![]() |
![]() |
![]() |
بالرّغم من أن لهذه الآية سبب نزول ذكر أعلاه، إِلاّ أنّ هذا لا يكون مانعاً من
1 ـ تفسير نور الثقلين، ج3، ص352، عن مجمع البيان، وتفسير القرطبي، الجزء 11، ص 416 ، و ذيل الآية مورد البحث باختلاف يسير.
أن يكون لها ارتباطاً منطقياً بالآيات السابقة، لأنّها تأكيد على أنّ كل ما أتى به جبرئيل من الآيات السابقة قد بلغه عن الله بدون زيادة أو نقصان، ولا شيء من عنده، فتتحدث الآية الأُولى على لسان رسول الوحي فتقول: (وما نتنزل إِلاّ بأمر ربّك) فكل شيء منه، ونحن عباد وضعنا أرواحنا وقلوبنا على الأكف (له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك) والخلاصة: فإنّ الماضي والحاضر والمستقبل، وهنا وهناك وكل مكان، والدنيا والآخرة والبرزخ، كل ذلك متعلق بذات الله المقدسة.
وقد ذكر بعض المفسّرين لجملة (له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك)آراء عديدة بلغت أحياناً أحد عشر قولاً ما ذكرنا أعلاه هو أنسبها جميعاً كما يبدو..
ثمّ تضيف الآية: إن كل ذلك بأمر ربّك (ربّ السماوات والأرض وما بينهما)فإِذا كان الأمر كذلك، وكل الخطوط تنتهي إِليه (فاعبده) عبادة مقترنة بالتوحيد والإِخلاص. ولما كان هذا الطريق ـ طريق العبودية والطاعة وعبادة الله الخالصة ـ مليء بالمشاكل والمصاعب، فقد أضافت (واصطبر لعبادته)، وتقول في آخر جملة: (هل تعلم له سمياً).
وهذه الجملة في الواقع، دليل على ما جاء في الجملة السابقة، يعني: هل لذاته المقدسة شريك ومثيل حتى تمد يدك اليه وتعبده؟
إِنّ كلمة (سمي) وإِن كانت تعني «المشترك في الإِسم»، إِلاّ أن من الواضح أنّ المراد هنا ليس الإِسم فقط، بل محتوى الإِسم، أي: هل تعلم أحداً غير الله خالقاً رازقاً، محيياً مميتاً، قادراً على كل شيء، وظاهراً على كل شيء؟
* * *
وَيَقُولُ الإِْنسَنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً(66) أَوَلاَ يَذْكُرُ الإِْنسَنُ أَنَّا خَلَقْنَـهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيئاً(67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيـطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً(68) ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَة أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الْرَّحْمـنِ عِتِيّاً(69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً(70)
الآيات الأُولى ـ على رأي جماعة من المفسّرين ـ نزلت في شأن «أُبي بن خلف»، أو «الوليد بن المغيرة»، حيث أخذوا قطعة من عظم منخور، ففتوه بأيديهم ونثروه في الهواء حتى تطايرت كل ذرة منه إِلى جهة، وقالوا انظروا إِلى محمّد الذي يظن أن الله يحيينا بعد موتنا وتلاشي عظامنا مثل هذا العظم! إِن هذا شيء غير ممكن أبداً. فنزلت هذه الآيات وأجابتهم، جواباً قاطعاً، جواباً مفيداً ومعلماً لكل البشر، وفي جميع القرون والأعصار.
مرّت في الآيات السابقة بحوث عديدة حول القيامة والجنّة والجحيم، وتتحدث هذه الآيات التي نبحثها حول نفس الموضوع، فتعيد الآية الأُولى أقوال منكري المعاد، فتقول: (ويقول الإِنسان ءإذا ما مت لسوف أُخرج حياً).
هذا الإِستفهام استفهام إِنكاري طبعاً، أي إنّ هذا الشيء غير ممكن. أمّا التعبير بالإِنسان (وخاصّة مع ألف ولام الجنس)، مع أنّه كان من المناسب أن يذكر الكافر محله ـ فربّما كان من جهة أن هذا السؤال مخفي في طبع كل إِنسان في البداية بزيادة ونقيصة، وبسماع مسألة الحياة بعد الموت سترتسم في ذهنه علامة الإِستفهام فوراً.
ثمّ يجيبهم مباشرة بنفس التعبير (أو لا يذكر الإِنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً). ويمكن أن يكون التعبير بـ «الإنسان» هنا أيضاً إِشارة إِلى أن الإِنسان مع ذلك الإِستعداد والذكاء الذي منحه الله إيّاه، يجب أن لا يجلس ساكتاً أمام هذا السؤال، بل يجب أن يجيب عليه بتذكر الخلق الأوّل، وإِلاّ فإنّه لم يستعمل حقيقة إِنسانيته.
إِنّ هذه الآيات ـ ككثير من الآيات المرتبطة بالمعاد ـ تؤكّد على المعنى الجسماني، وإِلاّ فإذا كان القرار أن تبقى الروح فقط، ولا وجود لرجوع الجسم إِلى الحياة، فلا مكان ولا معنى لذلك السؤال، ولا لهذا الجواب.
على كل حال، فقد استعمل القرآن هذا المنطق لإِثبات المعاد هنا، وقد جاء في مواضع أُخرى من القرآن أيضاً، ومن جملتها في أواخر سورة يس، حيث طرح الأمر بنفس تعبير الإِنسان: (أو لم ير الإِنسان أنا خلقناه من نطفة فإِذا هو خصيم مبين. وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم. قل
يحييها الذي أنشأها أول مرّة وهو بكل خلق عليم)(1)(2).
بعض المفسّرين طرح هنا سؤالا، وهو أن هذا الدليل إِذا كان صحيحاً، بأنّ كل شخص إِذا ما عمل عملا فإنّه قادر على إعادته، فلماذا نقوم بأعمال ثمّ نعجز عن تكرارها أحياناً؟ فمثلا قد ننشد قطعة شعرية رائعة جدّاً، أو نكتب بخط جميل جدّاً، غير أنّنا بعد ذلك نجتهد في الإِتيان بمثله ولكن دون جدوى.
الجواب هو: صحيح أنّنا نقوم بأعمالنا بإِرادة واختيار، إِلاّ أن هناك سلسلة من الأُمور غير الإِرادية تؤثر في أفعالنا الخاصّة أحياناً، فإِنّ حركة واهتزاز يدنا غير المحسوس يؤثر أحياناً في دقة شكل الحروف. إِضافة إِلى أن قدرتنا واستعدادنا ليسا متساويين دائماً، فقد تعرض أحياناً عوامل تعبىء كل قوانا الداخلية، ونستطيع أن نبدع في الأعمال ونأتي بأعلاها، إِلاّ أنّ هذه الدوافع تكون ضعيفة أحياناً، فلا تستجمع كل الطاقات، ولذلك فإن العمل الثّاني لا ينفذ بدقة وجودة العمل الأوّل.
إِلاّ أنّ الله الذي لا تنتهي قدرته، لا تثار حوله هذه المسائل، ولا تقاس قدرته على أعمالنا وقدراتنا، فإنّه إِذا عمل عملا فإنّه يستطيع إِعادته بعينه بدون زيادة أو نقصان.
ثمّ تهدد الآية التالية منكري المعاد، والمجرمين الكافرين: (فوربّك لنحشرنّهم والشياطين ثمّ لنحضرنّهم حول جهنم جثياً).
إِنّ هذه الآية توحي بأنّ محكمة الأفراد الكافرين والمجرمين قريبة من جهنم! والتعبير بـ «جثيا» ـ مع العلم أن جثي جمع جاثي، وهو الذي يجثو على ركبتيه ـ ربّما كان إِشارة إِلى ضعف وعجز وذلة هؤلاء، حتى أنّهم لا قدرة لهم على الوقوف أحياناً.
1 ـ يس، 77 ـ 79.
2 ـ لقد بحثنا حول هذا الدليل في ذيل الآية (29) من الأعراف تحت عنوان (أقصر دليل لإِثبات المعاد).
ولهذه الكلمة معاني أُخرى أيضاً، فمن جملتها أنّهم فسروا «جثياً» بمعنى جماعة جماعة، وبعضهم فسّرها بمعنى الكثرة وازدحام بعضهم على بعض كتراكم التراب والحجارة، إِلاّ أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب والأشهر.
ولما كانت الأولويات تلاحظ في تلك المحكمة العادلة، فإنّ الآية التالية تقول: (ثمّ لننزعن من كل شيعة أيّهم أشد على الرحمن عتياً)(1) ونبدأ بحسابهم أوّلا، فإِنّهم عتوا عتواً نسوا معه كل مواهب الله الرحمان، وجنحوا إِلى التمرد والعصيان وإِظهار الوقاحة أمام ولي نعمتهم! أجل، إِن هؤلاء أحق من الجميع بالجحيم.
ثمّ تؤكّد على هذا المعنى مرّة أُخرى فتقول: (ثمّ لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صلياً) فسنختار هؤلاء بدقة، وسوف لا يقع أي اشتباه في هذا الإِختيار.
(صلي) مصدر يعطي معنى إِشعال النار وإِيقادها، كما يعني حرق الشيء بالنّار.
* * *
1 ـ «الشيعة» في الأصل بمعنى الجماعة التي يتعاون أفرادها للقيام بعمل ما، وانتخاب هذا التعبير في الآية يمكن أن يكون إِشارة إِلى أن العتاة المردة والضالين الكافرين كانوا يتعاونون في طريق الطغيان، ونحن سنحاسب هؤلاء أوّلا، لأنّهم أكثر تمرداً وعصياناً من الجميع.
وَإِن مِّنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمَاً مَّقْضِيّاً(71) ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّـلِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً(72)
تمستمر الآيات في بحث خصائص القيامة والثواب والعقاب، وأشارت في البداية إِلى مسألة يثير سماعها الحيرة والعجب لدى أغلب الناس، فتقول: (وإن منكم إِلاّ واردها كان على ربّك حتماً مقضياً) فجميع الناس سيدخلون جهنم بدون استثناء لأنّه أمر حتمي.
(ثمّ ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً)فنتركهم فيها جالسين على الركب من الضعف والذّل.
وهناك بحث مفصل بين المفسّرين في تفسير هاتين الآيتين حول المراد من «الورود» في جملة (وإن منكم إِلاّ واردها).
فيرى بعض المفسّرين أنّ «الورود» هنا بمعنى الإِقتراب والإِشراف، أي إن جميع الناس بدون استثناء ـ المحسن منهم والمسيء ـ يأتون إِلى جانب جهنم للحساب، أو لمشاهدة مصير المسيئين النهائي، ثمّ ينجي الله المتقين، ويدع
الظالمين فيها. وقد استدل هؤلاء لدعم هذا التّفسير بالآية (23) من سورة القصص: (ولما ورد ماء مدين ... ) حيث أن للورود هنا نفس المعنى.
والتّفسير الثّاني الذي اختاره أكثر المفسّرين، هو أن الورود هنا بمعنى الدخلو، وعلى هذا الأساس فإنّ كل الناس بدون استثناء ـ محسنهم ومسيؤهم ـ يدخلون جهنم، إِلاّ أنّها سيكون برداً وسلاماً على المحسنين، كحال نار نمرود على إِبراهيم (يار نار كوني برداً وسلاماً على إِبراهيم)، لأنّ النّار ليست من سنخ هؤلاء الصالحين، فقد تفر منهم وتبتعد عنهم، إِلاّ أنّها تناسب الجهنميين فهم بالنسبة للحجيم كالمادة القابلة للإشتعال، فما أن تمسهم النار حتى يشتعلوا.
وبغض النظر عن فلسفة هذا العمل، والتي سنشرحها فيما بعد ـ إِن شاء الله تعالى ـ فإنّ ممّا لا شك في أنّ ظاهر الآية يلائم وينسجم مع التّفسير الثاني، لأنّ المعنى الأصلي للورود هو الدخول، وغيره يحتاج إِلى قرينة. إِضافة إِلى أن جملة (ثمّ ننجي الذين اتقوا) وكذلك جملة (ونذر الظالمين فيها) كلتاهما شاهدتان على هذا المعنى. علاوة على الرّوايات المتعددة الواصلة إِلينا في تفسير الآية التي تؤيد هذا المعنى، ومن جملتها:
روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّ رجلا سأله عن هذه الآية، فأشار جابر بإِصبعيه إِلى أذنيه وقال: صمتا إن لم أكن سمعت رسول اللهّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «الورود الدّخول، لا يبقى بر ولا فاجر إلاّ يدخلها، فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت على إِبراهيم، حتى أن للنّار ـ أو قال لجهنم ـ ضجيجاً من بردها، ثمّ ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثياً»(1).
وفي حديث آخر عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «تقول النّار للمؤمن يوم القيامة: جز يامؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي»(2)!
1 ـ نور الثقلين، الجزء 3، ص 353.
2 ـ المصدر السّابق.
ويستفاد هذا المعنى أيضاً من بعض الرّوايات الأُخرى. وكذلك التعبير العميق المعنى للصراط، والذي ورد في روايات متعددة بأنّه جسر على جهنم، وأنّه أدق من الشعرة وأحد من السيف، هذا التعبير شاهد آخر على هذا التّفسير(1).
أمّا ما يقوله البعض من أن الآية (101) من سورة الأنبياء: (أُولئك عنها مبعدون) دليل على التّفسير الأوّل، فلا يبدو صحيحاً، لأن هذه الآية مرتبطة بمحل إِقامة ومقر المؤمنين الدائمي، حتى أنّنا نقرأ في الآية التالية لهذه الآية: (لا يسمعون حسيسها) فإذا كان الورود في آية البحث بمعنى الإِقتراب، فهي غير مناسبة لكلمة (مبعدون) ولا لجملة (لا يسمعون حسيسها).
جواب عن سؤال:
السؤال الوحيد الذي يبقى هنا، هو: ما هي الحكمة هذا العمل؟ وهل أن المؤمنين لا يرون أذى ولا عذاباً من هذا العمل؟
إِنّ الإِجابة على هذا السؤال ـ التي وردت في الرّوايات حول كلا الشقين ـ ستتضح بقليل من الدقة.
إِنّ مشاهدة جهنم وعذابها في الحقيقة، ستكون مقدمة لكي يلتذ المؤمنون بنعم الجنة بأعلى مراتب اللذة، لأن أحداً لا يعرف قدر العافية حتى يبتلى بمصيبة (وبضدها تتمايز الأشياء) فهناك لا يبتلى المؤمنون بمصيبة، بل يشاهدون المصيبة على المسرح فقط، وكما قرأنا في الرّوايات السابقة، فإنّ النّار تصبح برداً وسلاماً على هؤلاء، ويطغى نورهم على نورها ويخمده.
إِضافة إِلى أنّ هؤلاء يمرون على النار بكل سرعة بحيث لا يُرى عليهم أدنى أثر، كما روي النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال في حديث: «يرد الناس ثمّ يصدون بأعمالهم،
1 ـ تفسير نور الثقلين، ج5، ص 572 ذيل آية (إِن ربّك لبالمرصاد) الفجر، 14.
فأوّلهم كلمع البرق، ثمّ كمر الريح، ثمّ كحضر الفرس، ثمّ كالراكب، ثمّ كشد الرجل، ثمّ كمشيه»(1).
وإِذا تجاوزنا ذلك، فإنّ أهل النّار أيضاً سيلقون عذاباً أشد من رؤية هذا المشهد، وأن أهل الجنّة يمرون بتلك السرعة وهم يبقون في النّار، وبهذا سيتّضح جواب كلا السؤالين.
* * *
1 ـ نور الثقلين، ج 3، ص 353.
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايـتُنَا بَيِّنـَت قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَىُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً(73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْن هُمْ أَحْسَنُ أَثَـثاً وَرِءْياً(74) قُلْ مَن كَانَ فِى الضَّلَـلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً(75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْبَـقِيـتُ الصَّـلِحَـتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً(76)
هذه الآيات تتابع ما مر في الآيات السابقة في الحديث عن الظالمين الذين لا إِيمان لهم، وتتعرض لجانب آخر من منطق هؤلاء الظالمين ومصيرهم.
ومن المعلوم أنّ أوّل جماعة آمنت بالرّسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا من المستضعفين الطاهري القلوب، والذين خلت أيديهم من مال الدنيا ومغرياتها .. هؤلاء المحرومون هم الذين جاءت الأديان الإِلهية من أجل إِنقاذهم من قبضة
الظالمين الجائرين بلال وسلمان، وعمار، وخباب، وسمية، وأمثالهم مصاديق بارزة لهؤلاء المؤمنين المظلومين.
ولما كان المعيار في المجتمع الجاهلي في ذلك الزمان ـ وكذا في كل مجتمع جاهلي آخر ـ هو الذهب والزينة والمال والمقام والمنصب والهيئة الظاهرية، فكان الأثرياء الظالمون، كالنضربن الحارث وأمثاله يفتخرون على المؤمنين الفقراء بذلك ويقولون: إنّ علامة شخصيتنا معنا، وعلامة عدم شخصيتكم فقركم ومحروميتكم، وهذا بنفسه دليل على أحقيتنا وباطلكم! كما يقول القرآن الكريم في أول آيه من الآيات مورد البحث: (وإِذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً).
خاصّة وأنّنا نقرأ في الرّوايات الإِسلامية أن هؤلاء الأشراف المترفين كانوا يلبسون أجمل ملابسهم، ويتزينون بأبهى زينة، ويتبخترون أمام أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانوا ينظرون إِليهم نظرة تحقير واستهزاء .. نعم، هذه طريقة هذه الطبقة في كل عصر وزمان.
«النديّ» أخذت في الأصل من (الندى) أي الرطوبة، ثمّ جاءت بمعنى الأفراد الفصحاء والخطباء، لأن أحد شروط القدرة على التكلم امتلاك القدر الكافي من اللعاب، ولذلك فإن (نديّ) تعني المجالسة والتحدث، بل يقال للمجلس الذي يجتمعون فيه للأنس والسمر، أو يجلسون فيه للتشاور: نادي، ومن هذا أخذت (دار الندوة) وهي المحل الذي كان في مكّة، وكان يجتمع فيه زعماؤها للتشاور.
وقد يعبر عن السخاء والبذل والعطاء بـ (الندى)(1) وهذه الآية يمكن أن تكون إِشارة إِلى كل هذه المعاني، أي: إِنّ مجلس أنسنا أجمل من مجلسكم، وإِن مالنا وثروتنا وزينتنا ولباسنا أبهى وأروع، وإِن كلامنا وأشعارنا الفصيحة والبليغة
1 ـ مفردات الراغب، مادة (ندى).
أبلغ وأحسن!
إِلاّ أنّ القرآن الكريم يجيب هؤلاء بجواب منطقي ومستدل تماماً، وفي الوقت نفسه قاطع ومفحم، فيقول: كأن هؤلاء قد نسوا تاريخ البشر، ولم ينظروا كم دمرنا من الأقوام السابقين عند تمردهم وعصيانهم: (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً ورئياً)(1) فهل استطاعت أموالهم وثروتهم، ومجالسهم الفاسقة، وملابسهم الفاخرة، وصورهم الجميلة أن تمنع العذاب الإِلهي وتقف أمامه؟ وإِذا كانت هذه الأُمور دليلا على شخصيتهم ومنزلتهم عند الله، فلماذا ابتُلوا بهذا المصير المشؤوم؟
إِنّ زخارف الدنيا وبهارجها متزلزلة إِلى حدّ أنّها تتلاشى وتزول بمجرّد أن يهب عليها أدنى نسيم هادىء.
«القرن» ـ كما قلنا سابقاً في ما مرّ في ذيل الآية (6) من سورة الأنعام ـ تعني عادة الزمان الطويل، لكن لما كانت قد أخذت من مادة الإِقتران، أي الإِقتراب، فإِنّها تقال أيضاً للقوم والأناس المجتمعين في زمان واحد.
ثمّ تحذرهم تحذيراً آخر، بأن لا تظنوا أيّها الظالمون الكافرون أنّ مالكم وثروتكم هذه رحمة، بل كثيراً ما تكون دليلا على العذاب الإِلهي: (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً. حتى إِذا رأوا ما يوعدون إمّا العذاب وإِمّا الساعة) إِي إمّا العذاب في هذه الدنيا، وإِمّا عذاب الآخرة (فسيعلمون من هو شر مكاناً وأضعف جنداً).
في الحقيقة، إِنّ مثل هؤلاء الأفراد الذين لا يمكن هدايتهم (والملاحظ أن القران يقول: (من كان في الضلالة) وهو إِشارة إِلى الإِستمرار في الضلال) من
1 ـ (الأثاث) بمعنى المتاع وزينة الدنيا، و(رئي) بمعنى الهيئة والمنظر.
أجل أن يروا العقاب الإِلهي الشديد، فإنّ الله سبحانه يجعلهم أحياناً يغوصون ويغرقون في النعم لتصبح سبباً لغرورهم، كما تكون سبباً لنزول العذاب عليهم، فإنّ سلب النعم عنهم حينئذ سيجعل لوعة العذاب أشد. وهذا هو ما ذكر في بعض آيات القرآن بعنوان عقاب «الإِستدراج»(1).
جملة (فليمدد له الرحمن مداً) وإن كانت بصيغة الأمر، إِلاّ أنّها بمعنى الخبر، فمعناها: إنّ الله يمهل هؤلاء ويديم عليهم النعم.
وقد فسرها بعض المفسّرين بنفس معنى الأمر أيضاً، وأنّه يعني هنا اللعنة، أو وجوب مثل هذا العمل والمعاملة على الله. إِلاّ أنّ التّفسير الأوّل يبدو هو الأقرب.
وكلمة (العذاب) بقرينة وقوعها في مقابل (الساعة) فإنّها إِشارة إِلى العقوبات الإِلهية في عالم الدنيا، عقوبات كطوفان نوح، والزلزلة، والحجارة السماوية التي نزلت على قوم لوط. أو العقوبات التي اصيبوا بها على يد المؤمنين والمقاتلين في جبهات الحق، كما نقرأ في الآية (14) من سورة التوبة: (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم).
«الساعة» هنا إِمّا بمعنى نهاية الدنيا، أو العذاب الإلهي في القيامة. ويبدو لنا أن المعنى الثّاني هو الأنسب.
هذه عاقبة ومصير الظالمين المخدوعين بزخرف الدنيا وزبرجها، أمّا أُولئك الذين آمنوا واهتدوا، فإنّ الله يزيدهم هدىً و إِيماناً (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى).
من البديهي أن للهداية درجات، فإِذا طوى الإِنسان درجاتها الأُولى فإنّ الله يأخذه بيده ويرفعه إِلى درجات أعلى، وكما أنّ الشجرة المثمرة تقطع كل يوم
1 ـ راجع ذيل الآيات 182، 183 من سورة الأعراف.
مرحلة جديدة إِلى التكامل والإِيناع، فكذلك المهتدون يرتقون كل يوم مراق أعلى في ظل الإِيمان والأعمال الصالحة التي يعملونها.
وفي النهاية تجيب الآية هؤلاء الذين اعتمدوا على زينة الدنيا السريعة الزوال، وجعلوها وسيلة للتفاخر على الآخرين، فتقول: (والباقيات والصالحات خير من ربّك ثواباً وخير مردّاً)(1).
* * *
1 ـ «مردّ» ـ على وزن نمدّ بتشديد الدال ـ إِمّا مصدر بمعنى الرّد والإِرجاع، أو اسم مكان بمعنى محل الرجوع، والمراد منه هنا الجنّة، إِلاّ أنّ الإِحتمال الأوّل أوفق لمعنى الآية.
أَفَرَءَيْتَ الَّذِى كَفَرَ بِئَايَـتِنَا وَقَالَ لأَُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَداً(77)أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمنِ عَهْداً(78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً(79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً(80) وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ ءَالِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً(81) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً(82)
يعتقد بعض الناس أنّ الإِيمان والطهارة والتقوى لا تناسبهم، وأنّها السبب في أن تدبر الدنيا عنهم، أمّا إِذا خرجوا من دائرة الإِيمان والتقوى فإنّ الدنيا ستقبل عليهم، وتزيد ثروتهم وأموالهم!
إِنّ هذا النوع من التفكير، سواء كان نابعاً من البساطة واتباع الخرافات، أو أنّه غطاء وتَسَتُّر للفرار من تحمل المسؤوليات والتعهدات الإِلهية، فهو تفكير خاطىء وخطير.
لقد رأينا عبدة الأوهام هؤلاء يجعلون أحياناً من كثرة أموال وثروات
الأفراد غير المؤمنين، وفقر وحرمان جماعة من المؤمنين، دليلا لإِثبات هذه الخرفة، في حين أنّه لا الأموال التي تصل إِلى الإِنسان عن طريق الظلم والكفر وترك أسس التقوى تبعث على الفخر، ولا الإِيمان والتقوى يكونان سداً ومانعاً في طريق النشاطات المشروعة والمباحة مطلقاً.
على كل حال، فقد كان في عصر النّبي ـ وكذلك في عصرنا ـ أفراد جاهلون يظنون هذه الظنون والأوهام، أو كانوا يتظاهرون بها على الأقل، فيتحدث القرآن ـ كمواصلة للبحث الذي بيّنه سابقاً حول مصير الكفار والظالمين ـ في الآيات مورد البحث عن طريقة التفكير هذه وعاقبتها، فيقول في أوّل آية من هذه الآيات: (أفرأيت الذي كذب بآياتنا وقال لأُوتين مالا وولداً)(1).
ثمّ يجيبهم القرآن الكريم: (أطلع الغيب أم اتّخذ عند الرحمن عهداً) فإنّ الذي يستطيع أن يتكهن بمثل هذا التكهن، ويقول بوجود علاقة بين الكفر والغنى وامتلاك الأموال والأولاد، مطلّع على الغيب، لأنا لا نرى أيّ علاقة بين هاتين المسألتين، أو يكون قد أخذ عهداً من الله سبحانه، وهذا الكلام أيضاً لا معنى له.
ثمّ يضيف بلهجة حادة: إِنّ الأمر ليس كذلك، ولا يمكن أن يكون الكفر أساساً لزيادة مال وولد أحد مطلقاً: (كلا سنكتب ما يقول).
أجل، فإنّ هذا الكلام الذي لا أساس له قد يكون سبباً في انحراف بعض البسطاء، وسيثبت كل ذلك في صحيفة أعمال هؤلاء (ونمد له من العذاب مداً).
هذه الجملة قد تكون إِشارة إِلى العذاب المستمر الخالد، كما يحتمل أيضاً أن
1 ـ نقل بعض المفسّرين سبباً لنزول الآية وهو: إنّ أحد المؤمنين ـ واسمه خباب ـ كان يطلب أحد المشركين ـ واسمه العاص بن وائل، فقال المدين مستهزئاً: إِذا وجدت مالا وولداً في عالم الآخرة فسأؤدي دينك.
إِلاّ أنّ سبب النّزول هذا لا يناسب الآية التي نبحثها ظاهراً، خاصّة وأنّ الكلام عن الولد هنا، ونحن نعلم أنّ الولد في عالم الآخرة غير مطروح للبحث. إِضافة إِلى أن الآيات التالية تقول بصراحة: (سنرثه ما يقول) ويتّضح من هذا التعبير أنّ المقصود أموال الدنيا لا الأموال في الآخرة. وعلى كل حال، فإنّ جماعة من المفسّرين اعتبروا هذه الآية ـ بناء على سبب النّزول هذا ـ إِشارة إِلى الآخرة، إلاّ أنّ الحق ما قيل.تكون إِشارة إِلى العقوبات التي تحيط بهم في هذه الدنيا نتيجة للكفر وعدم الإِيمان. ويحتمل أيضاً أنّ هذه الأموال والأولاد التي هي أساس الغرور والضلال هي بنفسها عذاب مستمر لهؤلاء!
(ونرثه ما يقول) من الأموال والاولاد (ويأتينا فرداً).
نعم، إِنّه سيترك في النهاية كل هذه الإِمكانيات والأملاك المادية ويرحل، ويحضر في محكمة العدل الإِلهية بأيد خالية، وفي الوقت الذي اسودت فيه صحيفة أعمالة من الذنوب والمعاصي، وخلت من الحسنات .. هناك، حيث يرى نتيجة أقواله الجوفاء في دار الدنيا.
وتشير الآية التالية إِلى علّة أُخرى في عبادة هؤلاء الأفراد للأصنام، فتقول: (واتّخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً) وليشفعوا لهم عند الله، ويعينوهم في حل مشاكلهم، لكن، أي ظن خاطىء وخيال ساذج هذا؟!
ليسَ الأمر كما يظن هؤلاء أبداً، فليست الأصنام سوف لا تكون لهم عزّاً وحسب، بل ستكون منبعاً لذلتهم وعذابهم، ولهذا فإنّهم سوف ينكرون عبادتهم لها في يوم القيامة: (كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً).
إِن هذه الجملة إِشارة إِلى نفس ذلك المطلب الذي نقرؤه في الآية (14) من سورة فاطر: (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ... ويوم القيامة يكفرون بشرككم). وكذلك ما نلاحظة في الآية (6) من سورة الأحقاف: (وإِذا حشر الناس كانوا لهم أعداء).
وقد احتمل بعض كبار المفسّرين أن المراد من الآية: إِنّ عبدة الأصنام عندما ترفع الحجب في القيامة، وتتضح كل الحقائق، ويرون أنفسهم قد فضحوا وخزوا، فإِنّهم ينكرون عبادة الأصنام، وسيقفون ضدها، كما نقرأ ذلك في الآية (23) من سورة الأنعام: (والله ربّنا ما كنّا مشركين).
إِلاّ أنّ التّفسير الأوّل أنسب مع ظاهر الآية، لأن عبّاد الأصنام كانوا يريدون
أن تكون آلهتهم ومعبوداتهم عزّاً لهم، إِلاّ أنّهم يصبحون ضدها في النهاية.
ومن الطبيعي أن تكلم المعبودات التي لها عقل وإِدراك كالملائكة والشياطين والجن واضح ومعلوم، إِلاّ أنّ الآلهة الميتة التي لا روح لها، من الممكن أن تتكلم بإذن الله وتعلن تنفرها واشمئزازها من عبدتها ومن الممكن أن يستفاد هذا التّفسير من حديث مروي عن الإِمام الصادق(عليه السلام) حيث قال في تفسير هذه الآية: «يكون هؤلاء الذين اتخذوهم آلهة من دون الله ضداً يوم القيامة ويتبرؤون منهم ومن عبادتهم إِلى يوم القيامة».
والجميل في الأمر أننا نقرأ في ذيل الحديث جملة قصيرة عميقة المحتوى حول العبادة: ليس العبادة هي السجود ولا الركوع، وإِنّما هي طاعة الرجال، من أطاع مخلوقاً في معصية الخالق فقد عبده»(1).
* * *
1 ـ نور الثقلين، ج 3، ص 357.
أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشَّيـطِينَ عَلَى الْكـفِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً(83) فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً(83) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً(85) وَنَسُوقُ الُْمجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً(86) لاَّ يَمْلِكُونَ الشَّفَـعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَـنِ عَهْدَاً(87)
بملاحظة البحث في الآيات السابقة الذي كان حول المشركين، فإنّ البحث في هذه الآيات، إِشارة إِلى بعض علل انحراف هؤلاء، ثمّ تبيّن الآيات في النهاية عاقبتهم المشؤومة، وتثبت هذه الحقيقة، وهي أنّ هذه الآلهة لم تكن سبب عزتهم بل أصبحت سبب ذلهم وشقائهم، فتقول أولا: (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً).
«الأزّ» في الأصل ـ كما يقول الراغب في المفردات ـ يعني غليان القدر، وتقلب محتواه عند شدة غليانه، وهو هنا كناية عن مدى تسلط الشياطين على هؤلاء، بحيث أنّهم يوجهونهم بالصورة التي يريدونها، وفي المسير الذي
يشاؤون، ويقلبونهم كيف يشتهون!
ومن البديهي ـ كما قلنا ذلك مراراً ـ أن تسلّط الشياطين على بني آدم ليس تسلطاً إِجبارياً، بل إِنّ الإِنسان الذي يسمح للشياطين بالنفوذ إِلى قلبه وروحه، هو الذي يطوق رقبته بقيد العبودية لهم، ويقبل بطاعتهم، كما يقول القرآن في الآية (100) من سورة النحل: (إِنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون).
ثمّ يوجه القرآن المجيد الخطاب إِلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول: (فلا تعجل عليهم إِنّما نعدّ لهم عدّاً) وسنسجل كل شيء لذلك اليوم الذي تشكل فيه محكمة العدل الإِلهي.
وهناك احتمال آخر في تفسير الآية، وهو أنّ المراد من عدّ أيّام عمر ـ بل أنفاس ـ هؤلاء، أنّ مدّة بقائهم قصيرة وداخلة تحت إِمكان الحساب والعد، لأنّ حساب الشيء وعدّه كناية عادة عن قلته وقصره.
ونقرأ في رواية عن الإِمام الصادق(عليه السلام) في تفسير (إِنما نعد لهم عداً) أنّه سأل أحد أصحابه، قال: «ما هو عندك؟» قال: عدد الأيّام، قال: «إنّ الآباء والأمهات يحصون ذلك، ولكنه عدد الأنفاس»(1).
![]() |
![]() |
![]() |