![]() |
![]() |
![]() |
وعلى أيّة حال فإنّ للبرق ـ الذي يسمّى في بعض الأحيان مزاح الطبيعة ـ
فوائد جمّة عُرِفت من خلال ما كشفه العلم الحديث. ونشير هنا إلى ثلاثة منها:
1 ـ السقي:ـ من الطبيعي أنّ البرق تتولّد منه حرارة عالية جدّاً قد تصل بعض الأحيان إلى (15) ألف درجة مئوية، وهذه الحرارة كافية لأن تحرق الهواء المحيط بها، وفي النتيجة يقلّ الضغط الجوي، فيسبّب سقوط الأمطار. ولهذا السبب نرى هطول الأمطار الغزيرة بعد حدوث البرق.
وهذه في الواقع واحدة من وظائف البرق (السقي).
2 ـ التعقيم:ـ ونتيجةً للحرارة العالية التي يسبّبها البرق فسوف يزداد مقدار الأوكسجين في قطرات الماء، ويسمّى هذا الماء بالماء الثقيل أو الماء المؤكسد (H2O2) ومن آثاره قتل المكروبات، ولهذا السبب يستعمل لغسل الجروح، فعند نزول هذه القطرات إلى الأرض سوف تُبيد بيوض الحشرات والآفات الزراعية، ولهذا السبب يقال أنّ السنة الكثيرة الآفات الزراعية هي السنة القليلة البرق والرعد.
3 ـ التغذية والتسميد:ـ تتفاعل قطرات الماء مع الحرارة العالية للبرق لتنتج حامض الكاربون، وعند نزولها إلى الأرض وتركيبها مع محتوياتها تضع نوعاً من السّماد النباتي، فتتمّ تغذية النبات من هذا الطريق.
يقول بعض العلماء: إنّ مقدار ما ينتجه البرق من الأسمدة في السنة يصل إلى عشرات الملايين من الأطنان، وهذه كميّة كبيرة جدّاً.
وعلى أيّة حال نرى من خلال ظاهرة طبيعيّة صغيرة كلّ هذه المنافع والبركات، فهي تقوم بالسقي ورشّ السموم والتغذية، فيمكن أن تكون دليلا واضحاً لمعرفة الله، كلّ ذلك من بركات البرق. كما أنّه يمكن أن يكون البرق عاملا مهمّاً في إشعال الحرائق من خلال الصاعقة، وقد تحرق الإنسان أو الأشجار، ومع أنّها نادرة الحدوث ويمكن الوقاية منها، فهي مع ذلك عامل خوف للناس، فمفهوم الخوف والطمع للبرق قد يكون إشارة إلى جميع هذه الأُمور.
ويمكن أن تكون الجملة (وينشىء السحاب الثقال) لها علاقة بالبرق الذي يصنع هذه الغيوم المليئة بالمياه.
الآية الأُخرى تشير إلى صوت الرعد الذي يتزامن مع البرق (ويسبّح الرعد بحمده)(1).
نعم، فهذا الصوت المدوّي في عالم الطبيعة يُضرب به المثل، فهو مع البرق في خدمة هدف واحد ولهما منافع متعدّدة كما أشرنا إليها، ويقومان بعملية التسبيح، وبعبارة أُخرى فالرعد لسان حال البرق يحكي عن عظمة الخالق وعن نظام التكوين. فهو كتاب معنوي، وقصيدة غرّاء، ولوحة جميلة وجذّابة، نظام محكم ومنظّم ومحسوب بدقّة، وبلسان حاله يتحدّث عن علم ومهارة وذوق الكاتب والرسام والمعمار ويحمده ويثني عليه، كلّ ذرّات هذا العالم لها أسرار ونظام دقيق. وتحكي عن تنزيه الله وخلوّه من النقص والعيوب (وهل التسبيح غير ذلك؟!).
وتتحدّث عن قدرته وحكمته (وهل الحمد غير بيان صفات الكمال؟!).
وقد إحتمل بعض الفلاسفة أنّ لكلّ ذرّات هذا العالم نوعاً من العقل والشعور، فهي من خلال هذا العقل تسبّح الله وتقدّسه، ليس بلسان الحال فقط، بل بلسان المقال أيضاً.
وليس الرعد وسائر أجزاء العالم تسبّح بحمده تعالى، بل حتّى الملائكة (والملائكة من خيفته)(2) فهم يخافون من تقصيرهم في تنفيذ الأوامر الملقاة على عاتقهم، وبالتالي فهم يخشون العقاب الإلهي، ونحن نعلم أنّ الخوف يُصيب أُولئك الذين يحسّون بمسؤولياتهم ووظائفهم .. خوف بنّاء يحثّ الشخص على
1 ـ للتوضيح أكثر في معنيي التسبيح والتقديس للكائنات سيأتي في ذيل الآية (وإن من شيء إلاّ يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) الإسراء، 44.
2 ـ يقول الشيخ الطوسي(رحمه الله) في تفسيره التبيان: الخيفة بيان لحالة الشخص أمّا الخوف فمصدر.
السعي والحركة.
وللتوضيح أكثر في مجال البرق والرعد تشير الآية إلى الصاعقة (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء) ومع كلّ ذلك ـ وبمشاهدة آيات العظمة الإلهية في عالم التكوين من السّماء والأرض والنباتات والأشجار والبرق والرعد وأمثالها، وفي قدرة الإنسان الحقيرة تجاه هذه الحوادث، حتّى في مقابل واحدة منها مثل شرارة البرق ـ نرى أنّ هناك جماعة جاهلة تجادل في الله (وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال).
«المحال» في الأصل «الحيلة» بمعنى التدبير السرّي وغير الظاهر، فالذي له القدرة على هذا التدبير يمتلك العلم والحكمة العالية، ولهذا السبب يستطيع أن ينتصر على أعدائه ولا يمكن الفرار من حكومته.
وذكر المفسّرون وجوهاً عديدة في تفسير (شديد المحال) فتارةً بمعنى «شديد القوّة»، أو «شديد العذاب»، أو «شديد القدرة» أو «شديد الأخذ»(1).
الآية الأخيرة تشير إلى مطلبين:
الأوّل: قوله تعالى: (له دعوة الحقّ) فهو يستجيب لدعواتنا، وهو عالم بدعاء العباد وقادرٌ على قضاء حوائجهم، ولهذا السبب يكون دعاؤنا إيّاه وطلبنا منه حقّاً، وليس باطلا.
ولكن دعاء الأصنام باطل (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء) نعم هكذا في دعوة الباطل ليست أكثر من وهم، لأنّ ما يقولونه من علم وقدرة الأصنام ما هو إلاّ أوهام وخيال، أو ليس الحقّ هو عين الواقع وأصل الخير والبركة؟ والباطل هو الوهم وأصل الشرّ والفساد؟ ولتصوير هذا الموضوع يضرب لنا القرآن الكريم مثالا حيّاً ورائعاً يقول: (إلاّ كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ
1 ـ فسّر البعض «المحال» من «المحلّ، الماحل» بمعنى المكر والجدال والتصميم على العقوبة، ولكن ما أشرنا إليه أعلاه هو الصحيح، والتّفسيران قريباً المعنى.
فاه وما هو ببالغه). فهل يستطيع أحد أن يجلس على بئر ويطلب الماء بإشارة يد ليبلغ الماء فاه؟ هذا العمل لا يصدر إلاّ من إنسان مجنون!
وتحتمل الآية تفسيراً آخر، فهي تُشبّه المشركين كمن بسط كفّه في الماء ليتجمع فوقها الماء، وعند خروجها من الماء لم يجد فيها شيئاً منه لأنّ الماء يتسرّب من بين أصابع الكفّ المفتوحة.
وهناك تفسير ثالث وهو أنّ المشركين ـ لحلّ مشاكلهم ـ كانوا يلجأون إلى الأصنام، فمثلهم مثل الذي يحتفظ بالماء في يده، هل يُحفظ الماء في يد؟! وهناك مثل معروف بين العرب لمن يسعى بدون فائدة يقال له: هو كقابض الماء باليد، ويقول الشاعر:
فأصبحت فيما كان بيني وبينها من الودّ مثل القابض الماء باليد
ولكنّنا نعتقد أنّ التّفسير الأوّل أوضح!
وللتأكيد على هذا الحديث يأتي في نهاية الآية قوله تعالى: (وما دعاء الكافرين إلاّ في ضلال) وأيّ ضلال أكبر من أن يسعى الإنسان ويجتهد في السبيل الضالّ ... ولكنّه لا يصل إلى مقاصده. ولا يحصل على شيء نتيجة تَعبه وجهده.
الآية الأخيرة من هذه المجموعة، ولكي تُبرهن كيف أنّ المشركين ضلّوا الطريق تقول: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال).
* * *
السجدة في هذه الموارد تعني الخضوع والتسليم، فإنّ جميع الملائكة
والناس ذوي العقول والأفكار متواضعين لله وخاضعين لأوامره، وهناك نوعان من السجود، سجود تكويني وهو أنّ الكلّ خاضعون ومسلّمون للقوانين الطبيعيّة مثل الحياة والممات والمرض و.. و..، والبعض منهم له سجود تشريعي بالإضافة إلى السجود التكويني، فهم بميلهم وإرادتهم يسجدون لله.
عبارة (طوعاً وكُرهاً) يمكن أن تكون إشارة إلى أنّ المؤمنين خاضعون لله بميلهم وإرادتهم، وأمّا غير المؤمنين فهم خاضعون كذلك للقوانين الطبيعيّة التي تسير بأمر الله إن شاؤوا وإن أبوا.
و (الكُره) بضمّ الكاف تعني الكراهية في داخل الإنسان، و (كَره) بفتح الكاف ما حُمل عليه الإنسان من خارج نفسه، وبما أنّ الأشخاص غير المؤمنين مقهورون للعوامل الخارجية وللقوانين الطبيعيّة، إستعمل القرآن (كَره) بفتح الكاف.
ويحتمل في تفسير (طوعاً وكرهاً) أنّ المقصود من «طوعاً» هو التوافق والميل الفطري والطبيعي بين الإنسان والأسباب الطبيعيّة (مثل حبّ أي إنسان للحياة) والمقصود من «كَرهَاً» هو ما فُرض على الإنسان من الخارج مثل موت أحد الأشخاص بسبب المرض أو أي عامل طبيعي آخر.
«الظِّلال» جمع «ظِل» وإستعمال هذه الكلمة في الآية يشير إلى أنّ المقصود في السجود ليس فقط السجود التشريعي، فظِلال الكائنات ليست خاضعة لإرادتهم وإختيارهم، بل هو تسليم لقانون الضوء، وعلى هذا يكون سجودهم تكويني، يعني التسليم لقوانين الطبيعيّة.
وطبيعي ليس المقصود من «الظلال» أنّ جميع ما في السّماوات والأرض لها وجود مادّي كي يكون لها ظلال، ولكن الآية تشير إلى تلك الأشياء التي لها ظلال، فمثلا يُقال: إنّ جمعاً من العلماء وأبنائهم شاركوا في المجلس الكذائي، وليس المقصود هنا أنّ لكلّ العلماء أبناء «فتدبّر».
وعلى أيّة حال فإنّ الظلّ أمر عدمي، وهو ليس أكثر من فقدان النّور، ولكن له آثاراً ووجوداً بسبب النّور المحيط به، ولعلّ الآية تشير إلى هذه النقطة، وهي أنّه حتّى الظلال خاضعة لله.
«الآصال» جمع «أُصل» وهي جمع «أصيل» ومعناه آخر وقت من النهار، ولذلك يعتبر أوّل الليل، والغدو جمع غداة بمعنى أوّل النهار.
ورغم انّ السجود والخضوع للأشياء الكونية في مقابل الأوامر الإلهيّة دائمة ومستمرّة في كلّ وقت، ولكن ذكرها هنا في موقعين (الصبح والعشاء) إِمّا أنّه كناية عن دوام الوقت، فمثلا تقول: إنّ فلاناً يطلب العلم صباحاً ومساءاً، فالمقصود وهو أنّه في كلّ وقت يطلب العلم، وإِمّا أن يكون المقصود من الآية ما جاء في الكلام عن الظلال والتي تكون واضحة أكثر في أوّل النهار وآخره.
* * *
قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لاَِنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الاَْعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظُّلُمَتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَبَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَلِقُ كُلِّ شَىْء وَهُوَ الْوَحِدُ الْقَهَّرُ (16)
كان البيان في الآيات السابقة عن معرفة الله وإثبات وجوده، وهذه الآية تبحث عن ضلال المشركين والوثنيين وتتناوله من عدّة جهات، حيث تخاطب ـ أوّلا ـ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث تقول: (قل من ربّ السموات والأرض). ثمّ تأمر النّبي أن يجيب على السؤال قبل أن ينتظر جوابهم (قل الله) ثمّ إنّه يلومهم ويوبّخهم بهذه الجملة (قل أفاتّخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً).
لقد بيّن ـ أوّلا ـ عن طريق ربوبيته أنّه المدبّر والمالك لهذا العالم، ولكلّ خير
ونفع من جانبه، وقادر على دفع أي شرّ وضرّ، وهذا يعني أنّكم بقبولكم لربوبيته يجب أن تطلبوا كلّ شيء من عنده لا من الأصنام العاجزة عن حلّ أيّة مشكلة لكم. ثمّ يذهب إلى أبعد من ذلك حيث يقول: إنّ هذه الأصنام لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضرّاً فكيف يمكنها أن تنفعكم أو تضرّكم؟ وهم والحال هذه لا يحلّون أي عقدةً لكم حتّى لو قمتم بعبادتهم، فهؤلاء لا يستطيعون تدبير أنفسهم فماذا يُنتظر منهم؟
ثمّ يذكر مثالين واضحين وصريحين يحدّد فيها وضع الأفراد الموحّدين والمشركين، فيقول أوّلا: (قل هل يستوي الأعمى والبصير) فكما لا يستوي الأعمى والبصير لا يستوي المؤمن والكافر، ولا يصحّ قياس الأصنام على الخالق جلّ وعلا.
ويقول ثانياً: (أم هل تستوي الظّلمات والنّور) كيف يمكن أن نساوي بين الظلام الذي يعتبر قاعدة الإنحراف والضلال، وبين النّور المرشد والباعث للحياة، وكيف يمكن أن نجعل الأصنام التي هي الظّلمات المحضة إلى جنب الله الذي هو النّور المطلق، وما المناسبة بين الإيمان والتوحيد اللذان هما نور القلب والروح، وبين الشرك أصل الظلام؟!
ثمّ يُدلِل على بطلان عقيدة المشركين عن طريق آخر فيقول: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم) والحال ليس كذلك، فإنّ المشركين أنفسهم لا يعتقدون بها، فهم يعلمون أنّ الله خالق كلّ شيء، وعالم الوجود مرتبط به، ولذلك تقول الآية: (قل الله خالق كلّ شيء وهو الواحد القهّار).
* * *
يمكن أن يستفاد من الآية أعلاه أنّ الخالق هو الربّ المدبّر، لأنّ الخلقة أمرٌ مستمر ودائمي، وليس من خلق الكائنات يتركهم وشأنهم، بل إنّه تعالى يفيض بالوجود عليهم بإستمرار وكلّ شيء يأخذ وجوده من ذاته المقدّسة، وعلى هذا فنظام الخلقة وتدبير العالم كلّها بيد الله، ولهذا السبب يكون هو النافع والضارّ. وغيره لا يملك شيء إلاّ منه، فهل يوجد أحدٌ غير الله أحقّ بالعبادة؟
بالنظر إلى الآية أعلاه يطرح هذا السؤال: كيف أمر الله نبيّه أن يسأل المشركين: من خلق السماوات والأرض؟ وبعدها بدون أن ينتظر منهم الجواب يأمر النّبي أن يجيب هو على السؤال ... وبدون فاصلة يوبّخ المشركين على عبادتهم الأصنام، أي طراز هذا في السؤال والجواب؟
ولكن مع الإلتفات إلى هذه النقطة يتّضح لنا الجواب وهو أنّه في بعض الأحيان يكون الجواب للسؤال واضح جدّاً ولا يحتاج إلى الإنتظار. فمثلا نسأل أحداً: هل الوقت الآن ليل أم نهار؟ وبلا فاصلة نجيب نحن على السؤال فنقول: الوقت بالتأكيد ليل. وهذه كناية لطيفة، حيث أنّ الموضوع واضح جدّاً ولا يحتاج إلى الإنتظار للجواب، بالإضافة إلى أنّ المشركين يعتقدون بخلق الله للعالم ولم يقولوا أبداً أنّ الأصنام خالقة السّماء والأرض، بل كانوا يعتقدون بشفاعتهم وقدرتهم على نفع الإنسان ودفع الضرر عنه، ولهذا السبب كانوا يعبدوهم. وبما أنّ الخالقية غير منفصلة عن الرّبوبية يمكن أن نُخاطب المشركين بهذا الحديث ونقول: أنتم الذين تقولون بأنّ الله خالق، يجب أن تعرفوا أنّ الربوبية لله كذلك،
ويختصّ بالعبادة أيضاً لذلك.
يشير ظاهر المثالين (الأعمى والبصير) و (الظّلمات والنّور) إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ النظر يحتاج إلى شيئين: العين المبصرة، وشعاع الشمس، بحيث لو إنتفى واحد منهما فإنّ الرؤية لا تتحقّق، والآن يجب أن نفكّر: كيف حال الأفراد المحرومين من البصر والنّور؟ المشركون المصداق الواقعي لهذا، فقلوبهم عُميٌ ومحيطهم مليءٌ بالكفر وعبادة الأصنام، ولهذا السبب فهم في تيه وضياع. وعلى العكس فالمؤمنون بنظرهم إلى الحقّ، وإستلهامهم من نور الوحي وإرشادات الأنبياء عرفوا مسيرة حياتهم بوضوح.
إستدلّ جمعٌ من أتباع مدرسة الجبر أنّ جملة (الله خالق كلّ شيء) في الآية أعلاه لها من السعة بحيث تشمل حتّى عمل الأفراد، فالله خالق أعمالنا ونحن غير مختارين.
يمكن أن نجيب على هذا القول بطريقين:
أوّلا: الجمل الأُخرى للآية تنفي هذا الكلام، لأنّها تلوم المشركين بشكل أكيد فإذا كانت أعمالنا غير إختيارية، فلماذا هذا التوبيخ؟! وإذا كانت إرادة الله أن نكون مشركين فلماذا يلومنا؟! ولماذا يسعى بالأدلّة العقليّة لتغيير مسيرتهم من الضلالة إلى الهداية؟ كلّ هذا دليل على أنّ الناس أحرار في إنتخاب طريقهم.
ثانياً: إنّ الخالقية بالذات من مختصّات الله تعالى. ولا يتنافى مع إختيارنا في الأفعال، لأنّ ما نمتلكه من القدرة والعقل والشعور، وحتّى الإختيار والحرية، كلّها
من عند الله، وعلى هذا فمن جهة هو الخالق (بالنسبة لكلّ شيء وحتّى أفعالنا) ومن جهة أُخرى نحن نفعل بإختيارنا، فهما في طول واحد وليس في عرض واُفق واحد، فهو الخالق لكلّ وسائل الأفعال، ونحن نستفيد منها في طريق الخير أو الشرّ.
فمثلا الذي يؤسّس معملا لتوليد الكهرباء أو لإنتاج أنابيب المياه، يصنعها ويضعها تحت تصرّفنا، فلا يمكن أن نستفيد من هذه الأشياء إلاّ بمساعدته، ولكن بالنتيجة يكون التصميم النهائي لنا، فيمكن أن نستفيد من الكهرباء لإمداد غرفة عمليات جراحية وإنقاذ مريض مشرف على الموت، أو نستخدمها في مجالس اللهو والفساد، ويمكن أن نروي بالماء عطش إنسان ونسقي ورداً جميلا، أو نستخدم الماء في إغراق دور الناس وتخريبها.
* * *
أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَة أَوْ مَتَع زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الاَْرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الاَْمْثَالَ (17)
يستند القرآن الكريم ـ الذي يعتبر كتاب هداية وتربية ـ في طريقته إلى الوقائع العينيّة لتقريب المفاهيم الصعبة إلى أذهان الناس من خلال ضرب الأمثال الحسّية الرائعة من حياة الناس، وهنا ـ أيضاً ـ لأجل أن يُجسّم حقائق الآيات السابقة التي كانت تدور حول التوحيد والشرك، الإيمان والكفر، الحقّ والباطل، يضرب مثلا واضحاً جدّاً لذلك ..
يقول أوّلا: (أنزل من السّماء ماءً) الماء عماد الحياة وأصل النمو والحركة،
(فسالت أودية بقدرها) تتقارب السواقي الصغيرة فيما بينها، وتتكوّن الأنهار وتتّصل مع بعضها البعض، فتسيل المياه من سفوح الجبال العظيمة والوديان وتجرف كلّ ما يقف أمامها، وفي هذه الأثناء يظهر الزَّبد وهو ما يرى على وجه الماء كرغوة الصابون من بين أمواج الماء حيث يقول القرآن الكريم: (فاحتمل السيل زبداً رابياً).
«الرابي» من «الربو» بمعنى العالي أو الطافي، والربا بمعنى الفائدة مأخوذ من نفس هذا الأصل.
وليس ظهور الزبد منحصراً بهطول الأمطار، بل (وممّا يوقدون عليه في النّار إبتغاء حلية أو متاع زبد مثله)(1) أي الفلزات المذابة بالنّار لصناعة أدوات الزينة منها أو صناعة الوسائل اللازمة في الحياة.
بعد بيان هذا المثال بشكله الواسع لظهور الزبد ليس فقط في الماء بل حتّى للفلزات وللمتاع، يستنتج القرآن الكريم (كذلك يضرب الله الحقّ والباطل) ثمّ يتطرّق إلى شرحه فيقول: (فأمّا الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
فأمّا الزبد الذي لا فائدة فيه فيذهب جفاءً ويصير باطلا متلاشياً، وأمّا الماء الصافي النقي المفيد فيمكث في الأرض أو ينفذ إلى الأعماق وتتكوّن منه العيون والآبار تروي العطاش، وتروي الأشجار لتثمر، والأزهار لتتفتّح، وتمنح لكلّ شيء الحياة.
وفي آخر الآية ـ للمزيد من التأكيد في مطالعة هذه الأمثال ـ يقول تعالى: (كذلك يضرب الله الأمثال).
* * *
1 ـ تشير هذه الآية إلى الأفران التي تستعمل لصهر الفلزات، فهذه الأفران تتميّز بوجود النّار من تحتها ومن فوقها يعني نارٌ تحت الفلز ونار فوقه، وهذه من أفضل أنواع الأفران حيث تحيط بها النّار من كلّ جانب.
هذا المثال البليغ الذي عبّر عنه القرآن الكريم بألفاظ موزونة وعبارات منظّمة. وصوّر فيها الحقّ والباطل بأروع صورة، فيه حقائق مخفيّة كثيرة ونشير هنا إلى قسم منها:
يحتاج الإنسان في بعض الأحيان لمعرفة الحقّ والباطل ـ إذا أشكل عليه الأمر ـ إلى علائم وأمثال حتّى يتعرّف من خلالها على الحقائق والأوهام. وقد بيّن القرآن الكريم هذه العلامات من خلال المثال أعلاه:
ألف:ـ الحقّ مفيد ونافع دائماً، كالماء الصافي الذي هو أصل الحياة. أمّا الباطل فلا فائدة فيه ولا نفع، فلا الزبد الطافي على الماء يروي ظمآناً أو يسقي أشجاراً، ولا الزبد الظاهر من صهر الفلزات يمكن أن يستفاد منه للزينة أو للإستعمالات الحياتية الأُخرى، وإذا إستخدمت لغرض فيكون إستخدامها رديئاً ولا يؤخذ بنظر الإعتبار .. كما نستخدم نشارة الخشب للإحراق.
باء:ـ الباطل هو المستكبر والمرفّه كثير الصوت، كثير الأقوال لكنّه فارغ من المحتوى، أمّا الحقّ فمتواضع قليل الصوت، وكبير المعنى، وثقيل الوزن(1).
جيم ـ الحقّ يعتمد على ذاته دائماً، أمّا الباطل فيستمدّ إعتباره من الحقّ ويسعى للتلبّس به، كما أنّ (الكذب يتلبّس بضياء الصدق) ولو فقد الكلام الصادق من العالم لما كان هناك من يصدق الكذب. ولو فقدت البضاعة السليمة من العالم لما وجد من يخدع ببضاعة مغشوشة. وعلى هذا فوجود الباطل راجع إلى شعاعه الخاطف وإعتباره المؤقّت الذي سرقه من الحقّ، أمّا الحقّ فهو مستند إلى نفسه وإعتباره منه.
1 ـ يقول الإمام علي (عليه السلام) في وصفه أصحابه يوم الجمل «وقد أرعدوا وأبرقوا ومع هذين الأمرين الفشل، ولسنا نرعد حتّى نوقع ولا نسيل حتّى نمطر».
«الزبد» بمعنى الرغوة التي تطفوا على السائل، والماء الصافي أقلّ رغوة، لأنّ الزبد يتكوّن بسبب إختلاط الأجسام الخارجية مع الماء، ومن هنا يتّضح أنّ الحقّ لو بقي على صفائه ونقائه لم يظهر فيه الخبث أبداً، ولكن لإمتزاجه بالمحيط الخارجي الملوّث فإنّه يكتسب منه شيئاً، فتختلط الحقيقة مع الخرافة، والحقّ بالباطل، والصافي بالخابط. فيظهر الزبد الباطل إلى جانب الحقّ.
وهذا هو الذي يؤكّده الإمام علي (عليه السلام) حيث يقول: «لو أنّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين، ولو أنّ الحقّ خلص من لبس الباطل إنقطعت عنه ألسن المعاندين».(1)
يقول بعض المفسّرين إنّ للآية أعلاه ثلاث أمثلة: «نزول آيات القرآن» تشبيهه بنزول قطرات المطر للخير، «قلوب الناس» شبيهة بالأرض والوديان وبقدر وسعها يستفاد منها، «وساوس الشيطان» شبيهة بالزبد الطافي على الماء، فهذا الزبد ليس من الماء، بل نشأ من إختلاط الماء بمواد الأرض الأُخرى، ولهذا السبب فوساوس النفس والشيطان ليست من التعاليم الإلهية، بل من تلوّث قلب الإنسان، وعلى أيّة حال فهذه الوساوس تزول عن قلوب المؤمنين ويبقى صفاء الوحي الموجب للهداية والإرشاد.
يستفاد من هذه الآية ـ أيضاً ـ أنّ مبدأ الفيض الإلهي لا يقوم على البخل والحدود الممنوعة، كما أنّ السحاب يسقط أمطاره في كلّ مكان بدون قيد أو
1 ـ نهج البلاغة، الخطبة 50.
شرط، وتستفيد الأرض والوديان منها على قدر وسعها، فالأرض الصغيرة تستفيد أقلّ والأرض الواسعة تستفيد أكثر، وهكذا قلوب الناس في مقابل الفيض الإلهي.
عندما يصل الماء إلى السهل أو الصحراء ويستقرّ فيها، تبدأ المواد المختلطة مع الماء بالترشّح ويذهب الزبد فيظهر الماء النقي مرّةً ثانية، وعلى هذا النحو فالباطل يبحث عن سوق مضطربة حتّى يستفيد منها، ولكن بعد إستقرار السوق وجلوس كلّ تاجر في مكانه المناسب وتحقّق الإلتزامات والضوابط في المجتمع، لا يجد الباطل له مكاناً فينسحب بسرعة!
إنّ واحدة من خصائص الباطل هي أنّه يغيّر لباسه من حين لآخر، حتّى إذا عرفوه بلباسه يستطيع أن يخفي وجهه بلباس آخر، وفي الآية أعلاه إشارة لطيفة لهذه المسألة، حيث تقول: لا يظهر الزبد في الماء فقط، بل يظهر حتّى في الأفران المخصوصة لصهر الفلزات بشكل ولباس آخر، وبعبارة أُخرى فإنّ الحقّ والباطل موجودان في كلّ مكان كما يظهر الزبد في السوائل بالشكل المناسب لها. وعلى هذا يجب أن لا نُخدع بتنوّع الوجوه وأن نعرف أوجه الباطل ونطرحه جانباً.
تقول الآية: (وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ليس الماء فقط يبقى ويذهب الزبد الطافي عليه، بل حتّى الفلزات تلك التي تستعمل للزينة أو للمتاع
يبقى الخالص منها ويذهب خبثه. وعلى هذا النحو فالناس والمدارس والمبادىء لهم حقّ الحياة على قدر منفعتهم، وإذا ما رأينا بقاء أصحاب المباديء الباطلة لفترة فانّ ذلك بسبب وجود ذلك المقدار من الحقّ الذي إختلط فيه، وبهذا المقدار له حقّ الحياة.
«الجفاء» بمعنى الإلقاء والإخراج، ولهذا نكتة لطيفة وهي أنّ الباطل يصل إلى درجة لا يمكن فيها أن يحفظ نفسه، وفي هذه اللحظة يُلقى خارج المجتمع، وهذه العملية تتمّ في حالة هيجان الحقّ، فعند غليان الحقّ يظهر الزبد ويطفو على سطح ماء القدر ويُقذف إلى الخارج، وهذا دليل على أنّ الحقّ يجب أن يكون في حالة هيجان وغليان دائماً حتّى يُبعد الباطل عنه.
كما قلنا في تفسير الآية، فلو لم يكن الماء لما وجد الزبد، ولا يمكن له أن يستمر، كما أنّه لولا وجود الحقّ فانّ الباطل لا معنى له ولو لم يكن هناك أشخاص صادقون لما وقع أحد تحت تأثير الأفراد الخونة ولما صدّق بمكرهم، فالشعاع الكاذب للباطل مدين في بقائه لنور الحقّ.
المثال الذي ضربهُ لنا القرآن الكريم في تجسيم الحقّ والباطل ليس مثالا محدوداً في زمان ومكان معينين، فهذا المنظر يراه الناس في جميع مناطق العالم المختلفة، وهذا يبيّن أنّ عمل الحقّ والباطل ليس مؤقتاً وآنياً. وجريان الماء
العذب والمالح مستمر إلى نفخ الصور، إلاّ إذا تحوّل المجتمع إلى مجتمع مثالي (كمجتمع عصر الظهور وقيام الإمام المهدي (عليه السلام)) فعنده ينتهي هذا الصراع، وينتصر الحقّ ويطوي بساط الباطل، وتدخل البشرية مرحلة جديدة من تاريخها، وإلى أن نصل إلى هذه المرحلة فالصراع مستمر بين الحقّ والباطل، ويجب أن نحدّد موقفنا في هذا الصراع.
المثال الرائع أعلاه يوضّح هذا الأساس لحياة الناس، وهو أنّ الحياة بدون جهاد غير ممكنة، والعزّة بدون سعي غير ممكنة أيضاً، لأنّه يقول: يجب أن يذهب الناس إلى المناجم لتهيئة مستلزمات حياتهم في المتاع والزينة (إبتغاء حلية أو متاع). وللحصول على هذين الشيئين يجب تنقية المواد الخام من الشوائب بواسطة نيران الأفران للحصول على الفلز الخالص الصالح للإستعمال، وهذا لا يتمّ إلاّ من خلال السعي والمجاهدة والعناء.
وهذه هي طبيعة الحياة حيث يوجد إلى جانب الورد الشوك، وإلى جانب النصر توجد المصاعب والمشكلات، وقالوا في القديم: (الكنوز في الخرائب وفوق كلّ كنز يوجد ثعبانٌ نائم)، فإنّ هذه الخربة والثعبان تمثّلان المشاكل والصعوبات للحصول على الموفّقية في الحياة.
ويؤكّد القرآن الكريم هذه الحقيقة وهي أنّ التوفيق لا يحصل إلاّ بتحمّل المصاعب والمحن، يقول جلّ وعلا في الآية (214) من سورة البقرة: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إنّ نصر الله قريب).
إنّ دور المثال في توضيح وتفسير الغايات له أهميّة كبيرة غير قابلة للإنكار، ولهذا السبب لا يوجد أي علم يستغني عن ذكر المثال لإثبات وتوضيح الحقائق وتقريب معناها إلى الأذهان، وتارةً ينطبق المثال مع المقصود بشكل يجعل المعاني الصعبة تنزل من السّماء إلى الأرض وتكون مفهومة للجميع، فيمكن أن يقال: إنّ المثال له دور مؤثّر في مختلف الأبحاث العلمية والتربوية والإجتماعية والأخلاقية وغيرها، ومن جملة تأثيراته:
من المعلوم أنّ الإنسان يأنس بالمحسوسات أكثر، أمّا الحقائق العلمية المعقّدة فهي بعيدة المنال. والأمثال تقرّب هذه الفواصل وتجعل الحقائق المعنوية محسوسة، وإدراكها يسير ولذيذ.
تارةً يحتاج الإنسان لإثبات مسألة منطقية أو عقلية إلى أدلّة مختلفة، ومع كلّ هذه الأدلّة تبقى هناك نقاط مبهمة محيطة بها، ولكن عند ذكر مثال واضح منسّق مع الغاية يقرّب المعنى ويعزّز الأدلّة ويقلّل من كثرتها.
كثير من البحوث العلمية بشكلها الأصلي يفهمها الخواص فقط، ولا يستفيد منها عامّة الناس، ولكن عندما يصحبها المثال تكون قابلة للفهم، ويستفيد منها الناس على إختلاف مستوياتهم العلمية، ولهذا فالمثال وسيلة لتعميم الفكر
والثقافة.
مهما تكن الكليّات العقلية منطقية، فإنّها لا تخلق حالة اليقين الكافية في ذهن الإنسان، لأنّ الإنسان يبحث عن اليقين في المحسوسات، فالمثال يجعل من المسألة الذهنيّة واقعاً عينيّاً، ويوضّحها في العالم الخارجي، ولهذا السبب فإنّ له أثره في زيادة درجة تصديق المسائل وقبولها.
كثيراً ما لا تنفع الأدلّة العقليّة والمنطقيّة لإسكات الشخص المعاند حيث يبقى مصرّاً على عناده ولكن عندما نصب الحديث في قالب المثال نوصد الطريق عليه بحيث لا يبقى له مجال للتبرير ولا لإختلاق الأعذار.
ولا بأس أن نطرح هنا بعض الأمثلة حتى نعرف مدى تأثيرها:
نقرأ في القرآن الكريم أنّ الله سبحانه وتعالى يردُ على الذين أشكلوا على ولادة السّيد المسيح (عليه السلام) كيف أنّه ولد من اُمّ بغير أب (إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب).(1)
لاحظوا جيداً، فنحن مهما حاولنا أن نقول للمعاندين: إنّ هذا العمل بالنسبة إلى قدرة الله المطلقة لا شيء، فمن الممكن أن يحتجّوا أيضاً، ولكن عندما نقول لهم هل تعتقدون أنّ آدم خلقه الله من تراب؟ فانّ الله الذي له هذه القدرة كيف لا يستطيع إيجاد شخص بدون أب؟!
1 ـ آل عمران، 59.
وبالنسبة إلى المنافقين الذين يقضون في ظلّ نفاقهم أيّاماً مريحة ظاهراً، فانّ القرآن الكريم يضرب مثالا رائعاً عن حالهم، فيشبهّهم بالمسافرين في الصحراء فيقول (يكاد البرق يخطف أبصارهم كلّما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إنّ الله على كلّ شيء قدير).(1)
فهل يوجد أوضح من هذا الوصف للمنافق التائه في الطريق، ليستفيد من نفاقه وعمله كي يستمرّ في حياته؟
وعندما تقول للأفراد: إنّ الإنفاق يضاعفه لكم الله عدّة مرّات قد لا يستطيعون أن يفهموا هذا الحديث، ولكن يقول القرآن الكريم: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبّة أبنتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مئة حبّة)(2)، وهذا المثال الواضح أقرب للإدراك.
وغالباً ما نقول: إنّ الرياء لا ينفع الإنسان، فقد يكون هذا الحديث ثقيلا على البعض، كيف يمكن لهذا العمل أن يكون غير مفيد، فبناء مستشفى أو مدرسة حتّى لو كان بقصد الرياء .. لماذا ليست له قيمة عند الله؟! ولكن يضرب الله مثالا رائعاً حيث يقول: (فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً).(3)
![]() |
![]() |
![]() |