![]() |
![]() |
![]() |
وفي اعتقادنا أنَّ الآيات أعلاه ليست لا تصلح أن تكون دليلا على نفي العصمة وحسب، بل هي واحدة مِن الآيات التي تدل على العصمة، لأنَّ التثبيت الإِلهي هذا (والذي هو كناية عن العصمة أو التثبيت أو التثبيت الفكري والعاطفي والسلوكي) لا يخص فقط هذه الحالة، وهذا الموقف، بل هو يشمل الحالات المشابهة الأُخرى، وعلى هذا الأساس تُعتبر الآية شاهداً على عصمة الأنبياء والقادة الإِلهيين.
أمّا الآية الاثالثة التي نبحثها والتي تقول: (إِذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثمّ لا تجد لك علينا نصيراً) فهي دليل على صحة البحوث الخاصّة بعصمة الأنبياء، حيثُ أنَّ العصمة ليست حالة جبرية يلتزم فيها النّبي بلا ارادة مِنهُ أو وعي، وإِنّما هي توأم مع نوع مِن الوعي الذاتي والتي تنفذ مع الحرية، لذا فإِنَّ ارتكاب ذنب في مثل هذه الحالات ليس محالا عقلا، ولكن هذا الإِيمان والوعي الخاص سوف يمنعان صدور الذنب، فلا تتحقق المعصية عملا، ولو فرضنا تحققها في الخارج فإِنَّهُ سينال عقوبات الجزاء الإِلهي (دقق في ذلك)(1).
مِن الواضح أنَّهُ كلما زاد مقام الإِنسان مِن حيث العلم والوعي والمعرفة والإِيمان، ازدادت قيمة وعمق الأعمال الخيرة التي يقوم بها، وبدرجة نسبة
1 ـ يمكن ملاحظة المزيد مِن التفاصيل عن الموضوع في كتاب (القادة الكبار).
الوعي العلم والمعرفة، وطبعاً سيكون ثوابها أكثر، لذا فإِنّنا نقرأ في بعض الرّوايات: (إِنَّ الثواب على قدر العقل)(1).
أمّا الثواب والعقاب فسوف يزداد تبعاً لهذه النسبة، فإِذا ارتكب إِنسان أُمّي وضعيف الإِيمان ذنباً كبيراً، فهذا ليس بالأمر العجيب، ولهذا السبب سيكون جزاؤه أخف، أمّا إِذا قام عالمٌ مؤمن بارتكاب ذنب صغير فإِنَّ جزاءه في مقابل ذلك سيكون أشد مِن جزاء الأمي في قبال ذنبه الكبير.
لهذا السبب بالذات نقرأ في الآيتين (30 ـ 31) مِن سورة الأحزاب خطاباً بهذا المضمون إِلى نساء النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يقول تعالى: (يا نساء النّبي مَن يأتِ منكن بفاحشة مِبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً ومَن يقنت منكن الله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين واعتدنا لها رزقاً كريماً).
وفي الرّوايات نقرأ هذا المفهوم: «يغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد»(2).
هذه الآيات تشير إِلى هذه الحقيقة، فهي تقول للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم): إِذا أظهرت ميلا (وحاشاه) نحو الشرك والمشركين فإِنَّ عقابك سيتضاعف في هذه الدنيا وفي الآخرة.
يجب الإِنتباه إِلى هذه الملاحظة، وهي أن كلمة (ضعف) في اللغة العربية ليس المقصود بها مرّتين فقط، بل مرّتان وعدَّة مرّات أيضاً.
يقول الفيروز آبادي، (العالم اللغوي المعروف في القرن الثّامن الهجري) في
1 ـ أصول الكافي، ج 1، كتاب العقل والجهل، ص 9، حديث 8.
2 ـ أصول الكافي، ج 1، ص 37.
القاموس: يقال في بعض الأحيان «ضعف شيء معين» وهي تعني المرّتين والثلاث مرّات وما شابهها، لأنَّ هذه الكلمة تعني الإِضافة غير المحدودة.
الدليل على هذا القول، أنَّ الآيات القرآنية ـ وفي خصوص الحسنات ـ تقول: (إِن تك حسنة يضاعفها)(1) وفي موقع آخر تقول: (مَن جاءَ بالحسنة فلهُ عشر أمثالها)(2).
وفي الرّوايات الإِسلامية ورد عن الإِمام جعفر الصّادق(عليه السلام) قوله في تفسير الآية (261) مِن سورة البقرة: «إذا أحسن المؤمن عملهُ ضاعف الله عملهُ بكل حسنة سبعمائة ضعف، وذلك قول الله (والله يُضاعف لمن يشاء)(3).
ولكن هذا الكلام لا يمنع من أن تطلق هذه الكلمة على «التثنية» بمعنى الضعفين. أو عندما تذكر على شكل مضاف فإِنّها تعني ثلاثة أضعاف مثلا نقول: ضعف الواحد.
المشهور بين المفسّرين أنَّ القرآن يعني بالآية هذه أنّك إِذا أظهرت توجهاً للمشركين فسوف يعتبرونك صديقاً لهم. إِلاَّ أنَّ بعض المفسّرين يعتبر أنَّ معنى الجملة، أن المشركين سيعتبرونك ـ يا رسول الله ـ فقيراً لهم ومحتاجاً إِليهم. إِذ في المعنى الأوّل (خليل) مأخوذة مِن (خِلّة) على وزن (قِلّة) وتعني الصداقة. أمّا في المعنى الثّاني فإِنَّ (خَلّة) على وزن (غَلّة) وتعني العوز والفقر والحاجة. لكن مِن الواضح أنَّ الصحيح هو المعنى الأوّل.
1 ـ النساء، 40.
2 ـ الأنعام، 160.
3 ـ تفسير العياشي وفقاً لما نقله صاحب الميزان، ج 2، ص424.
في المصادر الإِسلامية نقرأ أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عندما نزلت هذه الآيات قرأ هذا الدعاء «اللّهم لا تكلني إِلى نفسي طرفة عين أبداً».
وهذا الدعاء المهم لرسول الهدى(صلى الله عليه وآله وسلم) يعطينا درساً مهمّاً، وهو أنَّهُ يجب أن نذكر الله دائماً ونلتجيء إليه، ونعتمد على لطفه، حيثُ أنَّ الأنبياء المعصومين لم يسلموا مِن المزالق بدون نصرة الله وتثبيته لهم، إِذن فكيف بنا نحن مع كل ما يحيطنا مِن أشكال الوسوسة والإِغواء الشيطاني!!
* * *
وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَْرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلـفَكَ إِلاَّ قَلِيلا(76) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلا(77)
المشهور أنَّ هذه الآيات نزلت في أهل مكّة بعد أن قرروا إِخراج النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)مِنها. ثمّ بدَّلوا رأيهم بعد ذلك وقرروا قتلهُ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فحاصروا بيتهُ(صلى الله عليه وآله وسلم) ولكنَّ الله أنجاه مِن هذه المكيدة بشكل إِعجازي واستطاع أن يهاجر إِلى المدينة المنوَّرة.
البعض يرى أنَّ هذه الآيات نزلت بشأن اقتراح يهود المدينة على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في أن يخرج مِنها إِلى بلاد الشام باعتبار أنَّ المدينة ليست أرض الأنبياء، بل إِنَّ أرض الأنبياء هي الشام، لذلك قال اليهود لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): إِذا كنت ترغب بانتشار دعوتك فهاجر إِلى هُناك، إِلى بلاد الشام.
ولكن لمّا كانت هذه السورة مكّية فيتّضح عدم صحّة هذا السبب للنزول، فضلا عن أنّنا سوف نرى أثناء الحديث عن الآيات أنّها ـ أيضاً ـ لا تتوافق مع السبب المذكور.
في الآيات السابقة رأينا كيف أنَّ المشركين أرادوا مِن خلال مكائدهم المختلفة أن يحرفوا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عن الطريق المستقيم، لكن الله أنجاه بلطفه له ورعايته إِيّاه، وبذلك فشلت خطط المشركين.
بعد تلك الأحداث، وطبقاً للآيات التي بين أيدينا، وضع المشركون خطّة أُخرى للقضاء على دعوة الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذه الخطّة تقضي بإِبعاد الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)عن مسقط رأسه (مكّة) إِلى مكان آخر قد يكون مجهولا وبعيداً عن الأنظار. إِلاَّ أنَّ هذه الخطّة فشلت أيضاً بلطف الله أيضاً.
الآية الأُولى تقول: (وإِن كادوا ليستفزونك مِن الأرض ليخرجوك مِنها)بخطة دقيقة.
وبما أنَّ كلمة «يستفزونك» مُشتقة مِن «استفزاز» التي تأتي في بعض الأحيان بمعنى قطع الجذور، وفي أحيان أُخرى بمعنى الإِثارة مع السرعة والمهارة، فإِنّنا نفهم مِن ذلك أنَّ المشركين وضعوا خطّة محكمة تجعل الوسط المحيط بالرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) غير مناسب له، وتُثير عامّة الناس ضدَّه كي يخرجوه بسهولة مِن مكّة. لكن هؤلاء لا يعرفون أنَّ هناك قوّة أعظم مِن قوّتهم، وهي قوّة الخالق الكبير حيث تتلاشى إِرادتهم دون إِرادته عزَّوجلّ.
ثمّ يحذّرهم القرآن بعد ذلك بقوله: (وإِذاً لا يلبثون خلافك إِلاَّ قليلا)فهؤلاء سيُبادون بسرعة بسبب ذنبهم العظيم في إِخراج القائد الكفوء ـ الذي تذهب نفسه حسرات على العباد ـ مِن البلد، إِذ يعتبر ذلك أوضح مداليل كفران النعمة، ومثل هؤلاء القوم لا يستحقون الحياة ويستحقون العذاب الإِلهي.
إِنَّ هذا الأمر لا يخص مشركي العرب وحسب، بل هو (سنة مَن قد أرسلنا قبلك مِن رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا). وهذه السنة تنبع مِن مَنطق واضح،
حيث أنَّ هؤلاء القوم لا يشكرون النعم، ويحطمون مصباح هدايتهم ومنبع النور إِليهم بأيديهم، إنَّ مِثل هؤلاء الأقوام لا يستحقون رحمة الخالق، وإِنَّ العقاب سيشملهم. ونعلم هُنا أنَّ الله تبارك وتعالى لا يفرق بين عباده، وبذلك فإِنَّ الأعمال المتشابهة في الظروف المتشابهة لها عقاب مُتشابه، وهذا هو معنى عدم اختلاف سنن الخالق جلَّوعلا.
إِنَّ السنن الإِلهية هي عكس السنن والقوانين التي يضعها البشر حيث تقتضي مصالحهم في يوم أن تكون هناك سنة أو قانون معين، وفي يوم آخر يمكن أن تنقلب هذه السُنَّة أو القانون إِلى عكسه تماماً.
ونعرف هنا أنَّ اختلاف السنن والقوانين البشرية إِمّا أن يعود إِلى عدم وضوح الأُمور، والتي عادة ما تتوضح بمرور الزمن، وتنكشف للإِنسان اشتباهاته وأخطاؤه، أو أنَّ السبب في ذلك يعود إِلى مُقتضيات المصالح الخاصّة وشروط الحياة التي تتحوَّل وتتغيَّر في كل وقت. ولمّا كانت هذه الأُمور لا تؤثِّر على الإِرادة الإِلهية، فإِنَّ ما يصدر عن الحكمة الإِلهية مِن سنن تكون ثابتة في جميع الحالات والشرائط.
* * *
أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ الَّيْلِ وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً(78) وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً(79) وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقً وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْق وَاجْعَلَ لِّـى مِن لَّدُنكَ سُلْطـناً نَّصِيراً(80) وَقُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبـطِلُ إِنَّ الْبـطِلَ كَانَ زَهُوقاً(81)
بعد سلسلة الآيات التي تحدثت عن التوحيد والشرك وعن مكائد المشركين ومؤامراتهم، تبحث هذه الآيات عن الصلاة والدعاء والإِرتباط بالله والتي تعتبر عوامل مؤثِّرة في مجاهدة الشرك، ووسيلة لطرد إِغواءات الشيطان مِن قلب وروح الإِنسان، إِذ تقول الآيات في البداية (أقم الصلاة لدلوك الشمس إِلى غسق الليل وقرآن الفجر إِنَّ قرآن الفجر كانَ مشهوداً).
«دلوك الشمس» يعني زوال الشمس مِن دائرة نصف النهار والتي يتحدَّد معها
وقت الظهر. وفي الأصل فإِنَّ (دلوك) مأخوذة مِن (دَلكَ) حيثُ أنَّ الإِنسان يقوم بُِدَلك عينيه في ذلك الوقت لشدّة ضوء لشمس. أو أنَّ كلمة (دلك) تعني (المَيْل) حيثُ أنَّ الشمس تميل مِن دائرة نصف النهار مِن طرف المغرب. أو أنّها تعني أنَّ الإنسان يضع يده في قبال الشمس حيث يقال بأنَّ الشخص يمنع النور عن عينيه ويميله عنه.
على أي حال، في الرّواية التي وصلتنا عن أهلِ البيت(عليهم السلام) توضح لنا أنّ معنى (دلوك) هُوَ زوال الشمس. فقد روى العاملي في (وسائل الشيعة) أنَّ عُبيد بن زُرارة سَأل الإِمام الصادق(عليه السلام) عن تفسير الآية فقال(عليه السلام): «إِنَّ الله افترض أربع صلوات أوَّل وقتها زوال الشمس إِلى انتصاف الليل، مِنها صلاتان أوّل وقتهما مِن عند زوال الشمس إِلى غروب الشمس، إِلاَّ أنَّ هذه قبل هذه، ومِنها صلاتان أوّل وقتهما مِن غروب الشمس إِلى انتصاف الليل إِلاَّ أنَّ هذه قبل هذه»(1).
وفي رواية أُخرى رواها المحدّث الكبير (زرارة بن أعين) عن الإِمام الباقر(عليه السلام)، في تفسير الآية قال(عليه السلام): «دلوكها زوالها، وغسق الليل إِلى نصف الليل، ذلك أربع صلوات وَضعهنَّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وَوَقَتَهُنَّ للناس، وقرآن الفجر صلاة الغداة»(2).
لكن وضع بعض المفسّرين احتمالات أُخرى لمعنى (دلوك) إِلاَّ أنّا آثرنا تركها لأنّها لا تستحق الذكر.
وأمّا (غسق الليل) فإِنّها تعني مُنتصف الليل، حيثُ أنَّ (غسق) تعني الظلمة الشديدة، وأكثر ما يكون الليل ظلمةً في مُنتصفه.
أمّا (قرآن) فهي تعني كلاماً يُقرأ. و(قرآن الفجر) هُنا تعني صلاة الفجر.
وبهذا الدليل تعتبر هذه الآية مِن الآيات التي تُشير بشكل إِجمالي إِلى أوقات
1 ـ وسائل الشيعة، ج 3، ص 115.
2 ـ نور الثقلين، ج 3، ص 205.
الصلوات الخمس. ومع أخذ الآيات القرآنية الأُخرى بنظر الإِعتبار في مجال وقت الصلوات والرّوايات الكثيرة الواردة في هذا الشأن، يُمكن تحديد أوقات الصلوات الخمس بشكل دقيق.
ويجب الإنتباه هُنا إِلى أنَّ بعض الآيات تشير إِلى صلاة واحدة فقط، كقوله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى)(1). حيثُ (الصلاة الوسطى) وفقاً لأصح التفاسير هي صلاة الظهر.
وفي بعض الأحيان تشير الآية إِلى ثلاث صلوات من الصلوات الخمس كما في الآية (114) مِن سورة هود، في قوله تعالى: (وأقم الصلاة طَرفي النهار وزلفاً مِن الليل). حيث يشير تعبير (طرفي النهار) إِلى صلاتي الصبح والمغرب، وأمّا (زُلفاً الليل) فهي إِشارة إِلى صلاة العشاء.
وفي بعض الأحيان تشير الآية إِلى الصلوات الخمس بشكل إِجمالي، كما في الآية التي نبحثها (راجع للمزيد من التوضيح نهاية تفسير الآية (114) مِن سورة هود).
على أي حال، لا يوجد ثمّة شك في أنَّ هذه الآيات لم توّضح جزئيات أوقات الصلاة، بل تشير إِلى الكليات والخطوط العامّة، مثلها مثل الكثير مِن الأحكام الإِسلامية الأُخرى، أمّا التفاصيل فإِنّها وردت في سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)والأئمّة الصادقين مِن أهل بيته(عليهم السلام).
الآية بعد ذلك تقول: (إِن قرآن الفجر كانَ مشهوداً) وهُنا يطرح سؤال حول هوية الذي يقوم بالمشاهدة، مَن هو يا ترى؟ الرّوايات الواردة في تفسير هذه الآية تقول إِنَّ ملائكة الليل والنهار هي التي تُشاهد، لأنَّهُ في بداية الصباح تأتي ملائكة النهار لتحل محل ملائكة الليل التي كانت تُراقب العباد، وحيثُ أنَّ صلاة الصبح هي في أوّل وقت الطلوع، لذلك فإِنَّ المجموعتين من الملائكة تشاهدها
1 ـ روح المعاني، ج 15، ص 126.
وتشهد عليها.
والرّوايات في هذه المجال نقلها علماء الشيعة والسنّة.
فمثلا ينقل أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي والحاكم عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وفقاً لما نقله عنهم صاحب تفسير (روح المعاني) أثناء تفسير الآية قولهم عَنهُ(صلى الله عليه وآله وسلم): «تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار»(1).
أمّا البخاري ومسلم فقد نقلا نفس هذا المعنى في صحيحيهما وفقاً لما نقلهُ عنهم صاحب تفسير (روح المعاني) في المجلد الخامس عشر، صفحة (126) مِن تفسيره.
ولمزيد الإِطلاع على الأحاديث المروية عن أهل البيت(عليهم السلام) في هذا المورد يمكن مُراجعة المجلد الثّالث مِن تفسير (نور الثقلين) في نهاية حديثه عن الآية الكريمة.
ومن هُنا يتّضح أنَّ أفضل وقت لأداء صلاة الصبح هي اللحظات الأُولى لطلوع الفجر.
وبعد أن تذكر الآية أوقات الصلوات الخمس تنتقل الآية التي بعدها إِلى قوله تعالى: (ومِن الليل فتهجَّد به)(2) المفسّرون الإِسلاميون المعروفون يعتبرون هذا التعبير إِشارة إِلى نافلة الليل التي وردت روايات عديدة في فضيلتها، وبالرغم مِن أنَّ الآية لا تصرّح بهذا الأمر، إِلاّ أن هُناك قرائن مُختلفة ترجح هذا التّفسير.
ثمّ تقول الآية (نافلة لك) أي برنامج إِضافي علاوة على الفرائض اليومية.
وهذا التعبير اعتبرهُ الكثير بأنَّهُ دليل على وجوب صلاة الليل على الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث أنَّ هذه (النافلة) والتي هي بمعنى (زيادة في الفريضة)
1 ـ روح المعاني، ج 15، ص 126.
2 ـ «تهجَّد» مأخوذة مِن (هجود) وهي تعني في الأصل: النوم، حسبما يقول الراغب في المفردات. ولكن عندما تكون على وزن (تفعل» فإِنّها تعني إِزالة النوم والإِنتقال إِلى حالة اليقظة. أمّا الضمير في كلمة «تهجَّد به» فإِنَّهُ يدل على القرآن. ولكن هذه الكلمة استخدمت عند أهل الشرع بمعنى صلاة الليل. ويقال للذي يُصلّي الليل (المتهجِّد).
تخصك أنت دون غيرك يا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
أمّا البعض الآخر فيعتقد بأنَّ صلاة الليل كانت بالأصل واجبة على الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بقرينة آيات سورة المزمِّل، إِلاَّ أنَّ هذه الآية نسخت الوجوب وأبدلته بالإِستحباب.
ولكن هذا التّفسير ضعيف، لأنَّ النافلة لم تكن تعني (الصلاة المستحبّة) كما نُسميها اليوم، بل تعني الزيادة والإِضافة، ونعلم أنَّ صلاة الليل كانت واجبة على الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، لذلك فهي إِضافية على الفرائض اليومية.
على أيةِ حال في ختام الآية تتوضح نتيجة هذا البرنامج الإِلهي الروحاني الرفيع حيث تقول: (عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محموداً).
ولا ريب فإِنَّ المقام المحمود هو مقام مرتفع جدّاً يستثير الحمد، حيث أن (محمود) مأخوذة مِن (الحمد). وبما أنَّ هذه الكلمة وردت بشكل مطلق، لذا فقد تكون إِشارة إِلى أنَّ حمد الأوّلين والآخرين يشملك.
الرّوايات الإِسلامية الواردة عن طريق أهل البيت(عليهم السلام) أو عن طريق أهل السنة، تشير إِلى أنَّ المقام المحمود هو مقام الشفاعة الكبرى. فالنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) هو أكبر الشفعاء في ذلك العالم، وشفاعته تشمل الذين يستحقونها.
أمّا الآية التي بعدها فإِنّها تُشير إِلى أحد التعاليم الإِسلامية الأساسية والذي ينبع مِن روح التوحيد والإِيمان: (وقل ربّ أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق)(1). فأي عمل فردي أو اجتماعي لا أبدؤهُ إِلاَّ بالصدق ولا أُنهيه إِلاَّ بالصدق، فالصدق والإِخلاص والأمانة هي الخط الأساس لبداية ونهاية مسيرتي.
بعض المفسّرين أراد تحديد المعنى الواسع لهذه الآية في مصداق أو مصاديق معنية، فمثلا قال بعضهم: إِنَّ الآية تعني الدخول إِلى المدينة والخروج
1 ـ (مدخل) و (مخرج) هي تعني الإِدخال والإِخراج، تؤدي هنا المعنى المصدري.
مِنها إِلى مكّة المكرَّمة، أو الدخول إِلى القبر والخروج مِنهُ يوم البعث، وأمثال هذه الأُمور، ولكن مِن الواضح جداً أنَّ التعبير القرآني الجامع في الآية الكريمة لا يمكن تحديده، فهو طلب في الدخول والخروج الصادق مِن جميع الأُمور وفي كل الأعمال والمواقف والبرامج.
وفي الحقيقة فإِنَّ سر الإِنتصار يكمن هُنا، وهذا هو طريق الأنبياء والأولياء الرّبانيين حيث كانوا يتجنّبون كل غش وخداع وحيلة في أفكارهم وأقوالهم وأعمالهم وكل ما يتعارض معَ الصدق.
وعادة فإِنَّ المصائب التي نشاهدها اليوم والتي تصيب الأفراد والمجتمعات والأقوام والشعوب، إِنّما هي بسبب الإِنحرافات عن هذا الأساس، ففي بعض الأحيان يكون أساس علمهم قائماً على الكذب والغش والحيلة، وفي بعض الأحيان يدخلون إِلى عمل معين بصدق ولكنهم لا يستمرون على صدقهم حتى النهاية. وهذا هو سبب الفشل والهزيمة.
أمّا الأصل الثّاني الذي يعتبر مِن ناحية ثمرة لشجرة التوحيد، وَمِن ناحية أُخرى نتيجة للدخول والخروج الصادق في الأعمال، فهو ما ذكرتهُ الآية في نهايتها: (واجعل لي مِن لدنك سلطاناً نصيراً) لماذا؟ لأنّني وحيد، والإِنسان الوحيد لا يستطيع أن يُنجز عملا، ولا يستطيع أن ينتصر في مقابل جميع هذه المشاكل فيما إِذا اعتمد على قوته وحدها، لذلك فسؤاله مِن الله تبارك وتعالى، هو انصرني واجعل لي نصيراً.
أعطني يا إِلهي، لساناً ناطقاً، وأدلة قوية في مقابل الأعداء، وأتباعاً يضحّون بأنفسهم، وإِرادة قوية، وفكراً وَضّاءاً، وعقلا واسعاً بحيث تقوم كل هذه الأُمور بنصرتي، فغيرك لا يستطيع إِعطائي هذه الأشياء كلها.
وبعد أن ذكرت الآيات (الصدق) و (التوكل) جاءَ بعدها الأمل بالنصر النهائى، والذي يعتبر بحدِّ ذاته عاملا للتوفيق في الأعمال، إِذ خاطبت الآية
الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بوعد الله تعالى: (وقل جاءَ الحق وزهق الباطل)(1)، لأنَّ طبيعة الباطل الفناء والدمار: (إِنَّ الباطل كان زهوقاً). فللباطل جولة، إِلاَّ أنَّهُ لا يدوم والعاقبة تكون لإِنتصار الحق وأصاحبه وأنصاره.
* * *
إِنَّ التأثيرات المختلفة لضوضاء الحياة اليومية تؤثر على الإِنسان وعلى أفكاره وتجرّه إِلى وديان مُختلفة بحيث يصعب معها تهدئة الخاطر، وصفاء الذهن، والحضور الكامل للقلب في مثل هذا الوضع. أمّا في منتصف الليل وعند السحر عندما تهدأ هذه ضوضاء حياتيه المادية، ويرتاح جسم الإِنسان، وتهدأ روحه بعد فترة مِن النوم، فإِنَّ حالةً مِن التوَّجه والنشاط الخاص تُخالج الإِنسان، في مثل هذا المحيط الهاديء والبعيد عن كل أنواع الرياء، مع حضور القلب، يعيش الإِنسان حالة خاصّة قادرة على تربيته وتكامل روحه.
لهذا السبب نرى أن عباد الله ومحبيه يتوقون إِلى التعبُّد مِنتصف الليل، لأنَّهُ يزكّي أرواحهم، ويحيي قُلوبهم، ويقوي إِرادتهم، ويكمل إِخلاصهم.
وفي بداية عصر الإِسلام كان الرّسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يستفيد مِن هذا البرنامج الروحي في تربية المسلمين، وكانت يبني شخصياتهم بحيث كانوا يتغيّرون تماماً عمّا كانوا عليه في السابق، يعني أنَّهُ(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يجعل مِنهم شخصيات جديدة ذات إِرادة قوية وشجاعة، ومؤمنين ذوي إِخلاص ونقاء.
وقد يكون (المقام المحمود) الذي ورد ذكره في الآيات أعلاه نتيجة لصلاة
1 ـ (زهق) مِن مادة «زهوق» بمعنى الإِضمحلال والهلاك والإِبادة، و(زهوق) على وزن «قبول» صيغة مُبالغة وهي تعني الشيء الذي تمت إِبادتهُ بالكامل.
الليل، إِشارة لهذه الحقيقة.
وعندما نبحث الرّوايات الواردة في المصادر الإِسلامية عن فضيلة صلاة الليل، نرى أنّها توضح هذه الحقيقة. وعلى سبيل المثال يمكن أن نقف مع هذه النماذج:
1 ـ عن الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «خيركم مَن أطابَ الكلام وأطعم الطعام وصلّى بالليل والناس نيام»(1).
2 ـ وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، أنَّهُ(عليه السلام) قال: «قيام الليل مصحة للبدن، ومرضاة للرّب عزَّوجلّ، وتعرّض للرحمة، وتمسك بأخلاق النّبيين»(2).
3 ـ وعن الإِمام الصادق(عليه السلام) أنَّهُ أوصى أحد أصحابه بقوله: «لا تدع قيام الليل فإِنَّ المغبون مَن حُرِمَ قيام الليل»(3).
4 ـ وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «مَن صلّى بالليل حَسُنَ وجههُ بانهار»(4).
ونقرأ في بعض الرّوايات أنّ هذه العبادة (صلاة الليل) على قدر مِن الأهمية بحيث أنَّ غير الطاهرين والمحسنين لا يوفقون إِليها.
5 ـ جاء رجل إِلى أمير المؤمنين علي(عليه السلام) وقال لهُ: إِنّي محروم مِن صلاة الليل، فأجابه(عليه السلام): «أنت رجل قد قيدتك ذنوبك»(5).
6 ـ في حديث آخر عن الإِمام الصادق(عليه السلام) قال: «إِنَّ الرجل ليكذب الكذبة ويحرم بها صلاة الليل، فإِذا حرم بها صلاة الليل حُرِمَ بها الرّزق»(6).
7 ـ وبالرغم مِن أننا نعلم أن شخصاً مِثل علي بن أبي طالب لا يترك صلاة
1 ـ بحار الأنوار، ج 87، ص 142 ـ 148.
2 ـ المصدر السّابق.
3 ـ المصدر السّابق.
4 ـ المصدر السّابق.
5 ـ بحار الأنوار، ج 87، ص 142 ـ 148.
6 ـ المصدر السّابق.
الليل أبداً، ونظراً لأهمية هذه الصلاة نرى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أوصاهُ بها في جملة مِن وصاياه لهُ، إِذ قال له(صلى الله عليه وآله وسلم): «أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها، ثمّ قال: اللهم أعنهُ ... وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل!»(1).
8 ـ وعن الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّهُ قال لجبرئيل(عليه السلام): عظني، فقال جبرائيل لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): يا محمّد، عش ما شئت فإِنّك ميت، وأحبب ما شئت فإِنّك مفارقه، واعمل ما شئت فإِنّك ملاقيه، واعلم أنَّ شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزَّه كفُّه عن أعراض النّاس»(2).
إِنَّ هذه الوصايا الملكوتية لجبرائيل تدل على أنَّ صلاة الليل تضفي على الإِنسان من الإِيمان والروحانية وقوة الشخصية ما يكون سبباً في شرفه كما أن كفّه الاذى عن الآخرين يكون سبباً في عزته.
9 ـ عن الإمام الصّادق(عليه السلام) قال: «ثلاثة هنّ فخر المؤمن وزينة في الدنيا والآخرة، الصّلاة في آخر الليل ويأسه ممّا في ايدي الناس ووالاية الإمام من آل محمّد».
10 ـ عن الإِمام الصادق(عليه السلام) قوله: «ما مِن عمل حسن يعملهُ العبد إِلاَّ ولهُ ثواب في القرآن إِلاَّ صلاة الليل، فإِنَّ الله لم يبيّن ثوابها لعظيم خطرها عنده فقال: تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربِّهم خوفاً وطمعاً (وممّا رزقناهم يُنفقون * فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم مِن قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون)(3).
ولصلاة اللّيل - بالطبع - آداب كثيرة، وَلكن لا بأس أن نذكر هُنا أبسط شكل لها، حتى يستطيع عشاق وَمحبّو هَذِهِ العبادة الروحية بها والإِستفادة مِنها:
وإنّ صلاة الليل تتكون بأبسط صورها مِن (85) ركعة، وهي مقسمة إِلى ثلاثة أقسام هي:
أ ـ أربع صلوات، ذات رُكعتين، يكون مجموعها ثماني رُكعات وتسمّى
1 ـ وسائل الشيعة، ج 5، ص 268.
2 ـ وسائل الشيعة، ج 5، ص 269.
3 ـ بحار الأنوار، ج 87، ص 140.
(نافلة الليل).
ب ـ صلاة واحدة ذات ركعتين، وتسمّى بـ (الشفع).
ج ـ صلاة واحدة ذات ركعة واحدة، وتسمّى بـ (الوتر).
أمّا طريقة أداء هذه الصلاة فهي لا تختلف عن صلاة الصبح، إِلاَّ أنّها لا تحتوي على الأذان والإِقامة، والأفضل إِطالة قنوت ركعة الوتر(1).
المقام المحمود ـ كما هو واضح مِن اسمه ـ لهُ معنى واسع بحيث يشمل كل مقام يستحق الحمد، ولكن من المسلّم بأن المقصود بهِ هنا، هو الإِشارة إِلى المقام الممتاز والخاص الذي اختص بهِ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وبسبب عباداته الليلية ودعائه في وقت السحر.
والمعروف بين المفسّرين ـ كما قلنا سابقاً ـ أنَّ هذا المقام هو مقام الشفاعة الكبرى للرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم). وهذا التّفسير ورد في روايات مُتعدِّدة، ففي تفسير العياشي عن الإِمام الصادق أو الباقر(عليهما السلام)، نقرأ في تفسير قوله تعالى: (عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محموداً) أنَّه قال: «هي الشّفاعة».
وقد حاول بعض المفسّرين الوصول إِلى هذه الحقيقة مِن مفهوم الآية نفسها، فهم يعتقدون أنّ جملة (عسى أن يبعثك) دليل على أنَّ الله سوف يعطيك هذا المقام في المستقبل. المقام الذي سوف يحمده الجميع، لأنَّ فائدته سوف تنال الجميع (لأنَّ محمود في الجملة أعلاه جاءت مطلقة غير مقيدة بشرط). إِضافة إِلى ذلك فإِنَّ الحمد في مقابل عمل معين هو أمر اختياري، والشيء الذي يحتوي على جميع هذه الصفات لا يمكن أن يكون سوى الشفاعة الكبرى والعامّة
1 ـ بعض الفقهاء يحتاطون بعدم قراءة القنوت في رُكعتي الشفع أو قراءتها بأمل الرجاء.
لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)(1).
وهناك احتمال أن يكون المقام المحمود هو أقصى القرب مِن الخالق عزَّوجلّ، والذي تكون إِحدى آثاره هي الشفاعة الكبرى. (فتأمل ذلك).
وبالرغم مِن أنَّ المخاطب في هذه الآية ـ ظاهراً ـ هو رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، إِلاَّ أنَّهُ يمكن تعميم الحكم والقول بأنَّ جميع الأشخاص المؤمنين الذين يقومون ببرنامج التلاوة وصلاة الليل لهم نصيب في هذا المقام المحمود، وسوف يقتربون مِن الساحة الإِلهية بمقدار إِيمانهم وعملهم، وبنفس المقدار سوف يقومون بالشفاعة للآخرين.
إِنّنا نعلم أنَّ أي مؤمن وبمقدار إِيمانه لهُ نصيب مِن مقام الشفاعة، إِلاَّ أنَّ المصداق الأتم والأكمل لهذه الآية هو شخص الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم).
في ميادين الصراع بين الحق والباطل يكون جيش الباطل ـ عادةً ـ ذا عدّة وعدد أكثر، إِلاَّ أن جيش الحق ـ بالرغم مِن قلّة أفراده ووسائله الظاهرية ـ يحصل على انتصارات عظيمة. ويمكن مشاهدة نماذج مِن ذلك في غزوات بدر والأحزاب وحنين، وفي عصرنا الحاضر يمكن مُشاهدة ذلك في الثورات المُنتصرة للأُمم المستضعفة في مقابل الدول المستكبرة.
وهذا الأمر يكون سبب تحلّي أنصار الحق بقوّة معنوية خاصّة بحيث تصنع مِن (الإِنسان) أُمَّة. وفي الآيات أعلاه تمت الإِشارة إلى ثلاثة عوامل للإِنتصار، العوامل التي ابتعد عنها مسلمو اليوم، ولهذا السبب نرى هزائمهم المتكرِّرة في مقابل الأعداء والمستكبرين.
والعوامل الثلاثة هي: الدخول الصادق والخالص في الأعمال، والإِستمرار
![]() |
![]() |
![]() |