![]() |
![]() |
![]() |
ومع هذا كيف يمكن أن يعمد قانون صحيح إلى خنق هذا الحس المتأصل والمتجذر في أعماق الروح الإنسانية، ويتجاهل العواقب السيئة في حال عدم إشباعه بصورة صحيحة.
ولهذا لم يكتف في الإسلام بتجويز التمتع بجمال الطبيعة والإستفادة من الألبسة الجميلة والمناسبة، واستعمال كل أنواع العطور، وما شابه ذلك، بل أوصى بذلك وَحُثَّ عليه أيضاً، ورويت في هذا المجال أحاديث كثيرة عن أئمّة الدين في المصادر والكتب الموثوقة.
فإننا نقرأ ـ مثلا ـ في تاريخ حياة الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام) أنّه عندما كان ينهض إلى الصلاة كان يرتدي أحسن ثيابه، ولما سئل: لماذا يلبس أحسن ثيابه؟ قال: «إنّ الله جميل يحبّ الجمال، فأتجمل لربّي وهو يقول: خذوا زينتكم عند كل مسجد»(1).
وفي الحديث أنّ أحد الزهاد، ويدعى عباد بن كثير البصري، رأى الإمام الصادق(عليه السلام) وهو يلبس ثياباً غالية الثمن فقال معترضاً عليه: يا أبا عبدالله، إنّك من أهل بيت نبوة وكان أبوك وكان، فما لهذه الثياب المزينة عليك؟ فلو لبست دون هذه الثياب. فقال له أبو عبدالله(عليه السلام): «ويلك ـ يا عباد ـ من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيّبات من الرّزق؟»(2).
وأحاديث أُخرى.
إنّ هذا التعبير، أي أنّ الله جميل يحب الجمال، أو أنّ الله مصدر الجمال إشارة إلى هذه الحقيقة، وهي : أنّ الإستفادة من كل نوع من أنواع الزينة والجمال لو كان ممنوعاً لما خلق الله تلك الزينة أبداً، إنّ خلق الأشياء الجميلة في عالم الوجود دليل على أنّ خالقها يحبّ الجمال.
ولكن المهم هنا أنّ الناس يسلكون ـ غالباً ـ في مثل هذه المواضيع طريق الإفراط والمبالغة، ويعمدون إلى الترف بمختلف الحجج والمعاذير.
ولهذا يعمد القرآن الكريم فوراً وبعد ذكر هذا الحكم الإسلامي ـ كما أسلفنا ـ
1 ـ الوسائل، المجلد الثالث، أبواب أحكام الملابس.
2 ـ الوسائل، أبواب أحكام الملابس الباب 7، ح 3.
إلى تحذير المسلمين من الإسراف والإفراط والمبالغة في الإستفادة من هذه الأُمور، ففي أكثر من عشرين موضعاً من القرآن الكريم يشير إلى مسألة الإسراف ويذمّه بشدّة (وقد تحدثنا بإسهاب حول الإسراف في تفسير الآيات المناسبة).
وعلى كل حال، فإنّ أُسلوب القرآن الكريم والإسلام في هذا الصعيد أسلوب يتسم بالتوازن والإعتدال، فلا جمود فيه يقمع الرغبات المودعة في الروح الإنسانية إلى الجمال، ولا هو يؤيد مسلك المسرفين المتطرفين وذوي البطنة والجشع في التمتع بالزينة والجمال.
بل هو ينهي حتى عن التزين والتجمل المعتدل في المجتمعات التي يعيش فيها محرومين مساكين، ولهذا نلاحظ في بعض الرّوايات والأحاديث أنّه عندما يُسأل أحد الأئمّة: لماذا يلبس ثياباً فاخرة، وقد كان جدّه لا يلبس مثل هذه الثياب؟ فيجيب الإِمام(عليه السلام) قائلا: «إنّ على بن أبي طالب(عليه السلام) كان في زمان ضيق، فإذا اتّسع الزمان فأبرار الزّمان أولى به»(1).
إنّ عبارة (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) التي جاءت في الآية الحاضرة، وإن كانت تبدو للنظر أمراً بسيطاً جدّاً، إلاّ أنّه ثبت اليوم أنّه واحد من أهم الأوامر والتعاليم الصحية، وذلك لأنّ تحقيقات العلماء توصلت إلى أنّ منبع الكثير من الأمراض والآلام هو الأطعمة الإضافية الزائدة التي تبقي في بدن الإنسان إنّ هذه المواد الإضافية تشكل من جانب عبئاً ثقيلا على القلب وغيره من أجهزة الجسم، وهي من جانب آخر منبع مهيَّأ لمختلف أنواع العفونات والأمراض، ولهذا فإنّ الخطوة الأُولى لعلاج الكثير من الأمراض هو أن تحترق هذه المواد الزائدة التي
1 ـ الوسائل، ج3، أبواب الملابس الباب 7، ح 11.
تمثل ـ في الحقيقة ـ فضلات الجسم، وتتم عملية تطهير الجسم منها عملياً.
إنّ العامل الأصل في وجود هذه المواد الزائدة هو الإسراف، والإفراط في الأكل والبطنة، والطريق إلى تجنب هذه الحالة ليس إلاّ رعاية الإعتدال في الأكل، وخاصّة في عصرنا هذا الذي كثرت فيه أمراض مختلفة مثل السكري، وتصلب الشرايين، وأنواع السكتة، وما شابه ذلك من الأمراض التي يُعدّ الإفراط في الأكل مع عدم الحركة البدنية بالمقدار الكافي أحد العوامل الاساسية لها، وليس هناك من سبيل لإزالة هذه الأمراض وتجنبها إلاّ الحركة البدنية الكافية، والإعتدال في المأكل والمشرب.
وقد نقل المفسّر الكبير العلامة «الطبرسي» في «مجمع البيان» قصة رائعة في هذا المجال وهي أنّه: حكي أنّ هارون الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق، فقال ذات يوم لعلي بن الحسين بن واقد: ليس في كتابكم من علم الطب شيء، والعلم علمان: علم الأديان، وعلم الأبدان.
فقال له علي: قد جمع الله الطب كلَّه في نصف آية من كتابه وهو قوله: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) وجمع نبيّنا(صلى الله عليه وآله وسلم) الطب في قوله: «المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء، واعط كل بدن ما عودته».
فقال الطبيب: ماترك كتابكم ولا نبيّكم لجالينوس طبّاً(1).
فمن كان يظن أنّ هذه التوصية سطحية، فما عليه إلاّ أن يجرّبها في حياته كما يدرك أهميتها ويسبر غورها، ويشاهد المعجزة في سلامة الجسم برعاية هذا الدّستور الصحي.
* * *
1 ـ مجمع البيان، المجلد 4، ص 413.
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالاِْثمّ وَالْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (33)
لقد شاهدنا مراراً أنّ القرآن الكريم كلّما تحدث عن أمر مباح أو لازم، تحدث فوراً عن ما يقابله، من الأُمور القبيحة والمحرمات، ليكمِّل كل واحد منهما الآخر.
وهنا أيضاً تحدّث ـ عقيب السماح بالتمتع والإستفادة من المواهب الإلهية وإباحة كل ما هو زينة وجمال ـ عن المحرمات على نحو العموم، ثمّ أشار بصورة خاصّة إلى عدة نقاط مهمّة.
ففي البداية تحدث عن تحريم الفواحش وقال: يا أيّها النّبى (قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن).
و «الفواحش» جمع «فاحشة» وتعني الأعمال القبيحة البالغة في القبح والسوء
لا جميع الذنوب، ولعلّ التأكيد على هذا المطلب (ماظهر منها وما بطن) هو لأجل أنّ العرب الجاهليين كانوا لا يستقبحون عمل الزنا إذا أُتي به سرّاً، ويحرّمونه إذا كان ظاهراً مكشوفاً.
ثمّ إنّه عمّم الموضوع، وأشار إلى جميع الذنوب وقال «والإثم» أي كل إثم.
والإِثمّ في الأصل يعني كل عمل مضرّ، وكل ما يوجب انحطاط مقام الإنسان وتردّي منزلته، ويمنعه ويحرمه من نيل الثواب والأجر الحسن. وعلى هذا يدخل كل نوع من أنواع الذنوب في المفهوم الواسع للإثم.
ولكن بعض المفسّرين أخذوا الإثمّ هنا فقط بمعنى «الخمر» واستدلوا لذلك بالشعر المعروف.
شربت الإِثمّ حتى ضلّ عقلي كذاك الإِثمّ يصنع بالعقول(1)
ولكنّ الظاهر أنّ هذا المعنى ليس هو تمام مفهوم الكلمة، بل أحد مصاديقه.
ومرّة أُخرى يشير بصورة خاصّة إلى عدد من كبريات المعاصي والآثام، فيقول: (والبغي بغير الحق) أي كل نوع من أنواع الظلم، والتجاوز على حقوق الآخرين.
و«البغي» يعني السعي والمحاولة لتحصيل شيء، ولكن يراد منه غالباً الجهود المبذولة لغصب حقوق الآخرين، ولهذا يكون مفهومه ـ في الغالب ـ مساوياً لمفهوم الظلم.
ومن الواضح أنّ وصف «البغي» في الآية المبحوثة بوصف «غير الحق» من قبيل التوضيح والتأكيد على معنى «البغي».
ثمّ أشار تعالى إلى مسألة الشرك وقال: (وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً) فهو أيضاً محرّم عليكم.
1 ـ التبيان عند تفسير الآية المبحوثة، وتاج العروس مادة «إثم».
ومن الواضح أنّ جملة (ما لم ينزل به سلطاناً) للتأكيد، ولإلفات النظر إلى حقيقة أنّ المشركين لا يملكون أي دليل منطقي وأي برهان معقول، وكلمة «السلطان» تعني كل دليل وبرهان يوجب تسلّط الإنسان وانتصاره على من يخالفه.
وآخر ما يؤكّد عليه من المحرمات هو نسبة شيء لم يستند إلى علم الله (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون).
ولقد بحثنا حول القول على الله بغير علم عند تفسير الآية (28) من نفس هذه السورة أيضاً.
ولقد أُكِّد في الآيات القرآنية والأحاديث الإسلامية على هذه المسألة كثيراً، ومُنِع المسلمون بِشدة عن قول ما لا يعلمون إلى درجة أنّه روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماوات والأرض».(1)
ولو أنّنا أمعنا النظر ودققنا جيداً في أوضاع المجتمعات البشرية، والمصائب والمتاعب التي تعاني منها تلكم المجتمعات، لعرفنا أنّ القسط الأكبر من هذا الشقاء ناشيء من بث الشائعات، والقول بغير علم، والشهادة بغير الحق، وإبداء وجهات نظر لا تستند إلى برهان أو دليل.
* * *
1 ـ عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، طبقاً لرواية تفسير نورالثقلين، المجلد الثّاني، الصفحة 26.
وَلِكلِّ أُمَّة أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَ لاَ يَسْتَقْدِمُونَ (34)
في هذه الآية يشير الله تعالى إلى واحدة من سنن الكون والحياة، يعني فناء الأُمم وزوالها، ويلقي ضوءاً أكثر على الأبحاث التي تتعلق بحياة أبناء البشر على وجه الأرض ومصير العصاة، التي سبق الحديث عنها في الآيات السابقة.
فيقول أوّلا: (ولكلّ أُمّة أجل).
ثمّ يشير إلى أنّ هذا الأجل لا يتقدم ولا يتأخر إن جاء (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).
أي أنّ الأُمم والشعوب مثل الأفراد، لها موت وحياة، وأنّ الأُمم تندثر وينمحي أثرها من على وجه الأرض، وتحل مكانها أُمم أُخرى، وإنّ سنّة الموت وقانون الفناء لا يختصان بأفراد الإنسان، بل تشمل الجماعات والأقوام والأُمم أيضاً، مع فارق وهو أنّ موت الشعوب والأمم يكون ـ في الغالب ـ على أثر
إنحرافها عن جادة الحق والعدل، والإقبال على الظلم والجور، والإنغماس في بحار الشهوات، والغرق في أمواج الإفراط في التجمل والرفاهية.
فعندما تسلكُ الأمم في العالم هذه المسالك وتنحرف عن سنن الكون وقوانين الخلقة، تفقد مصادرها الحيوية الواحد تلو الآخر، وتسقط في النهاية.
إنّ دراسة زوال مدنيات كبرى، مثل حضارة بابل، وفراعنة مصر، وقوم سبأ، والكلدانيين والآشوريين، ومسلمي الأندلس وأمثالها، توضح الحقيقة التالية، وهي أنّه لدى صدور الأمر بزوال هذه المدنيات والحضارات الكبرى إثر بلوغ الفساد أوجه فيها لم تستطع حكوماتها أن تحفظ أسسها المتزعزعة حتى ساعة واحدة.
ويجب الإلتفات إلى أنّ «الساعة» في اللغة تعني أصغر وحدة زمنية، فربّما تكون بمعنى لحظة، وربّما تكون بمعنى أقل قدر من الزمن، وإن كانت الساعة تعني في عرفنا الحاضر اليوم مدة واحد من أربع وعشرين ساعة في اليوم.
رأت بعض المذاهب المختلفة التي ظهرت في القرون الأخيرة بغية الوصول إلى أهدافها، أن تزعزع ـ بظنها ـ قبل أي شيء أُسس خاتمية رسول الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولهذا تمسكت ببعض الآيات القرآنية التي لا تدل على هدفها، وبمعونة من تفسيرها بالرأي، وشيء من المغالطة والسفسطة للتدليل على مقصودها.
ومن تلك الآيات الآية المبحوثة هنا. فقالوا: إنّ القرآن يصرّح بأنّ لكل أُمّة أجلا ونهاية، والمراد من الأُمّة الدين والشريعة، ولهذا فإنّ للدِّين الإسلامي أمداً ونهاية أيضاً!.
إنّ أفضل الطرق لتقييم هذا الإستدلال هو أن ندرس المعنى الواقعي للفظة الأُمّة في اللغة، ثمّ في القرآن الكريم.
يستفاده من كتب اللغة، وكذا من موارد استعمال هذه اللفظة في القرآن الكريم، والتي تبلغ 64 موضعاً، إنّ الأُمّة في الأصل تعني الجماعة.
فمثلا في قصة موسى نقرأ هكذا: (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أُمّة من الناس يسقون)(1) أي يمتحون الماء من البئر لأنفسهم ولأنعامهم.
وكذا نقرأ في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (ولتكن منكم أُمّة يدعون إلى الخير)(2).
كما نقرأ أيضاً: (وإذا قالت أُمّة منهم لِمَ تعظون قوماً الله مهلكهم)(3). والمعنيون بالأُمّة هم أهالي مدينة إيلة من بني إسرائيل.
ونقرأ حول بني إسرائيل: (وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أُمماً)(4).
من هذه الآيات يتّضح جيداً أنّ الأُمّة تعني الجماعة، ولا تعني الدين، ولا أتباع الدين، ولو أنّنا لاحظنا استعمالها في أتباع الدين، فإنّما هو بلحاظ أنّهم جماعة.
وعلى هذا الأساس يكون معنى الآية المبحوثة هنا هو أنّ لكل جماعة من الجماعات البشرية نهاية، فليس آحاد الناس هم الذين يموتون، وتكون لأعمارهم آجال وآماد فحسب، بل الأُمم هي الأُخرى تموت، وتتلاشى وتنقرض.
وأساساً لم تستعمل لفظة الأُمّة في الدين أبداً، ولهذا فإنّ الآية لا ترتبط بمسألة الخاتمية مطلقاً.
* * *
1 ـ القصص، 23.
2 ـ آل عمران، 104.
3 ـ الاعراف، 164.
4 ـ الاعراف، 160.
يَـبَنِى ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءَايَـتِى فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(35)وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِايَـتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَآ أُولَئِكَ أَصْحَـبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَـلِدُونَ (36)
مرّة أُخرى يخاطب الله سبحانه أبناء آدم وذريّته، إذ يقول: (يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسل منكم يقصّون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(1) أي إذا أتاكم رسلي يتلون عليكم آياتي فاتّبعوهم، لأنّ من اتّقى منكم واتبعهم وأصلح نفسه والآخرين كان في أمن من عذاب الله الأليم، فلا يخاف ولا يحزن.
وفي الآية اللاحقة يضيف سبحانه وتعالى قائلا: (والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أُولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون).
1 ـ «أمّا» مركبة في الأصل من «أن»، و «ما» و «إن» حرف شرط و «ما» حرف للتأكيد.
فتلك عاقبة المؤمنين، وهذه عاقبة المكذبين لهم.
أقدم جماعة من مختلقي الأديان والمذاهب في العصور الأخيرة ـ على غرار ما قلنا في تفسير الآيات السابقة ـ على التمسك بطائفة من الآيات القرآنية بغية تعبيد الطريق لأهدافهم والتمهيد لتحقيقها، وادعوا كونها دليلا على نفي خاتمية رسول الإسلام، على حين لا ترتبط هذه الآيات بتلك المسألة قط.
ومن تلكم الآيات الآية الحاضرة، فهم من دون أن يلاحظوا ما يسبقها وما يلحقها من الآيات قالوا: إن «يأتينّكم» فعل مضارع، ويدلّ على أنّه من الممكن أن يبعث الله رسلا آخرين في المستقبل.
ولكن لو رجعنا إلى الوراء قليلا، واستعرضنا الآيات التي تتحدث عن خلقة آدم وسكونته في الجنّة، ثمّ إخراجه منها هو وزوجته. ولاحظنا أنّ المخاطبين في هذه الآيات ليسوا المسلمين، بل مجموع البشر وجميع أبناء آدم، لاتضح جواب هذه الشّبهة وردّ هذا الإستدلال، لأنّه لا شك أنّه قد بعث لمجموع أبناء آدم رسل كثيرون، جاء ذكر أسماء طائفة معتد بها في القرآن الكريم، وجاء ذكر آخرين في كتب التواريخ.
غاية ما في الأمر أنّ هذا الفريق من مختلقي المذاهب والأديان، تجاهلوا الآيات السابقة بغية إضلال الناس وخداعهم، وقالوا: إنّ المخاطبين في هذه الآية هم خصوص المسلمين، وإستنتجوا من ذلك إمكان وجود رسل آخرين.
إنّ لأمثال هذه السفسطات نظائر كثيرة في السابق، وبخاصّة في حالة الفصل بين آية وأُخرى وجملة وأُخرى، والتغافل عن سوابق الآية ولواحقها، فينتزعون منها مفهوماً يوافق رغباتهم وإن كان يقابل المفهوم الواقعي للآية في الحقيقة.
* * *
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِايَـتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَـبِ حَتَّى إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَـفِرِينَ (37)
من هذه الآية فما بعد تتضمّن الآيات بيان أقسام مختلفة من المصير السيء الذي ينتظر المفترين والمكذبين لآيات الله تعالى، وفي البداية تشير إلى كيفية حالهم عند الموت، إذ تقول: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذّب بآياته).
وكما أسلفنا ـ في سورة الأنعام في ذيل الآية 21 ـ لقد عرف «أظلم الناس» في عدّة آيات من القرآن الكريم بتعابير مختلفة، ولكن الصفات التي ذكرت لهم تعود كلّهم إلى جذر واحد، وهو الشرك وعبادة الأصنام وتكذيب آيات الله سبحانه. وفي الآية المبحوثة هنا ذكرت مسألة الإفتراء على الله سبحانه كصفة بارزة من صفاتهم، مضافاً إلى صفة التكذيب بالآيات الإِلهية.
ونظراً إلى أنّ منشأ جميع أنواع الشقاء في نظر القرآن هو الشرك، ورأس مال
جميع السعادات هو التوحيد، يتّضح لماذا يكون هؤلاء الضالون المضلون أظلم الناس. إنّ هؤلاء ظلموا أنفسهم كما ظلموا المجتمع الذي يقيمون فيه، إنّهم يغرسون النفاق والتفرقة في كل مكان، ويشكّلون سدّاً ومانعاً كبيراً في طريق وحدة الصفوف والتقدم والإصلاحات الواقعية(1)
ثمّ إنّه تعالى يصف وضعهم عند الموت فيقول: (أُولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم). أي أنّ هؤلاء سيأخذون ما هو نصيبهم وما هو مقدر مكتوب لهم من النعم المختلفة، حتى إذا استوفوا حظهم من العمر، وانتهوا إلى آجالهم النهائية، حينئذ تأتيهم ملائكتنا الموكلون بقبض أرواحهم.
والمراد من «الكتاب» هي المقدرات من النعم المختلفة التي قدرها الله تعالى لعباده في هذا العالم، وإن احتمل بعض المفسّرين أن يكون المراد من الكتاب هو العذاب الإلهي، أو ما هو أعمّ من المعنيين.
ولكن بالنظر إلى كلمة (حتى) التي تشير عادة إلى إنتهاء الشىء، يتّضح أنّ المراد هو فقط نعم الدنيا المتنوعة المختلفة التي لكل أحد فيها حظ ونصيب، سواء المؤمن أو الكافر، الصالح والطالح، والتي تؤخذ عند الموت، لا العقوبات الإلهية التي لا تنتهي بحلول الموت، والتعبير بالكتاب عن هذه النعم والمقدرات إنّما هو لأجل شبهها بالأُمور التي تخضع للتقسيم والأسهم وتكتب.
وعلى كل حال، فإنّ عقوباتهم تبدأ منذ لحظة حلول الموت، ففي البداية يواجهون التوبيخ وعتاب الملائكة المكلّفين بقبض أرواحهم، فيسألونهم: أين معبوداتكم الّتي اتخذتموها من دون الله والتي طالما تحدثتم عنها، وكنتم تسوقون إليها ثرواتكم سفهاً. (قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله).
فيجيبهم هؤلاء بعد أن يرون أنفسهم منقطعين عن كلّ شيء، ويرون كيف
1 ـ لمزيد من التوضيح راجع تفسير الآية (21) من سورة الأنعام.
تبددت جميع أوهامهم وتصوراتهم الخاطئة حول آلهتهم وذهبت أدراج الرياح، قائلين: لا نرى منها أثراً وإنّها لا تملك أن تدافع عنّا، وإنّ جميع ما فعلناه من العبادة لها كان عبثاً وباطلا (قالوا ضلّوا عنّا).
وهكذا يشهدون على أنفسهم بالكفر والضلال (وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين).
إنّ ظاهر المسألة وإن كان يوحي بأنّ الملائكة تسأل وأنّهم يجيبون، ولكنّه في الحقيقة نوع من العقوبة النفسية لهم يُلفتون بها نظرهم إلى الوضع المأساوي الذي يصيبهم من جراء أعمالهم، ويرونهم كيف ضلوا وتاهوا في المتاهات والضلالات مدة طويلة من العمر، وضيّعوا كل رؤوس أموالهم الثمينة دون جدوى دون أن يحصدوا منها حصيلة مسِرَّة مشرّفة في حين أغلق في وجههم طريق العودة، وهذا هو أوّل سوط جهنّمي من سياط العقوبة الإلهية التي تتعرض لها أرواحهم.
* * *
قَالَ ادْخُلُوا فِى أُمَمِ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِّنَ الْجِنّ وَالاِْنْسِ فِى النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتَ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَيهُمْ لاُِولَيهُمْ رَبَّنَا هَؤلاَءِ أَضَلُّونَا فَأتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعلَمُونَ (38)وَقَالَتْ أُولَيهُمْ لاُِخْرَيهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْل فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)
في هذه الآية يواصل القرآن الكريم بيان المصير المشؤوم للمكذبين بآيات الله.
ففي الآيات السابقة صُور لنا وضعهم عند حلول الموت، وسؤال الملائكة القابضة للأرواح لهم، وهنا يرسم لنا ما يجري بين الجماعات المظلّة والغاوية، وبين من تعرضوا للإغواء في يوم القيامة.
ففي يوم القيامة يقول الله لهم: التحقوا بمن يشابهكم من الجن والإنس ممن
سبقوكم، وذوقوا نفس مصيرهم النّار (قال ادخلوا في أُمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النّار).
إنّ هذا الأمر يمكن أن يكون بشكل أمر تكويني، يعني أن يجعلهم جميعاً في مكان واحد، أو يكون شبيهاً بأمر تشريعي يصدر إليهم يسمعونه بآذانهم، ويكونون مجبورين على إطاعته.
وعندما يدخل الجميع في النّار تبدأ مصادماتهم مع زملائهم وأشباههم في المسلك، وهي مصادمات عجيبة، فكلّما دخلت جماعة منهم في النّار لعنت الأُخرى واعتبرتها سبباً لشقائها ومسؤولة عن بلائها ومحنتها (كلّما دخلت أُمّة لعنت أختها).(1)
ولعلنا قلنا مراراً: إنّ ساحة القيامة وما يجري فيها انعكاس واسع وكبير لمجريات هذه الدنيا. فلطالما رأينا في هذا العالم الجماعات والفرق والأحزاب المنحرفة تلعن إحداها الأُخرى، وتبدي تنفرها منها. على العكس من أنبياء الله، والمؤمنين الصالحين، والمصلحين الخيّرين، فإنّ كل واحد منهم يؤيّد برنامج الآخر، ويعلن عن ارتباطه به واتحاده معه في الأهداف والغايات.
إلاّ أنّ الأمر لا ينتهي إلى هذا الحدّ، بل عندما يستقر الجميع ـ بمنتهى الذلّة والصغار ـ في الجحيم والعذاب الأليم، تبدأ كل واحدة منها برفع شكايتها إلى الله من الأُخرى.
فقي البداية يبدأ المخدوعون المغرّر بهم بعرض شكايتهم، وحيث أنّهم لا يجدون مناصاً ممّا هم فيه يقولون: ربّنا إنّ هؤلاء المغوين هم الذين أضلونا وخدعونا، فضاعف يا ربّ عذابهم، عذاباً لضلالهم وعذاباً لإضلالهم إيّاناً. وهذا هو ما يتضمّنه قوله تعالى: (حتى إذا ادّاركوا فيها جميعاً قالت أُخراهم لأُوليهم ربّنا
1 ـ التعبير بالاُخت كناية عن الإرتباط الفكري والصّلة الرّوحية بين هذه الفرق المنحرفة، وحيث أنّ الأُمّة مؤنث لفظي، لهذا عبّر عنها بالاُخت، لا الأخ.
هؤلاء أضلونا فأتهم عذاباً ضعفاً من النّار).
ولا شك أنّ هذا الطلب منطقي ومعقول جدّاً، بل إنّ المضلين سينالون ضعفاً من العذاب حتى من دون هذا الطلب، لأنّهم يتحملون مسؤولية انحراف من أضلوا أيضاً دون أن ينقص من عذابهم شيء، ولكن العجيب هو أن يقال لهم في معرض الإجابة على طلبهم: سيكون لكلتا الطائفتين ضعفان من العذاب وليس للمضلين فقط (قال لكل ضعفٌ ولكن لا تعلمون).
ومع الإمعان والدقة يتّضح لماذا ينال المخدوعون المضللون ضعفاً من العذاب أيضاً، لأنّه لا يستطيع أئمّة الظلم والجور ورؤوس الإنحراف والضلال أن ينفذوا لوحدهم برامجهم، بل هؤلاء الأتباع المعاندُون المتعصبون لأسيادهم هم الذين يمدون قادة الضلال ورؤوس الإنحراف بالقوّة والمدّد الذي يوصلهم إلى أهدافهم الشريرة، وعلى هذا الأتباع يجب أن ينالوا ضعفاً من العذاب أيضاً، عذاباً لضلالهم هم، وعذاباً لمساعدتهم للظالمين وإعانتهم قادة الإنحراف.
ولهذا نقرأ في حديث معروف عن الإمام الكاظم(عليه السلام) حول أحد شيعته يدعى صفوان، حيث نهاه عن التعاون مع هارون الرشيد قائلا: «يا صفوان كلّ شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً».
قلت: جعلت فداك أي شيءً؟
قال(عليه السلام): إكراؤك جمالك من هذا الرجل (هارون الرشيد العباسي).
قلت: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو، ولكنّي أكريته لهذا الطريق (يعني طريق مكّة)...
فقال لي(عليه السلام): ياصفوان أيقع كراؤك عليهم؟ قلت: نعم جعلت فداك.
فقال لي: أتحبّ بقاءهم حتى يخرج كراؤك. قلت: نعم.
قال(عليه السلام): «من أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد النّار». (1)
وفي الآية اللاحقة ينقل القرآن الكريم جواب قادة الضلال والإنحراف بأنّه ليس بيننا وبينكم أي تفاوت، فإذا قلنا فقد أيدتم، وإذا خطونا فقد ساعدتم، وإذا ظلمنا فقد عاونتم، وإذن فذوقوا بإزاء أعمالكم عذاب اللّه الأليم، (وقالت أُولهم لأُخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون).
والمقصود من «الأُولى» الطائفة الأُولى أي القادة (قادة الضلال الإنحراف) والمقصود من «الأُخرى» الأتباع، والأنصار.
* * *
1 ـ وسائل الشيعة، ج17، ص182، 17.
إنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّمَآءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِى سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الُْمجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاش وَكَذلِكَ نَجْزِى الظَّلِمينَ (41)
مرّة أُخرى يتناول القرآن بالحديث مصير المتكبرين والمعاندين، يعني أُولئك الذين لا يخضعون لآيات الله ولا يستسلمون للحق، فيقول: (إنّ الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء).
وقد جاء في حديث عن الإمام الباقر(عليه السلام): «أمّا المؤمنون فترفع أعمالهم وأرواحهم إلى السماء فتفتح لهم أبوابها، وأمّا الكافر فيصعد بعمله وروحه حتى إذا بلغ إلى السماء نادى مناد: اهبطوا به إلى سجّين«.(1)
وقد رويت بهذا المضمون أحاديث عن النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) في تفسير الطبري وسائر التفاسير، في ذيل الآية المبحوثة.
1 ـ مجمع البيان في ذيل الآية المبحوثة.
من الممكن أن يكون المقصود من السماء هنا معناه الظاهر، وكذا يمكن أن تكون كناية عن مقام القرب الإلهي، كما نقرأ في الآية (9) من سورة فاطر: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه).
ثمّ أضاف قائلا: (ولا يدخلون الجنّة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط)، أي حتى يدخل البعير في ثقب الاُبرة.
إنّ هذا التعبير كناية لطيفة عن استحالة هذا الأمر، وقد اختير هذا المثال والتصوير الحسّي للإخبار عن عدم إمكان دخول هؤلاء الأشخاص في الجنّة، فكما لا يتردد أحد في استحالة عبور الجمل بجثته الكبيرة من خلال ثقب الاُبرة، فكذلك لا ينبغي الشك في عدم وجود طريق لدخول المستكبرين إلى الجنّة مطلقاً.
و «الجمل» في اللغة يعني البعير الذي خرجت أسنانه حديثاً، ولكن أحد معاني الجمل هو الحبل القوي والمتين الذي تربط به السفن أيضاً(1).
وحيث إنّ بين الحبل والإبرة تناسباً أقوى وأكثر، لهذا ذهب بعضهم إلى هذا المعنى عند تفسير الآية، ولكن أكثر المفسّرين الإسلاميين رجّح المعنى الأوّل، وهم على حق في هذا الإتجاه لأُمور:
أوّلا: إنّ في أحاديث أئمّة الإسلام كذلك تعابير تناسب التّفسير الأوّل.
ثانياً: إنّه يلاحظ نظير هذا التّفسير حول الأثرياء (المتكبرين الأنانيين) في الإنجيل أيضاً، ففي إنجيل لوقا الباب 18 الجملة 24 و 25 نقرأ هكذا: إنّ عيسى قال: «ما أعسر دخول ذوي الأموال إلى ملكوت الله. لأنّ دخول الجمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله».
ولا أقل يستفاد من هذه العبارة أنّ هذه الكناية كانت متداولة بين الشعوب منذ قديم الزمان.
1 ـ راجع «تاج العروس»، و «القاموس» مادة الجمل.
وقد نستعمل هذا المثل أيضاً، في محاوراتنا اليومية الآن، فيقال عن الأشخاص المتشدّدين جدّاً أحياناً، والمتساهلين جدّاً أحياناً أُخرى: (إنّ فلاناً تارةً لا يدخل من باب المدينة، وتارةً يدخل من ثقب إبرة).
ثالثاً: بالنظر إلى أنّ استعمال لفظة الجمل في المعنى الأوّل (أي البعير) أكثر، بينما استعمالها في الحبل الغليظ قليل جداً، لهذا يبدو أنّ التّفسير الأوّل أنسب.
وفي خاتمة الآية يضيف تعالى للمزيد من التأكيد والتوضيح قائلا: (وكذلك نجزي المجرمين).
وفي الآية اللاحقة يشير إلى قسم آخر من عقوبتهم المؤلفة إذ يقول: (لهم من جهنّم مهاد و من فوقهم غواش)(1).
ثمّ يضيف للتأكيد (وكذلك نجزي الظّالمين).
والملفت للنظر والطريف: أنّه يعبّر عنهم مرّة بـ «المجرم» ومرّة بـ «الظالم» وثالثة بـ «المكذبين» لآيات الله، ورابعة بـ «المستكبرين»، وترجع جميعها إلى حقيقة واحدة في الواقع.
![]() |
![]() |
![]() |