![]() |
![]() |
![]() |
ثمّ تشير الآية إِلى الفئة الرّابعة من المعفو عنهم وهؤلاء هم الذين حضروا ـ بشوق ـ عند النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وطلبوا منه أن يحملهم على الدواب للمشاركة في الجهاد، فاعتذر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بأنّه لا يملك ما يحملهم عليه، فخرجوا من عنده وعيونهم تفيض من الدمع حزناً وأسفاً على ما فاتهم، وعلى أنّهم لا يملكون ما ينفقونه في سبيل الله: (ولا على الذين إِذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون).
«تفيض» من مادة الفيضان، أي الإِنسكاب والتساقط بعد الإِمتلاء، فإنّ الإنسان إِذا أهمه أمر أو دهمته مصيبة، فإذا لم تكن شديدة اغرورقت عيناه بالدموع وامتلأت دون أن تجري، أمّا إذا وصلت إِلى مرحلة يضعف الإِنسان عن تحملها سالت دموعه.
إنّ في هذه دلالة على أنّ هؤلاء النفر من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا عشاقاً ومولهين بالجهاد إِلى درجة أنّهم لما رُخص لهم في البقاء لم يكتفوا بالتأسف والهمّ لهذه الرخصة، بل إنّهم جرت دموعهم كما لو فقد إنسان أعز أصدقائه وأحبائه،
(1) الدر المنثور، طبقاً لنقل الميزان، ج9، ص 386.
وبكوا بكاءً مرّاً لهذا الحرمان.
لا شك أن الفئة الرّابعة لا تفترق عن الفئة الثّالثة المذكورة في الآية ولكنّهم لهذه الحالة الخاصّة من العشق، ولإمتيازهم بها عن السابقين، ولتكريمهم جسمت الآية وضعهم بصورة مستقلة ضمن نفس الآية، وكانت خصائصهم هي:
أوّلا: إنّهم لم يقتنعوا بعدم ملكهم لمستلزمات الجهاد، فحضروا عند النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)طمعاً في الحصول عليها، وأصروا عليه أصراراً شديداً في تهيئتها إِنّ أمكنه ذلك.
ثانياً: إنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لما اعتذر عن تلبية طلبهم لم يكتفوا بعدم الفرحة بذلك، بل انقلبوا بهمّ وحزن فاضت دموعهم بسببه، ولهاتين الخصلتين ذكرهم الله سبحانه وتعالى مستقلا في الآية.
أمّا آخر الآية فتبين وضع الفئة الخامسة، وهم الذين لم يعذروا، ولن يُعذروا عند الله تعالى، فإنّهم قد توفرت فيهم كل الشروط، ويملكون كل مستلزمات الجهاد، فوجب عليهم حتماً، لكنّهم رغم ذلك يحاولون التملّص من أداء هذا الواجب الإِلهي الخطير، فجاؤوا إِلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يطلبون الإِذن في الإنصراف عن الحرب، فبيّنت الآية أنّهم سيؤاخذون بتهربهم ويعاقبون عليه: (إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء).
وتضيف الآية بأنّ هؤلاء يكفيهم عاراً وخزياً أن يرضوا بالبقاء مع العاجزين والمرضى رغم سلامتهم وقدرتهم، ولم يهتموا بأنّهم سيحرمون من فخر الإشتراك في الجهاد: (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف). وكفى به عقاباً أن يسلبهم الله القدرة على التفكر والإِدراك نتيجة أعمالهم السيئة هذه، ولذلك أبغضهم الله (وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون).
* * *
1 ـ تتّضح من هذه الآيات ـ بصورة جلية وواضحة ـ المعنويات القوية العالية لجنود الإِسلام، وكيف أن قلوبهم كانت تتطلع بشوق، وتتحرق عشقاً للجهاد والشهادة، وهذا الفخر والوسام مقدم على جميع الأوسمة والصفات الأُخرى التي كانوا يمتلكونها، ومن هنا يتّضح عامل هو من أهم عوامل التقدم السريع للإِسلام وتطوره وانتشاره في ذلك اليوم، وتخلفنا في الوقت الحاضر لفقداننا هذا الوسام.
كيف يمكننا أن نجعل من يبكي ألماً وحسرة لحرمانه من الجهاد، وإن كان لعذر، ومن يحاول التذرع بألف عذر وعذر من أجل الفرار من صف المجاهدين، في صف واحد ومرتبة واحدة؟
إذا رجعت إِلينا روح الإِيمان وحبّ الجهاد وعشقه، والإِفتخار بالشهادة في سبيل الله، ودبت في واقعنا الميت، فإنّنا سنحصل على نفس الإمتيازات والإنتصارات التي حققها وحصل عليها مسلمو الصدر الأوّل.
إنّ تعاستنا وتخلفنا يكمن في أننا التزمنا بالإِسلام ظاهراً، واتخذناه ردءاً دون أن ينفذ إِلى أعماقنا ووجودنا، ورغم ذلك فإننا نتوقع أن نصل بهذا الواقع إِلى مستوى المسلمين الأوائل!
2 ـ ونستفيد من الآيات السابقة أيضاً، أنّه لا يستثنى أحد ـ بصورة عامّة ـ من المشاركة في أمر الجهاد، من دعم المجاهدين، وإسنادهم في جهادهم، حتى المرضى والعاجزين عن حمل الأسلحة والمشاركة في ميدان الحرب، فإنّهم إن عجزوا عن ذلك فهم قادرون أن يُرغّبوا المجاهدين ويثيروا حماسهم يكلامهم وبيانهم وسلوكهم، وأن يدعموا جهادهم بذلك، وفي الحقيقة فإنّ للجهاد مراحل متعددة، فإذا عُذر الإنسان عن احدى مراحله فإنّ ذلك لا يعني سقوط بقية المراحل عن ذمته.
3 ـ إنّ جملة (ما على المحسنين من سبيل) أصبحت منبعاً قانونياً واسعاً في
المباحث الفقهية حيث استفاد الفقهاء منها أحكاماً كثيرة، فمثلا: إذ تلفت الوديعة في يد الأمين بدون أي افراط أو تفريط منه، فإنّه لا يكون ضامناً، ومن جملة الأدلّة على هذه المسألة هي الآية المذكورة، لأنّه محسن، ولم يرتكب مخالفة، فإذا اعتبرناه مسؤولا وضامناً، فإنّ هذا يعني أنّ المحسن مؤاخذ.
ليس هناك شك في أنّ الآية المذكورة قد وردت في المجاهدين، إلاّ أنا نعلم أن مورد الآية لا ينقص من عموميتها، وبعبارة أُخرى، فإن مورد الآية لا يخصص الحكم مطلقاً.
* * *
نهاية الجزء العاشر من القرآن المجيد.
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُوا لَن نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللهَ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَـلِمِ الْغَيْبِ وَالْشَّهَـدَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون(94) سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُم إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَيهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95)يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَومِ الْفَـسِقِينَ (96)
يقول بعض المفسّرين: إنّ هذه الآيات نزلت في جماعة من المنافقين يبلغ عددهم ثمانين رجلا، لأنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لما رجع من غزوة تبوك أمر أن لا يجالسهم أحد ولا يكلمهم، فلمّا رأى هؤلاء هذه المقاطعة الإِجتماعية الشديدة بدأوا يعتذرون عمّا بدر منهم، فنزلت هذه الآيات لتبيّن حال هؤلاء وحقيقتهم.
تستمر هذه السلسلة من الآيات في الحديث عن الأعمال الشيطانية للمنافقين، وتزيح الستار عنها الواحد تلو الآخر، وتحذر المسلمين من الإنخداع بريائهم أو الوقوع تحت تأثير كلماتهم المعسولة.
الآية الأُولى تبيّن للمسلمين أن هؤلاء إِذا علموا بقدومكم فسيأتون(يعتذرون إِليكم إِذا رجعتم إِليهم). إِن التعبير بـ (يعتذرون) بصيغة المضارع، يظهر منه أن الله تعالى قد أطلع النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل على كذب المنافقين، وأنّهم سيأتونهم ليعتذروا إِليهم، ولذلك فإنّه تعالى علمهم كيفية جواب هؤلاء إذا قدموا إِليهم ليعتذروا منهم.
ثمّ يتوجه الخطاب إِلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ باعتباره قائد المسلمين ـ بأن يواجه المنافقين (قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم) لأنّا على علم بأهدافكم الشيطانية وما تضمرون وما تعلنون، إذ (قد نبأنا الله من أخباركم). إلاّ أنّه في الوقت نفسه سيبقى باب التوبة والرجوع إِلى الصواب مفتوحاً أمامكم (وسيرى الله عملكم وروسوله).
واحتمل البعض في تفسير هذه الآية أنّ التوبة ليست هي المقصودة من هذه الجملة، بل المقصود أن الله ورسوله سيطلعان على أعمالكم ويريانها في المستقبل كما رأياها الآن، وسيحبطان كل مؤامراتكم، وعلى هذا فلا يمكن أن تصنعوا شيئاً، لا اليوم ولا عذاً، ولنا بحث مفصّل حول هذه الجملة، ومسألة عرض أعمال الأمة على نبيّها(صلى الله عليه وآله وسلم) سيأتي في ذيل الآية (105) من هذه السورة.
ثمّ قالت الآية: إنّ كل أعمالكم ونياتكم ستثبت اليوم في كتبكم (ثمّ تردون إِلى عام الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).
وفي الآية التالية إشارة أُخرى إِلى أيمان المنافقين الكاذبين، وتنبيه للمسلمين على أنّ هؤلاء سيتوسلون باليمين الكاذبة لتغفروا لهم خطيئاتهم وتصفحوا عنهم
(سيحلفون بالله لكم إِذا انقلبتم إِليهم لتعرضوا عنهم).
في الحقيقة، إِنّ هؤلاء يطرقون كل باب ليردّوا منه، فتارةً يريدون إِثبات براءتهم وعدم تقصيرهم بالإِعتذار، وتارةً يعترقون بالتقصير ثمّ يطلبون العفو عن ذلك التقصير، إِذ ربّما استطاعوا عن إحدى هذه الطرق النفوذ إِلى قلوبكم، لكن لا تتأثروا بأي أُسلوب من هذه الأساليب، بل إِذا جاؤوكم ليعتذروا إِليكم (فاعرضوا عنهم).
إنّ هؤلاء يطلبون منكم أن تعرضوا عن أفعالهم، أي أن تصفحوا عنهم، لكنكم يجب أن تعرضوا عنهم، لكن لا بالصفح والعفو، بل بالتكذيب والإنكار عليهم، وهذان التعبيران المتشابهان لفظاً لهما معنيان متضادان تماماً، ولهما هنا من جمال التعبير وجزالته وبيانه ما لا يخفى على أهل الذوق والبلاغة.
ولتأكيد المطلب وتوضيحه وبيان دليلة عقّبت الآية بأن السبب في الاعراض هؤلاء (إنّهم رجس)، ولأنّهم كذلك فإنّ مصيرهم (ومأواهم جهنم) لأنّ الجنّة أُعدت للمتقين الذين يعملون الصالحات، وليس فيها موضع للأرجاس الملوّثين بالمعاصي. إن كل العواقب السيئة التي سيلقونها إنما يرونها (جزاء بما كانوا يكسبون).
في الآية الأخيرة التي نبحثها هنا إشارة إِلى يمين أُخرى من أيمان هؤلاء، الهدف منها جلب رضى المسلمين (يحلفون لكم لترضوا عنهم).
الفرق بين اليمين في هذه الآية واليمين في الآية السابقة، أنّ المنافقين في الآية السابقة أرادوا تهدئة خواطر المؤمنين في الواقع العملي أمّا اليمين التي في هذه فإنّها تشير إِلى أنّ المنافقين أرادوا من المؤمنين مضافاً إِلى سكوتهم العملي إظهار الرضا القلبي عنهم.
الملفت للنظر هنا أن الله تعالى لم يقل: لا ترضوا عنهم، بل عبّر سبحانه بتعبير تُشم منه رائحة التهديد، إِذ تقول عزَّوجلّ: (فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن
القوم الفاسقين).
لا شك أن هؤلاء من الناحية الدينية والأخلاقية لا يعيرون اهتماماً لرضى المسلمين، بل إن الهدف من عملهم هذا هو رفع النظرة السلبية والغضب عليهم من أفكار وقلوب المسلمين، ليكونوا في المستقبل في مأمن من ردود الفعل ضدهم إذا بدرت منهم أعمال منافية، إلاّ أن الله تعالى لما عبر بقوله: (لا يرضى عن القوم الفاسقين) نبّه المسلمين على أن هؤلاء فاسقون، ولا معنى لرضاكم عنهم، فإنّ هؤلاء دأبهم يضحكوا على الأذقان، فانتبهوا وعوا أمر هؤلاء ولا تقعوا في شراكهم.
كم هو مهم وجيدّ أن يراقب المسلمون في كل زمان خطط المنافقين الشيطانية ويعرفوهم، حتى لا يستفيدوا من الخطط السابقة للوصول إِلى أهدافهم المشؤومة عبر هذه الوسائل والخطط الخبيثة.
* * *
الاَْعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَآ أَنزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الاَْعْرابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَآئِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الاْعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاَْخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَـت عِندَ اللهِ وَصَلَوتِ الرَّسُولِ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةً لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِى رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (99)
في هذه الآيات الثّلاث ـ استمراراً للبحث المتقدم حول منافقي المدينة ـ حديث وبحث حول وضع منافقي الأعراب ـ وهم سكان البوادي ـ وعلاماتهم وأفكارهم، وكذلك قد تحدثت حول المؤمنين الخلص منهم.
وربّما كان السبب في تحذير المسلمين من هؤلاء، هو أن لا يتصور المسلمون أن المنافقين هم ـ فقط ـ هؤلاء المتواجدون في المدينة، بل إنّ المنافقين من
الأعراب أشدّ وأقسى، وشواهد التأريخ الإِسلامي تدل على المسلمين قد تعرضوا عدّة مرات لهجوم منافقي البادية، ولعل الإِنتصارات المتلاحقة لجيش الإِسلام هي التي جعلت المسلمين في غفلة عن خطر هؤلاء.
على كل حال، فالآية الأُولى تقول: إنّ الأعراب، بحكم بعدهم عن التعليم والتربية، وعدم سماعهم الآيات الرّبانية وكلام النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، أشدّ كفراً ونفاقاً من مشابهيهم في المدينة: (الأعراب أشد كفراً ونفاقاً) ولهذا البعد والجهل فمن الطبيعي، بل الاؤلى أن يجهلوا الحدود والأحكام الإِلهية التي نزلت على النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم): (وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله).
كلمة «الأعراب» من الكلمات التي تعطي معنى الجمع، ولا مفرد لها في لغة العرب، وعلى ما قاله أئمّة اللغة ـ كمؤلف القاموس والصحاح وتاج العروس وآخرون ـ فإن هذه الكلمة تطلق على سكان البادية فقط، ومختصة بهم، وإذا أرادوا اطلاقهم على شخص واحد فإنّهم يستعملون نفس هذه الكلمة ويلحقون بها ياء النسب، فيقولون: أعرابي. وعلى هذا فإنّ أعراب ليست جمع عرب كما يظن البعض.
أمّا «أجدر» فهي مأخوذة من الجدار، ومن ثمّ أُطلقت على كل شيء مرتفع ومناسب، ولهذا فإنّ (أجدر) تستعمل ـ عادةً ـ بمعنى الأنسب والأليق.
وتقول الآية أخيراً: (والله عليم حكيم) أي إِنّه تعالى عندما يحكم على الأعراب بمثل هذا الحكم، فلأنّه يناسب الوضع الخاص لهم، لأنّ محيطهم يتصف بمثل هذه الصفات.
لكن ومن أجل لا يُتوهم بأنّ كل الأعراب أو سكان البوادي يتصفون بهذه الصفات، فقد أشارت الآية التالية إِلى مجموعتين من الاعراب.
ففي البداية تتحدث عن أن قسماً من هؤلاء الأعراب ـ لنفاقهم أو ضعف إِيمانهم ـ عندما ينفقون شيئاً في سبيل الله، فإنّهم يعتبرون ذلك ضرراً وخسارة
لحقت بهم، لا أنّه توفيق ونصر وتجارة رابحة: (ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً)(1).
ومن الصفات الأُخرى لهؤلاء أنّهم دائماً ينتظرون أن تحيط بكم المصائب والنوائب والمشاكل، ويرميكم الدهر بسهمه: (ويتربص بكم الدوائر).
«الدوائر» جمع دائرة، ومعناها معروف، ولكن العرب يقولون للحادثة الصعبة والأليمة التي تحل بالإِنسان: دائرة، وجمعها (دوائر).
في الواقع أنّ هؤلاء أفراد ضيقو النظر، وبخلاء وحسودون، وبسبب بخلهم فإنّهم يرون كل إِنفاق في سبيل الله خسارة، وبسبب حسدهم فإنهم ينتظرون دائماً ظهور المشاكل والمشاغل والمصائب عند الآخرين. ثمّ تقول الآية ـ بعد ذلك ـ إِن هؤلاء ينبغي أن لا يتربصوا بكم، وينتظروا حلول المصائب والدوائر بكم، لأنّها في النهاية ستحل بهم فقط: (عليهم دائرة السوء)(2).
ثمّ تختم الآية الحديث بقولها: (والله سميع عليم)، فهو تعالى يسمع كلامهم، ويعلم بنياتهم ومكنون ضمائرهم.
أمّا الآية الأخيرة فقد أشارت إِلى الفئة الثّانية من الأعراب، وهم المؤمنون المخلصون، إذ تقول: (ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر) ولهذا السبب فإنّهم لا يعتبرون الإِنفاق في سبيل الله خسارة أبداً، بل وسيلة للتقرب إِلى الله ودعاء الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، لإِيمانهم بالجزاء الحسن والعطاء الجزيل الذي ينتظر
(1) مغرم - كما ورد في مجمع البيان ـ مأخوذة من مادة (غرم) على وزن (جرم)، وهي في الأصل بمعنى ملازمة الشيء، ولهذه المناسبة قيل للدائن والمدين اللذين لا يدع كل منهما صاحبه: غريم، وأيضاً قيل: غرامة، لنفس هذه المناسبة لأنّها تلازم الإِنسان ولا تنقطع عنه إلاّ بأدائها. ويقال للعشق الشديد: غرام، لأنّه ينفذ إِلى روح الإِنسان بصورة لا يمكن تصور الإِنفصال معها. ومغرم يساوي غرامة من حيث المعنى.
(2) يستفاد من جملة (عليهم دائرة السوء) الحصر، أي إنّ حوادث السوء ستنال هؤلاء فقط. واستفادة الحصر هذه من أن (عليهم) خبر مقدم على المبتدأ.
المنفقين في سبيل الله: (ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرّسول).
هنا يؤيّد الله تعالى ويصدّق هذا النوع من التفكير، ويؤكّد على أنّ هذا الإِنفاق يقرب هؤلاء من الله قطعاً: (ألا إِنّها قربة لهم) ولهذا (سيدخلهم الله في رحمته) وإذا ما صدرت من هؤلاء هفوات وعثرات، فإنّ الله سيغفرها لهم لإيمانهم وأعمالهم الحسنة، فـ (إن الله غفور رحيم).
إنّ التأكيدات المتوالية والمكررة التي تلاحظ في هذه الآية تجلب الإِنتباه حقّاً، فإنّ (ألا) و(إِن) يدل كلاهما على التأكيد، ثمّ جملة (سيدخلهم الله في رحمته)خصوصاً مع ملاحظة (في) التي تعني الدخول والغوص في الرحمة الإِلهية، وبعد ذلك الجملة الأخيرة التي تبدأ بـ (إنَّ) وتذكر صفتين من صفات الرحمة وهما (غفور رحيم) كل هذه التأكيدات تبيّن منتهى اللطف والرحمة الإِلهية بهذه الفئة.
وربّما كان هذا الإهتمام بهؤلاء لأنّهم رغم حرمانهم من التعليم والتربية، وعدم الفهم الكافي لآيات الله وأحاديث النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّهم قبلوا الإِسلام وآمنوا به بكل وجودهم، ورغم قلّة إمكانياتهم المالية ـ التي يحتمها وضع البادية ـ فإنّهم لم يمتنعوا عن البذل والإِنفاق في سبيل الله، ولذلك استحقوا كل تقدير واحترام، وأكثر ممّا يستحقه سكان المدينة المتمكنون.
ويجب الالتفات إِلى أنّ القرآن قد استعمل (عليهم دائرة السوء) في حق الأعراب المنافقين، التي تدل على إِحاطة التعاسة وسوء العاقبة بهم، أمّا في حق المؤمنين فقد ذكرت عبارة (في رحمته) لتبيّن إِحاطة الرحمة الإِلهية بهؤلاء، فقسم تحيط به الرحمة الإِلهية، والآخر تحيط به الدوائر والمصائب.
* * *
وهنا ملاحظات تسترعي الإِنتباه:
يبدو بوضوح ـ من الآيات المذكورة ـ مدى الأهمية التي يوليها الإِسلام للمجتمعات الكبيرة، والأماكن المزدحمة بالسكان، والجميل في الأمر أنّ الإِسلام قد نهض وبزغ نوره من محيط متخلف، محيط لا تشم منه رائحة التمدن والتطور، إلاّ أنّه في الوقت نفسه يهتم اهتماماً خاصّاً بالعوامل البناءة التي تنهض بالمجتمع، وتحلّق به في أجواء التطور والرقي، فنراه يقرر أنّ هؤلاء الذين يعيشون في مناطق نائية عن المدينة أكثر تخلفاً من أهل المدن، لأنّهم لا يملكون الوسائل الكافية للتعليم والتربية فتخلفوا، ولهذا نقرأ في نهج البلاغة قول أميرالمؤمنين(عليه السلام): «الزموا السواد الأعظم، فإنّ يدالله مع الجماعة»(1).
إِلاّ أنّ هذا الكلام لا يعني أن يتجه كل الناس إِلى المدن، ويتركوا القرى ـ التي هي أساس عمران المدن ـ تعبث بها يد الخراب، بل يجب السّعي في إيصال علم وتقدم المدينة إِلى القرية، وتقوية أُسس التربية والتعليم وأُصول الدين والوعي ونشرها بين صفوف القرويين.
ولا شك أنّ سكان القرى إِذا تُركوا على حالتهم ولم تفتح عليهم نافذة من العلوم المدنية وآيات الكتب السماوية، وتعليمات وتوجيهات النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والهداة الكرام، فسيحل بهم الكفر والنفاق سريعاً ويأخذ منهم مأخذاً عظيماً. إنّ هؤلاء لهم استعداد أكبر لقبول التربية السليمة والتعليم الصحيح لصفاء قلوبهم، وبساطة أفكارهم، وقلّة انتشار المكر والمراوغة التي تعم المدن بينهم.
(1) نهج البلاغة، الخطبة 127.
إِنّ كلمة (الأعرابي) وإِن كانت تعني ساكن البادية، إلاّ أنّها استعملت بمعنى أوسع في الأخبار والرّوايات الإِسلامية، وبتعبير آخر: فإنّ مفهومها الإِسلامي لا يرتبط أو يتحدد بالمنطقة الجغرافية التي يشغلها الأعراب، بل تعبر عن منهجية في التفكير، فإنّ من كان في منآى عن الآداب والسنن والتربية الإِسلامية فهو من الاعراب وإن كان سكان المدن، أمّا سكّان البادية الملتزمون بالآداب والسنن الإِسلامية فليسوا بأعراب.
الحديث المشهور المنقول عن الإِمام الصادق(عليه السلام): «من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي»(1) دليل قوي وشاهد واضح على الكلام أعلاه.
وفي خبر آخر نقرأ: «من الكفر التعرب بعد الهجرة».
ونقل أيضاً عن علي(عليه السلام) في نهج البلاغة أنّه خاطب جماعة من أصحابه العاصين لأمره فقال: «واعلموه أنّكم صرتم بعد الهجرة أعراباً»(2)
في الحديثين أعلاه جعل «التعرب» مقابل «الهجرة»، وإذا لاحظنا أنّ للهجرة أيضاً مفهوماً واسعاً لا يتحدد بالجانب المكاني، بل إِنّ أساسها انتقال الفكر من محور الكفر إِلى محور الإِيمان، اتّضح معنى كون الفرد أعرابياً، أي أنّه يعني الرجوع عن الآداب والسنن الإِسلامية إِلى الآداب والعادات الجاهلية.
3 ـ نطالع في الآية المذكورة أعلاه الواردة في حق المؤمنين من الأعراب، أنّ هؤلاء يعتبرون إنفاقهم أساس القرب من الله تعالى، خاصّة وأنّ هذه الكلمة قد وردت بصيغة الجمع (قربات)، وهي توحي أنّ هؤلاء لا يبتغون من إِنفاقهم قربة واحدة، بل قربات.
(1) تفسير نور الثقلين، ج 2، ص 254.
(2) نهج البلاغة، الخطبة القاصعة، ص 192.
وممّا لا شك فيه أنّ القرب والقربة بالنسبة إِلى الله سبحانه وتعالى لا تعني القرب المكاني، بل القرب المقامي، أي السير إلى الذات المقدسة والكمال المطلق والتعرض لأنوار صفات جماله وجلاله وفي دائرة الفكر والروح.
* * *
وَالسَّـبِقُونَ الاَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَجِرِينَ وَالاَْنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَـنِ رَّضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّـت تَجْرِى تَحْتَهَا الاَْنْهَـرُ خَـلِدينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الْفَوزُ الْعَظِيمُ (100)
بالرغم من أن المفسّرين قد نقلوا أسباباً عديدة للنزول، إلاّ أنّ أيّاً منها ـ كما سنرى ـ ليس سبباً للنزول، بل إنّها في الواقع بيان المصداق والوجود الخارجي لها.
على كل حال، فإنّ هذه الآية ـ التي وردت بعد الآيات المتحدثة عن حال الكفار والمنافقين ـ تشير إِلى مجموعات وفئات مختلفة من المسلمين المخلصين، وقسمتهم إِلى ثلاثة أقسام:
الأوّل: السابقون في الإِسلام والهجرة: (والسابقون الأولون من المهاجرين).
الثّاني: السابقون في نصرة وحماية النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه المهاجرين: (والأنصار).
الثّالث: الذين جاؤوا بعد هذين القسمين واتبعوا خطواتهم ومناهجهم، وقبولهم الإِسلام والهجرة، ونصرتهم للدين الإِسلامي، فإنّهم ارتبطوا بهؤلاء السابقين: (والذين اتبعوهم باحسان)(1).
ممّا قلناه يتبيّن أنّ المقصود من «بإحسان» في الحقيقة هو بيان الأعمال والمعتقدات لهؤلاء السابقين إِلى الاسلام التي ينبغي اتباعها، وبتعبير آخر فإنّ (إحسان) وصف لبرامجهم التي تُتَّبَع.
وقد احتمل أيضاً في معنى الآية أنّ (إِحسان) بيان لكيفية المتابعة، أي أن هؤلاء يتبعونهم بالصورة اللائقة والمناسبة. ففي الصورة الأُولى الباء في (بإحسان) بمعنى (في)، وفي الصورة الثّانية بمعنى (مع). إلاّ أنّ ظاهر الآية مطابق للتفسير الأوّل.
وبعد ذكر هذه الأقسام الثّلاثة قالت الآية: (رضي الله عنهم ورضوا عنه).
إن رضى الله سبحانه وتعالى عن هؤلاء هو نتيجة لإيمانهم وأعمالهم الصالحة التي عملوها، ورضاهم عن الله لما أعد لهم من الجزاء والعطايا المختلفة التي لا تدركها عقول البشر. وبتعبير آخر، فإنّ هؤلاء قد نفذوا كل ما أراده الله منهم، وفي المقابل أعطاهم الله كل ما أرادوا، وعلى هذا فكما أنّ الله سبحانه راض عنهم، فإنّهم راضون عن الله تعالى.
ومع أنّ الجملة السابقة قد تضمنت كل المواهب والنعم الإِلهية، المادية منها والمعنوية، الجسمية والروحية، لكن الآية أضافت من باب التأكيد، وبيان التفصيل بعد الإِجمال: (وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار) ومن إمتيازات هذه النعمة أنّها خالدة، وسيبقى هؤلاء (خالدين فيها) وإذا نظرنا إِلى مجموع هذه المواهب المادية والمعنوية أيقنا أن (ذلك الفوز العظيم).
(1) لقد عدّ الكثير من المفسّرين (من) الواردة في جملة (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار)تبعيضية، وظاهر الآية أيضاً كذلك، لأن حديث الآية عن طلائع الإِسلام والسابقين إِليه، لا عن جميع المسلمين. أمّا الباقون فإنّهم يدخلون في مفهوم الجملة التالية، أي: (التابعون).
أيّ فوز أعلى وأكبر من أن يدرك الإِنسان أن خالقه ومعبوده ومولاه قد رضي عنه، وقد وقّع على قبول أعماله؟ وأي فوز أعلى من أن يحصل الإِنسان على مواهب خالدة نتيجة أعمال محدودة يعملها في أيّام هذا العمر الفاني؟
* * *
في كل ثورة اجتماعية جبارة تقوم ضد أوضاع المجتمع الفاسدة، فإنّ طلائع الثورة هم أعمدتها، وعلى عاتقهم يقع حملها وثقلها، وهؤلاء في الحقيقة هم أوفى عناصر الثورة، لأنّهم نصروا قائدهم وقدوتهم في أحلك الظروف والتفوا حوله في ساعات المحنة والوحدة رغم أنّهم محاصرون وتحيط بهم أنواع الأخطار إلاّ أنّهم لم يتخلوا عن دعمهم ونصرتهم وتضحيتهم. خاصّة وإن مطالعة تاريخ صدر الإِسلام تعطي صورة واضحة عن مدى ضخامة المشاكل التي واجهها السابقون والرعيل الأوّل من المسلمين!
كيف كانوا يؤذونهم ويعذبونهم لكنّهم لم يصرخوا ولم يتأوهوا رغم شدة آلامهم، كانوا يتهمونهم، يسحبونهم بالسلاسل، وبالتالي يقتلونهم. ورغم كل ذلك، فإنّ هؤلاء قد وضعوا قدماً في هذا السبيل بإرادة حديدية، وعشق ملتهب، وعزم راسخ، وإيمان عميق، ووطنوا أنفسهم على تحمل أنواع المخاطر والمصاعب.
ومن بين هؤلاء كان سهم المهاجرين الأوّلين هو الأرجح، ومن بعدهم الأنصار الأوائل، أي الذين دعوا النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إِلى المدينة واستقبلوه برحابة وأسكنوا أصحابه واعتبروهم كإخوانهم، ودافعوا عنهم بكل وجودهم، بل قدموهم حتى على قومهم. وإذا كانت الآية أعلاه قد أولت هذين القسمين اهتماماً خاصاً، فلهذه العوامل.
إِلاّ أنّ القرآن الكريم في الوقت نفسه ـ كما هي طريقته دائماً ـ لم يبخس حقّ الآخرين، وذكر كل الأقسام والفئات الأُخرى الذين التحقوا في عصر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أو الأعصار التالية، والذين هاجروا، أو آووا المهاجرين ونصروهم تحت عنوان (التابعين بإحسان)، وبشر الجميع بالأجر والجزاء الحسن.
اصطلح جماعة من العلماء على أنّ كلمة «التابعين» تعني تلامذة الصحابة، وجعلوها من مختصاتهم، أي أُولئك الذين لم يروا النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، لكنّهم تصدوا لإكتساب العلوم الإِسلامية ووسعوها، وبعبارة أُخرى: إنّهم اكتسبوا علومهم الإِسلامية من صحابة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم).
ولكن مفهوم الآية ـ كما قلنا قبل قليل ـ من الناحية اللغوية وإلاّ ينحصر بهذه المجموعة ولا يختص بها، بل يشمل كل الفئات والمجموعات التي اتبعت برامج وأهداف الطلائع الإِسلامية والسابقون إِلى الإِسلام في كل عصر وزمان.
وتوضيح ذلك أنّه على خلاف ما يعتقده البعض من أن الهجرة والنصرة ـ اللتين هما من المفاهيم الإِسلامية البناءة ـ مختصتان بعصر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّهما توجدان في كل عصر ـ وحتى في عصرنا الحاضر ـ ولكن بأشكال أُخرى، وعلى هذا فإنّ كل الأفراد الذين يسيرون في هذا المسير ـ مسير الهجرة والنصرة ـ يدخلون تحت هذين المفهومين.
إِذن، المهم أن نعلم أن القرآن الكريم بذكره كلمة (إِحسان) يؤكّد على أن اتباع خط السابقين إِلى الإِسلام، والسير في طريقهم يجب أن لا يبقى في حدود الكلام والإدعاء، بل وحتى مجرّد الإِيمان الخالي من العمل، بل يجب أن تكون هذه المتابعة أو الإِتباعاً إتباعاً فكرياً وعملياً وفي كل الجوانب.
إنّ أكثر المفسّرين يطرح هنا سؤالا ـ لمناسبة بحث الآية ـ وهو: من هو أوّل من أسلم، وثبت هذا الإفتخار العظيم باسمه في التاريخ؟
وفي جواب هذا السؤال، فقد قالوا بالإجماع، إنّ أوّل من أسلم من النساء خديجة زوجة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) الوفية المضحية. وأمّا من الرجال فكل علماء الشيعة ومفسريهم، وفريق كبير من أهل السنة قالوا: إنّ عليّاً(عليه السلام) أوّل من أسلم ولبّى دعوة النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم).
إنّ اشتهار هذا الموضوع بين علماء أهل السنة بلغ حداً إدّعى جماعة منهم الإجماع عليه واتفقوا على ذلك. ومن جملة هؤلاء الحاكم النيسابوري في (المستدرك على الصحيحين) وفي كتاب (المعرفة)، فإنّه يقول في ص 22: لا أعلم خلافاً بين أصحاب التواريخ أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه أوّلهم إِسلاماً، وإنّما اختلفوا في بلوغه(1).
وكتب ابن عبد البر في (الإِستيعاب) ج2، ص 457: اتفقوا على أنّ خديجة أوّل من آمن بالله ورسوله وصدقه فيما جاء به، من علي بعدها(2).
وكتب أبو جعفر الإسكافي: قد روى الناس كافة افتخار علي بالسبق إِلى الإِسلام.(3)
![]() |
![]() |
![]() |