بأن ننقل بعض المطاعن التي ينقلها أهل العامة في حق الصحابة، ليعلم الناس من الذي يطعن في الصحابة نحن أم هم :يروي الحاكم في المستدرك بسنده إلى قيس بن أبي حازم قال جاء الزبير إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يستأذنه في الغزو فقال عمر اجلس في بيتك فقد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فردد ذلك عليه فقال له عمر في الثالثة أو التي تليها اقعد في بيتك فوالله إني لأجد بطرف المدينة منك ومن أصحابك أن تخرجوا فتفسدوا على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم" (1) فهنا نسأل هل كان الصحابة ومنهم الزبير بن العوام من الذين يفسدون الناس ؟ أوليس هذا مطعناً في حقه وفي حق أصحابه؟ وهذا مسلم بن الحجاج يروي في صحيحه بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد ناساً في بعض الصلوات فقال لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم ولو علم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً لشهدها يعني صلاة العشاء(2) وغيرها وغيرها الكثير من المطاعن التي لولا أنها تسبب ما تسبب من الفرقة والبغضاء لأدرجناها مفصلة.بعد هذا يتضح بأن ما نقله صاحب الإسطوانة عن القمي الأشعري صاحب المقالات والفرق كلها أمور موجودة ولم يبتدعها ابن سبأ من عنده ولم تكن من كيسه. (1/11)
__________
(1) مستدرك الحاكم النيسابوري ج3 ص 129 حديث رقم 4612
(2) صحيح مسلم ج1 ص 450 باب فضل صلاة الجماعة و بيان التشدد في التخلف عنها ط دار إحياء التراث
أنا هنا لست في مقام الدفاع عنه لأني من النافين أن يكون قد لعب هذا الدور الذي يصوره أبناء العامة له، ولكن بالنظر إلى ما نقله الكشي (وهو أحد الذين يستشهد بهم صاحب الإسطوانة ) نجد أن جل ما يذكر من روايات هي أن هناك رجل اسمه عبد الله بن سبأ قد غلا في أمير المؤمنين سلام الله عليه إلى أن أوصله مرتبة الألوهية والربوبية ونحن لنا موقف من أي شخص يدعي في أحد الأئمة هذا المدعى الخطير فالأئمة هم عبيد من عبيد الله سبحانه وتعالى ولا يجوز أن يرفعوا إلى تلك المرتبة التي اختص بها الباري جل وعلا وحده، وعليه يقول العلامة الحلي وهو يوضح رأي الطائفة الحقة في إبن سبأ فيقول "عبد الله بن سبأ - بالسين المهملة، والباء المنقطة تحتها نقطة واحدة - غال ملعون، حرقه أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنار، كان يزعم أن عليا (عليه السلام) إله وإنه –أي إبن سبأ- نبي لعنه الله".(1)
لكن بقيت مسألة وهي أن صاحب الإسطوانة حاول أن يوهم القراء بأن الشيعة الإمامية إنما أخذت دينها عن طريق اليهود والحال خلاف ذلك ولعلنا نشير إلى هذا الأمر عن طريق الحقائق والوقائع المثبتة في أمهات الكتب: (1/12)
__________
(1) خلاصة الأقوال للعلامة الحلي ص 372
منعت أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله من أن تكتب وأن يحدث بها وذلك على خلفية إعتلاء الخليفة الأول سدة الحكم واستلامه مقاليد الخلافة فقد روى الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة أبو بكر أنه قال: إنكم تحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافا فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه(1). ونقل ابن ماجه في سننه وصححه الشيخ الألباني بإسناده إلى قرظة بن كعب أنه قال: بعثنا عمر بن الخطاب إلى الكوفة وشيعنا . فمشى معنا إلى موضع يقال له صرار . فقال أتدرون لم مشيت معكم ؟ قال قلنا لحق صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحق الأنصار. قال لكني مشيت معكم لحديث أردت أن أحدثكم به فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم . إنكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزيز كهزيز المرجل . فإذا رأوكم مدوا إليكم أعناقهم وقالوا أصحاب محمد . فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنا شريككم.(2) خلصنا هنا أن هناك قرارات رئاسية بمنع التحديث أو كتابة سنة النبي صلى الله عليه وآله بل رفعوا شعار حسبنا كتاب الله، وما أشبه بشعار رفعه غيرهم فكان كلمة حق أرادوا بها باطل.
__________
(1) تذكرة الحفاظ للذهبي ج1 ص 2
(2) سنن ابن ماجه ج1 ص 12
(1/13)
بعد أن تبينا من النقطة السابقة منع تدوين أو التحديث بالسنة النبي صلى الله عليه وآله نجد أن الخليفة الثاني في المقابل أعطى كعب الأحبار وغيره من اليهود المكانة المقربة، حتى أصبح لكعب الأحبار مجلس يحدث في حين أن سنة النبي صلى الله عليه وآله قد مُنعت من التحديث. وكعب الأحبار هذا هو كعب بن ماتع الحميري أحد أحبار يهود اليمن أسلم وقدم في عهد الخليفة الثاني، بإختصار هذه ترجمة كعب الأحبار من كتب التراجم كالتهذيبين وتذكرة الحفاظ، فدعونا ننظر في بعض الذي يروي كعب من الأساطير فقد روى له الطبري في تفسيره أن كعب قال: لما كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه فطفق موسى يقول: أي رب والله ما أفقه هذا حتى كلمه آخر الألسنة بلسانه بمثل صوته فقال موسى أي رب أهكذا كلامك؟ فقال: لو كلمتك بكلامي لم تكن شيئا قال: أي رب هل في خلقك شيء يشبه كلامك؟ فقال: لا وأقرب خلقي شبها بكلامي أشد ما يسمع من الصواعق،(1) رواية أخرى من روايات كعب ولكن ناقلها هذه المرة هو القرطبي في تفسير فيقول" روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:ولد لنوح سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد حام القبط والبربر والسودان. وقال كعب الأحبار : احتلم آدم عليه السلام فاختلط ماؤه بالتراب فأسف فخلقوا من ذلك الماء فهم متصلون بنا من جهة الأب لا من جهة الأم وهذا فيه نظر لأن الأنبياء صلوات الله عليهم لا يحتلمون وإنما هم من ولد يافث ".(2) ورواية أخرى يرويها الطبري عن كعب فيقول" قال : لما خلق الله تعالى العرش قال : لن يخلق الله خلقا أعظم مني فاختز فطوقه الله بحية للحية سبعون ألف جناح في الجناح سبعون ألف ريشة في كل ريشة سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف فم في كل فم سبعون ألف لسان يخرج من أفواهها في كل يوم من التسبيح
__________
(1) تفسير الطبري ج4 ص 367
(2) تفسير القرطبي ج11 ص 53
(1/14)
عدد قطر المطر وعدد ورق الشجر وعدد الحصى والثرى وعدد أيام الدنيا وعدد الملائكة أجمعين فالتوت الحية بالعرش فالعرش إلى نصف الحية وهي ملتوية به وقال مجاهد : بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب نور وحجاب ظلمة وحجاب نور وحجاب ظلمة".(1)
نجد أن روايات النبي صلى الله عليه وآله قد منعت ويُعاقب من يرويها في حين أن كعب الأحبار ووهب بن منه وعبد الله بن سلام وغيرهم من اليهود الذين أظهروا الإسلام يعيثون في الأرض فساداً ولا عليهم من رقيب أو حسيب، أفلا يحق لنا نحن أن نتهمهم بأن مذاهبهم قائمة على ثقافات يهودية؟ وتكاد لا تجد كتاب من كتب العقيدة أو التفسير أو الحديث يخلو من الإسرائيليات التي تكلم بها كعب وغيره، والأدهى والأمر من ذلك عندما نجد أبا هريرة ينسب روايات كعب إلى النبي صلى الله عليه وآله(2) أو نجد أنهم ينقلون في كتبهم أن عبد الله بن عباس رضوان الله تعالى عليه وهو ترجمان القرآن الكريم كان يأتي كعباً ويسأله عن تفسير بعض الآيات، حقيقة أنها مصائب تدمي القلوب والعيون.
الفصل الثاني:
الرد على مقال مختصر تاريخهم
إن الباري جل وعلا قال في محكم كتابه المجيد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}(3) فلذلك أنا أدعو الأخوة من مذهب أهل العامة أن يتبينوا حقيقة ما يُكتب ضد الشيعة الإمامية ولا يأخذوا تلك المقالات على أنها قرآن وأن ما فيها هي حقائق ووقائع قطعية وحتمية، لأننا وبكل أسف بعد إطلاعنا على المقال اكتشفنا أن جل ما فيه هو عبارة عن أكاذيب وتلفيقات نبينها في موضعها إن شاء ربي تعالى. وسيكون التعليق على في هذا الفصل على النقاط ذات الأهمية فقط.
__________
(1) المصدر السابق ج15 ص 258
(2) تفسير ابن كثير ج3 ص 603
(3) سورة الحجرات 6
(1/15)
14هـ : هذه السنة أساس حنق الرافضة على الإسلام وأهله ، وذلك أنه في هذه السنة كانت معركة القادسية التي انتصر فيها المسلمون على أجداد الرافضة الفرس المجوس ، وكان ذلك في خلافة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(1/16)
حقيقة أمر الرجل عجيب، فهنا يقول بأن الشيعة حنقوا على الإسلام وأهله وأن أجداد الشيعة هم المجوس، في حين أنه يقول عندما تحدث عن نشأة الشيعة بأنها فرقة نشأت بعد ظهور عبد الله بن سبأ. بالله عليكم هل رأيتم هكذا تناقض؟ المسألة واضحة فإن الذي يحاول أن يلفق التهم زوراً وبهتانا دائماً ما يقع في إشكاليات هو يحيكها بنفسه. عموماً أحب أن أعلق على نقطة معينة عنا، ليست المسألة انتقاصاً من قومية معينة ولا انتصار لغيرها فإن ميزان التفاضل حدده الباري جل وعلا حينما قال {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(1) ولكن من باب الرد على القوم فقط لا غير.
__________
(1) سورة الحجرات 13
إن الشيعة الإمامية لهم اثني عشر إماماً وهم علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، فولداه الحسن والحسين، وبعدهم علي بن الحسين ، فمحمد بن علي، فجعفر بن محمد، فموسى بن جعفر، فعلي بن موسى، فمحمد بن علي، فعلي بن محمد، فالحسن بن علي، فالحجة بن الحسن صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهؤلاء هم من أطهر وأعرق وأشرف بيوت العرب، وعلماؤنا الأبرار من بعد عصر الغيبة الكبرى أمثال الشريف المرتضى علم الهدى، وأخوه الشريف الرضي، والشيخ محمد بن محمد بن النعمان العكبرى البغدادي أبو عبد الله المفيد، والشهيد الأول والشهيد الثاني ، والعلامة الحسن بن يوسف الحلي، والشيخ نجم الدين بن نما الحلي، وعلماء جبل عامل أكثر من أن نحصيهم، وأسرة آل طاووس وغيرهم الكثير من علمائنا الأبرار هم من العرب ، ويقول الدكتور الوائلي رحمه الله في هوية التشيع " أما أصحاب الصحاح الشيعة وهم كل من محمد بن يعقوب الكليني صاحب الكافي ، ومحمد بن علي بن الحسين المعروف بابن بابويه القمي ، صاحب من لا يحضره الفقيه ، ومحمد بن الحسن بن علي الشيخ الطوسي صاحب التهذيب والإستبصار ، فإن هؤلاء لا يوجد نص على عدم عروبتهم ومن وجد دليلا على أعجميتهم فليفدنا"(1). في المقابل نحن يحق لنا أن نسأل عن أنساب علماء وأئمة أهل العامة وأصولهم، فنشير على سبيل المثال لا الحصر:
سلمة بن دينار ، أبو حازم الأعرج الأفزر التمار المدني القاص الزاهد الحكيم. أصله فارسي نقل ذلك المزي صاحب تهذيب الكمال عن مصعب بن عبد الله الزبيري(2)
سليمان بن مهران الأسدى الكاهلي أبو محمد الأعمش. ينقل المزي في تهذيبه عند ذكر نسب الأعمش فيقول " يقال إن أصله من طبرستان ويقال من قرية يقال لها دنباوند من رستاق الري".(3) فهو أعجمي
__________ (1/17)
(1) هوية التشيع للدكتور الوائلي ص 89
(2) تهذيب الكمال للمزي ج11 ص 278
(3) المصدر السابق ج12 ص 76
عبد الرحمن بن عمرو بن أبى عمرو، أبو عمر الأوزاعي. ينقل المزي في تهذيبه عن أبوزرعة الدمشقي ما نصه" كان أصله من سباء السند وكان ينزل الأوزاع فغلب ذلك عليه".(1)
وكيع بن الجراح، أبو سفيان الكوفي. يقول صاحب تهذيب الكمال "قيل : إن أصله من قرية من قرى نيسابور ،و قيل : من الصغد .و روى عنه أنه قال : ولدت بأبة قرية من قرى أصبهان".(2) ويقول في ترجمة أبيه أن أصله من قرية من قرى الري يُقال لها أستوا(3). فنخلص إلى أنه أعجمي
يحيى بن معين بن عون بن زياد، أبو زكريا البغدادي إمام أهل الحديث كما نص عليه الحافظ المزي في تهذيبه ونقل أنه قيل أنه خراساني الأصل(4) ويعضد هذا الرأي ما نقله الحافظ إبن حجر في تهذيب التهذيب نقلاً عن ثقات إبن حبان أن يحيى بن معين أصله من سرخس.(5) ومعلوم عند الجميع أن سرخس هي إحدى المدن القديمة بنواحي خراسان ونخلص إلى أنه أعجمي
يحيى بن يحيى بن بكر بن عبد الرحمن بن يحيى الذي يقول عنه إسحاق بن راهويه أنه إمام لأهل الدنيا ينقل الحافظ المزي في ترجمته عن أحمد بن حنبل أنه قال ما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك مثل يحيى بن يحيى . (6)
زيد بن هارون بن زاذى ، ويقال : ابن زاذان ، بن ثابت السلمى. قيل : إن أصله من بخارى.(7) أعجمي
زكريا بن يحيى بن صالح بن سليمان أبو يحيى اللؤلؤي ينقل الحافظ المزي في التهذيب أن الحسن بن حماد الصاغاني قال سمعت قتيبة بن سعيد يقول فتيان خراسان أربعة زكريا بن يحيى اللؤلؤي والحسن بن شجاع وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي ومحمد بن إسماعيل البخاري(8)
__________ (1/18)
(1) المصدر السابق ج17 ص 313
(2) المصدر السابق ج30 ص 463
(3) المصدر السابق ج4 ص 517
(4) المصدر السابق ج31 ص 566
(5) تهذيب التهذيب لإبن حجر العسقلاني ج11 ص 251
(6) تهذيب الكمال للمزي ج32 ص 34
(7) المصدر السابق ج32 ص 261
(8) المصدر السابق ج9 ص 379
عبد الله بن المبارك بن واضح أبو عبد الرحمن الحنظلي مولاهم المروزي شيخ خراسان كما عبر عنه صاحب الكاشف(1) وهو من أب تركي وأم خوارزمية كما نص على ذلك الذهبي في تذكرة الحفاظ(2)
إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المعروف بابن راهويه قال عنه صاحب تهذيب الكمال ما نصه"نزيل نيسابور أحد أئمة المسلمين وعلماء الدين اجتمع له الحديث والفقه والحفظ والصدق والورع والزهد ورحل إلى العراق والحجاز واليمن والشام وعاد إلى خراسان فاستوطن نيسابور إلى أن مات".(3)
حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمى نص الحافظ المزي على أن جده كان من سبي سجستان(4)
ليث بن سعد بن عبد الرحمن، أبو الحارث المصري ينقل المزي في تهذيبه "أهل بيته يقولون نحن من الفرس من أهل أصبهان"، وأيضاً "وقال أبو الشيخ الأصبهاني سمعت أبا الحسن الطحان يقول سمعت بن زغبة يقول سمعت الليث يقول نحن من أصبهان فاستوصوا بهم خيرا وقال أيضا حدثني بن صبيح قال حدثنا إسماعيل بن يزيد قال سمعت بعض أصحابنا يقول ليث بن سعد من أهل أصبهان من ماربين وقال يحيى بن بكير سعد أبو الليث بن سعد مولى لقريش وإنما افترض أبوه سعد وجده والليث في فهم كان ديوانه فيهم فنسب إلى فهم وأصلهم من أصبهان"(5). ولا دليل على ما قاله أبو سعيد بن يونس فهل سيعرف نسب ليث أكثر منه ومن أهله؟
الإمام أبو حنيفة، النعمان بن ثابت بن زوطا التيمي أبو حنيفة الكوفي.(6) مولى بني تيم الله بن ثعلبة فقيه أهل العراق وإمام أصحاب الرأي وقيل إنه من أبناء فارس.(7)
__________
(1) الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة لحمد بن أحمد الذهبي ج1 ص 591
(2) تذكرة الحفاظ للذهبي ج1 ص 275
(3) تهذيب الكمال للمزي ج2 ص 373
(4) المصدر السابق ج7 ص 239
(5) المصدر السابق ج24 ص 256
(6) الكاشف للذهبي ج2 ص 322
(7) تهذيب الكمال للمزي ج29ص 418
(1/19)
البخاري صاحب الصحيح، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي.(1) يقول إبن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري عندما ذكر نسب صاحب الصحيح وضبط اسمه واسم جده فلما وصل إلى بردزبه قال "وجده بردزبه بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وكسر الدال المهملة وسكون الزاي المعجمة وفتح الباء الموحدة بعدها هاء هذا هو المشهور في ضبطه وبه جزم بن ماكولا وقد جاء في ضبطه غير ذلك وبردزبه بالفارسية الزراع كذا يقوله أهل بخارى وكان بردزبه فارسيا على دين قومه ثم أسلم ولده المغيرة على يد اليمان الجعفي وأتى بخارى فنسب إليه نسبة ولاء".(2) فالمتحصل أنه فارسي.
أبو داوود صاحب السنن، سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير السجستاني. يقول الذهبي في تذكرة الحفاظ"قلت الثبت أن أبا داود من سجستان إقليم يتاخم أطراف مكران والسند وهو وراء هراة وبعضهم يقول انه من سجستان قرية من قرى البصرة".(3) فالذهبي يقول الثبت أي الصحيح أنه من سجستان وبالتالي هو أعجمي ما لم يُبت غير ذلك.
الترمذي صاحب السنن ،محمد بن عيسى بن سورة بن موسى الترمذي ينقل ياقوت الحموي في معجم البلدان "من أهل هذه البلدة أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي الضرير صاحب الصحيح أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث صنف الجامع والعلل تصنيف رجل متقن وبه كان يضرب المثل تلمذ لمحمد بن إسماعيل البخاري وشاركه في شيوخه"(4). ويقول المزي في تهذيبه "وقال الحاكم أبو أحمد سمعت عمران بن علان يقول مات محمد بن إسماعيل البخاري ولم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى في العلم والورع". (5) فالمتحصل أنه أعجمي
__________
(1) تذكرة الحفاظ للذهبي ج2 ص 555
(2) فتح الباري شرح صحيح البخاري لإبن حجر العسقلاني ج1 ص 477
(3) تذكرة الحفاظ للذهبي ج2 ص 593
(4) معجم البلدان للحموي ج 2 ص 27
(5) تهذيب الكمال للمزي ج9 ص 344
(1/20)
إبن ماجه صاحب السنن، محمد بن يزيد الربعي مولاهم أبو عبد الله بن ماجة القزويني ينقل المزي في تهذيبه "ذكره الحافظ أبو يعلى الخليل بن عبد الله الخليلي القزويني في رجال قزوين".(1) أعجمي
الطيالسي صاحب المسند، سليمان بن داود بن الجارود يقول المزي في تهذيبه "فارسي الأصل وهو مولى القريش وقال يحيى بن معين مولى لآل الزبير بن العوام وأمه فارسية كانت مولاة لبني نصر بن معاوية".(2)
الذهبي صاحب سير أعلام النبلاء، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي يقول عنه إبن حجر في الدرر الكامنة في أعيان السنة الثامنة في ترجمة الذهبي قال: " محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله التركماني الأصل الفارقي ثم الدمشقي الحافظ أبو عبد الله شمس الدين الذهبي ولد في ثالث ربيع الآخر سنة 673 ".
عبد العزيز بن عبد الله بن أبى سلمة الماجشون كان كما يعبر عنه الذهبي في الكاشف أنه إماماً معظماً(3) قال الحافظ المزي في تهذيب الكمال "قال أبو محمد بن حيان حكى بن أبي خيثمة أنه كان من أهل أصبهان ونزل المدينة وكان يلقي الناس فيقول جوني، جوني قال وسئل أحمد بن حنبل كيف لقب الماجشون فقال تعلق من الفارسية بكلمة إذا لقي الرجل يقول شوني، شوني فلقب الماجشون وقال إبراهيم بن إسحاق الحربي الماجشون فارسي وإنما سمي الماجشون لأن وجنتيه كانتا حمراوين فسمي بالفارسية المايكون خمر فشبه وجنتاه بالخمر فعربه أهل المدينة فقالوا الماجشون".(4)
__________
(1) المصدر السابق ج27 ص 41
(2) المصدر السابق ج11 ص 401
(3) الكاشف للذهبي ج1 ص 656
(4) تهذيب الكمال للحافظ المزي ج18 ص 155
(1/21)
فهؤلاء اخترناهم على عجالة وبعفوية وإلا لو أردنا تقليب الأوراق والبحث لامتلأت الصفحات، ولما كفانا بحث كامل فقط في أسمائهم. فالمتحصل من هذا كله أن أغلب علماء أهل السنة وأئمتهم وسادات مذاهبهم هم من الفرس، في حين نجد أن أغلب علماء الإمامية وكل أئمتهم هم من العرب فلماذا يحاولون إثارة قوميات معينة، جاء الإسلام ليخلص العالم منها و يبين أن الفضل كل الفضل للعابد الزاهد المؤمن التقي و لو لم يكن عربياً و الويل و العذاب للكافر العاصي ولو كان من بني هاشم.وسلام الله على علي أمير المؤمنين حين يقول في أبياته المعروفة:
لعمـرك مـا الإنسـان إلا بدينـه
فلا تترك التقوى اتكالا على النسب
فقد رفع الإسلام سلمـان فـراس و
وضع الشرك الشريف أبا لهـب
16هـ :
فتحت عاصمة الفرس ( المدائن ) وبهذا سقطت الدولة الفارسية ، وبقي صدى هذه
الحادثة يتردد في قلوب الرافضة حسرة وندامة .
هذا الكلام طبعاً مما لا دليل عليه ولا يعدوا كونه صف كلام لا أكثر ولا أقل، وإلا لو كان الرجل صادقاً فليبين أين كانت الحسرة في قلوب الإمامية في سقوط دولة الفرس؟ (1/22)
23هـ :
قام ( بابا علاء الدين
) كما تسميه الرافضة فهو رمز من رموزهم في الحرب ضد الإسلام ، واسمه أبو لؤلؤة
المجوسي ، قام بقتل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
قوله بأن أبا لؤلؤة هو رمز من رموزنا هذا كلام لا دليل عليه، وإن كان السبب في ذلك قوميته الفارسية فإنا قد بيننا أن بلاد فارس كانت مهد لعلماء العامة وصاحبة الفضل بعد الله على نشوء مذاهبهم وانتشار عقائدهم، من جانب آخر نرى بأن قصة قتل الخليفة الثاني فيها بعض الغموض ولنتعرض لها مع طرح بعض التساؤلات.
يروي الطبري في تاريخه عن المسور بن مخرمة فيقول"قال خرج عمر بن الخطاب يوما يطوف في السوق فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة وكان نصرانيا فقال يا أمير المؤمنين أعدني على المغيرة بن شعبة فإن علي خراجا كثيرا قال وكم خراجك قال درهمان في كل يوم قال وأيش صناعتك قال نجار نقاش حداد قال فما أرى خراجك بكثير على ما تصنع من الأعمال قد بلغني أنك تقول لو أردت أن أعمل رحى تطحن بالريح فعلت قال نعم قال فاعمل لي رحى قال لئن سلمت لأعملن لك رحى يتحدث بها من بالمشرق والمغرب ثم انصرف عنه فقال عمر رضي الله تعالى عنه لقد توعدني العبد آنفا قال ثم انصرف عمر إلى منزله فلما كان من الغد جاءه كعب الأحبار فقال له يا أمير المؤمنين اعهد فإنك ميت في ثلاثة أيام قال وما يدريك قال أجده في كتاب الله عز وجل التوراة قال عمر آلله إنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة قال اللهم لا ولكني أجد صفتك وحليتك وأنه قد فني أجلك قال وعمر لا يحس وجعا ولا ألما فلما كان من الغد جاءه كعب فقال يا أمير المؤمنين ذهب يوم وبقي يومان قال ثم جاءه من غد الغد فقال ذهب يومان وبقي يوم وليلة وهي تلك إلى صبّحتها قال فلما كان الصبح خرج عمر إلى الصلاة وكان يوكل بالصفوف رجالا فإذا استوت جاء هو فكبر قال ودخل أبو لؤلؤة في الناس في يده خنجر له رأسان نصابه في وسطه فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته"(1) ، وأيضاً ينقل الطبري عن سعيد بن المسيب"
أن عبد الرحمن بن أبي بكر قال غداة طعن عمر مررت على أبي لؤلؤة عشي أمس ومعه جفينة والهرمزان وهم نجي فلما رهقتهم ثاروا وسقط منهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه فانظروا بأي شيء قتل وقد تخلل أهل المسجد وخرج في طلبه رجل من بني تميم فرجع إليهم التميمي وقد كان ألظ بأبي لؤلؤة منصرفه عن عمر حتى أخذه فقتله وجاء بالخنجر الذي وصفه عبد الرحمن بن أبي بكر فسمع بذلك عبيد الله بن عمر فأمسك حتى (1/23)
__________
(1) تاريخ الطبري ج2 ص 559
مات عمر ثم اشتمل على السيف فأتى الهرمزان فقتله فلما عضه السيف قال لا إله إلا الله ثم مضى حتى أتى جفينة وكان نصرانيا من أهل الحيرة ظئراً لسعد بن مالك أقدمه إلى المدينة للصلح الذي بينه وبينهم وليعلم بالمدينة الكتابة فلما علاه بالسيف صلب بين عينيه وبلغ ذلك صهيبا فبعث إليه عمرو بن العاص فلم يزل به وعنه ويقول السيف بأبي وأمي حتى ناوله إياه وثاوره سعد فأخذ بشعره وجاؤوا إلى صهيب".(1) ولا بأس بأن ننقل ترجمة الهرمزان من كتاب الإصابة لإبن حجر العسقلاني فيقول"الهرمزان الفارسي كان من ملوك فارس وأسر في فتوح العراق وأسلم على يد عمر ثم كان مقيما عنده بالمدينة واستشاره في قتال الفرس"(2). ونحن هنا بدورنا نطرح بعض الأسئلة التي ترد في ذهن أي قارئ:
إن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى بأن يخرج المشركون من جزيرة العرب(3) فلماذا خالف بعض الصحابة وصية رسول الله عليه وآله وقد أدخلوا جفينة النصراني وأبو لؤلؤة وابنته وهما كما تقول الروايات على غير الإسلام؟
كعب الأحبار اللاعب الخفي في المسألة يأتي إلى الخليفة ويؤكد عليه أنه سيقتل {أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}(4) ويذّكره عدة مرات بمقتله؟
أبو لؤلؤة يحنق ويريد قتل عمر بن الخطاب لأنه رفض أن يشفع له عند سيده بسبب الخراج الذي يدفعه إلى المغيرة؟ أوليس الأولى والأجدر أن يقتل المغيرة بن شعبه لأنه هو الذي يأخذ منه الخراج فيتخلص منه ومن تسلطه؟ ثم وما دخل إبن الخطاب فلا له في المسألة ناقة ولا بعير.
__________ (1/24)
(1) المصدر السابق ج2 ص 587
(2) الإصابة لإبن حجر ج6 ص 572
(3) صحيح البخاري ج3 ص 1111
(4) سورة مريم 78
يصر المغيرة على أن يُدخل أبو لؤلؤة إلى المدينة بحجة كثرة فنونه الحرفية، ويُدخل سعد بن أبي وقاص أخاه من الرضاعة جفينة النصراني بحجة أنه من العباد وسيعلم الناس الكتاب؟ أي كتاب سيعلمهم هذا النصراني؟ أوليس التحديث بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله ممنوع؟ أم أن أحاديث نبي الإسلام ممنوعة وأحاديث أهل الكتاب المحرفة مسموحة؟
أمر مهم وهو أن المغيرة بن شعبة قال لعثمان عندما بايعه الناس: أما والله لو بويع غيرك لما بايعناه.(1)
إصرار المغيرة وسعد على دخول أبو لؤلؤة وجفينة، وكعب الأحبار يخبر عمر بأنه راحل عن هذه الدنيا، وقصة عمر مع أبي لؤلؤة مما لا يقبله عقل. المسألة أكبر من هذه النصوص التي نقلت وليس على المرء إلا قراءة ما بين الأسطر ليستشف الحقيقية.
يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة ، فو الذي يحلف به أبو سفيان ، ما من عذاب ولا حساب ، ولا جنة ولا نار ، ولا بعث ولا قيامة .(2)
(1/25)
__________
(1) السقيفة وفدك للجواهري ص 85
(2) شرح نهج البلاغة للعامة المعتزلي ج9 ص 53
34 هـ : ظهر عبد الله ابن سبأ اليهودي الصنعاني الملقب بابن السوداء وادعى الإسلام ظاهراً ، مع كفره باطناً ؛ وأخذ يؤلب الأحزاب ضد الخليفة الثالث الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه حتى قتله الثوار بسبب فتنة ابن السوداء هذا ، وكان ذلك عام 35 هـ . وكان معتقد ابن سبأ الخبيث يقوم على أمور ذات أصول يهودية ونصرانية ومجوسية ، وهي : ( الألوهية في علي رضي الله عنه ، والوصية ، والرجعة ، والولاية ، والإمام ، والبداء ونحوها ) .
أعجب من جرأة هذا الرجل على التناقض، أوليس هو القائل بأن الشيعة الإمامية أو الرافضة كما يحلو له أن يسميهم حنقوا على الإسلام بسبب انتصار المسلمين على الفرس، وأنهم اغتموا بسبب سقوط المدائن وأنهم من دبر قتل الخليفة الثاني، وبعد ذلك كله يأتي في أحداث سنة 36 ويقول ظهر إبن سبأ. أوتراه نسي أم تناسى أنه ذكر في باب نشأة الشيعة ونبذة تعريفية "نشأت فرقة الرافضة عندما ظهر رجل يهودي من يهود اليمن اسمه (عبدا لله بن سبأ) ادّعى الإسلام وزعم محبة آل البيت ، وغالى في علي - رضي الله عنه - وادعى له الوصية بالخلافة ثم رفعه إلى مرتبة الألوهية ، وهذا ما تعترف به الكتب الشيعية نفسها." فكيف يكون لهم هذا الدور في مقتل الخليفة الثاني وكيف حنقوا واغتموا وهم لم يظهروا بعد؟ فلا أعرف أي تناقض يعيشه هذا الرجل أم أنه الحقد الأعمى الذي جعله يخبط خبط عشواء؟ أما إبن سبأ فقد قدمنا في السابق ما يغنينا عن الإعادة الآن وبيننا موقف الإمامية منه والحمد الله.
36 هـ :
قبل أن تحدث معركة الجمل بليلة اتفق الفريقين رضي الله عنهم على الصلح وباتوا
بخير ليله بينما بات ابن سبأ ومن معه من الثوار بشر ليلة ، وطفق يكيد لهم إثارة
الفريقين المصطلحين على القتال حتى تم له ما أراد من الفتنة . وفي عهد علي رضي
الله عنه جاءت السبئية طائفة عبد الله بن سبأ إلى علي رضي الله عنه ، وقالوا له
: أنت أنت !! قال : ومن أنا قالوا : الخالق الباريء ، فاستتابهم فلم يرجعوا ،
فأوقد لهم ناراً عظيمة وأحرقهم .
(1/26)
هنا نقسم هذا الجزء إلى قسمين إلى معركة الجمل وإلى خبر السبئية الذين أحرقهم أمير المؤمنين عليه السلام حسب ما ينقل الرجل
فالقصة التي يرويها عن معركة الجمل هي قصة مختصرة عما هو موجود في تاريخ الطبري ج 3 ص 29 فما فوق وسندها كتب إلي السري عن شعيب عن
سيف عن محمد وطلحة بإسنادهما. نعم سيف الذي في السند هو سيف الذي فصّلنا حاله آنفاً هو سيف بن عمر الضبي التميمي وكفانا بهذا سنداً لأن يقع من الاعتبار، ونجد أن الطبري ينقل واقعة الجمل من غير رواية سيف والرواية أصح سنداً من سابقتها ولا يوجد تعرض للصلح ولا لغيره وإنما تبين أن أهل البصرة كانوا يريدون الحرب ويسعون إليها ولم تفد فيهم مواعظ الإمام أمير المؤمنين ولا كتبه ولا رسله. فالمفروض من الرجل الأمين الذي يريد أن يوصل رسالة واضحة وعلمية أن ينتقي أصح الأخبار في الطائفة التي يتكلم عنها، حتى يرضي الله ورسوله ولا يكون من الظالمين، ولكن للأسف وجدنا الرجل ترك الأخبار المعول عليها عند الثُقات ونزح إلى أخبار الزنادقة والمتروكين يريد أن يكتب بها تأريخ طائفة كاملة من المسلمين، وهمه الوحيد ظلم هذه الطائفة {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}(1). (1/27)
__________
(1) سورة آل عمران 57
أما أخبار الذين أحرقهم الإمام سلام لله عليه فليس الخبر كما ذكره الرجل فهو ينقل عن محمد بن أحمد الملطي الشافعي في كتابه التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع فنقل النص بتمامه (1) وهذا الرجل أقل ما نقول فيه أنه نقل دونما دليل والواقع الصحيح في هذه المسألة هو ما رواه الشيخ الطوسي في اختيار معرفة الرجال عن أبي جعفر عليه السلام قال: "إن عليا عليه السلام لما فرغ من قتال أهل البصرة: أتاه سبعون رجلا من الزط فسلموا عليه وكلموه بلسانهم فرد عليهم بلسانهم. وقال لهم: إني لست كما قلتم أنا عبد الله مخلوق، قال، فأبوا عليه وقالوا له أنت أنت هو، فقال لهم: لئن لم ترجعوا عما قلتم في وتتوبوا إلى الله تعالى لاقتلنكم. قال: فأبوا أن يرجعوا ويتوبوا، فأمر أن تحفر لهم آبار فحفرت، ثم خرق بعضها إلى بعض ثم فرقهم فيها ثم طم رؤوسها ثم ألهب النار في بئر منها ليس فيها أحد فدخل الدخان عليهم فماتوا".(2) والزط كما يقول إبن منظور في لسان العرب والزبيري في تاج العروس وابن الأثير في النهاية والخليل الفارهيدي في كتاب العين أن الزّط جيل من السودان والزّطُّ أَعْرابُ جَتَّ بالهندية وهم جيل من أهل الهند إليهم تنسبُ الثياب الزُّطيّة(3)، ولم يذكر أحد من الناس بأن الزط كانوا شيعة إمامية. فنسأل الآن ما الغرض من وراء هذه الدعاوي الكاذبة؟
(1/28)
__________
(1) يذكر صاحب التنبيه والرد ذلك في باب الرافضة وأصناف اعتقادهم ج1 ص 18 و للأسف فقد حشا المؤلف كتابه بأكاذيب و افتراءات على الشيعة و بات الناس يعتبرونها واقعاً ملموسا.
(2) اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي ج1 ص 325
(3) كتاب العين للخليل بن أحمد الفاراهيدي ج7 ص 347 والنهاية في غريب الأثر لإبن الأثير ج2 ص 739 و تاج العروس للزبيدي ج1 ص 4853 ولسان العرب ج 7 ص 308
41 هـ : من أشد الأعوام نحساً على الرافضة وأغيضها لهم ، سمي عام الجماعة بسبب اجتماع كلمة المسلمين على أمير المؤمنين كاتب الوحي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما حيث تنازل له الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالخلافة ، فاندحر كيد الرفض بذلك .
هنا وقبل الشروع في شرح صلح الإمام الحسن سلام الله عليه مع معاوية بن أبي سفيان وبيان من هو المنتصر في هذا الصلح وكيف كان الصلح أول خطوة في نخر ملك بني أمية، أحب أن أتعرض لمن أسماه الرجل أمير المؤمنين كاتب الوحي معاوية بن أبي سفيان.
معاوية بن أبي سفيان، وما أدراك ما معاوية، حارب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طائعاً وأسلم مُكرهاً، أوليس معاوية هو المعير أباه أبا سفيان بالإسلام فأنشد يقول:
يا صخر لا تسلمـن يومـا فتفضحنا
بعـد الذين ببـدر أصبحوا مزقا
خالي وعمى وعم الأم ثالثهــــم
وحنظل الخير قد أهدى لنا الأرقا
لا تركنـن إلـى أمــر تكلفنــا
والراقصـات به في مكة الخرقا
فالموت أهون من قول العداة لقد
حاد ابن حرب عن العزى إذا فرقا(1)
(1/29)
__________
(1) جمهرة خطب العرب لأحمد زكي صفوت ج2 ص 23
أمير المؤمنين هذا هو الذي قال فيه رسولنا الأعظم صلوات الله وسلامه عليه وآله إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه.(1) وأمير المؤمنين هذا هو الذي أمر بسب أخو رسول الله وإبن عمه وختنه وصهره وأبو أولاده وقد ذكر الأعلام تلك الوقائع وسجلها التأريخ(2). وأمير المؤمنين هذا هو الذي إذا قنت لعن علياً والحسنين وإبن عباس(3). أمير المؤمنين هذا هو الذي يأمر الناس بأن يأكلوا أموالهم بالباطل فيما بينهم، ويقتلوا أنفسهم.(4) أمير المؤمنين هذا هو الذي أمر بقتل الصحابي عمرو بن الحمق الخزاعي(5) وطافوا برأسه بالبلاد إلى أن أهدوه إلى معاوية فكان أول رأس يحمل في الإسلام(6). أمير المؤمنين هذا هو الذي أمر بقتل
__________ (1/30)
(1) راجع موسوعة الغدير للعلامة الأميني ج10 ص 143 فما فوق نقلها عن البلاذري في تاريخه الكبير بسند صحيح
(2) صحيح مسلم ج4 ص 1870، مصنف أبو شيبة ج6 ص 366 بلفظ ذكروا عليا فنال منه ومثله في صحيح إبن ماجه ج1 ص 26 و علق الألباني بأنه صحيح، وفيات الأعيان لإبن خلكان ص 304 ،تاريخ الطبري ج3 ص 218،
(3) تاريخ الطبري ج3 ص 113، تاريخ إبن خلدون ج2 ص 635
(4) صحيح مسلم ج3 ص 1472، تفسير إبن كثير ج1 ص 687، الدر المنثور للسيوطي ج1 ص 489 ولكنه تستر على اسم معاوية،السنن الكبرى للبيهقي ج8 ص 169، التمهيد لإبن عبد البر ج23 ص 280، البداية و النهاية لإبن كثير ج2 ص 155
(5) عندما ظفر عبد الله بن أبي بلتعة بعمرو بن الحمق الخزاعي أرسله إلى والي معاوية على الموصل عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان الثقفي فكتب إلى معاوية يخبره، فكتب إليه معاوية أن الرجل طعن عثمان تسع طعنات بمشاقص فاطعنه تسع طعنات، فمات عمرو بن الحمق يرحمه الله من الطعنه الأولى أو الثانية. راجع تاريخ الطبري ج3 ص 224، تاريخ إبن خلدون ج3 ص 12، تاريخ الإسلام للذهبي ج1 ص 507
(6) الإصابة لإبن حجر العسقلاني ج4 ص 624، الطبقات الكبرى لإبن سعد ج6 ص 25، تهذيب الكمال للمزي ج21 ص 597
الصحابي الجليل حجر بن عدي الكندي وستة من أصحابه في مرج عذراء(1)وأمير المؤمنين هذا هو الذي منع الناس من التلبية في يوم عرفة بغضاً في علي بن أبي طالب(2) حتى لعنه إبن عباس بسبب منع التلبية(3)وأمير المؤمنين هذا هو إمام الفئة الباغية التي قتلت عمار بن ياسر رضوان الله تعالى عليه وقال النبي الأكرم صلوات الله وسلامه عليه وآله ويح عمار تقتله الفئة الباغية(4). أمير المؤمنين هذا هو الذي يُباع له الخمر، فغضب عبادة بن الصامت فأخذ شفرة من السوق فقام إليها فلم يذر فيها رواية إلا بقرها ، فاشتكى معاوية إلى أبو هريرة فقال أبو هريرة لعبادة بن الصامت: يا عبادة مالك ولمعاوية ذره وما حمل فإن الله يقول {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ} فأجابه عبادة يا أبو هريرة لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بايعناه على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن نقول في الله لا تأخذنا في الله لومة لائم وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأهلنا ولنا الجنة ومن وفى، وفى الله له الجنة مما بايع عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومن نكث فإنما ينكث على نفسه فلم يكلمه أبو هريرة(5)
__________ (1/31)
(1) تاريخ دمشق ج12 ص 215، البداية والنهاية لإبن كثير ج6 ص 226 و ج8 ص 49 ، تاريخ الطبري ج3 ص 218.
(2) سنن النسائي ج5 ص 253 و صححه الألباني، صحيح إبن خزيمة ج4 ص 260، مستدرك الحاكم ج1 ص 636، سنن البيهقي الكبرى ج5 ص 113 وج2 ص 419، حجة النبي للألباني ج1 ص 72.
(3) مسند أحمد ج1 ص 217، مصنف إبن أبي شيبة ج3 ص 195، كنز العمال ج5 ص 245.
(4) صحيح البخاري ج1 ص 172، صحيح مسلم ج4 ص 2236، سنن الترمذي ج5 ص 669 و صححه الألباني، مسند أحمد ج3 ص 5 و صححه الأرنؤوط، الاعتقاد للبيهقي ج1 ص 374، السنة للخلال ج2 ص 462.
(5) تاريخ دمشق لإبن عساكر ج26 ص 197.
أمير المؤمنين هذا هو الذي حاول أن ينقل منبر النبي صلى الله عليه وآله من المدينة إلى الشام حتى كُسفت الشمس(1). أمير المؤمنين هذا هو الذي سير بسر بن أرطاة بعد تحكيم الحكمين في جيش عداده ثلاثة آلاف مقاتل ليجوب البلاد فيقتل كل من وجد من شيعة على بن أبي طالب، فأخاف أهل المدينة وهدم دوراً فيها وقتل من أهلها ما قتل وتوجه إلى مكة ثم إلى اليمن وقتّل شيعة الإمام علي بن أبي طالب(2) أمير المؤمنين هذا هو الذي سم سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وريحانته الحسن بن علي(3) وبعد كل هذه المصائب هناك من يدافع عنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولا بأس بأن ندرج هنا أقوال العلماء التي تثبت أن كل فضائل معاوية موضوعة ومختلقة ولم يصح فيها إسناد واحد.
الفوائد المجموعة للشوكاني"وقال الحاكم سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب بن يوسف يقول سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول لا يصح في فضل معاوية حديث".(4)
فتح الباري لإبن حجر " وأورد بن الجوزي في الموضوعات بعض الأحاديث التي ذكروها ثم ساق عن إسحاق بن راهويه انه قال لم يصح في فضائل معاوية شيء فهذه النكتة في عدول البخاري عن التصريح بلفظ منقبة اعتمادا على قول شيخه ".(5)
__________
(1) فتح الباري لإبن حجر ج2 ص 399
(2) تاريخ الطبري ج3 ص 170- 175.
(3) الاستيعاب ج1 ص 115، تهذيب الكمال للمزي ج6 ص 253.
(4) الفوائد المجموعة للشوكاني ج1 ص 407
(5) فتح الباري لإبن حجر ج7 ص 104
(1/32)
فتح الباري لإبن حجر " عبد الله بن احمد بن حنبل سألت أبي ما تقول في علي ومعاوية فاطرق ثم قال اعلم إن عليا كان كثير الأعداء ففتش اعداؤه له عيبا فلم يجدوا فعمدوا إلى رجل قد حاربه فاطروه كيادا منهم لعلي فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما والله اعلم ".(1)
تحفة الأحوذي "اعلم أنه قد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما".(2)
فهذا هو أمير المؤمنين وأما كونه كاتباً للوحي، فأي وحي سيكتب وهو من الطلقاء؟ وأين هي الآيات التي كتبها؟ أوليس لو كان حقاً كاتباً للوحي لفخر على الناس بذلك؟ ولذكر الأمر حينما يحاول أن يلفق له فضائل مختلقة عند مراسلته لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه؟ أما كونه كان كاتباً عند رسول الله صلى الله عليه وآله لا كاتباً للوحي، فنعم لا ننكر ومما يثبت هذا الأمر أن وائل بن حجر الحضرمي عندما وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله أقطعه أرضاً فأرسل معه معاوية ليريه تلك الأرض (وهناك روايات تقول بأن النبي صلى الله عليه وآله إنما أرسل معاوية معه لينزله في منزلاً شاسعاً) وكان راكبا فقال له معاوية أعطني نعلك أتوقى بها الرمضاء فقال ما كنت لألبسها وقد لبستها وفي رواية لا يبلغ أهل اليمن أن سوقة لبس نعل ملك فقال : إردفني قال لست من أرداف الملوك ثم قال : إن الرمضاء قد أحرقت قدمي قال امش في ظل ناقتي كفاك به شرفا.(3)
__________
(1) المصدر السابق ج7 ص 104
(2) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي لأبوالعلا المباركفوري
(3) تاريخ إبن خلدون ج2 ص 470، المعجم الصغير للطبراني ج2 ص 284، مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص 624، الاستيعاب ج1 ص 495، أسد الغابة ج1 ص 1102 ، التاريخ الكبير للبخاري ج8 ص 175.
(1/33)
نأتي الآن إلى نظرة سريعة إلى مسألة الصلح وكيف أن هذا الصلح أسس أساساً لكل الثورات التي قامت على بني أمية حتى أطاح الله بحكمهم. ولكن قبله يجب أن ننظر في بعض المعطيات المحيطة بالإمام الحسن روحي فداه قبل أن يأتي الصلح وسبب الصلح. (1/34)
توفي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه من أثر ضربة أشقى الأشقياء وهو عبد الرحمن بن ملجم المرادي، فقام الإمام الحسن سلام الله عليه خطيباً ومن جملة ما قاله"
قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل ، ولا يدركه الآخرون بعمل ، لقد كان يجاهد مع رسول الله فيقيه بنفسه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يوجهه برايته فيكنفه جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، فلا يرجع حتى يفتح الله على يديه . ولقد توفي عليه السلام في الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم عليه السلام ، وفيها قبض يوشع بن نون وصي موسى ، وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه ،أراد أن يبتاع بها خادما لأهله" (1). وبعد أن أنهى سلام الله عليه خطبته صاح عبد الله بن عباس في الناس فقال: معاشر الناس هذا إبن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه. فتبادر الناس إلى بيعة أبي محمد المجتبى سلام الله عليه.
بلغ خبر استشهاد الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه ومبايعة الناس لابنه الحسن سلام الله عليه إلى معاوية بن أبي سفيان فبعث عينين من عيونه ليستقصوا الأمر، فانكشف الأمر للإمام الحسن عليه السلام وأمر بهما فضربت عنقهما، وكتب إلى معاوية يتوعده ويأمره أن يدخل فيما دخل فيه الناس، ولكن أبى معاوية إلى أن يُشهر السيف ويقاتل إمامين حتى يكون وزره أعظم.
__________
(1) الإرشاد للمفيد ج2 ص 8، مستدرك الحاكم ج3 ص 172
تحرك معاوية وسار بجيشه يريد العراق، فبلغ الإمام الحسن ذلك واستنفر الناس للقتال وأمر حجر بن عدي أن يستنفر عماله على الأمصار، ولكن تثاقل بعض الناس إلى أن شدد عليهم الإمام سلام الله عليه. خرج الإمام إلى قتال معاوية في جيش مختلف التوجهات ولعلنا نلقي نظرة إلى الجيش ونرى تقسيمه، ففي الجيش يوجد شيعة للإمام ولأبيه من قبل، وهناك محكمة (خوارج) يريدون قتال معاوية بأي طريقة، بعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم، بعضهم شكاك، وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم.(1) أمر الإمام سلام الله عليه إبن عمه عبيد الله بن العباس على الجيش وأن تكون خلافة الجيش لقيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ومن بعدها لسعيد بن قيس الهمداني وأمره أن يشاورهما في أمر الحرب. في مسير الإمام إلى المدائن خطب في الجيش ليستعلم أحوالهم من الطاعة فما وجدهم إلى متفرقين، حتى أنهم فسروا كلام الإمام بهواهم، وفي مسيره خرج إليه الجراح بن سنان الأسدي وفي يده مغول وطعن الإمام في فخذه حتى بلغ العظم، هذا إلى جانب رؤساء بعض القبائل الذين كاتبوا معاوية سراً وضمنوا له الفتك بالإمام الحسن وأنه لو أراد سلموه الحسن حياً. (1/35)
للأسف هذا كان حال الجيش الذي يسير به الإمام للقاء معاوية ومن جانب آخر الجيش الذي بعثه وأمر عليه عبيد الله بن العباس لم يكن بأحسن حالاً من جيش الإمام، قائد الجيش وعامود الركن فيه عبيد الله بن العباس استطاع معاوية أن يشري منه دينه بألف ألف درهم (مليون درهم).
__________
(1) الإرشاد للمفيد ج2 ص 9
استيقن الإمام سلام الله عليه أن الثلة المؤمنة من شيعته وشيعة أبيه لن تقوى على مواجهة جيش الشام وفي هذه الأثناء كتب معاوية إلى الإمام الحسن عليه السلام يريد الصلح فقام الإمام الحسن خطيباً في الجيش فقال: إنا والله ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر فسلبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع وكنتم في منتدبكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم ألا وإنا لكم كما كنا ولستم لنا كما كنتم ألا وقد أصبحتم بين قتيلين : قتيل بصفين تبكون له وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره فأما الباقي فخاذل وأما الباكي فثائر ألا وإن معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله عز وجل بظبا السيوف وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضا فناداه القوم من كل جانب : البقية البقية فلما أفردوه أمضى الصلح(1)
أرسل معاوية إلى الإمام الحسن رسالة مختومة بيضاء وقال له اشترط ما شئت فهو لك(2) فكانت شروط الإمام عليه السلام:
أن يعمل بكتاب الله ورسوله وسيرة الخلفاء من قبله(3)
أن يكون الأمر بعد معاوية للإمام الحسن عليه السلام(4) فإن حدث به حدث فالأمر للإمام الحسين عليه السلام(5) وليس لمعاوية أن يستخلف أو يعهد لأحد من بعده(6)
أن يترك شتم الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه(7)
أن يكون للأمام الحسن ما في بيت مال الكوفة وأن يكون له خراج دار ابجرد(8)
__________
(1) أسد الغابة ج1 ص 261، تاريخ دمشق ج13 ص 268، تاريخ إبن خلدون ج2 ص 648
(2) تاريخ الطبري ج3ص 167.
(3) هامش الإمامة والسياسة لإبن قتيبة ج1 ص 184 بتحقيق على شيري
(4) الاستيعاب ج1 ص 114
(5) عمدة الطالب لإبن عنبة ص 67
(6) الصواعق المحرقة لإبن حجر الهيتمي ج2 ص 399
(7) تاريخ إبن خلدون ج2 ص 648، تاريخ إبن عساكر ج13 ص 264
(8) تاريخ الطبري ج4 ص 122
(1/36)
فصالح الإمام الحسن عليه السلام معاوية بن أبي سفيان وقيده بتلك الشروط التي ذكرناها سابقاً، فحقن الإمام عليه السلام دماء شيعته وشيعة أبيه، فانتصر كما انتصر جده رسول الله صلى الله عليه وآله عندما صالح أهل مكة وأنزل الله سورة الفتح {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}(4)، ولعلنا نوضح كيفية انتصار الإمام سلام الله عليه بطريقة أوضح.يقول السيد عبد الحسين في كتابه صلح الإمام الحسن: كان من أبرز الخطوات التي وفقت إليها خطة الحسن عليه السلام عن طريق الصلح، في سبيل التشهير بمعاوية حياً وميتاً، والنكاية ببني أمية إطلاقا:
(1/37)
(1/38)
(1/39)
(1/40)
كانوا الجمجمة العرب عزا ومنعة وفقها ولله در لبيد حيث يقول شعرا:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
وبقيت في خلف كجلد الأجرب
لا ينفعون ولا يرجى خيرهم
ويعاب قائلهم وإن لم يشغــب
و لهذا السبب كان أهل الشام ينالون من السيدة عائشة فروي عن الزهري قال كنت عند الوليد بن عبدالملك ، فكان يتناول عائشة رضي الله عنها . فقلت : يا أمير المؤمنين ، ألا أحدثك عن رجل من أهل الشام ، كان قد أوتي حكمة ؟ قال : من هو ؟ قلت : أبو مسلم الخولاني ، سمع أهل الشام ينالون من عائشة فقال : ألا أخبركم بمثلي ومثل أمكم هذه ؟ كمثل عينين في رأس ، تؤذيان صاحبهما ، ولا يستطيع أن يعاقبهما إلا بالذي هو خير لهما فسكت (1)
الحسن البصري، أحد الأئمة الأعلام كما يعبر عنه صاحب جامع التحصيل، يقول:أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذو الفضيلة واستخلافه ابنه بعده سكيرا خميراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابير وادعاؤه زيادا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر وقتله حجرا ويلا له من حجر مرتين.(2)
سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله،فيروي إبن أبي شيبة بإسناده إلى سعيد بن جمهان قلت لسفينة إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم قال كذب بنو الزرقاء بل هم ملوك من شر الملوك وأول الملوك معاوية.(3)
__________
(1) سير أعلام النبلاء للذهبي ج4 ص 9
(2) تاريخ الطبري ج3 ص 232
(3) المصنف لإبن أبي شيبة ج7 ص 271
(1/41)
(1/42)
(1/43)
61 هـ : فيها قتل الحسين رضي الله عنه وأرضاه في يوم عاشوراء من شهر المحرم بعد أن تخلى عنه شيعته وأسلموه .
وصلنا إلى قتل الإمام الحسين سلام الله عليه مع شيعته وأهل بيته في كربلاء، هذا الجرح الذي مازال ينزف دما وحزناً ولوعة. لكن نريد أن نحلل قول الرجل قليلاً، فهو يقول أن الشيعة تخلو عن الإمام سلام الله عليه وسلموه، فعلى فرض قوله نحن نسأل الإمام سُلم لمن، ومن الذي قتله، فإذا كانت الشيعة هي من خذلته فهل نقول بأن أهل العامة هم من قتله، وإذا كانت الشيعة كما يقول سلموه وخذلوه فلم لم ينصره أحد من أهل العامة؟ الموضوع يحتاج إلى قليل من التفكير.و لا بأس أن نوضح قليلاً آراء علماء أهل العامة في من هم قتلة أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه:
الإمام أحمد بن حنبل: روى ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى الفراء أنه روى في كتابه المعتمد في الأصول بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل قال قلت لأبي إن قوما ينسبوننا إلى تولي يزيد فقال يا بني وهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله ولم لا يلعن من لعنه الله في كتابه فقلت وأين لعن الله يزيد في كتابه فقال في قوله تعالى {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} فهل يكون فساد أعظم من القتل وفي رواية فقال يا بني ما أقول في رجل لعنه الله في كتابه فذكره.(1)
أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي: كان قويا شجاعا ، ذا رأي وحزم ، وفطنة ، وفصاحة وله شعر جيد
وكان ناصبياً ، فظا ، غليظا ، جلفا . يتناول المسكر ، ويفعل المنكر افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين ، واختتمها بواقعة الحرة ، فمقته الناس ولم يبارك في عمره.(2)
__________
(1) الصواعق المحرقة لإبن حجر ج2 ص 635
(2) سير أعلام النبلاء للذهبي ج 4 ص 37
(1/44)
قال التفتازاني : الحق أن رضى يزيد بقتل الحسين وإهانته أهل البيت مما تواتر معناه وإن كان تفاصيله آحادا فنحن لا نتوقف في شأنه بل في إيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه. (1)
إبن الجوزي عما ينقله سبطه عنه:
المشهور أنه لما جاء رأس الحسين رضي الله عنه جمع أهل الشام وجعل ينكت رأسه بالخيزران وينشد أبيات ابن الزبعرى: ليت أشياخي ببدر شهدوا ... الأبيات المعروفة وزاد فيها بيتين مشتملين على صريح الكفر وقال ابن الجوزي فيما حكاه سبطه عنه ليس العجب من قتال ابن زياد للحسين
وإنما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب ثنايا الحسين وحمله آل رسول الله سبايا على أقتاب الجمال وذكر أشياء من قبيح ما اشتهر عنه ورده الرأس إلى المدينة وقد تغيرت ريحه ثم قال وما كان مقصوده إلا الفضيحة وإظهار الرأس أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج ليس بإجماع المسلمين أن الخوارج والبغاة يكفنون ويصلى عليهم ويدفنون
ولو لم يكن في قلبه أحقاد جاهلية وأضغان بدرية لاحترم الرأس لما وصل إليه وكفنه ودفنه وأحسن إلى آل رسول الله(2)
__________
(1) فيض القدير للمناوي ج3 ص 84
(2) الصواعق المحرقة لإبن حجر الهيتمي ج2 ص 630
(1/45)
أبو الفضل محمد الألوسي صاحب تفسير روح المعاني: وعلى هذا القول لا توقف في لعن يزيد لكثرة أوصافه الخبيثة وارتكابه الكبائر في جميع أيام تكليفه ويكفي ما فعله أيام استيلائه بأهل المدينة ومكة فقد روى الطبراني بسند حسن "اللهم من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل" والطامة الكبرى ما فعله بأهل البيت ورضاه بقتل الحسين على جده وعليه الصلاة والسلام واستبشاره بذلك وإهانته لأهل بيته مما تواتر معناه وإن كانت تفاصيله آحاداً، - إلى أن يقول -
الذي يغلب على ظني أن الخبيث لم يكن مصدقا برسالة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأن مجموع ما فعل مع أهل حرم الله تعالى وأهل نبيه عليه الصلاة والسلام وعترته الطيبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات وما صدر منه من المخازي ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر ولا أظن أن أمره كان خافيا على أجلة المسلمين إذ ذاك ولكن كانوا مغلوبين مقهورين لم يسمعهم إلا الصبر ليقضي الله أمرا كان مفعولا ولو سلم أن الخبيث كان مسلما فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يحيط به نطاق البيان وأنا أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين
ولو لم يتصور أن يكون له مثل من الفاسقين والظاهر أنه لم يتب واحتمال توبته أضعف من إيمانه ويلحق به ابن زياد وابن سعد وجماعة فلعنة الله عز وجل عليهم أجمعين وعلى أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم ومن مال إليهم إلى يوم الدين ما دمعت عين على أبي عبد الله الحسين
ويعجبني قول شاعر العصر ذو الفضل الجلي عبد الباقي أفندي العمري الموصل وقد سئل عن لعن يزيد اللعين : يزيد على لعني عريض جنابه ...فاغدوا به طول المدى ألعن اللعنا(1)
__________
(1) روح المعاني للآلوسي ج 26 ص 72
(1/46)
السيوطي في تاريخ الخلفاء: وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم فخرج من مكة إلى العراق في عشر ذي الحجة ومعه طائفة من آل بيته رجالا ونساء وصبيانا فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتاله فوجه إليه جيشا أربعة آلاف عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص فخذله أهل الكوفة كما هو شأنهم مع أبيه من قبله فلما أرهقه السلاح عرض عليه الاستسلام والرجوع والمضي إلى يزيد فيضع يده في يده فأبوا إلا قتله فقتل وجيء برأسه في طست حتى وضع بين يدي ابن زياد لعن الله قاتله وابن زياد معه ويزيد أيضا. وكان قتله بكربلاء وفي قتله قصة فيها طول لا يحتمل القلب ذكرها فإنا لله وإنا إليه راجعون وقتل معه ستة عشر رجلا من أهل بيته.(1)
هذا على أقوال العلماء القائلين بأن يزيد عليه المسؤولية في مقتل الإمام الحسين سلام الله عليه، وإلا فإن العلماء الذين ينفون أن ليزيد صلة بمقتل الحسين عليه السلام فإنهم يحمّلون عبيد الله بن زياد هذا الوزر، هو وعمر بن سعد بن أبي وقاص وتلك المجموعة التي فتقت في الإسلام فتقاً لا يرتق عليهم من الله ما يستحقون.
260 هـ :
توفي الحسن العسكري ، وخرجت الرافضة
الاثني عشرية الإمامية . وزعم الرافضة أن
إمامهم المنتظر محمد بن الحسن العسكري غاب
في سرداب سامراء وأنه سيرجع .
مقدمة في بيان أصل الاعتقاد بحقيقة الإمام المهدي
__________
(1) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 182
(1/47)
هنا سيكون الحديث عن الإمام الحجة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف، ونستعرض إن شاء الله أقوال الطائفة الإمامية وأقوال علماء المذاهب الإسلامية الأخرى في مسألة ولادة الحجة بن الحسن عليه السلام. أما مسألة أن سيرجع فقد أشبعنا هذه النقطة في السابق وبيننا أن الرجعة غير مستحيلة عقلاً ولا نقلاً، بمعنى أن العقل لا يستبعد هذا الأمر، فالله جل جلاله لا يَقوى أو يستصعب عليه أمر وزيادة على ذلك أن في تأريخنا الإسلامي نماذج من الرجعة كما تخبرنا عنها الروايات. (1/48)
إن الاعتقاد بحقيقة الإمام المهدي عليه السلام هي عقيدة راسخة عند جميع المذاهب الإسلامية على اختلافهم في تحديد شخص الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ووقت ولادته، ولذلك يتوهم البعض أن الإمامية هم من ابتدعوا العقيدة المهدوية ناسين أو متناسين أنها عقيدة أسسها رسول الله صلى الله عليه وآله، وذلك عندما بين صلوات الله وسلامه عليه وآله شخص المهدي وأنه من عترته وأنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، ولهذا فإن الرأي الشائع بأن الشيعة إنما ابتدعوا فكرة الإمام المهدي ليخلصهم من الظلم الواقع عليهم ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد انتشار الظلم عليهم هي فكرة خاطئة وفهم مغاير للحقيقة. وكما يقول الشيخ المظفر قدس الله سره الشريف في عقائد الإمامية "ونحن مع إيماننا بصحة الدين الإسلامي، وأنه خاتمة الأديان الإلهية، ولا نترقب ديناُ آخر لإصلاح البشر، ومع ما نشاهد من انتشار الظلم، واستشراء الفساد في العالم على وجه لا تجد للعدل والصلاح موضع قدم في الممالك المعمورة، ومع ما نرى من انكفاء المسلمين أنفسهم عن دينهم، وتعطيل أحكامه وقوانينه في جميع الممالك الإسلامية، وعدم التزامهم بواحد من الألف من أحكام الإسلام، نحن مع كل ذلك لا بدَّ أن ننتظر الفرج بعودة الدين الإسلامي إلى قوّته وتمكينه من إصلاح هذا العالم المنغمس بغطرسة الظلم والفساد.ثمّ لا يمكن أن يعود الدين الإسلامي إلى قوَّته وسيطرته على البشر عامة، وهو على ما هو عليه اليوم وقبل اليوم من اختلاف معتنقيه في قوانينه وأحكامه وفي أفكارهم عنه، وهم على ما هم عليه اليوم وقبل اليوم من البدع والتحريفات في قوانينه والضلالات في ادّعاءاتهم.نعم، لا يمكن أن يعود الدين إلى قوّته إلاّ إذا ظهر على رأسه مصلح عظيم، يجمع الكلمة، ويرد عن الدين تحريف المبطلين، ويُبطل ما أُلصق به من البدع والضلالات بعناية ربّانية وبلطف إلهي؛ ليجعل منه شخصاً هادياً مهدياً، (1/49)
له هذه المنزلة العظمى، والرئاسة العامة، والقدرة الخارقة؛ ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً. والخلاصة؛ أنّ طبيعة الوضع الفاسد في البشر البالغة الغاية في الفساد والظلم مع الإيمان بصحّة هذا الدين، وأنّه الخاتمة للأديان يقتضي انتظار هذا المصلح المهدي لإنقاذ العالم ممّا هو فيه."(1)
و أنه مما لا شك فيه بأن العقيدة المهدوية لم تولد من فراغ وإنما استسقيت عن طريق فهم الآيات القرآنية الكريمة وأيضاً عن طريق الروايات التي وردت عن طريق النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته وقد ذكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر ما نصه: (إنّ فكرة المهدي بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الأفضل قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم عموماً، وفي روايات أئمة أهل البيت خصوصاً، وأكّدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقى إليها الشك، ولقد أحصي أربعمائة حديث عن النبي صلّى الله عليه وآله من طرق إخواننا أهل السنة، كما أحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهدي من طرق الشيعة والسنة فكان أكثر من ستة آلاف رواية. هذا رقم إحصائي كبير لا يتوفّر نظيره في كثير من قضايا الإسلام البديهية التي لا شك فيها لمسلم عادة).(2)
الروايات والآراء في مسألة ولادته عليه السلام.
لقد أجمعت الإمامية وطائفة كبيرة ممن خالفهم بأن الإمام الحجة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف قد ولد، ولنا على ذلك أدلة صريحة عن طريق الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة والنبوة تصرح بولادته روحي له الفداء، ولو لم يكن إلا إجماع الطائفة الحقة على ولادته لثبت لنا الأمر، كيف وقد تواترت الأخبار بولادته وبمن تشرف برؤيته، إلى جانب ذكره من كثير من أصحاب الأنساب. وهنا نذكر بعض الروايات التي وردت والتي تثبت ولادة صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
__________
(1) عقائد الإمامية للشيخ المظفر ص 109
(2) بحث حول الإمام المهدي للشهيد السيد محمد باقر الصدر ص 63
(1/50)
عن أَبي هاشم الجعفري" قال قلت لأبي محمد ( عليه السلام ) جلالتك تمنعني من مسألتك فتأذن لي أن أسألك فقال سل قلت يا سيدي هل لك ولد فقال نعم فقلت فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه قال بالمدينة "(2)
بسنده إلى أبو الفضل الحسين بن الحسن العلوي، قال:
دخلت على أبي محمد عليه السلام بسر من رأى فهنأته بسيدنا صاحب الزمان عليه السلام لما ولد.(3)
__________
(1) الكافي لثقة الإسلام الكليني ج1 ص 328
(2) المصدر السابق ج1 ص 328
(3) الغيبة للشيخ الطوسي ص 229
(1/51)
عن أحمد بن إسحاق وسعد الأشعري قال:
دخلت على أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام وأنا أريد أن أسأله عن الخلف بعده فقال لي مبتدئا يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة الله على خلقه به يدفع البلاء عن أهل الأرض وبه ينزل الغيث وبه تخرج بركات الأرض قال فقلت يا ابن رسول الله فمن الخليفة والإمام بعدك فنهض عليه السلام مسرعا فدخل البيت ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين وقال يا أحمد بن إسحاق لو لا كرامتك على الله وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا إنه سمي رسول الله وكنيه الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الأمة مثل الخضر عليه السلام ومثله مثل ذي القرنين والله ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبته الله تعالى على القول بإمامته ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه قال أحمد بن إسحاق فقلت يا مولاي فهل من علامة تطمئن بها قلبي فنطق الغلام بلسان عربي فصيح فقال أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعداء الله فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق قال أحمد فخرجت فرحاً مسروراً فلما كان من الغد عدت إليه فقلت يا ابن رسول الله لقد عظم سروري بما مننت به علي فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين قال طول الغيبة يا أحمد بن إسحاق فقلت له يا ابن رسول الله إن غيبته لتطول قال إي وربي حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به فلا يبقى إلا من أخذ الله عهده بولايتنا وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من أمر الله وسر من سر الله وغيب من غيب الله فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غداً في عليين "(1)
__________
(1) كشف الغمة للإربلي ج3 ص 333
(1/52)
بإسناده إلى أحمد بن الحسن بن إسحاق القمي قال : لما ولد الخلف الصالح عليه السلام ورد عن مولانا أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام إلى جدي أحمد بن إسحاق كتاب فإذا فيه مكتوب بخط يده عليه السلام الذي كان ترد به التوقيعات عليه ، وفيه :ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوماً، فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته والولي لولايته أحببنا إعلامك ليسرك الله به، مثل ما سرنا به، والسلام .(1)
يذكر الصفدي في وفيات الأعيان: أبو القاسم المنتظر أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد المذكور قبله ثاني عشر الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية المعروف بالحجة وهو الذي تزعم الشيعة أنه المنتظر والقائم والمهدي وهو صاحب السرداب عندهم وأقاويلهم فيه كثيرة وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان من السرداب بسر من رأى كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين(2)
خير الدين الزركلي في أعلامه :محمد بن الحسن العسكري (الخالص) بن علي الهادي، أبو القاسم: آخر الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، وهو المعروف عندهم بالمهدي، وصاحب الزمان، والمنتظر، والحجة، وصاحب السرداب. ولد في سامراء. ومات أبوه وله من العمر نحو خمس سنين.(3)
__________
(1) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق ص 433
(2) وفيات الأعيان لإبن خلكان ص 176 ترجمة رقم 562
(3) الأعلام للزركلي ج6 ص 80
(1/53)
الذهبي في تاريخ الإسلام: الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر الصادق، أبو محمد الهاشمي الحسيني أحد أئمة الشيعة الذين تدعي الشيعة عصمتهم. ويقال له الحسن العسكري لكونه سكن سامراء، فإنها يقال لها العسكر، وهو والد منتظر الرافضة. توفي إلى رضوان الله بسامراء في ثامن ربيع الأول سنة ستين، وله تسع وعشرون سنة، ودفن إلى جانب والده. وأمه أمة. وأما ابنه محمد بن الحسن الذي يدعوه الرافضة القائم الخلف الحجة، فولد سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة ست وخمسين. عاش بعد أبيه سنتين ثم عدم، ولم يعلم كيف مات. وأمه أم ولد.(1)
الذهبي في العبر في خبر من غير: وفيها الحسن بن علي الجواد بن محمد بن علي بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني أحد الأئمة الاثني عشر الذين تعتقد الرافضة فيهم العصمة وهو والد المنتظر محمد صاحب السرداب .(2)
الذهبي في سير أعلام النبلاء :
المنتظر الشريف، أبو القاسم، محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي ابن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن علي بن الحسين الشهيد بن الإمام علي بن أبي طالب، العلوي الحسيني. خاتمة الاثني عشر سيدا، الذين تدعي الإمامية عصمتهم - ولا عصمة إلا لنبي - ومحمد هذا هو الذي يزعمون أنه الخلف الحجة، وأنه صاحب الزمان، وأنه صاحب السرداب بسامراء، وأنه حي لا يموت، حتى يخرج، فيملا الأرض عدلا وقسطا، كما ملئت ظلما وجورا.(3)
__________
(1) تاريخ الإسلام للذهبي باب الحاء في ترجمة الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا
(2) العبر في خبر من غبر في أحداث سنة 260
(3) سير أعلام النبلاء للذهبي ج13 ص 120
(1/54)
المجدي في أنساب الطالبين لعلى بن محمد العلوي: وأما علي فهو أبو الحسن العسكري عليه السلام ولقبه الزكي ، وهو لام ولد تدعى سمانة ، قبره بسامراء في شارع أبي أحمد ابن الرشيد ، مات سنة أربع وخمسين ومائتين . فولد أبو الحسن علي بن محمد العسكري عليه السلام ، وإنما سمي العسكري ، لان سامراء كانت تسمى العسكر ، وأقام هو وابنه عليهما السلام بها ، ثلاثة ، وهم : أبو محمد الحسن العسكري الثاني ، وهو مدفون مع أبيه عليهما السلام بسامراء ، ولقبه الرضي وهو لام ولد ، وأخوه محمد أبو جعفر رضى الله عنه ، أراد النهضة إلى الحجاز ، فسافر في حياة أخيه حتى بلغ بلدا " ، وهي قرية فوق الموصل بسبعة فرسخ ، فمات بالسواد وقبره هناك عليه مشهد وقد زرته . ومات أبو محمد عليه السلام وولده من نرجس عليها السلام معلوم عند خاصة أصحابه وثقات أهله ، وسنذكر حال ولادته والأخبار التي سمعناها في ذلك ، وامتحن المؤمنون بل كافة الناس بغيبته ، وشَرِهَ جعفر بن علي إلى ما أخيه وحاله ، فدفع أن يكون له ولد وأعانه بعض الفراعنة على قبض جواري أخيه ، وكان تحرم جعفر بن علي مشهورا " معروفا " وقيل : انه فارق ما كان عليه قبل الموت وتاب ورجع ، فلما زعم أنه لا ولد لأخيه وادعى أن أخيه جعل الإمامة فيه ، سمي الكذاب وهو معروف بذلك (1)
إبن الأثير في الكامل في التاريخ: فيها توفي الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عليه السلام، وهو أبو محمد العلوي العسكري، وهو أحد الأئمة الاثني عشر، على مذهب الإمامية، وهو والد محمد الذي يعتقدونه المنتظر بسرداب سامراء وكان مولده سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.(2)
__________
(1) المجدي في أنساب الطالبيين ص 130
(2) الكامل في التأريخ لإبن الأثير في ذكر حوادث سنة 260
(1/55)
وهذه الروايات والآراء في ولادته عجل الله تعالى فرجه الشريف أكبر دليل على ما نعتقده من ولادته، ولو كان صاحب الإسطوانة ينشد الحق وإتباعه لكفته الروايات التي تنضح بها كتبه، وآراء علمائه الذين يقرون بولادة الإمام صاحب الزمان بغض النظر عن عقيدتهم فيه، وهل هم يعتقدون بأنه المهدي المنتظر أم لا.
329 هـ :
هذا العام عند الرافضة أخزاهم الله
عام الغيبة الكبرى حيث يدعون أنه وصلت
رقعة بتوقيع الإمام المهدي المنتظر
يقول فيها : (( لقد وقعت الغيبة
التامة فلا ظهور إلا بعد أن يأذن الله
، فمن ادعى رؤيتي فهو كذاب مغتر )) .
وهذا كله ليتخلصوا من كثرة سؤال
العامة منهم لكهانهم عن تأخر ظهور
غائبهم المعصوم المعدوم .
لقد بين النبي صلى الله عليه وآله في مواضع كثيرة أن العترة الطاهرة المطهرة لن تفترق عن كتاب الله المجيد، وأن الناس لن تضل ما أن تولتهم(1)، وفي موضع آخر يبين أن الدين لا يزال ظاهراً ما وليه اثني عشر خليفة(2)، فبالجمع بين الدليلين نجد أن الدين سيكون عزيزاً ظاهراً في وجود اثني عشر خليفة، وبمقتضى الحال فإن الدين لن يبقى عزيزاً بدون كتاب الله العزيز، إذاً فالعترة المطهرة التي بيّن النبي صلى الله عليه وآله أنها لن تفترق عن القرآن سيكون منها الاثني عشر خليفة، لأن أي خليفة سينأى عن الكتاب الكريم لن يحقق عزاً ولا ظهوراً للإسلام، فالنتيجة المتحصلة أن الأئمة أو الخلفاء الذين عناهم النبي صلى الله عليه وآله هم أئمة أهل البيت سلام الله عليه.
(1/56)
__________
(1) مسند أحمد ج3 ص 14،17،26، مستدرك الحاكم ج3 ص 160 و علق الذهبي بأن الحديث على شرط البخاري ومسلم، صحيح مسلم ج4 ص 1873
(2) صحيح مسلم ج3 ص 1452، سنن أبي داوود ج2 ص 508 و علق الألباني بقوله صحيح
و إذا نظرنا إلى الواقع فإننا نجد أن القرآن الكريم باق، والدين الحنيف لايزال ظاهراً، إذاً فالخليفة الذي سيكون من العترة الطاهرة يجب أن يكون موجود، وعلى كل حال هناك لفتة رائعة لإبن حجر في فتح الباري حيث يقول:
وفي صلاة عيسى خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال أن الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجة والله أعلم.(1) انتهى كلام إبن حجر، فلعلنا نسأل أين هذا القائم لله في معتقد مخالفينا؟ فابن حجر يصحح هذه الأقوال أن الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجة فمن هو؟ ومن الذي صرح به؟ وما هو الدليل الذي اعتمدوا عليه؟
الفصل الثالث: الرد على قسم صوتيات ومرئيات
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}(2)
(1/57) لكن وفي كل الأحوال فإن أي إنسان يحترم عقله وفكره وقلمه، وكل مسلم يحترم عقيدته التي تحث على تحري الصدق في كل خبر حيث يقول المولى تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}(1) عليه بالتدقيق فيما يسمع ويشاهد وعندها سيتضح له أن ما هو موجود على أساس أنه أدلة ودلائل على خطأ الطائفة الفلانية ما هي إلا أوهام تعشش في مخيلة عقول مريضة مدسوسة، هما واهتمامها أن المسلمين لا يبقون صفاً واحداً، فمتى ما تفرقنا عن بعضنا البعض، وحاربنا بعضنا البعض، استطاع العدو الولوج إلى ساحاتنا، يطعم ناراً أوقدناها بخطئنا وغفلتنا، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (1/58) ناد علي مظهر العجائب.... تجده عوناً لك في النوائب (1/59) ولكن غفل الرجل على أنه يوجد روايات مفادها أن النبي صلى الله عليه وآله قال أنه نودي في يوم أحد بهذا البيت ناد علي مظهر(1) وكان السيد ينقل هذه الرواية ليس إلا، ولكن يحلو لبعض العقول المريضة الرافضة لأي وحدة إسلامية أن تشهوه الواقع، وتكذب وتفتري وتزور فقط في سبيل أن يبقى الصف الإسلامي متصدعاً، فيستطيع هو وأمثاله من أعداء الدين الولوج إليه ، وتشويه سماحته فيعرف الدين الإسلامي بدين الإرهاب والقتل والكره والبغضاء، وهذا كله مناف لتعاليم ديننا الحنيف إذ أن الدين الحنيف يحث على التفاهم والتقارب، والتسامح والحب والوفاء.
المصيبة أننا في ثالث مقطع نعرضه على
القراء الكرام نجد أن الرجل يكذب في
العنوان، بل يختلق عنواناً موهماً
المستمع بأن هذا هو قصد المادة
الصوتية، ولكن {وَسَيَعْلَمُ
الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ
يَنقَلِبُونَ}(2)، القصيدة
التي يلقيها الرادود باسم الكربلائي
هي قصيدة باللهجة العراقية وتقول
يا القاصد قبر حسين.... أوقف وانحني
ببابه (1/60) هذا هو مطلع القصيدة، وكما هو معلوم لدى الجميع أن القصائد الشعرية والشعبية بالأخص إذا كانت قصيدة في الطور الرثائي يحاول الشاعر فيها توظيف إبداعه اللغوي لتوصيل الفكرة المنشودة من القصيدة ، ونحن نعرف أنه يحق للشاعر ما لا يحق لغيره، من حيث أن الشاعر يستخدم المحسنات اللغوية من صور جمالية وتشبيهات لغوية ليضفي على القصيدة رونقاً خاصاً، ولكن بشرط أن لا يتعرض فيها لأركان المسلمين فينسفها عن أولها، ولا يفصح فيها عن الإلحاد وفساد الأخلاق كما في أشعار يزيد بن معاوية مثلاً حين يقول: (1/61) إن زيارة القبور مشروعة حتى عند مخالفين الإمامية هذه الروايات تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله كان يزور أهل البقيع ويستغفر لهم كما ورد في صحيح مسلم بحديث طويل عن السيدة عائشة حيث تقول أن النبي صلى الله عليه وآله قال: "فإن جبريل أتاني حين رأيت فناداني فأخفاه منك فأجبته فأخفيته منك ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك وظننت أن قد رقدت فكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشي فقال إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم قالت قلت كيف أقول لهم ؟ يا رسول الله قال قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون".(1)، وقوله صلوات الله وسلامه عليه وآله "ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا يعني لا تقولوا سوءا"(2)، وقوله "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكرة"(3) وغيرها الكثير من الروايات الصحيحة التي يحث فيها صلوات الله وسلامه عليه وآله على زيارة القبور وعليه فإننا لا نرى بأساً من زيارة القبور فكيف وصحاب القبر هو الحسين بن علي وابن فاطمة الزهراء سلام الله عليهم سبط رسول الله وريحانته من الدنيا؟ هل دمعك على الخدين .... واسجد قبل أعتابه (1/62) فإن صدر البيت يتحدث عن البكاء على أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه، لأنه ما من مؤمن يتذكر ما جرى على الإمام وأهل بيته إلا وانهمرت دموعه على وجنتيه(1)، وهذه كتب مخالفينا تبين أن النبي صلى الله عليه وآله قد بكى الحسين قبل مقتله فعن عائشة وأم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليهما
"وهو يبكي قالتا فسألناه عن ذلك فقال إن جبريل اخبرني إن ابني الحسين يقتل وبيده تربة حمراء فقال هذه تربة تلك الأرض."(2) فلذلك لا نرى بأساً من البكاء على أبي عبد الله فكيف وقد وردت الروايات مبينة فضل البكاء على أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه. __________ (1/63) أما عجز البيت فإن كلمة اسجد لا تدل على سجود العبودية وإنما على الحركة التي يكون فيها الجسم حال السجود، ولو أن صاحب الاسطوانة اعتبر أن كل لفظ السجود هو بمعنى سجود العبودية لزم عليه أن يعتقد بكفر نبي الله يعقوب ونبي الله يوسف عليهم السلام وإخوانه وأمه والعياذ بالله،إذ أن القرآن الكريم يقول {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا}(1) ، والمقصد هنا من الانحناء هو تقبيل عتبة الباب دليلاً على الاحترام والتقدير والتبرك بأبي عبد الله الحسين سلام الله عليه، فهذا بلال بن رباح رضوان الله تعالى عليه رأى في منامه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول له ما هذه الجفوة يا بلال أما أن لك أن تزورني يا بلال فانتبه حزينا وجلا خائفا فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه وأقبل الحسن والحسين فجعل يضمهما ويقبلهما(2)، وهذا أبو أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه كان يضع وجهه على قبر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله فلما رآه مروان بن الحكم أخذ برقبته وقال له أتدري ما تصنع؟ فقال نعم، جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آت الحجر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله.(3) (1/64) فنحن نرى أن بلال وأبي أيوب الأنصاري رضوان الله تعالى عليهما كان أحدهما يمرغ وجهه بالقبر والثاني يضع وجهه على القبر الشريف ولم نجد أي إنكار من كبار الصحابة ولا اعتبار لإنكار مروان فهو كما قالت عنه السيدة عائشة وأسلفنا سابقاً بذكره أنه فضض من لعنة الله فلا مجال لاعتبار إنكاره. (1/65)
· يقول صاحب
الإسطوانة"استمع
إلى شيخهم علي الكوراني وهو يبين لنا
موقف علماء الشيعة من تحريف القرآن
الكريم إلى متى سيبقى هؤلاء القوم يحاربون الإسلام باسم الإسلام؟ ومن المستفيد من ذلك؟ بمعنى أنك عندما تستمع إلى المادة الصوتية المختصة بالشيخ الكوراني حفظه الله يكون واضحاً لك الدوبلاج الحاصل في هذه المادة، فهم يأخذون كلامه ويصفونه حسب أهوائهم المريضة، والغافل أو الذي يريد أن يصدقهم لن ينتبه إلى هذا الدوبلاج، ولأكون أكثر دقة سأنقل المادة الصوتية وأبين موضع القطع واللصق، هذا هو نص المادة الصوتية: "بالنسبة للقول في تحريف القرآن، في بعض علماء الشيعة يقولون حدث في القرآن تحريف، يعني حذفت منه بعض الآيات، ويقولون أنه في آيات وضعت في غير موضعها، بالنسبة لوضع آيات في غير موضعها أكثر علماء الشيعة يقولون، إذاً نستطيع أن نقول بوضوح أنه هناك قلة من علماء الشيعة يقولون بأنه أنقصت آيات من القرآن" (1/66) المادة الصوتية فيها الشيخ حفظه الله يقول"
بالنسبة للقول في تحريف القرآن، في بعض علماء الشيعة يقولون حدث في القرآن تحريف" إلى هنا المادة صحيحة ولكن كلام الشيخ الكوراني لن يعجبهم فعمدوا إلى بتر المادة وتركيب هذه الجملة "يعني حذفت منه بعض الآيات، ويقولون أنه في آيات وضعت في غير موضعها، بالنسبة لوضع آيات في غير موضعها أكثر علماء الشيعة يقولون" فكان تركيب هذه الجملة على الجملة السابقة يدل على أن المتحدث يؤمن بالتحريف، ولكن نسي الشخص الذي عمل الدوبلاج أن ينقل تمام الجملة التي قالها الشيخ فوصل إلى "
أكثر علماء الشيعة يقولون " وأوقف التركيب، وهذا لعمري من أكبر الأدلة على التلاعب في هذه المادة الصوتية، إذ يتبين من سياق الحديث وبالنظر إلى الجملة الأخيرة وهي "
إذاً نستطيع أن نقول بوضوح أنه هناك قلة من علماء الشيعة يقولون بأنه أنقصت آيات من القرآن " أن الجمل غير مترابطة ولا متناسقة في المعنى وهذا الأمر لا يصدر إلا عن من أراد الله أن يفضحه بما اقترفت يداه، وسأبين رأي الشيخ الكوراني في القرآن الكريم. (1/67) عنون الشيخ الكوراني في كتابه تدوين القرآن الكريم في الفصل الثاني عدة أبواب تدافع عن عقيدة الإمامية في القرآن الكريم، منها أن واقع الشيعة في العالم يكذب التهمة أي تهمة التحريف، وأيضاً أن مذهب التشيع مبني على التمسك بالقرآن الكريم، وأيضاً أن الشيعة عندهم قاعدة عرض الأحاديث على القرآن، وأن تاريخ الشيعة وثقافتهم مبنيان على القرآن، وغيرها من الأبواب التي يدافع فيها الشيخ حفظه الله عن القرآن الكريم ويدرأ هذه التهمة الفاسدة بالدليل والبرهان، فكيف يأتي فلان من الناس ويتلاعب بتسجيل صوتي محاولاً إيهام الناس بأن الرجل ينتصر لمن يؤمن بالتحريف؟ يقول الشيخ حفظه الله راداً على من يتهم الشيعة بالتحريف كدليل عقلي على امتناعه"
وإذا نظرنا إلى واقع المسلمين الشيعة والسنة نجدهم مجمعين والحمد لله على صحة نسخة القرآن الموجودة في طول بلاد الشيعة وعرضها ، وطول بلاد السنة وعرضها ، لا يعرفون قرآناً غيرها"(1) فلا نقول إلا لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
يقول صاحب
الإسطوانة:"يعتقدون
إسلام أبو طالب ؟؟؟ لماذا ؟؟؟
لأنه والد علي بن أبي طالب رضي
الله عنه واسمعوا الشرك في أبيات
الشعر الذي قالها ولم يجعل لله أي
قدر في تقدير الأقدار.
" إذا تفحصنا التأريخ بشكل موضوعي بعيداً عن أي عصبيات، فإنه سيتضح جلياً لكل باحث أن هذا الرجل الذي أخذ على عاتقه حماية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن إلا موحداً على الحنيفية وما مات إلا على الإسلام، وسنستعرض بعضاً من هذه الدلائل التي تعضد قولنا هذا. __________ (1/68)
مقدمة:
في الحقيقة يستغرب العاقل من مجموعة من الناس التي لا هم لها إلا بث التفرقة بين صفوف المسلمين، فيذهب الشخص منهم ويستمع لمحاضرة، أو يشاهد مقابلة مع عالم ما، وينتظر أي كلمة منه ممكن أن يحورها بفكره الشيطاني وعقله المريض فيقتطعها، ويضع لها عنواناً رناناً، وعندما تستمع إلى المادة أو تشاهدها وقد شدّك عنوانها، تجد أن العقل لا يستطيع أن يربط بين العنوان وبين المادة إلا إذا كان عقلاً مريضاً، هذا طبعاً إذا كانت المادة المقدمة سليمة من الدوبلاج، أو التركيب الصوتي، وخلافه من ألاعيب الصوت التي ممكن أن تُستخدم.
__________
(1) فتح الباري لإبن حجر العسقلاني ج6 ص 494
(2) سورة الأنبياء 18
نأتي إلى ما ينقله صاحب الإسطوانة، فأنقل عنوان المادة وأعلق عليه وعلى المادة وسيكون الرد على أهم المقاطع الصوتية التي تتضمن اسم صاحب المادة الصوتية:
__________
(1) سورة الحجرات 6
· يقول "استمع
إلى شيخهم عبد الحميد المهاجر وهو
يشبه اللطم والتطبير في يوم عاشورا
بالمصارعة الحرة."
عندما تقرأ هذا العنوان يُخيل إليك أن
ما ستسمعه أمر مُضحك، ولكن بعد
الاستماع إلى المادة نجد الشيخ حفظه
الله يرد على المشككين في مسألة اللطم
ويقولون بأن اللطم مخجل ولا يواكب
الحضارة وما إلى ذلك، فهو يرد عليهم
بمنطقهم ويقول هؤلاء المشككون
المعترضون على اللطم أو التطبير
باعتباره لا يمثل حضارة لأن منظر
الدماء وهي تسيل منظر مقزز فيقول لهم
هذه المصارعة الحرة يأتي المصارع
ويضرب خصمه بكرسي من حديد على رأسه
والدم يسيل على الأرض، واللكمات
والضربات ينهال بها الخصم على خصمه
وهناك تصفيق وتصوير لهذه المباريات،
فلم نر أحداً من هذه الأقلام التي
تعترض على اللطم أو التطبير قد اعترضت،
وهذه المباريات تُقام في أمريكا في
بلد ديمقراطي متحضر وصل ما وصل من
العلم، فلماذا إذا جاء إنسان ولطم على
الحسين عليه السلام قامت قيامة هذه
الفئة؟
فالشيخ حفظه الله لا يشبه التطبير
بالمصارعة ولكن ينتقد مبدأ الاعتراض
على التطبير، فإن كان بسبب الدماء،
فيوجد دماء هناك، إن كان بسبب حرارة
اللطم فهناك أيضاً لكمات وغيرها،
فماذا الاعتراض على اللطم ولا يتم
الاعتراض على غيرها إذا كان لها نفس
الإشكال من وجهة نظرهم؟ وهو سؤال وجيه
يحق لكل إنسان أن يسأله، فيا ترى ما
هو السبب؟ أترك الإجابة لكم.
· يقول"
استمع إلى عادل العلوي في هذا الدعاء
وهو يقول إذا أصابك هم وغم فطلب من
علي رضي الله عنه أن يزيله عنك لم يقل
اطلب من الله !!!"
قال الحق تبارك
وتعالى في محكم كتابه الكريم {إِنَّمَا
يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ
يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ
وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}.
وهذا هو حال صاحب هذه الإسطوانة، فهو
يدعي كذباً بأن السيد عادل العلوي
يقول أطلب من الإمام علي أن يزيل همك
وغمك، محاولاً أن يَتَعَذّرَ بهذه
الأبيات التي ذكريها السيد حفظه الله
كل هم وغم سينجلي.... بولايتك يا علي يا علي يا علي
· يقول صاحب
الأسطوانة"استمع
إلى باسم الكربلائي وهو يبين الطريقة
التي ينبغي بها زيارة قبر الحسين رضي
الله عنه (( كلام كله شرك بالله عز
وجل . ))"
__________
(1) بحار الأنوار ج20 ص 73، شجرة طوبى ج2 ص 280، مستدرك سفينة البحار ج5 ص 452
(2) سورة الشعراء 227
لما بدت تلك الحمول وأشرفت....تلك الرؤوس على شفا جيرون
نعب الغراب فقلت قل أو لا تقل....فقد قضيت من النبي ديوني(1)
وعموماً لا نرى بأن هذه القصيدة التي قام بإلقائها الرادود باسم الكربلائي فيها أي مخالفة للشريعة المقدسة، فإن كانت مسألة زيارة قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام فإنه قد وردت إلينا روايات عن طريق أهل بيت العصمة تحبذ زيارة الإمام الحسين عليه السلام وتحث عليها وفيها إشارة إلى الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى لمن يزوره(2).
__________
(1) تفسير روح المعاني للآلوسي ج26 ص 72
(2) راجع كامل الزيارات من 236 إلى 340
و أما بالنسبة للبيت الثاني وهو:
__________
(1) صحيح مسلم ج2 ص 669، مسند أحمد ج6 ص 221،الجامع الصغير وزياداته ج1 ص 382 وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة ج4 ص 376
(2) موطأ مالك برواية يحيى الليثي ج2 ص 485،
(3) سنن أبي داوود ج2 ص 237 و صححه الألباني
(1) هذا مصداقاً للروايات التي رويت عن جملة من الأئمة عليهم السلام مفادها أن الإمام الحسين سلام الله عليه عبرة كل المؤمن لا يذكره مؤمن إلا واستعبر. راجع كامل الزيارات لإبن قولويه باب 36 في أن الحسين قتيل العبرة، أمالي الصدوق ص 200.
(2) الإرشاد في معرفة علماء الحديث لأبويعلى القزويني ج1 ص 307، تاريخ الإسلام للذهبي باختلاف يسير ج1 ص 538، أعلام النبوة للمارودي ج1 ص 153، مسند أحمد ج1 ص 85، المعجم الكبير للطبراني ج3 ص 107، مسند أبي يعلى ج1 ص 298، مسند البزار ج3 ص 101، السلسلة الصحيحة للألباني ج3 ص 159
__________
(1) سورة يوسف 100
(2) تاريخ دمشق ج7 ص 137
(3) مستدرك الحاكم ج4 ص 560 و صححه الحاكم على شرط الشيخين وتعقبه الذهبي مقرأً بصحته في تلخيصه، مجمع الزوائد ج5 ص441 رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط وفيه كثير بن زيد وثقه أحمد وغيره وضعفه النسائي وغيره.
وأما الطلب من أهل القبور، فإن كان الطالب معتقداً بأن صاحب القبر مسبباً لذاته، مستغنياً عن الله جل وعلا فهذا شرك ومروق من ملة الإسلام، ولكن إن كان الطالب معتقداً بأن صاحب القبر له من المكانة العليا عند الله جل وعلا، وأنه ما سأله استغناءً عن الله ولكن حتى يكون هو الوسيلة إلى الله جاز ذلك، وأكبر دليل عليه حديث الأعمى الذي رواه عثمان بن حنيف وصححه الألباني(1).
__________
(1) مسند أحمد ج4 ص 138 وصححه شعيب الأرنؤوط بتعليقه على المسند، صحيح ابن خزيمة ج2 ص 225، مستدرك الحاكم ج1 ص 458، 700، 707 مع تصحيح الحاكم، المعجم الكبير للطبراني ج9 ص 30، المعجم الصغير للطبراني ج1 ص 306 مع تصحيح الطبراني، سنن النسائي ج6 ص 169، مجمع الزوائد للبيهقي ج2 ص 565 مع تصحيح البيهقي، الجامع الصغير وزياداته ج1 ص 216 مع تصحيح الألباني، صححي الترغيب ج1 ص 166 مع تصحيح الألباني.
أي إنسان مهما بلغت درجة بساطته، وعدم إلمامه بتقنية الدوبلاج، سيقول أن هذا المقطع الصوتي غير صحيح، بمعنى حدث تغير وتقطيع فيه.
(1) تدوين القرآن الكريم للشيخ الكوراني ص25
لَقَدْ عَلِمُوا أَنّ ابْنَنَا لَا مُكَذّبٌ لَدَيْنَا وَلَا يُعْنَى بِقَوْلِ الْأَبَاطِلِ
فَأَيّدَهُ رَبّ الْعِبادِ بِنَصْرِهِ وَأَظْهَرَ دِينًا حَقّهُ غَيْرُ بَاطِلِ(1)
إنه من الواضح للجميع أن أفعال الإنسان وأقواله دليل على ما يعتقد، فالناس مأمونون على عقائدهم بمعنى أن كل إنسان إذا صرح بأنه يعتقد عقيدة معينة، أو فعل أفعال تدل دلالة واضحة على عقيدة معينة فإن ذلك يكون دليلاً على عليه وأقواله وأفعاله حجة عليه، إذاً وبعد هذه المقدمة لنأتي إلى أفعال وأقوال أبي طالب وننظر فيها ونقيمها تقيماً موضوعياً يرتضيه كل من ينشد الحق.
__________
(1) هذه الأبيات ضمن لامية أبو طالب المطولة والتي كتبها في الإفصاح عن حماية النبي صلى الله عليه وآله وعن بيان عقيدته سلام الله عليه ونقلت هذه الأبيات عن البداية والنهاية لإبن كثير ج3 ص 56-57
(1/69)
(1/70)
له المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وكان من أحلافه: لقد كدت تأتي على قومك؟ قال هو ذلك. ومضى به وهو يقول:
والله لن يصلوا إليك بجمعهـــم حتى أوسد في التراب دفينا
فامضي لأمرك ما عليك غضاضة أبشر وقر بذاك منك عيونا
ودعوتني وعلمت أنك ناصحــي فلقد صدقت وكنت ثم أمينا
وعرضت دينا قد عرفت بأنــه من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذـاري سبــة لوجدتني بذاك سمحاً مبينا(1)
أنـت النبـي محـمـد
قـرم أغـر مـسـود
لمسـوديـن أكــار
مطابوا وطـاب المولـد
نعم الارومـة أصلهـا
عمرو الخضم الاوحـد
هشم الربيكة في الجفان
وعيـش مكـة أنـكـد
فجـرت بذلـك سنـة
فيهـا الخبيـزة تثـرد
و لنا السقاية للحجيـج
بهـا يمـاث العنـجـد
و المأزمان وما حـوت
عرفاتهـا والمسـجـد
أنى تضام ولـم أمـت
وأنا الشجـاع العربـد
و بطاح مكة لا يـرى
فيهـا نجيـع أســود
و بنـو أبيـك كأنهـم
أسـد العريـن توقـد
و لقد عهدتـك صادقـا
فـي القـول لا تتزيـد
ما زلت تنطق بالصواب
وأنـت طفـل أمــرد(2)
__________
(1) الغدير للأميني ج7 ص 350
(2)
المصدر السابق ج7 ص 389
(1/71)
أيضاً ما نقله السيد ابن طاووس في طرائفه عن فقيه الحنابلة إبراهيم بن على بن محمد الدينورى في كتاب اسمه " نهاية الطلب وغاية السؤل في مناقب آل الرسول " عن ابن عباس والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة يقول فيه: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للعباس إن الله قد أمرني بإظهار أمري وقد أنباني واستنبأني فما عندك ؟ فقال له العباس : يا ابن أخي تعلم إن قريشا أشد حسدا لولد أبيك ، وان كانت هذه الخصلة كانت الطامة الطماء والداهية العظماء ورمينا عن قوس واحدة وانتسفونا نسفا صلتا ، ولكن اقترب بنا إلى عمك أبى طالب فانه كان اكبر أعمامك ، فان لا ينصرك لا يخذ لك ولا يسلمك . فأتياه فلما رآهما أبو طالب قال : إن لكما لظنة وخبرا ، ما جاء بكما في هذا الوقت ؟ فعرفه العباس ما قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما أجابه به العباس ، فنظر إليه أبو طالب رضي الله عنه وقال له : أخرج يا ابن أخي فانك الرفيع كعباً والمنيع حزباً والأعلى أبا ، والله لا يسلقك لسان إلا سلقته ألسن حداد واجتذبته سيوف حداد ، والله لتذللن لك العرب ذل البهم لحاضنها ، ولقد كان أبي يقرأ الكتاب جميعا ، ولقد قال : إن من صلبي لنبياً لوددت أنى أدركت ذلك الزمان فآمنت به ، فمن أدركه من ولدي فليؤمن به.(1)
__________
(1) نقله عنه السيد ابن طاووس الحسني في كتابه الطرائف ص 302، والأميني في الغدير ج7 ص 348، و نجم الدين العسكري في أبو طالب حامي الرسول ص 13
(1/72)
ألا أبلغـا عنـي علـى ذات بينهـا
لؤياً وخصا من لـؤي بنـي كعـب
ألـم تعلمـوا أنـا وجدنـا محمـدا
نبيا كموسى خط فـي أول الكتـب
وأن عليه فـي العبـاد محبـة ولا
حيـف فيمـن خصـه الله بالحـب
وأن الـذي لفقتـم فــي كتابـكـم
يكون لكم يومـا كراغيـة السقـب
أفيقوا أفيقوا قبل أن تحفـر الزبـى
ويصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنـب
ولا تتبعوا أمـر الغـواة وتقطعـوا
أواصرنـا بعـد المـودة والقـرب
وتستجلبـوا حربـا عوانـاً وربمـا
أمر على من ذاقه حلـب الحـرب
فلسنـا وبيـت الله نسلـم أحـمـدا
لعزاء من عض الزمان ولا حـرب
ولمـا تبـن منـا ومنكـم سوالـف
وأيـد أبيـدت بالمهنـدة الشـهـب
بمعترك ضنك تـرى كسـر القنـا
به نوا لضباع العرج تعكف كالسرب
كأن مجـال الخيـل فـي حجراتـه
وغمغمة الأبطال معركـة الحـرب
أليـس أبونـا هاشـم شــد أزره
وأوصى بنيه بالطعـان وبالضـرب
ولسنا نمـل الحـرب حتـى تملنـا
ولا نشتكي مما ينوب مـن النكـب
ولكننـا أهـل الحفائـظ والنـهـى
إذا طار أرواح الكماة من الرعب(1)
__________
(1) سيرة ابن هشام ج1 ص 235، سيرة ابن كثيرج2 ص 49، سبل الهدى والرشاد ج2 ص 378، بحار الأنوار ج 35 ص 92
(1/73)
لمّا اشتدت الأذية والتضييق من قريش على المسلمين، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرى البلاء النازل على أصحابه وهو في منعة عمه وحمايته، فأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، لما يعلم من عدالة ملكها النجاشي، فقال لهم "إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه"، فهاجر جمع غفير من المسلمين بزعامة جعفر بن أبي طالب، فلما علمت قريش حال المسلمين من الرخاء والراحة في أرض الحبشة جن جنونها، واشتاطت غضباً فندبت اثنين من دهاتها : عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة ويقال عمار بن الوليد ، ليرحلا إلى الحبشة فيفسدا ما بين النجاشي والمهاجرين المغتربين، ويسعيا لديه حتى يخذلهم ويسلمهم إلى قومهم، وكان عمرو بن العاص ينشد ويقول:
تقول ابنتي أين أين الرحيـل وما البيـن منـي بمستنكـر
فقلت ذرينـي فإنـي امـرؤ أريد النجاشي فـي جعفـر
لأكـويـه عـنـده كـيــة
أقيم بهـا نخـوة الأصعـر
وشأنـئ أحمـد مـن بينهـم
وأقولهـم فـيـه بالمنـكـر
وعن عائب اللات في قولـه
ولو لا رضا اللات لم تمطر
وإنـي لأشنـا قريـش لـه
وإن كان كالذهـب الأحمـر
ولن أنثني عن بني هاشم بما
اسطعت في الغيب والمحضر
فإن قبـل العتـب مـن لـه
وإلا لويت لـه مشفـري(1)
(1/74)
وبعثت قريش معهما الهدايا مما يستطرف من أسواق مكة ، رشوة إلى النجاشي وبطارقته، وكان النجاشي عادلاً إذ استمع إلى أقوال المسلمين وكان خطيبهم جعفر بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليه ، فلما علم حسن كلامه وكمال منطقه أبى أن يجيب قريشاً ورد رسلهم بخفي حنين، ولكن الرعاية الإلهية المتمثلة في رعاية المسلمين وحفظهم بحسن خطابة جعفر، كان لها يداً أيضاً في مكة إذ أن أبا طالب بعث إلى النجاشي بأبيات يمدحه فيها وهي:
__________
(1) جمهرة خطب العرب ج2 ص 28، شرح نهج البلاغة ج14 ص 75، الغدير للأميني ج2 ص 136 باختلاف يسير
ألا ليت شعري كيف في النأي جعفر
وعمرو وأعـداء العـدو الأقـارب
وهل نالت أفعال النجاشـي جعفـراً
وأصحابه أو عـاق ذلـك شاغـب
تعلـم أبيـت اللعـن أنـك ماجـد
كريم فلا يشقـى لديـك المجانـب
وأنـك فيـض ذو سجـال غزيـرة
ينـال الأعـادي نفعهـا والأقـارب
و نعـلـم أن الله زادك بـسـطـة
وأسباب خير كلهـا بـك لازب(1)
و كان أيضاً ضمن ما بعث للنجاشي يحثه على حسن جوار المسلمين:
ليعلم خيـار النـاس أن محمـدا
رسول كموسى والمسيح ابن مريم
أتانا بهـدى مثـل مـا أتيـا بـه
فكل بأمـر الله يهـدي ويعصـم
وإنكـم تتلونـه فــي كتابـكـم
بصدق حديث لا حديث المبرجـم
فـلا تجعلـوا لله نـداً وأسلمـوا
فإن طريق الحق ليس بمظلـم(2)
وإنك ما تأتيـك منهـا عصابـة
بفضلك إلا ارجعوا بالتكـرم(3)
كان أبو طالب رضوان الله تعالى عليه يخشى على النبي صلوات الله وسلامه عليه وآله غاية الخشية، وذلك لما علم من أمر قريش وبغضها وكراهيتها للنبي صلى الله عليه وآله فكان يخشى عليه من أن تغتاله قريش سراً أو ليلاً، فكان أبو طالب عليه السلام ينتظر حتى تهجع العيون، وتغفي الجفون، ويعم الديجور، فيأتي النبي صلى الله عليه وآله ويبدل مكانه بمكان أحد أبنائه، وكان يضع النبي صلى الله عليه وآله بينه وبين بنيه، فيُخفى على الناس ولا يُعرف، وكان كثيراً ما يُضجع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بدلاً من رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول الإمام لوالده يا أبت إني مقتول، فيجيب أبو طالب رضوان الله تعالى عليه:
صبرن يا بني فالصبر أحجى كل حي مصيـره لشعـوب
قـدر الله والبـلاء شـديـد
لفداء الحبيب وابن الحبيـب
لفداء الأعز ذي الحسب الثاقــــب والباع والكريم النجيـب
إن تصبك المنن فالنبل تبرى
فمصيب منها وغير مصيـب
كل حي وإن تملـى بعمـر آخذ مـن مذاقهـا بنصيـب
(1/75)
__________
(1) السيرة النبوية لإبن كثير ج2 ص 27، مناقب آل أبي طالب ج1 ص 57.
(2) ذكر هذا البيت الشيخ الفتال النيسابوري في روضة الواعظين ص 141
(3) مستدرك الحاكم ج2 ص 680،
فأجاب الإمام علي عله السلام وقال له:
أتأمرني بالصبر في نصـر أحمـد
ووالله ما قلت الذي قلت جازعـا
و لكنني أحببت أن ترى نصرتـي
و تعلم أني لـم أزل لـك طائعـا
سأسعى لوجه الله في نصر أحمـد
نبي الهدى المحمود طفلا ويافعا(1)
هذه المواقف التي نقلناها ما هي إلا مواقف انتقيناها على عجالة، وإلا فإن نصرة أبي طالب للنبي صلى الله عليه وآله معروفة مشهورة تطفح بها كتب التأريخ والسير، والغريب أن هذا الرجل الذي بذل في سبيل الدعوة الإسلامية ما بذل يُقال بأنه مات على الكفر، والذي ألّب الأحزاب وحرك الجيوش لقتال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله يدّعون إسلامه، حقاً {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى}(2)
تعرض هنا إلى بعض أبيات أبي طالب رضوان الله تعالى عليه والتي تشهد بتصديقه لنبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل والإقرار بها أيضاً. (1/76)
__________
(1) شرح نهج البلاغة ج14 ص 64، روضة الواعظين للفتال النيسابوري ص 54، الفصول المختارة للشيخ المفيد ص 59، مناقب آل أبي طالب لإبن شهر آشوب ص 58، الصراط المستقيم لزين الدين علي بن يونس العاملي ج1 ص 176، الدرجات الرفيعة لإبن المعصوم ص 42
(2) سورة النجم 22
رغب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالزواج من أم المؤمنين السيدة الطاهرة المطهرة خديجة بنت خويلد، فأخذ عمومته معه، وتكلم أبو طالب فقال: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضئ معد، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته، وسواس حرمه، وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمنا وجعلنا الحكام على الناس؛ ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله، لا يوزن به رجل إلا رجح به، فا كان في المال قلٌ فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، ومحمد من قد عرفتم قرابته؛ وقد خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي كذا وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم، وخطب جليل.(1)
أنقل هنا مقتطفات من شعره رضوان الله تعالى عليه فأنقل الأبيات التي تبين وتصرح بشكل لا يقبل الشك إيمانه وتصديقه بنبوة النبي صلى الله عليه وآله:
والله لن يصلوا إليك بجمعهـــم
حتى أوسد في التراب دفينا
فامضي لأمرك ما عليك غضاضة
أبشر وقر بذاك منك عيونا
ودعوتني وعلمت أنك ناصحــي
فلقد صدقت وكنت ثم أمينا
وعرضت دينا قد عرفت بأنــه
من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذـاري
سبــة لوجدتني بذاك سمحاً
مبينا
__________
(1) ذكر هذه الخطبة الشريفة جمع غفير من الإمامية ومخالفيهم، فقد رواها من أهل السنة الألولسي في تفسيره ج18 ص 51، والباقلاني في تفسيره ج1 ص 153، سبل الهدى والرشاد ج2 ص 165، المنتظم لإبن الجوزي في أحداث سنة 25 من مولد النبي الشريف، تاريخ ابن خلدون ج2 ص 5، صفوة الصفوة لإبن الجوزي ج1 ص 74، الفائق في غريب الحديث ج1 ص 376، وتاج العروس ج1 ص 88 إلى جانب عدد كبير من كتب الأدب مثل أساس البلاغة للزمخشري والتذكرة الحمدونية و نثر الدر ونزهة المجالس وربيع الأبرار ونهاية الأرب والمستطرف في كل فن مستظرف
(1/77)
طبعاً لا تعارض مع كون أبو طالب أنشأ هذه الأبيات سابقاً وأعادها مرة أخرى في هذا الموقف، وأيضاً وقال السيد نجد الدين العسكري " زاد ابن كثير على الأبيات بيتا آخر ، ولا يخفى أن البيت الخامس الذي زاده ابن كثير وغيره كالقرطبي وأمثاله ليس من أبي طالب عليه السلام ، قال العلامة البرزنجي وغيره انه موضوع أدخلوه في شعر أبي طالب وليس من كلامه ، كما في أسنى المطالب ص 18 طبع طهران سنة 1382 هـ ثم قال ولو قيل إنه من كلامه فيقال أتى به عليه السلام للتعمية على قريش وليوهم عليهم أنه معهم وعلى ملتهم ، ولم يتابع محمدا ليقبلوا حمايته ويمتثلوا أوامره . وقال العلامة الحجة الأميني دام بقاه بعد نقله الأبيات مع البيت الأخير ونعم ما قال قال : هب أن البيت الأخير من صلب ما نظمه أبو طالب عليه السلام فان أقصى ما فيه أن العار والسبة اللذين كان أبو طالب يحذرهما خيفة أن يسقط محله عند قريش فلا تتسنى له نصرة الرسول المبعوث صلى الله عليه وآله ، إنما منعاه عن الإبانة والإظهار لاعتناق الدين وإعلان الإيمان بما جاء به النبي الأمين ، صلى الله عليه وآله وهو صريح قوله لوجدتني سمحا بذاك مبينا أي مظهرا وأين هو من اعتناق الدين في نفسه والعمل بمقتضاه من النصرة والدفاع ولو كان يريد عدم الخضوع للدين لكان تهافتا بينا بينه وبين أبياته الأولى المتقدمة ، التي ينص فيها بان دين محمد صلى الله عليه وآله من خير أديان البرية دينا ، وأنه صلى الله عليه وآله صادق في دعوته أمين على أمته. وذكر الأميني أن الأبيات رواها الثعلبي في تفسيره الكشف والبيان وقال : قد اتفق على صحة نقل هذه الأبيات عن أبي طالب عليه السلام مقاتل وعبد الله بن عباس والقسم بن مخيمرة وعطاء بن دينار وقال ذكر الأبيات في خزانة الأدب للبغدادي ج 1 ص 261 طبع ثاني سنة 1299 ه وتأريخ ابن كثير ج 3 ص 42 وتاريخ أبي الفداء ج 1 ص 120 وفتح الباري شرح صحيح البخاري ج 7 ص 153 ص 155 (1/78)
والمواهب اللدنية ج 1 ص 61 والسيرة الحلبية ج 1 ص 305 وفي ديوان أبي طالب ص 12 طبع النجف الأشرف"(1)
نصرت الرسول رسول المليك
ببيض تـلألأ كلمـع البـروق
أذب وأحمي رسـول الإلـه
حمايـة حـام عليـه شفيـق
ومــا إن أدب لأعـدائــه
دبيب البكـار حـذار الفنيـق
و لكـن أزيـر لهـم ساميـا
كما زار ليث بغيل مضيق(2)
أعوذ برب البيت من كل طاعـن
علينا بسـوء أو يلـوح بباطـل
ومـن فاجـر يغتابنـا بمغيـبـة
ومن ملحق في الدين ما لم نحاول
كذبتم وبيـت الله نبـزى محمـداً
ولمـا نطاعـن دونـه ونناضـل
ألم تعلمـوا أن ابننـا لا مكـذب
لدينا ولا يعبـأ بقـول الأباطـل
لعمري لقد كلفت وجـدا بأحمـد
وأحببته حب الحبيب المواصـل
و جدت بنفسـي دونـه فحميتـه
ودافعت عنه بالذرى والكواهـل
فلا زال للدنيـا جمـالا لأهلهـا
وشينا لمن عادى وزين المحافـل
و أيـده رب العبـاد بنـصـره
وأظهر دينا حقه غير باطـل(3)
لقـد أكـرم الله النبـي محـمـدا
فأكرم خلق الله في النـاس أحمـد
وشـق لـه مـن اسمـه ليجلـه
فذو العرش محمود وهذا محمد(4)
__________
(1) أبو طالب حامي الرسول لنجم الدين العسكري ص 49
(2) شرح النهج للعلامة المعتزلي ج14 ص 74
(3) شهرة هذه القصيدة كما يعبر عنها ابن أبي الحديد كشهرة قفا نبك لأمرؤ القيس ذكرها في شرح النهج ج14 ص 79، البداية والنهاية لإبن كثير ج3 ص 74، سيرة ابن هشام ج1 ص 180،
(4) فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ج6 ص 555، العلل ومعرفة الرجال لأحمد بن حنبل ج1 ص 454، التاريخ الصغير للبخاري ج1 ص 38، الثقات لابن حبان ج1 ص 42، تاريخ دمشق لابن عساكر ج3 ص 32، الإصابة لابن حجر ج7 ص 196
(1/79)
فصبرا أبا يعلى على ديـن أحمـد
وكن مظهرا للدين وفقـت صابـرا
وحط من أتى بالحق من عند ربـه
بصدق وعزم لا تكن حمزة كافـرا
فقد سرني إذ قلـت إنـك مؤمـن
فكن لرسول الله فـي الله ناصـرا
ونـاد قريـش بالـذي قـد أتيتـه
جهاراً وقل ما كان أحمد ساحرا(1)
أمن تذكـر دهـر غيـر مأمـون
أصبحت مكتئبا تبكـي كمحـزون
أم من تذكـر أقـوام ذوي سفـه
يغشون بالظلم من يدعو إلى الدين
ألا يــرون أذل الله جمـعـهـم
أنا غضبنا لعثمـان بـن مظعـون
ونمنع الضيم من يبغـي مضيمنـا
بكل مطرد فـي الكـف مسنـون
ومرهفات كـأن الملـح خالطهـا
يشفى بها الداء من هام المجانيـن
حتى تقر رجـال لا حلـوم لهـا
بعد الصعوبة بالإسمـاح والليـن
أو تؤمنوا بكتاب منـزل عجـب
على كنبي موسى أو كذي النون(2)
فلا تسفهوا أحلامكم فـي محمـد
ولا تتبعوا أمر الغـواة الأشائـم
تمنيـتـم أن تقتـلـوه وإنـمـا
أمانيكـم هـذي كأحـلام نـائـم
وإنكـم والله لا تقتلونـه ولـمـا
تروا قطـف اللحـى والجماجـم
زعمتم بأنـا مسلمـون محمـدا
ولمـا نقـاذف دونـه ونزاحـم
من القوم مفضال أبي على العدا
تمكن في الفرعين من آل هاشـم
أمين حبيب في العباد مســوم بخاتــم رب قاهـر فـي الخواتـم
يرى الناس برهانا عليـه وهيبـة
وما جاهل في قومه مثـل عالـم
نبي أتاه الوحي مـن عنـد ربـه
ومن قال لا يقرع بها سن نادم(3)
مليك الناس ليس له شريـك
هو الوهاب والمبدى المعيـد
ومن فوق السماء لـه بحـق
ومن تحت السماء له عبيد(4)
__________
(1) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص 76
(2) المصدر السابق ج14 ص 73، بحار الأنوار ج35 ص 161
(3) المصدر السابق ج14 ص 73، بحار الأنوار ج35 ص 160
(4) روضة الواعظين للفتال النيسابوري ص 141
(1/80)
أوصي بنصر النبي الخيـر مشهـده
عليا ابنـي وشيـخ القـوم عباسـا
وحمـزة الأسـد الحامـي حقيقتـه
وجعفرا أن يـذودوا دونـه الباسـا
كونوا فداء لكم أمـي ومـا ولـدت
في نصر أحمد دون الناس اتراسا(1)
يا معشر قريش أنتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب فيكم السيد المطاع وفيكم المقدام الشجاع الواسع الباع واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيبا إلا أحرزتموه ولا شرفا إلا أدركتموه فلكم بذلك على الناس الفضيلة ولهم به إليكم الوسيلة والناس لكم حرب وعلى حربكم ألب وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية يعنى الكعبة فإن فيها مرضاة للرب وقواما للمعاش وثباتا للوطأة صلوا أرحامكم فإن في صلة الرحم منسأة في الأجل وزيادة في العدد اتركوا البغي والعقوق ففيهما هلكت القرون قبلكم أجيبوا الداعي وأعطوا السائل فإن فيهما شرف الحياة والممات وعليكم بصدق الحديث وأداء الأمانة فإن فيهما محبة في الخاص ومكرمة في العام وإني أوصيكم بمحمد خيرا فإنه الأمين في قريش والصديق في العرب وهو الجامع لكل ما أوصيتكم به وقد جاءنا بأمر قبله الجنان وأنكره اللسان مخافة الشنآن وأيم الله كأني أنظر إلى صعاليك العرب وأهل الأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته وصدقوا كلمته وعظموا أمره فخاض بهم غمرات الموت وصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا ودورها خرابا وضعفاؤها أربابا وإذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه وأبعدهم منه أحظاهم عنده قد محضته العرب ودادها وأصفت له بلادها وأعطته قيادها يا معشر قريش كونوا له ولاة ولحزبه حماة والله لا يسلك أحد سبيله إلا رشد ولا يأخذ بهديه أحد إلا سعد ولو كان لنفسي مدة وفي أجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز ولدافعت عنه الدواهي.(2)
__________
(1) الفصول المختارة للشيخ المفيد ص 284، المناقب لإبن شهر آشوب ج1 ص 56
(2) جمهرة خطب العرب ج1 ص 161، الروض الآنف ج2 ص 226
(1/81)
فلو لم تكن هذه الأبيات معروفة بأنها لشيخ البطحاء فهل يُعقل أن يُقال بأن قائل الأبيات كافر؟ إن العاقل يرفض أن يُستخف بعقله، أولم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الإيمان هو معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان(1) ،فتعالوا نطبق الحديث على أبو طالب عليه السلام، فأما الإقرار بالقلب فإنه قال " وقد جاءنا بأمر قبله الجنان "، وأما التصديق باللسان فقد قال أبياته وهي أكثر من أن تحصى وعلى سبيل المثال "نبي أتاه الوحي من عند ربه * ومن قال لا يقرع بها سن نادم" والعمل بالأركان فأي عمل يرقى إلى مرتبة الجهاد وحماية بيضة الإسلام والذود عن الداعي وأصل الرسالة وهو النبي صلى الله عليه وآله؟ وإن كان التلفظ بالشهادتين فما الفرق بين أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وبين أن يقول:
مليك الناس ليس له شريـك
هو الوهاب والمبدى المعيـد
ومن فوق السماء لـه بحـق
ومن تحت السماء له عبيد(2)
وما الفرق بين أن يقول أشهد أن محمد رسول الله وبين أن يقول:
ليعلم خيـار النـاس أن محمـدا
رسول كموسى والمسيح ابن مريم
أتانا بهـدى مثـل مـا أتيـا بـه
فكل بأمـر الله يهـدي ويعصـم
فهذا الرجل تشهد الشهادتين، وجاهد بنفسه وماله وولده، فماذا كان جزاءه؟ أن يُنشر بين العوام أنه مات على الكفر، ولكن من المعروف بأن إسلام أبو طالب لن يعجب طافة من الناس فإن مسألة أبو طالب عليه السلام لم تُبتدع من فراغ وإنما لها أصول وجذور،
__________
(1) المعجم الأوسط ج8 ص 262
(2) روضة الواعظين للفتال النيسابوري ص 141
(1/82)
فلها صولات وجولات من بني العباس ويكفي أن نشير إلى ذلك ببيت من قصيدة أحد شعراء الدولة العباسية وابن بلاطها عبد الله بن المعتز بالله حيث يخاطب العلويين ويقول:
فأنتم بنو بنته دوننا ونحن بنو عمه المسلم(1)
و في هذا يقول ابن أبي الحديد في أبي طالب:
ولـو لا أبـو طالـب وابنـه
لما مثل الدين شخصـا فقامـا
فـذاك بمكـه آوى وحـامـى
وهذا بيثـرب جـس الحمامـا
تكفـل عبـد مـنـاف بـامـر
وأودى فكـان علـى تمـامـا
فقل في ثبير مضـى بعـد مـا
قضى ما قضاه وأبقـى شمامـا
فلله ذا فــاتــحــا للهدى
ولله ذا للمعـالـي خـتـامـا
وما ضر مجد أبى طالب جهول
لـغـا أو بصـيـر تعـامـى
كمـا لا يضـر إيـاة الصبـاح
من ظن ضوء النهار الظلاما(2)
__________
(1) ابن المعتز هنا أن
يقول بأننا فقط أبناء عمه المسلم وإلا
فإن النبي الأكرم صلوات الله وسلامه
عليه وآله لا يوجد له بنو عم مسلم
غيرهم، أي أن العلويين هم أبناء أبو طالب وهو لم يمت على الإسلام كما هو يقول، ولكن أجابه أحد الشعراء العلويين فقال أبيات من ضمنها
بني عمنا ! إن يوم الغدير * يشهد للفارس المعلم
أبونا علي وصي الرسول * ومن خصه باللواء الأعظم
لكم حرمة بانتساب إليه * وها نحن من لحمه والدم
لإن كان يجمعنا هاشم * فأين السنام من المنسم ؟
وإن كنتم كنجوم السماء * فنحن الأهلة للأنجم
ونحن بنو بنته دونكم * ونحن بنو عمه المسلم
حماه أبونا أبو طالب * وأسلم والناس لم تسلم
وقد كان يكتم إيمانه * فأما الولاء فلا يكتم.
راجع الغدير للأميني ج 5 ص 396 (1/83)
(2) شرح النهج ج14 ص 84
· يقول صاحب الإسطوانة:" استمع إلى شيخهم عبد الحميد المهاجر وهو يروي رواية كفرية وهي أن علي رضي الله عنه انه هو قسيم الجنة والنار ويقول للنار خذي هذا ودعي هذا ,... كما ستسمعه وهو يكذب على كتب أهل السنة !!!!"
فأي كذب يا رجل أما تتقي الله فيمن يقرأ ما تسطر يمناك؟ أوليس الأحرى بصاحب الإسطوانة قبل أن يأتي ويكذّب الشيخ المهاجر أن يرجع إلى مصادره وينظر في هذا الحديث وهو يا علي أنت قسيم الجنة والنار وما جاء بمعناه؟ فقد ذكره ابن حجر الهيتمي في صواعقه ج2 ص 369، والقاضي عياض في الشفا ج1 ص 338، والخوارزمي في مناقبه ص 294، وأخرج الحديث القندوزي في ينابيعه ج1 ص 90 ،249، 250، 251، 254، وابن قتيبة في غريب الحديث ج1 ص 377، وابن الأثير في النهاية ج4 ص 61 ،وغريب الحديث لإبن الجوزي ج2 ص 243، والفائق للزمخشري ج3 ص 195 وفي طبقات الحنابلة أن محمد بن منصور يقول كنا عند أحمد بن حنبل فقال: له رجل يا أبا عبد الله ما تقول في هذا الحديث الذي يروى أن علياً قال: " أنا قسيم النار " فقال: وما تنكرون من ذا أليس روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق " قلنا بلى قال: فأين المؤمن قلنا في الجنة قال: وأين المنافق قلنا في النار قال: فعلي قسيم النار.
· يقول صاحب
الإسطوانة "شيخهم
عبد الحميد المهاجر الملقب بخطيب
المنبر الحسيني عند الشيعة يقول بأن
السماء أمطرت دماً في لندن يوم عاشور
واستمع إلى قوله أيضا بأنه أكثر 45
سنة وهو ينادي يا حسين يا حسين لم
ينادي فيها الله."
غريب أمر هذا المقطع، والأغرب منه هو المعلق على كلام الشيخ حفظه الله تعالى ورعاه، فأقسم الحديث هنا إلى نقطتين، وهما ذكر بعض المعاجز الكونية التي حصلت بمقتل سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه، والنقطة الثانية مختصة بمسألة إمطار السماء دماً. (1/84)
أما بعض المعاجز الكونية التي حصلت بمقتله سلام الله عليه فنذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
يذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء ما نصه "و لما قتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيام والشمس على الحيطان كالملاحف المعصفرة والكواكب يضرب بعضها بعضا وكان قتله يوم عاشوراء وكسفت الشمس ذلك اليوم واحمرت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله ثم لا زالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك ولم تكن ترى فيها قبله"(1) فهذا السيوطي يصرح بأن الحمرة لم تر قبل مقتل الحسين عليه السلام وهذا المعلق يستهزئ بالشيخ لأنه نقل ما تنضح به كتبه ولكن هل يتعض، ولا أظنه كذلك {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
وهذا الذهبي في تاريخه يذكر"وقال المدائني عن علي بن مدرك عن جده الأسود بن قيس قال : احمرت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة أشهر يرى فيها كالدم فحدثت بذلك شريكا فقال لي : ما أنت من الأسود فقلت : هو جدي أبو أمي فقال : أما والله إن كان لصدوق الحديث".(2)
__________
(1) تاريخ الخلفاء للسيوطي 182
(2) تاريخ الإسلام للذهبي ج1 ص 559
(1/85)
و أيضاً من تاريخ الإسلام " وقال هشام بن حسان عن ابن سيرين قال : تعلم هذه الحمرة في الأفق مم هو من يوم قتل الحسين رواه سليمان بن حرب عن حماد عنه، وقال جرير بن عبد الحميد عن زيد بن أبي زياد قال : قتل الحسين ولي أربع عشرة سنة وصار الورس الذي في عسكرهم رمادا واحمرت آفاق السماء ونحروا ناقة في عسكرهم وكانوا يرون في لحمها النيران، وقال ابن عيينة : حدثتني جدتي قالت : لقد رأيت الورس عاد رمادا ولقد رأيت اللحم كأن فيه النار حين قتل الحسين، وقال حماد بن زيد : حدثني جميل بن مرة قال : أصابوا إبلا في عسكر الحسين يوم قتل فنحروها وطبخوها فصارت مثل العلقم، وقال قرة بن خالد : ثنا أبو رجاء العطاردي قال : كان لنا جار من بلهجيم فقدم الكوفة فقال : ما ترون هذا الفاسق ابن الفاسق قتله الله - يعني الحسين - قال أبو رجاء : فرماه الله بكوكبين من السماء فطمس بصره وأنا رأيته"(1)
أترجو أمة قتلت حسيناً شفاعة جده يوم الحساب
فهربوا وتركوا الرأس(2)"
ابن عساكر في تاريخ دمشق بإسناده إلى خلف بن خليفة عن أبيه قال" لما قتل الحسين اسودت السماء وظهرت الكواكب نهارا حتى رأيت الجوزاء عند العصر وسقط التراب الحمر"(3)
(1/86)
فهذه الأخبار أخذناها على عجالة دون تفحص بقية الكتب وإنما راجعنا المصادر المعول عليها فقط.
أما إمطار السماء دماً، فهو حديث اتفق على نقله الحفاظ ودوّن في محاضر الكتّاب، فالعجب كل العجب من أن يكذب من أمثال هذا الرجل وغيره هذا الحدث الذي روته الخاصة والعامة، وقد صرحت به السيدة زينب(3) سلام الله عليها في خطبتها في مسجد الكوفة حيث تقول"
يا أهل الكوفة ، ويا أهل الختل والخذل، فلا رقأت العبرة ، ولا هدأت الرنة، ... ويلكم أتدرون أي كبد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فريتم، وأي دم له سفكتم، وأي كريمة له أصبتم؟ لقد جئتم شيئا إذا ، تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ، ولقد أتيتم بها خرقاء شوهاء طلاع الأرض والسماء. أفعجبتم أن قطرت السماء دما ؟ ! ولعذاب الآخرة أخزى ، فلا يستخفنكم المهل ، فإنه لا يحفزه البدار ، ولا يخاف عليه فوت الثار ، كلا إن ربك لبالمرصاد."(4) هذا إلى جانب كثير من الروايات التي ذكرت إمطار السماء دما ونذكر على سبيل المثال ما ذكره الحافظ ابن عساكر الدمشقي في تاريخ دمشق " بإسناده إلى نصرة الأزدية قالت
لما أن قتل الحسين بن علي مطرت السماء دما فأصبحت وكل شيئ لنا ملآن دماء. وعن جعفر بن سليمان قال حدثتني خالتي أم سالم قالت لما قتل الحسين بن علي مطرنا مطرا كالدم على البيوت والجدر قال
__________
(1) المصدر السابق ج14 ص 227
(2) المصدر السابق ج14 ص 227
(3) وفي بعض المصادر كبلاغات النساء هي أم كلثوم بنت الإمام علي سلام الله عليهما
(4) رويت هذه الخطبة في كثير من الكتب منها بلاغات النساء لابن طيفور ص 24، وجمهرة خطب العرب ج2 ص 135.
(1/87)
وبلغني أنه كان بخراسان والشام والكوفة قال وأنا البغوي حدثني أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد نا زيد بن الحباب حدثنا وقال أبو غالب حدثني أبو يحيى مهدي بن ميمون قال سمعت مروان مولى هند بنت المهلب يقول وقال أبو غالب قال حدثني بواب عبيد الله بن زياد أنه لما جئ برأس الحسين فوضع بين يديه رأيت حيطان دار الإمارة تسايل دما. زيد بن عمرو الكندي قال حدثتني أم حيان قالت يوم قتل الحسين أظلمت علينا ثلاثا ولم يمس أحد من زعفرانهم شيئا فجعله على وجهه إلا احترق ولم يقلب حجر ببيت المقدس إلا أ صبح تحته دم عبيط قال ونا يعقوب نا سليمان بن حرب نا حماد بن زيد عن معمر قال أول ما عرف الزهري انه تكلم في مجلس الوليد بن عبد الملك فقال الوليد أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن علي فقال الزهري زاد عبد الكريم وابن السمرقندي بلغني وقالوا أنه لم يقلب حجر إلا زاد ابن السمرقندي وجد تحت وقال البيهقي إلا وتحته دم عبيط "(1)، والأدهى والأمر من هذا أن الرجل يستهزئ بالشيخ أنه نقل عن كتاب تأريخي بريطاني يحكي أنه في سنة 685 ميلادي وهي بطبيعة الحال توافق سنة 61 هـ أي السنة التي قتل فيها الإمام الحسين عليه السلام نقل ما نصه بالإنجليزي "(685. Here in Britain there was Bloody rain, and milk and butter were turned to blood)" وترجمته أنه في سنة 685، هنا في بريطانيا أمطرت السماء دماً، وتحول الحليب والزبدة إلى دم. إذا لماذا هذا العناد؟ الشيخ حفظه
(1/88)
__________
(1) راجع في مسألة إمطار السماء دماً تاريخ دمشق ج 14 ص 227،228، دلائل النبوة للبيهقي حديث رقم 2810، ذخائر العقبى للطبري ج1 ص 145، سبل الهدى والرشادج11 ص 80، الثقات لابن حبان ج5 ص 487، تهذيب الكمال للمزي ج6 ص 433، ينابيع المودة ج3 ص 15، 20،84 ، الصواعق المحرقة لابن حجر الهتمي ج2 ص 568،569،570، المعجم الكبير للطبراني ج3 ص 119، مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص 315 وصححه الهيثمي.
الله ذكر اسم الكتاب وهو وقائع عصر الأنغلو ساكسون فارجعوا إلى الكتاب فإن كان هناك كذب فبينوه بالحجة، ولكن هذا النوع من التهريج والأفعال الصبيانية حقيقة تحط من قدر أي إنسان، وتجعله هو الخاسر في النهاية لأنه صغّر نفسه أمام من يستمع إلى تعليقه وطريقة التعليق، وأيضاً اتضح للمستمع أن المعلق كاذب في ما يقول فالشيخ عندما نقل حادثة إمطار السماء دماً وكان صادقاً ولم يتعد الصدق بقيد أنملة، لكنه الحقد الذي أعمى القلوب والبصائر، نسأل الله أن يجنبنا إياه.
·
يقول صاحب الإسطوانة"وهذا
شيخهم باقر الفالي قاتله
الله يتهم سيف الله
المسلول خالد بن الوليد
رضي الله عنه بأنه زاني
وانه قتل رجل مسلم !!!!!"
لماذا قاتله الله؟ ومن يستوجب القتال؟ أ لأنه يحاول رفع تلك الحالة التي وضعتموها على بعض الأسماء، تمنعون أي نقد لأفعالها، ولا ترضون بأي فحص لسلوكياتها؟ أما خالد بن الوليد فهو كما صرح به السيد الفالي قتل رجل مسلم وزنى بامرأته، والرجل هو مالك بن نويرة.
قبل مناقشة قتل خالد بن الوليد لمالك بن نويرة علينا في البداية أن نعرف من هو مالك. هو مالك بن نويرة بن حمزة(1) بن شداد اليربوعى التميمي فارس ذي الخمار، وذو الخمار فرسه. كان فارساً شجاعاً مطاعاً في قومه، كان يقال له: الجفول لكثرة سفره، وكان من فرسان العرب وشجعانهم، وذوي الرأي والردافة في الجاهلية، وكانت لبني يربوع أيام آل المنذر، ومعنى الردف: أن يجلس مجلس الملك إذا غاب، وعن يمينه إذا جلس، فإذا شرب الملك شرب الردف بعده، وللردف إتاوة تؤخذ مع إتاوة الملك، وفي ذلك يقول راجزهم:
وَمَنْ يُنافِرْ آلَ يَرْبوعٍ يَجِدْ ألمَجْلِسَ الأيْمَنَ واًلرِّدَف النجدْ
__________ (1/89)
(1) و في بعض المصادر مالك بن نويرة بن جمرة كما في الإصابة لإبن حجر
قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فولاه صدقة قومه بني يربوع وكان قد أسلم(1)، فقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم علمني الإيمان فعلمه الشهادتين، وأركان الشريعة، ونهاه عن مناهيها، وأمره أن يوالي وصيه من بعده وأشار إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فلما ذهب قال النبي: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إليه، فلحقه الشيخان وسألاه الاستغفار لهما فقال: لا غفر الله لكما، تدعان صاحب الشفاعة وتسألاني؟ فغضبا ورجعا فرآهما النبي فتبسم وقال: في الحق مبغضة. فلما قبض النبي صلى الله عليه وآله جاء مالك لينظر من قام مقامه فرأى أبا بكر يخطب فقال: أخو تيم؟ قالوا: نعم، قال: فوصي رسول الله الذي أمرني بموالاته؟ قالوا: الأمر يحدث بعده الأمر، قال: تالله ما حدث شيئ ولكنكم خنتم الله ورسوله، ونظر إليه شرا، وتقدم وقال: ما أرقاك هذا المنبر؟ ووصي رسول الله جالس؟ فأمر قنفذا وخالدا بإخراجه فدفعاه كرها، فركب راحلته وقال:
أطعنا رسول الله مـا كـان بيننـا
فيا قوم ما شأني وشأن أبـي بكـر
إذا مات بكـر قـام بكـر مقامـه
فتلك وبيـت الله قاصمـة الظهـر
بـدت وتغشـاه العـثـار كأنـمـا
يجاهد حمى أو يقوم علـى جمـر
فلو قام فينا مـن قريـش عصابـة
أقمنا ولو كان المقام على الجمر(2)
(1/90)
__________
(1) راجع الإصابة لإبن حجر ج5 ص 754 وترجمة مالك في معجم الشعراء للمرزباني و أسد الغابة والإستيعاب
(2) راجع الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي ج2 ص 280
فأتاه خالد بن الوليد بعد أن فرغ من أهل الردة، وكان مالك بن نويرة رضوان الله تعالى عليه لم يسلم الزكاة لأبي بكر لأن الحكم بعد النبي صلى الله عليه وآله لايزال لم يبت في أمره، فهناك أطراف تتنازع على الحكم، فهو يرى أن الخليفة مغصوب حقه، والخليفة الحالي غالب على كرسيه بعصبته، وهناك رهط من الأنصار مخالفة لأمر الخليفة الأول، إذاً كان موقف مالك موقفاً صحيحاً من حيث التريث في معرفة لمن آلت إليه مقاليد الخلافة، وهل رضي المسلمون جميعاً بهذا الخليفة أم لا، ويتضح هذا الأمر جلياً في الروايات التي ترد في يوم البطاح وهو يوم مقتله، فقد روى أرباب التأريخ أن مالك بن نويرة قال لخالد أنا على الإسلام، وأيضاً أنهم صلوا الصبح، وفي بعض الروايات أن مالك بن نويرة أنا آتي بالصلاة دون الزكاة فقال : أما علمت أن الصلاة والزكاة معا لا تقبل واحدة دون الأخرى! فقال : قد كان صاحبك يقول ذلك قال خالد : وما تراه لك صاحبا !والله لقد هممت أن أضرب عنقك ثم تحاورا طويلا فصمم على قتله : فكلمه أبو قتادة الأنصاري وابن عمر، فكره كلامهما، وقال لضرار بن الأزورة اضرب عنقه، فجاءت امرأته ليلى بنت سنان، كاشفة وجهها فألقت نفسها عليه، فالتفت مالك إلى زوجته وقال: أنت التي قتلتيني، وكانت في غاية الجمال، قال خالد: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام، فقال: أنا على الإسلام. قال: اضرب عنقه؛ فضرب عنقه، وجعل رأسه إحدى أثافي القدر، وطبخ فيها طعام. فقالت امرأة من قومه حين رأته: اصرفوا وجه مالك عن النار، فوالله لقد كان حديد الطرف في الغارات، غضيض الطرف عن الجارات،
(1/91)
لا يشبع ليلة يضاف، ولا ينام ليلة يخاف، ثم تزوج خالد بالمرأة، فقال أبو زهير السعدي من أبيات:
ألا قـل لحـي أوطئـوا بالسنابـك
تطاول هذا الليل مـن بعـد مالـك
قضى خالـد بغيـا عليـه لعرسـه
وكان له فيهـا هـوى قبـل ذلـك
فأمضى هواه خالـد غيـر عاطـف
عنـان الهـوى عنهـا ولا متمالـك
وأصبـح ذا أهـل وأصبـح مالـك
على غير شئ هالكا فـي الهوالـك
فمـن لليتامـى والأرامـل بعـده ؟
ومن للرجال المعدمين الصعالـك ؟
أصيبـت تميـم غثهـا وسمينـهـا
بفارسها المرجو سحب الحوالك (1)
لما قتل خالد مالك بن نويرة، أنكر عليه أبو قتادة الأنصاري وأقسم ألا يقاتل تحت رايته أبدا، وقدم على أبي بكر فأخبره بقتل مالك وأصحابه فجزع من ذلك جزعا شديداً(2) ، فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبى بكر فأكثر وقال عدو الله عدا على امرئ مسلم فقتله ثم نزا على امرأته وأقبل خالد بن الوليد قافلا حتى دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجرا بعمامة له قد غرز في عمامته أسهما فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها ثم قال أرئاء قتلت امرءا مسلما ثم نزوت على امرأته والله لأرجمنك بأحجارك ولا يكلمه خالد بن الوليد ولا يظن إلا أن رأى أبى بكر على مثل رأى عمر فيه حتى دخل على أبى بكر فلما أن دخل عليه أخبره الخبر واعتذر إليه فعذره أبو بكر وتجاوز عنه ما كان في حربه تلك قال فخرج خالد حين رضى عنه أبو بكر وعمر جالس في المسجد فقال هلم إلى يا ابن أم شملة قال فعرف عمر أن أبا بكر قد رضى عنه فلم يكلمه ودخل بيته.(3) ويقول إبن عبد البر في الاستيعاب في ترجمته مالك بن نويرة بن حمزة اليربوعي التميمي. قال الطبري: بعث النبي صلى الله عليه وسلم مالك بن نويرة على صدقة بني يربوع. وكان قد أسلم هو وأخوه متمم بن نويرة الشاعر فقتل خالد بن الوليد مالكاً يظن أنه ارتد حين وجهه أبو بكر لقتال أهل الردة. واختلف فيه هل قتله مسلماً أو مرتداً؟ وأراه والله أعلم قتله خطأ. وأيضاً يذكر ابن الأثير في أسد الغابة في (1/92)
__________
(1) تاريخ الإسلام ج1 ص 371 باب مقتل مالك بن نويرة، تاريخ أبي الفداء ج1 ص 108 باب أخبار أبي بكر وخلافته، مرآة الجنان لليافعي ج1 ص 259 في ترجمة وثيمة بن موسى الوشاء.
(2) تاريخ دمشق ج16 ص 255
(3) تاريخ الطبري ج2 ص 274
ترجمة مالك بن نويرة ما نصه: فهذا جميعه ذكره الطبري وغيره من الأئمة ويدل على أنه لم يرتد . وقد ذكروا في الصحابة أبعد من هذا فتركهم هذا عجب. وقد اختلف في ردته وعمر يقول لخالد : قتلت امرأ مسلما . وأبو قتادة يشهد أنهم أذنوا وصلوا وأبو بكر يرد السبي ويعطى دية مالك في بيت المال . فهذا جميعه يدل على أنه مسلم ووصف متمم بن نويرة أخاه مالكا فقال : كان يركب الفرس الحرون ويقود الجمل الثفال وهو بين المزادتين النضوحتين في الليلة القرة وعليه شملة فلوت معتقلا رمحا خطيا فيسري ليلته ثم يصبح وجهه ضاحكا كأنه فلقة قمر رحمه الله ورضي عنه(1).
{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}(2)
إذا بعد استعراض هذه الأخبار يتضح أن خالد بن الوليد قتل رجلاً مسلماً وزنى بامرأته، وهذا بشهادة جملة من الصحابة منهم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري، إذا كانت القضية مسلمة في أمهات الكتب التأريخية ويكاد لا يخلو كتاب تأريخي منه هذه القضية، فعلام هذا التهويل من صاحب الإسطوانة محاولاً أن ينكر المسلمات؟ أو أنه يحاول أن يصرف أنظار العامة عما تحويه الكتب؟ (1/93)
__________
(1) أسد الغابة لإبن الأثير ج4 ص 296
(2) سورة النساء 92
·
يقول صاحب الإسطوانة:"
استمع إلى شيخهم عبد
الحميد المهاجر وهو يفتري
على معاوية ابن أبي سفيان
ويتهم الصحابي الجليل أبو
هريرة بانه ارتشى اخذ
آلاف الدنانير لكي يؤلف
ويغير في أحاديث الرسول
صلى الله عليه وسلم !!!!!" (1/94)
من الذي يفتري؟ الشيخ المهاجر أم صاحب الإسطوانة؟ هذا ابن أبي الحديد المعتزلي يروي عن المدائني في كتابه الأحداث:" قال كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته... وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق ألا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة وكتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فادنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته. ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع ويفيضه في العرب منهم والموالي فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملا من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه فلبثوا بذلك حينا. ثم كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة فإن هذا أحب إلى وأقر لعيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله"(1)، وهذا الأمر ليس بغريب عن ابن أبي سفيان فلطالما نال وسب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وقد ذكرنا مصادر ذلك سابقاً فتفكر. وأما إذا كانت المسألة أن أبو هريرة يضع الأحاديث فهذا الشيخ محمود أبو رية وضع باباً كاملاً من كتابه أضواء على السنة المحمدية أسماه "وضعه الحديث على علي" وكان يتكلم عن أبو هريرة فقال:
قال أبو جعفر الاسكافي إن معاوية حمل قوما من الصحابة ، وقوما من التابعين ، على رواية أخبار قبيحة على علي تقتضي الطعن فيه ، والبراءة منه ، وجعل لهم
__________
(1) شرح نهج البلاغة ج11 ص 44
في ذلك جعلا ، فاختلقوا له ما أرضاه ، منهم أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير . وروى الأعمش : لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مرارا وقال : يا أهل العراق أتزعمون أنى أكذب على الله ورسول الله وأحرق نفسي بالنار . والله لقد سمعت رسول الله يقول : لكل نبي حرما وإن حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور ، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وأشهد بالله أن عليا أحدث فيها . فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه إمارة المدينة.(1) إلى غير الروايات التي تبين وبشكل واضح كذب أبو هريرة مثل الإسرائيليات التي أسندها إلى النبي الأكرم صلوات الله وسلامه عليه وآله وهي من مرويات كعب الأحبار.
لقد تمت مناقشة بعض المواد الصوتية والتي تبين فيها أن الرجل يحاول أن يشعل نار الفتنة بأي طريقة على أننا لو أردنا تتبع جميع المقاطع الصوتية والمرئية فهي على ثلاثة أشكال، إما أنها مزورة، بمعنى أنها ملفقة على الشيعة، أو أنها خضعت لعدة عمليات تجميلية (دوبلاج) فتخرج على الهيئة التي يريدها صاحب الإسطوانة، أو أنها حقيقة واقعة يحاول صاحب الإسطوانة استخدام أي كلمة فيها ويضع العنوانين الرنانة التي تجذب الناس، وكل هذا فقط رغبة منه أن يحيد الناس عن طريق الحق، ولكن هيهات يأبى الله إلا أن يظهر الحق، ولا شيئ غير الحق.
{لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ}
__________ (1/95)
(1) أضواء على السنة المحمدية للشيخ محمود أبو رية ص 216، شيخ المضيرة لنفس الكاتب ص 226، شرح النهج لإبن أبي الحديد ج4 ص 64.
الفصل الرابع: الرد على قسم طقوس عاشوراء، شركياتهم وجرائمهم
الرد على قسم طقوس عاشوراء:
سبق أن تطرقنا إلى الحديث عن بعض الشعائر الحسينية في القسم الثالث في الرد على ادعائه أن الشيخ المهاجر يشبه التطبير بالمصارعة، وقد استوفينا المسألة من عدة نواحي، ولكن الغريب في الأمر أن الرجل هنا جاء ببعض الفتاوى المحللة للتطبير من مراجعنا العظام، ولكنه لم يكلف نفسه قراءة تلكم الفتاوى، فلو عُرضت الفتاوى على أي فقيه صادق في قوله سيكون جوابه هو عينه جواب المراجع العظام الذين أفتوا بحلية التطبير، وسنستعرض هذه الفتاوى ونحللها حتى يتضح الأمر.
(1/96)
أولاً فتوى آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري قدس سره:
يقول قدس سره ما نصه"ضرب القامات إن كان لا يضر بحال فاعله فلا بأس به، فليس لأحد أن ينهى عن ذلك، بل جميع أنواع التعزية لأجل سيد الشهداء أرواحنا فداه مشروعة مستحبة". لعل الرجل محتاج إلى تعمق أكثر في اللغة العربية، فضرب القامات مشروط بـ عدم الضرر بحال الفاعل، وأي أمر (غير المنصوص على حرمته) لا يضر بحال فاعله لا يدخل ضمن المحرمات مهما كان، ولنبين المسألة أكثر، يقول جل وعلا في كتابه الحكيم {وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}(1) بمعنى إن كان هذا هو حق فالسماء ستمطر حجارةً، وإن كان باطلاً لن يحصل أي شيئ، فلا يبعد قول الشيخ الحائري قدس سره عن هذا المعنى فكلامه بسيط يتضمن جملة الشرط و أداتها وجوابها، فانتفاء الشرط وهو عدم الضرر ينفي الجواب وهو الحلية، فالمسألة جداً واضحة ولا تحتاج إلى شرح ولكن أمثال الرجل لا يريدون الفهم {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(2) (1/97)
__________
(1) سورة الأنفال 32، نزلت الآية الكريمة في الحارث بن عمرو الفهري لأنه اعترض على تنصيب الإمام علي سلام الله عليه و كذب النبي صلى الله عليه وآله فقال اللهم إن كان ما يقول محمداً حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء فما لبث أن رمي بحجر من سجيل راجع الغدير للعلامة الأميني 239 إلى 246 فقد ذكر ثلاثين مصدراً لهذه الرواية عن كتب العامة.
(2) سورة المطففين 14
ثانياً فتوى الشيخ النائيني أستاذ مراجع النجف الأشرف قدس سره:
يقول قدس سره: "لا إشكال في جواز اللطم بالأيدي على الخدود والصدور حد الاحمرار والاسوداد، بل يقوى جواز الضرب بالسلاسل أيضاً على الأكتاف والظهور إلى الحد المذكور، بل إن أدى كل من اللطم والضرب إلى خروج دم يسير على الأقوى. وإما إخراج الدم من الناصية بالسيوف والقامات فالأقوى جواز ما كان ضرره مأموناً، وكان من مجرد إخراج الدم من الناصية بلا صدمة على عظمها، ولا يتعقب عادة بخروج ما يضر خروجه من الدم ونحو ذلك كما يعرفه المتدربون العارفون بكيفية الضرب". وهذه الفتوى كسابقتها، مشروطة و باقي الفتاوى كذلك نجد فيها هذه العبارة " ما كان ضرره مأموناً " أو " إن كان لا يضر بحال فاعله" وكما في فتوى السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره حيث أجاب على سؤال في مشروعية التطبير مع أمن الضرر فلم يشكل، وكذلك السيد السيستاني والسيد الشيرازي وباقي مراجعنا العظام رحم الله الماضين منهم وأيد الباقين، كلهم قيدوا مسألة التطبير واللطم وهذه المراسم بالأمن من الضرر، فإذا أمنته فلا مانع.
هذا القسم يشتمل على أربعة مواد مرئية، تمت مناقشة مضامينها في السابق و نشير إليها الآن:
المادة الأولى: تحتوي على مجموعة من الزوار الإيرانيين في الساحة الخارجية لمسجد النبي الأعظم صلوات الله وسلامه عليه وآله وفيها أن رجلاً ينعى و يذكر السيد زينب سلام الله عليها ولا يبعد أن يكون ذاك اليوم مصادف لذكرى وفاة السيدة زينب سلام الله عليه في الخامس عشر من رجب، فلا يوجد أي شركيات أو محظورات في هذه المادة، ولكن الظاهر بأن الرجل لم يجد ما يضعه في هذا القسم فوضع هذه المادة.
(1/98)
المادة الثانية: مقطع لشريط يصور السيد الخامنائي في دخوله لضريح الإمام الرضا سلام الله عليه، لتغسيله ورش القبر بالماء، ولكن الأمانة في النقل أبت إلا إخراج المقطع على أنه سجود للقبر وما إلى ذلك و جل ما فيه أن السيد ينحني على القبر لتقبيله ليس إلا وقد أسلفنا سابقاً ما كان من بلال بن رباح و أبو أيوب الأنصاري رضوان الله تعالى عليهما في تقبيل قبل النبي صلى الله عليه وآله فهذا مما لا إشكال فيه.
المادة الثالثة: وهي لحسين الفهيد يقرأ خطبة منسوبة إلى الإمام علي سلام الله عليه وهي المسماة بالخطبة التطنجية أخرجها الحافظ البرسي في مشارق أنوار اليقين، والخطبة تحتاج إلى شرح وتأويل وإلا فهي تُستصعب على الإنسان العادي، عموماً إن الخطبة ينسبها البعض إلى الإمام في حين ينفيها البعض الآخر، فالعلماء غير متفقين على صحة نسبتها إلى الإمام سلام الله عليه.
المادة الرابعة: وهي كالمادة الثانية، عبارة عن زيارة لضريح السيدة زينب سلام الله عليها و قد فصلنا في مسألة زيارة القبور في السابق فراجع.
الملفت للنظر أن الرجل جاء ببعض الروايات في حكم الناصبي وعممها على جمهور أهل العامة، في حين أن تعريف الناصبي عندنا هو المبغض لآل محمد والمظهر لهذا البغض، أو المظهر للعداء، وعليه فمن يجد في نفسه مبغضاً لآل محمد مظهراً لهذا البغض فهو المعني بتلك الأحاديث المروية عن الأئمة سلام الله عليهم، والأغرب من هذا كله أن الرجل سطر أموراً وفريات ادعى أنها أساليب تعذيب و لم يأت بمصدر واحد على ما يقول، {أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}(1).
__________
(1) سورة مريم 78
(1/99)
الفصل الخامس: الرد على قسم عجائب وغرائب قسم صاحب الاسطوانة هذا القسم إلى قسمين وعنون أحدهما بأقبح ما عندهم والثاني بمن خرافاتهم، و سندر على عينة من هذا القسم وذاك حتى يتبين القارئ مدى حقد الرجل على الشيعة في محاولته لإلصاق أي تهمة فيهم.
حد العورة
عند الشيعة:
ينقل الرجل
عن صاحب جامع
المقاصد وكتب
أخرى شيعية
مفادها أن
العورة عند
الإمامية هي
القبل والدبر،
والرجل يعيب
على الإمامية
هذه المسألة،
ولكن للأسف
لم يطالع
الرجل كتبه
الفقهية فهذا
ابن قدامة
ينقل في
المغني
قال مهنا
سألت أحمد ما
العورة ؟ قال
الفرج والدبر(1)،
وأيضاً "
أن أبا عبد
الله الحناطي
حكى عن
الاصطخرى أن
عورة الرجل
هي القبل
والدبر فقط"(2)،
وأيضاً ذكر
ابن رشد "المسألة
الثانية :
وهو حد
العورة من
الرجل ، فذهب
مالك
والشافعي إلى
أن حد العورة
منه ما بين
السرة إلى
الركبة ،
وكذلك قال
أبو حنيفة
وقال قوم :
العورة هما
السوأتان فقط
من الرجل
."(3)، وأيضاً
"العورة
من الرجل :
العورة التي
يجب على
الرجل سترها
عند الصلاة ،
القبل والدبر
، أما ما
عداهما من
الفخذ والسرة
والركبة فقد
اختلفت فيها
الانظار تبعا
لتعارض
الاثار فمن
قائل بأنها
ليست ومن
ذاهب إلى
أنها عورة"(4)،
فلماذا يعيب
الرجل ويقول
بأن هذه
المسألة من
أقبح الأمور
عند الرافضة؟
وهذا هو رأي
أحمد و غيره
من العلماء،
فغريب أمر
الرجل. __________ (1/100)
الرد على قسم أقبح ما عندهم:
(1) المغني لإبن قدامة ج1 ص 651
(2) فتح العزيز في شرح الوجيز لعبدالكريم الرافعي ج4 ص 85
(3) بداية المجتهد لإبن رشد ج1 ص 95
(4) فقه السنة للشيخ سيد سابق ج1 ص 125
ينقل عن كتاب أنوار الولاية أن بول الأئمة وغائطهم سبب دخول الجنة، ويعتقد بأن هذا أمر مستنكر، ولكن في نفس الوقت نجد أنهم ينقلون في كتبهم في ترجمة أم أيمن و هي بركة الحبشية ينقلون ما نصه"
أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته واسمها بركة وهى حبشية فاعتقها عبد الله أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلمت قديما أول الإسلام وهاجرت إلى الحبشة والى المدينة وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل أنها كانت لأخت خديجة فوهبتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل كانت لام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى التي شربت بول النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها لا ييجع بطنك أبدا وقيل إن التي شربت بوله بركة جارية أم حبيبة وتكنى أم أيمن بابنها أيمن ابن عبيد...."(1)، وفيه ينقل ابن حجر العسقلاني في تلخيص الحبير عند الحديث عن أم أيمن فيقول" إن أم أيمن شربت بول النبي صلى الله عليه وسلم فقال إذا لا تلج النار بطنك(2) "و أيضاً ورد " وقع في رواية سلمى امرأة أبى رافع أنها شربت بعض ماء غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها حرم الله بدنك على النار "(3)، فنحن لا نعيب على القوم مثل هذه الروايات، ولكن نقول لهم إن المسألة موجودة عندكم كما هي عندنا فعلام هذا التهكم؟
__________
(1) أسد الغابة لإبن الأثير ج5 ص 567
(2) تلخيص الحبير ج1 ص 182
(3) المصدر السابق ج1 ص 183
(1/101)
ينقل صاحب الإسطوانة عن الكافي هذه الرواية وأنا أنقلها مسندة حتى تتم الفائدة"
علي بن حمد ، عن بعض أصحابنا ، عن ابن أبي عمير ، عن حريز ، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : للإمام عشر علامات : يولد مطهرا ، مختونا ، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعا صوته بالشهادتين ، ولا يجنب ، وتنام عيناه ولا ينام قلبه ، ولا يتثاءب ولا يتمطى ، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه ،
ونجوه كرائحة المسك ، والأرض موكلة بستره وابتلاعه ، وإذا لبس درع رسول الله صلى الله عليه وآله كانت عليه وفقا ، وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبرا ، وهو محدث إلى أن تنقضي أيامه."(1) فما أشرنا إليه بالأحمر هو بيت القصيد، فعند الرجوع إلى شرح الكافي نجد"قوله ( ونجوه كرائحة المسك ) هذه علامة سابعة ، وفيه حذف أي رائحة نجوه ، والنجو ما يخرج من ريح أو غائط وذلك لأن باطنه كظاهره طاهر مطهر مما يوجب التأذي والتنفر منه
"(2)،و
هذا لا مشكلة فيه
فقد أفتى علماء
أهل العامة كما
ذكر ذلك القاضي
عياض بطهارة
فضلات النبي صلى
الله عليه وآله
فقد بوب باباً في
كتاب الشفا
بتعريف حقوق
المصطفى بإسم "فصل
في نظافة جسمه ،
و طيب رائحته ، و
نزاهته عن
الأقذار و عورات
الجسد"
وقد ذكر في هذا
الباب بعض
الدلائل التي
تعضد قوله مثل "
حدثنا سفيان بن
العاصي و غير
واحد ، قالوا :
حدثنا أحمد بن
عمر . حدثنا أبو
العباس الرازي ،
حدثنا أبو أحمد
الجلودي ، حدثنا
ابن سفيان ،
حدثنا مسلم ، قال
: حدثنا قتيبة ،
حدثنا جعفر بن
سليمان ، عن ثابت
، عن أنس ، قال :
ما شممت عنبراً
قط ، و لا مسكاً
، و لا شيئاً
أطيب من ريح رسول
الله صلى الله
عليه و سلم
." وأيضاً "
و قد حكى بعض
المعتنين بأخباره
و شمائله صلى
الله عليه و سلم
أنه كان إذا أراد
أن يتغوط انشقت
الأرض فابتلعت
غائطه و بوله ،
__________ (1/102)
(1) الكافي ج1 ص 388
(2) شرح أصول الكافي للمولي محمد صالح المازندراني ج 6 ص 392
و فاحت لذلك
رائحة طيبة . صلى
الله عليه و سلم
.
" وأيضاً "
و هذا الخبر ، و
إن لم يكن مشهوراً
فقد قال قوم من
أهل العلم بظهارة
الحدثين منه صلى
الله عليه و سلم
. و هو قول بعض
أصحاب الشافعية ،
حكاه الإمام أبو
نصر ابن الصباغ
في شامله . و قد
حكى القولين عن
العلماء في ذلك
أبو بكر بن سابق
المالكي في كتابه
البديع في فروع
المالكية ، و
تخريج ما لم يقع
لهم منها على
مذهبهم من تفاريع
الشافعية . و
شاهد هذا أنه صلى
الله عليه و سلم
لم يكن منه شيء
يكره ، و لا غير
طيب .(1)، وهذه المسألة هي عينها ما نقول بها في الأئمة فهم عليهم السلام سلالة النبي صلى الله عليه وآله وهم امتداده الطبيعي على الأرض، وهم حجة الله على خلقه بعد النبي صلى الله عليه وآله، وبما أن المسألة موجودة إذاً فلا مشكلة في وجودها في غير النبي صلى الله عليه وآله فلا أعرف لماذا الاستغراب ؟؟؟؟ (1/103)
__________
(1) الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض ص 61 -64
·
يقول صاحب
الإسطوانة"
الخميني يبيح وطء
الزوجة في الدبر:
يقول الخميني في
تحرير الوسيلة
ص241 مسألة رقم
11 ( المشهور
الأقوى جواز وطء
الزوجة دبراً على
كراهية شديدة ) !
"، هذا ما نقله
الرجل عن السيد
الخميني قدس الله
سره بالحرف،
وكعادتهم وكما
خبرناهم، فإنهم
يعانون من ضعف في
الأمانة العلمية
ولذلك ننقل ما
قاله السيد في
الجزء الثاني من
تحرير الوسيلة ص
241 مسألة رقم 11
" المشهور الأقوى
جواز وطء الزوجة
دبرا على كراهية
شديدة ،
والأحوط تركه
خصوصا مع عدم
رضاها" فنحن
نسأل الجملة التي
تبدأ بـ "والأحوط"
أين ذهبت من نقل
الرجل؟ فالسيد
قدس سره يشير إلى
أن المشهور هو
جواز الوطء مع
الكراهية الشديدة،
ولكنه حين يبين
فتواه يقول
الأحوط تركه،
ففتوى السيد قدس
سره واضحة وهي
الاحتياط في ترك
الوطء
مع عدم الرضا
لما ورد فيه من
روايات. في حين
إذا نظرنا إلى
جملة من علمائهم
وفتاويهم في هذا
الشأن فنجد أن
مالك بن أنس مثلاً
يحلله فهذا
المناوي في فيض
القدير يقول" وما
رواه الحاكم عن
مالك في قوله
الآن فعلته بأم
ولدي وفعله نافع
وابن عمر وفيه
نزل { نساؤكم حرث
لكم } فتعقبوه
بأنه كذب عليه
لكن رده الحافظ
ابن حجر في
اللسان فقال أصله
في سبب النزول
مروي عن ابن عمرو
عن نافع وعن مالك
من طرق عدة صحيحة
بعضها في البخاري"(1)،
وهذا الشافعي
ينقل عنه في
المجموع للنووي
أنه قال "و
حكى ابن عبد
الحكم عن الشافعي
أنه قال لم يصح
عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم
في تحريمه ولا
تحليله شيئ
والقياس أنه حلال
. وقد أخرجه عنه
ابن أبى حاتم في
مناقب الشافعي ،
وأخرجه الحاكم في
مناقب الشافعي عن
الاصم عنه ،
وكذلك الطحاوي عن
ابن عبد الحكم عن
الشافعي"(2)
وأيضاً ما رواه
جلال الدين
السيوطي في درره
ج1 ص 266 حيث
يقول "وأخرج
النسائي من طريق
يزيد بن رومان عن
عبيد الله بن عبد
الله بن عمر أن
عبد الله بن عمر
كان
(1/104)
لا يرى بأسا أن
يأتي الرجل
المرأة في دبرها،
وأخرج البيهقي في
سننه عن محمد بن
على قال كنت عند
محمد بن كعب
القرظى فجاءه رجل
فقال ما تقول في
إتيان المرأة في
دبرها فقال هذا
شيخ من قريش فسله
يعنى عبد الله بن
على بن السائب
فقال قذر ولو كان
حلالا، وأخرج ابن
جرير عن
الدراوردى قال
قيل لزيد بن أسلم
إن محمد بن
المنكدر نهى عن
إتيان النساء في
أدبارهن فقال زيد
أشهد على محمد
لأخبرني أنه
يفعله، وأخرج ابن
جرير عن ابن أبى
مليكة أنه سئل عن
إتيان المرأة في
دبرها فقال قد
أردته من جارية
لي البارحة
فاعتاصت على
فاستعنت بدهن،
وأخرج الخطيب في
رواة مالك عن أبى
سليمان الجوزجانى
قال
سألت مالك بن أنس
عن وطئ الحلائل
في الدبر فقال لي
الساعة غسلت رأسي
منه،
وأخرج ابن جرير
في كتاب النكاح
من طريق ابن وهب
عن مالك أنه مباح،
وأخرج الطحاوي من
طريق أصبغ بن
الفرج عن عبد
الله بن القاسم
قال ما أدركت
أحدا اقتدى به في
ديني يشك في أنه
حلال يعنى وطئ
المرأة في دبرها
ثم قرأ نساؤكم
حرث لكم ثم قال
فاى شيئ أبين من
هذا".
فهذه مجرد مسألة
فقهية اختلف
الفقهاء في الحكم
عليها، فمنهم من
حللها ومنهم من
حرمها ومنهم من
حلل مع الكراهية،
وكل اعتمد على
دليل، والحال بأن
المسألة كما حللت
عند الإمامية
حللت عند فرق
المسلمين الأخرى،
فلماذا يعيب
الرجل هذا الأمر
على الإمامية فقط؟ (1/105)
·
يقول صاحب
الإسطوانة "من
الطبيعي أن يشعر
المرء بتعاطف
تجاهقضية
مظلوم ، ولو أنّ
الشيعة تعاطفوا
تجاه قضية وقع
فيها الظلم فعلاً
لقلنا معهم حق في
الحزن وليس لهم
الحق في الخروج
في طابور عريض من
أجل القيام بأمور
مضحكة باسمالعزاء
!
تخيل رجل اشتعل
رأسه ولحييه شيباً
يقومبتمثيلية
مضحكة مع أتباعه
حيث يخرج في
جنازة السيد
فاطمة التي توفيت
رضي الله عنهامنذ
أكثر من 1400 سنة
!!!" (1/106)
(1/107)
__________
(1) فيض القدير للمناوي ج1 ص 144
(2) المجموع للنووي ج16 ص 419
طبعاً نحن كشيعة
إثني عشرية
إمامية لا نلومهم
على هذا التفكير
الجاف، فهؤلاء
أناس تعودوا على
أنه لا فرق بين
أهل بيت نبيهم و
بينهم أبداً،
بإمكانك الصلاة و
تصبح كعلي بن أبي
طالب، لا فرق بين
الحسين عليه
السلام و بين أي
إنسان عابد،
الحسن عليه
السلام إنسان
عادي، الزهراء
امرأة عادية،
رسول الله رجل
عادي لا يتمتع
بأي خصائص إلا
الوحي، و من كان
هذا تفكيره فلا
عجب أن يستغرب من
الحزن على
الزهراء البتول
روحي فداها في
يوم وفاتها،
والأدهى والأمر
من ذلك كله أنه
يتهكم على
المؤمنين بأسلوب
نعوذ بالله منه،
فلا حول ولا قوة
إلا بالله العلي
العظيم.
الحمد لله الذي
وفقنا لإكمال هذا
العمل ،وما أردنا
أن نبينه من
افتراء وحقد صاحب
الإسطوانة على
الإمامية أعلى
الله مقامهم ،
واستقصاء الكلام
في المسائل و
الشُبَهِ التي
ألقاها على
الطائفة الحقة ،
ونحن نحمد الله
سبحانه على ما
يسّره من ذلك ،
وسهّله ، وأعان
عليه ، ووفّق له
، ونسأله سبحانه
وتعالى أن يجعل
ما عملناه خالصاً
لوجهه ، وموصلاً
إلى ثوابه ،
ومنجياً من عقابه
، ويلحقنا دعاء
من أوغل في شعابه
، وغاص في الدرر
الثمينة من لجج
عبابه ، واستفاد
الغرر الثمينة من
خلل أبوابه .
كتبه الفقير إلى
الله السيد سليل
الرسالة الموسوي
غفر الله له و
لوالديه.