وكما أشرنا سابقاً، فإِنّ التعبير بصيغة الجمع في حق الله سبحانه مع أنّ ذاته المقدسة أوحدية من جميع الجهات، إِشارة إِلى عظمة مقامه، وأن له دائماً مأمورين مطيعين مستعدين لتنفيذ أمره والواقع فإِن الكلام ليس عن الله وحده، بل عنه وعن كل هؤلاء المأمورين المطيعين.

ثمّ تعقب الآية على مسألة اطلاع الله على كل شيء بتأكيد أكبر، فتقول: (وما يعزب عن ربّك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إِلاّ في كتاب مبين).

«يعزب» مأخوذة من العزوب، وهو في الأصل بمعنى الإِبتعاد عن البيت والأهل في سبيل إِيجاد وتهيئة المراتع للأغنام والحيوانات، ثمّ استعملت بمعنى الغيبة


(1) لقد أرجع البعض ضمير (منه) إِلى الله، أي إِن الآيات التي تتلوها من الله، إلاّ أن الضمير يرجع إِلى الشأن أو القرآن ظاهراً، كما قاله كثير من المفسّرين، أي الآيات التي تتلوها في كل عمل مهم، أو الآيات التي تتلوها من القرآن.

[387]

والإِختفاء بصورة مطلقة.

«والذّرة» بمعنى الجسم الصغير جدّاً، ولذلك يقال للنمل الصغير: ذرة. ولمزيد التوضيح راجع تفسير الآية (40) من سورة النساء.

«الكتاب المبين» إِشارة إِلى علم الله الواسع، والذي يعبر عنه أحياناً باللوح المحفوظ، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع في تفسير الآية (59) من سورة الأنعام.

* * *

ملاحظات

1 ـ إِنّ الآيات أعلاه قد أثبتت ضمن عبارات قصيرة هذه الحقيقة، وهي أنّ حق التشريع مختص بالله، وكل من يقدم على مثل هذا العمل بدون إِذنه وأمره، فإِنّه يكون قد افترى على الله، لأنّ كل الهبات والارزاق تنزل من عنده، وإِنّ الله سبحانه هو المالك الأصلي لها في الحقيقة، وبناءً على هذا فإِنّ له الحق في أن يجعل بعضها مباحاً والبعض الآخر غير مباح.

ومع أنّ أوامره في هذا المجال تهدف الى نفع العباد وتكاملهم وليس له أدنى حاجة لهذا العمل، إلاّ أنّه على كل حال هو صاحب الإِختيار والتشريع، وقد يرى أنّ من المصلحة اعطاء أحد العباد كالنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) حق هذا العمل في حدود معينة. كما يستفاد من روايات متعددة ـ أيضاً ـ أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قد حرم بعض الأُمور أو أوجبها، والذي عبرت عنه الرّوايات بـ (فرض النّبي). ومن الطبيعي أنّ كل أوامره ونواهيه في حدود ما خوله الله سبحانه من الصلاحيات، وحسب أمر الله.

إِنّ جملة (الله أذن لكم) دليل أيضاً على أن من الممكن أن يجيز الله أحداً بمثل هذه الإِجازة.

إِنّ هذا البحث مرتبط بمسألة «الولاية التشريعية»، والتي سنبيّنها بصورة أكثر تفصيلا في محل آخر إِن شاء الله تعالى.

[388]

2 ـ إِنّ تعبير الآيات أعلاه عن الرزق بالنزول ـ مع أنّنا نعلم أنّ المطر هو الوحيد الذي ينزل من السماء ـ إمّا لأنّ هذه القطرات المباركة تشكل الأساس لكل الأرزاق، أو لأنّ المراد هو «النزول المقامي» الذي أشرنا إِليه سابقاً، ومثل هذا التعبير يلاحظ في المكالمات اليومية، فمثلا إِذا صدر أمر من شخص كبير، أو هبة ما إِلى شخص صغير، فيقولون: إِنّ هذا الأمر صدر من الأعلى، أو أنّه وصلنا من فوق.

3 ـ لقد أثبت علماء الأصول بجملة (الله أذن لكم أم على الله تفترون) قاعدة عدم حجية الظن، وقالوا: إِنّ هذا التعبير يوضح أنّه لايمكن إِثبات أي حكم من الأحكام الإِلهية بدون القطع واليقين، وإِلاّ فإنّه افتراء على الله وحرام. (لنا بحوث في هذا الإِستدلال ذكرناها في مباحث علم الأُصول).

4 ـ إِنّ الآيات أعلاه تعطينا درساً آخر، وهو أنّ التشريع مقابل شريعة الله دين الجاهلية، حيث كانوا يعطون لأنفسهم الحق في وضع الأحكام مع ضيق أفكارهم وضحالتها، ولكن لا يمكن أن يكون المؤمن الحقيقي كذلك مطلقاً. وما نراه في عصرنا الحاضر من أن جماعة يتحدثون عن الله والإِسلام، وفي الوقت نفسه يمدون يد الإِستجداء نحو قوانين الآخرين غير الإِسلامية، أو يسمحون لأنفسهم بأن يطرحوا جانباً قوانين الإِسلام باعتبارها غير قابلة للتطبيق ويشرّعون بأنفسهم القوانين، فإِنّ هؤلاء من أتباع سنن الجاهلية أيضاً.

إِنّ الإِسلام الواقعي لايقبل التجزئة، فعندما قلنا: إِنّنا مسلمون، فيجب أن نعترف بكل قوانينه فما يقال من أن قوانين الإِسلام غير قابلة بأجمعها للتنفيذ وهم باطل لا أساس له، وهو ناشىء من التغريب وانهيار الشخصية.

طبعاً، إِنّ الإِسلام ـ نظراً لشموليته ـ قد أطلق لنا في بعض المسائل اتخاذ مقررات وقوانين مناسبة مع ذكر الأُصول العامّة حتى نستطيع أن ننظم احتياجات كل عصر وزمان حسب تلك الأصول بالإِستشارة والتشاور، ثمّ نضعها في حيز

[389]

التنفيذ.

5 ـ أكّدت الآية الأخيرة حين الإِشارة إِلى سعة علم الله على ثلاث مسائل وقالت: إِنّك لاتكون في حالة نفسية معينة، ولا تتلو أية آية، ولا تقوم بأي عمل إِلاّ ونحن شاهدون عليك وناظرون إِليك.

إِنّ هذه التعبيرات الثلاثة إِشارة إِلى أفكار وأقوال وأعمال البشر، أي إِنّ الله تعالى كما ينظر إِلى أعمالنا، فإِنّه يسمع كلامنا، وهو مطلع على أفكارنا ونيّاتنا، ولا يخرج عن إِحاطة علم الله شيء منها.

ولا شك أنّ النية والحالات الروحية تقع في المرحلة الأُولى، والقول يأتي بعدها، ثمّ يتبعهما العمل والتنفيذ، ولهذا قد ورد نفس الترتيب في الآية.

ثمّ إِنّنا نرى أنّ القسم الأوّل والثّاني قد ذكرا بصيغة المفرد، والخطاب موجه إِلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، أمّا القسم الثّالث فإِنّه ورد بصيغة الجمع والخطاب موجه لعامّة المسلمين، ويمكن أن يكون ذلك باعتبار أن اتّخاذ القرار في البرامج الإِسلامية مرتبط بقائد الأُمّة وهو النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، كما أن تلقي آيات القرآن من الله وتلاوتها يتمّ عن طريقة، إلاّ أنّ العمل بهذه البرامج والأوامر متعلق بكل الأُمّة، ولا يستثنى من ذلك أحد.

6 ـ لقد بيّنت آخر هذه الآيات درساً كبيراً لكل المسلمين ... درس يستطيع أن يسلك بهم طريق الحق ويصرفهم عن الإِنحرافات والطرق الملتوية .. درس فيه صلاح المجتمع مع التوجّه اليه، وهو: إِنّنا يجب أن نعي هذه الحقيقة، وهي أن كل خطوة نخطوها، وكل كلام نقوله، وكل فكرة تخطر في أذهاننا، ولأي جهة ننظر، وعلى أي حال نكون، فليس الله سبحانه وحده يراقبنا ونحن على هذه الأحوال والأفعال، بل إِنّ ملائكته تراقبنا أيضاً، وينظرون إِلينا بكل دقة وانتباه.

إِنّ أدنى حركة في خفايا السماء والارض لا تخفي على علمه ونظره، بل إنّها تثبت كلّها في ذلك اللوح المحفوظ الذي لا طريق للغلط والإِشتباه والإِختلاف

[390]

إِليه .. في صفحة علم الله اللامتناهي .. في فكر الملائكة المقربين وكتّاب أعمال الآدميين .. في ملفنا وصحيفة أعمالنا كلنا.

ولم يكن ذلك بدون مبرر وعلة حيث يقول الإِمام الصادق: «كان رسول الله إِذا قرأ هذه الآية بكى بكاءً شديداً»(1) ... فإِذا كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مع كل ذلك الإِخلاص والعبودية، ومع كل تلك الخدمة للخلق والعبادة للخالق خائفاً من عمله في مقابل علم الله، فإِنّ حالنا وحال الآخرين معلوم.

* * *


(1) مجمع البيان الجزء الخامس ص 116 ذيل الآية.

[391]

الآيات

أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَهُمْ يَحْزَنُونَ(62) الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ(63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَفِى الأَخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(64) وَلاَ يَحْزُنّكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعَاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(65)

التّفسير

طمأنينة الروح في ظل الإِيمان:

لما شرحت الآيات السابقة بعضاً من حالات المشركين والأفراد غير المؤمنين، بيّنت هذه الآيات حال المؤمنين المخلصين المجاهدين المتقين الذين يقعون في الطرف المقابل لأُولئكَ تماماً، حتى يعرف النور من الظلمة، والسعادة من الشقاء من خلال المقارنة بينهم كما هو شأن القرآن وطريقته دائماً.

تقول الآية أوّلا: (ألا إِنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ومن أجل فهم دقيق لمحتوى هذا الكلام لابدّ أن نعرف معنى الأولياء جيداً.

«الأولياء» جمع ولي، وقد أخذت في الأصل من مادة: ولي، يلي، بمعنى عدم وجود واسطة بين شيئين، وتقاربهما وتتابعهما، ولهذا يطلق على كل شيء له نسبة

[392]

القرابة والقرب من شيء آخر سواء كان من جهة المكان أو الزمان أو النسب أو المقام، بأنّه ولي، ومن هنا استعملت هذه الكلمة بمعنى الرئيس والصديق وأمثال ذلك.

بناءً على هذا، فإِنّ أولياء الله هم الذين لايوجد حاجب وحائل بينهم وبين الله، فقد زالت الحجب عن قلوبهم ويتقلبون في نور المعرفة والإِيمان والعمل الخالص، و يرون الله بعيون قلوبهم بحيث لايجد الشك أي طريق إِلى تلك القلوب الوالهة، وبالنظر لهذه المعرفة بالله الأزلي والقدرة اللامحدودة والكمال المطلق، فإِنّ كل شيء سوى الله حقير في نظرهم ولا قيمة له، وفان لا أهمية له.

إِنّ من يرى المحيط يزهد في القطرة، ومن ينظر الى نور الشمس لا يهتم بنور الشمعة.

ومن هنا يتّضح أنّ هؤلاء لماذا لايخافون، لأنّ الخوف ينشأ عادة من احتمال فقدان النعم التي يمتلكها الإِنسان، أو من الأخطار التي يمكن أن تهدده في المستقبل، كما إِنّ الغم والهم يرتبط عادة بما يتعلق بالماضي، ويستولي على الإِنسان نتيجة فقدانه لإِمكانيات وثروات كانت تحت يده.

إِنّ أولياء وأحباء الله الحقيقيين متحررون من كل أشكال الإِرتباط والتعلق بعالم المادة، ويحكم «الزهد» بمعناه الحقيقي وجودهم، فهم لا يجزعون من فقدان الممتلكات المادية ولا يخافون من المستقبل، ولا يشغلون أفكارهم بمثل هذه المسائل. وبناءً على ذلك فإِن الغموم والأخاويف التي ترتبط بالماضي والمستقبل، والتي تجعل الآخرين في حال اضطراب وقلق دائم، لا سبيل لها إِلى وجود هؤلاء.

إِنّ الماء في الإناء الصغير قد يهتز من نفخة إِنسان، لكن المحيط الكبير لا يتأثر حتى بالعاصفة، ولذلك سمّوه المحيط الهادي: (لكي لا تأسوا على مافاتكم ولا

[393]

تفرحوا بما آتاكم)(1). فلم يكن لهم تعلّق بما كان في ايديهم سابقاً، ولا يصيبهم الغم والحزن في اليوم الذي سيفارقونه، فإِنّ روحهم أكبر، وفكرهم أسمى من أن تؤثر فيهم مثل هذه الحوادث في الماضي والمستقبل.

على هذا الأساس فإِنّ الأمن والطمأنينة الواقعية هي الحاكمة على وجودهم، وعلى حدّ قول القرآن: (أُولئك لهم الأمن)(2)، وبتعبير آخر: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)(3).

والخلاصة هي أنّ الحزن والخوف عند البشر يتولّدان عادة من حبّ الدنيا، فمن الطبيعي أن لايصيب هؤلاء الذين نفضوا ايديهم وقلوبهم من حبها خوف، أو حزن.

كان هذا هو البيان الإِستدلالي للمسألة، وقد يعرض هذا الموضوع أحياناً ببيان آخر يتحذ شكلا عرفانياً بهذه الصورة:

إِنّ أولياء الله غارقون في صفات جماله وجلاله، وذائبون في مشاهدة ذاته المقدسة إِلى الحد نسوا كل شيء غيره، ومعلوم أنّ الغم والحزن والخوف والوحشة تحتاج حتماً إِلى تصور فقدان وخسارة شيء ما، أو مواجهة عدو أو موجود خطر، فمن لم يجعل لغير الله مكاناً في قلبه ولا طريقاً الى فكره، ولا يقبل في روحه إِله غيره، كيف يمكن أن يغتم ويخاف ويستوحش؟

لقد اتّضحت ممّا قلناه هذه الحقيقة أيضاً، وهي أنّ المقصود من الغموم هي الغموم المادية والأخاويف الدنيوية، وإِلاّ فإِنّ وجود أولياء الله مملوء بالخوف والخشية .. الخوف من عدم أداء الواجبات والمسؤولية. والأسف والحسرة على أن يكون قد فاتهم شيء من الموفقية، ولهذا الخوف والحسرة صفة معنوية، فهما أساس تكامل وجود الإِنسان ورقيّه، بعكس الخوف والحزن الدنيويين فهما


(1) الحديد، 23.

(2) الأنعام، 82.

(3) الرعد، 28.

[394]

أساس الإِنحطاط والتسافل.

يقول أميرالمؤمين(عليه السلام) في خطبته المعروفة مع همام، حيث يجسد فيها حالات أولياء الله في أرقى وصف: «قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة»، ثمّ يقول: «ولولا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، شوقاً إِلى الثواب، وخوفاً من العقاب»(1).

ويقول القرآن المجيد ـ أيضاً ـ في شأن المؤمنين: (الذين يخشون ربّهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون)(2). وبناء على ذلك فإِنّ لهؤلاء خوفاً آخر.

هناك بحث بين المفسّرين فيمن هم المقصودون من أولياء الله، إلاّ أنّ الآية الثّانية وضحت المطلب وأنهت النقاش، فهي تقول: (الذين آمنوا وكانوا يتقون).

الملفت للنظر أنّها ذكرت الإِيمان بصيغة الفعل الماضي المطلق، والتقوى بصيغة الماضي الإِستمراري، وهذا إِشارة إِلى أنّ إِيمان هؤلاء قد بلغ حد الكمال، إلاّ أن التقوى التي تنعكس في العمل اليومي، وتتطلب كل يوم وكل ساعة عملا جديداً، ولها صفة تدريجية، فإِنّها قد ظهرت على هؤلاء بصورة برنامج دائمي و مسؤولية متواصلة.

نعم .. إِنّ الذين يرتكزون على هذين الركنين الأساسيين: الدين والشخصية، يحسون بدرجة من الطمأنينة داخل أرواحهم بحيث لا تهزهم أية عاصفة من عواصف الحياة. بل يقفون أمامها كالجبل، كما وصفهم الحديث: «المؤمن كالجبل الراسخ لا تحركه العواصف».

وتوكّد الآية الثّالثة على مسألة عدم وجود الخوف والغم والوحشة في شخصية وقلوب أولياء الحق بهذه العبارة: (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) وعلى هذا فهم ليسوا خالين من الخوف والغم وحسب، بل إِنّ البشارة والفرحة والسرور


(1) نهج البلاغة، خطبة 193 . صبحي الصالح.

(2) الأنبياء، 49.

[395]

بالنعم الكثيرة والمواهب الإِلهية الامحدودة في هذه الدنيا والآخرة من نصيبهم. (ينبغي الانتباه إِلى أن البشرى قد ذكرت مع ألف ولام الجنس بصورة مطلقة، فهي تشمل أنواع البشارات).

ثمّ تضيف من أجل التأكيد أيضاً: (لا تبديل لكلمات الله)بل هي ثابتة حقّة، وأن الله سبحانه سيفي بما وعد به أولياءه، و (ذلك هو الفوز العظيم).

وحولت الآية الخطاب إِلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يمثل رأس سلسلة أولياء الله وأحبائه مخاطبةً له بلحن المواساة وتسلية الخاطر: (ولا يحزنك قولهم إِنّ العزّة لله جميعاً)ولا يمكن أن يقوم العدو بعمل مقابل إِرادة الحق، فإِنّه تعالى عالم بكل خططهم ودسائسهم. فـ(هو السميع العليم).

* * *

ملاحظتان

وهنا ملاحظتان ينبغي التوقف عندهما:

1 ـ ما هو المراد من البشارة في الآية؟

هناك بحث وجدال بين المفسّرين في المراد من البشارة التي أعطاها الله في الآيات أعلاه لأوليائه في الدنيا والآخرة، فالبعض إِعتبرها مختصة بالبشارة التي تقدمها الملائكة للمؤمنين عند الإِحتضار والموت، (وابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون)(1).

والبعض الآخر يعتبرها إِشارة إِلى وعود الله بالنصر والتغلب على الأعداء، والحكم في الأرض ماداموا مؤمنين وصالحين.

وقد فسّرت هذه البشارة في بعض الرّوايات بأنّها المنامات الجيدة التي يراها المؤمنون.


(1) السجدة، 30.

[396]

إِلاّ أنّه، وكما قلنا، فإِنّ إِطلاق هذه الكلمة، وألف لام الجنس في البشرى قد أخفيا فيها مفهوماً واسعاً بحيث أنّها تشمل كل نوع من البشارة وفرحة الإِنتصار والموفقية، ويندرج فيها كل ما ذكر أعلاه، وفي الواقع فإِنّ كلا منها إِشارة إِلى زاوية من هذه البشارة الإِلهية الواسعة.

وربّما كان ما فسّرت به البشرى في بعض الرّوايات بأنّها المنامات الحسنة والرؤيا الصالحة إِشارة إِلى أن كل البشارات حتى الصغيرة منها، تدخل أيضاً في مفهوم البشرى، لا أنّها منحصرة بها.

الواقع. وكما قيل سابقاً أيضاً، فإِنّ هذا هو الأثر التكويني والطبيعي للإِيمان والتقوى حيث تبتعد عن روح الإِنسان أشكال الإِضطراب والقلق المتولدة من الشك والتردد، وكذلك المتولدة من الذنب والتلوّث والفجور، فكيف يمكن أن يشعر بالراحة والإِطمئنان من لا إِيمان له، ومن ليس له متكأ معنوي يعتمد عليه في أعماق روحه؟!

إِنّه يبقى في سفينة وسط بحر هائج متلاطم الأمواج تقذف به الأمواج العظيمة في كل جانب وصوب وقد فتحت دوامات البحر أفواهها لابتلاعه !!

كيف يمكن أن يهدأ بال ويطمئن خاطر من تلطخت يداه بالظلم والجور وإِراقة دماء الناس وغصب أموال وحقوق الآخرين؟ إِنّه ـ وبخلاف المؤمنين ـ لايتمتع حتى بالنوم الهادىء، وغالباً ما يرى المنامات المرعبة التي يرى نفسه فيها مشتبكاً مع العدو، وهذا بنفسه دليل على اضطراب روح هؤلاء.

من الطبيعي أنّ الشخص الجاني ـ خاصّة إِذا كان مطارداً ـ يرى في عالم الرؤيا أشباحاً مرعبة قد أحكمت الطوق لإِلقاء القبض عليه، أو أنّ روح ذلك المقتول المظلوم تصرخ في أعماق صميره وتعذبه، ولهذا فإِنّه عندما يستيقظ يقول كيزيد: مالي وللحسين؟ أو يقول ما قاله الحجاج: مالي ولسعيد بن جبير؟!

[397]

2 ـ الرّويات الواردة عن أهل البيت(عليهم السلام)

لقد وردت في تفسير الآيات أعلاه روايات رائعة عن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، نشير إِلى بعض منها:

تلا أميرالمؤمنين علي(عليه السلام) الآية: (ألا إِنّ أولياء الله ...) ثمّ سأل أصحابه: أتعلمون من هم أولياء الله؟ فقالوا: أخبرنا بهم يا أميرالمؤمنين، فقال: «هم نحن وأتباعنا، فمن تبعنا من بعدنا طوبى لنا، وطوبى لهم أفضل من طوبى لنا»، قالوا: يا أميرالمؤمنين، ما شأن طوبى لهم أفضل من طوبى لنا؟ ألسنا نحن وهم على أمر؟ قال: «لا، إِنّهم حملوا ما لم تحملوا عليه، وأطاقوا ما لم تطيقوا»(1).

وفي كتاب كمال الدين: روي عن أبي بصير عن الصّادق(عليه السلام)أنّه قال: «طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته، والمطيعين له في ظهوره، أُولئك أولياء الله الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون»(2).

ويروي أحد أصحاب الإِمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: إِنّ أتباع هذا المذهب يرون في أواخر لحظات عمرهم ماتقّر به أعينهم، قال الراوي: فقلت له بضع عشرة مرّة: أي شيء؟ فقال في كلّها: «يرى» لايزيد عليها، ثمّ جلس في آخرها فقال: «ابيت إلاّ أن تعلم»؟ فقلت: نعم يابن رسول الله ... ثمّ بكيت، فرق لي، فقال: «يراهما والله» فقلت: بأبي وأمي من هما؟ فقال: «ذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وعلي(عليه السلام)لن تموت نفس مؤمنة أبداً حتى تراهما». ثمّ قال: «إِن هذا في كتاب الله» فقلت: أين، جعلني الله فداك؟ قال: «في يونس، قول الله ها هنا: (الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة)»(3) .

ولدينا روايات أُخرى بمضمون هذه الرّواية.


(1) تفسير نور الثقلين، ج2، ص 309 .

(2) المصدر السابق.

(3) نور الثقلين، الجزء2، ص 310 (باختصار).

[398]

ومن الواضح أنّ هذه الرّواية إِشارة إِلى قسم من بشارات المؤمنين المتقين، لا جميعها، وواضح ـ أيضاً ـ أن هذه المشاهدة ليست مشاهدة جسم مادي. بل مشاهدة الجسم البرزخي بالنظر البرزخي، لأنّا نعلم أنّ روح الإِنسان تبقى على جسمها البرزخي في عالم البرزخ الذي يمثل الفاصل بين هذه الدنيا وعالم الآخرة.

* * *

[399]

الآيتان

أَلاَ إِنَّ للهِ مَن فِى السَّمَوَاتِ وَمَن فِى الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ شُرَكَآءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُضُونَ(66) هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَات لِّقَوْم يَسْمَعُونَ(67)

التّفسير

جانب من آيات عظمته:

تعود الآيات أعلاه مرّة أُخرى إِلى مسألة التوحيد والشرك والتي تعتبر واحدة من أهم مباحث الإِسلام، وبحوث هذه السورة، وتجرّ المشركين إِلى المحاكمة وتثبت عجزهم.

فتقول أولا: (ألا إِنّ لله من في السماوات ومن في الأرض) وإِذا كان الأشخاص ملكه ومنه، فمن الأُولى أن تكون الأشياء الموجودة في هذا العالم ملكه ومنه، وبناءً على هذه فإِنّه مالك كل عالم الوجود، ومع هذا الحال كيف يمكن أن يكون مماليكه شركاءه؟

ثمّ تضيف الآية: (ومايتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إِن يتبعون

[400]

إلاّالظّن)إِذ لا دليل ولا برهان لهم على كلامهم (وإِن هم إلاّ يخرصون).

كلمة «الخرص» وردت في اللغة بمعنى الكذب، وكذلك وردت بمعنى الحدس والتخمين، وفي الأصل ـ كما قاله الراغب في مفرداته ـ بمعنى حزر الفواكه، ثمّ تخمينها على الأشجار، ولما كان الحدس والتخمين قد يخطىء أحياناً، فإِنّ هذه المادة قد جاءت بمعنى الكذب أيضاً.

وأساساً، فإنّ إِتباع الظن والحدس الذي لايستند إِلى أساس ثابت يجرّ الإِنسان في النهاية إِلى وادي الكذب عادة. والاشخاص الذين جعلوا الأصنام شريكة لله سبحانه لم يكن لهم مستند في ذلك إلاّ الأوهام .. الأوهام التي يصعب علينا اليوم حتى تصورها، إِذ كيف يمكن أن يصنع الإِنسان تماثيل ومجسمات لا روح لها، ثمّ يعتبر ماصنعه وخلقه ربّاً له وأنّه هو صاحب إِرادته، وأن أمره بيده؟! يضع مقدراته في يده وتحت تصرفه ويطلب منه حل مشاكله؟! أليست هذه الدعوى من أوضح مصاديق الزيف و الكذب؟

بل يمكن استفادة هذا من الآيه كقانون كلي عام ـ بدقة قليلة ـ وهو أنّ كل من يتبع الظن والأوهام الباطلة فإِنّه سينجّر في النهاية إِلى الكذب .. إِنّ الحق والصدق قائم على أساس القطع واليقين، أمّا الكذب فإِنّه يقوم على اساس التخمينات والظنون والشائعات!

ثمّ ومن أجل إِكمال هذا البحث، وتبيّن طرق معرفة الله، والإِبتعاد عن الشرك وعبادة الأوثان، أشارت الآية الثّانية إِلى جانب من المواهب الإِلهية التي أودعت في نظام الخلقة والدالّة على عظمة وقدرة وحكمة الله عزَّوجلّ، فقالت: (هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً).

إِنّ نظام النور والظلمة الذي أكدت عليه آيات القرآن مراراً، نظام عجيب وغزير الفائدة، فهو من جهة يضيء عرصة حياة البشر بإِفاضة النور في مدّة معينة ويحركها ويبعثها على السعى والجد، ومن جهة أُخرى فإِنّه بإِرخاء سدول الليل

[401]

المظلم وهدوئه يهيء الروح والجسد المتعبين للعمل والحركة من جديد.

نعم (إِن في ذلك لآيات لقوم يسمعون) أُولئك الذين يسمعون ويدركون، وبعد إِدراك الحقيقة يتبعونها ويسيرون على نهجها.

* * *

ملاحظات

1 ـ إِنّ الهدوء والسكون النفسي الذي هو الهدف من خلق الليل بات من المسلمات العلمية بعد أن أثبته العلم اليوم، فإِنّ حجب الظلام ليست وسيلة إِجبارية لإِيقاف النشاطات اليومية وحسب، بل لها أثر مباشر على السلسلة العصبية وعضلات الإِنسان وسائر الحيوانات فتجعلهم في حالة استراحة ونوم وسكون، وما أجهل بعض الناس الذين يحيون الليل بالملذات والرغبات، ويقضون النهار ـ وخاصّة الفجر المنشط ـ في النوم، ولهذا السبب فإِنّ أعصابهم متوترة وغير متزنة دائماً.

2 ـ إِذا علمنا أنّ الإبصار بمعنى النظر، فإِنّ معنى جملة: (والنهار مبصراً)سيصبح: إِنّ الله قد جعل النهار ناظراً، في حين أنّ النهار مُبْصَر لا مُبْصِر! إِن هذا تشبيه ومجاز من قبيل توصيف السبب بأوصاف المسبب، كما يقولون في شأن الليل: ليل نائم، في حين أنّ الليل لاينام، بل هو سبب لأنّ ينام الناس.

3 ـ إِنّ الآيات أعلاه تدين الظن والوهم مرّة أُخرى وتردّه، لكن لما كان الكلام عن أوهام عبدة الأوثان الخرافية التي لا أساس لها، فإِنّ الظّن هنا لا يعني الظّن العقلائي المدروس الذي يعتبر حجة في بعض الموارد، مثل شهادة الشهود وظاهر الألفاظ والإِقرارات والمكاتبات، وبناء على هذه فإِنّ الآيات أعلاه لا يمكن أن تكون دليلا على عدم حجية الظن.

* * *

[402]

الآيات

قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحَنَهُ هُوَ الْغَنِىُّ لَهُ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَان بِهَذَآ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَيُفْلِحُونَ(69) مَتَاعً فِى الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثمّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ(70)

التّفسير

تستمر هذه الآيات ـ أيضاً ـ في بحثها مع المشركين ، وتذكر واحدة من أكاذيب واتهامات هؤلاء لساحة الله المقدسه، فتقول أوّلا: (قالوا اتّخذ الله ولداً).

إِنّ هذا الكلام قاله المسيحيون في حق المسيح(عليه السلام)، ثمّ عبدة الأوثان في عصر الجاهلية في حق الملائكة، حيث كانوا يظنون أنّها بنات الله، وقاله اليهود في شأن عزير. ويجيبهم القرآن بطريقين:

الأوّل: إِنّ الله سبحانه منزّه عن كل عيب ونقص، وهو مستغن عن كل شيء: (سبحانه هو الغني) وهذا إِشارة إِلى أنّ الحاجة إِلى الولد، إمّا للحاجة الجسمية إِلى قوته ومساعدته، أو للحاجة الروحية والعاطفية، ولما كان الله سبحانه منزّه عن كل

[403]

عيب ونقص وحاجة، فلايمكن أن يتخذ لنفسه ولداً.

(له ما في السماوات وما في الأرض) ومع هذا الحال فأي معنى لأن يتخذ لنفسه ولداً ليطمئنه ويهدئه، أو يعينه ويساعده.

ممّا يلفت النظر أنّ الآية عبّرت هنا بـ (اتخذ) وهذا يوحي أنّ هؤلاء كانوا يعتقدون أنّ الله تعالى لم يلد ذلك الولد، بل يقولون: إِنّ الله قد اختار بعض الموجودات كولد له، تماماً مثل أُولئك الذين لا يولد لهم ولد، ويتبنون طفلا من دور الحضانة وأمثالها.

على كل حال، فإِنّ هؤلاء الجاهلين وقصيري النظر وقعوا في اشتباه المقارنة بين الخالق والمخلوق، وكانوا يقيسون ذات الله الصمدية على وجودهم المحدود المحتاج.

والجواب الثّاني الذي يذكره القرآن لهؤلاء هو: إِنّ من يدعي شيئاً يجب عليه أن يقيم دليلا على مدعاه: (إِن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون)أي إِنّكم على فرض عدم قبولكم للدليل الأوّل الواضح، فإِنّكم لا تستطيعون أن تنكروا هذه الحقيقة، وهي أن ادعاءَكم وقولكم تهمة وقول بغير علم.

وتعيد الآية التّالية عاقبة الإِفتراء على الله المشؤومة. فتوجه الخطاب إِلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وتقول: (قل إِنّ الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون).

وعلى فرض أن هؤلاء يستطيعون بافتراءاتهم وأكاذيبهم أن ينالوا المال والمقام لعدّة أيّام، فإِنّ ذلك (متاع في الدنيا ثمّ إِلينا مرجعهم ثمّ نذيقهم العذاب بما كانوا يفترون).

الواقع أنّ هذه الآية والتي قبلها ذكرتا نوعين من العقاب لهؤلاء الكذابين الذين نسبوا إِلى الله تهمة اتّخاذ الولد:

الأوّل: إِنّ هذا الكذب والإِفتراء لايمكن أن يكون أساساً لفلاح ونجاح هؤلاء أبداً، ولا يوصلهم إِلى هدفهم مطلقاً، بل إِنّهم يصبحون حيارى تائهين تحيط

[404]

التعاسة والشقاء والهزيمة بأطرافهم.

الثّاني: على فرض أنّهم استطاعوا أن يستغفلوا الناس ويخدعوهم بهذه الكلمات لعدة أيّام، ويصلوا عن طريق الديانة الوثنية إِلى رفاه وعيش رغيد، إلاّ أنّ هذا التمتع لا دوام ولا بقاء له، والعذاب الإِلهي الخالد في انتظارهم.

* * *

ملاحظات

1 ـ إِنّ كلمة «سلطان» تعني هنا الدليل، وهذه الكلمة أعمق وأبلغ من كلمة الدليل، لأنّ الدليل بمعنى الدلالة والإِرشاد أمّا السلطان فهو الشيء الذي يسلط الإِنسان على الطرف المقابل، ويناسب موارد البحث والجدال والنقاش، وهو إِشارة إِلى الدليل القاطع القوي.

2 ـ «المتاع» يعني الشيء الذي يستفيد منه الإِنسان ويتمتع به، ومفهومه واسع جداً يشمل كل لوازم ووسائل الحياة والمواهب المادية. يقول الراغب في المفردات: كلما ينتفع به على وجه ما، فهو متاع ومتعة.

3 ـ إِنّ التعبير بـ (نذيقهم) الذي ورد في شأن العذاب الإِلهي يشير إِلى أنّ هذا العذاب الذي سينال هؤلاء بدرجة من الشدّة بحيث كأنّهم يذوقونه بألسنتهم وأفواههم، وهذا التعبير أبلغ جداً من المشاهدة، بل وحتى من لمس العذاب.

* * *

[405]

الآيات

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوح إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَقَومِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِى وَتَذْكِيرِى بِئاَيَتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَيَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَىَّ  وَلاَ تُنظِرُونِ(71) فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْر إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ(72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِى الْفُلْكِ وَجَعَلْنَهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِأَيَتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ الْمُنذَرِينَ(73)

التّفسير

جانب من جهاد نوح:

الآيات أعلاه بداية لبيان قسم من تأريخ الأنبياء وقصص وحوادث الأُمم الماضية لتوعية وإِيقاظ المشركين والفئات المخالفة، فيأمر الله نبيّه أن يتابع حديثه السابق مع المشركين بشرح تأريخ الماضين ليكون عبرة لهم.

في البداية تطرقت إِلى قصّة نوح، فقالت: (واتل عليهم نبأ نوح إِذا قال لقومه يا

[406]

قوم إِن كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت) ولهذا فإِنّي لا أخاف غيره. ثمّ تضيف: (فاجمعوا أمركم وشركاءكم) أي ادعوا أصنامكم أيضاً لتعينكم في المشورة، حتى لايبقى شيء خافياً على أحد ولايتعرض منكم الى الهم والغم أحد (ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة) بل اتّخذوا قراركم في شأني بكل وضوح.