![]() |
![]() |
![]() |
إِنَّ التعبير القرآني يتضمَّن هذه الحقيقة أيضاً، وهي أنَّ عملية فناء عيون الماء ودمار البساتين هي أُمور سهلة في مقابل الحدث الأعظم الذي ستتلاشى عندهُ الجبال الراسيات، ويشمل الفناء كل الموجودات بما في ذلك أعظمها وأشدّها.
يرى العلاّمة الطباطبائي في تفسير (الميزان) أنَّ في يوم القيامة ثلاثة كُتب، أو ثلاثة أنواع مِن صحف الأعمال:
أوّلا: كتاب واحد يوضع لحساب أعمال جميع البشر، ويشير لذلك قوله تعالى في الآية التي نحنُ بصددها (ووضع الكتاب).
الثّاني: كتاب يختص بكل أُمّة، إِذ لكل أمة كتاب قد كُتب فيه أعمالها كما يصرّح بذلك قول الحق سبحانه وتعالى في الآيتين 28، 29 مِن سورة الجاثية في قوله تعالى: (كل أمّة تُدعى إلى كتابها).
الثّالث: كتاب لكل انسان بصورة مستقلة كما ورد في سورة الأسراء: الآية (13) (وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً ... ).
وطبيعي أنَّهُ لا يوجد أي تعارض بين هذه الآيات، لأنَّهُ ليسَ ثمّة مانع مِن أن تُدَوَّن أعمال الإِنسان في عدّة كُتب، كما نشاهد نظير ذلك في برامج دنيا اليوم، إِذ مِن أجل التنظيم الدقيق لتشكيلات دولة ما، هناك نظام وحساب لكل قسم، ثمّ إِنَّ هذه الأقسام وفي ظل أقسام أكبر لها حسابٌ جديد.
ولكن يجب الإِنتباه إلى أنَّ صحيفة أعمال الناس في يوم القيامة لا تشبه الدفتر والكتاب العادي في هذا العالم، فهي مجموعة ناطقة غير قابلة للنكران، وقد تكون الناتج الطبيعي لأعمال الإِنسان نفسه.
في كل الأحوال، نرى أنَّ الآيات التي نبحثها تُظهر أنَّهُ علاوة على تدوين أعمال الناس في الكتب الخاصّة، فإِنَّ نفس الأعمال ستتجسَّد هُناك وستحضر: (ووجدوا ما عملوا حاضراً).
فالأعمال التي تكون شكل طاقات مُتناثرة في هذا العالم وتكون محجوبة عن الأنظار وتبدو وكأنّها قد تلاشت وانتهت، هي في الحقيقة لم تنته (وقد أثبت العلم اليوم أنَّ أي مادي أو طاقة لا يُمكن أن تفنى، بل يتغير شكلها دائماً).
ففي ذلك اليوم تتحوَّل هذه الطاقة الضائعة بإِذن الله إلى مادة، وتتجسَّد على شكل صور مناسبة، فالأعمال الحسنة على شكل صور لطيفة وجميلة، والأعمال السيئة على شكل صور قبيحة، وهذه الأعمال ستكون معنا، ولهذا السبب نرى أنَّ آخر جملة في الآيات أعلاه تقول: (ولا يظلم ربّك أحداً) لأنَّ الثواب والعقاب يترتبان على نفس أعمال الإِنسان.
بعض المفسّرين اعتبر جملة (ووجدوا ما عملوا حاضراً) تأكيداً على قضية صحيفة الأعمال، وقالوا: إِنَّ معنى الجملة هو أنّنا سنجد جميع أعمالنا مُدَوَّنة في ذلك الكتاب(1).
البعض الآخر اعتبر كلمة (جزاء) في هذه الآية مُقدَّرة وقالوا: إِنَّ المعنى هو
1 ـ الفخر الرازي في التّفسير الكبير، والقرطبي في التّفسير الجامع.
أنّهم في ذلك اليوم «سيشاهدون جزاء أعمالهم جاهزاً»(1).
إِلاَّ أنَّ التّفسير الأوّل أكثر ملاءمة مع ظاهر الآيات.
أمّا فيما يخص تجسُّد الأعمال فقد ذكرنا شرحاً مفصلا لذلك في نهاية الآية (30) مِن سورة آل عمران، وسنبحثه أكثر مرّة أُخرى أثناء الحديث عن الآيات التي تُناسب الموضوع.
حقّاً إِنَّ القرآن كتاب تربوي عجيب، فعندما يذكر للناس جانباً مِن مشاهد القيامة يقول: إِنَّ الجميع سيعرضون على محكمة الخالق العادلة على شكل صفوف مُنظمة، في حين أن تشابه عقائدهم وأعمالهم هو المعيار في الفرز بين صفوفهم! إنَّ أيديهم هناك فارغة مِن كل شيء، فقد تركوا كل مُتعلقات الدنيا، فهم في جمعهم فُرادى، وفي فرديتهم مجموعين، تُعرض صحائف أعمالهم.
هناك يُذكر كل شيء، صغائر وكبائر الناس، والأكثر مِن ذلك أنَّ الأعمال والأفكار نفسها تحيا .. تتجسَّد .. تحيط الأعمال المتجسِّدة بأطراف كل شيء، فالناس مشغولون بأنفسهم بحيث أنَّ الأم تنسى ولدها، والابن ينسى الأب والأُم بشكل كامل.
هذه المحكمة الإِلهية ـ والجزاء العظيم ـ التي تنتظر المسيئين، ستلقي بظلها الثقيل والموحش على جميع الناس، حيث تحبس الأنفاس في الصدور، وتتوقف العيون عن الحركة! تُرى ما مقدار ما يعكسهُ الإِيمان بهذا اليوم ـ بهذه المحكمة بكل ما تتخلله مِن مشاهد ومواقف ـ على قضية تربية الإِنسان ودفعه لمسك زمام شهواته!؟
في حديث عن الإِمام الصادق نقرأ وصفهُ(عليه السلام) لهذا اليوم: «إِذا كانَ يوم القيامة
1 ـ المصدر السّابق.
دُفع للإِنسان كتاب، ثمّ قيل له: اقرأ» قلت: فيعرف ما فيه؟ فقال: «إِنَّهُ يذكره، فما مِن لحظة ولا كلمة ولا نقل قدم ولا شيء فعلهُ إِلاَّ ذكره، كأنَّهُ فعلهُ تلك الساعة، ولذلك قالوا: يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إِلاَّ أحصاها»(1).
مِن هُنا يتّضح الدور المؤثر للإِيمان بالقيامة في تربية الإِنسان، وإِلاَّ فهل يمكن أن يجمع الإِنسان بين الذنب، وبين إِيمانه ويقينه بهذا اليوم!؟
* * *
1 ـ نور الثقلين، ج 3، ص 267.
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـئِكَةِ اسْجُدُوا لأَِدَمَ فَسَجَدُوا إِلآَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِدُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّـلِمِينَ بَدَلا(50) مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمـوتِ وَالأَْرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً(51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَآءِىَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعُوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَّوْبِقاً(52)وَرَءَا الُْمجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً(53)
لقد تحدثت الآيات مرّات عدَّة عن خلق آدم وسجود الملائكة له، وعدم انصياع إِبليس. وقد قلنا: إِنَّ هذا التكرار يطوي دروس مُتعدِّدة، وفي كل مقطع مكرَّر هناك دروس وعبرٌ جديدة.
بعبارة أُخرى نقول: إِنَّ للحادثة المهمّة عدَّة أبعاد، وفي كل مرَّة تذكر فيها يتجلى واحد مِن أبعادها.
ولأنَّ الآيات السابقة ذكرت مثالا واقعياً عن كيفية وقوف الأثرياء المستكبرين والمغرورين في مقابل الفقراء المستضعفين وتجسُّد عاقبة عملهم، ولأنَّ الغرور كانَ هو السبب الأصلي لإِنحراف هؤلاء وانجرارهم إلى الكفر والطغيان، لذا فإِنَّ الآيات تعطف الكلام على قصة إِبليس وكيف أبى السجود لآدم غروراً مِنهُ وعلواً، وكيف قاده هذا الغرور والعلو إلى الكفر والطغيان.
إِضافة إلى ذلك، فإِنَّ هذه القصّة توضّح أنَّ الإِنحرافات تنبع مِن وَساوس الشيطان، كم تكشف أنَّ الإِستسلام إلى وساوس الشيطان الذي أصرَّ على عناده وعداوته للحق تعالى يعدّ غاية الجنون والحمق.
في البداية تقول الآيات: تذكروا ذلك اليوم الذي فيه: (وإِذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدَم فسجدوا إِلاَّ إِبليس). هذا الإِستثناء يمكن أن يوهمنا بأنَّ إِبليس كانَ مِن جنس املائكة، في حين أنَّ الملائكة معصومون، فكيف سلك إِبليس ـ إِذاً ـ طريق الطغيان والكفر إِذا كانَ مِن جملتهم؟
لذلك فإِنَّ الآيات ـ منعاً لهذا الوهم ـ تقول مُباشرة إِنَّهُ: (كانَ مَن الجن ففسق عن أمر ربّه).
إِنَّهُ إِذاً لم يكن مِن الملائكة، لكنَّهُ ـ بسبب عبوديته وطاعته للخالق جلَّوعلا ـ قُرِّب وكانَ في صف الملائكة، بل وكان معلماً لهم، إِلاَّ أنَّهُ ـ بسبب لحظة مِن الغرور والكبر ـ سقط سقوطاً بحيث أنَّهُ فقد معهُ كل ملاكاته المعنوية، وأصبح أكثر الموجودات نفرة وابتعاداً عن الله تبارك وتعالى.
ثمّ تقول الآية: (أفتتخذونه وذريته أولياء مِن دوني).
والعجب أنّهم: (وهم لكم عدوّ).
وهذا العدو، هو عدوّ صعب مُصَمِّم على ضلالكم وأن يوردكم سوء العاقبة،
وقد أظهر عدوانه مُنذ اليوم الأوّل لأبيكم آدم(عليه السلام).
فاتّخاذ الشيطان وأولاده. بدلا مِن الخالق المتعال أمرٌ قبيح: (بئس للظالمين بدلا)(1).
حقّاً إِنَّهُ لأمر قبيح أن يترك الإِنسان الإِله العالم الرحيم العطوف ذا الفيوضات والرحمات والألطاف، ويتمسك بالشيطان وأصحابه، إِنَّهُ أقبح إِختيار، فأي عاقل يقبل أن يتخذ مِن عدوّه الذي ناصبهُ العداء ـ مُنذ اليوم الأوّل ولياً وقائداً ودليلا ومعتمداً؟!
الآيه التي بعدها هي دليل آخر على إِبطال هذا التصوّر الخاطيء، إِذ تقول: عن إِبليس وابنائه أنّهم لم يكن لهم وجود حين خلق السماوات والأرض، بل لم يشهدوا حتى خلق أنفسهم: (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم). حتى نطلب العون مِنهم في خلق العالم، أو نطلعهم على أسرار الخلق.
لذا فإِنَّ الشخص الذي ليسَ له أي دور في خلق العالم، وحتى في خلق مَن يقع على شاكلته ومَن هو مِن نوعه، ولا يعرف شيئاً مِن أسرار الخلق، كيف يكون مستحقاً للولاية، أو العبادة، وأي قدرة أو دور يملك؟
إِنَّهُ كائن ضعيف وجاهل حتى بقضاياه الذاتية، فكيف يستطيع أن يقود الآخرين، أو أن ينقذهم مِن المشاكل والصعوبات؟
ثمّ تقول: (وما كنت مُتخذ المضلّين عضداً).
يعني أنّّ الخلق قائم على أساس الصدق والصحة والهداية، أمّا الكائن الذي يقوم منهج حياته على الإِضلال والإِفساد، فليس لهُ مكان في إِدارة هذا النظام، لأنَّه يسير في إِتجاه معاكس لنظام الخلق والوجود; إِنَّهُ مخرَّب ومدمِّر وليسَ مُصلحاً متكاملا.
آخر آية مِن الآيات التي نبحثها، تحذّر مرَّة أُخرى، وتقول: تذكروا يوماً يأتي
1 ـ «بدلا» من حيث التركيب اللغوي، تمييز. وفاعل «بئس» هو الشيطان وعصابته، أو عباد الشيطان وعصابته.
فيه النداء الإِلهي: (ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعتم).
لقد كُنتم تنادونهم عمراً كاملا، وكنتم تسجدون لهم، واليوم وبعد أن أحاطت بكم أمواج العذاب في ساحة الجزاء، نادوهم ليأتوا لمساعدتكم ولو لساعة واحدة فقط.
هناك ينادي الأشخاص الذين لا تزال ترسبات أفكار الدنيا في عقولهم: (فدعوهم فلم يستجيبوا لهم). فلم يجيبوا على ندائهم، فكيف بمساعدتهم وانقاذهم!!
(وجعلنا بينهم موبقاً)(1).
ثمّ تقول الآية التي بعدها موضحة عاقبة الذين اتبعوا الشيطان والمشركين: (ورأى المجرمون النار).
لقد انكشفت لهم النّار التي لم يكونوا يُصدِّقون بها أبداً، وظهرت أمام أعينهم، وحينئذ يشعرون بأخطائهم، ويتيقنون بأنّهم سيدخلون النّار وستدخلهم: (فظنوا أنّهم مُواقعوها).
ثمّ يتيقنون أيضاً أنَّ لا منقذ لهم مِنها: (ولم يجدوا عنها مصرفاً).
فلا تنقذهم اليوم مِنها لا معبوداتهم ولا شفاعة الشفعاء، ولا الكذب أو التوَسُّل بالذهب والقوّة، إِنَّها النّار التي يزداد سعيرها بسبب أعمالهم.
ينبغي الإِلتفات هنا إِلى أنَّ جملة «ظنّوا» بالرغم مِن أنّها مُشتقّة مِن «الظن» إِلاَّ أنّها في هذا المورد، وفي موارد أُخرى تأتي بمعنى اليقين، لذا فإِنَّ الآية (249) مِن سورة البقره تستخدم نفس التعبير بالرغم مِن أنّها تتحدث عن المؤمنين الحقيقيين والمجاهدين المرابطين الذين كانوا مع طالوت لقتال جالوت الجبّار الظالم، إِذ تقول: (قالَ الذين يظنون أنّهم مُلاقوا الله كم مِن فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإِذن الله).
1 ـ «موبق» مِن «وبوق» على وزن «نبوغ» وهي تعني الهلاك، وَ(موبق) تقال للمهلكة.
فإِنَّ كلمة «موقعوها» مُشتقّة مِن «مواقعة» بمعنى الوقوع على الآخرين، وهي إِشارة إلى أنّهم يقعون على النّار، وأنَّ النّار تقع عليهم; فالنّار تنفذ فيهم وهم ينفذون في النّار، وقد قرأنا في الآية (24) مِن سورة البقره قوله تعالى: (فاتقوا النّار التي وقودها الناس والحجارة).
* * *
كما نعلم أنّ الملائكة أطهار ومعصومون كما صرّح بذلك القرآن الكريم: (بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون)(1).
ويعود سبب عدم وجود التكبر والغرور ودوافع إرتكاب الذنوب لدى الملائكة، إلى أن العقل لا الشهوة يتحكم في أعماقهم.
من ناحية ثانية، يتداعى إلى الذهن من خلال استثناء إِبليس في الآيات المذكورة أعلاه (وآيات أُخرى في القرآن الكريم) أنَّهُ من صنف الملائكة، بأنّه كان منهم. وهنا يرد على عصيانه وتمرده والإِشكال التالي: كيف تصدر ذنوب كبيرة عن مَلَكَ من الملائكة؟ وقد جاء في نهج البلاغة «ما كان الله سبحانه ليدخل الجنة بشراً بأمر أخراج به منها مَلكاً»(2).
الآيات المذكورة تحل لنا رموز هذه المشكلة حينما تقول: (إِنّه كان من الجن)، والجن كائنات خفية عن أنظارنا لها عقل وإِحساس وغضب وشهوة، ومتى ما وردت في القرآن كلمة «الجن» فإِنّها تعني هذه الكائنات ... لكن مَنْ يعتقد مِنَ المفسّرين بأن إِبليس كان من الملائكة، فإِنّما يفسر الآية المذكورة آنفاً
1 ـ الأنبياء، 26 ـ 27.
2 ـ نهج البلاغة الخطبة (192) «الخطبة القاصعة».
بمفهومها اللغوي، ويقول: إِنّه يفهَمْ من عبارة (كان مِن الجن) أنّه كان خفياً عن الأنظار كسائر الملائكة، وهذا المعنى خلاف الظاهر تماماً.
ومن الدلائل الواضحة التي تؤكّد ما ذهبنا إليه من المعنى، أنّ القرآن الكريم يقول في الآية (15) من سورة الرحمن: (وخلق الجان من مارج من نار) أي من نيران مختلطة ومن جانب آخر كان منطق إِبليس عندما امتنع عن السجود لآدم: (خلقتني من نار وخلقته من طين)(1).
هذا بالإِضافة إلى أن الآيات الشريفة أعلاه أشارت إلى أن لإِبليس (ذرية) في حين أن الملائكة لا ذرية لهم.
إِن ما ذكرناه آنفاً، مضافاً إِليه التركيبة الجوهرية للملائكة تثبت أن إِبليس لم يكن مَلَكاً، لكن آية السجود لآدم شملته ـ أيضاً ـ لانضمامه إلى صفوف الملائكة، وكثرة عبادته لله وطموحه للوصول إلى منزلة الملائكة المقربين.
وإِنّما بيَّن القرآن امتناع إِبليس عن السجود بشكل استثنائي، وأطلق عليه الأمام عليّ(عليه السلام) في الخطبة القاصعة في نهج البلاغة كلمة (المَلَكْ) كتعبير مجازي. وجاء في كتاب (عيون الأخبار) عن الإِمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): «إِنّ الملائكة معصومون ومحفوظون من الكفر بلطف الله تعالى» قالا: قلنا له: فعلى هذا لم يكن ابليس أيضاً ملكاً؟، فقال: «لا، بل كان من الجن، أما تسمعان الله تعالى يقول: (وإِذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إِلا إِبليس كان من الجن)فأخبر عزّوجل أنّه من الجن،...»(2)
وفي حديث آخر نقل عن الإِمام الصادق(عليه السلام)، بأن أحد أصحابه المخلصين وهو جميل بن دراج قال: سألته عن اِبليس كان من الملائكة وهل كان يلي من أمر السماء شيئاً؟ قال: «لم يكن من الملائكة ولم يكن يلي من السماء شيئاً، أنّه
1 ـ الأعراف، 12.
2 ـ نور الثقلين، ج 3 ، ص 267.
كان من الجن وكان مع الملائكة، وكانت الملائكة تراه أنّه منها، وكان الله يعلم أنَّه ليس منها، فلمّا أمر بالسجود كان منه الذي كان»(1).
وعندما صدر أمر السجود تحقق الشيء الذي نعرفه (كشفت الأستار واتضحت ماهية إِبليس).
وهناك بحوث تفصيلية ذكرناها حول إِبليس والشيطان بشكل عام في ذيل الآيات (11 ـ 18) من سورة الأعراف، وفي ذيل الآية (112) من سورة الأنعام، وفي ذيل الآية (34) من سورة البقرة.
مع أن هذه الآيات، صادرة عنه تعالى وتنفي وجود عضد له من الضالين، ونعلم أنّه تعالى ليسَ بحاجة إِلى من يعينه سواء كان المعين ضالا أم لم يكن، لكنها تقدم لنا درساً كبيراً للعمل الجماعي، حيث يجب أن يكون الشخص المنتخب للنصرة والعون سائراً على منهج الحق والعدالة ويدعو إِليها، وما أكثر ما رأينا أشخاصاً طاهرين قد ابتلوا بمختلف أنواع الإِنحرافات والمشاكل وأصيبوا بالخيبة وسوء الحظ جراء عدم الدقّة في انتخاب الأعوان، حيث التفّ حولهم عدد من الضالّين والمضلّين حتى تلفت أعمالهم، وكانت خاتمة أمرهم أن فقدوا كل ملكاتهم الإِنسانيه والإِجتماعية.
إِنّنا نقرأ في تاريخ كربلاء أن سيد الشهداء الإِمام الحسين(عليه السلام) قام يتمشى إلى (عبيد الله بن الحر الجعفي) وهو في فسطاطه حتى دخل عليه وسلم عليه، فقام ابن الحر وأخلى له المجلس، فجلس ودعاه إلى نصرته، فقال عبيد اللّه بن الحر: واللّه ما خرجت من الكوفة إلاّ مخافة أن تدخلها، ولا اُقاتل معك، ولو قاتلت لكنت أوّل مقتول، ولكن هذا سيفي وفرسي فخذهما...
1 ـ المصدر السّابق.
فأعرض الإِمام عنه بوجهه فقال: «إذا بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا في مالك، وتلا الآية (وما كنت متخذ المضلين عضدا)(1).
إشارة إِلى أنّك ضال ومضل، ولا تستحق أن تكون نصيراً.
وعلى أية حال، فإِن البقاء دون نصير ومعين أفضل من طلب معونة الأشخاص الملوثين والضالين واتّخاذهم عضداً.
* * *
1 ـ نور الثقلين، ج 3، ص 268.
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هـذَا الْقُرْءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَل وَكَانَ الإِْنسـنُ أَكْثَرَ شَىْء جَدَلا(54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَْوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا(55) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيَجـدِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبـطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا ءَايـتِى وَمَآ أُنذِرُوا هُزُواً(56)
تنطوي هذه الآيات على تلخيص واستنتاج لما ورد في الآيات السابقة، وهي تُشير ـ أيضاً ـ إلى بحوث قادمة.
الآية الأُولى تقول: (ولقد صرَّفنا في هذا القرآن للناسِ من كل مثل).
لقد ذكرنا نماذج مِن تأريخ الماضين المليء، بالإِثارة، وقد أوضحنا للناس الحوادث المرَّة للحياة واللحظات الحلوة في التأريخ، وقد قلّبنا بيان هذه الأُمور بحيث تتقبلها القلوب المستعدّة للحق، وتكون الحجة على الآخرين تامّة،
ولا يبقى ثمّة مجال للشك.
ولكن بالرغم مِن هذا فإِنَّ مجموعة عُصاة لم يؤمنوا أبداً: (وكانَ الإِنسانُ أكثر شيء جدلا).
«صرّفنا» مِن «تصريف» وتعني التغيير والتحوَّل من حال إلى حال. الهدف مِن هذا التعبير في الآية أعلاه هو أنّنا تحدثنا مع الناس بكل لسان يمكن التأثير به عليهم.
«جدل» تعني محادثة الآخرين على أساس المُنازعة وإِظهار نزعة التسلَّط على الآخرين. ولهذا فإِنَّ (المجادلة) تعني قيام شخصين بإِطالة الحديث في حالة مِن التشاجر، وهذه الكلمة في الأصل مأخوذة ـ وكما يقول الراغب في المفردات ـ مِن (جدلت الحبل) أي ربطت الحبل بقوّة، وهي كناية عن أنَّ الشخص المجادل يستهدف مِن خلال جدله أن يحرف الشخص الآخر ـ بالقوّة ـ عن أفكاره.
وقال آخرون: إنَّ أصل (الجدال) هو بمعنى المصارعة وإِسقاط الآخر على الأرض. وهي تستعمل أيضاً في الدلالة على الشجار اللفظي.
في كل الأحوال، يكون المقصود بالناس في الآية هُم تلك الفئة التي لا تقوم في وجودها وممارساتها على أُصول التربية الإِسلامية وقواعدها، وقد أكثر القرآن في استعمال هذه التعابير، وقد شرحنا هذه الحالة مفصلا في نهاية الحديث عن الآية (12) مِن سورة يونس.
الآية التي بعدها تقول: إِنَّهُ بالرغم من كل هذه الأمثلة المختلفة والتوضيحات المثيرة والأساليب المُختلفة التي ينبغي أن تنفذ إلى داخل الإِنسان المستعد لقبول الحق، فإِنَّ هناك مجموعة كبيرة من الناس لم تؤمن: (وما منع الناس أن يؤمنوا إِذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربّهم إِلاَّ أن تأتيهم سنة الأولين) أي مصير الاُمم السالفة: (أو يأتيهم العذاب قُبلا)(1) فيرونه بامّ أعينهم.
إِنَّ هذه الآية ـ في الحقيقة ـ إِشارة اِلى أنَّ هذه المجموعة المعاندة والمغرورة
1 ـ (قبل) تعني (التقابل، بمعنى مُشاهدة العذاب الإِلهي بالعين، بعض المفسّرين كالطبرسي في مجمع البيان، وأبي الفتوح في روح الجنان، والآلوسي في روح المعاني احتملوا أن تكون (قبل) جمع (قبيل) وهي إِشارة إلى الأنواع المختلفة مِن العذاب، إِلاَّ أنَّ المعنى الأوّل أقرب حسب الظاهر.
لا تؤمن بإرادتها وبشكل طبيعي أبداً، بل هُم يؤمنون في حالتين فقط:
أوّلا: عندما يُصيبهم العذاب الأليم الذي نزل مثلهُ في الأقوام والأُمم السابقة.
ثانياً: عندما يُشاهدون العذاب الإِلهي بأعينهم على الاقل وقد أشرنا مراراً إلى أنَّ مثل هذا الإِيمان هو إِيمان عديم الفائدة.
ومِن الضروري الإِنتباه هُنا إلى أنَّ مثل هؤلاء الناس لم يكونوا ينتظرون مثل هذه العاقبة أبداً، أمّا لأنَّ هذه العاقبة كانت حتمية بالنسبة لهم وهي الشيء الوحيد الذي ينتهي إليه مصيرهم، لذا نرى القرآن قد طرحها على شكل إِنتظار، وهذا نوع من الكناية اللطيفة. ومثلهُ أن تقول للشخص العاصي: إِنَّ أمامك ـ فقط ـ أن تنتظر لحظة الحساب، بمعنى أنَّ الحساب والعقاب أمرٌ حتمي بالنسبة له، وهو بذلك يعيش حالة انتظار للمصير المحتوم.
إِنَّ بعض حالات العصيان والغرور التي يُصاب بها الإِنسان قد تتسلّط عليه بحيث لا يؤثّر فيه لا الوحي الإِلهي، ولا دعوات الإنبياء الهادية، ولا رؤية دروس وعبر الحياة الإِجتماعية، ولا مطالعة تأريخ الأمم السابقة. إِنَّ الذي ينفع مع هذه الفئة مِن الناس هو العذاب الإِلهي الذي يعيد الإِنسان إِلى رشده، ولكن عند نزول العذاب تُغلق أبواب التوبة، ولا يوجد ثمّة طريق للرجعة والإِستغفار.
ومِن أجل طمأنة الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في مقابل صلافة وعناد أمثال هؤلاء، تقول الآية: (وما نرسل المرسلين إِلاَّ مُبشرين ومُنذرين).
ثمّ تقول الآية: إِنَّ هذه القضية ليست جديدة، بل إِنَّ مِن واقع هؤلاء الأشخاص المعارضة والإِستهزاء بآيات الله: (ويُجادل الذين كفروا بالباطل
ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزواً)(1).
وهذه الآية تشبه الآيات (42 ـ 45) مِن سورة الحج التي تقول: (وإِن يكذبوك فقد كذَّبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ... ) إلى آخر الآيات.
ويحتمل في تفسير الآية أنَّ الله تبارك وتعالى يريد أن يقول: إِنَّ عمل الإنبياء لا يقوم على الإِجبار والإِكراه، بل إِنَّ مسؤوليتهم التبشير والإِنذار، والقرار النهائي مرتبط بنفس الناس كي يُفكروا بعواقب الكفر والإِيمان معاً، وحتى يؤمنوا عن تصميم وإِرادة وبيِّنة، لا أن يلجأوا إلى الإِيمان الإِضطراري عند نزول العذاب الإِلهي.
لكن، مع الأسف أن يُساء استخدم حرية الإِختيار هذه والتي هي وسيلة لتكامل الإِنسان ورقيِّه، عندما يقوم أنصار الباطل بالجدال في مقابل أنصار الحق، إِذ يُريدون القضاء على الحق عن طريق الإِستهزاء أو المغالطة. ولكن هناك قلوباً مستعدة لقبول الحق دوماً والتسليم له، وإِنَّ هذا الصراع بين الحق والباطل كان وسيبقى على مدى الحياة.
* * *
1 ـ (يدحضوا) مُشتقة مِن (إِدحاض) بمعنى الإِبطال والإِزالة، وهي في الأصل مأخوذة مِن كلمة (دحض) بمعنى الإِنزلاق.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِايـتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى ءَاذَانِهِمْ وَقْرَاً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً(57)وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُوا الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذَابَ بَلْ لَّهُمْ مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلا(58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنـهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمُهْلِكِهِم مَّوْعِداً(59)
الآيات السابقة كانت تتحدَّث عن مجموعة مِن الكافرين المُتعصبين والمظلمة قلوبهم; والآيات التي بين أيدينا تستمر في نفس البحث.
ففي البداية قوله تعالى: (ومَن أظلم ممن ذكّر بآيات ربَّه فأعرضَ عنها ونسي ما قدَّمت يداه).
إِنّ استخدم تعبير (ذكّر) يوحي إِلى أنَّ تعليمات الأنبياء(عليهم السلام) هي بمثابة التذكير بالحقائق الموجودة بشكل فطري في أعماق الإِنسان، وإِنَّ مهمّة الأنبياء
هي رفع الحجب عن نقاء وشفافيه هذه الفطرة.
هذا المعنى ورد في الخطبة الأُولى مِن خطب نهج البلاغة حيث يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام): «ليَسْتَأدُوهُم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا إِليهم بالتبليغ، ويُثيروا لهم دفائن العقول».
الطريف في الأمر أنَّ الآية الكريمة رسمت ثلاثة مسالك ليقظة هؤلاء وإِعادتهم إلى نور الهداية، هي:
أوّلا: إِنَّ هذه الحقائق تلائم بشكل كامل ما هو مكنون في فطرتكم ووجدانكم وأرواحكم.
ثانياً: إِنّها جاءت مِن قبل خالقكم. ثالثاً: عليكم أن لا تنسوا أنّكم اقترفتم الذنوب، وأنَّ مِنهاج عمل الأنبياء هو فتح باب التوبة مِن الذنوب والهداية للصواب.لكن هذه الفئة مِن الناس لم تؤمن برغم كل ذلك: (إِنَّا جعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً)(1) وبذلك لا تنفع معهم دعوتك: (وإِن تدعهم إلى الهوى فلن يهتدوا إذاً أبداً).
ولا نعتقد أننا بحاجة إلى أن نوضح أن سبب إِنعدام قابلية التشخيص والقدرة والإِحساس والسمع لدى هؤلاء، إِنّما كانَ مِن عندَ الله، ولكن بسبب (ما قدّمت يداه) وبسبب الأعمال التي قاموا بها سابقاً، وهذا هو الجزاء المباشر لأعمالهم ولما كسبت أيديهم. بعبارة أُخرى: إِنَّ الأعمال القبيحة السيئة والمخزية تحوَّلت إِلى ستار وثقل، أي (كنان ووقر) على قلوبهم وآذانهم، وهذه الحقيقة تذكرها
1 ـ كما قُلنا سابقاً (أكنة) جمع (كنان) على وزن كتاب، وتعني الستار أو الحجاب و(وقر) تعني ثقل الأذن عن السماع.
الكثير مِن الآيات القرآنية، إِذ نقرأ على سبيل المثال قوله تعالى في الآية (155) مِن سورة النساء: (بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إِلاَّ قليلا).
ولكن هناك مَن يتذَرَّع بشتى الحجج والذرائع لإِثبات فكرة الجبر ودعم مذهبه في ذلك، دون أن يأخذ بنظر الاعتبار بقية هذه الآية، وسائر الآيات القرآنية الأُخرى التي تفسرها، بل يعتمد على ظواهر ألفاظ الآيات ويتخذها سنداً لإِثبات مقولة الجبر، في حين أنَّ الجواب على ذلك ـ كما أسلفنا ـ واضح بدرجة كبيرة.
إِنَّ البرانامج التربوي للخالق جلَّوعلا هو أن يُعطي لعباده الفرصة بعد الأُخرى، وهو جلَّوعلا لا يُعاقب بشكل فوري مِثل الجبارين والظالمين، بل إِنَّ رحمته الواسعة تقتضي دوماً إِعطاء أوسع الفرص للمذنبين، لذا فإِنّ الآية التي بعدها تقول: (وربّك الغفور ذو الرحمة).
(لو يُؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب). فاذا كانت الإِرادة الإلهية تقتضي انزال العذاب بسبب ارتكابهم للذنبوب لتحقّق ذلك فوراً.
(بل لهم موعدٌ لن يجدوا مِن دونه موئلا)(1).
فغفرانه تعالى يقضي أن يرحم التوابين، ورحمته تقضي أن لا يعجّل عذاب غيرهم، إِذ مِن المحتمل أن يلتحق بعضهم بصفوف التوابين، إِلاَّ أن عدالته تعالى تقتضي مجازاة المذنبين العاصين الظالمين عندما يصل طُغيانهم وتمردهم إلى أقصى درجاته، وعندما يكون بقاء مثل هؤلاء الأفراد الفاسدين المفسدين الذين لا يوجد أمل في إصلاحهم، عبثاً وبدون فائدة، لذا ينبغي تطهير الأرض منهم، ومِن لوث وجودهم.
1 ـ (موئل) مِن كلمة (وئل) وتعني الملجأ ووسيلة النجاة.
وأخيراً تنتهي هذه المجموعة مِن الآيات إلى توجيه التحذير الأخير مِن خلال التذكير بالعاقبة المؤلمة المرَّة لِمن ظَلَمَ مِن السابقين ليكون مصيرهم عبرة لمن يسمع، فتقول: إِنَّ هذه المدن والقرى أمامكم، ولكم أن تشاهدا خرائبها والدمار والذي حلَّ فيها، وقد أهلكنا أهلها بما ارتكبوا مِن ظلم، في نفس الوقت الذي لم نعجّل فيه لهم العذاب، بل جعلنا موعداً لِمهلكهم: (وتلك القرى أهلكناهم لمّا ظلموا وجعلنا لِمهلكهم موعداً).
* * *
وَإِذْ قَاكَ مُوسَى لِفَتَئـهُ لآَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً(60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلهُ فِى الْبَحْرِ سَرَباً(61) فَلَمَّا جَاوَزَوا قَالَ لِفَتَهُ ءَاتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـذَا نَصَباً(62) قَالَ أَرَءَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَآ أَنْسَـنِيهُ إِلاَّ الشَّيْطـنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ عَجَباً(63) قَالَ ذلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى ءَاثَارِهِمَا قَصَصاً(64)
![]() |
![]() |
![]() |