![]() |
![]() |
![]() |
* * *
هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّـهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفَاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَّعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ ءَاتَيْتَنَا صَـلِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّـكِرينَ(189) فَلَمَّآ ءَاتَيهُمَا صَـلِحاً جَعَلا لَهُ، شُرِكَآءِ فِيمَآ ءَاتَهُمَا فَتَعَـلى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلاَ يَسْتَطِعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَـمِتُونَ(193)
في هذه الآيات إشارة إلى جانب آخر من حالات المشركين وأُسلوب تفكيرهم، والردّ على تصوّراتهم الخاطئة. لما كانت الآية السابقة تجعل جميع الوان النفع والضرّ وعلم الغيب منحصراً بالله، وكانت في الحقيقة إشارة إلى توحيد
أفعال الله. فالآيات محل البحث تعدّ مكملةً لها لأنّ هذه الآيات تشير إلى توحيد أفعال الله أيضاً.
تقول الآية الأُولى من هذه الآيات (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) فجعل الحياة والسكن جنباً إلى جنب (فلمّا تغشاها حملت حملا خفيفاً فمرّت به)(1).
وبمرور الأيّام والليالي ثقل الحمل (فلما أثقلت) كان كل من الزوجين ينتظر الطفل، ويتمنّى أن يهبه الله ولداً صالحاً، فلذلك (دعوا الله ربّهما لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين) وعندما استجاب الله دعاءهما، ورزقهما الولد الصالح أشركا بالله(فلما أتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما أتاهما فتعالى الله عمّا يشركون).
الجواب على سؤال مهم!
هناك بين المفسّرين كلام في المراد من الزوجين اللذين تكلمت عنهما الآيتان الأوليان من الآيات محل البحث...
هل أنّ المراد من «النفس الواحدة» وزوجها آدم وحواء؟ مع أنّ آدم من الأنبياء وحواء امرأة مؤمنة كريمة، فكيف ينحرفان عن مسير التوحيد ويسلكان مسير الشرك؟!
وإذا كان المراد من النفس الواحدة غير آدم وتشمل الآية جميع أفراد البشر، فكيفَ ينسجم التعبير إذاً وقوله تعالى (خلقكم من نفس واحدة)؟!
ثمّ بعد هذا ما المراد من الشرك، وأي عمل أو تفكير قام به الزوجان فجعلا لله شركاء؟!
وفي الجواب على مثل هذه الأسئلة نقول:
1 ـ تغشاها فعل يليه ضمير التأنيث وهو غشي، ومعناه غطّى، وهذه الجملة كناية لطيفة عن المقاربة الجنسية والمضاجعة.
يوجد طريقان لتفسير الآيتين هاتين «وما بعدهما»، ولعل جميع ما قاله المفسّرون على اختلاف آرائهم يرجع إلى هذين الطريقين...
الأوّل: إنّ المراد من نفس «واحدة». هو الواحد الشخصي كما ورد هذا المعنى في آيات أُخرى من القرآن أيضاً، ومنها أوّل آية من سورة النساء.
والتعبير بالنفس الواحدة ـ أساساً ـ جاء في خمسة مواطن في القرآن المجيد، واحدة منها في الآية ـ محل البحث ـ والأربعة الأُخرى هي في سورة النساء (الآية الأُولى) وسورة الأنعام، الآية (98)، وسورة لقمان، الآية (28)، وسورة الزمر، الآية (6)، وبعض هذه الآيات لا علاقة لها ببحثنا هذا، وبعضها يُشبه الآية محل البحث. فبناءً على ذلك فالآيات ـ محل البحث ـ تشير إلى آدم وزوجه حوّاء فحسب!
وعلى هذا فالمراد بالشرك ليس هو عبادة غيرالله أو الإِعتقاد بأُلوهية غيره، بل لعل المراد شي آخر من قبيل ميل الإِنسان لطفله، الميل الذي ربّما يجعله غافلا عن الله أحياناً.
والتّفسير الثاني: هو أنّ المراد من النفس الواحدة هو الواحد النوعي، أي أن الله خلقكم جميعاً من نوع واحد كما خلق أزواجكم من جنسكم أيضاً.
وبذلك فإنّ الآيتين وما بعدهما من الآيات ـ محل البحث ـ تشير إلى نوع الناس، فهم يدعون الله وينتظرون الوالد الصالح في كمال الإِخلاص لله والإِنقطاع إليه، كمن يحدق بهم الخطر فيلتجؤوا إلى اللّه، ويعاهدون اللّه على شكره بعد حلّ معضلاتهم. ولكن عندما يرزقهم الله الولد الصالح، أو يحلّ مشاكلهم ينسون جميع عهودهم فإنّ كان الولد جميلا قالوا: إنّه اكتسب جماله من أبيه أو أُمّه، وهذا هو قانون الوراثة. وتارةً يقولون: إنّ غذاؤه والظروف الصحية تسببت في نموّه وسلامته. وتارةً يعتقدون بتأثير الأصنام ويقولون: إنّ ولدنا كان من بركة الأصنام وعطائها! وأمثال هذا الكلام...
وهكذا يهملون التأثير الرّباني بشكل عام، ويرون العلّة الأصلية هي العوامل الطبيعية أو المعبودات الخرافية(1).
والقرائن في الآيات ـ محل البحث ـ تدل على أن التّفسير الثّاني أكثر انسجاماً وأكثر تفهماً لغرض الآية، لأنّه:
أوّلا: إن تعبيرات الآي تحكي عن حال زوجين كانا يعيشان في مجتمع ما من قبل، ورأيا الأبناء الصالحين وغيرالصالحين فيه، ولهذا طلبا من الله وسألاه أن يرزقهما الولد الصالح. ولو كانت الآيات تتكلم على آدم وحواء فهو خلاف الواقع، لأنّه لم يكن يومئذ ولد صالح وغير صالح حتى يسألا الله الولد الصالح.
ثانياً: الضمائر الواردة في آخر الآية الثّانية والآيات التي تليها، كلها ضمائر «جمع» ويستفاد من هذا أنّ المراد من ضمير التثنية هو إشارة إلى الفريقين لا إلى الشخصين.
ثالثاً: أنّ الآيات التي تلت الآيتين الأوّليين تكشف عن أنّ المقصود بالشرك هو عبادة الأصنام، لا محبّة الأولاد والغفلة عن الله، وهذا الأمر لا ينسجم والنّبي آدم وزوجه!
فبملاحظة هذه القرائن يتّضح أنّ الآيات ـ محل البحث ـ تتكلم عن نوع الإنسان وزوجه ليس إلاّ.
وكما ذكرنا في الجزء الثّاني من التّفسير الأمثل أن خلق زوج الإِنسان من الإِنسان ليس معناه أن جزءاً من بدنه انفصل عنه وتبدل إلى زوج له يسكن إليه «كما ورد في رواية إسرائيلية أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر!».
بل المراد أن زوج الإنسان من نوعه وجنسه، كما نقرأ في الآية (21) من سورة مريم قوله تعالى: (هو الذي خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها).
1 ـ يرى بعض المفسّرين أن بداية الآية يتعلق بآدم وحواء، وذيل الآية تتعلق بأبناء آدم وحواء، وهذا تكلّف، لأنّه يحتاج إلى حذف وتقدير، وهو لا ينسجم وظاهر الآية.
جاء في بعض المصادر الحديثية لأهل السنّة، وبعض كتب الحديث الشيعية غير المعتبرة، في تفسير الآيات محل البحث، حديث لا ينسجم مع العقائد الإِسلامية، ولا يليق بشأن الأنبياء أبداً. وهذا الحديث كما جاء في مسند أحمد هو: أنّ سمرة بن جندب روى عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: لمّا ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال: سَميّه: عبدَ الحارث، فعاش وكان ذلك من وحي الشّيطان وأمره(1) «الحارث اسم من أسماء الشيطان».
وجاء في بعض الرّوايات الوارد فيها هذا المضمون ذاته أن آدم رضي بهذا الأمر!!
وسواءً أكان راوي هذه الرواية سمرة بن جندب ـ الكذاب المشهور ـ أم غيره أمثال كعب الأحبار أو وهب بن منبه اللذين كانا من علماء اليهود ثمّ أسلما، ويعتقد بعضهم أنّهما أدخلا في الثقافة الإِسلامية خرافات التوراة وبني إسرائيل. ومهما يكن الأمر فالرواية بنفسها خير دليل على فسادها وبطلائها، لأنّ آدم الذي هو خليفة الله «في أرضه» ونبيّه الكبير، وكان يعلم الأسماء، بالرغم من كونه بترك الأُولى هبط إلى الأرض، إلاّ أنّه لم يكن إنساناً يختار سبيل الشرك ويسمّي ولده عبد الشيطان، فهذا الأمر يصدق في مشرك جاهل فحسب لا في آدم...
والأعجب من ذلك أنّ الحدى أنف الذكر يتضمن معجزة للشيطان أو كرامةً له، إذ بتسميته الولد باسمه عاش الولد خلافاً للأبناء الآخرين. وإنّه لمدعاة للأسف الشديد أن ينساق كثير من المفسّرين تحت وطأة هذا الحديث المختلق وأضرابه، فيجعلون مثل هذه الأباطيل تفسيراً للآي. وعلى كل حال، فإنّ مثل هذا الكلام لما
1 ـ مسند بن حنبل، وفقاً لما وراه تفسير المنار، ج 9، ص 522.
كان مخالفاً للقرآن، ومخالفاً للعقل أيضاً، فينبغي أن ينبذ في سلة المهملات.
وتعقيباً على هذا الأمر يردّ القرآن ـ بأُسلوب بيّن متين ـ عقيدة المشركين وأفكارهم مرة أُخرى، فيقول: (أيُشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يُخلقون).
وليس هذا فحسب، فهم ضعاف (ولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون).
والأوثان والأصنام في حالة لو ناديتموها لما استجابت لكم (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم).
فمن كان بهذه المنزلة وبهذا المستوى أنّى له بهداية الآخرين!
ويحتمل بعض المفسّرين احتمالا آخر في تفسير الآية، وهو أنّ الضمير «هم» يرجع إلى المشركين لا إلى الأصنام، أي أنّهم إلى درجة من الإِصرار والعناد بحيث لا يسمعونكم ولا يذعنون لكم ولا يسلمون.
كما ويحتمل أنّ المراد هو أنّكم لو طلبتم منهم الهداية، فلن يتحقق دعاؤكم وطلبكم على كل حال (سواء عليكم ادعوتموهم أو أنتم صامتون).
وطبقاً للإِحتمال الثّاني يكون معنى الجملة على النحو التالي: سواء عليكم أطلبتم من الأصنام شيئاً، أو لم تطلبوا ففي الحالين لا أثر لها، لأنّ لا تقدر على أداء أي شيء أو التأثير في شيء.
يقول الفخر الرازي في تفسيره: إذا المشركين إذا ابتلوا بمشكلة تضرعوا إلى الأصنام ودعوها، وإذا لم يُصبهم أذى أو سوء كانوا يسكتون عنها، فالقرآن يخاطبهم بالقول (سواءٌ عليكم ادعوتموهم أم أنتم صامتون).
* * *
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَـدِقِينَ (193) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْد يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَآءَكُمْ ثمّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ (195)
هاتان الآيتان ـ محل البحث ـ تواصلان الكلام على التوحيد ومكافحة الشرك، وتكملان ما عالجته الآيات السابقة، فتعدّان كل شرك في العبادة عملا سفيها و بعيداً عن المنطق والعقل!
والتدفيق في مضمون هاتين الآيتين يكشف أنّهما تبطلان منطق المشركين بأربعة أدلة، والسرّ في كون القرآن يعالج إبطال الشرك باستدلالات مختلفة، وكل حين يأتي ببرهان مبين، لأن الشرك ألدُّ أعداء الإِيمان، وأكبر عدوّ لسعادة الفرد والمجتمع.
ولما كانت للشرك جذور مختلفة وأفانين متعددة في أفكار البشر، فإنّ القرآن
يستغل كل فرصة لقطع جذوره الخبيثة... وأفانينه التي تهدد المجتمع الإِنساني.
فتقول الآية الأُولى من هاتين الآيتين: (إنّ الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم).
فبناءً على ذلك لا معنى لأن يسجد الإِنسان لشىء مثله، وأن يمدّ يد الضراعة والحاجة إليه، وأن يجعل مقدّراته ومصيره تحت يده!
وبتعبير آخر: إنّ مفهوم هذه الآية هو أنّكم ـ أيّها المشركون ـ لو أنعمتم النظر لرأيتم معبودائكم ذات أجسام و أسيرة المكان والزمان، وتحكمها قوانين الطبيعة، وهي محدودة من حيث الحياة و العمر والإِمكانات الأُخرى. وخلاصة الأمر: ليس لها امتياز عليكم، وإنّما جعلتم لها امتيازاً عليكم بتصوراتكم وتخيلاتكم!
ثمّ إنّ كلمة «عباد» جمع «عبد» ويطلق هذا اللفظ على الموجود الحي، مع أن الآية استعملته في الأصنام، فكانت لذلك تفاسير متعددة...
التّفسير الأوّل: أنّه من المحتمل أن تشير الآية إلى المعبودين من جنس الإِنسان أو المخلوقات الأُخرى، كالمسيح إذ عبده النصارى، والملائكة إذ عبدتها جماعة من المشركين العرب.
والتّفسير الثاني: أنّ الآية تنزلت وحكت ما توهمه المشركين في الأصنام بأنّ لها القدرة، فكانوا يكلمونها ويتضرعون إليها، فالآية ـ محل البحث ـ تخاطبهم بأنّه على فرض أنّ للأصنام عقلا و شعوراً، فهي لا تعدو أن تكون عباداً أمثالكم.
التّفسير الثّالث: أنّ العبد في اللغة يطلق أحياناً على الموجود الذي يرزح تحت نيز الآخر ويخضع له، حتى لو لم يكن له عقل وشعور، ومن هذا القبيل أنّ العرب يطلقون على الطريق المطرّق بالذهاب والإياب أنّه «معبّد».
ثمّ تضيف الآية: أنّكم لو تزعمون بأنّ لهم عقلا وشعوراً (فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين).
وهذا هو الدليل الثّاني على إبطال منطق المشركين، وهو كون الأصنام لا
تستطيع أن تعمل شيئاً، وهي ساكتة عاجزة عن الإِجابة والردّ ...
وفي البيان الثّالث تبرهن الآية على أنّ الأصنام أضعف حتى من عبادها المشركين، فتساءل مستنكرةً: (ألهم أرجل يمشون بها أو لهم أيد يبطشون(1) بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها).
وهكذا فإنّ الأصنام من الضعة بمكان حتى أنّها بحاجة إلى من يدافع عنها ويحامي عنها، فليس لها أعين تبصر بها، ولا آذان تسمع بها، ولا أرجل تمشي بها، ولا أي إحساس آخر. وأخيراً فإنّ الآية تبيّن ضمن تعبير هو في حكم الدليل الرّابع مخاطبة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قائلةً: (قل ادعوا شركاءكم ثمّ كيدون فلا تنظرون).
أي إذا كنت كاذباً، وأنّ الأصنام مقربات عندالله، وقد تجرأتُ عليها فلِمَ لا تعضبُ عليّ؟ وليس لها ولا لكم ولمكائدكم أي تأثير علي. فبناءً على ذلك فاعلموا أنّ هذه الأصنام موجودات غير مؤثرة، وإنّما تصوراتكم هي التي أضْفَتْ عليها ذلك التوهّم!.
* * *
1 ـ يبطشون فعل مشتق من «البطش» على زنة «العرش» ومعناه الإِستيلاء بالشدّة والصولة والقدرة!...
إِنَّ وَلِىَّ اللهُ الَّذِى نَزَّلَ الْكِتَـبَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّـلِحِينَ(196)وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلىَ الْهُدَى لاَ يَسْمَعُوا وَتَرَيهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (198)
تعقيباً على الآية المتقدمة التي كانت تخاطب المشركين بالقول (على لسان النّبي): (ادعُوا شركاءكم ثمّ كيدونِ فلا تُنظرونِ) منبهة إياهم أنّهم لا يستطيعون أن يصيبوا النّبي بأدنى ضرر، فإنّ الآية الأُولى ـ من الآيات ـ محل البحث ـ تذكر الدليل على ذلك فتقول: (إنّ وليَّ الله الذي نزل الكتاب).
وليس وليي وحدي فحسب، بل هو ولي جميع الصالحين (وهو يتولى الصالحين).
ثمّ يؤكّد القرآن بالآية التّالية على بطلان عبادة الأوثان مرّة أُخرى فيقول: (والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون).
بل أبعد من ذلك (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا) وبالرغم من العيون المصنوعة لهم التي يخيل إلى الرائي أنّها تنظر: (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون).
وكما أشرنا سابقاً أيضاً، فالآية ـ محل البحث ـ يحتمل أن تشير إلى الأصنام كما يحتمل أن تشير إلى المشركين. ففي الصورة الأُولى مفهومها ـ كما قدمنا بيانه ـ أمّا في الصورة الثّانية فيكون مفهومها: أنّه لو دعا المسلمون هؤلاء المشركين المعاندين إلى طريق التوحيد الصحيح ما قبلوا ذلك منهم، وهم ينظرون إليك ويرون دلائل الصدق والحق فيك، إلاّ أنّهم لا يبصرون الحقائق!
ومضمون الآيتين الأخيرتين ورد في الآيات السابقة أيضاً، وهذا التكرار إنّما هو لمزيد التأكيد على مكافحة الشرك وقلع جذوره التي نفذت في أفكار المشركين وأرواحهم عن طريق التلقين والتقرير المتكرر.
* * *
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَـهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنزِغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَـنِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَـئِفٌ مِّنَ الشَّيْطَنِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُّبْصِرُونَ (206) وَإِخْوَنُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِى الْغَىِّ ثمّ لاَ يُقْصِرُونَ(202) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِأيَة قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَىَّ مِن رَّبِّى هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْم يُؤْمِنُونَ(203)
في هذه الآيات يبيّن القرآن شروط التبليغ وقيادة الناس وإمامتهم بأُسلوب أخّاذ رائق وجيز، وهي في الوقت ذاته تتناسب والآيات المتقدمة التي كانت تشير إلى مسألة تبليغ المشركين أيضاً.
ففي الآية الأُولى ـ من الآيات محل البحث ـ إشارة إلى ثلاث من وظائف القادة والمبلغين، فتوجه الخطاب للنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فتقولُ في البدايةُ (خذ العفوَ).
العفو: قد يأتي بمعنى الزيادة في الشيء أحياناً، كما قد يأتي بمعنى الحدّ الوسط، كما يأتي بمعنى قبول العذر والصفح عن المخطئين والمسيئين، وتأتي أحياناً بمعنى استسهال الأُمور.
والقرائن الموجودة في الآية تدلّ على أنّ الآية محل البحث لا علاقة لها بالمسائل المالية وأخذ المقدار الإِضافي من أموال الناس، كما ذهب إليه بعض المفسّرين. بل مفهومها المناسب هو استسهال الأُمور، والصفح، واختيار الحدّ الوسط(1).
ومن البديهي أنّه لو كان القائد أو المبلغ شخصاً فظاً صعباً، فإنّه سيفقد نفوذه في قلوب الناس ويتفرقون عنه، كما قال القرآن الكريم: (ولو كنت فظّاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك)(2).
ثمّ تعقيب الآية بذكر الوظيفة الثّانية للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وتأمره بأن يرشد الناس إلى حميد الأفعال التي يرتضيها العقل ويدعو إليها الله عزّوجل قائلةً: (وأمر بالمعروف).
وهي تشير إلى أنّ ترك الشدّة لا يعني المجاملة، بل هو أن يقول القائد أو المبلغ الحق، ويدعو الناس إلى الحق ولا يخفي شيئاً.
أمّا الوظيفة الثّالثة للنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فهي أن يتحمل الجاهلين، فتقول: (وأعرض عن الجاهلين).
فالقادة والمبلغون يواجهون في مسيرهم أفراداً متعصّبين جهلة يعانون من انحطاط فكري وثقافي وغير متخلقين بالأخلاق الكريمة، فيرشقونهم بالتهم، ويُسيؤون الظن بهم ويحاربونهم.
فطريق معالجة هذه المعضلة لا يكون بمواجهة المشركين بالمثل، بل الطريق
1 ـ لمزيد من التوضيح يراجع الجزء الثّاني من التّفسير الأمثل في هذا الصدد.
2 ـ آل عمران، 159.
السليم هو التحمل والجلد وعدم الإكثرات بمثل هذه الأُمور. والتجربة خير دليل على أنّ هذا الأُسلوب هو الأُسلوب الأمثل لمعالجة الجهلة، وإطفاء النائرة، والقضاء على الحسد والتعصب، وما إلى ذلك.
وفي الآية التّالية دستور آخر، وهو في الحقيقة يمثل الوظيفة الرّابعة التي ينبغي على القادة والمبلغين أن يتحملوها، وهي أن لا يدعوا سبيلا للشيطان إليهم، سواء كان متمثلا بالمال أم الجاه أم المقام وما إلى ذلك، وأن يردعوا الشياطين أو المتشيطنين ووساوسهم، لئلا ينحرفوا عن أهدافهم.
فالقرآن يقول: (وأمّا ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنّه سميع عليم)(1).
روي عن الإِمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: «لا آية في القرآن أجمع في «المسائل» الأخلاقية من هذه الآية»(2) «أي الآية الأُولى من الآيات محل البحث».
قال بعض الحكماء في تفسير هذا الحديث: إنّ أُصول الفضائل الأخلاقية وفقاً لأُصول القوي الإِنسانية «العقل» و«الغضب» و«الشّهوة» تتلخص في ثلاثة أقسام:
1 ـ الفضائل العقلية: وتدعى بالحكمة، وتتلخص بقوله تعالى: (وامر بالعرف).
2 ـ والفضائل النّفسية في مواجهة الطغيان والشهوة، وتدعى بالعفة، وتتلخص بـ «خذ العفو».
3 ـ والتسلط على القوة الغضبية، وتدعى بالشجاعة، وتتلخص في قوله تعالى (وأعرض عن الجاهلين).
1 ـ ينزغ مأخوذ من مادة «النزغ» على زنة «النزع» ومعناه الدخول في الأمر لإِفساده أو الإِثارة ضده!...
2 ـ مجمع البيان، ذيل الآية.
وسواء كان الحديث الشريف يدلّ على ما فسّره المفسّرون وأشرنا إليه آنفاً، أو كما عبرنا عنه بشروط القائد أو المبلغ، فهو يبيّن هذه الحقيقة، وهي أنّ هذه الآية القصيرة الوجيزة تتضمّن منهجاً جامعاً واسعاً كليّاً في المجالات الأخلاقية والإِجتماعية، بحيث يمكننا أن نجد فيها جميع المناهج الإِيجابية البناءة والفضائل الإِنسانية. وكما يقول بعض المفسّرين: إنّ إعجاز القرآن بالنسبة إلى الإِيجاز في المبنى، والسعة في المعنى، يتجلى في الآية محل البحث تماماً.
وينبغي الإِلتفات إلى أنّ الآية وإن كانت تخاطب النّبي نفسه إلاّ أنّها تشمل جميع الأُمّة والمبلغين والقادة.
كما ينبغي الإِلتفات إلى أنّ الآيات محل البحث ليس فيها ما يخالف مقام العصمة أيضاً، لأنّ الأنبياء والمعصومين ينبغي أن يستعيذوا بالله من وساوس الشيطان، كما أنّ أيّ أحد لا يستغني عن لطف الله ورعايته والإِستعاذة به من وساوس الشياطين، حتى المعصومين.
وجاء في بعض الرّوايات أنّه لما نزلت الآية (خذ العفو...) سأل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) جبرئيل عن ذلك فقال جبرئيل: لا أدري، حتى أسأل العالم ثم أتاه فقال: «يا محمّد، إنّ الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك(1)».
وجاء في حديث آخر أنّه لما نزلت آية (خذ العفو وامر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين) قال النّبي: كيف يا ربّ والغضب؟ فنزل قوله (وأمّا ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنّه سميع عليم)(2).
وينبغي الإِشارة إلى أنّ الآية الثّانية هنا جاءت في سورة فصلت الآية (36) بتفاوت يسير بين الآيتين، إذ ورد التعبير مكان قوله تعالى:(إنّه سميع عليم)(إنّه
1 ـ مجمع البيان، ذيل الآية محل البحث.
2 ـ روى ذلك صاحب المنار قائلا: رُوي عن جدنا الإِمام الصادق رضي الله عنه في ج 9، ص 538.
هو السّميع العليم).
وفي الآية التّالية بيان للإِنتصار على وساوس الشيطان بهذا النحو (إنّ الذين اتّقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون). أي يتذكرون ما أنعم الله عليهم، ويفكرون في سوء عاقبة الذنب وعذاب الاخرة فيتّضح لهم بذلك طريق الحق.
والطّائف: هو الذي يطوف ويدور حول الشيء، فكأن وساوس الشيطان تدور حول فكر الإنسان وروحه كالطائف حول الشيء ليجد منفذاً إليه، فإذا تذكر الإِنسان في مثل هذه الحالة ربّه، واستعاذ من وساوس الشيطان وعاقبة أمره، أبعدها عنه. وإلاّ أذعن لها وانقاد وراء الشيطان.
وأساساً فإنّ كل إنسان في أية مرحلة من الإِيمان، أو أي عمر كان، يُبتلى بوساوس الشياطين. وربّما أحس أحياناً أن في داخله قوة مهيمنة تدفعه نحو الذنب وتدعوه إليه، ولا شك أن مثل هذه الحالة من الوساوس في مرحلة الشباب أكثر منها في أية مرحلة أُخرى، ولا سيما إذا كانت البيئة أو المحيط كما هو في العصر الحاضر من التحلّل والحريّة، لا الحرية بمعناها الحقيقي، بل بما يذهب إليه الحمقى «من الإنسلاخ من كل قيد والتزام أخلاقي أو اجتماعي أو ديني» فتزداد الوساوس الشيطانية عندالشباب.
وطريق النجاة الوحيد من هذا التلوّث والتحلل في مثل هذه الظروف، هو تقوية رصيد التقوى أولا، كما أشارت إليه الآية (إن الذين اتقوا...) ثمّ المراقبة والتوجه نحو النفس، والإِلتجاء إلى الله وتذكر ألطافه ونعمه وعقابه الصارم للمذنب..
وهناك إشارات كثيرة في الرّوايات الإِسلاميّة إلى أثر ذكر الله العميق في معالجة الوساوس الشيطانية. حتى أن الكثير من المؤمنين والعلماء وذوي المنزلة كانوا يحسون بالخطر عند مواجهة وساوس الشيطان، وكانوا يحاربونها
«بالمراقبة» المذكورة في كتب علم الأخلاق بالتفصيل.
والوساوس الشيطانية مثلها مثل الجراثيم الضارة التي تبحث عن البنية الضعيفة لتنفذ فيها. إلاّ أنّ الأجسام القوية تطرد هذه الجرائم فلا تؤثر فيها.
وجملة (إذا هم مبصرون) إشارة إلى حقيقةِ أن الوساوس الشيطانية تلقي حجاباً على البصيرة «الباطنية» للإِنسان، حتى أنّه لا يعرف العدوّ من الصديق، ولا الخير من الشر. إلاّ أن ذكر الله يكشف الحجب ويزيد الإِنسان بصيرة وهدى، ويمنحه القدرة على معرفة الحقائق والواقعيات، المعرفة التي تخلّصه من مخالب الوساوس الشيطانية.
وملخص القول: أننا لاحظنا في الآية السابقة كيف ينجو المتقون من نزغ الشيطان ووسوسته بذكر الله، إلاّ أن الآثمين إخوة الشياطين يبتلون بمزيد الوساوس فلا ينسلخون عنها، كما تعبّر الآية التالية عن ذلك قائلة: (وإخوانهم يمدّونهم في الغي ثمّ لا يقصرون).
«الإخوان» كناية عن الشياطين، والضمير «هم» يعود على المشركين والآثمين، كما نقرأ هذا المصطلح في الآية (27) من سورة الإِسراء (إنّ المبذرين كانوا إخوان الشياطين).
و «يمدونهم» فعل مأخوذ من الإِمداد ومعناه الإِعانة والإِدامة، أي أنّهم يسوقونهم في هذا الطريق دائماً.
وجملة (ثمّ لا يقصرون) تعني أنّ الشياطين لا يألون جهداً في إضلال المشركين والآثمين.
ثمّ تذكر الآية التّالية حال جماعة من المشركين والمذنبين البعيدين عن المنطق، فتقول: إنّهم يكذبونك ـ يا رسول الله ـ عندما تتلو عليهم آيات القرآن، ولكن عندما لا تأتيهم بآية، أو يتأخر الوحي يتساءلون عن سبب ذلك: (وإذا لم
تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها)(1) ولكن قل لهم انني لا اعمل ولا أقول إلاّ بما يوحى الله اليّ (قل إنّما اتبع ما يوحى إليّ من ربّي هذا بصائر من ربّكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون).
ويتّضح من هذه الآية ـ ضمناً ـ أنّ جميع أقوال النّبي وأفعاليه مصدرها وحي السماء، ومن قال بغير ذلك فهو بعيد عن القرآن.
* * *
1 ـ الإجتباء مأخوذ من الجباية، وأصلها جمع الماء في الحوض ونحوه، ولذلك يسمّي حوض الماء بـ «الجابية، وجمع الخراج يسمّى جباية أيضاً. ثمّ توسعوا في الإِستعمال فأطلقوا على جمع الأشياء وانتخابها واختيار ما يراد منها اجتباءً. فجملة «لولا اجتبيتها» تعني لولا اخترتها.
وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِى نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالغُدُوِّ وَالاَْصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّن الْغَـفِلِينَ (205)إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ(206)
لقد بدأت هذه السورة (سورة الأعراف) ببيان عظمة القرآن، وتنتهي بالآيات ـ محل البحث ـ التي تتكلم عن القرآن أيضاً.
وبالرغم من أنّ المفسّرين ذكروا أسباباً لنزول الآية الأُولى ـ من هذه الآيات محل البحث ـ منها مثلا ما روي عن ابن عباس وجماعة آخرين، أنّ المسلمين في باديء أمرهم كانوا يتكلمون في الصلاة، وربّما ورد شخص (جديد) أثناء الصلاة فيسأل المصلين وهم مشغولون بصلاتهم: كم ركعة صليتم؟ فيجيبونه: كذا ركعة. فنزلت الآية ومنعتهم أو نهتهم عن ذلك.
كما نقل الزّهري سبباً آخر لنزول الآية، وهو أنّه لما كان النّبي يقرأ القرآن، كان شاب من الأنصار يقرأ معه القرآن بصورت مرتفع، فالآية نزلت ونهت عن ذلك.
وأيّاً كان شأن نزول هذه الآية، فهي تقول: (وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلّكم ترحمون).
والفعل «انصتوا» مأخوذ من مادة «الإنصات» ومعناه: السكوت المشفوع بالإصغاء والإِستماع.
وقد إختلف المفسّرون في أن الإِنصات والسكوت هنا في الآية، هل هو عند قراءة القرآن في جميع الموارد؟ أم هو منحصر وقت الصلاة وعند قراءة إمام الجماعة؟ أم هو عندما يقرأ إمام الجمعة ـ في خطبة الصلاة ـ القرآن؟
كما أنّ هناك أحاديث شتى في هذا الصدد في كتب الفريقين في تفسير هذه الآية. والذي يستفاد من ظاهر الآية أن هذا الحكم عام غير مختص بحال ما ولا وقت معيّن. إلاّ أنّ الرّوايات المتعددة الواردة عن الأئمّة الطاهرين، بالإضافة إلى إجماع العلماء واتفاقهم على عدم وجوب الإستماع عند قراءة القرآن في أية حال، يُستدل من ذلك على أن هذا الحكم بصورة كليّة حكم استحبابي، أي ينبغي إن قُرىء القرآن - حيثما كان، وكيف كان ـ أن يستمع الآخرون وينصتوا احتراماً للقرآن، لأنّ القرآن ليس كتاب قراءة فحسب، بل هو كتاب فهم وإدراك، ثمّ هو كتاب عمل أيضاً.
وهذا الحكم المستحب ورد عليه التأكيد إلى درجة أنّ بعض الرّوايات عبّرت عنه بالوجوب.
إذ ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) قوله: «يجب الإنصات للقرآن في الصّلاة وفي
غيرها وإذا قرىء عندك القرآن وجب عليك الإِنصات والإِستماع»(1).
![]() |
![]() |
![]() |