2 ـ أمّا في جهنّم فإنّه (ويسقى من ماء صديد).

«الصديد» القيح المتجمّع بين اللحم والجلد، وهو بيان للماء المتعفّن الكريه الذي يسقونه.

3 ـ فهذا المجرم المذنب عندما يرى نفسه في مقابل هذا الشراب (يتجرّعه ولا يكاد يسيغه) يسيغه: من إساغة، وهي وضع الشراب في الحلق.

4 ـ ووسائل التعذيب كثيرة بحيث (ويأتيه الموت من كلّ مكان وما هو بميّت). حتّى يذوق وبال عمله وسيّئاته.

5 ـ وقد يتصوّر أن ليس هناك عقاباً أكثر من ذلك، ولكن (ومن ورائه عذاب غليظ).

وبهذا الترتيب فإنّ كلّ ما يخطر في ذهن الإنسان وما لا يخطر من شدّة العقاب هو في إنتظار هؤلاء الظالمين والجبّارين والمذنبين، أسوؤها الشراب المتعفّن الكريه، والعقوبات المختلفة من كلّ طرف، وفي نفس الوقت عدم الموت، بل الإستمرار في الحياة وإدامة العذاب.

ولكن لا يتصوّر أنّ هذا العقاب غير عادل، لأنّه ـ وكما قلنا مراراً ـ النتيجة الطبيعيّة لعمل الإنسان، بل تجسيم أفعالهم في الآخرة، فكلّ عمل يجسّم بشكل مناسب، وإذا ما شاهدنا جنايات بعض المجرمين في عصرنا أو في التاريخ القديم لقلنا: حتّى هذه العقوبات قليلة.

* * *

[481]

بحوث

1 ـ ماذا يعني مقام الربّ؟

قرأنا في الآيات أعلاه أنّ النصر على الظالمين وإسكان الأرض للذين يخافون مقام ربّهم، فما هو المقصود من «المقام»؟ هناك عدّة إحتمالات:

الف: ـ المقصود هو مقام الربّ عند الحساب، كما ذكرت بعض الآيات الأُخرى (وأمّا من خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى ...)،(1) (ولمن خاف مقام ربّه جنّ(2)تان).

باء: ـ المقام بمعنى القيام أي المراقبة، ومعناه الشخص الذي يخاف من مراقبة الله له، ويحسّ بالمسؤولية.

ج: ـ والمقام بمعنى «القيام لإجراء العدالة وإحقاق الحقّ».

وعلى أيّة حال، فلا مانع أن تكون الآية الشريفة متضمنّة لكلّ هذه المفاهيم، فالذين يرون مراقبة الله لهم، يخافون من حسابه وإجراء عدالته، خوفاً بنّاء يجعلهم يحسّون بمسؤولياتهم في كلّ عمل يقومون به، ويبعدهم عن الظلم والذنوب، فالغلبة وحكومة الأرض من نصيبهم.

2 ـ هناك جدل بين المفسّرين حول جملة «واستفتحوا» حيث إعتقد البعض بأنّها بمعنى طلب الفتح والنصر، كما ذكرناه سابقاً، وشاهدهم الآية (19) من سورة الأنفال (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح).

وقال بعض آخر: إنّها بمعنى القضاء والحكومة، يعني أنّ الأنبياء طلبوا من الله أن يحكم بينهم وبين الكفّار، وشاهدهم الآية (89) من سورة الأعراف (ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ وأنت خير الفاتحين).

3 ـ جاء في التأريخ والتّفسير أنّ الوليد بن يزيد بن عبدالملك الحاكم الاُموي


1 ـ النازعات، 40.

2 ـ الرحمان، 46.

[482]

الجبّار تفألّ بالقرآن يوماً لكي يرى حظّه في المستقبل، فظهرت قوله تعالى (واستفتحوا وخاب كلّ جبّار عنيد) في بداية الصفحة، فاستوحش وأخذته العصبية بحيث مزّق القرآن الكريم ثمّ أنشد:

أتوعد كلّ جبّار عنيد؟ فها أنا ذاك جبّار عنيد؟

إذا ما جئت ربّك يوم حشر فقل ياربّ مزّقني الوليد

ولكن لم يمض وقت طويل حتّى قُتل أسوأ قتلة من قبل أعدائه، وقطعوا رأسه وعلّقوه فوق سطح قصره، ومن ثمّ نقلوه إلى باب المدينة(1).

* * *


1 ـ تفسير القرطبي، ص3579.

[483]

الآية

مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَلُهُمْ كَرَمَاد اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِى يَوْم عَاصِف لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْء ذَلِكَ هُوَ الضَّلَلُ الْبَعِيدُ (18)

التّفسير

رمادٌ إشتدّت به الريح:

ضربت هذه الآية مثالا واضحاً وبليغاً لأعمال الكفّار، وبذلك تكمل بحث الآيات السابقة في مجال عاقبة أمرهم.

يقول تعالى: (مثل الذين كفروا بربّهم أعمالهم كرماد إشتدّت به الريح في يوم عاصف) فيتناثر الرماد في الريح العاصف بحيث لا يستطيع أحد جمعه، كذلك منكرو الحقّ ليست بإستطاعتهم أن يجمعوا ما كسبوا (لا يقدرون ممّا كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد).

* * *

[484]

بحوث

1 ـ لماذا شبّهت أعمالهم كرماد إشتدّت به الريح؟

الجواب:

1 ـ التشبيه بالرماد (مع إمكان الإستفادة من التراب والغبار في ذلك) لأنّه عبارة عن بقايا الإحتراق، والآية توضّح أنّ أعمالهم ظاهرية فقط وليس لها أي محتوى، فيمكن أن تنمو وردة جميلة في حفنة من التراب، ولكن لا يمكن أن ينمو في الرماد حتّى العلف الرّديء.

2 ـ إن ذرّات الرماد غير متلاصقة، وحتّى بمساعدة الماء لا يمكن ترابطها فالذرّات تنفصل عن بعضها البعض بسرعة، وكأنّ ذلك يشير إلى أنّ أعمال الكفّار غير منسجمة ولا موحّدة، على العكس من أعمال المؤمنين حيث نراها منسجمة وموحّدة ومترابطة وكلّ عمل يكمل العمل الآخر، فروح التوحيد والوحدة لا تقتصر على توحيد الجماعة المؤمنة في ما بينهم بل تنعكس حتّى في أعمال الفرد المسلم.

3 ـ بالرغم من تناثر الرماد في إشتداد الريح، إلاّ أنّه يؤكّده في يوم عاصف، لأنّ الرياح إذا كانت محدودة وآنيّة فمن الممكن أن ينتقل الرماد من مكان إلى مكان ليس بالبعيد، ولكن إذا كان يوم عاصف فمن البديهي أن يتناثر الرماد بشكل واسع، وتنتشر ذرّاته ولا يمكن لأيّة قدرة جمعها.

4 ـ إذا كانت العاصفة تهبّ على التبن وأوراق الشجر وتنتثرها في أماكن بعيدة إلاّ أنّه يمكن تشخيصها، ولكن ذرّات الرماد من الصغر بحيث لو إنتثرت لا يبقى لها أي أثر وكأنّ ليس لها وجود سابق.

5 ـ إنّ الرياح وحتّى العواصف لها فوائد جمّة في الطبيعة بغضّ النظر عن آثارها المدمّرة في بعض الأحيان، وفوائدها هي:

الف: ـ تقوم بنشر بذور النباتات في كلّ مكان من الكرة الأرضيّة، كالمزارع

[485]

والفلاح.

ب: ـ تُلقّح الأشجار بنقل حبوب اللقاح من الذكور إلى الإناث.

ج: ـ تقوم بتحريك السحاب من المحيطات إلى الأراضي اليابسة.

د: ـ تحكّ الجبال العالية وتحوّلها إلى تراب ناعم ومفيد.

هـ: ـ تنقل الهواء من المناطق القطبية إلى المناطق الإستوائية وبالعكس، حيث تقوم بدور فعّال في تعديل درجات الحرارة.

و: ـ إنّ حركة الرياح تثير البحار فتجعلها متلاطمة وموّاجة كي يدخل فيها الهواء، لأنّها إذا ركدت سوف تتعفّن، وهكذا نجد أنّ كلّ ما في الوجود من الأشجار والكائنات الحيّة قد إستفاد من هبوب الرياح كلّ على قدره.

ولكن «الرماد» الخفيف الوزن والتافه وعديم الفائدة والذي لا يمكن لأي موجود أن يعيش فيه، هذا الرماد المتناثر يتلاشى بسرعة حينما تهبّ الريح عليه، ويزول حتّى ظاهره غير المفيد.

2 ـ لماذا فرغت أعمالهم من المحتوى؟

يجب أن نرى لماذا كانت أعمال الكفّار غير ذات قيمة وغير ثابتة؟ ولماذا لا يستطيع الكفّار الإستفادة من نتائج أعمالهم؟

ويتّضح الجواب على هذا السؤال لو درسنا المسألة من ناحية النظرة التوحيديّة للعالم، لأنّ النيّة والهدف والمنهجية هي التي تعطي للعمل شكله ومضمونه، فإذا كانت الخطّة والنيّة والغاية سالمة وجديرة بالإهتمام فسوف يكون العمل كذلك، ولكن لو قمنا بأحسن الأعمال بنيّة غير صادقة وخطّة سقيمة وهدف شيطاني، فإنّ ذلك العمل يكون ممسوخاً ويفقد محتواه ويزول كليّاً كالرماد إذا إشتدّت به الريح!

ولا بأس هنا أن نذكر مثالا حيّاً لذلك، نشاهد الآن برامجاً تحت عنوان

[486]

حقوق الإنسان في العالم الغربي ومن قبل القوى المستكبرة، هذه البرامج نفسها كانت تجري من قبل الأنبياء أيضاً، ولكن حصيلة الإثنين متفاوتة كما بين الأرض والسّماء. فالقوى الإستكبارية عندما تنادي بحقوق الإنسان فمن المسلّم أنّ أهدافها غير إنسانية وغير أخلاقية، بل التغطية على جرائمهم وإستعمارهم بشكل أكثر، لذلك وعلى سبيل المثال لو اُعتقل أحد جواسيسهم في مكان ما، فسوف يملأ عويلهم وصراخهم الدنيا بالدفاع، عن حقوق الإنسان، ولكن عندما تلطّخت أيديهم بدماء آلاف الناس في فيتنام، وارتكبوا الفجائع في الدول الإسلامية، ونُسيت فيه حقوق الإنسان، بل إنّهم إستغلّوا حقوق الإنسان لمساعدة الأنظمة الجائرة والعميلة!

ولكن الأنبياء (عليهم السلام) أو أوصياءهم ينادون بحقوق البشر لتحرير الإنسان من القيود والأغلال والظلم، وعندما يرون إنساناً مظلوماً نراهم يهبون للدفاع عنه بالقول والعمل.

وبهذا النحو يكون الأوّل رماد إشتدّت به الريح، والثّاني أرض مباركة طيّبة لنمو النباتات والثمار والأوراد.

ويتّضح من هنا ما دار بين المفسّرين من المقصود من العمل في الآية أعلاه، وهو أنّ مراد الآية جميع أعمال الكفّار حتّى أعمالهم الحسنة في الظاهر، إلاّ أنّها مبطّنة بالشرك والإلحاد.

3 ـ مسألة الإحباط

هناك جدل كبير بين علماء المسلمين في مسألة «حبط الأعمال» فهل معناه ذهاب عمل الخير بسبب عمل الشرّ، أو بسبب الكفر وعدم الإيمان، ولكن الحقّ ما قلناه في ذيل الآية (217) من سورة البقرة، من أنّ الإصرار على الكفر والعناد وأيضاً بعض الأعمال الأُخرى كالحسد والغيبة وقتل النفس لها آثار سيّئة كبيرة

[487]

بحيث تذهب بأعمال الخير والحسنات.

والآية أعلاه دليل آخر في إمكان حبط الأعمال(1).

4 ـ هل للمخترعين والمكتشفين ثواب إلهي؟

بالنظر للبحوث الآنفة الذكر يرد سؤال مهمّ، وهو أنّنا من خلال مطالعتنا في تأريخ العلوم والإختراعات والإكتشافات نرى أنّ هناك مجموعة من العلماء إستطاعوا أن يقدّموا خدمات جليلة للبشرية وتحمّلوا في سبيل خدمة البشرية منتهى الشدّة والصعوبة ليقدّموا إختراعاتهم وإكتشافاتهم للناس، فعلى سبيل المثال مخترع الكهرباء «أديسون» تحمّل الصعاب ويُقال فقد حياته في هذا الطريق لكنّه أضاء العالم، وحرّك المعامل، وببركة إختراعه وجدت الآبار العميقة حيث اخضّرت الأرض وتغيّرت الدنيا. و «باستور» الذي إكتشف المكروب، وأنقذ ملايين الناس من الموت المحتوم .. فهؤلاء وعشرات مثلهم كيف يجعلهم الله في جهنّم لكونهم غير مؤمنين؟ مع أنّ هناك أفراداً لم يقدّموا أيّة خدمة للإنسانية طول حياتهم، ويدخلون الجنّة!

الجواب: إنّ العمل في حدّ ذاته ليس كافياً من وجهة نظر العقيدة الإسلامية، بل قيمته في النيّة والقوى المحرّكة له، فكثيراً ما نشاهد من أعمال الخير كبناء مدرسة أو مستشفى أو أي عمل آخر وهدف صاحبه في الظاهر هو خدمة المجتمع الإنساني، إلاّ أنّه تحت هذا الغطاء شيء آخر وذاك هو حفظ جاهه أو ماله أو جلب أنظار الناس إليه، وتحكيم منافعه المادية، أو حتّى ستر خيانته بعيداً عن أنظار الآخرين!

وعلى العكس، فمن الممكن أن يعمل شخص عملا صغيراً، إلاّ أنّه مخلص في نيّته صادق، والآن يجب أن نحقّق في ملفات هؤلاء الرجال العظام من وجهة


1 ـ للإطلاع أكثر راجع تفسير الآية (217) من سورة البقرة من تفسيرنا هذا.

[488]

نظر عملهم وكذلك الأسباب والدوافع، وهي لا تخرج من أحد اُمور:

ألف: ـ يكون الهدف من الإختراع أحياناً عملا تخريبيّاً (كما في إكتشاف الطاقة النووية حيث كان الهدف الأوّل منها صناعة القنابل النووية) ويمكن الإستفادة منها لخدمة الإنسان، إلاّ أنّه لم يكن الهدف الأصلي من إختراعها، فقيمة عمل هذه المجموعة من المخترعين واضح تماماً.

ب: ـ وقد يكون هدف المخترع أو المكتشف الربح المادّي أو الشهرة، فحكمه ـ في الحقيقة ـ حكم التاجر الذي يقوم بتأسيس الخدمات العامّة لكي يحصل على أرباح أكثر، ويقوم بتشغيل العمّال وإنتاج المحاصيل الزراعية للبلد، فالهدف من كلّ ذلك هو الحصول على أكبر وارد ممكن، ولو كان هناك عمل أكثر ربحاً لركض وراءه.

بالطبع فإنّ هذه التجارة لو كانت طبقاً للموازين الشرعيّة، فإنّها ليست حراماً، إلاّ أنّها لا تحتسب عملا مقدّساً ومهمّاً.

ومثل هؤلاء المخترعين والمكتشفين ليسوا قليلين على طول التاريخ، فطريقة تفكيرهم أن يقدّموا العمل الأكثر ربحاً ـ حتّى لو كان مضرّاً بالمجتمع ـ (فمثلا صناعة الأدوية لها من الفوائد 20% بينما في صناعة الهيروئين 50% فهم يرجّحون الثّاني على الأوّل) فحكم هذه المجموعة واضح أيضاً، حيث لم يطلبوا من الله ولا من الناس أي شيء وجزاؤهم الربح والشهرة فقط.

ج: ـ هناك مجموعة ثالثة لا شكّ في أنّ دوافعها إنسانية، أو إلهيّة إذا كانت الجماعة مؤمنة، وأحياناً يمضون سنين طويلة في زوايا المختبرات بكامل الفاقة والحرمان على أمل أن يقدّموا خدمة لبني جنسهم، أو هديّة للعالم، ليحلّوا أغلال المتعبين، ويمسحوا التراب من وجوب المعذّبين. فإذا كان هؤلاء الأفراد مؤمنين ودوافعهم إلهيّة فمصيرهم واضح.

وأمّا إذا كانوا غير مؤمنين ودوافعهم إنسانيّة، فسوف يحصلون على الجزاء

[489]

المناسب من الله بلا أدنى شكّ، هذا الجزاء يمكن أن يكون في الدنيا أو الآخرة، فالله عزّوجلّ عالم وعادل لا يحرمهم من ذلك، ولكن كيف؟ تفاصيله غير واضحة لنا، ويمكن أن نقول: (إنّ الله لا يضيّع أجر هؤلاء المحسنين فيما إذا كانوا غير مقصّرين لعدم إيمانهم).

وليس عندنا أي دليل من أنّ الآية (إنّ الله لا يضيّع أجر المحسنين) لا تشمل هؤلاء الأفراد، فإطلاق المحسنين في القرآن ليس خاصّاً بالمؤمنين فقط، ولذلك نرى أنّ إخوة يوسف لما حضروا عنده وهم لا يعرفوه ويظنّون أنّه عزيز مصر قالوا: (إنّا نراك من المحسنين).(1)

وكذلك الآية (فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرّاً يره)تشمل هؤلاء الأفراد.

عن علي بن يقطين عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: «كان في بني إسرائيل رجل مؤمن وجاره كافر، وكان هذا الجار الكافر يحسن إلى جاره المؤمن، فعندما إرتحل من الدنيا بنى له الله بيتاً يمنعه من نار جهنّم. وقيل له: إنّ هذا بسبب حسن سيرتك مع جارك المؤمن»(2).

وعن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إنّ ابن جدعان أقلّ أهل جهنّم عذاباً» قالوا: لماذا يارسول الله؟ قال «إنّه كان يطعم الطعام» وعبدالله بن جدعان أحد مشركي مكّة المعروفين ومن زعماء قريش(3).

وعن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعدي بن حاتم الطائي «رفع عن أبيك العذاب الشديد بسخاء نفسه»(4).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «أتى رسول الله وفد من اليمن وكان فيهم رجل


1 ـ يوسف، 90.

2 ـ البحار، ج3، مطبعة كمباني ص377.

3 ـ المصدر السابق، ص382.

4 ـ البحار، ج2، ص607.

[490]

أعظمهم كلاماً وأشدّهم في محاجة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فغضب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى التوى عرق الغضب بين عينيه، وتغيّر وجهه وأطرق إلى الأرض فأتاه جبرئيل فقال: ربّك يقرئك السلام ويقول لك: هذا رجل سخي يطعم الطعام، فسكن عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)الغضب ورفع رأسه وقال: لولا أنّ جبرئيل أخبرني عن الله عزّوجلّ أنّك سخي تُطعم الطعام، لشدوت بك وجعلتك حديثاً لمن خلفك، فقال له الرجل: وإنّ ربّك ليحبّ السخاء؟ فقال: نعم، قال: إنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله والذي بعثك بالحقّ لا رددت عن مالي أحداً»(1).

وهنا يأتي هذا السؤال والذي يمكن أن نستفيده من بعض الآيات وكثير من الرّوايات ، وهو: هل أنّ الإيمان والولاية شرط لقبول الأعمال والدخول إلى الجنّة؟ فإذا كان كذلك فإنّ أفضل أعمال الكفّار ليس مقبولا عند الله.

ويمكن أن نجيب على هذا السؤال بأنّ مسألة «قبول الأعمال» شيء، و «الجزاء المناسب» شيء آخر، فمثلا المشهور بين علماء المسلمين أنّ الصلاة بدون حضور القلب أو مع إرتكاب بعض الذنوب كالغيبة غير مقبولة عند الله، ونحن نعلم أنّ مثل هذه الصلوات صحيحة شرعاً، وتحتسب طاعة لأوامر الله وتفرغ بها ذمّة المصلّي والطاعة لا تكون بدون أجر. ولذلك فقبول العمل هو الدرجة العالية للعمل، ونحن نقول هذا أيضاً: إذا كانت الخدمات الإنسانية مصاحبة للإيمان فلها أعلى المضامين، ولكن في غير هذه الصورة لا تكون بدون مضمون وجزاء، وجزاء العمل لا ينحصر بدخول الجنّة. (هذه عصارة الفكرة بما يتناسب وهذا التّفسير، وتفصيل ذلك في الأبحاث الفقهيّة).

* * *


1 ـ البحار، ج2.

[491]

الآيتان

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضَ بِالْحَقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْق جَدِيد (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيز (20)

التّفسير

الخلق على أساس الحقّ:

بعد ما بحثنا عن الباطل وأنّه كالرماد المتناثر إذا إشتدّت به الريح، نبحث في هذه الآية عن الحقّ وإستقراره. يقول الله تعالى مخاطباً النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بإعتباره الاُسوة لكلّ دعاة الحقّ (ألم تر أنّ الله خلق السّماوات والأرض بالحقّ).

«الحقّ» كما يقول الراغب في مفرداته «المطابقة والتنسيق» وله إستعمالات أُخرى: فتارةً يستعمل الحقّ في العمل الصادر وفقاً للحكمة والنظام كما في قوله تعالى: (هو الذي جعل الشمس ضياءاً والقمر نوراً ... ما خلق الله ذلك إلاّ بالحقّ).(1)

وتارةً يطلق على الشخص الذي قام بهذا العمل المحكم، كما نطلقها على الله


1 ـ يونس، 5.

[492]

عزّوجلّ (فذلكم الله ربّكم الحقّ).(1)

وتارةً أُخرى يطلق على الإعتقاد الذي يطابق الواقع كما في قوله تعالى: (فهدى الله الذين آمنوا لمّا إختلفوا فيه من الحقّ).(2)

ومرّةً يقال للقول والعمل الذي يتحقّق في الوقت المناسب كما في قوله تعالى: (حقّ القول منّي لأملئنّ جهنّم).(3)

وعلى أيّة الحال فمقابل «الحقّ» الباطل والضلال واللعب وأمثالهما.

لكنّ الآية التي نحن بصددها تشير إلى المعنى الأوّل، وهو إنشاء عالم الخلق. حيث توضّح السّماء والأرض أنّ في الهدف من خلقها الحكمة والنظام والحساب. فالله تعالى ليس محتاجاً في خلقها ولا ناقصاً لكي يسدّ نقصه بها، بل هو الغني عن كلّ شيء، وهذا العالم الواسع دار لنمو المخلوقات وتكاملها.

ثمّ يضيف: إنّ الدليل في عدم الحاجة إليكم ولا إلى إيمانكم هو: (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد).

وهذا العمل ليس صعباً عند الله (وما ذلك على الله بعزيز).

والشاهد على هذا القول في سورة النساء (وإن تكفروا فإنّ لله ما في السّماوات وما في الأرض وكان الله غنيّاً حميداً ... إن يشأ يذهبكم أيّها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديراً).(4)وهذا التّفسير بخصوص الآية أعلاه منقول عن ابن عبّاس.

وهناك إحتمال آخر، وهو أنّ الجملة أعلاه تشير إلى مسألة المعاد وأنّ الله قادراً على أن يفني جميع الناس ويأت بخلق آخر، فهل تشكّون في مسألة المعاد وبعثكم من جديد؟

* * *


1 ـ يونس، 32.

2 ـ البقرة، 213.

3 ـ السجدة، 13.

4 ـ النساء، 131 إلى 133.

[493]

الآيات

وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَؤُا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَاب اللهِ مِن شَىْء قَالُوا لَوْ هَدَينَا اللهُ لَهَدَيْنَكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيص (21) وَقَالَ الشَّيْطَنُ لَمَّا قُضِىَ الاَْمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَن إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ جَنَّت تَجْرِى مِن تَحْتَهِا الاَْنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَمٌ (23)

التّفسير

المحادثة الصريحة بين الشيطان وأتباعه:

أشارت الآيات السابقة إلى العقاب الشديد للمخالفين والمعاندين

[494]

والكافرين، وهذه الآيات تكمل ذاك البحث.

يقول تعالى أوّلا: (وبرزوا لله جميعاً)(1).

وفي هذه الأثناء يقول الضعفاء الذين تاهوا في وادي الضلالة للمستكبرين الذين كانوا سبب ضلالهم (فقال الضعفاء للذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنّا من عذاب الله من شيء) فيجيبونهم بدون توقّف (قالوا لو هدانا الله لهديناكم).

ولكن للأسف فالمسألة منتهية (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص).

* * *

ملاحظات

1 ـ ما هو المراد من ( وبرزوا لله جميعاً )؟

أوّل سؤال يطرح بخصوص هذه الآية هو: هل أنّ الناس في هذه الدنيا غير ظاهرين في علم الله لكي تقول الآية: (وبرزوا لله جميعاً

في الجواب على هذا السؤال قال كثير من المفسّرين: إنّ المقصود عدم إحساس الناس بهذا الظهور والبروز أمام الله في هذه الدنيا، فيكون إحساسهم ظاهراً لهم في الآخرة.

وقال بعض أيضاً: المقصود هو البروز والظهور من القبور في ساحة العدل الإلهي للحساب.

هذان التّفسيران جيدان وليس هناك مانع من أن تجمعا في مفهوم الآية.


1 ـ يجب الإنتباه إلى أنّ «برزوا» فعل ماضي، إلاّ أنّه جاء هنا بصيغة المستقبل، لأنّ المسائل المتعلّقة بالقيامة قطعيّة وغير قابلة للنقاش، ولذلك وردت في كثير من الآيات بصيغة الماضي.

[495]

2 ـ ما هو المقصود من جملة ( لو هدانا الله لهديناكم )؟

يعتقد كثير من المفسّرين أنّ المقصود الهداية عن طريق النجاة من العقاب الإلهي في ذلك العالم، لأنّ هذا الحديث قاله المستكبرون لأتباعهم حينما طلبوا منهم أن يغنوا عنهم قسماً من العذاب، فالسؤال والجواب متناسبان ويوحيان أنّ المقصود هو هدايتهم للنجاة من العذاب.

وقد إستخدم القرآن هذه الكلمة «الهداية» بخصوص الوصول إلى نعم الجنّة، كما يقول أهل الجنّة: (وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله).(1)

وهناك إحتمال أنّ «قادة الضلالة» حينما يرون أنفسهم أمام طلب أتباعهم، ولكي يتنصّلوا من الذنب ويلقوا باللائمة على الغير، كما هي طريقة كلّ المستكبرين ـ يقولون بكلّ وقاحة: ماذا نعمل؟ فلو كان الله قد هدانا إلى الطريق الصحيح لهديناكم إليه! ومعناه أنّنا مجبورون على ذلك وليست لنا إرادة حرّة.

وهذا هو منطق الشيطان بعينه، أو ليس هو القائل (فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم)؟ ولكن يجب أن يعلم المستكبرون أنّهم يتحمّلون مسؤولية ذنوب أتباعهم شاؤوا أم أبوا، طبقاً لصريح القرآن والرّوايات ، لأنّهم المؤسّسون للإنحراف والضلال دون أن ينقص أي شيء من عذاب أتباعهم.

3 ـ أوضح بيان في ذمّ التقليد الأعمى

يتّضح لنا من الآية أعلاه ما يلي:

أوّلا: الأشخاص الذين يضعون زمام اُمورهم بيد الآخرين هم ضعفاء الشخصيّة، وقد عبّر عنهم القرآن الكريم بـ(الضعفاء).

ثانياً: إنّ مصيرهم ومصير قادتهم واحد، وهؤلاء البؤساء لا يستطيعون حتّى في أحلك الظروف أن يستفيدوا من حماية قادتهم المضلّين، أو أنّ يخفّفوا عنهم


1 ـ الأعراف، 43.

[496]

قليلا من العذاب، بل يسخرون منهم ويقولون لهم: لا تجزعوا ولا تفزعوا فلا طريق للخلاص والنجاة من العذاب!

ثالثاً: «برزوا» في الأصل من مادّة «البروز» أي الظهور أو الخروج من الصفّ في مقابل الخصم في ساحة القتال، وتأتي أيضاً بمعنى المقاتلة.

«المحيص» من «المحص» بمعنى التخلّص من العيوب أو الألم.

ثمّ يشير القرآن الكريم إلى موقف آخر من مواقف القيامة والعقاب النفسي للجبّارين والمذنبين وأتباعهم الشياطين، حيث يقول تعالى: (وقال الشيطان لمّا قضي الأمر إنّ الله وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم) وبهذا الترتيب فالشيطان وجميع المستكبرين الذين هم قادة طرق الضلال، أصبحوا يلومون ويوبّخون تابعيهم البؤساء.

ثمّ يضيف (وما كان لي عليكم من سلطان إلاّ أن دعوتكم فاستجبتم لي)ويستمرّ في القول (فلا تلوموني ولوموا أنفسكم).

أنتم فعلتم فاللعنة عليكم!!

وعلى كلّ حال فلا أنا أستطيع إنقاذكم من العذاب ولا أنتم تستطيعون إنقاذي: (ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي) والآن اُعلمكم بأنّي أتبرّأ من شرككم وإطاعتكم لي (إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل) فقد فهمت الآن أنّ الشرك في الطاعة أدّى إلى شقائي وشقائكم، وهذه التعاسة ليس لها طريق للنجاة، واعلموا (إنّ الظالمين لهم عذاب أليم).

* * *

بحوث

1 ـ جواب الشيطان الحاسم لأتباعه

مع أنّ كلمة «الشيطان»(1) لها مفهوم واسع وتشمل كلّ الطواغيت ووساوس


1 ـ للتوضيح أكثر في معنى الشيطان في القرآن راجع تفسير الآية 36 من سورة البقرة من تفسيرنا هذا.

[497]

الجنّ والإنس، ولكن في قراءتنا لهذه الآية وما قبلها علمنا أنّ المقصود هنا هو شخص إبليس الذي يعتبر رئيساً للشياطين، ولذلك إنتخب جميع المفسّرين هذا التّفسير أيضاً.

ونستفيد بشكل أكيد من هذه الآية أنّ وساوس الشيطان لا تسلب الإنسان إختياره وحرية إرادته، بل هي مجرّد دعوة ليس أكثر، فالناس هم الذين يلبّون دعوته بإرادتهم، وقد تصل الأرضيّة السابقة والدوام على الخلاف بالإنسان إلى حالة من سلب الإختيار في مقابل وساوسه، كما نشاهد بعض المدمنين على المخدرات، ولكن نعلم أنّ السبب الأوّل كان هو الإختيار. يقول تعالى في الآية (100) من سورة النحل: (إنّما سلطانه على الذين يتولّونه والذين هم به مشركون).

وعلى هذا فالشيطان يجيب بشكل قاطع على الذين يعتبرونه العامل الأوّل في إنحرافهم وضلالهم، وما يقوله بعض الجهلاء لتبرئتهم من ذنوبهم، فإنّ السلطان الحقيقي على الإنسان هو إرادته وعمله ولا شيء غيره.

2 ـ كيف إستطاع الشيطان أن يلتقي باتّباعه ويلومهم في ذاك الموقف الكبير؟

الجواب: هو أنّ الله تعالى يمنحه القدرة على ذلك، وهذا في الواقع نوع من العقاب النفسي لأتباع الشيطان، وإنذار لكلّ السائرين في طريقه في هذه الدنيا، لكي يعلموا من الآن مصيرهم ومصير قادتهم، وعلى أيّة حال فالله تعالى بطريقة ما يهيىء وسيلة الإرتباط بين الشيطان وأتباعه.

ومن الطّريف أنّ هذه المواجهة غير منحصرة بالشيطان وأتباعه، بل إنّ جميع أئمّة الضلالة في هذا العالم لهم نفس البرنامج أيضاً، يأخذون بأيدي أتباعهم (بموافقتهم طبعاً) ويذهبون بهم إلى أمواج العذاب والبلاء، وحينما يرون الأوضاع سيّئة يتركونهم وشأنهم حتّى إنّهم يلومونهم ويوبّخونهم في خسران

[498]

الدنيا والآخرة.

3 ـ «المصرخ» من مادّة «إصراخ» وفي الأصل من مادّة «صرخ»، وهي بمعنى الإغاثة وطلب المساعدة، ولذلك فالمصرخ بمعنى المغيث، والمستصرخ طالب الإستغاثة.

4 ـ القصد من إتّخاذ الكفّار الشيطان شريكاً في الآية أعلاه شرك الطاعة وليس شرك العبادة.

5 ـ في أنّ جملة (إنّ الظالمين لهم عذاب أليم) تابعة لحديث الشيطان أم كلام مستقل من الله تعالى، هناك آراء مختلفة عند المفسّرين، لكن التّفسير الأقرب هو أنّ الجملة مستقلّة ومن كلام الله حيث قالها في نهاية حديث الشيطان مع أتباعه لتكون درساً تربويّاً.

وبعد بيان حال الجبّارين والظالمين ومصيرهم المؤلم، تتطرّق الآية الأخيرة من هذا البحث إلى حال المؤمنين وعاقبتهم حيث يقول تعالى: (وأُدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنّات تجري من تحتها الأنهار) إلى آخر الآية.

«التحيّة» في الأصل «الحياة» وتستعمل لسلامة وحياة الأفراد، وتطلق لكلّ تحيّة وسلام ودعاء في بداية اللقاء.

قال بعض المفسّرين: «التحية» هنا من الله للمؤمنين قرينةً على نعمهم وسلامتهم من كلّ أذىً ونزاع (لذلك فتحيّتهم إضافة لمفعول، وفاعله الله).

وقال البعض الآخر: إنّ القصد هو تحيّة المؤمنين فيما بينهم، أو تحيّة الملائكة لهم، وعلى أيّة حال فـ«سلام» التي قيلت بشكل مطلق لها من المفهوم الواسع بحيث يشمل كلّ سلامة من أي نوع من أنواع العذاب الروحي والجسمي(1).

* * *


1 ـ بحثنا هذا الموضوع «السلام والتحيّة» في المجلد الثّاني ، ذيل الآية (86): من سورة النساء من تفسيرنا هذا.

[499]

الآيات

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَة طَيِّبَة أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ (24) تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينِ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الاَْمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَة خَبِيثَة كَشَجَرَة خَبِيثَة اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الاَْرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَار (26) يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَفِى الاَْخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّلِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ(27)

التّفسير

الشّجرة الطيّبة والشّجرة الخبيثة!

هنا مشهد آخر في تجسيم الحقّ والباطل، الكفر والإيمان، الطيّب والخبيث ضمن مثال واحد جميل وعميق المعنى ... يُكمل البحوث السابقة في هذا الباب.

يقول تعالى أوّلا: (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيّبة كشجرة طيّبة) ثمّ يشير إلى خصائص هذه الشجرة الطيّبة في جميع أبعادها ضمن عبارات قصيرة.

ولكن قبل أن نستعرض هذه الخصائص يجب أن نعرف ما المقصود من

[500]

«الكلمة الطيّبة»؟

قال بعض المفسّرين: إنّها كلمة التوحيد (لا إله إلاّ الله).

وقال آخرون: إنّها تشير إلى الأوامر الإلهيّة.

وقال البعض الآخر: إنّه الإيمان الذي محتواه ومفهومه (لا إله إلاّ الله).

وقال آخرون في تفسيرها: إنّها شخص المؤمن.

وأخيراً قال بعضهم: إنّها الطريقة والبرامج العمليّة.