إِنّ تعبير الإِمام هذا يمكن أن يكون إِشارة إِلى التّفسير الأوّل، أو إِلى التّفسير الثّاني، أو إِلى كلا التّفسيرين.

وعلى كل حال، فإنّ دقة محتوى هذه الآية يهز الإِنسان، لأنّها تثبيت أن كل شيء ـ حتى أنفاسنا ـ خاضعة للحساب والعد، ويجب أن نجيب يوماً على كل هذه الأشياء والأعمال.

ثمّ تبيّن المسير النهائي للمتقين والمجرمين في عبارات موجزة، فتقول: إنّ كل هذه الأعمال جمعناها وأدخرناها له: (يوم نحشر المتقين إِلى الرحمن وفداً).


1 ـ نور الثقلين، الجزء 3، ص 357.

[503]

«الوفد» ـ على وزن وعد ـ في الأصل بمعنى الجماعة الذين يذهبون إِلى الكبار لحل مشاكلهم، ويكونون مورد احترام وتقدير، وعلى هذا فإنّ الكلمة تتضمن معنى الإِحترام والتكريم، وربّما كان ما نقرؤه في بعض الرّوايات من أن المتقين يركبون مراكب سريعة السير، ويدخلون الجنة باحترام بالغ، لهذا السبب.

يقول الإِمام الصادق(عليه السلام): «سأل علي(عليه السلام) رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عن تفسير قوله عزَّوجلّ: (يوم نحشر المتقين إِلى الرحمن وفدا) فقال: يا علي، الوفد لا يكون إِلا ركباناً، أُولئك رجال اتقوا الله عزَّ وجلّ، فأحبّهم واختصهم ورضي أعمالهم فسمّاهم المتقين»(1).

الملفت للنظر أنّنا نقرأ في الآية: أنّ المتقين يحشرون إِلى الرحمن، في حين أنّ الكلام في الآية التالية عن سوق المجرمين إِلى جهنم، وعلى هذا ألم يكن من المناسب أن يقال: (الجنة) هنا بدل (الرحمن)؟

إِلاّ أنّ هذا التعبير ـ في الحقيقة ـ يشير إِلى نكتة مهمة، وهي أن المتقين يحصلون هناك على ما هو أسمى من الجنة، فهم يقتربون من الله وتجلياته الخالصة، ويدركون رضاه الذي هو أسمى وأغلى من الجنّة. وتعبيرات الحديث الذي قرأناه من قبل عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) تشير إِلى هذا المعنى أيضاً.

ثمّ تقول في المقابل: (ونسوق المجرمين إِلى جهنم ورداً) كما تساق الإبل العطشى إِلى محل الماء، إِلاّ أنّه لا ماء هناك، بل نار جهنم.

ينبغي الإِلتفات إِلى أن كلمة (ورد) تعني مجموعة من البشر أو الحيوانات التي ترد المياه، ولما كان هؤلاء الجماعة عطاشى حتماً، فإِن المفسّرين فسروا هذا التعبير هنا بأنّهم يردونها عطاشى.

كم هو الفرق بين أُولئك الذين يذهبون بهم إِلى الرحمن بكل عزة واحترام، تهب الملائكة لإِستقبالهم، ويحيوهم بالسلام، وبين أُولئك الذين يساقون


1 ـ نور الثقلين، الجزء 3، ص 359.

[504]

كالحيوانات العطشى إِلى نار جهنم، وهم مطأطئوا الرؤوس، خجلون، مفتضحون ولا أهمية ولا قيمة لهم.

وإِذا كانوا يتصورون أنّهم يستطيعون الخلاص عن طريق الشفاعة، فإِنّهم يجب أن يعلموا أن هؤلاء الذين يرجونهم (لا يملكون الشفاعة) فلا أحد يشفع لهؤلاء، فمن طريق أولى أن لا يقدروا على الشفاعة لأحد (إِلاّ من اتّخذ عند الرحمن عهداً) فهؤلاء هم الوحيدون الذين تنفعهم وتشملهم شفاعة الشافعين، أو أن مقامهم أعلى من هذه الرتبة أيضاً، ولهم القدرة والصلاحية لأن يشفعوا للعاصين الذين يستحقون الشفاعة.

ما معنى العهد؟

لقد بحث المفسّرون بحوثاً كثيرة في المراد من العهد في الآية الشريفة التي تقول: (لا يملكون الشفاعة إلاّ من اتخذ عند الرحمن عهداً).

فقال بعضهم: إِنّ العهد هو الإِيمان بالله، والإِقرار بوحدانيته، وتصديق أنبياء الله.

وقال البعض الآخر: إِنّ العهد هنا يعني الشهادة بوحدانية الحق تعالى، والبراءة ممن يعتقد بقدرة غير الله، وكذلك لا يرجو الا الله تعالى.

وعن الإِمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال في جواب سؤال أحد أصحابه عن تفسير هذه الآية: «من دان بولاية أمير المؤمنين والأئمّة من بعده فهو العهد عند الله»(1).

وفي رواية أُخرى عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «من أدخل على مؤمن سروراً فقد سرني، ومن سرني فقد اتّخذ عند الله عهداً»(2).

وفي حديث آخر عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ المحافظة على العهد هي المحافظة


1 ـ نور الثقلين، ج 3، ص 362.

2 ـ الدر المنثور (حسب نقل الميزان في ذيل الآية مورد البحث).

[505]

على الصلوات الخمس(1).

ومن تحقيق الرّوايات أعلاه، والتي وردت في المصادر الإِسلامية المختلفة، وكذلك كلمات كبار المفسّرين المسلمين، نحصل على هذه النتيجة، وهي أن للعهد عند الله ـ كما يستفاد ذلك من معناه اللغوي ـ معنى واسعاً جمع فيه كل نوع من أنواع الإِرتباط بالله ومعرفته وطاعته، وكذلك الإِرتباط بمذهب أولياء الحق، وكل عمل صالح، وإن كان كل رواية قد أشارت إِلى جانب من ذلك، أو إِلى مصداق معين.

ولذلك نقرأ في حديث آخر ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في بيان كيفية الوصية، وقد جمعت فيه كل المسائل الإِعتقادية تقريباً، حيث قال(صلى الله عليه وآله وسلم):

«إِذا حضرته ـ أي المسلم ـ الوفاة واجتمع الناس إِليه قال: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، إِني أعهد إِليك في دار الدنيا، أني أشهد أن لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمّداً عبدك ورسولك، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث حق، والحساب حق، والقدر والميزان حق، وأن الذين كما وصفت، والإِسلام كما شرعت، وأن القول كما حدثت، وأن القرآن كما أنزلت، وأنك أنت الله الحق المبين. جزى الله محمّداً عنا خير الجزاء، وحيا الله محمّداً وآله بالسلام.

اللهم يا عدتي عند كربتي، ويا صاحبي عند شدتي، ويا ولي نعمتي، إِلهي وإله آبائي، لا تكلني إِلى نفسي طرفة عين، فإِنك إِن تكلني إِلى نفسي أقرب من الشر، وأبعد من الخير. وآنس في القبر وحشتي، واجعل لي عهداً يوم ألقاك منشوراً. ثمّ يوصي بحاجته. وتصديق هذه الوصية في سورة مريم في قوله: (لا


1 ـ المصادر السابقة.

[506]

يملكون الشفاعة إِلا من اتخذ عند الرحمن عهداً)، فهذا عهد الميت والوصية حق...»(1).

ومن البديهي أنّ المراد ليس هو قراءة أو كتابة هذه المطالب المذكورة أعلاه بالعربية أو بغيرها من اللغات، بل المراد الإِيمان بها من صميم القلب لتبدو آثاره واضحة في كل نشاطات حياة الإِنسان.

* * *


1 ـ مجمع البيان، ذيل الآية مورد البحث.

[507]

الآيات

وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَـنُ وَلَداً(88) لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً(89) تَكَادُ السَّمـوتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَْرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً(90)أَن دَعَوْا لِلرَّحْمـنِ وَلَداً(91) وَمَا يَنْبَغِىِ للرَّحْمَـنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً(92) إِن كُلُّ مَن فِى السَّمـوتِ وَالأَْرْضِ إِلآَّ ءَاتِى الرَّحْمـنِ عَبْدَاً(93) لَّقَدْ أَحْصَـهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً(94) وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ الْقِيـمَةِ فَرْداً(95)

التّفسير

لما كان الكلام في الآيات السابقة عن الشرك، وعاقبة عمل المشركين، فقد أشارت هذه الآيات في نهاية البحث إِلى فرع من فروع الشرك، أي الاعتقاد بوجود ولد لله سبحانه، وتبيّن مرّة أُخرى قبح هذا الكلام بأشد وأحدّ بيان، فتقول: (وقالوا اتخذ الرحمن ولداً) فليس المسيحيون لوحدهم كانوا يعتقدون بأنّ «المسيح» هو الإِبن الحقيقية لله سبحانه، بل إِن اليهود كانوا يعتقدون أيضاً مثل هذا الإِعتقاد في (عزير)، وكذلك عبدة الأصنام في (الملائكة) فكانوا يظنون أنّها

[508]

بنات الله(1).

عند ذلك قالت الآية بلهجة شديدة: (لقد جئتم شيئاً إِداً) والإِدّ ـ على وزن ضد ـ معناه في الأصل الصوت القبيح المضطرب الذي يصل الأذن نتيجة الاضطراب الشديد للأمواج الصوتية في حنجرة البعير، ثمّ أطلق على الأعمال القبيحة والموحشة جداً.

ولما كانت مثل هذه النسبة غير الصحيحة مخالفة لأصل التوحيد ـ لأنّ الله سبحانه لا شبيه له ولا مثيل، ولا حاجة له إِلى الولد، ولا هو جسم ولا تعرض عليه العوارض الجسمية ـ فكأنّ كل عالم الوجود، الذي بني على أساس التوحيد، قد اضطرب وتصدع إِثر هذه النسبة الكاذبة، ولذلك تضيف الآية التالية: (تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً)!

ومن أجل تأكيد وبيان أهمية الموضوع فإِنّها تقول: إِن كل ذلك من أجل (أن دعوا للرحمن ولداً).

إِنّ هؤلاء ـ في الحقيقة ـ لم يعرفوا الله قط، لأنّه: (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً) فإنّ الإِنسان يطلب الولد لواحد من عدّة أشياء:

إِمّا لأنّ عمره ينتهي فيحتاج لولد مثله يحمل صفاته ليبقى نسله وذكره.

أو لأنّه يطلب الصديق والرفيق لأنّ قوته محدودة.

أو لأنّه يستوحش من الوحدة، فيبحث عن مؤنس لوحدته.

أو لأنّه يحتاج عند كبره وعجزه إِلى مساعد ومعين شاب.

لكن أيّاً من هذه المعاني لا ينطبق على الله سبحانه، ولا يصح، فلا قدرته محدودة، ولا حياته تنتهي، ولا يعتريه الضعف والوهن، ولا يحس بالوحدة والحاجة، إِضافة إِلى أن امتلاك الولد دليل على الجسمية، ووجود الزوجة، وكل


1 ـ لقد تمّ الحديث عن «عزير» في الآية (30) من سورة التوبة، وعن (الملائكة) في ذيل الآية (19) من سورة الزخرف.

[509]

هذه المعاني بعيدة عن ذاته المقدسة. ولذلك قالت الآية الأُخرى: (إِن كل من في السماوات والأرض إِلا آتي الرحمن عبداً)، فمع أن كل العباد مطيعون له، وقد وضعوا أرواحهم وقلوبهم على الأكف طاعة لأمره، فهو غير محتاج لطاعتهم، بل هم المحتاجون.

ثمّ تقول الآية التالية: (لقد أحصاهم وعدهم عداً) أي لا تتصور بأنّ محاسبة كل هؤلاء العباد غير ممكن، وعسير عليه سبحانه، فإنّ علمه واسع إِلى الحد الذي ليس يحصي عدد هؤلاء وحسب، بل إِنّه عالم ومطلع على كل خصوصياتهم، فلا هم يستطيعون الفرار من حكومته، ولا يخفى عليه شيء من أعمالهم.

(وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً) وبناء على هذا فإنّ المسيح وعزير والملائكة وكل البشر يشملهم حكمه ولا يستثنى منه أحد، ومع هذه الحال فما أقبح أن نعتقد ونقول بوجود ولد له، وكم ننقص من قدر ذاته المقدسة وننزلها من أوج العظمة وقمتها، وننكر صفاته الجلالية والجمالية حينما ندعي أن له ولداً(1)

ملاحظتان

1 ـ إِلى الآن يظنون أنّه ابن الله!

إنّ ما قرأناه في الآيات السابقة ينفي الولد عن الله بكل جزم وقطع، وإنّ هذه الآيات مرتبطة بزمان مرّ عليه أربعة عشر قرناً، في حين أنّنا لا نزال نرى اليوم كثيراً من المسيحيين ـ ونحن في عصر العلم ـ يعتقدون أنّ المسيح ابن الله، لا نبوة مجازية، بل هو الإبن الحقيقي! وإِذا ما ذكر في بعض الكتابات التي لها صفة التبشير، وكتبت بصورة خاصّة للأوساط الإِسلامية، إن هذا الإِبن ابن مجازي،


1 ـ بحثنا حول نفي الولد عن الله في الجزء الأوّل ذيل الآية (116) من سورة البقرة، ذيل الآية (68) من سورة يونس.

[510]

فإنّه لا يناسب ولا يوافق المتون الأصلية لكتبهم الإِعتقادية بأي وجه من الوجوه.

ولا ينحصر هذا الأمر في كون المسيح(عليه السلام) أبناً، فإِنّهم فيما يتعلق بمسألة التثليث التي تعني الأرباب الثلاثة (هي جزء من الإِعتقادات الأساسية لهم) ولما كان المسلمون يتنفرون من هذا الكلام الممتزج بالشرك، غيرّوا نبرتهم في الأوساط الإِسلامية، ووجهوا كلامهم بأنّه نوع من التشبيه والمجاز. ومن أجل زيادة التوضيح راجع قاموس الكتاب المقدس في شأن المسيح والأقانيم الثلاثة.

2 ـ كيف تفنى السماوات وتتلاشى؟

ما قرأناه في الآية: (تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّاً) إِمّا أن يكون إِشارة إِلى أن مجموعة عالم الوجود ـ على أساس مفاهيم القرآن المجيد ـ تمتلك نوعاً من الحياة والإِدراك والشعور، والآيات، كالآية (74) من سورة البقرة: (وإِن منها لما يهبط من خشية الله)، والآية (21) من سورة الحشر: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله) شاهدة على ذلك، فيكون المراد أنّ هذه النسبة غير الصحيحة إِلى الساحة الإِلهية المقدسة، قد أرعبت وأقلقت كل العالم.

أو أن يكون كنايه عن شدة قبح هذا القول، ونظائر هذه الكناية ليست قليلة في لسان العرب، وسنبحث ـ إِن شاء الله تعالى ـ عن ذلك في ذيل الآيات المناسبة.

* * *

[511]

الآيات

إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـلِحـتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً(96) فَإِنَّمَا يَسَّرنـهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً(97) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْن هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّن أَحَد أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزَا(98)

التّفسير

الإِيمان والمحبوبية:

هذه الآيات الثلاث نهاية سورة مريم، والكلام فيها أيضاً عن المؤمنين، والظالمين الكافرين، وعن القرآن وبشاراته وإِنذراته، وهي ـ في الحقيقة ـ عصارة البحوث السابقة بملاحظات ونكات جديدة.

تقول أوّلا: (إِنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً).

لقد اعتبر بعض المفسّرين هذه الآية خاصّة بأمير المؤمنين(عليه السلام)، والبعض اعتبرها شاملة لكل المؤمنين.

وقال آخرون: إِنّ المراد أنّ الله سبحانه يلقي محبّة هؤلاء في قلوب أعدائهم، وتصبح هذه المحبّة رباطاً ولجاماً في رقابهم تجرهم إِلى الإِيمان.

وذهب البعض بأنّها تعني محبة المؤمنين بعضهم لبعض، والتي تكون سبباً

[512]

في قوتهم وزيادة قدرتهم، ووحدة كلمتهم.

واعتبرها بعضهم إِشارة إِلى محبّة المؤمنين وإِخوتهم لبعضهم في الآخرة، وقالوا: بأنّ هؤلاء سيعيشون نوعاً من ا لعلاقة فيما بينهم بحيث يكونون في أعلى درجات السعادة والسرور.

غير أننا إِذا فكرنا وتدبرنا بسعة نظر في المفاهيم الواسعة للآية، فسنرى أن جميع هذه التفاسير قد جمعت في معنى الآية بدون أن تتضاد مع بعضها.

والنطقة الرئيسية للآية، هي أنّ للإِيمان والعمل الصالح جاذبية خارقة، فإنّ الإعتقاد بوحدانية الله، والإِيمان بدعوة الأنبياء، والذي يتجلى نوره في روح الإِنسان وفكره، وقوله وعمله، بصورة أخلاق إِنسانية عالية، وكذلك يتجلى في التقوى والطهارة، والصدق والأمانة، والشجاعة والإِيثار، فيها قوة مغناطيسية عظيمة جاذبة وخاطفة.

وحتى الأفراد الملوثون، فإِنّهم يرتاحون للطاهرين الصالحين، ويتنفرون من القذرين أمثالهم، ولذلك فإنا نراهم ـ مثلا ـ إِذا أقدموا على الزواج فإنّهم يؤكّدون على توفر جانب العفة والطاهرة والأمانة والصدق في الزوجة.

وهذا أمر طبيعي، وهو في الحقيقة أوّل مكافأة يعطيها الله للمؤمنين والصالحين في هذه الدنيا وتصحبهم إِلى عالم الآخرة أيضاً.

لقد رأينا بأُم أعيننا كثيراً من هؤلاء الأتقياء عندما يحين أجلهم ويرتحلون عن هذه الدنيا، فإنّ الناس يبكونهم، بالرغم من أنّهم لم يكن لهم منصب ولا مركز اجتماعي، ولكن الناس يشعرون يفقدهم، ويعتبرون أنفسهم شركاء في مصاب هؤلاء وعزائهم.

أمّا ما اعتقده البعض من أنّ ذلك في شأن أمير المؤمنين(عليه السلام)، وقد أشير إِلى ذلك في روايات عديدة، فإنّ الدرجة العالية والمرحلة السامية منه مختصة بإمام المتقين ـ وسنبحث بعض هذه الرّوايات مفصلا في الملاحظات الآتية ـ إلاّ أنّ هذا

[513]

لا يكون مانعاً من أن يذوق ويتمتع كل المؤمنون والصالحون في المراتب الأُخرى بطعم المحبّة هذا، ويحظون به لدى عامّة الناس، وأن يفوزوا بسهم من هذه المودّة الإِلهية. وسوف لا يكون مانعاً من أن يضمر الأعداء ـ أيضاً ـ في داخلهم المحبّة والإِحترام تجاه هؤلاء.

وهناك نكتة لطيفة نقرؤها في حديث عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «إِنّ الله إِذا أحبّ عبداً دعا جبرئيل، فقال: يا جبرئيل، إِنّي أحب فلاناً فأحبّه، قال: فيحبّه جبرئيل، ثمّ ينادي في أهل السماء: إِن الله يحب فلاناً فأحبّوه، قال: فيحبّه أهل السماء، ثمّ يوضع له القبول في الأرض.

وإِن الله إِذا أبغض عبداً دعا جبرئيل، فقال: يا جبريئل، إِنّي أبغض فلاناً فابغضه، قال: فيبغضه جبرئيل، ثمّ ينادي في أهل السماء: إنّ الله يبغض فلاناً فابغضوه، قال: فيبغضه أهل السماء، ثمّ يوضع له البغضاء في الأرض»(1).

إِنّ هذا الحديث العميق المحتوى يبيّن أن للإِيمان والعمل الصالح نوراً وضياء بسعة عالم الوجود، ويعم نور المحبة الحاصل منهما كل أرجاء عالم الخلقة، وإِن الذات الإِلهية المقدسة تحب أمثال هذا الفرد، فهم محبوبون عن كل أهل السماء، وتقذف هذه المحبّة في قلوب أهل الأرض.

حقاً، أي لذة أكبر من أن يحس الإِنسان بأنّه محبوب من قبل كل الطاهرين والصالحين في عالم الوجود؟ وأي عذاب أشد من أن يشعر الإِنسان بأن الأرض والسماء والملائكة والمؤمنين جميعاً متنفرون ومشمئزون منه؟!

ثمّ تشير الآية التالية إِلى القرآن الذي هو منبع ومصدر تنمية الإِيمان والعمل الصالح، فتقول: (فإنّما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لداً).

«اللُّد» ـ بضم اللام وتشديد الدال ـ جمع أَلدّ ـ على وزن مَعَدّ ـ بمعنى العدو


1 ـ لقد ورد هذا الحديث في كثير من المصادر الحديثية المعروفة، وكذلك في كثير من كتب التّفسير، إِلاّ أنّنا اخترنا المتن الذي نقل في تفسير (في ظلال القرآن)، ج 5، ص 254 عن أحمد ومسلم والبخاري.

[514]

الشديد العداوة، وتطلق على المتعصب العنود في عداوته، ولا منطق له.

وتقول الآية الأخيرة كتهدئة لخاطر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين، وتسلية لهم، خاصّة مع ملاحظة أنّ هذه السورة نزلت في مكّة، وكان المسلمون يومذاك تحت ضغط شديد جدّاً. وكذلك تقول بنبرة التهديد والتحذير لكل الأعداء اللجوجين العنودين: (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً).

«الركز» بمعنى الصوت الهادىء، ويقال للأشياء التي يخفونهاتحت الأرض: «ركاز»، أي إِنّ هؤلاء الأقوام الظالمين، وأعداء الحق والحقيقة المتعصبين، قد تمّ تدميرهم وسيحقهم الى حدّ لا يسمع صوت خفي منهم.

* * *

بحثان

1 ـ محبّة علي (عليه السلام) في قلوب المؤمنين

لقد صدرت روايات عديدة عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في سبب نزول قوله تعالى: (إِن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً) في كثير من كتب الحديث وتفسير السنة والشيعة، وهي تبيّن أنّ هذه الآية نزلت لأول مرّة في حق علي(عليه السلام)، ومن جملة من يمكن ذكرهم: العلاّمة الزمخشري في الكشاف، وسبط ابن الجوزي في التذكرة، والكنجي الشافعي، والقرطبي في تفسيره المشهور، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى، والنيسابوري في تفسيره المعروف، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة، والسيوطي في الدر المنثور، والهيثمي في الصواعق المحرقة، والآلوسي في روح المعاني. ومن جملة الأحاديث:

1 ـ يروي الثعلبي في تفسيره عن البراء بن عازب: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال لعلي(عليه السلام) : «قل: اللّهم اجعل لي عندك عهداً، واجعل لي في قلوب المؤمنين مودّة»،

[515]

فأنزل الله تعالى: (إِن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً)(1).

وقد وردت نفس هذه العبارة باختلاف يسير في كثير من الكتب الأُخرى.

2 ـ وقد نقل عن ابن عباس ـ في كثير من المصادر الإِسلامية ـ أنّه قال: نزلت في علي بن أبي طالب: (إِنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً) قال: محبة في قلوب المؤمنين(2).

3 ـ روي في كتاب «الصواعق» عن محمّد بن الحنفية في تفسير هذه الآية: لا يبقي مؤمن إِلاّ وفي قلبه ودّ لعلي ولأهل بيته(3).

4 ـ وربّما روي لهذا السبب عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام) نفسه في رواية صحيحة معتبرة أنّه قال: «لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجماتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني، وذلك أنّه قضى فانقضى على لسان النّبي الأمي أنّه قال: لا يبغضك مؤمن، ولا يحبّك منافق»(4).

5 ـ ونقرأ في حديث عن الإِمام الصادق(عليه السلام): «ودعا رسول الله لأمير المؤمنين في آخر صلاته، رافعاً بها صوته ليسمع الناس: «اللّهم هب لعلي المودة في صدور المؤمنين، والهيبة والعظمة في صدور المنافقين، فأنزل الله: إن الذين آمنوا ... » الآية(5).

على كل حال ـ وكما قلنا في تفسير الآيات أعلاه ـ فإنّ نزول هذه الآية في


1 ـ نقلا عن إِحقاق الحق، الجزء 3، ص 83 ـ 86.

2 ـ المصدر السّابق.

3 ـ المصدر السابق.

4 ـ روح المعاني الجزء 16، ص 130، ومجمع البيان الجزء 6، ص 533، وكذلك نهج البلاغة، الكلمات القصار، الكلمة 45.

5 ـ نور الثقلين، الجزء 3، ص 363.

[516]

علي(عليه السلام) لأنّه المصداق الاتم والاكمل، و لا يمنع من تعميمها في شأن كل المؤمنين على اختلاف المراتب.

2 ـ تفسير جملة: (يسرناه بلسانك).

«يسّرناه»، من مادة التيسير، أي التسهيل، والله سبحانه يقول: (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لداً)، فيمكن أن يكون هذا التسهيل من جوانب مختلفة:

1 ـ من جهة أن القرآن عربي فصيح، عذب سلس العبارة، وله نغمة تفرح القلب، وتلاوته سهلة على اللسان.

2 ـ من جهة أن سبحانه قد سلط نبيّه ومكنه من آيات القرآن، بحيث كان يستفيد منها بكل بساطة في كل مكان، ولحل أية مشكلة، وكان يتلوها دائماً على المؤمنين، وبلا انقطاع.

3 ـ من جهة المحتوى، برغم عمق معانيه وكثرة ما يستنبط منه، فإن إِدراكه سهل وبسيط في الوقت نفسه، ولا ريب أن كل هذه الحقائق الكبيرة والمهمة التي صبت في قالب هذه الألفاظ المحدودة، سهلة الإِدراك، وهي بذاتها دليل على إِعجاز القرآن. وقد تكررت هذه الجملة في عدة آيات من سورة القمر: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر).

إِلهنا، نوّر قلوبنا بنور الإِيمان، ووجودنا بنور العمل الصالح، واجعلنا من محبي المؤمنين والصالحين، وخاصّة إِمام المتقين، وأمير المؤمنين علي(عليه السلام)، وألق محبتنا في قلوب كل المؤمنين.

اللّهم، اجمع شمل مجتمعنا الإِسلامي الكبير الذي وقع في قبضة» الأعداء ـ مع كل ما له من كثرة العدد وسعة الإِمكانيات المادية والمعنوية ـ والضعف والعجز

[517]

الذي اعتراه نتيجة تبعثر وتفرقة الصفوف .. اللهم ألف شمله واجمعه حول مشعل الإِيمان والعمل الصالح.

ربّنا، كما أهلكت الجبارين المتمردين السابقين حتى لا يُسمع لهم حس ولا صوت، فامح جبابرة زماننا أيضاً، وادفع شرّهم عن المستضعفين، ومنّ بالنصر النهائي على المؤمنين في ثورتهم ضد المستكبرين.

آمين يا رب العالمين

* * *

سُورَة >طـه

مكّية

وعَدَدُ آيَاتِها مائة وخمس وثلاثونَ آية

«سورة طه»

فضل سورة طه

وردت روايات عديدة حول عظمة وأهمية هذه السورة في المصادر الإِسلامية.

فعن النّبي الأكرم الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «إِن الله تعالى قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فلمّا سمعت الملائكة القرآن قالوا: طوبى لأُمّة ينزل هذا عليها، وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لألسن تكلّم بهذا»(1).

وفي حديث آخر عن الإِمام الصادق(عليه السلام): «لا تدعوا قراءة سورة طه، فإنّ الله يحبّها، ويحبّ من قرأها، ومن أدمن قراءتها أعطاه الله يوم القيامة كتابه بيمينه، ولم يحاسبه بما عمل في الإِسلام، وأعطي في الآخرة من الأجر حتى يرضى»(2).

وفي حديث آخر عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «من قرأها أعطي يوم القيامة ثواب المهاجرين والأنصار»(3).

ونرى من اللازم أن نكرر هذه الحقيقة، وهي أنّ كل هذه المكافئات والهبات العظيمة التي وصلت إِلينا عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة(عليهم السلام) مقابل تلاوة سور القرآن،  لا تعني ولا تريد أن كل هذه النتائج تعود على الإِنسان بالتلاوة فقط، بل المراد أن


1 ـ مجمع البيان، الجزء 7، ص 1.

2 ـ تفسير النور الثقلين، الجزء 3، ص 367.

3 ـ مجمع البيان، ج 7، ص 1.

[522]

تكون التلاوة مقدمة للتفكر والتدبر، التفكر الذي تتجلى آثاره في كل أعمال وأقوال الإِنسان، وإِذا أخذنا المحتوى الإِجمالي لهذه السورة بنظر الإِعتبار، فإِننا سنرى أنّ للرّوايات تناسباً كاملا مع محتوى هذه السورة.

محتوى السّورة

إنّ سورة (طه) برأي جميع المفسّرين نزلت في مكّة، وأكثر ما يتحدث محتواها عن المبدأ والمعاد كسائر السور المكّية، ويذكر نتائج التوحيد وتعاسات الشرك.

في القسم الأوّل، تشير هذه السورة إِشارة قصيرة إِلى عظمة القرآن، وبعض صفات الله الجلالية والجمالية.

أمّا قسم الثّاني الذي يتضمّن أكثر من ثمانين آية ـ فيتحدث عن قصة موسى(عليه السلام)، من حين بعثته، إِلى نهوضه لمقارعة فرعون الجبار وأعوانه، إِلى مواجهه السحرة وإِيمانهم. ثمّ إِغراق الله فرعون وأتباعه بصورة إِعجازية، ونجاة موسى والذين آمنوا به.

ثمّ تبيّن حادثة عبادة بني إِسرائيل للعجل، والمواجهة بين هارون وموسى وبين بني إِسرائيل.

وفي القسم الثّالث جاءت بعض المسائل حول المعاد، وجانب من خصوصيات القيامة.

وفي القسم الرّابع الحديث عن القرآن وعظمته.

وفي القسم الخامس تصف الآيات قصّة آدم وحواء في الجنّة، ثمّ حادثة وسوسة إِبليس، وأخيراً هبوطهما إِلى الأرض.

وفي القسم الأخير، تبيّن السورة المواعظ والنصائح، لكل المؤمنين، مع توجيه الخطاب في كثير من الآيات إِلى نبي الإِسلام(صلى الله عليه وآله وسلم).

* * *

[523]

الآيات

طه(1) مَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى(2) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى(3) تَنزِيلا مِّمَّنْ خَلَقَ الأَْرْضَ وَالسَّمَوتِ الْعُلَى(4)الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى(5) لَهُ مَا فِى السَّمَوَتِ وَمَا فِى الأَْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى(6) وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى(7) اللَّهُ لآَ إِلهَ إِلاَّ هَوَ لَهُ الأَْسْمَآءُ الْحُسْنَى(8)

سبب النّزول

وردت روايات كثيرة في سبب نزول الآيات الأُولى من هذه السورة، يستفاد من مجموعها أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد نزول الوحي والقرآن كان يعبد الله كثيراً، وخاصّة أنّه كان يكثر القيام والوقوف في العبادة حتى تورمت قدماه، وكان من شدّة التعب أحياناً يستند في وقوفه على أحدى قدميه، ثمّ يستند على الأُخرى حيناً آخر، وحيناً على كعب قدمه، وآخر على أصابع رجله(1)، فنزلت الآيات المذكورة وأمرت النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يحمل نفسه كل هذا التعب والمشقّة.


1 ـ لمزيد الإِطلاع على هذه الرّوايات، راجع: تفسير نور الثقلين، والدر المنثور، بداية سورة طه.

[524]

التّفسير

لا تجهد نفسك إِلى هذا الحد:

مرّة أُخرى نواجه الحروف المقطعة في بداية هذه السورة، والتي تثير حبّ الاستطاع لدى الإِنسان :

لقد بحثنا في تفسير الحروف المقطعة في القرآن في بداية ثلاث سور بحثاً كافياً(1)، غير أنّنا نرى أن من اللازم أن نضيف هنا هذا المبحث، وهو أن من الممكن أن يكون لكل هذه الحروف المقطعة ـ أو على الأقل لقسم منها ـ معان ومفاهيم خاصّة، تماماً كالكلمة الواحدة التي تتضمّن محتوى معيناً.

إِنّنا نلاقي في كثير من الرّوايات وكلمات المفسّرين في بداية هذه السورة وسورة «يس» هذا البحث، وهو أن «طه» تعني: يا رجل، ونرى كلمة «طه» في بعض شعر العرب أيضاً، ولها معنى شبيه بـ (يا رجل) أو قريب منه، ويمكن أن تعود هذه الأشعار إِلى بداية ظهور الإِسلام، أو إِلى ما قبل الإِسلام(2).

وقد نقل لنا أحد المطلعين أن بعض علماء الغرب الملمين بالدراسات الإِسلامية، يعممون هذه النظرية على كل الحروف المقطعة في القرآن، ويعتقدون أن الحروف المقطعة في بداية كل سورة هي كلمة لها معنى خاص، أصبح بعضها متروكاً مع مرور الزمن، ووصل إِلينا البعض، وإِلاّ فإنّ من المستبعد أن مشركي العرب يسمعون الحروف المقطعة ولا يفهمون منها شيئاً، ولا يدركون لها معنى، ثمّ لا نراهم يسخرون ولا يستهزؤون منها، في حين أنّه لا يُرى ولا يلاحظ في أي من التواريخ أنّ هؤلاء الحمقى المتتبعين للعيوب والهفوات قد اتخذوا الحروف المقطعة وسيلة للقيام بردود فعل ضدها وضد الإِسلام.

وطبعاً من الصعب قبول هذا الرأي بصورة عامّة، وبالنسبة إِلى كل حروف


1 ـ بداية سورة البقرة وآل عمران والأعراف من التّفسير الأمثل.

2 ـ تفسير مجمع البيان، ذيل الآية مورد البحث.

[525]

القرآن المقطعة، إِلاّ أنّه يمكن قبوله في البعض منها، وقد بُحث هذا الموضوع أيضاً في الكتب الإِسلامية.

وممّا يلفت النظر، وهو أنّنا نقرأ في حديث عن الإِمام الصادق(عليه السلام): «إِنّ طه من أسماء النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومعناه: يا طالب الحق الهادي إِليه» ويظهر من هذا الحديث أنّ طه مركب من حرفين رمزيين، فالطاء إِشارة إِلى طالب الحق، والهاء إِلى الهادي إِليه، ونحن نعلم أن استعمال الحروف الرمزية وعلامات الإِختصار فيما مضى وفي يومنا هذا أمر طبيعي وكثير الإِستعمال، خاصّة في عصرنا الحاضر فإنّه كثير التداول والإِستعمال جدّاً.