![]() |
![]() |
![]() |
والجواب على ذلك أنّ الآية تبيّن حكماً نوعياً وليس حكماً عاماً شاملا للجميع ونظير ذلك كثير في الأدب العربي.
ومن الشواهد على ذلك: الآية (32) من سورة فاطر حيث تقول: (ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنه سابق
1 ـ إِن ضمير «عليها» يعود إِلى «الأرض» وإِنْ لم يرد لها ذكر في الآيات المتقدمة لوضوح الأمر، ونظائر ذلك كثيرة في لغة العرب.
بالخيرات بإِذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير).
فنرى الآية تتطرق إِلى ثلاثة أقسام: ظالم، صاحب ذنوب خفيفة، وسابق بالخيرات.. ومن المسلم به أَنَّ القسم الأوّل هو المقصود في الآية مورد البحث دون القسمين الآخرين، ولا عجب من تعميم الآية، لأنّ هذا القسم يشكل القسم الأكبر من المجتمعات البشرية.
ويتّضح من خلال ما ذكر أنّ الآية لا تنفي عصمة الأنبياء، أمّا مَنْ يعتقد بخلاف ذلك فقد غفل عن القرائن الموجودة في العبارة من جهة، ولم يلتفت إِلى ما توحي إِليه بقية الآيات القرآنية بهذا الخصوص.
ويضيف القرآن الكريم قائلا: (ولكنْ يؤخرهم إِلى أجل مسمى فإِذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).
بل يدركهم الموت في نفس اللحظة المقررة.
* * *
للمفسّرين بيانات كثيرة بشأن المراد من «الأجل المسمى» ولكن بملاحظة سائر الآيات القرآنية، ومن جملتها الآية (2) من سورة الأنعام، والآية (34) من سورة الأعراف، يبدو أنّ المراد منه وقت حلول الموت، أيْ: إِنَّ اللّه عزَّوجلّ يمهل الناس إِلى آخر عمرهم المقرر لهم إِتماماً للحجة عليهم، ولعل مَنْ ظلم يعود إِلى رشده ويصلح شأنه فيكون ذلك العود سبباً لرجوعه إِلى بارئه الحق وإِلى العدالة.
ويصدر أمر الموت بمجرّد انتهاء المهلة المقررة، فيبدأ بعقابهم من بداية اللحظات الأُولى لما بعد الموت.
ولأجل المزيد من الإِيضاح حول مسألة (الأجل المسمى) راجع ذيل الآية
رقم (2) من سورة الأنعام وكذا ذيل الآية (34) من سورة الأعراف.
* * *
ويعود القرآن الكريم ليستنكر بدع المشركين وخرافاتهم في الجاهلية (حول كراهية المولود الأنثى والإِعتقاد بأنّ الملائكة إِناثاً، فيقول: (ويجعلون لله ما يكرهون).
فهذا تناقض عجيب ـ وكما جاء في الآية (22) من سورة النجم (تلك إِذَاً قسمة ضيزى) فإِنْ كانت الملائكة بنات اللّه سبحانه وتعالى فينبغي أن تكون البنات أمراً حسناً، فلماذا تكرهون ولادتها؟! وإِنْ كانت شيئاً سيئاً فلماذا تنسبونها إِلى اللّه؟!
ومع كل ذلك.. (وتصف ألسنتهم الكذب أنّ لهم الحسنى).
فبأي عمل تنتظرون حسنى الثواب؟! أبوأدكم بناتكم؟! أم بافترائكم على اللّه؟!...
وجاءت «الحسنى» (وهي مؤنث أحسن) هنا بمعنى أفضل الثواب أو أفضل العواقب، وذلك ما يدعيه أُولئك المغرورون الضالون لأنفسهم مع كل ما جاؤوا به من جرائم!
وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: كيف يقول عرب الجاهليه بذلك وهم لا يؤمنون بالمعاد؟
والجواب: أنّهم لم ينكروا المعاد مطلقاً، وإِنّما كانوا ينكرون المعاد الجسماني، ويستوعبون مسألة عودة الإِنسان إِلى حياته المادية مرّة أُخرى.
إِضافة إِلى إِمكان اعتبار قولهم قضية شرطية، أيْ: إِنْ كان هناك معاد حقّاً فسيكون لنا في عالمه أفضل الجزاء! وهكذا هو تصور كثير من الجبابرة والمنحرفين فبالرغم من بُعدهم عن اللّه تعالى يعتبرون أنفسهم أقرب الناس اليه، ويتشدّقون بادّعاءت هزيلة مدعاة للسخرية!
واحتمل بعض المفسّرين أيضاً أنّ «الحسنى» تعني نعمة الأولاد الذكور، لأنّهم يعتبرون البنات سوءاً وشرّاً، والبنين نعمةً وحسنى.
إِلاّ أنّ التّفسير الأوّل يبدو أكثر صواباً، ولهذا يقول القرآن، وبلافاصلة: (لاجَرَمَ أنّ لهم النّار)، أيْ: أنّهم ليسوا فاقدين لحسن العاقبة فقط، بل و «لهم النّار» (و إِنّهم مفرطون) أيْ: من المتقدمين في دخول النّار.
والمفرط: من فرط، على وزن (فقط) بمعنى التقدم.
وربّما يراود البعض منّا الإِستغراب عند سماعة لقصة عرب الجاهلية في وأدهم للبنات، ويسأل: كيف يصدَّق أن نسمع عن إِنسان ما يدفن فلذة كبده بيده وهي على قيد الحياة؟!..
وكأنّ الآية التالية تجيب على ذلك: (تالله لقد أرسلنا إِلى أُمم من قبلك فزَيَّن لهم الشيطان أعمالهم).
نعم، فللشيطان وساوس يتمكن من خلالها أن يصور أقبح الأعمال وأشنعها جميلة في نظر البعض بحيث يعتبرها مجالا للتفاخر! كما كانوا يعتبرون وأد البنات شرفاً وفخراً وحفظاً لناموس وكرامة القبيلة! ممّا يحدو ببعض المغفلين لأن يتفاخر بالقول: لقد دفنتُ ابنتي اليوم بيدي كي لا تقع غداً أسيرة في يد الأعداء!
فإنّ كان الشيطان يزيّن أقبح الأعمال مثل وأد البنات بنظر بعض الناس بهذه الحال، فحال بقية الأعمال معلوم.
ونرى في يومنا الكثير من أعمال الناس التي سيطر عليها زخرف الشيطان، فراحوا ينعتون سرقاتهم وجرائمهم بعبارات تبدو مقبولة فيخفون حقيقتها في طي زخرف القول.
ثمّ يضيف القرآن: إِن مشركي اليوم على سنّة من سبقهم من الماضين من الذين زينوا أعمالهم بزخرف ما أوحى لهم الشيطان (فهو وليهم اليوم)، يستفيدون ممّا يعطيهم إِيّاه.
ولهذا.. (ولهم عذاب أليم).
وللمفسّرين بيانات كثيرة في تفسير (فهو وليهم اليوم) ولعل أوضحها ما قلناه أعلاه، أيْ: إنّها إِشارة إِلى أنّ المشركين في عصر الجاهلية إِنّما هم على خطى الأُمم المنحرفة السابقة، والشيطان رائد مسيرتهم والموجه لهم كما كان للماضين(1).
ويحتمل تفسيرها أيضاً بأنّ المقصود من (فهو وليهم اليوم) أنّه لا تزال بقايا الأمم المنحرفة السابقة موجودة إِلى اليوم، ولا زالوا يعملون بطريقتهم المنحرفة، والشيطان وليهم كما كان سابقاً.
وتبيّن آخر آية من الآيات مورد البحث هدف بعث الأنبياء، ولتؤكّد حقيقة: أنّ الأقوام والأُمم لو اتبعت الأنبياء وتخلت عن أهوائها ورغباتها الشخصية لما بقي أثر لأي خرافة وانحراف، ولزالت تناقضات الأعمال، فتقول: (وما أنزلنا عليك الكتاب إِلاّ لتبيّن لهم الذي اختلفوا فيه هدىً ورحمةً لقوم يؤمنون).
ليخرج وساوس الشيطان من قلوبهم، ويزيل حجاب النفس الأمارة بالسوء عن الحقائق لتظهر ناصعة براقة، ويفضح الجنايات والجرائم المختفية تحت زخرف القول، ويمحو أيَّ أثر للإِختلافات الناشئة من الأهواء، فيقضى على القساوة بنشر نور الرحمة والهداية ليعم الجميع في كل مكان.
* * *
1 ـ ولكن لازم هذا التّفسير وجود اختلاف في ضمير (أعمالهم) وضمير (وليهم)، فالأوّل يعود إِلى الاُمم السالفة، والثّاني الى المشركين في صدر الإِسلام. ويمكن حل هذا المشكل بتقدير جملة، وهي ان تقول: هؤلاء يتبعون الأُمم الماضية. (فتأمل).
وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمآءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِى ذلِكَ لأََيَةً لِقَوْم يَسْمَعُونَ(65) وَإِنَّ لَكُمْ فِى الأَْنْعـمِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْث وَدَم لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّـرِبِينَ(66) وَمِن ثَمَرتِ النَّخِيلِ وَالأَْعْنـبِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إَنَّ فِى ذلِكَ لأََيَةً لِقَوْم يَعْقِلُونَ(67)
مرّة أُخرى، يستعرض القرآن الكريم النعم والعطايا الإِلهية الكثيرة، تأكيداً لمسألة التوحيد ومعرفة اللّه، وإِشارة إِلى مسألة المعاد، وتحريكاً لحس الشكر لدى العباد ليتقربوا إِليه سبحانه أكثر، ومن خلال هذا التوجيه الرّباني تتّضح علاقة الربط بين هذه الآيات وما سبقها من آيات.
فالآية الأخيرة من الآيات السابقة تناولت مسألة نزول القرآن وما فيه من حياة لروح الإِنسان، وبنفس السياق تأتي الآية الأُولى من الآيات مورد البحث لتتناول نزول الأمطار وما فيها من حياة لجسم الإِنسان: (واللّه أنزل من السماء ماءً
فأحيا به الأرض بعد موتها إنّ في ذلك لآيةً لقوم يسمعون).
لقد تناولت آيات قرآنية كثيرة مسألة إِحياء الأرض بواسطة نزول الأمطار من السماء، فكم من أرض يابسة أو ميتة أحياناً أو أصابها الجفاف فأخرجها عن مجال الإِستفادة من قبل الإِنسان، ونتيجة لما وصلت إِليه من وضع قد يخيل للإِنسان أنّها أرض غير منبتة أصلا، ولا يصدّق بأنّها ستكون أرض معطاء مستقبلا ـ ولكنّ، بتوالي سقوط المطر عليها وما يبث عليها من أشعة الشمس، ترى وكأنّها ميت قد تحرك حينما تدب فيه الروح من جديد، فتسري في عروقها دماء المطر وتعادلها الحياة، فتعمل بحيويه ونشاط وتقدم أنواع الورود والنباتات، ومن ثمّ تتجه إِليها الحشرات والطيور وأنواع الحيوانات الأُخرى من كل جانب، وبذلك...تبدأ عجلة الحياة على ظهرها بالدوران من جديد.
وخلاصة المقال أنّه سيبقى الإِنسان مبهوتاً أمام تحول الأرض الميتة إِلى مسرح جديد للحياة، وهذا بحق من أعظم عجائب الخلقة.
وهذا المظهر من مظاهر قدرة وعظمة الخالق عزَّوجلّ يدلل بما لا يقبل الشك على إِمكان المعاد، وما ارتداء الأموات لباس الحياة الجديد إِلاّ أمر خاضع لقدرته سبحانه.
وإِنّ نعمة الأمطار (التي لا يتحمل الإِنسان أي قسط من أمر إِيجادها) دليل آخر على قدرة وعظمة الخالق سبحانه.
وبعد ذكر نعمة الماء (الذي يعتبر الخطوة الأُولى على طريق الحياة) يشير القرآن الكريم إِلى نعمة وجود الأنعام، وبخصوص ما يؤخذ منها من اللبن كمادة غذائية كثيرة الفائدة، فيقول: (وأنّ لكم في الأنعام لعبرة).
وأية عبرة أكثر من أنْ: (نسقيكم ممّا في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين).
«الفرث» لغةً: بمعنى الأغذية المهضومة في المعدة والتي بمجرّد وصولها إِلى
الامعاء تزود البدن بمادتها الحياتية، بينما يدفع الزائد منها إِلى الخارج.. فما يهضم من غذاء داخل المعدة يسمّى «فرثاً» وما يدفع إِلى الخارج يسمّى (روثاً).
ونعلم بأنّ جدار المعدة لا يمتص إِلاّ مقداراً قليلا من الغذاء (كبعض المواد السكرية) والقسم الأكبر منه ينتقل إِلى الأمعاء كي يمتص الدم ما يحتاجه منه.
وكما نعلم أيضاً بأنّ اللبن يترشح من غدد خاصّة داخل ثدي الإِناث، ومادته الأصلية تؤخذ من الدم والغدد الدهنية.
فهذه المادة الناصعة البياض ذات القوّة الغذائية العالية تنتج من الأغذية المهضومة المخلوطة بالفضلات، ومن الدم.
والعجب يكمن في استخلاص هذا النتاج الخالص الرائع من عين ملوثة!
وبعد حديثه عن الأنعام وألبانها يتناول القرآن ذكر النعم النباتية، فيقول: (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً إِنّ في ذلك لآية لقوم يعقلون).
«السكر» لغةً، له معاني مختلفة، إِلاّ أنّه هنا بمعنى: المسكرات والمشروبات الكحولية (وهو المعنى المشهور من تلك المعاني).
وممّا لا يقبل الشك أنّ القرآن لا يجيز في هذه الآية صنع المسكرات من التمر والعنب أبداً، وإِنّما جاء ذكر المسكرات هنا لمقابلته بـ (رزقاً حسناً) وكإِشارة صغير لتحريم الخمر ونبذه. وعلى هذا .. فلا حاجة للقول بأنّ هذه الآية نزلت قبل تحريم الخمر أو أنّها تشير إِلى تحليله، بل حقيقة التعبير القرآني يشير إِلى التحريم، ولعل الآية كانت تمثل الإِنذار الأوّل للتحريم.
وقد تبدو العبارة وكأنّها جملة اعتراضية بين قوسين داخل الآية القرآنية.
* * *
يقول القرآن الكريم في ذلك كما في الآيات أعلاه: إنّه يخرج من بين «فرث» ـ الأغذية المهضومة داخل المعدة ـ و «دم».
وقد أثبت ذلك فيزيولوجياً: حيث أنّه عندما يتمّ هضم الغذاء داخل المعدة ويكون جاهزاً للإِمتصاص ينتشر داخل المعدة والأمعاء بشكل واسع وأمام الملايين من العروق الشعيرية، فتمتص منه العناصر المفيدة المطلوبة لتوصلها إِلى تلك الشجرة ذات الجذور التي تنتهي عروقها عند عروق الثدي.
عندما تتناول المرأة الحامل الغذاء تنتقل عصارته إِلى الدم الذي يجري في عروقها حتى يصل نهاية العروق المجاورة لعروق الجنين ليتغذى الجنين بهذه الطريقة ما دام في بطن أمه، وعندما ينفصل عن أُمّه يتحول طريق تغذيته إِلى الثدي .. وهنا لا تستطيع الأُم أن تصل دمها إِلى دم ولدها، ولذلك ينبغي تصفية الغذاء وتغيير حالته بما ينسجم والوضع الجديد للطفل، وهنا ... يتكون اللبن من بين فرث ودم، أيْ: من بين ما تتناوله الأم الذي يتحول إِلى فرث وما ينتقل من مواده إِلى الدم ليتكون منه اللبن.
فاللبن في حقيقة .. شيء وسط بين الفرث والدم، فلا هو دم مصفى ولا هو غذاء مهضوم، وهو أعلى من الثّاني ودون الأوّل!
علماً بأنّ الثدي يستفيد من الحوامض الأمينية المخزونة في البدن فقط في صناعة المواد البروتينية للبن.
وثمّة مكونات أُخرى للبن لا توجد في الدم وإِنّما تنتجها غدد خاصّة في الثدي (كالكازوئين).
والبعض الآخر من المكونات يأتي من ترشح بلازما الدم مباشرة: ويدخل في تكوين اللبن من دون أي تغيير (كالفيتامينات وملح الطعام والفوسفات).
أمّا سكر اللاكتوز الموجود في اللبن فيؤخذ من السكر الموجود في الدم بعد أن تجري عليه الغدد الخاصّة في الثدي التغييرات اللازمة لتحويله إِلى نوع جديد من السكر.
ومع أنّ إِنتاج اللبن يكون عن طريق جذب المواد الغذائية بواسطة الدم، ومن خلال الإِرتباط المباشر بين الدم وغدد الثدي، إِلاّ أنّنا لا نلاحظ أيَّ أثر لرائحة الفرث أو لون الدم فيه، بل يبدأ اللبن بالترشح من ثدي الأم بلون جديد ورائحة خاصّة به.
ومن لطيف ما ينقل عن العلماء المتخصصين أنّ إِنتاج لتر واحد من اللبن في الثدي يحتاج بما لا يقل عن عبور (500) لتر من الدم خلال الثدي ليستطيع من امتصاص المواد اللازمة لإِنتاج اللبن، كما يلزم لإِنتاج لتر واحد من الدم عبور مواد غذائية كثيرة من الأمعاء ... وبهذا يتّضح لنا معنى (من بين فرث ودم)كاملا(1).
اللبن مليء بالمواد الغذائية المختلفة التي تشكل مع بعضها مجموعة عذائية كاملة.
فالمواد المعدنية في اللبن، عبارة عن: الصوديوم، البوتاسيوم، الكالسيوم، المغنيسيوم، النحاس، قليل من الحديد بالإِضافة إِلى الفسفور والكلور وغيرها.
ويوجد في اللبن كذلك غاز الأوكسجين وحامض الكاربونيك.
أمّا المواد السكرية فموجودة بكمية كافية على شكل (لاكتوز).
والفيتامينات المحلولة في اللبن عبارة عن: فيتامين ب، پ، آ، د.
1 ـ مقتبس من كتابي: الكيمياء الحياتية والطبية، وأوّل جامعة وآخر نبي، الجزء السادس.
وقد أثبت العلم الحديث أنّ الحيوان الذي يتغذى بشكل جيد يكون لبنه حاوياً لكافة أنواع الفيتامينات، وأصبح بديهياً أنّ اللبن الطازج يعتبر غذاءً كاملا. ولا يمكن لنا تفصيل ذلك في هذا البحث المختصر.
ولعل ما روي عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من قوله: «ليس يجزي مكان الطعام والشراب إِلاّ اللبن» إِشارة لهذا السبب.
ونقرأ في روايات أُخرى عن اللبن أنّه يزيد في عقل الإِنسان، ويحد النظر، ويرفع النسيان، ويقوي القلب والظهر (كما أصبح معلوماً أن هذه الآثار لها إرتباط وثيق بما في اللبن من مواد حياتية)(1).
لقد أكّدت الآيات أعلاه على ميزتين مهمتين للبن ـ كونه «خالصاً»، و«سائغاً» أي لذيذاً وسريع الهضم ـ وكما هو المعروف عن اللبن من كونه غذاءً كثير الفائدة على الرغم من قلّة حجمه. و«خالص» أي خال من المواد الزائدة وبذات الوقت فهو سهل الهضم بالشكل الذي جُعِلَ ملائماً لأي إِنسان وعلى مختلف الأعمار ـ منذ الطفولة حتى الشيخوخة ـ ولهذا يعتمده المرضى كغذاء ملائم ومفيد ومقبول، وبالخصوص ما له من أثر فعال بالنسبة لنمو العظام، ولهذا يوصى بالإِكثار من تناوله في حالات كسور العظام وما شابهها.
ومن جملة معاني الخلوص هو (الربط)، ولعل البعض اعتمد على هذا المعنى فيما جاء في التعبير القرآني «خالصاً»، واعتبارهم من كون «خالصاً» إِشارة إِلى تأثير اللبن الخالص في بناء وربط العظام.
وكذا نجد في الإحكام الإِسلامية الواردة حول الرضاعة ما يشير إِلى هذا
1 ـ لزيادة التفصيل، يراجع كتاب أول جامعة وآخر نبي ـ الجزء السادس.
المعنى بوضوح.
ويقول الفقهاء: إِنّ الطفل لو رضع من غير أُمّه حتى اشتدت عظامه وزاد لحمه فإِنّ مرضعته ستحرم عليه (وما يتبع ذلك في مَنْ يعود إِليه النسب).
ويقولون أيضاً: إِن (15) رضاعة متوالية، أو رضاعة يوم وليلة متصلة، يؤدي إِلى هذه الحرمة أيضاً.
ولو جمعنا القولين، ألا ينتج أن التغذية باللبن يوم وليلة لها أثر في تقوية العظام وزيادة اللحم!؟
وينبغي الإِلتفات إِلى أن التوجيهات الإِسلامية أكّدت كثيراً على لبن «اللباء» هو أو ما ينزل من اللبن بعد الولادة، حتى لتقول بعض كتب الفقه إِنّ حياة الطفل مرهونة به، ولهذا اعتبر إِعطاء الطفل من حليب اللباء واجباً(1).
ولعل ما في الآية (7) من سورة القصص حول موسى(عليه السلام) يتعلق بهذا الموضوع أيضاً (وأوحينا إِلى أُمّ موسى أن أرضعيه فإِذا خفت عليه فألقيه في اليم).
* * *
1 ـ شرح اللمعة، كتاب النكاح، أحكام الأولاد ومنها الرضاع.
وَأَوْحى رَبُّكَ إِلى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِى مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتَاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ(68) ثمّ كُلِى مِن كُلِّ الَّثمَرتِ فَاسْلُكِى سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِن بُطُونِها شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْونُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لأََيَةً لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ(69)
(وأوحى ربّك إِلى النحل)!
انتقل الأسلوب القرآني بهاتين الآيتين من عرض النعم الإِلهية المختلفة وبيان أسرار الخليقة إِلى الحديث عن «النحل» وما يدره من منتوج (العسل) ورمز إِلى ذلك الالهام الخفي بالوحي الإِلهي إِلى النحل: (أن اتّخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر وممّا يعرشون).
وفي الآية المباركة جملة تعبيرات تستدعي التوقف والدقّة:
«الوحي» في الإصل (كما يقول الراغب في مفرداته) بمعنى الإِشارة السريعة،
ثمّ بمعنى الالقاء الخفى.
وقد جاءت كلمة «الوحي» في القرآن الكريم لترمز إِلى عدّة أشياء، ولكنّها بالنتيجة تعود لذلك المعنى، منها:
وحي النّبوة: حيث نلاحظ وروده في القرآن بهذا المعنى كثيراً. كما في الآية (51) من سورة الشورى: (وما كان لبشر أن يكلّمه اللّه إلاّ وحياً...).
ومنها: الوحي بمعنى «الإِلهام» سواء كان الملُهَم منتبهاً لذلك (كما في الإِنسان (وأوحينا إِلى أم موسى أن أرضعيه فإِذا خفت عليه فألقيه في اليم)(1)، أو مع عدم انتباه المُلهم كالإِلهام الغريزي (كما في النحل) وهو ما ورد في الآية مورد البحث.
ومن المعروف أنّ الوحي في هذا المورد يعني الأمر الغريزي والباعث الباطني الذي أودعه اللّه في الكائنات الحيّة.
ومنها: أنّ الوحي بمعنى الإِشارة، كما ورد في قصّة زكريا في الآية (11) من سورة مريم (فأوحى إِليهم أن سبحوا بكرة وعشياً).
ومنها أيضاً: إِيصال الرسالة بشكل خفي، كما في الآيه (112) من سورة الأنعام (يوحي بعضهم إِلى بعض زخرف القول غروراً).
وإِذا كان وجود الغرائز (الإِلهام الغريزي) غير منحصر بالنحل دون جميع الحيوانات، فلماذا ورد ذكره في الآية في النحل خاصّة؟
والإِجابة على السؤال تتّضح من خلال المقدمة التالية: إِنّ الدراسة الدقيقة التي قام بها العلماء بخصوص حياة النحل، قد أثبتت أنّ هذه الحشرة العجيبة لها من التمدن والحياة الإِجتماعية المدهشة ما يشبه لحد كبير الجانب التمدني عند
1 ـ القصص، 7.
الإِنسان وحياته الإِجتماعية، من عدّة جهات.
وقد توصل العلماء اليوم لاكتشاف الكثير من أسرار حياة هذه الحشرة والتي أوصلتهم بقناعة تامة إِلى توحيد الخالق والإِذعان لربوبيته سبحانه وتعالى.
وأشار القرآن الكريم إِلى ذلك الإِعجاز بكلمة «الوحي» ليبيّن أنّ حياة النحل لا تقاس بحياة الأنعام، وليدفعنا للتعمق في عالم أسرار هذه الحشرة العجيبة، ولنتعرف من خلالها على عظمة وقدرة خالقها، ولعل «الوحي» هو التعبير الرمزي الذي اختصت به هذه الآية نسبة إِلى الآيات السابقة.
وأوّل مهمّة أمر بها النحل في هذه الآية هي: بناء البيت، ولعل ذلك إِشارة إِلى أن اتّخاذ المسكن المناسب بمثابة الشرط الأوّل للحياة، ومن ثمّ القيام ببقية الفعاليات، أو لعله إِشارة إِلى ما في بيوت النحل من دقة ومتانة، حيث أن بناء البيوت الشمعية والسداسية الأضلاع، والتي كانت منذ ملايين السنين وفي أماكن متعددة ومختلفة، قد يكون أعجب حتى من عمليه صنع العسل(1).
فكيف تضع هذه المادة الشمعيه الخاصة؟ وكيف تبني الخلايا السداسية بتلك الهندسة الدقيقة؟ وبيوت النحل ذات هيئة وأبعاد محسوبة بدقة فائقة وذات زوايا متساوية تماماً، ومواصفاتها تخلو من أية زيادة أو نقصان..
فقد اقتضت الحكمة الربانية من جعل بيوت النحل في أفضل صورة وأحسن اختيار وأحكم طبيعة، وسبحان اللّه خالق كل شيء.
1 ـ عُرِفَ لحد الآن (4500) نوعاً من النحل الوحشي، والعجيب أنّها في حال واحدة من حيث: الهجرة، بناء الخلايا، المكان، تناول رحيق الأزهار، أوّل جامعة، الجزء الخامس.
وقد عيّنت الآية المباركة مكان بناء الخلايا في الجبال، وبين الصخور وانعطافاتها المناسبة، وبين أغصان الإشجار، وأحياناً في البيوت التي يصنعها لها الإِنسان.
ويستفاد من تعبير الآية أن خلايا النحل يجب أن تكون في نقطة مرتفعة من الجبل أو الشجرة أو البيوت الصناعية ليستفاد منها بشكل أحسن.
ويذكر القرآن الكريم في الآية التالية المهمّة الثّانية للنحل: (ثمّ كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربّك ذللا).
«الذلل»: (جمع ذلول) بمعنى التسليم والإِنقياد.
ووصف الطرق بالذلل لأنّها قد عينت بدقّة لتكون مسلمة ومنقادة للنحل في تنقله، وسنشير إِلى كيفية ذلك قريباً.
وأخيراً يعرض القرآن المهمّة الأخيرة للنحل (كنتيجة لما قامت به من مهام سابقة): (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إِنّ في ذلك لآية لقوم يتفكرون) في طبيعة حياتها وما تعطيه من غذاء للإِنسان (فيه شفاء)، وهو دليل على عظمة وقدرة الباري عزَّوجلّ.
* * *
وفي الآية جملة بحوث قيمة أُخرى:
يمتص النحل بعض المواد السكرية الخاصّة الموجودة في مياسم الأوراد، ويقول خبراء النحل: إِنّ عمل النحل في واقعه لا ينحصر بأخذ المادة السكرية فقط، بل يتعدى ذلك في بعض الأحيان للإِستفادة من بعض أجزاء الورود
الأخرى، وكذا الحال مع الأثمار، وهو ما يشير إِليه القرآن بقوله: (من كل الّثمرات).
وقد نقل قول عالم البيئة (مترلينك) بما يوضح التعبير القرآني بشكل أوضح: (لو قدّر أن تفنى أنواع النحل ـ الوحشي والأهلي ـ فإِنّ مائة ألف نوع من النباتات والثمار والأوراد ستفنى، أي أنّ تمدننا سيفنى أيضاً)(1). ذلك لأنّ دور النحل في نقل حبوب اللقاح من ذكر الأشجار إِلى مياسم إِناثها من الأهمية بحيث يجعل بعض العلماء يعتقدون أن ذلك أهم من إِنتاج العسل نفسه.
والحقيقة أنّ ما يتناوله النحل من أنواع الثمار إِنّما هو بالقوّة لا بالفعل، ولهذا فهو يساهم في عملية تكوينها، فما أشمل وأدق التعبير القرآني (من كل الثمرات)!
لقد توصل العلماء المتخصصون بدراسة حياة النحل إِلى ما يلي: تخرج في كل صباح مجموعة من النحل لمعرفة أماكن وجود الأوراد وتعيينها، ثمّ تعود إِلى الخلية لتخبر بقية النحل عن أماكن الورود والجهات التي ينبغي التوجه إِليها، ومقدار الفاصلة بين الورود والخلية.
ويستعمل النحل أحياناً لأجل تعيين طرق وصوله إِلى الأوراد علامات خاصّة كأن يشخص طبيعة الروائح المنتشرة على طول الطريق أو ما شابه ذلك، وذلك لضمان عدم إِضاعة الطريق ذهاباً وإِياباً.
ولعل عبارة (فاسلكي سبل ربّك ذللا) إِشارة لهذه الحركة.
1 ـ أول جامعة، الجز الخامس، ص 55.
ربّما، إِلى الآن يوجد من يتصور بأنّ النحل يمتص رحيق الأوراد ويجمعه في فمه ثمّ يخزنه في الخلية، وهذا خلاف الواقع، فالنحلة تجمع الرحيق في حفر خاصّة داخل بدنها يطلق عليها علمياً اسم (الحوصلة) وهي بمثابة معامل مختبرات كيمياوية خاصّة تقوم بعمليات تحويل وتغيير مختلفة لرحيق الأزهار، حتى يصل إِلى إِنتاج العسل، الذي تقوم النحلة بإِخراجه وجمعه في الخلية.
والمدهش أن سورة النحل مكية، وكما هو معلوم بأنّ مكّة منطقة جافة ليس فيها نحل لعدم توفر النباتات والأوراد التي يحتاجها ومع ذلك فالقرآن الكريم يتحدث بكل دقة عن النحل ويشير إِلى أدق أعماله (إِنتاج العسل): (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه).
تتفاوت ألوان العسل وفقاً لتنوع الأوراد التي يؤخذ رحيقها منها .. فيبدو أحياناً بلون البن القاتم، وأحياناً أُخرى يكون أصفر اللون، أو أبيض فضي، أو ليس له لون، وتارةً تراه شفافاً، وتارة أُخرى ذهبي أو تمري وقد تراه مائلا إِلى السواد!
ولهذا التفاوت في اللون حكمة بالغة قد تبيّنت أخيراً مفادها: إِنّ للون الغذاء أثّر بالغ في تحريك رغبة الإِنسان إليه.
وهذه الحقيقة ما كانت خافية على القدماء أيضاً، فكانوا يعتنون بإِظهار لون الغذاء المشهي لدرجة كانوا يضيفون إِليه بعض المواد تحصيلا لما يريدون كإِضافة الزعفران وما شابهه.
ولهذا الموضوع بحوث مفصلة في كتب التغذية لا يسمح لنا المجال بعرضها كاملة خوفاً من الإِبتعاد عن مجال التّفسير.
كما نعلم بأنّ للنباتات والأوراد استعمالات علاجية فعالة لكثير من الأمراض، ولا زلنا نجهل الكثير من فوائدها على الرغم من كثرة ما عرفناه، والشيء المهم في موضوعنا ما توصل إِليه العلماء من خلال تجاربهم التي أكّدت على أنّ للنحل من المهارة بحيث أنّه في علمية صنعه للعسل لم يبذر فيما تحويه النباتات والأوراد من خواص علاجية، فالنحل ينقل تلك الخواص بالكامل ويجعلها في العسل!
وقد صرّح العلماء بكثير من تلك الخواص الوقائية والعلاجية والمقوية.
فالعسل: سريع الإِمتصاص من قبل الدم، ولهذا فهو غذاء مقوٍّ ومؤثر جدّاً في تكوين الدم.
والعسل: يقي المعدة والأمعاء من العفونة.
والعسل: رافع لليبوسة.
وهو علاج ضد الأرق (على أن لا يتناول الكثير منه، لأن الإِكثار منه يقلل النوم).
وللعسل: أثر مهم في رفع التعب وتشنج العضلات.
والعسل: يقوي الشبكية العصبية للأطفال (إِذا ما أطعمت الأم أثناء الحمل).
و يرفع نسبة الكالسيوم في الدم.
ونافع لتقوية الجهاز الهضمي (وبالخصوص لمن أُبتلي بنفخ البطن).
وبما أنّه سريع الإِحتراق فهو يعمل على توليد الطاقة بسرعة فائقة بالإِضافة لترميمه للقوى.
والعسل أيضاً: مقوٍّ للقلب، مساعد في علاج أمراض الرئة، نافع للإِسهال لخاصيته في قتل المكروبات.
ويعتبر العسل عاملا مهماً من عوامل معالجة قرحة المعدة والأثنى عشري.
وهو دواء نافع لعلاج الروماتيزم، ونقصان قوّة نمو العضلات، ورفع الآلام العصبية.
وبالإِضافة إِلى ذلك فهو نافع في رفع السعال وعامل مهم لتصفية الصوت.
والخلاصة: إِنّ خواص العسل العلاجية أكثر من أن يحيط بها هذا المختصر.
ومع ذلك كله فإِنّه يدخل في صناعة الأدوية لتلطيف الجلد وللتجميل، ويستعمل لطول العمر، ولعلاج ورم الفم واللسان والعين، ويستعمل أيضاً لمعالجة الإِرهاق، وتشقق الجلد، وما شابه ذلك.
أمّا المواد والفيتامينات الموجودة في العسل فكثيرة جدّاً. وفيه من المواد المعدنية: الحديد، الفسفور، البوتاسيوم، اليود، المغنيسيوم، الرصاص، النحاس، السلفور، النيكل، الصوديوم وغيرها.
ومن المواد الآلية فيه: الصمغ، حامض اللاكتيك، حامض الفورميك، حامض السيتريك والتاتاريك والدهون العطرية.
أمّا ما يحويه من الفيتامينات، ففيه: فيتامينات (أ، ب، ث، د، ك)
(K , D , C , B , A).
ويعتقد البعض باحتوائه على فيتامين (پ ب) (P B) أيضاً.
وأخيراً: فالعسل علاج لصحة وجمال الإِنسان.
وصرحت الرّوايات كذلك بخواص العسل العلاجية، وورد الكثير عن أمير المؤمنين(عليه السلام) والإِمام الصادق(عليه السلام) وبعض الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) من أنّهم قالوا: «ما استشفى الناس بمثل العسل»(1).
وبرواية أُخرى: «لم يستشف مريض بمثل شربة عسل»(2).
وروي عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «من شرب العسل في كل شهر مرّة يريد ما
1 ـ وسائل الشيعة، ج17، ص73 إِلى 75.
2 ـ المصدر السابق.
جاء به القرآن، عوفي من سبعة وسبعين داءاً»(1).
وثمّة أحاديث أُخرى حول أهمية العسل في علاج آلام البطن.
ونُذكِّر أنّ لكل حكم عام أو قاعدة كلية استثناء، ولهذا فقد ورد النهي عن تناول العسل في بعض الحالات النادرة.
وممّا يجذب النظر أن خبراء النحل يرون كفاية امتصاص وردتين أو ثلاث لسد جوع النحلة، إِلاّ أنّها تحط على (250) وردة في كل ساعة (كمعدل) ولأجل ذلك تقطع مسافة كليومترات، وعلى الرغم من قصر عمر النحلة، إِلاّ أنّها تنتج كمية لا بأس بها من العسل، وقد لا يصدق كثرة ما تنتجه قياساً لما تعيشه من عمر، ولكنّ ما تقوم به من مثابرة وعمل دؤوب لا يعرف الكلل والملل قد هيأها لأن تقوم بهذا العمل الكبير العجيب.
وكل ذلك السعي وتلك المثابرة ليس في واقعه لملء بطنها بقدر ما عبّر عنه القرآن الكريم بـ (للناس).
أثبت العلم الحديث أنّ العسل من المواد الغذائية التي تبقى على الدوام طازجة وسالمة ومحافظة على كل ما تحويه في فيتامينات مهما طالت المدّة لأنّه من المواد غير القابلة للفساد.
ويعزو العلماء سبب ذلك لوجود نسبة البوتاسيوم الوافية فيه المانع من نمو الجراثيم، بالإِضافة لاحتوائه على بعض المواد المقاومة للعفونة كحامض الفورميك فمضافاً لكون العسل مانع من نمو الجراثيم، فهو قاتل لها أيضاً ولهذا السبب فقد استعمله المصريون القدماء في عملية التحنيط.
![]() |
![]() |
![]() |