![]() |
![]() |
![]() |
ثمّ يشير القرآن إِلى وضع فئة أُخرى في مقابل هذه الفئة، فيقول: (إِنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربّهم بإِيمانهم) فإِنّ نور الهداية الإِلهية الذي ينبعث
من نور إِيمانهم يضيء كل آفاق حياتهم، وقد اتّضحت لهم الحقائق باشراقات هذا النور بحيث لم تعد شراك المذاهب المادية وزبارجها، ولا الوساوس الشيطانية وبريق المطامع الدنيوية قادرة على التعتيم على افكارهم ودفعهم في طريق الإِنحراف عن الصواب والحق.
إِنّ وضع هؤلاء في الحياة الأُخرى أنّهم (تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم).
إِنّ هؤلاء يرفلون في محيط مملوء بالصلح والصفاء وعشق الله وأنواع النعم، ففي كل وقت تنير وجودهم نفحة ورشحة من ذات الله وصفاته، فإِنّ (دعواهم فيها سبحانك اللّهم) وكلما التقى بعضهم بالآخر فإِنّهم يتحدثون عن الصفاء والسلام (وتحيّتهم فيها سلام) وأخيراً فإِنّهم كلّما إلتذوا بنعم الله المختلفة شكروا ذلك (وآخر دعواهم أن الحمد لله ربّ العالمين).
* * *
1 ـ المقصود من لقاء الله الذي جاء في الآية الأُولى ليس هو اللقاء الحسي قطعاً، بل المقصود أنّ الإِنسان إِضافةً إِلى الحصول على الثواب وعطايا الله، فإِنّه يشعر يوم القيامة بنوع من الحضور القلبي بالنسبة للذات المقدسة، لأنّه حينئذ سيرى آيات الله وعلاماته بصورة أوضح في كل مكان، وسيحصل على رؤية وإدراك جديد لمعرفته(1).
2 ـ إِنّ الحديث في قوله تعالى: (يهديهم ربّهم بإِيمانهم) عن هداية الإِنسان في
(1) لمزيد التوضيح راجع المجلد الأوّل من تفسيرنا هذا ذيل الآية (46) من سورة البقرة.
ظل الإِيمان، وهذه الهداية لا تختص بعالم الآخرة، بل إِنّ الإِنسان ينجو بنور إِيمانه في هذه الدنيا من كثير من الإِشتباهات والخدع والأخطاء والمعاصي المتولّدة من الطمع والأنانية والأهواء، وسوف يحدد طريقه إِلى الجنّة في الآخرة في ظلّ إِشعاع هذا الإِيمان كما يقول القرآن: (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم)(1).
وفي حديث عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «إِنّ المؤمن إِذا خرج من قبره صُوّر له عمله في صورة حسنة فيقول له: أنا عملك، فيكون له نوراً وقائداً إِلى الجنّة»(2).
3 ـ ورد في هذه الآيات: (تجري من تحتهم الأنهار) في الوقت الذي عبرت آيات أُخرى من القرآن بـ(تجري من تحتها الأنهار)، وبتعبير آخر، فإِنّنا نقرأ في مواضع أُخرى أنّ الأنهار تجري من تحت أشجار الجنّة، أمّا هنا فإِنّ الأنهار تجري من تحت أهل الجنّة!.
إِنّ هذا التعبير يمكن أن يشير إِلى أنّ قصور أهل الجنّة قد تكون مبنيّة على الأنهار، وهذا يضفي عليها جمالا خارقاً.
وقد يشير إِلى أنّ أنهار الجنّة مسخرّة لأوامرهم وفي قبضتهم، كما نقرأ في قصّة فرعون أنّه كان يقول: (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي)(3).
وقد احتمل كذلك أن تكون «تحت» بمعنى «بين أيدي» أي أن أنهار الماء تجري مقابلهم.
4 ـ ممّا يلفت النظر أن آخر آية من الآيات قيد البحث تشير إِلى ثلاث حالات، أو ثلاث نعم كبيرة لأهل الجنّة:
(1) الحديد، 12.
(2) تفسير الفخر الرازي، الجزء 17، ص 40.
(3) الزخرف، 52.
الحالة الأُولى: هي حالة التوجه إِلى ذات الله المقدسة، والبهجة التي تحصل لهم نتيجة هذا التوجه لايمكن مقارنتها بأية لذّة أُخرى.
الحالة الثّانية: اللّذة التي تحصل نتيجة الإِرتباط بالمؤمنين الآخرين في ذلك المحيط المفعم بالودّ والتفاهم، وهذه اللّذة هي أحلى لذّة بعد لذة التوجه إِلى الله سبحانه.
الحالة الثّالثة: اللّذة التي تحصل من التمتع بأنواع نعم الجنّة، وهي تدفعهم إِلى التوجه إِلى الله أيضاً، وبالتالي حمده وشكره. (فتأمل بدقة)
* * *
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشِّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَيَرْجُونَ لِقَآءَنا فِى طُغْيَنِهِمْ يَعْمَهُونَ(11)وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ(12)
الكلام في هذه الآيات يدور كذلك حول عقاب المسيئين، فتقول الآية الأُولى بأنّ الله سبحانه إِذا جازى المسيئين على أعمالهم بنفس العجلة التي يجب بها هؤلاء تحصيل النعم والخير، فستنتهي أعمار الجميع ولا يبقى لهم أثر: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إِليهم أجلهم). إلاّ أنّ لطف الله سبحانه لما كان شاملا لجميع العباد، حتى المسيئين والكافرين والمشركين، فلا يمكن أن يعجل بعذابهم وجزائهم لعلهم يعون ويتوبون، ويرجعون عن الضلال إِلى الحق والهدى.
هذا إِضافةً إِلى أنّ الجزاء إِذا ما تمّ بهذه السرعة فإِنّه يعني زوال حالة الإِختبار التي هي أساس التكليف تقريباً، وستتصف طاعة المطيعين بالجبر والإِضطرار، لأنّهم بمجرّد أن يعصوا فسيلاقون جزاءهم الأليم فوراً.
واحتُمل أيضاً في تفسير هذه الآية أنّ جماعة من الكفار العنودين، الذين تحدث القرآن عنهم مراراً، كانوا يقولون للأنبياء: إِذا كان ما تقولونه حقّاً، فادعوا الله أن ينزل عليناً البلاء، فاذا استجاب الله تعالى دعوة هؤلاء ما كان ليبقى من هؤلاء أحد.
لكن يبدو أنّ التّفسير الأوّل هو الأقرب.
وفي الختام تقول الآية: يكفي عقاباً لهؤلاء أن نتركهم وشأنهم ليبقوا في حيرتهم، فلا هم يميزون الحق من الباطل، ولا هم يجدون سبيل النجاة من متاهاتهم: (فنذر الذين لايرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون).
عند ذلك تشير الآية إِلى وجود نور التوحيد في فطرة الانسان وأعماق روحه وتقول: (وإذا مسّ الإنسان الضرّ دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً).
نعم ... إِنّ خاصية المشاكل والشدائد الخطيرة، أنّها تزيل الحجب عن فطرة الإِنسان الطاهرة، وتحرق في فرن الحوادث كل الطبقات السوداء التي غطت هذه الفطرة، ويسطع عندها ـ ولو لمدّة قصيرة ـ نور التوحيد.
ثمّ تقول الآية: إِنّ هؤلاء الأفراد الى درجة من الجهل وضيق الاُفق بحيث أنّهم يعرضون بمجرّد كشف الضرّ عنهم، حتى كأنّهم لم يدعونا ولم نساعدهم: (فلمّا كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إِلى ضرّ مسّه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون).
أمّا من الذي يزين لهم أعمالهم؟ فقد بحثنا ذلك في ذيل الآية (122) من سورة الأنعام، ومجمل الكلام هو:
إِنّ الله سبحانه هو الذي يزين الأعمال، وذلك بجعل هذه الخاصية في الأعمال
القبيحة والمحرّمة، بحيث أن الإِنسان كلما تلوّث بها أكثر، فإنّه سيتطبع عليها، وبمرور الزمن يزول قبحها تدريجياً، بل وتصل الحال إِلى أن يراها حسنة وجميلة.
وأمّا لماذا سمّت الآية أمثال هؤلاء «مسرفين» فلأنّه لا إِسراف أكثر من أن يهدر الإِنسان أهم رأس مال في وجوده، إلاّ وهو العمر والسلامة والشباب والقوى، ويصرفه في طريق الفساد والمعصية، أو في طريق تحصيل متاع الدنيا التافه الفاني، ولايربح من ذلك شيئاً.
ألا يعد هذا العمل إِسرافاً، وأمثال هؤلاء مسرفين؟
* * *
وهنا يجب الإِلتفات إِلى نقطة مهمّة:
لقد وردت حول الإِنسان تعبيرات مختلفة في القرآن الكريم:
فعبّرت عنه آيات كثيرة أنّه «بشر» وعبّرت عنه آيات متعددة بالإِنسان، وفي آيات أُخرى «بنى آدم»، والعجيب أنّ في كثير من الآيات التي عبّرت عنه بالإِنسان، ذكرت صفاته المذمومة وغير الحميدة.
فقد عرفته هذه الآيات بأنّه موجود كثير النسيان وناكر للجميل، وفي آية أُخرى بأنّه موجود ضعيف: (وخلق الإِنسان ضعيفاً)(1) ، وفي آية أُخرى بأنّه ظالم وكافر: (إِن الإِنسان لظلوم كفار)(2)، وفي موضع آخر أنّه بخيل: (وكان الإِنسان قتوراً)(3)، وفي موضع آخر أنّه عجول: (وكان الإنسان عجولا)(4) وفي مكان(1) النساء، 38.
(2) إِبراهيم، 34.
(3) الإِسراء، 100.
(1) الإسراء، 11.
آخر أنّه كفور: (وكان الإِنسان كفوراً)(1)، وفي مورد آخر أنّه موجودكثير الجدل: (وكان الإِنسان أكثر شيء جدلا)(2).
وفي موضع آخر أنّه ظلوم جهول: (إِنّه كان ظلوماً جهولا)(3)، وفي مكان آخر أنّه كفور مبين: (إِن الإِنسان لكفور مبين)(4)، وفي مكان آخر أنّه موجود قليل التحمل والصبر، يبخل عند النعمة، ويجزع عند البلاء: (إِن الإِنسان خلق هلوعاً إِذا مسّه الشر جزوعاً وإِذا مسّه الخير منوعاً)(5)، وفي مورد آخر مغرور: (يا أيّها الإنسان ماغرك بربك الكريم)(6)، وفي موضع آخر أنّه موجود يطغى عند الغنى: (إِن الإِنسان ليطغى أن رآه ا(7)ستغنى).
وبناء على هذا فإنّا نرى القرآن المجيد قد عرّف الإِنسان بأنّه موجود يتضمّن جوانب وصفات سلبية كثيرة، ونقاط ضعف متعددة.
فهل أنّ هذا هو نفس ذلك الإِنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم وأفضل تكوين: (لقد خلقنا الإِنسان في أحن تقويم)(8)؟
وهل أن هذا هو نفس الإِنسان الذي علمه الله مالم يعلم: (علم الإِنسان مالم يعلم)(9)؟
(1) الإِسراء، 67.
(2) الكهف، 54.
(3) الأحزاب، 72.
(4) الزخرف، 19.
(5) المعارج ، 19 ـ 21.
(6) الأنفطار، 6.
(7) العلق ، 6.
(8) سورة التين، 4.
(9) العلق، 5.
وهل هو نفس الإِنسان الذي علمه الله البيان: (خلق الإِنسان علمه البيان)(1).
وأخيراً، فهل أنّ هذا هو الإِنسان الذي حثّه الله على السعي والكدح في المسير إِلى الله: (يا أيّها الإِنسان إِنّك كادح إِلى ربّك كدحاً)(2).
يجب أن نرى من هم الذين تتكرّس فيهم كل نقاط الضعف هذه، بالرغم من كل هذه الكرامة والمحبة الإِلهية؟
الظاهر أنّ هذه المباحث تتعلق بمن لم ينشأ في حجر القادة الإلهيين، بل نشأ ونما كما تنمو الأعشاب، فلا معلم ولا دليل، وقد اطلق العنان لشهواته وغاص وسط الأهواء والميول.
من الطبيعي أنّ مثل هذا الإِنسان لا يستفيد من إِمكاناته وثرواته العظيمة، ويسخرها في طريق الإِنحرافات والأخطاء، وعند ذلك سيظهر كموجود خطر، وفي النهاية عاجز وبائس. وإِلاّ فالانسان الذي يستفيد من وجود القادة الإِلهيين، ويستغل فكره في مسير الحركة التكاملية والحق والعدل، فإِنّه يخطو نحو مرتبة الآدمية، ويستحق اسم «بني آدم» ويصل إِلى درجة لا يرى فيها إلاّ الله سبحانه، كما يقول القرآن: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)(3).
* * *
(1) الرحمن، 3.
(2) الإِنشقاق، 6.
(3) الإِسراء، 70.
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِى الْقَوْمَ الُْمجْرِمِينَ(13) ثُمَّ جَعَلْنَكُمْ خَلئِفَ فِى الأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ(14)
تشير هذه الآيات أيضاً إِلى معاقبة الأفراد الظالمين والمجرمين في هذه الدنيا، وقد نبّهت المسلمين ـ بعد أن أطلعتهم على تاريخ من قبلهم ـ إِلى أنّهم إِذا سلكوا نفس طريق هؤلاء، فسينتظرهم نفس المصير.
فالآية الأُولى تقول: (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا) ثمّ تضيف: (كذلك نجزي القوم المجرمين).
ثمّ تبيّن الآية التالية هذا الأمر بصورة أكثر صراحة، وتقول: (ثمّ جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون).
* * *
1 ـ إنّ كلمة «قرون» ـ جمع قرن ـ تستعمل عادة بمعنى الزمان الطويل ، ولكن حسب ما قاله علماء اللغة فإِنّها جاءت أيضاً بمعنى القوم والجماعة الذين يعيشون في عصر واحد، لأنّ مادتها الأصلية بمعنى الإِقتران والقرب، والمراد هنا في هذه الآية هو المعنى الأخير ، أي: الجماعات والأقوام الذين يعيشون في عصر واحد.
2 ـ لقد ذكرت الآيات ـ أعلاه ـ أنّ سبب فناء وهلاك الأقوام السابقة هو الظلم، وذلك لأنّ للفظ الظلم من المفهوم والمعنى الجامع مايدخل ضمنه كل نوع من الذنب والفساد.
3 ـ يستفاد من جملة: (وما كانوا ليؤمنوا) أنّ الله سبحانه يهلك فقط أُولئك الذين لا أمل في إِيمانهم حتى في المستقبل، وعلى هذا فإِنّ الأقوام التي يمكن أن تؤمن في المستقبل لا يشملها مثل هذا العقاب، لأنّ الفرق كبير بين أن يقال: لم يؤمنوا، وبين أن يقال: لم يكونوا يؤمنون (فتدبّر) .
4 ـ إِنّ جملة (لننظر كيف تعملون) لا تعني النظر بالعين الباصرة قطعاً، ولا تعني التفكر والنظر القلبي، لأنّ الله سبحانه منزّه عن كليهما، بل المراد منها أنّها حالة شبيهة بالإِنتظار، أي إِنّنا سنترككم وأنفسكم ثمّ ننتظر ماذا تعملون؟
* * *
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ أَيَاتُنَا بَيِّنَت قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ائْتِ بِقُرْءَان غَيْرِ هَذَآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآىءِ نَفْسِى إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يُوْم عَظِيم(15) قُل لَّوْ شْآءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ(16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمِّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِأَيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الُْمجْرِمُونَ(17)
قال بعض المفسّرين: إِنّ هذه الآيات نزلت في عدّة نفر من عبدة الأوثان، ذلك أنّهم أتوا إِلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا له: إِنّ ما ورد في هذا القرآن من الأمر بترك عبادة اصنامنا الكبيرة، اللات والعزّى ومناة وهبل، وذم هذه الآلهة، ممّا لا يمكن أن نتحمله، فإِذا أردت أن نتبعك فَأْتِ بقرآن آخر لا يوجد فيه هذا الذم والتوبيخ
لآلهتنا، أو غيّر على الأقل هذه الأُمور التي وردت في هذا القرآن! فنزلت هذه الآيات وأجابتهم.
كتعقيب للآيات السابقة التي كانت تتحدث عن المبدأ والمعاد، تبحث هذه الآيات نفس الموضوع والمسائل المتعلقة به.
في البداية تشير إِلى واحد من الإِشتباهات الكبيرة لعباد الأصنام، وتقول: (وإِذا تتلى عليهم أياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله).
إِنّ هؤلاء الجهلة العاجزين لم يرضوا بالنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قائداً ومرشداً لهم، بل كانوا يدعون لاتباع خرافاتهم وأباطيلهم ويطلبون منه قرآناً يوافق انحرافاتهم ويؤيدها، لا أنّه يصلح مجتمعهم، فبالاضافة الى أنّهم لم يؤمنوا بالقيامة، ولم يشعروا بالاثمّ في مقابل أعمالهم كان قولهم هذا يدل على أنّهم لم يفهموا معنى النّبوة، أو أنّهم كانوا يتخذونها هزواً.
إِنّ القرآن الكريم يلفت نظر هؤلاء الى هذا الإِشتباه الكبير، ويأمر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أن يقول لهم: (قل مايكون لي أن أبدّله من تلقاء نفسي)(1) ثمّ يضيف للتأكيد: (إِن اتبع إلاّ مايوحى إِليّ). ولست عاجزاً عن تغيير أو تبديل هذا الوحي الإلهي ـ فحسب ـ بل: (إِنّي أخاف إِن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم).
ثمّ تتطرق الآية التالية إِلى دليل هذا الموضوع وتقول: قل لهم بأنّي لست مختاراً في هذا الكتاب السماوي: (قل لو شاء الله وما تلوته عليكم ولا أدراكم به)والدليل على ذلك (فقد لبثت فيكم عمراً من قبله) لكنّكم لم تسمعوا منّي مثل هذا
(1) كلمة (تلقاء)مصدر أو اسم مصدر وجاءت بمعنى المقابلة والمحاذاة، وفي الآية وأمثالها بمعنى الناحية والعندية والجهة، أي إِنني لا أستطيع تغيير ذلك من ناحيتي، أو من عندي.
الكلام مطلقاً، ولو كانت هذه الآيات من عندي لتحدثت بها لكم خلال هذه الأربعين سنة، فهل لا تدركون أمراً بهذه الدرجة من الوضوح: (أفلا تعقلون).
وكذلك، ومن أجل التأكيد يضيف: بأنّي أعلم أنّ أقبح أنواع الظلم هو أن يفتري الإِنسان على الله الكذب: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً) وعلى هذا فكيف يمكن أن أرتكب مثل هذا الذنب الكبير ؟ ! .
وكذلك فإِنّ التكذيب بآيات الله سبحانه من أشدّ الكبائر وأعظمها: (أو كذب بآياته) فإِذا كنتم جاهلين بعظمته ما ترتكبونه من الاثمّ في تكذيب وإِنكار آيات الحق، فإِنّي لست بجاهل بها، وعلى كل حال فإِنّ عملكم هذا جرم كبير، و (إنّه لايفلح الظالمون).
* * *
1 ـ إِنّ المشركين كانوا يطلبون من النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إِمّا أن يستبدل القرآن بكتاب آخر، أو يبدله، والفرق واضح بين الاثنين، ففي الطلب الأوّل كان هدفهم هو اقتلاع وجود هذا الكتاب تماماً ليحل محله كتاب آخر من طرف النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، أمّا في الطلب الثّاني فكانوا يريدون على الأقل أن تبدل الآيات التي تخالف أصنامهم حتى لايشعروا بأي ضيق وانزعاج من هذه الناحية.
ونحن نرى كيف أنّ القرآن الكريم أجابهم بلهجة قاطعة بأنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ليس له أي اختيار وتصرف في التبديل، ولا التغيير، ولا تسريع نزول الوحي أو تأخره.
وندرك من ذلك حماقة وغباء هؤلاء فهم يقبلون بالنّبي الذي يتبع خرافاتهم وأهواءهم، لا القدوة والمربي والقائد والدليل! .
2 ـ ممّا يستحق الإِنتباه، أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في الإِجابة عن الطلبين اكتفى بذكر عدم القدرة بتنفيذ الطلب الثّاني وقال: إِنّي لا أستطيع أن أغيره من تلقاء نفسي، وبهذا
البيان يكون قد نفى الطلب الأوّل بطريق أولى، لأنّ تغيير بعض الآيات إِذا كان خارجاً عن حدود صلاحية النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فهل بامكانه تبديل كل هذا الكتاب السماوي؟
إِنّ هذا نوع من الفصاحة في التعبير، حيث أنّ القرآن الكريم يعيد ويكرر كل المسائل في غاية الضغط والإِختصار في العبارة، بدون جملة أو كلمة زائدة إِضافية.
3 ـ يمكن أن يقال: إِنّ الدليل المذكور في الآيات ـ أعلاه ـ على أنّ القرآن ليس من النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّه حتماً من الله سبحانه، ليس مقنعاً. فما هو وجه الملازمة في أنّ هذا الكتاب إِذا كان من النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فلابدّ أن يكون قد سُمعت منه نماذج ومقاطع من قبل؟
إِلاّ أنّ جواب هذا السؤال واضح بأدنى دقة وتأمل، لأنّ النبوغ الفكري وقدرة و الإِكتشاف والإِبداع في الإِنسان ـ حسب ما قاله علماء النفس ـ يبدأ من سن العشرين ويصل كحد أقصى إِلى سن الخامسة والثلاثين أو الأربعين، أي إِن الإِنسان اذا لم يُقدم حتى ذلك الوقت على إِبداع وابتكار عمل جديد، فلايمكنه بعد هذا السن غالباً.
إِنّ هذا الموضوع الذي يعتبر اليوم كشفاً نفسياً لم يكن في الماضي واضحاً إِلى هذا الحدّ، إِلاّ أنّ أغلب الناس يعلمون هذا الموضوع بهداية الفطرة، بأن من غير الممكن أن يكون للإِنسان معتقد ويعيش بين قوم، ولا يُظهر ذلك مطلقاً. والقرآن الكريم قد استند أيضاً إِلى هذا الأساس وهو: كيف يستطيع النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إِلى هذا العمر أن يمتلك مثل هذه الأفكار ويكتمها الى ذلك الوقت؟
4 ـ كما أشرنا في ذيل الآية (21) من سورة الأنعام، فإنّ القرآن قد عرّف في موارد كثيرة جماعة من الناس بأنّهم «أظلم» وربّما يبدو لأوّل وهلة أن هناك تناقضاً، فإِنّا إِذا وصفنا جماعة بأنّهم أظلم ، فكيف يمكن أن تتقبل مجموعة أُخرى
هذه الصفة ؟
وقد قلنا في جواب هذا السؤال: إِنّ كل هذه العناوين ترجع إِلى عنوان واحد، وهو مسألة الشرك والكفر والعناد والإِفتراء والتكذيب بالآيات الإِلهية، وفي الآيات التي نبحثها، تنحدر من هذا الأصل أيضاً. (لمزيد التوضيح راجع تفسير الآية (21) من سورة الأنعام).
* * *
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلآءِ شُفَعَؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَيَعْلَمُ فِى السَّمَوَاتِ وَلاَ فِى الأَرْضِ سُبْحَنَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(18)
واصلت الآية الحديث عن التوحيد أيضاً، وذلك عن طريق نفي أُلوهية الأصنام، وذكرت عدم أهلية الأصنام للعبادة وأنتفاء قيمتها وأهميتها: (ويعبدون من دون الله ما لايضرهم ولا ينفعهم).
من البديهي أن الأصنام ـ حتى لو فرضنا أنّها منشأ الضر والنفع والربح والخسارة ـ ليست لها لياقة أن تكون معبودة، إلاّ أنّ القرآن الكريم يريد بهذا التعبير أن يوضح هذه النقطة، وهي أنّ عبدة الأصنام لايمتلكون أدنى دليل على صحة هذا العمل، ويعبدون موجودات لا خاصية لها مطلقاً، وهذه أقبح وأسوأ عبادة.
ثمّ تتطرق إِلى إِدعاءات عبدة الأوثان الواهية، (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند
الله) أي إِنّ هذه الأصنام والآلهة تستطيع بشفاعتها أن تكون سبباً للضر والنفع رغم عجزها عن أي عمل بصورة مستقلة.
لقد كان الإِعتقاد بشفاعة الأصنام أحد أسباب عبادتها، وكما جاء في التواريخ، فإِنّ عمرو بن لحي كبير العرب عندما ذهب إِلى المياه المعدنية في الشام لمعالجة نفسه بها، جلب انتباهه وضع عبدة الأصنام، ولما سأل منهم عن الباعث على هذا العمل والعبادة، قالوا له: إِنّ هذه الأصنام هي سبب نزول الأمطار، وحل المشاكل، ولها الشفاعة بين يدي الله، ولما كان رجلا خرافياً وقع تحت تأثير هذه الأجوبة، وطلب منهم بعض الأصنام ليأخذها إِلى الحجاز، وعن هذا الطريق راجت عبادة الأصنام بين أهل الحجاز.
إِنّ القرآن يقول في دفع هذا الوهم: (قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض) وهو كناية عن أن الله سبحانه لو كان له مثل هؤلاء الشفعاء. فإِنّه يعلم بوجودهم في أي نقطة كانوا من السماء والأرض، لأنّ سعة علم الله لا تدع أصغر ذرة في السماء والأرض إلاّ وتحيط بها علماً.
وبتعبير آخر، إن ذلك يشبه تماماً ما لو قيل لشخص: أعندك مثل هذا الوكيل؟ وهو في الجواب يقول: لا علم لي بوجود هذا الوكيل، وهذا أفضل دليل على نفيه حيث لايمكن أن لا يعلم الإِنسان بوكيله.
وفي آخر الآية تأكيد لهذا الموضوع حيث تقول: (سبحانه وتعالى عمّا يشركون).
لقد بُحث موضوع الشفاعة بصورة مفصلة في المجاد الأوّل ذيل الآية (46) من سورة البقرة.
* * *
وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ فِيَما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ(19)
إِنّ هذه الآية ـ تتمّة للبحث الذي مرّ في الآية السابقة حول نفي الشرك وعبادة الأصنام ـ تشير إِلى فطرة التوحيد لكل البشر، وتقول: (وما كان الناس إلاّ أُمّة واحدة).
إِنّ فطرة التوحيد هذه، والتي كانت سالمة في البداية، إلاّ أنّها قد اختلفت وتلوّثت بمرور الزمن نتيجة الأفكار الضيقة، والميول الشيطانية والضعف، فانحرف جماعة عن جادة التوحيد وتوجهوا إِلى الشرك، وقد انقسم المجتمع الإِنساني إِلى قسمين مختلفين: قسم موحّد، وقسم مشرك: (فاختلفوا). بناءً على هذا فإِنّ الشرك في الواقع نوع من البدعة والإِنحراف عن الفطرة، الإِنحراف المترشح من الأوهام والخرافات التي لا أساس لها.
وقد يطرح هنا هذا السؤال، وهو: لماذا لا يرفع الله هذا الإِختلاف بواسطة عقاب المشركين السريع، ليرجع المجتمع الإِنساني جميعه موحِّداً؟
ويجيب القرآن الكريم مباشرة عن هذا السؤال بأنّ الحكمة الإلهية تقتضي
حرية البشر في مسير الهداية، فهي رمز التكامل والرقي، ولو لم يكن أمره كذلك فإِنّ الله سبحانه كان سيقضي بينهم في اختلافاتهم: (ولولا كلمة سبقت من ربّك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون).
بناءً على هذا فإِنّ (كلمة) في الآية إِشارة إِلى السنّة وقانون الخلقة الذي يقتضي حرية البشر، لأنّ المنحرفين والمشركين لو كانوا يعاقبون سريعاً ومباشرة، فإِنّ إِيمان الموحّدين سيكون اجبارياً و نتيجة للخوف والرهبة، ومثل هذا الإِيمان لا يُعدُّ فخراً. ولا دليلا على التكامل، والله سبحانه قد أجّل العقاب والجزاء لعالم الآخرة لينتخب الصالحون والطاهرون طريقهم بحرية تامّة.
* * *
وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ أَيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغيْبُ للهِ فَانتَظِرُواْ إِنِّى مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ(20)
مرّة أُخرى يتطرق القرآن الكريم إِلى اختلاق المشركين للحجج عند امتناعهم عن الإِيمان والإِسلام (ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربّه).
من الطبيعي، وبدليل القرائن التي سنشير إِليها بعد حين، أنّ هؤلاء لم يقصدوا أي معجزة، لأنّ من المسلّم أنّه كان للنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إِضافةً إِلى القرآن معاجر أُخرى، وتاريخ الإِسلام وبعض الآيات القرآنية شاهدة على هذه الحقيقة.
إِنّ هؤلاء كانوا يظنون أنّ الإِعجاز أمر بيد النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو يستطيع أن يقوم به في أي وقت وبأية كيفية يريد، مضافاً الى أنّه مأمور أن يستفيد من هذه القوّة مقابل كل مُدّع لجوج معاند والعمل حسب ميله لإقناعه وإِقامة الحجة عليه، ولهذا فإِنّ القرآن الكريم يأمر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة: (فقل إِنّما الغيب لله) وبناء على هذا، فإِنّ المعجزة ليست بيدي لآتيكم كل يوم بمعجزة جديدة إِرضاءً لأهوائكم وحسب ميولكم ورغباتكم، ثمّ لا تؤمنون بعد ذلك بأعذار واهية وحجج ضعيفة.
وفي النهاية تقول الآية بلهجة التهديد: (فانتظروا إِنّي معكم من المنتظرين)فانتظروا العقاب الإِلهي، وأنا أنتظر النصر!
أو كونوا بانتظار ظهور مثل هذه المعجزات، وأكون بانتظار عقابكم أيّها المعاندون!.
* * *
1 ـ كما أشرنا أعلاه فإِنّ كلمة (آية) أي المعجزة ـ وإِن كانت مطلقة وتشمل كل أنواع المعاجز ـ إلاّ أنّ القرائن تبيّن أنّ هؤلاء لم يطلبوا المعجزة لمعرفة صدق النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، بل كانوا طلاب معاجز إِقتراحية، أي إِنّهم كانوا كل يوم يقترحون على النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) معجرة جديدة ويأملون أن يطيعهم في ذلك، فكأنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)إِنسان لا عمل له سوى صنع المعجزات، وهو منتظر لكل من هبّ ودبّ ليقترح عليه شيئاً فيحقق له اقتراحه، غافلين عن أن المعجزة هي من فعل الله سبحانه أوّلا، ولا تتم إِلاّ بأمره وإِرادته، وهي ـ ثانياً ـ معجزة لمعرفة أحقّية النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والإهتداء به، ووقوعها مرّة واحدة كاف لهذا الغرض، وعلاوة على ذلك فإِنّ نبيّ الإِسلام قد أظهر من المعجزات القدر الكافي، فطلب المزيد لا يكون إلاّ بدافع الاقتراحات الأهوائية والشهوانية.
والشاهد على أنّ المقصود من (الآية) هنا المعجزات الإِقتراحية، هو:
أوّلا: إِنّ نهاية الآية تهدد هؤلاء، ولو كانوا يطلبون المعجزة لاكتشاف الحقيقة، فلا وجه لهذا التهديد.
ثانياً: رأينا قبل عدّة آيات أن هؤلاء كانوا عنودين ولجوجين إِلى الحد الذي اقترحوا فيه على النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبدل كتابه السماوي، أو يغير على الأقل الآيات
التي تشير إِلى نفي عبادة الأصنام.
ثالثاً: حسب القاعدة المسلمة لدينا بأنّ «القرآن يفسر بعضه بعضاً» فإِنّا نستطيع أن نفهم جيداً من خلال بعض الآيات ـ كالآيات (90) و (94) من سورة الإِسراء ـ أن عبدة الأصنام اللجوجين هؤلاء، لم يكونوا طلاب معجزة لأجل الهداية، ولهذا نراهم كانوا يقولون أحياناً: نحن لن نؤمن لك حتى تفجر العيون من هذه الأرض اليابسة، ويقول الآخر: إِنّ هذا ليس بكاف، بل يجب أن يكون لك بيت من ذهب، وثالث يقول: وهذا أيضاً لا يقنعنا حتى ترقى في السماء أمام أعيننا، ويضيف رابع أنّ هذا الرقي في السماء ليس كافياً أيضاً إلاّ إذا أتيتنا بكتاب من الله لنا !! وأمثال ذلك من السفاسف والخزعبلات.
إِذن، فقد اتّضح ممّا قلنا أعلاه أنّ الاستدلال بهذه الآية على نفي أية معجزة، أو كل المعجزات غير القرآن الكريم زيف يجانب الحقيقة، (وستطالعون ـ إِن شاء الله مزيداً من التوضيح حول هذا الموضوع في ذيل الاية (59) من سورة الإِسراء).
![]() |
![]() |
![]() |