ففي حديث عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، نقرأ قوله(عليه السلام): «الناس أعداء ما جهلوا»(1)، لذا فإنّه كُلّما يرتفع الوعي لدى الإِنسان فإنَّ تعامله يكون أكثر منطقية، وبعبارة أُخرى إِنَّ أساس الصبر هو الوعي.

وكان لانزعاج موسى(عليه السلام) ـ بالطبع ـ ما يبرره، إِذ كانَ يرى تجاوزاً عن حدود الشرع في الأحداث التي وقعت على يد صاحبه بحيث تعرض القسم الاعظم للشريعة الى الخطر، ففي الحادثة الأُولى تعرضت مصونية أموال الناس إِلى الخطر; وفي الثّانية تعرضت أرواحهم إِلى خطر، أمّا في الثّالثة، فكان اعتراضه ينصب على ضرورة التعامل المنطقي معَ حقوق الناس، لذلك فقد اعترض ونسي


1 ـ نهج البلاغة ـ الحكمة رقم 438.

[346]

عهده الذي قطعه لصاحبه العالم، ولكن ما إن اطلّعَ على بواطن الأُمور هدأ وكفَّ عن الإِعتراض. وهذا الأمر يدل على أنَّ عدم الإِطلاع هو أمرٌ مقلق بحدَّ ذاته.

ى: أدب التلميذ والأستاذ

ثمّة ملاحظات لطيفة حول أُدب التلميذ والأستاذ ظهرت في مقاطع الحديث بين موسى(عليه السلام) والرجل الرّباني العالم، فمن ذلك مثلا:

1 ـ اعتبار موسى(عليه السلام) لنفسه تابعاً للخضر قوله: (أتبعك).

2 ـ لقد أعلن موسى(عليه السلام) هذا الإِتباع على شكل استئذان فقال: (هل أتبعك).

3 ـ اقراره(عليه السلام) بعلم أستاذه وبحاجته للتعلّم فقال: (على أن تعلمن).

4 ـ وللتواضع فقد اعتبر علم أستاذه كثيراً، وهو يطلب جانباً مِن هذا العلم، فقال: (ممّا).

5 ـ يصف علم أستاذه بأنَّهُ علم إِلهي فيقول: (علمت).

6 ـ يطلب مِن أستاذه الهداية والرشاد فقال(عليه السلام): (رشداً).

7 ـ يقول لأستاذه بشكل لطيف خفي، بأنَّ الله قد تلطَّف عليك وعلَّمك، فتلطَّف أنت عليَّ، وحيث قال(عليه السلام): (تعلمن ممّا علمت).

8 ـ إِنَّ جملة (هل أتبعك) تكشف حقيقة أن يكون التلميذ في طلب الأستاذ، وفي أتباعه، إذ ليسَ مِن وظيفة الأستاذ اتباع تلميذه إِلاَّ في حالات وموارد خاصّة.

9 ـ برغم ما كان يتمتع موسى(عليه السلام) بمنصب كبير (حيث كان نبيّاً مِن أولي العزم وصاحب رسالة وكتاب) إِلاَّ أنَّهُ تواضع، وهذا يعني أنّك ومهما كنتُ وفي أي مقام أصبحت، يجب عليك أن تتواضع في مقام طلب العلم والمعرفة.

10 ـ إِنَّ موسى(عليه السلام) لم يذكر عبارة جازمة في معرض تعهده لأستاذه، بل قال: (ستجدني إِن شاء الله صابراً) وهذه الصيغة في التعبير مملوءة أدباً إِزاء

[347]

 الخالق جلَّ وعلا، واتجاه الأستاذ أيضاً، حتى إِذا تخلّف عنها لا يكون ثمّة نوع مِن هتك الحرمة إِزاء الأستاذ.

وضروري أن نذكر في خاتمة هذا الحديث أنَّ العالِم الرباني قد استخدم إِزاء موسى(عليه السلام) مُنتهى الحُلم في مقام التعليم والتربية، فعندما كان موسى(عليه السلام) ينسى تعهده وتثور ثائرته ويعترض عليه، يجيبه الأستاذ بهدوء وبرود، ولكن على شكل استفهام: (ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبراً).

* * *

[348]

الآيات

وَيَسْئَلُونَكَ عَن ذِى الْقَرنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرَاً(83)إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى الأَْرْضِ وَءَاتَيْنـهُ مِن كُلِّ شَىْء سَبَباً(84) فَأَتْبَعَ سَبَباً(85) حَتَّى إِذَ بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْن حَمِئَةً وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يـذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَنْ تَتَّخِذَ فيهم حُسنَاً(86) قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوفَ نَعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَباً بَانُّكْراً(87) وَأَمَّا مَنْ ءَامَنَ وعَمِلَ صـلِحاً فَلَهُ جَزَآءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً(88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً(89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوم لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّنْ دُونِهَا سِتْراً(90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً(91)

التّفسير

قصّة «ذو القرنين» العجيبة:

قُلنا في بداية حديثنا عن أصحاب الكهف: إِنَّ مجموعة مِن قريش قرَّرت

[349]

اختبار الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقامت هذه المجموعة بالتنسيق مع اليهود واستشارتهم بطرح ثلاث قضايا هى: تأريخ الفتية مِن أصحاب الكهف.

السؤال عن ماهية الروح، أمّا القضية الثّالثة فقد كانت حول «ذو القرنين».

وفي القرآن، جاءَ الردّ على قضية الروح في سورة الإِسراء، أمّا الإِجابة على السؤالين الآخرين فقد جاءت في سورة الكهف.

ونحنُ الآن بصدد قصّة «ذو القرنين»:

وأشرنا سابقاً إِلى أنَّ سورة الكهف أشارت إِلى ثلاث قصص تختلف في الظاهر عن بعضها، ولكنّها تشترك في جوانب معينة، والقصص الثلاث هي قصّة أصحاب الكهف، وموسى والخضر، وقصّة «ذو القرنين».

إِنَّ في القصص الثلاث هذه مضامين تنقلنا مِن حياتنا العادية إِلى أفق آخر، يكشف لنا أنَّ العالم في حقائقه وأسراره لا يُحَدُّ فيما ألفناه مِنهُ، وفيما يحيطنا مِنهُ، واعتدنا عليه.

إِنَّ قصة «ذو القرنين» تدور حول شخصية أثارت اهتمامات الفلاسفة والباحثين منذ القدم. وقد بُذلت جهود ومساعي كثيرة للتعرُّف على هذه الشخصية.

وسنقوم أوّلا بتفسير الآيات الست عشرة الخاصّة بذي القرنين حيث أن حياته مع قطع النظر عن جوانبها التاريخية بمثابة درس كبير ومليء بالعبر ، ثمّ ننتقل إِلى بحوث لمعرفة شخصية ذي القرنين نفسه مستفيدين في ذلك مِن الرّوايات الإِسلامية، وممّا أشار إِليه المؤرّخون في هذا الصدد.

بتعبير آخر: إِنَّ ما يهمنا أوّلا هو الحديث عن شخصية ذي القرنين، وهو ما فعلهُ القرآن، حيث يقول تعالى: (ويسئلونك عن ذي القرنين).

فيكون الجواب على لسان الرّسول المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم): (قل سأتلوا عليكم مِنهُ ذكراً).

[350]

ولأنَّ «السين» في (سأتلوا) تستخدم عادة للمستقبل القريب، والرّسول هنا يتحدَّث مُباشرة إِليهم عن ذي القرنين، فمن المحتمل أن يكون ذلك مِنهُ(صلى الله عليه وآله وسلم)احتراماً ومراعاة للأدب; الأدب الممزوج بالهدوء والتروي، الأدب الذي يعني استلهامه للعلم مِن الله تبارك وتعالى، ونقلهُ إِلى الناس.

إِنَّ بداية الآية تبيّن لنا أنَّ قصة «ذو القرنين» كانت متداولة ومعروفة بين الناس، ولكنّها كانت محاطة بالغموض والإِبهام، لهذا السبب طالبوا الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) الإِدلاء حولها بالتوضيحات اللازمة.

وفي إستئناف الحديث عن ذي القرنين يقول تعالى: (إِنَّا مكنّا لهُ في الأرض). أي منحناه سُبل القوة والقدرة والحكم.

(وآتيناه مِن كل شيء سبباً).

بالرغم من أنّ مفهوم (السبب) يعني الحبل المستخدم في تسلُّق النخيل، الاّ أن بعض المفسّرين يحصره في الوسائل المستخدمة في إِنجاز الأعمال، إِلاَّ أنَّ الواضح مِن مفهوم الآية أنَّ الكلمة المذكورة يُراد مِنها معناها ومفهومها الواسع، حيث أنَّ الله تبارك وتعالى منحَ «ذو القرنين» أسباب الوصول لكل الأشياء: العقل، العلم الكافي، الإِدارة السليمة، القوّة والقدرة، الجيوش والقوى البشرية، بالإِضافة إِلى الإِمكانات المادية. أي إِنَّهُ مُنحَ كل الأسباب والسبُل المادية والمعنوية الكفيلة بتحقيق الأهداف المنشودة.

ثمّ يشير القرآن بعد ذلك إِلى استفادة ذي القرنين مِن هذه الأسباب والسبل فيقول: (فأتبع سَبَباً).

ثمّ (حتى إِذا بلغ مغرب الشمس).

فرأي أنّها تغرب في بحر غامق أو عين ذات ماء آجن: (وجدها تغرب في عين حمئة)(1).


1 ـ (حمئة) تعني في الأصل الطين الأسود ذا الرائحة الكريهة; أو الماء الآسن الموجود في المستنقعات. وهذا الوصف يُبَيِّن لنا بأنَّ الأرض التي بلغها «ذو القرنين» كانت مليئة بالمستنقعات، بشكل كان ذو القرنين يشعر معهُ بأنَّ الشمس كانت تغرب في هذه المستنقعات، تماماً كما يشعر بذلك مسافر البحر، وسكّان السواحل الذين يشعرون بأنَّ الشمس قد غابت في البحر أو خرجت مِنهُ!.

[351]

(ووجد عندها قوماً) أي مجموعة من الناس فيهم الصالح والطالح، هؤلاء القوم هم الذين خاطب الله ذا القرنين في شأنهم: ( قلنا يا ذا القرنين إِمّا أن تُعذَّب وإِمّا أن تتخَّذ فيهم حسناً)(1).

ويرى بعض المفسّرين في كلمة (قلنا) دليلا على نبوة ذي القرنين. ولكن مِن المحتمل أن يكون المقصود بهذا التعبير هو الإِلهام القلبي الذي يمنحهُ  الخالق جلَّ وعلا لغير الأنبياء أيضاً، هذا وليسَ بالإِمكان انكار أنَّ التعبير الآنف الذكر يشير بالفعل إِلى معنى النّبوة.

بعد ذلك تحكي الآيات جواب «ذي القرنين» الذي قال: (قال أمّا مَن ظلم فسوف نعذبه ثمّ يرد إِلى ربّه فيعذّبه عذاباً نكراً)(2). أي إِنَّ الظالمين سينالون العذاب الدنيوي والأخروي معاً.

(وأمّا مَن آمن وعمل صالحاً فلهُ جزاءً الحسنى).

(وسنقول لهُ مِن أمرنا يُسراً).

أي أنّنا سنتعامل معهُ بالقول الحسن، فضلا عن أنّنا سنخفف عنهُ ولا نجعلهُ يواجه المشاكل والصعاب، بالإِضافة إِلى أنّنا سوف لن نجبي مِنهُ ضرائب كثيرة.

والظاهر أنَّ ذا القرنين أراد مِن ذلك أن الناس سينقسمون مقابل دعوتي الى التوحيد والإِيمان والنهي عن الظلم والفساد إِلى مجموعتين، الأُولى: هي المجموعة التي سترحب ببرنامجه الإِلهي ودعوته للتوحيد والإِيمان وهذه ستجزى بالحسنى وستعيش حياة آمنة ومطمئنة. أمّا الثّانية: فستتخذ موقفاً عدائياً مِن دعوة ذي القرنين وتقف في الجبهة المناوئة، وتستمر في شركها


1 ـ يظهر أن جملة (إِمّا أن تعذب ... ) إِستفهامية بالرغم من أنَّ ظاهرها أنّها جملة خبرية.

2 ـ «نكر» مُشتقة مِن «مُنكر» بمعنى الشيء المجهول; أي العذاب المجهول الذي لم يمكن تصوره.

[352]

وظلمها، وتواصل فسادها. وهي لذلك ستعاقب نتيجة موقفها هذا أشدّ العقاب.

وبمقارنة قوله: (مَن ظلم) وقوله: (مَن أمن وعمل صالحاً) يتبيّن لنا أنَّ الظلم يعني هنا الشرك والعمل غير الصالح الذي يُعدُّ مِن ثمار شجرة الشرك المشؤومة.

وعندما إنتهى «ذو القرنين» مِن سفره إِلى الغرب توجه إِلى الشرق حيثُ يقول القرآن في ذلك: (ثمّ أتَبَع سَبَاً) أي استخدم الوسائل والإِمكانات التي كانت بحوزته.

(حتى إِذا بلغ مطلع الشمس). وهنا رأى أنّها: (وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم مِن دونها ستراً). وفي اللفظ كناية عن أنَّ حياة هؤلاء الناس بدائية جدّاً، ولا يملكون سوى القليل مِن الملابس التي لا تكفي لتغطية أبدانهم مِن الشمس.

أمّا بعض المفسّرين فلم يستبعدوا افتقار هؤلاء الناس إِلى المساكن التي تحميهم مِن الشمس(1).

وهناك احتمال آخر يطرحه البعض، ويرى أن يكون هؤلاء القوم في أرض صحراوية تفتقر للجبال والأشجار والملاجيء، وأن ليسَ في تلك الصحراء ما يمكِّن هؤلاء القوم مِن حماية أنفسهم مِن الشمس مِن غطاء أو غير ذلك(2).

بالطبع ليسَ هناك تعارض بين التفاسير هذه، قوله تعالى: (كذلك وقد أحطنا بما لديه خُبراً). هكذا كانت أعمال «ذو القرنين» ونحن نعلم جيداً بإِمكاناته.

بعض المفسّرين قال: إِنَّ هذه الآية تُشير إِلى الهداية الإِلهية لذي القرنين في برامجه ومساعيه(3).


1 ـ أشارت بعض الرّوايات الواردة عن أهل البيت(عليهم السلام) إِلى التّفسير الأوّل، فيما أشارت روايات أُخرى إِلى التّفسير الثّاني. وليسَ ثمّة تناقض بين الإثنين (يراجع نور الثقلين، ج 3، ص 306).

2 ـ تفسير في ظلال القرآن، والفخر الرازي أثناء تفسير الآية.

3 ـ الميزان، ج 13، ص 391.

[353]

* * *

[354]

الآيات

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً(92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا(93) قَالُوا يـذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِى الأَْرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدَّاً(94) قَالَ مَا مَكَّنِّى فِيهِ رَبِّى خَيْرٌ فَأَعِينُونِى بِقُوَّة أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُمْ رَدْماً(95) ءَاتُونِى زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ ءَاتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً(96) فَمَا اسْطَـعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطـعُوا لَهُ نَقْباً(97) قَالَ هـذَا رَحْمَةٌ مِّنْ رَّبِّى فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّى جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّى حَقَّاً(98)

التّفسير

كيف تمّ بناء سد ذي القرنين؟

الآيات أعلاه تشير إِلى سفرة أُخرى مِن أسفار ذي القرنين حيثُ تقول: (ثمّ أتبع سبباً).

[355]

أي بعد هذه الحادثة استفاد مِن الوسائل المهمّة التي كانت تحت تصرفه ومضى في سفره حتى وصل إِلى موضع بين جبلين: (حتى إِذا بلغَ بين السدين وجد مِن دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولا).

والآية إِشارة إِلى أنَّهُ وَصَل إِلى مَنطقة جبلية، وهناك وَجدَ أُناساً (غير المجموعتين اللتين عثر عليهما في الشرق والغرب) كانوا على مستوى دان مِن المدنية، لأنّ الكلام أحد أوضح علائم التمدُّن لدى البشر.

البعض احتمل أنَّ جملة (لا يكادون يفقهون قولا) لا تعني أنّهم لم يكونوا يعرفون اللغات، بل كانوا لا يفهمون محتوى الكلام، أي كانوا مُتخلفين فكرياً.

أمّا عن مكان الجبل والجوانب التأريخية والجغرافية لهذه الحادثة، وسنذكر في نهاية البحث التّفسيري، حديثاً مفصلا عن ذلك.

في هذه الأثناء اغتنم هؤلاء القوم مجيء ذي القرنين، لأنّهم كانوا في عذاب شديد مِن قبل أعدائهم يأجوج ومأجوج، لذا فقد طلبوا العون منهُ قائلين: (قالوا ياذا القرنين إِن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً).

قد يكون كلامهم هذا تمَّ عن طريق تبادل العلامات والإِشارات، لأنّهم  لا يفهمون لغة ذي القرنين، أو أنّهم تحدثوا معهُ بعبارات ناقصة لا يمكن الإِعتداد بها.

ويحتمل أن يكون التفاهيم بينهم تمَّ عن طريق المترجمين، أو بأُسلوب الإِلهام الإِلهي، مثل تحدّث بعض الطيور مع سليمان(عليه السلام).

في كل الأحوال، يمكن أن نستفيد مِن الآية الشريفة أنَّ تلك المجموعة مِن الناس كانت ذات وضع جيِّد مِن حيث الإِمكانات الإِقتصادية، إِلاَّ أنّهم كانوا ضعفاء في المجال الصناعي والفكري والتخطيطي، لذا فقد تقبلوا بتكاليف بناء هذا السد المهم، بشرط أن يتكفل ذو القرنين ببنائه وهندسته.

[356]

وفيما يخص يأجوج ومأجوج سنتحدث عنهم في نهاية هذا البحث إِن شاء الله.

أمّا ذو القرنين فقد أجابهم: (قال ما مكنّي فيه ربّي خير)، وأنّي لا أحتاج

إِلى مساعدتكم المالية وإِنّما: (فأعينوني بقوّة أجعل بينكم وبينهم ردماً).

كلمة «ردم» على وزن «طرد» وهي في الأصل تعني ملء الشق بالأحجار، إِلاّ أنّها فيما بعد أخذت معنىً واسعاً بحيث شملَ كل سد، بل وشمل حتى ترقيع الملابس.

يعتقد بعض المفسّرين أنَّ كلمة «ردم» تقال للسد القوي(1)، ووفقاً لهذا التّفسير فإِنَّ ذا القرنين قد وعدهم بأكثر ممّا كانوا ينتظرونه.

كما أنّه يجب الإِنتباه إِلى أنَّ «سد» على وزن «قد»، و«سُدّ» على وزن «قفل» هما بمعنى واحد، وهو الحائل الذي يفصل بين شيئين، إِلاَّ أنَّ البعض ـ كما يقول الراغب ـ وضع فرقاً بين الإِثنين، فالأوّل هو مِن صناعة الإِنسان، والثّاني هو الحائل الطبيعي.

ثمّ أمر ذو القرنين فقال: (آتوني زبر الحديد).

«زُبر» جمع «زُبرة» على وزن (غُرفة)، وتعني القطع الكبيرة والضخيمة مِن الحديد.

وعندما تهيأت قطع الحديد أعطى أمراً بوضع بعضها فوق البعض الآخر حتى غطّي بين الجبلين بشكل كامل: (حتى إِذا ساوى بين الصدفين).

«صدف» تعني هنا حافة الجبل، ويتّضح مِن هذا التعبير أنَّ هناك شقاً بين حافتي الجبل حيث كانَ يأجوج ومأجوج يدخلان منه، وقد صمم ذو القرنين ملأ هذا الشق.

الأمر الثّالث لذي القرنين هو طلبه مِنهم أن يجلبوا الحطب وما شابههُ،


1 ـ «الآلوسي» في «روح المعاني»، والفيض الكاشاني في تفسير «الصافي»، والفخر الرازي في «التّفسير الكبير».

[357]

ووضعهُ على جانبي هذا السد، وأشعل النار فيه ثمّ أمرهم بالنفخ فيه حتى احمرَّ الحديد مِن شدة النّار: (قالَ انفخوا حتى إِذا جعلهُ ناراً).

لقد كان يهدف ذو القرنين مِن ذلك ربط قطع الحديد بعضها ببعض ليصنع منها سداً من قطعة واحدة، وعن طريق ذلك، قام ذو القرنين بنفس عمل «اللحام» الذي يُقام به اليوم في ربط أجزاء الحديد بعضها ببعض.

أخيراً أصدر لهم الأمر الأخير فقال: اجلبوا لي النحاس المذاب حتى أضعه فوق هذا السد: (قال آتوني أفرغ عليه قطراً).

وبهذا الشكل قام بتغطية هذا السد الحديدي بطبقة النحاس حتى لا ينفذ فيه الهواء ويحفظ مِن التآكل.

بعض المفسّرين قالوا: إِنَّ علوم اليوم أثبتت أنَّهُ عند إضافة مقدار مِن النحاس إِلى الحديد فإِنَّ ذلك سيزيد مِن مقدار مقاومته، ولأنَّ «ذا القرنين» كان عالماً بهذه الحقيقة فقد أقدم على تنفيذه.

إِنَّ المشهور في معنى «قطر» هو ما قلناه (أي النحاس المذاب)، إِلاَّ أنّ بعض المفسّرين فسَّر ذلك بـ «الخارصين المذاب» وهو خلاف المتعارف عليه.

وأخيراً، أصبح هذا السد بقدر مِن القوّة والإِحكام بحيث: (فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً).

لقد كان عمل ذي القرنين عظيماً ومهماً، وكانَ لهُ وفقاً لمنطق المستكبرين ونهجهم أن يتباهى بهِ أو يمنّ به، إِلاَّ أنَّهُ قال بأدب كامل: (قال هذا رحمة مِن ربّي)لأنَّ أخلاقهُ كانت أخلاقاً إِلهية.

إِنَّهُ أراد أن يقول: إِذا كنت أملك العلم والمعرفة وأستطيع بواسطتهما أن أخطو خطوات مهمّة، فإِنَّ كل ذلك إِنما كانَ مِن قبل الخالق جلَّ وعلا، وإِذا كُنت أملك قابلية الكلام والحديث المؤثِّر فذلك أيضاً مِن الخالق جلَّ وعلا.

وإِذا كانت مثل هذه الوسائل والأفكار في اختياري فإِنَّ ذلك مِن بركة الله

[358]

ورحمته الخالق الواسعة.

أراد ذو القرنين أن يقول: إِنّني لا أملك شيئاً مِن عندي كي أفتخر به، ولم أعمل عملا مهماً كي أَمُنّ على عباد الله.

ثمّ استطرد قائلا: لا تظنوا أنَّ هذا السد سيكون أبدياً وخالداً: (فإِذا جاء وعد ربّي جعلهُ دكاء).

(وكان وعد ربّي حقّاً).

لقد أشار ذو القرنين في كلامه هذا إِلى قضية فناء الدنيا وتحطِّم هيكل نظام الوجود فيها عند البعث.

لكن بعض المفسّرين اعتبر الوعد الإِلهي إشارة إِلى التقدم العلمي للبشر والذي بواسطته لا يبقى معنىً لسد غير قابل للإِختراق والعبور، فالطائرات وما شابهها تستطيع أن تعبر جميع هذه الموانع. ولكن هذا التّفسير بعيد حسب الظاهر.

* * *

بحوث

أوّلاً ـ الملاحظات التربوية في هذه القصة التأريخية

سنبحث فيما بعد ـ إِن شاء الله ـ ما يتعلق بذي القرنين; مَن هو؟ وكيف تمّ سفره للشرق والغرب; وأين كان السد الذي أنشأه؟ وغير ذلك، ولكن بصرف النظر عن الجونب التأريخية، فإِنَّ القصّة بشكل عام تحوي على دروس تربوية كثيرة من الضروري الإِلتفات إِليها والإِفادة مِنها، وفي الواقع أنّها هي الهدف القرآني مِن إيرادها. ويمكن تلخيص هذه الدروس بالشكل الآتي:

1 ـ إِنَّ أوّل درس تعلمنا إِيَّاه أنَّ عمل هذه الدنيا لا يتمّ دون توفير أسبابه، لذا فإِنَّ الله تبارك وتعالى وهَب الوسائل والأسباب لتقدم وانتصار ذي القرنين في علمه: (وآتيناه مِن كلّ شي سبباً). وفي نفس الوقت استفاد «ذو القرنين» مِن

[359]

هذه الأسباب والوسائل بأفضل وجه ممكن: (فأتبع سبباً).

لذلك فإِنَّ مَن يظن أنَّهُ سيحصل على النصر مِن دون تهيئة أسبابه ومقدماته، فإِنَّهُ لا يصل إِلى مرامه حتى لو كان ذا القرنين نفسه!

2 ـ بالرغم مِن أنَّ غروب الشمس في عين من ماء آسن سببهُ خطأ في الباصرة واشتباه مِنها، إِلاَّ أنَّ المعنى الذي نلمحهُ مِن هذا المثال هو إِمكان تغطية الشمس مع عظمتها بالعين الآسنة ومثلها في ذلك مثل ذلك الإِنسان العظيم الذي يسقط وينهار بسبب خطأ واحد فتغرب شخصيته من انظار الناس.

3 ـ لا تستطيع أي حكومة أن تنتصر بدون ترغيب الأنصار والأتباع، ومعاقبة المذنبين والمخطئين، وهذا هو نفس الأساس الذي اعتمد عليه ذو القرنين حيثُ قال: (قالَ أمّا مَن ظلم فسوف نعذّبه ... وأمّا مَن آمن وعمل صالحاً فلهُ جزاء الحسنى).

والإِمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام) بلور هذا المعنى في رسالته إِلى مالك الأشتر والتي هي برنامج كامل لإِدارة البلاد، إِذ يقول(عليه السلام): «ولا يكونن المحسن والمسيىء عندك بمنزلة سواء، فإِنَّ في ذلك تزهيداً لأهل الإِحسان في الإِحسان، وتدريباً لأهلِ الإِساءة على الإساءة»(1).

4 ـ التكليف الشاق والتصعُّب في الأُمور وتحميل الناس ما لا يطيقون، كل هذه الأُمور لا تناسب الحكومة الإِلهية العادلة أبداً، ولهذا السبب فإِنَّ ذا القرنين بعد أن صرّح بمعاقبة الظالمين وتشويق الصالحين، أضاف: (وسنقول لهُ مِن أمرنا يُسراً) حتى يمكن إِنجاز الأعمال عن شوق ورغبة.

5 ـ الحكومة الكبيرة ذات الإِمكانات الواسعة لا تتغاضى عن التفاوت والإِختلاف القائم في حياة الناس وتُراعى شرائط حياتهم المُختلفة، ولهذا السبب فإِنَّ «ذو القرنين» صاحب الحكومة الإِلهية والذي واجهته أقوام مُختلفة، كانَ


1 ـ نهج البلاغة، الرسالة رقم 53.

[360]

يتعامل معَ كل مجموعة بما يُناسب حياتها الخاصّة، وبذلك كان الجميع منضوين تحت لوائه.

6 ـ إِنَّ «ذو القرنين» لم يستبعد حتى تلك المجموعة التي لم تكن تفهم الكلام، أو كما وصفهم القرآن: (لا يكادون يفقهون قولا) بل إِنَّهُ استمع إِلى مشاكلهم، ودأب على رفع احتياجاتهم بأي أُسلوب كان، وبنى لهم سداً محكماً بينهم وبين أعدائهم اللدودين (يأجوج ومأجوج) وقد قام بإِنجاز أُمورهم بدون أن يفرّق بينهم (رغم أنَّهُ كان يظهر أنَّ مثل هؤلاء الناس عديمي الفهم لا ينفعون الحكومة بأي شيء).

وفي حديث عن الإِمام الصادق(عليه السلام) نقرأ قوله: «إسماع الأصم مِن غير تصعرُّ صدقة هنيئة»(1).

7 ـ الأمن هو أوّل وأهم شرط مِن شروط الحياة الإِجتماعية السالمة، لهذا السبب تحمَّل «ذو القرنين» أصعب الأعمال وأشقها لتأمين أمن القوم مِن أعدائهم، وقد استفاد مِن أقوى السدود وأمنعها الذي أصبح مضرب الأمثال في التأريخ ورمزاً للإِستحكام والدوام والبقاء، حيث يقال لبناء القوي «إِنّه مثل سدّ الاسكندر» بالرغم من أن «ذو القرنين» غير الاسكندر.

وعادةً لا يسعد المجتمع مِن دون قطع الطريق على المفسدين، ولهذا فإِنَّ أوّل شيء طلبهُ إِبراهيم(عليه السلام) عند بناء الكعبة هو الأمن: (ربّ اجعل هذا البلد آمناً)(2).

ولهذا السبب أيضاً فإِنَّ الفقه الإِسلامي وضع أقسى العقوبات للذين يعرضون أمن المجتمع إِلى الخطر (راجع في ذلك تفسير الآية (33) مِن سورة المائدة).


1 ـ سفينة البحار، ج 2، مادة «صمم».

2 ـ سورة إبراهيم، 35.

[361]

8 ـ الدرس الآخر الذي يمكن أن نتعلمهُ مِن هذه القصّة، هو أنَّ أصحاب المشكلة الأصليين معنيين بالدرجة الأُولى في الإِشتراك في الجهد المبذول لحل مُشكلتهم، لذا فإِنَّ «ذو القرنين» أعطى أمراً إِلى الفئة التي اشتكت إِليه أمر يأجوج ومأجوج بأن يجلبوا قطع الحديد، ثمّ أعطاهم الأمر بإِشعال النار في أطراف السد لدمج القطع فيما بينها، ثمّ أمرهم بتهيئة النحاس المذاب. وعادة فإن العمل الذي يتمّ بمساهمة وحضور الأطراف الأصليين في المشكلة يؤدي إِلى إِظهار استعداداتهم ويعطي قيمة خاصّة للنتائج الحاصلة منه، وللجهود المبذولة فيه، ومِن ثمّ يحرص الجميع للحفاظ عليه وإِدامته بحكم تحملهم لمجهودات إِنشائه.

كما يتّضح من هذه النقطة أن،َ المجتمع المتخلف والمتأخّر يستطيع أن يُنجز أعمالا مهمّة وعظيمة اذا تمتع ببرنامج صحيح وإِدارة مُخلصة.

9 ـ الزعيم الإِلهي والقائد الرّباني لا يلتفت إِلى الجزاء المادي والنفع المالي وإِنّما يقتنع بما حباه الله، لذا رأينا «ذو القرنين» عندما اقترحوا عليه الأموال قال: (ما مكّني فيه ربّي خير) وهذا النمط مِن السلوك يخالف أساليب السلاطين وولعهم العجيب بجمع الثروة والأموال.

وفي القرآن الكريم نقرأ مراراً في قصص الأنبياء أنّهم لم يكونوا يطلبون المال جزاءً لأعمالهم ودعواتهم.

ويمكن مُشاهدة هذاالموضوع في (11) مورداً مِن القرآن الكريم، سواء ما يخص نبي الإِسلام(صلى الله عليه وآله وسلم) أو الأنبياء السابقين، ففي بعض الأحيان يذكر القرآن تعبير: (إِنّما أجري على الله). وفي أحيان أُخرى يضع القرآن محبّة أهل البيت(عليهم السلام)والذين هم ركن القيادة المستقبلية أساساً للجزاء فيقول: (قل لا أسئلكم عليه أجراً إِلاَّ المودّة في القربى).

10 ـ إِحكام الأُمور هو درسٌ آخر نستفيده مِن هذه القصّة، فذو القرنين استفاد مِن القطع الحديدية الكبرىْ في بناء السد، وقد وصلها بالنّار، ثمّ غطّاها

[362]

بالنحاس المذاب كي تمتنع عن التلف والصدأ إِذا تعرضت للهواء والرطوبة.

11 ـ مهما كان الإِنسان قوياً ومُتمكناً وصاحب قدرة واستطاعة في إِنجاز الأعمال، فعلية، أن لا يغتر بنفسه، وهذا هو درسٌ آخر نتعلمهُ مِن قصة «ذو القرنين». فقد اعتمد في جميع شؤونه على قدرة الخالق جلَّ وعلا، وقالَ بعد اتمام السد: (هذا رحمة مِن ربّي). وعندما اقترحوا عليه المساعدة المالية قال: (ما مكنّي فيه ربّي خير). وأخيراً عندما يتحدث عن فناء هذا السد المحكم، فإِنَّهُ لا ينسى أن ينسب موعد ذلك إِلى الله تعالى.

12 ـ كل شي إِلى زوال مهما كان محكماً وصلداً. هذا هو الدرس الأخير في هذه القصة، وهو درس للذين يتمنون أو يظنون خلود المال أو المنصب والجاه. إِنَّ سد ذي القرنين أمر هيِّن قياساً إِلى انطفاء الشمس وفناء الجبال الراسيات، إِذا فكيف بالإِنسان المعرَّض للأضرار أكثر من غيره!؟

ألا يكفي التفكير بهذه الحقائق حافزاً على الوقوف بوجه الإِستبداد؟

ثانياً: مَن هو ذو القرنين؟

ذكر المفسّرون كلاماً كثيراً عن شخصية ذي القرنين الوارد في القرآن الكريم، فمن هو؟ وعلى أي واحد من الشخصيات التأريخية المعروفة تنطبق أوصافه ويمكن أن نرجع الآراء إِلى ثلاث نظريات أساسية هي:

النظرية الأُولى: يرى البعض أنَّ «ذو القرنين» ليسَ سوى «الإسكندر المقدوني»، لذا فإنّهم يسمونه «الاسكندر ذو القرنين» ويعتقد هؤلاء بأنَّهُ سيطر بعد وفاة أبيه على دول الروم والمغرب والمصر، وبنى مدينة الإسكندرية، ثمّ سيطر بعد ذلك على الشام وبيت المقدس، ثمّ ذهب مِن هناك إِلى «أرمينيا»، وفتح العراق وبلاد فارس، ثمّ قصد الهند والصين، ومِن هناك رجع إِلى خُراسان، وقد بنى مدناً كثيرة، ثمّ جاءَ إِلى العراق ومَرِضَ في مدينة «زور» وتوفي فيها.

[363]

ويقول البعض: إِنَّهُ لم يُعمِّر أكثر مِن (36) سنة، أمّا جسده فقد ذهبوا بهِ إِلى الإِسكندرية ودفنوه هناك(1).

النظرية الثّانية: ويرى جمع مِن المؤرخين أنَّ «ذو القرنين» كان أحد ملوك اليمن (كان ملوك اليمن يسمّون بـ «تبّع» وجمع ذلك «تبابعه») وقد دافع عن هذه النظرية «الأصمعي» في تأريخ العرب قبل الإِسلام، و«ابن هشام» في تأريخه المعروف بسيرة ابن هشام، و«أبوريحان البيروني» في كتاب «الآثار الباقية».

ويمكن لنا أن نلمح في شعر شعراء (الحميرية) وهم مِن أقوام اليمن، وبعضاً مِن شعراء الجاهلية تفاخراً بكونِ «ذو القرنين» مِن قومهم(2).

وفقاً لهذه النظرية يكون سد ذو القرنين هو سد «مأرب» المعروف.

النظرية الثّالثة: وهي أحدث النظريات في هذا المجال وردت عن المفكر الإِسلامي المعروف (أبو الكلام آزاد) الذي شغل يوماً منصب وزير الثقافة في الهند. وقد أورد رأيه في كتاب حققه في هذا المجال.