![]() |
![]() |
![]() |
لذلك نقل عن الأئمّة (عليهم السلام) أنّهم قالوا: «من زعم أنز الله عزّوجلّ يبدو له في شيء لم يعلمه أمس فابرئوا منه»(1).
* * *
1 ـ سفينة البحار، المجلّد الأوّل، صفحة 61.
أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِى الاَْرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْس وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّرُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسلا قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدَا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَبِ (43)
بما أنّ الآيات السابقة كانت تتحدّث مع منكري رسالة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد تابعت هذه الآيات كذلك نفس البحث. والهدف هو دعوتهم إلى التفكّر، ثمّ الإصلاح عن طريق الإنذار والإستدلال وغيرها.
يقول تعالى أوّلا: (أو لم يروا أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) من الواضح أنّ المقصود من الأرض هنا هم أهل الأرض، يعني أنّ هؤلاء لا ينظرون إلى هذا الواقع من أنّ الأقوام والحضارات والحكومات في حال الزوال والإبادة،
الأقوام الذين كانوا أكثر منهم قوّة وآثاراً قد اُلحدوا تحت الثرى حتّى العلماء والعظماء ـ الذين هم قوام الأرض ـ التحقوا بالرفيق الأعلى.
فهل أنّ هذا القانون العامّ للحياة الذي يسري على جميع الأفراد وكلّ المجتمع البشري صغيره وكبيره، غير كاف لإيقاظهم وتفهيمهم أنّ هذه الأيّام القلائل للحياة ليست أبدية؟!
ثمّ يضيف: (والله يحكم لا معقّب لحكمه وهو سريع الحساب) ولذلك فإنّ قانون الفناء مكتوب على جبين كلّ الأفراد والاُمم من جهة، ومن جهة أُخرى لا يستطيع أحد أن يغيّر هذا الحكم ولا الأحكام الأُخرى، ومن جهة ثالثة أنّ حساب العباد سريع جدّاً، وبهذا الترتيب يكون جزاؤه قاطعاً.
وقد جاءت في روايات متعدّدة في تفسير «البرهان» و «نور الثقلين» وسائر منابع الحديث، إنّ تفسير الآية أعلاه هو «فقدان العلماء» لأنّ فقدهم نقصان الأرض ونقص المجتمع الإنساني.
ونقل المفسّر الكبير الطبرسي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية قال: «ننقصها بذهاب علمائها، وفقهائها وخيارها»(1).
ونقرأ في حديث آخر أنّ «عبدالله بن عمر» تلا هذه الآية حين إستشهد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) (إنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها).
ثمّ قال: «ياأمير المؤمنين، لقد كنت الطرف الأكبر في العلم، اليوم نقص علم الإسلام ومضى ركن الإيمان».
إنّ للآية ـ بدون شكّ ـ معنىً واسعاً كما قلنا، وهي تشمل كلّ نقص في ذهاب الأفراد والمجتمع وأهل الأرض، وإنذار لكلّ الناس، الصالح منهم والطالح، حتّى العلماء الذين يشكّلون أركان المجتمع البشري يكون موت أحدهم أحياناً نقصاناً للدنيا، فهذا إنذار بليغ وساطع.
1 ـ تفسير البرهان، المجلّد الثّاني، صفحة 301.
وأمّا ما إحتمله بعض المفسّرين من أنّ المقصود بالنقصان هو نقض أرض الكفّار وإضافتها إلى أرض المسلمين، فلا نراه صحيحاً إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أنّ السورة مكّية، لأنّ الفتوحات في ذلك الوقت لم تكن موجودة حتّى يراها الكفّار أو يشير إليها القرآن الكريم.
وأمّا ما قاله بعض المفسّرين الذين غرقوا في العلوم الطبيعيّة، من أنّ الآية أعلاه تشير إلى نقص الأرض من ناحية القطبين واستواؤها في خطّ الإستواء، فهذا كذلك نراه بعيداً عن الواقع، لأنّ القرآن الكريم ليس في مقام الإشارة إلى ذلك.
ثمّ يستمرّ البحث في الآية الثانية ويقول: ليست هذه الفئة فقط نهضت بمكرها ومحاربتها لك، بل (وقد مكر الذين من قبلهم). لكن خططهم كُشفت، واُجهضت مؤامرتهم بأمر من الله، لأنّه أعلم الموجودات بهذه المسائل (فللَّه المكر جميعاً)ذاك هو العالم بكلّ شيء و (يعلم ما تكسب كلّ نفس). ثمّ يحذرهم بصيغة التهديد من عاقبة عملهم ويقول: (وسيعلم الكفّار لمن عقبى الدار).
الآية الأخيرة من هذا البحث (كما بدأت هذه السورة بكتاب الله والقرآن) تُنهي سورة الرعد في التأكيد أكثر على معجزة القرآن يقول تعالى: (ويقول الذين كفروا لست مرسلا).
فهم يصطنعون كلّ يوم عذراً، ويطلبون في كلّ وقت المعاجز، ثمّ آخر الأمر يقولون: لست بنبي! قل في جوابهم (قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) فالله سبحانه وتعالى يعلم بأنّي رسوله، وكذلك هؤلاء لهم المعرفة الكافية بأنّ القرآن هو كتاب سماوي، فهم يعلمون جيّداً أنّ هذا الكتاب ليس من صنع البشر، ولا يمكن نزوله إلاّ من قبل الله.
وهذا تأكيد جديد على إعجاز القرآن بمختلف جوانبه وقد ذكرنا ذلك في أماكن أُخرى.
وبناءاً على ما قلناه أعلاه فإنّ المقصود بـ(من عنده علم الكتاب) هم العالمون بمحتوى القرآن الكريم.
وإحتمل بعض المفسّرين أنّها تشير إلى علماء أهل الكتاب الذين قرأوا علائم نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتبهم السّماوية، ومن جهة حبّهم ومعرفتهم آمنوا به.
لكن التّفسير الأوّل نراه أقرب إلى الصحّة.
وقد ذكرت كثير من الرّوايات أنّ المقصود بـ(من عنده علم الكتاب) هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأئمّة الهدى، وهذه الرّوايات جُمعت في تفسير نور الثقلين والبرهان.
وهذه الرّوايات غير دالّة على الحصر، وكما قلنا مراراً فإنّها تشير إلى مصداق أو مصاديق تامّة وكاملة، وعلى أيّة حال فالتّفسير الأوّل الذي ذكرناه يؤيّد ذلك.
ومن المناسب أن ننهي حديثنا هنا بهذه الرّواية عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
عن أبي سعيد الخدري قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قول الله جلّ ثناؤه: (قال الذي عنده علم من الكتاب) قال: «ذاك وصي أخي سليمان بن داود» فقلت له: يارسول الله: (قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال: «ذاك علي بن أبي طالب»(1).
اللهمّ افتح لنا أبواب رحمتك وألهمنا من علم الكتاب.
ربّنا أنِر قلوبنا بمعرفة القرآن واحبس أفكارنا على الحاجة إليك حتى لا نتوجّه لغيرك في مسائلنا، إنّك موضع الحاجات.
* * *
1 ـ الميزان، المجلّد 11، الصفحة 427.
مَكّيّة
وعَدَدُ آياتِها إثنان وخمسُون آية
تحتوي على (52) آية، السورة مكّية بإستثناء الآيات (28) و(29) طبقاً لما قاله كثير من المفسّرين أنّها نزلت بالمدينة في قتلى المشركين في بدر.
المعلوم من اسم السورة أنّ قسماً منها نازل بشأن بطل التوحيد ومحطّم الأصنام سيّدنا إبراهيم (عليه السلام) (قسمٌ من أدعيته).
والقسم الآخر من هذه السورة يشير إلى تاريخ الأنبياء السابقين أمثال نوح وموسى، وقوم عاد وثمود، وما تحتوي من دروس وعبر فيها.
وتكمل هذه المجموعة من البحوث في السورة آيات الموعظة والنصيحة والبشارة والإنذار.
كما نقرأ في أغلب السور المكّية أنّ قسماً كبيراً منها أيضاً يبحث مواضيع «المبدأ» و «المعاد» والتي تعمّق الإيمان في قلب الإنسان وفي روحه ونفسه ثمّ في قوله وفعله، فيظهر له نور آخر في مسيرة الحقّ والدعوة إلى الله.
وخلاصة هذه السورة أنّها تبيّن عقائد ونصائح ومواعظ سيرة الأقوام الماضية، والهدف من رسالة الأنبياء ونزول الكتب السّماوية.
روي عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من قرأ سورة إبراهيم والحجر اُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من عبد الأصنام وبعدد من لم يعبدها»(1).
وكما أسلفنا مراراً فإنّ ما ورد من الثواب حول قراءة السور القرآنية يلازمه التفكّر ومن ثمّ العمل، ولمّا كانت هذه السورة وسورة الحجر تبحثان موضوع التوحيد والشرك واُصولهما وفروعهما، فإنّ من البديهي أنّ العمل بمضمونهما له نفس الفضيلة، أي إنّهما تصيغان الإنسان بصياغتهما حتّى توصلاه إلى مثل هذا الثواب.
* * *
1 ـ مجمع البيان، ونور الثقلين، في بداية السورة.
الر كِتَبٌ أَنزَلْنَهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللهِ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَوَتِ وَمَا فِى الاَْرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَفِرِينَ مِنْ عَذَاب شَدِيد(2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا عَلَى الاَْخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَئِكَ فِي ضَلَل بَعِيد(3)
شرعت هذه السورة ـ كبعض السور القرآنية الأُخرى ـ بالحروف المقطّعة، التي ذكرنا تفسيرها في بداية سورة البقرة وآل عمران، والنقطة التي يجب ملاحظتها هنا أنّ من بين 29 مورداً لسور القرآن التي إبتدأت بالحروف المقطّعة هناك 24 مورد ذكر بعدها مباشرةً القرآن الكريم، والتي تُبيّن أنّ هناك علاقة بين
الإثنين، أي بين الحروف المقطّعة والقرآن، ولعلّ هذه العلاقة هي نفسها التي ذكرناها في بداية سورة البقرة، فالله سبحانه وتعالى يريد أن يوضّح من خلال هذا البيان أنّ هذا الكتاب السّماوي العظيم المتعّهد لقيادة الإنسانيّة يتكوّن من مواد بسيطة تسمّى بحروف الألفباء، وهذه تشير إلى أهميّة هذا الإعجاز، حيث يوجد أصدق بيان من أبسط بيان.
وعلى أيّة حال فبعد ذكر الحروف (ألف لام راء) يقول تعالى: (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظّلمات إلى النّور).
في الواقع إنّ جميع الأهداف التربوية والإنسانية، المعنوية والمادية من نزول القرآن قد جُمعت في هذه الجملة (الخروج من الظّلمات إلى النّور) أي الخروج من ظلام الجهل إلى نور المعرفة، ومن ظلام الكفر إلى نور الإيمان، من ظلم الظالمين إلى نور العدالة، ومن الفساد إلى الصلاح، ومن الذنوب إلى الطهارة والتقوى، ومن التفرقة والنفاق إلى نور الوحدة.
ومن الطريف أنّ «الظّلمات» هنا (كما في بعض السور الأُخرى) جاءت بصيغة الجمع و «النّور» بصيغة المفرد، وهذه إشارة إلى أنّ كلّ الحسنات والطيّبات والإيمان والتقوى لها حالة واحدة في ظلّ التوحيد ونوره، فهي مترابطة ومتّحدة فيما بينها، فتصنع مجتمعاً واحداً متّحداً وطاهراً من كلّ جهة.
بينما الظّلمات تعني التشتّت وتفرقة الصفوف، وحتى الطواغيت والمذنبين والمفسدين والمنحرفين في مسيرتهم الإنحرافية نراهم غير متوحّدين غالباً، وفي حالة حرب فيما بينهم.
ومن هنا لمّا كان مصدر كلّ الخير هي الذات الإلهيّة المقدّسة، والشرط الأساس لدرك التوحيد هو الإلتفات إلى هذه الحقيقة، فإنّه يضيف بلا فاصلة (بإذن ربّهم).
ولكي يبيّن أكثر ما هو النّور يقول تعالى: (إلى صراط العزيز الحميد)(1)فعزّته دالّة على قدرته، لأنّه لا يستطيع أحد أن يغلبه، والحميد دالّة على نعمه ومواهبه غير المتناهية، لأنّ الحمد والثناء دائماً تكون في مقابل النعم والمواهب.
الآية الثانية ولكي تعرّف الله بصفاته، تبيّن درساً من دروس التوحيد حيث تقول: (الله الذي له ما في السّماوات والأرض)(2) فله كلّ شيء، لأنّه خالق جميع الموجودات، ولهذا السبب هو القادر والعزيز وواهب النعم والحميد.
ثمّ يتطرّق في نهاية الآية إلى مسألة المعاد (بعد أن ذكر المبدأ) فتقول الآية: (وويل للكافرين من عذاب شديد).
ثمّ يُعرّف القرآن الكريم الكفّار في الآية الأُخرى، ويذكر لهم ثلاث صفات كيما نستطيع أن نعرّفهم من أوّل وهلة، يقول تعالى أوّلا: (الذين يستحبّون الحياة الدنيا على الآخرة)(3) فهم يضحّون بالإيمان والحقّ والعدالة والشرف التي هي من خصائص محبّي الآخرة، من أجل منافعهم الشخصيّة وشهواتهم.
ثمّ يبيّن تعالى أنّ هؤلاء غير قانعين بهذا المقدار من الضلال، بل يسعون في أن يضلّوا الآخرين (ويصدّون عن سبيل الله) فهم في الواقع يوجدون الموانع المختلفة في طريق الفطرة الإلهيّة فيزيّنون الهوى، ويدعون الناس إلى الذنوب، ويخوّفونهم من الصدق والإخلاص.
ولا يقتصر عملهم على ذلك فحسب، بل (ويبغونها عوجاً) ثمّ يحاولون أن يصبغوا الآخرين بصبغتهم، ويسعون في أن يحرفوا السبيل للوصول إلى هدفهم من خلال نشر الخرافات وإبتداع السنن الخبيثة (أُولئك في ضلال بعيد).
1 ـ «إلى صراط الله» في الواقع بدل من «إلى النّور» فالمقصود من الهداية إلى النّور هو الهداية إلى صراط العزيز الحميد، و «كتاب أنزلناه» خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذا كتاب أنزلناه.
2 ـ (الله): بالكسر لأنّه بدل من (العزيز الحميد).
3 ـ يقول الراغب في مفرداته: استحبّ الكفر على الإيمان، والإستحباب هو سعي الإنسان لأنّ يحبّ شيئاً، وإذا ما تعدّى بـ(على) فسوف يصرف عنه المعنى المتقدّم كما في (أمّا ثمود فهديناهم فاستحبّوا العمى على الهدى).
وهذا الضلال قد أوجد بُعد المسافة بينهم وبين الحقّ فكان من العسير جدّاً عودتهم إلى طريق الحقّ، ولكن ذلك كان نتيجة لأعمالهم.
* * *
بالنظر إلى أنّ النّور ألطف الموجودات الماديّة في العالم، وسرعة مسيره أعلى سرعة، وبركته من أكبر البركات، ويمكن أن يقال أنّه أصل لكلّ المواهب والبركات، فإنّه يتّضح إلى أي مدى يشتمل النّور على معنىً كبير بحيث أنّ القرآن شبّه الإيمان والسير في طريق الله بالنّور.
والنّور أصل التجمّع بينما الظلمة عامل للتفرّق، النّور علامة الحياة والظلمة علامة الموت.
ولهذا السبب شبّه القرآن الكريم كثيراً من الأُمور القيّمة بالنّور، ومن جملتها العمل الصالح (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم)(1).
وكذلك الإيمان والتوحيد، قال تعالى: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور)(2).
وقد شبّه القرآن الكريم بالنّور في قوله تعالى: (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتّبعوا النّور الذي اُنزل معه أُولئك هم المفلحون)(3).
وكذلك الدين (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم).(4)
1 ـ الحديد، 12.
2 ـ البقرة، 257.
3 ـ الأعراف، 157.
4 ـ التوبة، 32.
بل أكثر من ذلك عبّر عن ذاته المقدّسة التي هي أفضل وأسمى ما في الوجود بالنّور (الله نور السّماوات والأرض).(1)
ومع أنّ كلّ هذه الأُمور تعود إلى تلك الحقيقة، لأنّها من الله، ومن الإيمان به، فإنّها وردت بصيغة المفرد، وعلى عكس الظّلمات التي هي عامل التشتّت لذلك وردت بصيغة الجمع التي تبيّن الكثرة والتعدّد.
وبما أنّ الإيمان بالله والسير في طريقه باعث على الحركة وموجباً لليقظة، وعامل للإجتماع والوحدة، ووسيلة للتقدّم والكمال، فإنّ هذا التشبيه على كلّ حال أكثر محتوىً ودلالة تربوية.
2 ـ التعبير بـ«لتخرج» في الآية الأُولى تشير إلى نقطتين:
الأُولى: بما أنّ القرآن الكريم كتاب هداية ونجاة للبشر، لكنّه بحاجة إلى من يطبقه ويجريه، فيجب أن يكون هناك قائد كالرّسول لكي يستطيع أن يخرج الضالّين عن الحقيقة من ظلمات الشقاء وهدايتهم إلى نور السعادة، ولهذا فالقرآن الكريم بعظمته لا يمكن له أن يحلّ جميع المشاكل بدون وجود القائد والمنفّذ لهذه الأحكام.
الثانية: إنّ صيغة الإخراج في الواقع دليل على التحرّك المشفوع بالتغيّر والتحوّل، وكأنّ غير المؤمنين موجودون في محيط مغلق ومظلم، والرّسول ـ أو القائد ـ يأخذ بأيديهم ويدخلهم إلى جوٍّ واسع ومنير.
3 ـ الملفت للنظر أنّ بداية هذه السورة شرعت بمسألة هداية الناس من الظّلمات إلى النّور، ونهايتها خُتِمت بمسألة إبلاغ وإنذار الناس، وهذه توضّح أنّ الهدف الأصلي في كلّ الأحوال هو الناس ومصيرهم وهدايتهم، فإنزال الكتب السّماوية وبعث الأنبياء في الواقع هو للوصول إلى هذا الهدف.
* * *
1 ـ النّور، 35.
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُول إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى مَن يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بَأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاََيَت لِّكُلِّ صَبَّار شَكُور(5) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِى ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لاََزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ (7)
كان الحديث في الآيات السابقة عن القرآن الكريم وآثاره الروحية، وتتابع
الآية الأُولى من هذه المجموعة نفس الموضوع، لكن في بُعد خاص وهو أنّ دعوة الأنبياء وكتبهم السّماوية نزلت بلسان أوّل قوم بُعِثوا إليهم. يقول تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه).
لأنّ الأنبياء يرتبطون في الدرجة الأُولى مع قومهم، وأوّل نور الوحي يشعّ من بينهم، وأوّل الصحابة والأنصار يُنتخبون منهم، لذلك فإنّ الرّسول يجب أن يحدّثهم بلغتهم وبلسانهم (ليُبيّن لهم).
وفي الحقيقة فإنّ هذه الجملة تشير إلى أنّ دعوة الأنبياء لا تنعكس في قلوب أتباعهم باُسلوب مرموز وغير معروف، بل كانت توضّح لهم من خلال التبيين والتعليم والتربية وبلسانهم الرائج.
ثمّ يضيف القرآن الكريم بعد أن بيّن لهم الدعوة الإلهيّة (فيضلّ الله من يشاء ويهدي من يشاء) فليست الهداية والضلال من عمل الأنبياء، بل عملهم الإبلاغ والتبيين، الله سبحانه وتعالى هو الموجّه والهادي الحقيقي لعباده.
ولكي لا يتصوّر أحد أنّ هذا القول بمعنى الجبر وسلب الحريّات، فيضيف القرآن مباشرة (وهو العزيز الحكيم) وبمقتضى عزّته وقدرته فانّه قادر على كلّ شيء، ولا أحد له قدرة على المقاومة في مقابل إرادته تعالى، ولكن بمقتضى حكمته لا يهدي ولا يضلّ أحداً بدون سبب ودليل، بل الخطوة الأُولى تبدأ من قبل العباد وبكامل الحرية في السير إلى الله، ثمّ يشعّ نور الهداية وفيض الحقّ في قلوبهم، كما في سورة العنكبوت الآية (69) (والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا).
وكذلك حال الذين تاهوا في وادي الضلالة وحُرِموا من فيض الهداية، فهو نتيجة لتعصّبهم الأعمى ومحاربتهم للحقّ، وغرقهم في الشّهوات، وتلوّثهم بالظلم والجور. كما يقول تعالى: (كذلك يضلّ الله من هو مسرف مرتاب)،(1) ويقول1 ـ غافر، 34.
أيضاً: (وما يضلّ به إلاّ الفاسقين)،(1) وقوله تعالى: (ويضلّ الله الظالمين)(2).
وعلى هذا النحو فإنّ محور الهداية والضلال في أيدي الناس أنفسهم.
تشير الآية الأُخرى إلى واحدة من نماذج إرسال الأنبياء في مقابل طواغيت عصرهم، ليخرجوهم من الظّلمات إلى النّور: (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظّلمات إلى النّور)(3).
وكما قرأنا في الآية الأُولى من هذه السورة فإنّ خلاصة دعوة رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) هي إخراج الناس من الظّلمات إلى النّور، فهذه دعوة كلّ الأنبياء، بل جميع القادة الروحيين للبشر، فهل الظلم غير الضلال والإنحراف والذلّ والعبوديّة والفساد والظلم؟! وهل النّور غير الإيمان والتقوى والحرية والإستقلال والعزّة والشرف؟! لذلك فإنّها تمثّل الخطّ المشترك والجامع بين كلّ دعوات القادة الإلهيين.
ثمّ يشير القرآن الكريم إلى واحدة من أكبر مسؤوليات موسى (عليه السلام) حيث يقول تعالى: (وذكّرهم بأيّام الله).
من المتيقّن أنّ كلّ الأيّام هي أيّام الله، كما أنّ كلّ الأماكن متعلّقة بالله جلّ وعلا، وإذا كانت هناك نقطة خاصّة تسمّى (بيت الله) فذلك بدليل ميزاتها، كذلك أيّام الله تشير إلى أيّام مميّزة لها خصائص منقطعة النظير.
ولهذا السبب إختلف المفسّرون في تفسيرها:
قال البعض: إنّها تشير إلى أيّام النصر للأنبياء السابقين واُممهم والأيّام التي شملتهم النعم الإلهيّة فيها على أثر إستحقاقهم لها.
وقال البعض الآخر: إنّها تشير إلى العذاب الإلهي الذي شمل الأقوام الطاغين
1 ـ البقرة، 26.
2 ـ إبراهيم، 27.
3 ـ المعجزات التي ظهرت من موسى بن عمران أشارت إليها الآية أعلاه بلفظ الآيات، وهي 9 معاجز مهمّة طبقاً للآية (101) من سورة الإسراء، والتي سوف تأتي إن شاء الله في تفسير تلك الآية.
والعاصين لأمر الله.
وقال آخرون: إنّها تشير إلى المعنيين السابقين معاً.
لكنّنا ـ حقّاً ـ لا نستطيع أن نجعل هذه العبارة البليغة والواضحة محدودة، فأيّام الله هي جميع الأيّام العظيمة في تاريخ الإنسانيّة. فكلّ يوم سطعت فيه الأوامر الإلهيّة وجعلت بقيّة الأُمور تابعة لها، هي من أيّام الله، وكلّ يوم يُفتح فيه فصل جديد من حياة الناس فيه درس وعبرة، أو ظهور نبي فيه، أو سقوط جبّار وفرعون ـ أو كلّ طاغ ـ ومحوه من الوجود. خلاصة القول: كلّ يوم يُعمل فيه بالحقّ والعدالة ويقع في الظلم وتطغا فيه بدعة، هو من أيّام الله.
وكما سوف نرى أنّ روايات الأئمّة (عليهم السلام) في تفسير هذه الآية تشير إلى هذه الأيّام الحسّاسة.
وفي آخر الآية يقول تعالى: (إنّ في ذلك لآيات لكلّ صبّار شكور).
«صبّار» و «شكور» صيغة مبالغة فأحدهما تشير إلى شدّة الصبر، والأُخرى إلى زيادة الشكر، وتعني أنّ المؤمنين كما لا يستسلمون للحوادث والمشاكل التي تصيبهم في حياتهم، كذلك لا يغترّون ولا يغفلون في أيّام النصر والنعم، وذكر هاتين الصفتين بعد الإشارة إلى أيّام الله دليل على ما قلناه.
تشير الآية الأُخرى إلى أحد هذه الأيّام التي كانت ساطعة ومثمرة في تاريخ بني إسرائيل، وذكرها تذكرةً للمسلمين حيث يقول تعالى: (وإذ قال موسى لقومه اُذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون) هؤلاء الفراعنة الذين كانوا (يسومونكم سوء العذاب ويذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم عظيم).
أي يوم أكثر بركة من ذلك اليوم حيث أزال الله عنكم فيه شرّ المتكبّرين والمستعمرين، الذين كانوا يرتكبون أفظع الجرائم بحقّكم، وأي جريمة أعظم من ذبح أبنائكم كالحيوانات (إنتبه إلى أنّ القرآن عبّر بالذبح لا بالقتل) وأهمّ من ذلك
فإنّ نوامسيكم كانت خدماً في أيدي الطامعين.
وليس هذا المورد خاصّ ببني إسرائيل، بل في جميع الاُمم والأقوام. فإنّ يوم الوصول إلى الإستقلال والحرية وقطع أيدي الطواغيت يوم من أيّام الله الذي يجب أن نتذكّره دوماً حتّى لا نعود إلى ما كنّا عليه في الأيّام الماضية.
«يسومونكم» من مادّة (سَوْمَ) على وزن (صوم) بمعنى البحث عن الشيء، وتأتي بمعنى فرض عمل على الآخرين(1)، ولهذا فإنّ معنى جملة يسومونكم سوء العذاب: إنّ أُولئك كانوا يفرضون عليكم أسوأ الأعمال وأكثرها تعذيباً. وهل أنّ تجميد وإبادة الكتلة الفعّالة في المجتمع وإستخدام نسائهم وإذلالهنّ على يد فئة ظالمة وطاغية يعتبر أمراً هيّناً؟!
ثمّ إنّ التعبير بفعل المضارع «يسومون» إشارة إلى أنّ هذا العمل كان مستمرّاً لمدّة طويلة.
وجملة (يذبّحون أبناءكم ...) معطوفة على «سوء العذاب» وفي عين الوقت هي من مصاديق سوء العذاب، وذلك بسبب أهميّة هذين العذابين، وهذا توضيح أنّ فرعون وقومه الظالمين فرضوا على بني إسرائيل أحكاماً جائرة أُخرى، إلاّ أنّ هذين العذابين كانا أشدّ وأصعب.
ثمّ يضيف القرآن الكريم (وإذ تأذّن ربّكم لئن شكرتم لأزيدنّكم ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد)(2) يمكن أن تكون هذه الآية من كلام موسى لبني إسرائيل التي دعاهم فيها إلى الشكر في مقابل ذلك النجاة والنصر والنعم الكثيرة، ووعدهم بزيادة النعم، وفي حالة كفرهم هدّدهم بالعذاب، ويمكن أن تكون جملة مستقلّة وخطاباً للمسلمين، ولكن على أيّة حال فالنتيجة واحدة، لأنّه حتّى إذا كان الخطاب موجّهاً لبني إسرائيل وروده في القرآن الكريم ليكون درساً بنّاءاً لنا.
1 ـ راجع المفردات للراغب، وتفسير المنار، [المجلّد الأوّل، ص308] وتفسير الرازي [المجلّد السابع، ص7].
2 ـ «تأذّن» من باب «تفعّل» بمعنى الإعلام للتأكيد، لأنّ مادّة أفعال من (إيذان) بمعنى إعلام، ولمّا يصبح من باب تفعّل يستفاد منه الإضافة والتأكيد.
ومن الطريف أنّه في حالة الشكر يقول بصراحة (لأزيدنّكم) أمّا في حالة كفران النعم فلا يقول (اُعذّبكم) بل يقول: (إنّ عذابي لشديد) وهذا التفاوت دليل على سموّ اللطف الإلهي.
* * *
كما قلنا في تفسير الآية أعلاه، فإنّ إضافة «أيّام» إلى «الله» إشارة إلى الأيّام المصيرية والمهمّة في حياة الناس، فإنّها بسبب عظمتها اُضيفت إليها كلمة «الله»، وكذلك لأنّ واحدة من النعم الإلهيّة الكبيرة شملت حال قوم أو اُمّة، أو إحدى العقوبات الكبرى أصابت قوماً طاغين بالعذاب الإلهي، وقد أراد الله تعالى أن يجعل هذه الأيّام تذكرة باقية للناس.
الرّوايات الواردة من أهل البيت (عليهم السلام) تشير أنّهم فسّروا «أيّام الله» بأيّام مختلفة، فعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال «أيّام الله، يومٌ يقوم القائم (عليه السلام) ويوم الكرّة(1)، ويوم القيامة»(2).
وجاء في تفسير علي بن إبراهيم «أيّام الله ثلاثة أيّام، يوم قيام المهدي (عليه السلام)ويوم الموت، ويوم القيامة».
وعن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «أيّام الله نعماؤه وبلاؤه ببلائه سبحانه»(3).
وكما قلنا سابقاً فإنّ مثل هذه الأحاديث غير دالّة على الحصر إطلاقاً، بل هي بيان لقسم من مصاديقها.
1 ـ يوم الكرّة ـ أي يوم الرجعة.
2 ـ نور الثقلين، ج2، 526.
3 ـ المصدر السّابق.
وعلى أيّة حال فتذكر الأيّام العظيمة (من أيّام النصر أو من أيّام الشدّة) له دور مؤثّر في يقظة الشعوب، وبالإلهام من هذا النداء السّماوي سوف نحيي الأيّام العظيمة في التاريخ الإسلامي، ونخصّص لها أيّاماً معيّنة في السنة لتجديد ذكراها، لكي نتعلّم منها الدروس التي لها أثر مهمّ في يومنا هذا.
وفي تاريخنا المعاصر ـ خصوصاً في تأريخ الثورة الإسلامية في إيران ـ توجد أيّام مثيرة جدّاً والتي هي بحقّ مصداق لـ«أيّام الله» ويجب أن نذكرها في كلّ سنة، وهي التي إمتزجت بذكرى الشهداء، المقاتلين، المجاهدين الكبار، ومن ثمّ نستلهم منها ونحفظ ميراثهم الكبير.
وعلى هذا الأساس يجب أن نُدخل هذه الأيّام العظام ضمن برامج الكتب الدراسيّة في مدارسنا، وضمن التعليم والتربية لأبنائنا، ولكي نعلم مسؤوليتنا «وذكّرهم» في مقابل الأجيال القادمة.
لقد أشار القرآن الكريم مراراً إلى «أيّام الله» فنسبها لبني إسرائيل مرّة، وأُخرى للمسلمين، وذكّرهم بأيّام النعم والعذاب.
نقرأ مراراً في آيات القرآن الكريم أنّ الفراعنة كانوا يذبحون أبناء بني إسرائيل ويحتفظون بنسائهم، وهذا العمل لا يقتصر على فرعون، بل كان على طول التاريخ طريقة كلّ المستعمرين حيث كانوا يبيدون قسماً من القوى الفاعلة والمقاومة، ويضعفون قسماً آخر منها ويستخدمونها في منافعهم الخاصّة، وبدون هذا العمل لا يمكنهم الإستمرار في إستعمارهم.
والمهمّ يجب أن نعلم أنّهم كانوا يذبحون الأبناء مباشرةً مرّةً (كالفراعنة) وأحياناً يبيدوهم بالإدمان على المخدّرات والمشروبات الكحولية، وإغراقهم في دوّاهة الفحشاء لذلك يجب أن ينتبه المسلمون إلى هذه المسألة، فإذا سلك
جيل الشباب هذه المسالك المهلكة وفقد سلاح الإيمان ومقدرته الجسدية، فيجب أن يعلم عبوديته للأجانب حتمية.
من الطريف أنّ الآية أعلاه بعد أن ذكرت «أيّام الله» أشارت بصراحة إلى يوم واحد منها، وهو يوم نجاة بني إسرائيل من قبضة الفراعنة (إذ أنجاكم من آل فرعون) إنّ تاريخ بني إسرائيل مليء بالأيّام العظيمة التي وهبهم الله فيها النعم الكبيرة تحت ظلّ هداية موسى، ولكن ذكر (يوم النجاة) في الآية أعلاه دليل على أهميّة الحرية والإستقلال في مصير الاُمم.
نعم لا تستطيع أي اُمّة أن تُظهر نبوغها وإستعدادها إلاّ من خلال قطع التبعية للأجنبي والتحرّر من قبضة الإستعمار وأسره. ولا يمكن أن ترفع قدماً في سبيل الله إلاّ من خلال محاربة الشرك والظلم.
ولهذا السبب كان العمل الأوّل للقادة الإلهيين هو تحرير الشعوب من التبعيّة الفكرية والثقافية والسياسيّة والإقتصادية، ثمّ العمل في إيجاد البرامج التوحيديّة والإنسانيّة لهم.
ممّا لا شكّ فيه أنّ الله سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى شكرنا في مقابل نعمه علينا، وإذا أمرنا بالشكر فذاك لنستوجب نعمة أُخرى وهي واحدة من المبادىء السامية في التربية.
![]() |
![]() |
![]() |