والنتيجة أنّ تحدي القرآن ليس من قبيل التحدي بكلمة واحدة أو بجملة واحدة، حتى يدعي مدع أنّه قادر على الإتيان بآية مثل آية (والضحى) أو آية (مدهامتّان) ـ أو أنّه يستطيع أن يأتي بجمل بسيطة كما في القرآن، بل التحدي في كل مكان بمجموعة من الآيات التي تحمل هدفاً معيناً «فتأمل» .

7 ـ من هو المخاطب بقوله تعالى: (فإن لم يستجيبوا لكم)؟ هناك أقوال بين المفسّرين، فبعض يرى أنّ المخاطب بالآية هم «المسلمون»، أي إذا لم يستجب المنكرون لكم أيّها المسلمون فيأتوا بعشر سور مفتريات فاعلموا أنّ القرآن منزل من الله سبحانه، وهذا كاف في الدلالة على إعجاز القرآن.

[488]

وقال بعض المفسّرين: المخاطب بالآية هو. «المنكرون» أي: أيّها المنكرون إذا لم يستجب الناس لكم وكل ما دعوتم من دون الله، ولم يقدروا على الإتيان بعشر سور فاعلموا أنّ القرآن نازل من قِبل الله .

ولكن من حيث النتيجة لا يوجد تفاوت مهم بين التّفسيرين ، وإنّ الإحتمال الأوّل أقرب حسب الظاهر .

* * *

[489]

الآيتان

مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَلَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ(15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الأَخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ(16)

التّفسير

الآيات أعلاه أكملت الحجة مع «دلائل إِعجاز القرآن» على المشركين والمنكرين، ولكن جماعة منهم امتنعوا عن القبول ـ لحفظ منافعهم الشخصيّة ـ بالرّغم من وضوح الحق، فالآيات هذه تشير إِلى مصير هؤلاء فتقول: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها) من رزق مادي وشهرة وتلذذ بالنعم (نُوَفِّ إليهم)نتيجة (أعمالهم فيها) في هذه الدنيا (وهم فيها لايبخسون) أي لا ينقص من حقهم شيء في الدنيا!

«البخس» في اللغة نقصان الحق، وجملة (وهم فيها لا يُبخسون) إِشارة إِلى أنّهم سينالون نتيجة أعمالهم بدون أقل نقصان من حقوقهم.

هذه الآية سنة إِلهية دائمة، وهي أنّ الأعمال «الإِيجابية» والمؤثرة لاتضيع

[490]

نتائجها، مع فارق وهو أنّه إِذا كان الهدف الأصلي منها هو الوصول إِلى الحياة المادية في هذه الدنيا فإِنّ ثمراتها في الدنيا فحسب، وأمّا إِذا كان الهدف هو «الله» وكسب رضاه فإِنّ تأثيرها ونتائجها ستكون في الدنيا وفي الآخرة أيضاً حيث تكون النتائج كثيرة الثمار.

الواقع إنّ القسم الأوّل من هذه الأعمال كالبناية المؤقتة والقصيرة العمر، فلا يستفاد منها إلاّ قليلا، ثمّ مصيرها الى الزوال والفناء.

أمّا القسم الثّاني منها فإِنّها تشبه البناء المرصوص المحكم الذي يدوم قروناً وينتفع به مدّة مديدة.

وهذا من قبيل مانراه بوضوح على أرض الواقع المعاش، فالعالم الغربي فتح أسراراً كثيرة من العلم بسعيه المتواصل والمنسّق، وأصبح متسلطاً على قوى الطبيعة وحصل على مواهب كثيرة لتصديه الدائب لمشاكل الحياة الدنيوية بصبر واستقامة وجد. فلا كلام في نيل العالم الغربي جزاء أعماله وتحقيقه انتصارات مشرقة، ولكن لأنّ هدفه الحياة الماديّة فحسب، فإِنّ أعماله لاتثمر غير توفر الإِمكانات المادية، حتى الأعمال الإِنسانية كبناء المستشفيات والمراكز الصحية والمراكز الثقافية وإِعانة بعض الأُمم الفقيرة وأمثال ذلك، «مصيدة» لاستعمارهم واستثمارهم للآخرين .. فلأنّها تحمل هدفاً مادياً فقط ومن أجل حفظ المنافع المادية فإِنّ أثرها يكون ماديّاً فحسب. كذلك الحال بالنسبة لمن يعمل رياءً.

فلذلك يقول سبحانه عنهم في الآية التالية: (أُولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلاّ النّار) ليزول كل أثر اُخروي لما عملوا في هذه الدنيا ولا ينالون عليه أي ثواب (وحبط ما صنعوا فيها) وكل ما كان لغير الله فسيزول أثره (وباطل ما كانوا يصنعون).

«الحَبْط» في الأصل يطلق على حالة خاصّة من أكل الحيوانات للعلف بشكل غير طبيعي، فتنتفخ بُطونها ويتعطل الجهاز الهضمي عندها فتبدو وكأنّها قد سمنت

[491]

ولكنّها في الباطن وفي الحقيقة مريضة.

هذا التعبير الطريف يقال للأعمال التي تبدو في الظاهر مفيدة وإنسانية، إلاّ أنّها في الباطن مقرونة بنية ذميمة وخبيثة!

* * *

ملاحظات

1 ـ من الممكن أن يُتصور في البداية أنّ الآيتين محل البحث متعارضتان، فالآية الأُولى تقول: إِن من كان هدفه الحياة الدنيا فإِنّه سينال جزاءه فيها كاملا غير منقوص (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إِليهم أعمالهم فيها وهم فيها لايبخسون) أمّا الآية الثّانية فتقول إِن أعماله تكون بلا أثر وباطلة: (وحبط ما صنعوا فيها وباطل ماكانوا يعملون).

ولكن مع الإِلتفات إِلى أن إِحدى الآيتين تشير إِلى مايجري في الدنيا والثّانية تشير إِلى الدار الآخرة، يتّضح الجواب على هذا الإِشكال، وهو أنّهم ينالون جزاء أعمالهم في هذه الدنيا، ولكن لا قيمة لهذا العمل حتى ولو كان من أهم الأعمال ـ إِذا لم يكن لها في الآخرة أيُّ أثر. لأنّ هدفهم لم يكن نقيّاً ونيّتهم غير خالصة، حيث كانوا يسعون لتحصيل سلسلة من المنافع المادية، وقد تحققت لهم في الدنيا.

2 ـ ذكر كلمة «الزينة» بعد «الحياة الدنيا» تدلّ ذم عبادة الدنيا وزخرفها وزبرجها، وليس المقصود من ذلك الإِستفادة باعتدال من مواهب هذا العالم!

فكلمة «الزينة» التي جاءت هنا ببيان مغلق، إلاّ أنّها في آيات أُخرى فُسرت بالنساء الجميلات والكنوز والمراكب والزخارف .. الخ.

(زُين للناس حبّ الشهوات من النساء والبنين والقناطر المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث)(1)((2)).


(1) آل عمران، 14.

(*) لمزيد من الإِيضاح يراجع التّفسير الأمثل ذيل الآية 14 من سورة آل عمران.

[492]

3 ـ ذكر كلمة «الباطل» بعد كلمة «الحبط» يمكن أن تكون إِشارة إِلى أن أعمالهم لها ظاهر بدون محتوى، ولذلك تذهب نتيجتها أدراج الرياح.

ثمّ يضيف أن أعمالهم اساساً باطلة من البداية ولا خاصية لها، غاية ما في الأمر إنّ كثيراً من حقائق الأُمور لما كانت في الدنيا غير معروفة فإِنّها تنكشف في الدار الآخرة التي هي محل كشف الأسرار، فيتّضح أنّ هذه الأعمال لم يكن لها قيمة منذ البداية!.

4 ـ في كتاب «الدر المنثور» حديث منقول عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في تفسير هذه الآيات يبيّن مفاد هذه الآيات بجلاء «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «إِذا كان يوم القيامة صارت أُمتي على ثلاث فرق: فرقة يعبدون الله خالصاً، وفرقة يعبدون الله رياءً. فرقة يعبدون الله يصيبون به دُنيا».

فيقول للذي كان يعبد الله للدنيا: بعزّتي وجلالي، ما أردت بعبادتي؟ فيقول: الدنيا، فيقول: لاجرم لا ينفعك ما جمعت ولا ترجع إِليه. انطلقوا به إِلى النّار.

ويقول للذي يعبد الله رياءً: بعزّتي وجلالي، ما أردت بعبادتي؟ قال: الرياء، فيقول: إِنّما كانت عبادتك التي كنت ترائي بها لا يصعد إِلي منها شيء ولا ينفعك اليوم، انطلقوا به إِلى النّار.

ويقول للذي كان يعبد الله خالصاً: بعزّتي وجلالي، ما أردت بعبادتي؟ فيقول: بعزّتك وجلالك لأنت أعلم منّي، كنت أعبدك لوجهك ولدارك، قال: صدق عبدي، انطلقوا به إِلى الجنّة»(1).

* * *


(1) نقلا عن تفسير الميزان، ج 10، ص 186.

[493]

الآية

أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهْدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مُوْعِدُهُ فَلاَتَكُ فِى مِرْيَة مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ(17)

التّفسير

هناك أقوال كثيرة ـ في تفسير الآية أعلاه ـ بين المفسّرين، ولهم نظرات مختلفة في جزئيات الآية وكلماتها وضمائرها والأسماء الموصولة فيها وأسماء الإِشارة، وما نُقلَ عنهم يخالف طريقتنا في هذا التّفسير، ولكنّ تفسيرين منها أشد وضوحاً من غيرهما ننقلهما هنا على حسب الأهميّة:

1 ـ في بداية الآية يقول الحق سبحانه:

(أفمن كان على بينة من ربّه ويتلوه شاهد منه) أي من الله تعالى (ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة ...). أي التوراة التي تويّد صدقه وعظمته، مثل هذا الشخص هل يستوي ومن لا يتمتع بهذه الخصال والدلائل البينة.

هذا الشخص هو النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، «البيّنة» ودليله الواضح هو القرآن المجيد،

[494]

والشاهد المصدق بنبوّتهِ كلّ مؤمن حق أمثال علي(عليه السلام)، ومن قَبلُ وردتْ صفاته وعلائمه في التوراة، فعلى هذا ثبتت دعوته عن طرق ثلاثة حقّة واضحة.

الأوّل: القرآن الكريم الذي هو بيّنة ودليل واضح في يده.

الثّاني: الكتب السماوية التي سبقت نبوّته وأشارت إِلى صفاته بدقّة، وأتباع هذه الكتب السماوية في عصر النّبي كانوا يعرفونه حقاً، ولهذا السبب كانوا ينتظرونه.

والثّالث: أتباعه وأنصاره المؤمنون المضحّون الذين كانوا يبيّنون دعوته ويتحدثون عنه، لأن واحداً من علائم حقانيّة مذهب ما هو إخلاص اتباعه وتضحيتهم ودرايتهم وإيمانهم وعقلهم، إذ أن كلّ مذهب يُعرف بأتباعه وأنصاره.

ومع وجود هذه الدلائل الحيّة، هل يمكن أن يقاس مع غيره من المدعين، أم هل ينبغي التردّد في صدق دعوته؟!(1).

ثمّ يشير بعد هذا الكلام إلى طلاب الحقّ والباحثين عن الحقيقة، يدعوهم إلى الإيمان دعوة ضمنية فيقول: (أُولئك يؤمنون به) أي النّبي الذي لديه هذه الدلائل الواضحة.

وبالرغم من أنّ مثل هؤلاء الذين اُشير إليهم بكلمة «أُولئك» في الآية لم يذكروا في الآية نفسها، ولكن مع ملاحظة الآيات السابقة يمكن استحضارهم في جوّ هذه الآية والإشارة إليهم.

ثمّ يعقب بعد ذلك ببيان عاقبة المنكرين ومصيرهم بقوله تعالى: (ومن يكفر به من الأحزاب فالنّار موعده).


(1) طبقاً لهذا التّفسير يكون المقصود بـ«من» هو النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، والبيّنة هي القرآن، والشاهد ويراد به معنى «الجنس» من كل مؤمن صادق وفي مقدمتهم الإِمام علي أميرالمؤمنين(عليه السلام)ويعود الضمير في كلمة «منه» إِلى الله سبحانه، ويعود الضمير في كلمة «من قبله» إِلى القرآن أو النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومجموع الجملة مبتدأ وخبره محذوف تقديره: كمن ليس كذلك، أو كمن يريد الحياة الدنيا.

[495]

وفي ختام الآية ـ كما هي الحال في كثير من آيات القرآن ـ يوجه الخطاب إِلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ويبيّن درساً عاماً لجميع الناس، ويقول: بعدَ هذا كلّه من وجود الشاهد والبيّنة والمصدق بدعوتك، فلا تتردد في الطريق ذاته (فلا تك في مرية منه)لأنّه من قبل الله سبحانه (إِنّه الحقّ من ربّك) ولكن كثيراً من الناس ونتيجةً لجهلهم وأنانيتهم لايؤمنون (ولكن أكثر الناس لايؤمنون).

2 ـ التّفسير الثّاني لهذه الآية هو أنّ هدفها الأصل بيان حال المؤمنين الصادقين الذين يؤمنون بالنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مع وجود الدلائل الواضحة والشواهد على صدق دعوة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وما جاء في الكتب السماوية السابقة في شأنه، فأُولئك هم المؤمنون، واستناداً إِلى هذه الدلائل جميعاً يؤمنون به (صلى الله عليه وآله وسلم)، فعلى هذا يكون المقصود من قوله: (أفمن كان على بيّنة من ربّه) جميع الذين لديهم دلائل مقنعة، حيث سارعوا إِلى الإِيمان بالقرآن ومن جاء به، وليس المقصود بكلمة «مَن» في الآية هو النّبي.

والذي يرجع هذا التّفسير على التّفسير السابق هو وجود الخبر في الآية صريحاً وليس محذوفاً، والمشار إِليه «أُولئك» مذكور في الآية نفسها، والقسم الأوّل من الآية يبدأ بقوله: (أفمن كان على بيّنة من ربّه) إِلى قوله: (أُولئك يؤمنون به) ويشكل جملة كاملة من دون أي حذف وتقدير .. ولكن من دون شك فإِنّ التعبيرات الأُخرى في هذه الآية لاتنسجم مع هذا التّفسير كثيراً، ولهذا جعلنا هذا التفسير في المرحلة الثّانية «فتأمل»!

وعلى كل حال، فالآية تشير إِلى امتيازات الإِسلام والمسلمين الصادقين واستنادهم إِلى الدلائل المحكمة في اختيار مذهبهم هذا .. وفي قبال ذلك تذكر ما بصير إِليه المنكرون والمستكبرون من مآل مشؤوم أيضاً ..

* * *

[496]

بحوث

1 ـ ما المقصود «بالشاهد» في الآية ؟!

قال بعض المفسّرين: إِن المقصود بالشاهد هو جبرئيل(عليه السلام)أمين وحي الله، ومنهم من فسّره بالنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومنهم من قال: إِنّ معناه لسان النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في حالة فهم معنى «يتلو» من التلاوة أي القراءة، لا بمعنى التلّو الذي معناه مجيء شخص بعد آخر.

ولكن كثيراً من كبار المفسّرين فسروا «شاهد» بالإِمام علي(عليه السلام)، ففي روايات كثيرة وصلتنا عن الأئمّة المعصومين، وفي بعض كتب تفسير أهل السنة ـ أيضاً ـ هناك تأكيد على أنّ المقصود من «الشاهد» في الآية هو الإِمام علي(عليه السلام) أوّل من آمن بالنّبي والقرآن الكريم، وكان معه في جميع المراحل ولم يقصر لحظةً في التضحية دونه وحمايته إِلى آخر نفس(1).

وفي حديث منقول عن الإِمام علي(عليه السلام) أنّه قال: «ما من رجل من قريش إلاّ وقد أنزل فيه آية أو آيتان من كتاب اللّه، فقال له رجل من القوم: وماذا أنزل فيك يا أمير المؤمنين؟ فقال: أما تقراً الآية التي في هود (أفمن كان على بيّنة من ربّه ويتلوه شاهد منه) محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) على بيّنة من ربّه وكنت أنا الشاهد»(2).

وفي آخر سورة الرعد عبارة تؤيد هذا المعنى، حيث يقول سبحانه: (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب).

هناك روايات كثيرة عن طرق الشيعة وأهل السنة تبيّن أنّ المراد بقوله: (ومن عنده علم الكتاب) هو الإِمام علي(عليه السلام).

وممّا يجدر ذكره ـ كما أشرنا سابقاً ـ أن واحداً من أفضل طرق حقانية أيّ مذهب هو مطالعة شخصية أتباعه والمدافعين عنه وحماته. فحين نلاحظ جماعةً


(1) راجع تفسير البرهان، ونور الثقلين، والقرطبي، ومجمع البيان، وسائر التفاسير.

(2) تفسير البرهان، ج 2، ص 213، ونور الثقلين، ج2، ص346.

[497]

أتقياء، أذكياء، مؤمنين مخلصين اجتمعوا حول أحد القادة، أو مذهب معين فسيتّضح جيداً أنّ هذا القائد وهذا المذهب على درجة عالية من الحق والصدق.

ولكن حين نرى جماعة انتهازيين محتالين غير مؤمنين ولا متقين تجمعوا حول مذهب مّا أو قائد مّا، فقلّ أن نصدّق أن ذلك المذهب أو القائد على حق.

وينبغي الإِشارة إِلى هذا الأمر، وهو أنّه لا منافاة بين تفسير كلمة الشاهد بالإِمام على، وبين شمولها لجميع المؤمنين من أمثال أبي ذرّ وسلمان وعمّار واضرابهم، لأنّ هذه التفاسير تشير إِلى الشخص البارز والشاخص في هؤلاء المؤمنين، أي إِنّ المقصود هو جماعة المؤمنين الذين في طليعتهم الإِمام علي(عليه السلام).

والدليل على هذا الكلام رواية منقولة عن الإِمام الباقر(عليه السلام): قال: «الذي على بينّة من ربّه رسول الله الذي تلاه من بعده الشاهد منه أميرالمؤمنين ثمّ أوصياؤه واحد بعد واحد»(1).

وعلى الرغم من أنّ هذه الرّواية تذكر المعصومين فحسب، ولكنّها تدل على أن الرّوايات التي تفسر الشاهد بالإِمام علي لاتعني شخصه فحسب، بل كونه مصداقاً وشاخصاً للمؤمنين! ...

2 ـ لماذا أُشير إِلى التوراة فحسب ؟!

إِن واحداً من دلائل حقانية النّبي كما ذُكر في الآية الآنفة ـ الكتب السابقة على نبوة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن لم تذكر الآية من بينها سوى التوراة، ونحن نعرف أن الإِنجيل بشّر بظهور نبي الإِسلام أيضاً.

ويمكن أن يكون السبب هو أنّ المحيط الذي نزل فيه القرآن وظهر الإِسلام فيه (أي مكّة والمدينة) متشبعاً بأفكار اليهود أكثر من غيرهم من أهل الكتاب، وكان المسيحيون يعيشون في أماكن أبعد من اليهود كاليمن والشامات ونجران والجبال


(1) تفسير البرهان، ج 2، ص 213.

[498]

الشمالية في اليمن التي تقع على فاصلة عشرة منازل من صنعاء!

أو لأن أوصاف النّبي وردت في التوراة بشكل أوسع وأجمع.

وعلى كل حال، فالتعبير عن التوراة بـ «إماماً» قد يكون لأجل أحكام شريعة موسى(عليه السلام) كانت موجودة فيه بشكل أكمل، حتى أنّ المسيحيين يرجعون إِلى تعليمات التوراة!

3 ـ من هو المخاطب في قوله: (فلا تك في مرية منه)؟

هناك احتمالان في من هو المخاطب بهذه الآية:

الإِحتمال الأوّل: النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه، أي: يا رسول الله لا تتردد في حقانيّة القرآن وشريعة الإِسلام أقلّ تردد!

وبالطبع فإِنّ النّبي بحكم كونه يدرك الوحي شهوداً، ويدرك بالحواس أنّ القرآن نازل من قبل الله، بل كان في درجة أعلى من الإِحساس، فلم يكن لدية تردد في حقانية هذه الدعوة، ولكن ليس هذه أوّل خطاب يوجه إِلى النّبي ويكون المقصود به عموم الناس، وكما يقول المثل العربي «إيّاك أعني واسمعي ياجارة».

وهذا التعبير أساساً هو ضرب من البلاغة، حيث يوضع المخاطب غير الحقيقي مكان المخاطب الحقيقي لأهميته ولأغراض أُخرى.

والإِحتمال الثّاني: إِنّه المخاطب بهذه الآية كل مكلّف عاقل، أي «فلا تك أيّها المكلف العاقل في مرية وتردد». وهذا وارد إِذا لم يكن المقصود بالآية (أفمن كان على بيّنة من ربّه) هو النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، بل جميع المؤمنين الصادقين (فتدبّر).

ولكن التّفسير الأوّل أكثر انسجاماً مع ظاهر الآية

* * *

[499]

الآيات

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَدُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّلِمِينَ(18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوجاً وَهُم بِالأَخِرَةِ هُمْ كَفِرُونَ(19) أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِى الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ(20)أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ(21) لاَجَرَمَ أَنَّهُمْ فِى الاءَخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ(22)

التّفسير

أخسر النّاس أعمالاً:

بعد الآية المتقدمة التي كانت تتحدث عن القرآن ورسالة النّبي محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)تأتي آيات أُخر تشرح عاقبة المنكرين وعلاماتهم ومآل أعمالهم.

ففي أوّل آية من هذه الآيات يقول سبحانه: (ومن أظلم ممّن افترى على الله

[500]

كذباً) ويعني أن تكذيب دعوة النّبي الصادق(صلى الله عليه وآله وسلم) في الواقع هو تكذيب لكلام الله وافتراء عليه بالكذب و تكذيب من لا يتحدث عن أحد سوى الله يعدّ تكذيباً لله(1).

وكما تقدم في عدّة مواضع، فالقرآن المجيد يعبر في عديد من الآيات عن جماعة من الناس بقوله: «أظلم» في حين أنّ أعمالهم ـ كما يبدو ـ مختلفة،  ولا يمكن أن نعدّ جماعات كثيرة مع وجود أعمال مختلفة بأنّهم أظلم الناس! بل ينبغي أن يُعدّ البعض ظالمين، والبعض الآخر أظلم منهم، وسواهما أشدّ ظلماً منهما جميعاً..

ولكن ـ كما أجبنا عن هذا السؤال عدّة مرات ـ جذر جميع هذه الأعمال يعود لشيء واحد، وهو الشرك وتكذيب الآيات الإِلهية، وهو أعظم البهتان «ولمزيد من الإِيضاح يراجع ذيل الآية (31) من سورة الأنعام».

ثمّ يبيّن ما ينتظرهم من مستقبل مشؤوم يوم القيامة حين يُعرضون على محكمة العدل الإِلهي (أُولئك يعرضون على ربّهم) حينئذ يشهد «الأشهاد» على أعمالهم وأنّ هؤلاء هم الذين كذبوا على الله العظيم الرحيم وولي النعمة ..

(ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربّهم) ثمّ ينادون بصوت عال (ألا لعنة الله على الظالمين).

ولكن من هم الأشهاد؟ أهم الملائكة، أم الحفظة على الأعمال، أم الأنبياء؟ للمفسّرين احتمالات وآراء، ولكن مع ملاحظة أن آيات أُخرى من القرآن تشير إِلى أنّ الأنبياء هم الأشهاد، فالظاهر أنّ المراد بالأشهاد هنا هم الأنبياء أيضاً .. أو المفهوم الأوسع وهو أنّ الأنبياء وسائر الأشهاد يشهدون على «الأعمال» يوم القيامة!


(1) ما يقوله المفسّرون من أنّ المراد من هذه الجملة هو الردّ على من كان يقول: إِنّ النّبي يكذب على الله، بعيد جدّاً، لأنّ الآيات السابقة واللاحقة لا تناسب هذا التّفسير، بل المناسب أنّها تشير إِلى الكفار.

[501]

وفي الآية (41) من سورة النساء نقرأ قوله تعالى: (فكيف إِذا جئنا من كل أُمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً).

وفي شأن السّيد المسيح(عليه السلام) نقرأ في الآية (117) من سوره المائدة. (وكنت عليهم شهيداً مادمت فيهم).

بعد هذا مَن القائل: (ألا لعنة الله على الظالمين)؟ أهو الله سبحانه، أم الأشهاد على الأعمال؟! هناك أقوال بين المفسّرين، لكن الظاهر أنّ هذا الكلام تتمة لقول الأشهاد ..

والآية التي بعدها تبيّن صفات الظالمين في ثلاث جمل:

الأُولى تقول: إِنّهم يمنعون الناس بمختلف الأساليب عن سبيل الله (الذين يصدون عن سبيل الله) فمرّة عن طريق إِلقاء الشُبهة، ومرّة بالتهديد، وأحياناً عن طريق الإِغراء والطمع، وجميع هذه الأساليب ترجع إِلى أمر واحد، وهو الصدّ عن سبيل الله.

الثّانية تقول: إِنّهم يسعون في أن يُظهروا سبيل الله وطريقه المستقيم عِوَجاً (ويبغونها عوجاً)(1).

أي بأنواع التحريف من قبيل الزيادة أو النقصان أو التّفسير بالرأي وإِخفاء الحقائق حتى لا تتجلى الصورة الحقيقية للصراط المستقيم. ولا يستطيع الناس وطلاب الحق السير في هذا الطريق.

والثّالثة تقول: إِنّهم لا يؤمنون بيوم النشور والقيامة (وهم بالآخرة هم كافرون).

وعدم إيمانهم بالمعاد هو أساس الإِنحرافات، لأنّ الإِيمان بتلك المحكمة


(1) المقصود بـ«العِوَج» أي الملتوي، وقد بيّنا شرح ذلك في ذيل الآية (45) من سورة الأعراف وينبغي الإِلتفات إِلى أنّ الضمير في «يبغونها» يعود على سبيل الله فهي مؤنث مجازي، أو بمعنى الجادة والطريقة، فهي مؤنث لفظي، ونقرأ في سورة يوسف(عليه السلام) الآية (108) (قل هذه سبيلي أدعوا إِلى الله).

[502]

الكبرى والعالم الوسيع بعد الموت يفعل الطاقات الايجابية الكامنة في النفس والروح.

ومن الطّريف أنّ جميع هذه المسائل تجتمع في مفهوم «الظلم» لأنّ المفهوم الواسع لهذه الكلمة يشمل كل انحراف وتغيير للموضع الواقعي للأشياء والأعمال والصفات والعقائد.

في الآية التالية يبيّن أنّ هؤلاء لا يستطيعون الهرب من عقاب الله في الأرض ولا أن يخرجوا من سلطانه (أُولئك لم يكونوا معجزين في الأرض) كما أنّهم لا يجدون وليّاً وحامياً لهم غير الله (وما كان لهم من دون الله من أولياء).

وأخيراً يشير سبحانه إِلى عقوبتهم الشديدة حيث تكون مضاعفة (يضاعف لهم العذاب).

لماذا؟! لأنّهم كانوا ضالين ومخطئين ومنحرفين، وفي الوقت ذاته كانوا يجرّون الآخرين إِلى هذا السبيل، فلذلك سيحملون أوزارهم وأوزار الآخرين، دون التخفيف عن الآخرين من أوزارهم (وليحملُنّ أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم)(1).

وهناك أخبار كثيرة في أن «من سنّ سنةً سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها، ومن سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها».

وفي ختام الآية يبيّن الله سبحانه أساس شقاء هؤلاء بقوله: (ما كانوا يستطيعون السمع وماكانوا يبصرون).

فهم في الحقيقة بإِهمالهم هاتين الوسيلتين المؤثرتين [وسيلتي السمع والبصر ]لدرك الحقائق، ضلّوا السبيل وأضلّوا سواهم أيضاً .. لأنّ الحق والحقيقة لا يدركان إلاّ بالسمع والبصر النافذ.

ومن الطريف هنا أنّنا نقرأ في الآية أنّهم ما كانوا يستطيعون السمع، أي استماع الحق، فهذا التعبير يشير إِلى الحالة الواقعية التي هم فيها، وهي أنّ استماع الحق


(1) العنكبوت، 23.

[503]

كان عليهم صعباً وثقيلا إِلى درجة يُتصور فيها أنّهم فقدوا حاسة السمع، فلا قدرة لهم على السمع، وهذا التعبير ينسجم تماماً مع قولنا مثلا: إِنّ الشخص العاشق  لا يستطيع أن يسمع كلاماً عن عيوب معشوقه! ..

وبديهي أنّ عدم استطاعة دركهم الحقائق كانت نتيجة لجاجتهم الشديدة وعدائهم للحق والحقيقة، وهذا لا يسلب عنهم المسؤولية، لأنّهم هم السبب في ذلك، وهم الذى مهّدوا له، وكان بإِمكانهم أن يبعدوا عنهم هذه الحالة، لأنّ القدرة على السبب قدرة على المسبِّب.

والآية التي بعدها تبيّن في جملة واحدة حصيلة سعيهم وجدهم في طريق الباطل، فتقول: (أُولئك الذين خسروا أنفسهم) وهذه أعظم خسارة يمكن أن تصيب الانسان، إِذ يخسر وجوده الإِنساني .. ثمّ تضيف الآية: أنّهم اتخذوا آلهة ومعبودين مصطنعين «مزيفين» ولكن تلاشت هذه الآلهة المصنوعة والمزيفة أخيراً .. (وضل عنهم ماكانوا يفترون).

وفي نهاية الآية بيان الحكم النهائي لمآلهم وعاقبتهم بهذا التعبير (لا جرم أنّهم في الآخرة هم الأخسرون).

والسبب واضح; لأنّهم حُرموا من نعمة السمع الحاد والبصر النافذ، وخَسِروا كلّ إِنسانيتهم ووجودهم، ومع هذه الحال فقد حملوا أثقالَ مسؤوليتهم وأثقال الآخرين مع أثقالهم.

والمعنى الأصلي لكلمة «لا جرم» مأخوذ من «جَرَم» على وزن «حرَمَ» وهو قطف الثمار من الأشجار، كما نقل ذلك الراغب في مفرداته، ثمّ توسع هذا المعنى فشمل كلّ نوع من الكسب والتحصيل، ولكثرة استعمال الكلمة في الكسب غير المرغوب فيه شاعت في هذا المعنى، ولذلك يطلق على الذنب أنّه جُرم.

ولكن حين تبدأ هذه الكلمة جملةً وهي مسبوقة بـ «لا» فيكون معناها حينئذ: أنّه لا شيء يمكنه أن يمنع أو يقطع هذا الموضوع، فهي قريبة من معنى «لابدّ» أو «من المسلّم به» والله العالم «فتدبر».

* * *

[504]

الآيتان

إِنَّ الَّذِينَ ءاَمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ(23) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا  أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ(24)

التّفسير

تعقيباً على الآيات المتقدمة التي أوضحت حال منكري الوحي، تأتي الآيتان هنا لتوضحا من في قبالهم، وهم المؤمنون حقّاً.

فالآية الأُولى تقول: (إِن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إِلى ربّهم)أي: استسلموا وأنقادوا خاضعين لأمر الله ووعده الحق، (أُولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون).

* * *

ملاحظتان

1 ـ بيان هذه الأوصاف الثلاثة وهي «الإِيمان» و«العمل الصالح» و«التسليم

[505]

والخضوع والإِخبات إِلى دعوة الحق» إِنّما هو بيان أُمور واقعية ترتبط بعضها ببعض، لأنّ العمل الصالح ثمرة من شجرة الإِيمان، فالإِيمان الذي ليس فيه مثل هذه الثمرة إِيمان ضعيف ولا قيمة له ولا يحسب له حساب، وكذلك التسليم والإِنقياد والخضوع والإِطمئنان لما وعد الله سبحانه، كل ذلك من آثار الإِيمان والعمل الصالح .. لأنّ الإِعتقاد الصحيح والعمل النقي أساس وجود هذه الصفات والملكات العالية في المحتوى الداخلي للإنسان.

2 ـ كلمة «أخبتوا» مشتقة من «الإِخبات» وجذرها اللغوي «خَبتَ» على وزن «ثبتَ» ومعناها الأصلي الأرض المنبسطة الواسعة التي يمكن للإِنسان أن يخطو عليها باطمئنان وارتياح، فلذلك استعملت هذه المادة «الخبت والإِخبات» في الإِطمئنان أيضاً .. كما استعملت في الخصوع والتسليم، لأنّ الأرض التي تبعث على الاطمئنان في السير هي خاضعة ومستسلمة للسائرين، فعلى هذا يمكن أن يكون معنى الإِخبات واحداً من المعاني الثلاثة الآتية، كما ويحتمل شموله لجميع هذه المعاني، إِذ لا منافاة بينها:

1 ـ إِنّ المؤمنين حقاً خاضعون لله.

2 ـ إِنّهم مسلّمون لأمر الله.

3 ـ إِنّهم مطمئنون بوعود الله.

وفي كل صورة إِشارة إِلى واحدة من أعلى الصفات الإِنسانية في المؤمنين التي ينعكس أثرها على كامل حياتهم!..

الطريف هنا أنّنا نقرأ في حديث عن أبي أسامة قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): إِنّ عندنا رجلا يسمّى «كليباً» لا يجيء عنكم شيء إلاّ قال: أنا أُسلّم، فسمّيناه: كليب تسليم، قال: فترحم عليه ثمّ قال «أتدرون ما التسليم»؟ فسكتنا فقال: هو والله الإِخبات، قول الله: (إِنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات واخبتوا إِلى ربّهم)(1).