[253]

المشركين المعاندين الذين مرَّ أنموذج من أقوالهم في الآيات السابقة، من جهة أُخرى ويجسد دروس العبرة من مصير هذه الأقوام بشكل مختصر وبليغ تماماً.

يقول أوّلا: (ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيراً).

فقد القيت على عاتقيهما لمسؤولية الثقيلة في جهاد الفراعنة، ويجب عليهما مواصلة هذا العمل الثوري بمساعدة أحدهما الآخر حتى يثمر (فقلنا إذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا) فإنّهم قد كذبوا دلائل الله وآياته التي في الآفاق وفي الأنفس وفي كل عالم الوجود، وأصروا على طريق الشرك وعبادة الأصنام من جهة.. ومن جهة أخرى أعرضوا عن تعاليم الانبياء السابقين وكذبوهم.

ولكن بالرغم من جميع الجهود والمساعي التي بذلها موسى وهارون،بالرغم من رؤية كل تلك المعجزات العظيمة والبينات المتنوعة، أصروا أيضاً على طريق الكفر والإِنكار، لذا (فدمرناهم تدميراً).

كلمة «تدمير» من مادة «دمار» بمعنى الإهلاك بأُسلوب يثير العجب، حيث كان هلاك قوم فرعون في أمواج النيل المتلاطمة بتلك الكيفية المعروفة من عجائب التاريخ حقاً.

وكذلك: (وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية، واعتدنا للظالمين عذاباً أليماً).

الملفت للإنتباه أنّه تعالى يقول: إنّ أُولئك كذبوا الرسل (لا رسولا واحداً فقط) ذلك أنه لا فرق بين أنبياء الله ورسله في أصل الدعوة، وتكذيب واحد منهم تكذيب لجميعهم، فضلا عن أنّهم كانوا مخالفين لدعوة جميع أنبياء الله ومنكرين لجميع الأديان.

وكذلك: (وعاداً وثموداً وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً).(1)



1 ـ «وعاداً وثموداً»
عطف على ضمير «هم»
في جملة «دمرناهم»
. واحتمل بعضهم أيضاً أن العطف على «هم» في «جعلناهم»
، أو يكون عطفاً على محل «الظالمين»
لكن الإحتمال الأوّل مناسب أكثر.

[254]

«قوم عاد» هم قوم النّبي «هود» العظيم، الذي بعث في منطقة (الأحقاف) أو (اليمن).

و«قوم ثمود» قوم نبي الله «صالح» الذي بعث في منطقة وادي القرى (بين المدينة والشام)، أمّا ما يتعلق بمسألة «أصحاب الرس» فسنبحثها في نهاية هذا البحث.

«قرون» جمع «قرن» وهي في الأصل بمعنى الجماعة الذين يعيشون معاً في زمان واحد، ثمّ أطلقت على الزمان الطويل (أربعين أو مائة سنة).

لكننا لم نجاز أولئك على غفلة أبداً، بل (وكلاّ ضربنا له الأمثال).

أجبنا على إشكالاتهم، مثل الإِجابة على الإِشكالات التي يوردونها عليك، وبينّا لهم الأحكام الإِلهية وحقائق الدين. أخطرناهم، أنذرناهم، كررنا عليهم مصائر وقصص الماضين، لكن حين لم ينفع أيُّ من ذلك اهلكناهم ودمّرناهم تدميراً: (وكلا تّبرنا تتبيراً).(1)

وفي نهاية المطاف ـ في الآية الأخيرة مورد البحث ـ يشير القرآن المجيد إلى خرائب مدن قوم لوط التي تقع على بداية طريق الحجازيين إلى الشام، وإلى الأثر الحي الناطق عن المصير الأليم لأولئك الملوثين والمشركين، فيقول تعالى: (ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها).

نعم، لقد كانوا يرون مشهد الخرائب هذه، لكنّهم لم يأخذوا منها العبرة، ذلك لأنّهم (بل كانوا لا يرجون نشوراً).

إنّهم يعدون الموت نهاية هذه الحياة، وإذا كان لهم اعتقاد بحياة ما بعد الموت فهو اعتقاد ضعيف وبلا أساس، لا يطبع أثراً في ارواحهم ولا ينعكس في مناهج



1 ـ «تتبير»
من مادة «تبر» (على وزن ضرر، وعلى وزن صبر) بمعنى الإهلاك التام.

[255]

حياتهم، ولهذا فهم يأخذون جميع الأشياء مأخذ اللعب، ولا يفكرون إلاّ بأهوائهم السريعة الزوال.

* * *

 

بحثان

1 ـ من هم «أصحاب الرس»

كلمة «رسّ» في الأصل بمعنى الأثر القليل، فيقال مثلا «رسّ الحديث في نفسي» (قليل من حديثه في ذاكرتي) أو يقال: وجد رسّاً من حمى» (يعني: وجد قليلا من الحمّى في نفسه).(1)

وجماعة من المفسّرين اعتقدوا بأن «الرسّ» بمعنى البئر.

على أية حال فتسمية هؤلاء القوم بهذا الاسم، إمّا لأنّ أثراً قليلا جداً بقي منهم، أو لأنّهم كانت لهم آبار كثيرة، أو لأنّهم هلكوا وزالوا بسبب جفاف آبارهم.

أمّا من هم هؤلاء القوم؟ هناك أقوال كثيرة بين المؤرخين والمفسّرين:

1 ـ يرى كثيرون أن «أصحاب الرس» كانوا طائفة تعيش في «اليمامة» وبعث لهم نبي اسمه «حنظلة» كذبوه وألقوه في بئر، وذكروا أيضاً: إنّهم ملأوا هذا البئر بالرماح، وأغلقوا فم البئر بعد إلقاء النّبي فيها بالحجارة حتى استشهد ذلك النبي.(2)

2 ـ البعض الآخر يرى أن «أصحاب الرسّ» إشارة إلى قوم «شعيب» الذين كانوا يعبدون الأصنام، وكانوا ذوي أغنام كثيرة وآبار ماء، و«الرسّ» كان اسماً لبئر عظيم، حيث أغاضه الله، فأهلك أهل ذلك المكان.

3 ـ بعض آخر يعتقد أن «الرسّ» كانت قرية في أرض «اليمامة» حيث كان يعيش فيها جماعة من بقايا قوم ثمود، فهلكوا نتيجة طغيانهم وغرورهم.



1 ـ مفردات الراغب.

2 ـ أعلام القرآن ص 149 .

[256]

4 ـ وذهب آخرون أنّهم كانوا جماعة من العرب الماضين، يعيشون(1) بين الشام والحجاز.

5 ـ بعض التفاسير يعرّف «أصحاب الرسّ» من بقايا عاد وثمود، ويعتبر (وبئر معطلة وقصر مشيد).(2) متعلقة بهم أيضاً، وذكر أن موطنهم في «حضرموت» واعتقد «الثعلبي» في «عرائس البيان» أن هذا القول هو الأكثر اعتباراً.

البعض الآخر من المفسّرين طبقوا «الرس» على «أرس» (في شمال آذربيجان)!

6 ـ العلامة الطبرسي في مجمع البيان، والفخر الرازي في التّفسير الكبير، والآلوسي في روح المعاني نقلوا من جملة الإحتمالات، أنّهم قوم يعيشون في أنطاكية الشام، وكان نبيهم «حبيب النجار».

7 ـ في عيون أخبار الرضا، نقل حديث طويل حول «أصحاب الرس» خلاصته: «إنّهم كانوا قوماً يعبدون شجرة صنوبر يقال لها (شاه درخت) كان يافث بن نوح غرسها بعد الطوفان على شفير عين يقال لها (روشن آب) وكان لهم إثنتا عشرة قرية معمورة على شاطىء نهر يقال له «الرسّ»، يسمين بأسماء: آبان، آذر، دي، بهمن أسفندار، فرودين، أُردي بهشت، خرداد، مرداد، تير، مهر، شهريور، ومنها اشتقّ العجم أسماء شهورهم.

وقد غرسوا في كل قرية منها من طلع تلك الصنوبرة حبّة. أجروا عليها نهراً من العين التي عند الصنوبرة، وحرّموا شرب مائها على أنفسهم وأنعامهم، ومن شرب منه قتلوه، ويقولون: إنّه حياة الآلهة فلا ينبغي لأحد أن ينقص حياتها. وقد جعلوا في كل شهر من السنة يوماً ـ في كل قرية، عيداً، يخرجون فيه إلى الصنوبرة التي خارج القرية يقربون إليها القرابين ويذبحون الذبائح ثمّ يحرقونها في النار



1 ـ شرح نهج البلاغه، لابن أبي الحديد، ج 1، ص 94.

2 ـ سورة الحج، الآية 45.

[257]

فيسجدون للشجرة عند ارتفاع دخانها وسطوعه في السماء ويبكون ويتضرعون، و الشيطان يكلمهم من الشجرة. وكان هذا دأبهم في القرى حتى إذا كان يوم عيد قريتهم العظمى التي كان يسكنها ملكهم واسمها (أسفندار) اجتمع إليها أهل القرى جميعاً وعيّدوا اثني عشر يوماً، وجاءوا بأكثر ما يستطيعونه من القرابين والعبادات للشجرة، وكلّمهم إبليس وهو يعدهم ويمنيهم أكثر ممّا كان من الشياطين في سائر الأعياد من سائر الشجر.

ولما طال منهم الكفر بالله وعبادة الشجرة، بعث الله إليهم رسولا من بني إسرائيل من ولد يهودا، فدعاهم برهة إلى عبادة الله وترك الشرك، فلم يؤمنوا، فدعا على الشجرة فيبست، فلما رأوا ذلك ساءهم، فقال بعضهم: إنّ هذا الرجل سحر آلهتنا، وقال آخرون: إنّ آلهتنا غضبت علينا بذلك لما رأت هذا الرجل يدعونا إلى الكفر بها فتركناه وشأنه من غير أن نغضب لآلهتنا. فاجتمعت آراؤهم على قتله فحفروا بئراً عميقاً وألقوه فيها، وسدّوا فوهتها، فلم يزالوا عليها يسمعون أنينه حتى مات، فأتبعهم الله بعذاب شديد أهلكهم عن آخرهم».(1)

قرائن متعددة تؤيد مضمون هذا الحديث، لأن مع وجود ذكر «أصحاب الرسّ» في مقابل عاد وثمود يكون احتمال أنّهم جماعة من هاتين الأُمتين بعيداً جداً.

كذلك، فإنّ وجود هؤلاء القوم في الجزيرة العربية والشامات وتلك الحدود ـ و هو الذي احتمله الكثيرون ـ بعيد أيضاً، ذلك لأنّه يجب أن يكون له انعكاس في تاريخ العرب بحسب العادة، في الوقت الذي لم نر حتى انعكاساً ضئيلا لأصحاب الرس لديهم.

مضافاً الى ذلك توافقه مع كثير من التفاسير الأُخرى، من جملتها: أنّ «الرس»



1 ـ عيون أخبار الرضا(عليه السلام)
، طبقاً لنقل وتلخيص تفسير الميزان، ج 15، ص 219 والحديث في العيون بإسناده عن أبي الصلت الهروي عن الإمام الرضا(عليه السلام)
عن أمير المؤمنين(عليه السلام)
.

[258]

كان اسماً لبئر (البئر التي ألقوا فيها نبيهم) أو أنّهم كانوا أصحاب زراعة ومواشي وأمثال ذلك.

و ما ورد في رواية عن الإمام الصادق(عليه السلام): أنّ نساءهم كن منحرفات جنسياً و يمارسن «المساحقة» لا منافاة له مع هذا الحديث أيضاً(1)

و من عبارة (نهج البلاغة، الخطبة 180) يستفاد أنه كان لهم أكثر من نبيّ واحد فقط، لأنّه(عليه السلام) يقول: «أين أصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيّين، وأطفأوا سنن المرسلين، وأحيوا سنن الجبارين!؟».

و كلام أمير المؤمنين(عليه السلام) هذا لا يتنافى مع الرواية أعلاه، لأنّ من الممكن أن الرواية تشير إلى مقطع من تاريخهم وكان قد بعث نبي فيهم.

 

2 ـ مجموعة من الدروس المؤثرة:

ست فئات في الآيات أعلاه، ذكرت أسماؤهم: قوم فرعون قوم نوح المتعصبون، قوم عاد المتجبرون، ثمود، أصحاب الرس، وقوم لوط، حيث كان كل منهم أسير نوع من الإنحراف الفكري والأخلاقي أدّى بهم إلى الهلاك والشقاء.

الفراعنة كانوا ظالمين جائرين ومستعمرين واستثماريين وأنانيين.

قوم نوح كما هو معلوم كانوا معاندين ومتكبرين ومغرورين.

قوم عاد وقوم ثمود كانوا يتكلون على قدراتهم الذاتية.

و كان أصحاب الرس في دوامة الفساد والشذوذ الجنسي وخاصّة نسائهم، وكان قوم لوط غارقين في وحل من الفحشاء، وشذوذ الرجال بخاصّة، والجميع منحرفون عن جادة التوحيد. حيرى في الضلالات.

و هنا يريد القرآن أن يُنذر مشركي عصر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وجميع الناس على مدى



1 ـ الكافي، طبقاً لنقل تفسير نور الثقلين، ج 4، ص 19 .

[259]

التاريخ: ليكن لكم من القدرات والإستطاعة والإمكانات كل شيء ومهما كان لكم من اموال وثروات وحياة مرفّهة، فإن التلوث بالشرك والظلم والفساد سيستأصل أعماركم، وإنّ نفس أسباب تفوقكم تلك ستكون أسباب هلاككم!

قوم فرعون: وقوم نوح، أُهلكوا بالماء الذي هو أساس الحياة، قوم عاد بالعاصفة والرياح التي هي أيضاً في ظروف خاصّة أساس الحياة، قوم ثمود بالسحاب الحامل للصواعق، وقوم لوط بمطر من الحجارة نزل بعد الصاعقة، أو انفجار بركان على قول بعضهم، وأصحاب الرس طبقاً لذيل تلك الرواية أعلاه، أُبيدوا بنار تطلع من الأرض، وبشعلة مهلكة انتشرت من السحاب، ليؤوب هذا الإنسان المغرور إلى نفسه، فيتمسك بطريق الله والعدالة والتقوى.

* * *

[260]

 

 

الآيات

 

وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا(41) إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ ءَالِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا (42)أَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا(43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالاَْنْعَـمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا(44)

 

التّفسير

أضلُّ من الأَنعام:

الملفت للإنتباه أنّ القرآن المجيد لا يورد أقوال المشركين دفعة واحدة في آيات هذه السورة، بل أورد بعضاً منها، فكان يتناولها بالردّ والموعظة والإنذار، ثمّ بعد ذلك يواصل تناول بعض آخر بهذا الترتيب.

الآيات الحالية، تتناول لوناً آخر من منطق المشركين وكيفية تعاملهم مع رسول الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوته الحقّة.

[261]

يقول تعالى أولا: (وإذا رأوك إن يتّخذونك إلاّ هزواً أهذا الذي بعث الله رسولا).(1)

وهكذا نجد هؤلاء الكفار يتعجبون! أيَّ ادعاء عظيم يدعي؟ أي كلام عجيب يقول!؟ ... إنّها مهزلة حقّاً!

لكن يجب ألا ننسى أنّ رسول الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم)، كان هو ذلك الشخص الذي عاش بينهم أربعين عاماً قبل الرسالة، وكان معروفاً بالأمانة والصدق والذكاء والدراية، لكنَّ رؤوسَ الكفر تناسوا صفاته هذه حينما تعرضت منافعهم الى الخطر، وتلقوا مسألة دعوة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ بالرغم من جميع تلك الشواهد والدلائل الناطقة ـ بالسخرية والإستهزاء حتى لقد اتّهموه بالجنون.

ثمّ يواصل القرآن ذكر مقولات المشركين فينقل عن لسانهم (إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها)(2).

لكن القرآن يجيبهم من عدّة طرق، ففي البداية من خلال جملة واحدة حاسمة يرد على مقولات هذه الفئة التي ما كانت أهلا للمنطق: (وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا).

يمكن أن يكون هذا العذاب إشارة إلى عذاب القيامة، كما قال بعض المفسّرين مثل «الطبرسي» في مجمع البيان، أو عذاب الدنيا مثل الهزيمة المنكرة يوم «بدر» وأمثالها، كما قال «القرطبي» في تفسيره المعروف، ويمكن أن تكون الإشارة إليهما معاً.

الملفت للنظر أنّ هذه الفئة الضالة في مقولتها هذه، وقعت في تناقض فاضح، فمن جهة تلقت النّبي ودعوته بالسخرية، إشارة إلى أن ادعاءه بلا أساس ولا



1 ـ «هزواً»
مصدر، وجاء هنا بمعنى المفعول، وهذا الإحتمال وارد أيضاً وهو أن يكون مضافاً مقداراً (محل هزو)، أيضاً فالتعبير بـ «هذا»
للتحقير ولتصغير النّبي.

2 ـ كلمة (إنْ)
في (إنْ كاد ليضلنا)
مخففة، للتوكيد، وفي تقدير «إنّه كاد»
وضميرها ضمير الشأن.

[262]

يستحق أن يؤخذ مأخذ الجد، ومن جهة أُخرى أنّه لولا تمسكهم بمذهب أجدادهم، فمن الممكن أن ـ يؤثر عليهم كلام النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ويضلّهم عن ذلك المذهب، وهذا يدل على أنّهم كانوا يعتبرون كلامه قوياً وجدياً ومؤثراً ومحسوباً، و هذا المنطق المضطرب ليس غريباً عن هؤلاء الأفراد الحيارى اللجوجين.

و كثيراً ما يُرى أنّ منكري الحق حينما يقفون قبالة الأمواج المتلاطمة لمنطق القادة الإلهيين، فإنّهم يختارون اُسلوب الإستهزاء تكتيكاً من أجل توهينه ودفعه، في حين أنّهم يخالفون سلوكهم هذا في الباطن، بل قد يأخذوه بجدية أحياناً ويقفون ضده بجميع امكاناتهم.

الجواب القرآني الثّاني على مقولاتهم ورد في الآية التي بعدها، موجهاً الخطاب إلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) على سبيل المواساة وتسلية الخاطر، وأيضاً على سبيل بيان الدليل على أصل عدم قبول دعوة النّبي من قبل أُولئك، فيقول: (أرأيت من اتخذ إلهه هواه) فهل أنت قادر مع هذا الحال على هدايته والدفاع عنه (أفأنت تكون عليه وكيلا).

يعني إذا وقف أُولئك أمام دعوتك بالإستهزاء والإنكار وأنواع المخالفات، فلم يكن ذلك لأن منطقك ضعيف ودلائلك غير مقنعة، وفي دينك شك أو ريبة، بل لأنّهم ليسوا أتباع العقل والمنطق، فمعبودهم أهواؤهم النفسية، تُرى أتنتظر أن يطيعك هكذا أشخاص، أو تستطيع أن تؤثر فيهم!؟

أقوال مختلفة للمفسرين الكبار في معنى جملة: (أرأيت من اتّخذ إلهة هواه):

قال جماعة ـ كما قلنا آنفاً ـ : إنّ المقصود أنّ لهم صنماً، ذلك هو هواهم النفسي، وكل أعمالهم تصدر من ذلك المنبع.

في حين أنّ جماعة أُخرى ترى أنّ المراد هو أنّهم لا يراعون المنطق بأي شكل في اختيارهم الأصنام، بل إنّهم متى ما كانت تقع أعينهم على قطعة حجر، أو شجرة جذابة، أو شيء آخر يثير هواهم، فإنّهم يتوهمونه «معبوداً»، فكانوا يجثون

[263]

على ركبهم أمامه، ويقدمون القربان، ويسألونه حل مشكلاتهم.

وذكر في سبب نزول هذه الآية رواية مؤيدة لهذا المعنى، وهي أن إحدى السنين العجاف مرّت على قريش، فضاق عليهم العيش، فخرجوا من مكّة وتفرقوا فكان الرجل إذا رأى شجرة حسنة أو حجراً حسناً هويه فعبده، وكانوا ينحرون النعم ويلطخونها بالدم ويسمونها «سعد الصخرة»، وكان إذا أصابهم داء في إبلهم أغنامهم جاؤوا إلى الصخرة فيمسحون بها الغنم والإبل، فجاء رجل من العرب بإبل يريدُ أن يمسح بالصخرة إبله ويتبرك بها، فنفرت إبله فتفرقت، فقال الرجل شعراً:

أتيتُ إلى سعد ليجمع شملنا فشتتنا سعد فما نحن من سعدِ

وما سعدِ إلاّ صخرة مستوية من الأرض لا تهدي لغيٍّ ولا رشدِ

و مرَّ به رجل من العرب والثعلب يبول عليه فقال شعراً:

وربّ يبول الثعلبانُ برأسه لقد ذلَّ من بالت عليه الثعالب(1)التّفسيران أعلاه لا منافاة بينهما، فأصل عبادة الأصنام ـ التي هي وليدة الخرافات ـ هو اتباع الهوى، كما أنّ اختيار الأصنام المختلفة بلا أي منطق، فرع آخر عن أتباع الهوى أيضاً.

وسيأتي بحث مفصل في الملاحظات الآتية، بصدد «اتباع الهوى والشهوات» إن شاء الله.

وأخيراً فإنّ الجواب القرآني الثّالث لهذه الفئة الضالة، هو قوله: (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون، إن هم إلاّ كالأنعام بل هم أضلُّ سبيلا).

يعني لا يؤذينك استهزاؤهم ومقولاتهم السيئة وغير المنطقية أبداً، لأنّ الانسان إمّا أن يكون ذا عقل، ويستخدم عقله، فيكون مصداقاً لـ «يعقلون».



1 ـ تفسير علي بن إبراهيم القمي، طبقاً لنقل نور الثقلين، ج 4، ص 20.

[264]

أو أنّه فاقد للعلم ولكنّه يسمع قول العلماء، فيكون مصداقاً لـ «يسمعون»، لكن هذه الفئة لا من أُولئك ولا من هؤلاء، وعلى هذا فلا فرق بينهم وبين الانعام. وواضح أنّه لا يتوقع من الأنعام غير الصياح والرفس والأفعال اللامنطقية. بل هم أتعس من الأنعام وأعجز، إذ أن الأنعام لا تعقل ولا فكر لها، وهؤلاء لهم عقل وفكر، وتسافلوا إلى حال كهذه.

المهم هو أنّ القرآن يعبّر بـ «أكثرهم» هنا أيضاً، فلا يعمم هذا الحكم على الجميع، لأنّه قد يكون بينهم أفراد مخدوعون واقعاً، وحينما يواجهون الحق تنكشف عن أعينهم الحجب تدريجياً، فيتقبلوا الحق، وهذا نفسه دليل على أن القرآن يراعي الإنصاف في المباحث القرآنية.

* * *

 

بحثان

1 ـ اتباع الهوى وعواقبه الأليمة

لا شك أنّ في كيان الإنسان غرائز وميولا مختلفة، وجميعها ضروري لإدامة حياته، الغيظ والغضب، حب النفس، حب المال والحياة المادية، وأمثالها، ولا شك أنّ مبدع الوجود خلقها جميعاً لذلك الهدف التكاملي.

لكن المهم هو أنّها تتجاوز حدها أحياناً، وتخرج عن مجالها، وتتمرّد على كونها أداة طيعة بيد العقل، وتصرُّ على العصيان والطغيان، فتسجن العقل، وتتحكم بكل وجود الإنسان، وتأخذ زمام اختياره بيدها.

هذا هو ما يعبرون عنه بـ «اتباع الهوى» الذي هو أخطر أنواع عبادة الأصنام، بل إن عبادة الأصنام تنشأ عنه أيضاً، فليس عبثاً أن الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) اعتبر صنم «الهوى» أعظم وأسوأ الأصنام، لذا قال: «ما تحت ظل السماء من إله يعبد

[265]

من دون الله أعظم عند الله من هوىً متبع»،(1)

ونقرأ في حديث آخر عن بعض أئمّة الإِسلام «أبغض إله عُبد على وجه الأرض الهوى».

وإذا تأملنا جيداً في أعماق هذا القول، نعلم جيداً لماذا كان اتباع الهوى مصدر الغفلة، كما يقول القرآن: (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه).(2)

و من جهة أُخرى فإن اتباع الهوى منبع الكفر وعدم الإيمان، كما يقول القرآن (فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه).(3)

و من جهة ثالثة فإنّ اتباع الهوى أسوأ الضلال، يقول القرآن الكريم: (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله).(4)

و من جهة رابعة فإن اتباع الهوى نقطة مقابلة لطلب الحق، ويخرج الإنسان عن طريق الله، كما نقرأ في القرآن: (فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله).(5)

و من جهة خامسة فإن اتباع الهوى مانع من العدل والإنصاف كما نقرأ في القرآن: (فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا).(6)

و أخيراً، فإنّ نظام السماء والأرض إذا دار حول محور أهواء وشهوات الناس، فإنّ الفساد سوف يعمُّ كلَّ ساحة الوجود: (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن).(7)



1 ـ تفسير الدر المنثور، في ذيل الآية مورد البحث، نقلا عن تفسير الميزان، ج 15، ص 257.

2 ـ سورة الكهف، الآية 28.

3 ـ سورة طه، الآية 16.

4 ـ سورة القصص، الآية 50.

5 ـ سورة ص، الآية 26.

6 ـ سورة النساء، الآية 135.

7 ـ سورة المؤمنون، الآية 71.

[266]

وفي الروايات الإسلامية أيضاً، نلاحظ تعبيرات مؤثرة في هذا الصدد:

نقرأ في رواية عن على(عليه السلام): «الشقي من انخدع لهواه وغروره».(1)

وفي حديث آخر عنه(عليه السلام)، نقرأ أن: «الهوى عدو العقل».(2)

نقرأ أيضاً: «الهوى أُسُّ المحن».(3)

و عنه(عليه السلام): «لا دين مع هوى»(4) و«لا عقل مع هوى».(5)

والخلاصة أن اتباع الهوى ليس من الدين وليس من العقل، وليس عاقبة اتباع الهوى إلاّ التعاسة والمحن والبلاء، ولا يثمر إلاّ المسكنة والشقاء والفساد.

أحداث حياتنا والتجارب المرّة التي رأيناها في أيّام العمر بالنسبة إلينا وإلى الآخرين، شاهد حي على جميع النكات التي وردت في الآيات والرّوايات أعلاه بصدد اتباع الهوى.

نرى أفراداً يتجرعون المرارة إلى آخر أعمارهم، جزاء ساعة واحدة من أتباع الهوى.

و نعرف شباباً صاروا أسارى مصيدة الإِدمان الخطير، والإِنحرافات الجنسية و الأخلاقية، على أثر انقيادهم للهوى، بحيث تحولوا إلى موجودات ذليلة لا قيمة لها، وفقدوا كل قواهم وطاقاتهم الذاتية.

في التأريخ المعاصر والماضي، نلتقي بأسماء الذين قتلوا آلافاً وأحياناً ملايين من الناس الأبرياء، من أجل أهوائهم، بحيث أن الاجيال تذكر أسماءهم المخزية بالسوء إلى الأبد.

هذا الأصل لا يقبل الإستثناء، فحتى العلماء والعبابدون أهل السابقة مثل



1 ـ نهج البلاغه، الخطبة 86 .

2 ـ غرر الحكم، الجملة 265.

3 ـ غرر الحكم، الجملة 1048 .

4 ـ غرر الحكم، الجملة 10531 .

5 ـ غرر الحكم، الجملة 10541 .

[267]

(بلعم بن باعورا) سقطوا من قمة العظمة الإنسانية إلى الهاوية، نتيجة انقيادهم لهوى النفس، حيث يمثلهم القرآن بالكلب النجس الذي لا ينفك عن النباح (الآية 176 سورة الأعراف).

لهذا فلا عجب أن يقول النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين(عليه السلام): «إنّ أخوف ما أخاف عليكم إثنان، اتباع الهوى وطول الأمل، أمّا اتباع الهوى فيصدّ عن الحق، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة».(1)

وردت أيضاً في النقطة المقابلة ـ يعني ترك أتباع الهوى ـ آيات وروايات توضح عمق هذه المسألة من وجهة نظر الإسلام، إلى حد أن يُعدّ مفتاح الجنّة الخوف من الله، ومجاهدة النفس: (وأمّا من خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنّة هي المأوى).(2)

يقول علي(عليه السلام): «أشجع الناس من غلب هواه».(3)

و قد نقلت قصص كثيرة في حالات محبي الحق وأولياء الله، والعلماء والعظماء، حيث نالوا المقامات العالية نتيجة ترك أتباع الهوى، هذه المقامات لم تكن ممكنة بالطرق العادية.

 

2 ـ لماذا أَضلُّ من الأنعام!؟

لتجسيد أهمية الموضوع في الآيات أعلاه، يبيّن القرآن أوّلا: أن الذين اتّخذوا اهواءهم آلهه يعبدونها هم كالأنعام، وبعد ذلك يضيف مشدداً: بل هم أضل!

نظير هذا التعبير ورد أيضاً في الآية (172) من سورة الأعراف في أهل النار الذين يؤولون إلى هذا المصير نتيجة عدم الإستفادة من السمع والبصر والعقل،



1 ـ سفينة البحار، ج 2، ص 728 (ذيل مادة هوى) ونهج البلاغة، الخطبة 28 و42 .

2 ـ سورة النازعات، الآية 40.

3 ـ سفينة البحار، ج 1، ص 689 (مادة شجع).

[268]

يقول تعالى: (أُولئك كالأنعام بل هم أضل).

(أضل)و إن كانت واضحة إجمالا، لكن المفسّرين قدموا بحوثاً جيدة في هذه المسألة، وهي ـ مع تحليل وإضافات:

1 ـ إذا لم تفهم الأنعام شيئاً، وليس لها أذن سامعة وعين باصرة، فذلك لعدم استعدادها الذاتي، لكن الأعجز منها الإِنسان الذي تكمن في وجوده خميرة جميع السعادات، والذي أفاض الله عليه قدراً عظيماً من الإستعدادات ليستطيع أن يكون خليفة الله في الأرض، ولكن أفعاله الذميمة بلغت به حدّاً أسقطته عن مستوى الأنعام، وأذهبت كل لياقاته هدراً، وهوى مِن رتبة مسجود الملائكة إلى حضيض الشياطين الذليلة. وهذا هو الأضل والمؤلم حقاً.

2 ـ الأنعام غير مسؤولة تقريباً، وليست مشمولة بالجزاء الإلهي، في حين أنّ البشر الضالين يجب عليهم أن يحملوا عبء كل أعمالهم على عواتقهم، ليروا جزاء أعمالهم بلا نقص أو زيادة.

3 ـ تؤدي الأنعام للإنسان خدمات كثيرة، وتنجز له أعمالا مختلفة، أمّا طغاة البشر العصاة فلا تتأتى منهم أية منفعة، بل يسببون آلافاً من البلاءات والمصائب.

4 ـ الأنعام لا خطر منها على أحد، فإذا كان ثمّة خطر منها، فخطر محدود، لكن الويل من الإنسان غير المؤمن، والمستكبر، عابد الهوى، الذي يؤجج أحياناً نار حرب يذهب ضحيتها الملايين من الناس.

5 ـ إذا لم يكن للأنعام قانون ومنهج، فإنّها تتبع مساراً عيّنه الله لها على شكل غرائز، فهي تتحرك على ذلك الخط. أمّا الإنسان المتمرد، فلا يعترف بقوانين تكوينية ولا قوانين تشريعية، ويعتبر هواه وشهواته حاكماً على كل شيء.

6 ـ الأنعام لا تبرير لديها لأعمالها أصلا، فإذا خالفت فهي المخالفة، وإذا أرادت أن تمضي في طريقها حين تمضي فذلك هو الواقع، أمّا الإنسان المتكبر

[269]

السفاك، عابد الهوى فكثيراً ما يبرر جميع جرائمه بالشكل الذي يدعي فيه أنّه يؤدي مسؤولياته الإلهية والإنسانية.

ولهذها، فلا موجود أكبر خطراً وأشد ضرراً من إنسان متبع للهوى، عديم الايمان ومتمرد.

ولهذا وصمته الآية (22) من سورة الأنفال بلقب (شر الدواب) وكم هو مناسب هذا اللقب؟!!

 

* * *

[270]

 

 

الآيات

 

أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الضِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا(45) ثُمَّ قَبَضْنَـهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً (46)وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورَاً(47) وَهُوَ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّيَـحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءَ طَهُوراً(48) لِّنُحْىَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَـماً وَأَنَاسِىَّ كَثِيراً(49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَـهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً(50)

 

التّفسير

حركة الظلال:

في هذه الآيات كلام في أقسام مهمّة من النعم الإلهية، على سبيل بيان أسرار التوحيد ومعرفة الله، الأُمور التي يزيدنا التفكر فيها معرفة بخالقنا وقرباً منه، ومع الإلتفات إلى أنّ المحاورات الكثيرة في الآيات الماضية كانت مع المشركين، تتّضح صلة وارتباط هذه الآيات بالآيات السابقة.

[271]

في هذه الآيات، كلام في نعمة «الضلال» ثمّ في آثار وبركات «الليل» و«النوم و الإستراحة» و«ضياء» النهار و«هبوب الرياح» و«نزول المطر» و«إحياء الأراضي الموات» و«سقاية» الأنعام والناس.

يقول تعالى أولا: (ألم تر إلى ربّك كيف مد الظل، ولو شاء لجعله ساكناً).

لا شك أنّ هذا الجزء من الآية إشارة إلى أهمية نعمة الظلال الممتدة والمتحركة.

الظِلال التي لا تثبت على حال، بل هي في حركة وانتقال.

ولكن أي ظل هو المقصود بالآية؟ ثمّة أقوال في أوساط المفسّرين:

بعضهم يقول: هذا الظل الممتد والمنتشر هو ذلك الظل المنتشر على الأرض بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس، وأهنأ الظلال والساعات هي تلك، هذا النور الشفاف، والظل المنبسط، يبدأ عند طلوع الفجر، يتلاشى عند طلوع الشمس حيث يأخذ مكانه الضياء.

و يرى البعض الآخر أن المقصود هو ظل الليل بأجمعه، الذي يبدأ من لحظة الغروب وينتهي عند لحظة طلوع الشمس، لأنّنا نعلم أنّ الليل في الحقيقة هو ظل نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس، وهو ظل مخروطي يكون في الطرف الآخر ومنتشراً في الفضاء الواسع. وهذا الظل المخروطي في حركة دائمة ومع طلوع الشمس على منطقة يزول عنها ليتشكل في أُخرى.