![]() |
![]() |
![]() |
أنّ المراد: صفة الإختيار والحرية والإرادة التي تميّز الإنسان عن سائر الموجودات.
أنّ المراد: العقل الذي هو ملاك التكليف، ومناط الثواب والعقاب.
أنّ المراد: أعضاء جسم الإنسان، فالعين أمانة الله، ويجب الحفاظ عليها وعدم
إستعمالها في طريق المعصية، والاُذن واليد والرجل واللسان كلّها أمانات يجب حفظها.
أنّ المراد: الأمانات التي يأخذها الناس بعضهم من بعض، والوفاء بالعهود.
أنّ المراد: معرفة الله سبحانه.
أنّ المراد: الواجبات والتكاليف الإلهيّة كالصلاة والصوم والحجّ.
لكن يتّضح من خلال أدنى دقّة أن هذه التفاسير لا تتناقض مع بعضها، بل يمكن إدغام بعضها في البعض الآخر، فبعضها أخذت جانباً من الموضوع، وبعضها الآخر كلّه.
ومن أجل الحصول على جواب جامع كاف، يجب أن نلقي نظرة على الإنسان لنرى أي شيء يمتلكه وتفتقده السماوات والأرضون والجبال؟
إنّ الإنسان موجود له إستعدادات وقابليات يستطيع من خلال إستغلالها أن يكون أتمّ مصداق لخليفة الله، ويستطيع أن يصل إلى قمّة العظمة والشرف بإكتساب المعرفة وتهذيب النفس وتحصيل الكمالات، وأن يسمو حتّى على الملائكة.
إنّ هذا الإستعداد المقترن بالحرية والإرادة والإختيار يعني أنّ الإنسان يطوي هذا الطريق بإرادته وإختياره، ويبدأ فيه من الصفر ويسير إلى ما لا نهاية.
إنّ السماء والأرض والجبال تمتلك نوعاً من المعرفة الإلهية، وهي تذكر الله سبحانه وتسبّحه، وتخضع لعظمته وتخشع لها وتسجد، إلاّ أنّ كلّ ذلك ذاتي وتكويني وإجباري، ولذلك ليس فيه تكامل ورقي، والموجود الوحيد الذي لا ينتهي منحنى صعوده ونزوله، وهو قادر على إرتقاء قمّة التكامل بصورة لا تعرف الحدود، ويقوم بكلّ هذه الأعمال بإرادته وإختياره، هو الإنسان، وهذه هي «الأمانة الإلهيّة» التي إمتنعت من حملها كلّ الموجودات، وحملها الإنسان! ولذلك نرى الآية التالية قسّمت البشر إلى ثلاث فئات: «المؤمنين» و «الكفّار» و
«المنافقين».
بناءً على هذا يجب القول في عبارة مختصرة أنّ الأمانة الإلهية هي قابلية التكامل غير المحدودة والممتزجة بالإرادة والإختيار، والوصول إلى مقام الإنسان الكامل، وعبودية الله الخاصّة وتقبّل ولاية الله.
لكن لماذا عُبّر عن هذا الأمر بالأمانة، مع أنّ كلّ وجودنا وكلّ ما لدينا أمانة الله؟
لقد عبّر بهذا التعبير لأهميّة إمتياز البشر العظيم هذا، وإلاّ فإنّ بقية المواهب أمانات الله أيضاً، غير أنّ أهميّتها تقلّ أمام هذا الإمتياز.
ويمكن أن نعبّر هنا عن هذه الأمانة بتعبير آخر ونقول: إنّها التعهّد والإلتزام وقبول المسؤولية.
بناءً على هذا فإنّ اُولئك الذين فسّروا الأمانة بصفة الإختيار والحرية في الإرادة، قد أشاروا إلى جانب من هذه الأمانة العظمى، كما أنّ اُولئك الذين فسّروها بالعقل، أو أعضاء البدن، أو أمانات الناس لدى بعضهم البعض، أو الفرائض والواجبات، أو التكاليف بصورة عامّة، قد أشار كلّ منهم إلى غصن من أغصان هذه الشجرة العظيمة المثمرة، وإقتطف منها ثمرة.
لكن ما هو المراد من عرض هذه الأمانة على السموات والأرض؟
هل المراد: أنّ الله سبحانه قد منح هذه الموجودات شيئاً من العقل والشعور ثمّ عرض عليها حمل هذه الأمانة؟
أو أنّ المراد من العرض هو المقارنة؟ أي أنّها عندما قارنت حجم هذه الأمانة مع ما لديها من القابليات والإستعدادات أعلنت عدم لياقتها وإستعدادها عن تحمّل هذه الأمانة العظيمة.
طبعاً، يبدو أنّ المعنى الثّاني هو الأنسب، وبهذا فإنّ السماوات والأرض والجبال قد صرخت جميعاً بأنّا لا طاقة لنا بحمل هذه الأمانة.
ومن هنا يتّضح جواب السؤال الثالث أيضاً، بأنّ هذه الموجودات لماذا وكيف رفضت وأبت حمل هذه الأمانة العظمى، وأظهرت إشفاقها من ذلك؟
ومن هنا تتّضح كيفية حمل الإنسان لهذه الأمانة الإلهية، لأنّ الإنسان كان قد خلق بشكل يستطيع معه تحمّل المسؤولية والقيام بها، وأن يتقبّل ولاية الله، ويسير في طريق العبودية والكمال ويتّجه نحو المعبود الدائم، وأن يطوي هذا الطريق بقدمه وإرادته، وبالإستعانة بربّه.
أمّا ما ورد في روايات عديدة وردت عن أهل البيت (عليهم السلام) من تفسير هذه الأمانة بقبول ولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وولده، فمن أجل أنّ ولاية الأنبياء والأئمّة نور ساطع من تلك الولاية الإلهية الكليّة، والوصول إلى مقام العبودية، وطي طريق التكامل لا يمكن أن يتمّ من دون قبول ولاية أولياء الله.
جاء في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) أنّه سئل عن تفسير آية عرض الأمانة، فقال: «الأمانة الولاية، من إدّعاها بغير حقّ كفر»(1).
وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال عندما سئل عن تفسير هذه الآية: «الأمانة الولاية، والإنسان هو أبو الشرور المنافق»(2).
والمسألة الاُخرى التي يلزم ذكرها هنا، هي أنّنا قلنا في ذيل الآية (172) من سورة الأعراف فيما يتعلّق بعالم الذرّ بأن أخذ ميثاق الله على التوحيد كان عن طريق الفطرة، وإستعداد وطبيعة الآدمي، وإنّ عالم الذرّ هو عالم الإستعداد والفطرة.
وفي مورد قبول الأمانة الإلهيّة يجب القول بأنّ هذا القبول لم يكن قبول اتّفاق وعقد، بل كان قبولا تكوينياً حسب عالم الإستعداد.
السؤال الوحيد الذي يبقى هو مسألة كون الإنسان «ظلوماً جهولا»، فهل أنّ
وصف الإنسان بهاتين الصفتين ـ وظاهرهما ذمّه وتوبيخه ـ كان نتيجة قبوله لهذه الأمانة؟
من المسلّم أنّ النفي هو جواب هذا السؤال، لأنّ قبول هذه الأمانة أعظم فخر وميزة للإنسان، فكيف يمكن أن يُذمّ على قبوله مثل هذا المقام السامي؟
أم أنّ هذا الوصف بسبب نسيان غالب البشر وظلمهم أنفسهم، وعدم العلم بقدر الإنسان ومنزلته .. وبسبب الفعل الذي بدأ منذ إبتداء نسل آدم من قِبل قابيل وأتباعه، ولا يزال إلى اليوم.
إنّ الإنسان الذي ينادى من العرش، وبني آدم الذين وُضع على رؤوسهم تاج (كرّمنا بني آدم) والبشر الذين هم وكلاء الله في الأرض بمقتضى قوله سبحانه: (إنّي جاعل في الأرض خليفة) والإنسان الذي كان معلّماً للملائكة وسجدت له، كم يجب أن يكون ظلوماً جهولا لينسى كلّ هذه القيم السامية الرفيعة، ويجعل نفسه أسيرة هذه الدنيا، وتابعاً لهذا التراب، ويكون في مصاف الشياطين، فينحدر إلى أسفل سافلين؟!
أجل .. إنّ قبول هذا الخطّ المنحرف ـ والذي كان ولا يزال له أتباع وسالكون كثيرون جدّاً ـ خير دليل على كون الإنسان ظلوماً جهولا، ولذلك نرى أنّه حتّى آدم نفسه، والذي كان رأس السلسلة ومتمتّعاً بالعصمة، يعترف بأنّه قد ظلم نفسه (ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين).(1)
لقد كان «ترك الأولى» الذي صدر منه ناشئاً في الحقيقة عن نسيان جزء من عظمة هذه الأمانة الكبرى!
وعلى أي حال، فيجب الإعتراف بأنّ الإنسان الضعيف والصغير في الظاهر، هو اُعجوبة علم الخلقة، حيث إستطاع أن يتحمّل أعباء الأمانة التي عجزت السماوات
والأرضون عن حملها إذا لم ينس مقامه ومنزلته(1).
وتبيّن الآية التالية علّة عرض هذه الأمانة على الإنسان، وبيان حقيقة أنّ أفراد البشر قد إنقسموا بعد حمل هذه الأمانة إلى ثلاث فئات: المنافقين والمشركين والمؤمنين، فتقول: (ليعذّب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيماً).
يوجد هناك إحتمالان في معنى «اللام» في (ليعذّب):
الأوّل: أنّها «لام الغاية» التي تذكر لبيان عاقبة الشيء ونهايته، وبناءً على هذا يكون معنى الآية: كانت عاقبة حمل هذه الأمانة أن سلك جماعة طريق النفاق، وجماعة سبيل الشرك، وهؤلاء سيبتلون بعذاب الله لخيانتهم أمانته، وجماعة هم أهل الإيمان الذين ستشملهم رحمته لأدائهم هذه الأمانة والقيام بواجباتهم.
والثاني: أنّها «لام العلّة»، فتكون هناك جملة مقدرة، وعلى هذا يكون تفسير الآية: كان الهدف من عرض الأمانة أن يوضع كلّ البشر في بوتقة الإختبار، ليُظهر كلّ إنسان باطنه فيرى من الثواب والعقاب ما يستحقّه.
وهنا اُمور ينبغي الإلتفات إليها:
1 ـ إنّ سبب تقديم أهل النفاق على المشركين هو أنّ المنافق يتظاهر بأنّه أمين في حين أنّه خائن، إلاّ أنّ خيانة المشرك ظاهرة مكشوفة، ولذلك فإنّ المنافق يستحقّ حظّاً أكبر من العذاب.
2 ـ يمكن أن يكون سبب تقديم هاتين الفئتين على المؤمنين هو أنّ الآية
السابقة قد ختمت بـ (ظلوماً جهولا) وهاتان الصفتان تناسبان المنافق والمشرك، فالمنافق ظالم، والمشرك جهول.
3 ـ لقد وردت كلمة (الله) مرّة واحدة في شأن المنافقين والمشركين، ومرّة في شأن المؤمنين، وذلك لأنّ مصير الفئتين الاُوّليين واحد، وحساب المؤمنين يختلف عنهما.
4 ـ يمكن أن يكون التعبير بالتوبة بدل الجزاء والثواب في شأن المؤمنين بسبب أنّ أكثر خوف المؤمنين من الذنوب والمعاصي التي تصدر عنهم أحياناً، ولذا فإنّ الآية تطمئنهم وتمنحهم السكينة بأنّ ذنوبهم ستغفر.
أو لأنّ توبة الله على عباده تعني رجوعه عليهم بالرحمة، ونعلم أنّ كلّ الهبات والعطايا والمكافآت قد اُخفيت في كلمة «الرحمة».
5 ـ إنّ وصف الله بالغفور والرحيم ربّما كان في مقابل الظلوم والجهول. أو لمناسبته ذكر التوبة بالنسبة للمؤمنين والمؤمنات.
الآن وقد بلغنا نهاية سورة الأحزاب بفضل الله سبحانه، نرى لزاماً ذكر هذه المسألة، وهي: أنّ إنسجام بداية هذه السورة مع نهايتها يستحقّ الدقّة والإنتباه، لأنّ هذه السورة ـ سورة الأحزاب ـ قد بدأت بخطاب النّبي (صلى الله عليه وآله) وأمره بتقوى الله، ونهيه عن طاعة الكافرين والمنافقين، والتأكيد على كون الله عليماً حكيماً، وإنتهت بذكر أعظم مسألة في حياة البشر، أي حمل أمانة الله. ثمّ بتقسيم البشر إلى ثلاث فئات: المنافقين، والكافرين، والمؤمنين، والتأكيد على كون الله غفوراً رحيماً.
وبين هذين البحثين طرحت بحوثاً كثيرة حول هذه الفئات الثلاثة، واُسلوب تعاملهم مع هذه الأمانة الإلهية، وكلّ هذه البحوث يكمل بعضها بعضاً، ويوضّح بعضها بعضاً.
اللهمّ إجعلنا ممّن قبلوا أمانتك بإخلاص، وحملوها بعشق ولذّة، وقاموا
بواجباتهم تجاهها.
اللهمّ اجعلنا من المؤمنين الذين وسعتهم رحمتك، لا من المنافقين والمشركين الذين استحقّوا العذاب لكونهم ظلومين جهولين.
اللهمّ انزل غضبك وسخطك على أحزاب الكفر التي اتّحدت مرّة اُخرى، واحتّلت مدينة الإسلام في عصرنا الحاضر، واهدم قصورهم على رؤوسهم. اللهمّ وهب لنا من الثبات والإستقامة ما نقف به كالجبل لندافع عن مدينة الإسلام ونحرسها في هذه اللحظات الحسّاسة.
آمين ياربّ العالمين.
نهاية سورة الأحزاب
* * *
مَكّيّة وعددُ آياتِها أربعَ وخَمسُونَ آية
سمّيت السورة بهذا الاسم (سبأ) لذكرها قصّة قوم سبأ، وهي من السور المكيّة، التي تشتمل عادةً على بحوث المعارف الإسلامية واُصول الإعتقادات، خصوصاً «المبدأ» و «المعاد» و «النبوّة». فأغلب بحوثها تحوم حول تلكم الموضوعات، لحاجة المسلمين لبلورة اُمور العقيدة في مكّة، وإعدادهم للإنتقال إلى فروع الدين، وتشكيل الحكومة، وتطبيق كافّة البرامج الإسلامية.
وبشكل إجمالي يمكن القول بأنّ محتوى هذه السورة يندرج في خمسة مواضيع:
1 ـ «التوحيد»، وبعض الآثار الدالّة عليه في عالم الوجود، وبعض صفات الله المقدّسة كالوحدانية، والربوبية، والاُلوهية.
2 ـ قضيّة المعاد التي نالت النصيب الأوفى من العرض في هذه السورة، باستعراضها ضمن بحوث منوّعة ومن زوايا مختلفة.
3 ـ نبوّة الأنبياء السابقين وبالأخص رسول الإسلام الأكرم (صلى الله عليه وآله) والردّ على تخرصات أعدائه حوله، وذكر جانب من معجزات من سبقه من الأنبياء.
4 ـ التعرّض لذكر بعض النعم الإلهية العظيمة، ومصير الشاكرين والجاحدين من خلال إستعراض جانب من حياة النّبي سليمان (عليه السلام) وحياة قوم سبأ.
5 ـ الدعوة إلى التفكّر والتأمّل والإيمان والعمل الصالح، وبيان تأثير هذه
العوامل في سعادة وموفقية البشر.
وعلى كلّ حال، فانّها تشكّل برنامجاً تربوياً شاملا لتربية الباحثين عن الحقّ.
يلاحظ في الروايات تعبيرات ملفتة حول أهميّة هذه السورة وأهميّة قراءتها. من جملتها ما ورد في حديث عن الرّسول (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «من قرأ سورة سبأ لم يبق نبيّ ولا رسول إلاّ كان له يوم القيامة رفيقاً ومصافحاً»(1).
وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «من قرأ الحمدين جميعاً، سبأ وفاطر، في ليلة لم يزل ليلته في حفظ الله تعالى وكلاءته، فإن قرأهما في نهاره لم يصبه في نهاره مكروه، واُعطي من خير الدنيا وخير الآخرة ما لم يخطر على قلبه ولم يبلغ مناه»(2).
ونذكّر ـ كما في بداية كلّ سورة ـ بأنّ من الطبيعي أنّ هذا الثواب العظيم لا يكون نصيب من يكتفي من قراءته بلقلقة اللسان وحسب، بل يجب أن تكون القراءة مقدّمة للتفكير الذي يكون بدوره باعثاً على العمل الصالح.
فإنّ من يقرأ هذه السورة مثلا، سيعلم بأنّ الدمار الذي حلّ بقوم سبأ وجعل من مصرعهم عبرة للعالمين، ومصيرهم مضرباً للأمثال، إنّما كان لكفرانهم النعم الإلهية الوافرة.
ومن يطّلع على ذلك فسيؤدّي شكر النعمة بطريقة عملية. والشاكر بنعمة الله سيكون في حفظه وأمانه تعالى.
وقد ذكرنا شرحاً أوفى حول هذا الموضوع في أوّل تفسيرنا لسورة النور.
* * *
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَـوَتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِى الاْخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ(1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الاَْرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ(2)
هو المالك لكلّ شيء والعالم بكلّ شيء:
خمس سور من القرآن الكريم إفتتحت «بحمد الله»، وإرتبط (الحمد) في ثلاثة منها بخلق السموات والأرض وهي (سبأ وفاطر والأنعام) بينما كان مقترناً في سورة الكهف بنزول القرآن على قلب الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وجاء في سورة الفاتحة تعبيراً جامعاً شاملا لكلّ هذه الإعتبارات (الحمد لله ربّ العالمين). على كلّ حال، الحمد والشكر لله تعالى في مطلع سورة سبأ هو في قبال مالكيته وحاكميته تعالى في الدنيا والآخرة.
يقول تعالى: (الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في
الآخرة).
لذا فإنّ الحاكمية والمالكية في الدنيا والآخرة له سبحانه، وكلّ موهبة، وكلّ نعمة، ومنفعة وبركة، وكلّ خلقة سوية عجيبة مذهلة، تتعلّق به تعالى، ولذا فإنّ «الحمد» الذي حقيقته «الثناء على فعل إختياري حسن» كلّه يعود إليه تعالى، وإذا كانت بعض المخلوقات تستحقّ الحمد والثناء، فلأنّها شعاع من وجوده عزّوجلّ ولأنّ أفعالها وصفاتها قبس من أفعاله وصفاته تعالى. وعليه فكلّ مدح وثناء يصدر من أحد على شيء في هذا العالم، فإنّ مرجعه في النهاية إلى الله سبحانه وتعالى.
ثمّ يضيف تعالى قائلا: (وهو الحكيم الخبير).
فقد إقتضت حكمته البالغة أن يُخضع الكون لهذا النظام العجيب، وأن يستقرّ ـ بعلمه وإحاطته ـ كلّ شيء في محلّه من الكون، فيجد كلّ مخلوق ـ كلّ ما يحتاج إليه ـ في متناوله.
وقد تحدّث المفسّرون كثيراً في هذه الآية عن المقصود من الحمد والشكر في الآخرة ..
فذهب بعضهم: إنّ الآخرة وإن لم تكن دار تكليف، إلاّ أنّ عبّاد الرحمن الذين تسامت أرواحهم بعشق بارئهم هناك، يشكرونه ويحمدونه وينتشون بلذّة خاصّة من ذلك.
وقال آخرون: إنّ أهل الجنّة يحمدونه على فضله، وأهل النار يحمدونه على عدله.
وقيل: إنّ الإنسان ـ نتيجة وجود الحجب المختلفة على قلبه وعقله في الدنيا ـ لا يمكنه أن يحمد الله حمداً خالصاً، وعندما ترتفع هذه الحجب يوم القيامة تتّضح مالكيته تعالى وهيمنته على عالم الوجود للجميع مصداقاً لقوله تعالى (الملك يومئذ لله) وحينها تلهج الألسن بحمده والثناء عليه بكامل خلوص النيّة.
وكذلك فإنّ الإنسان قد يغفل في هذه الدنيا فيحمد بعض المخلوقات، متوهماً إستقلالها، إلاّ أنّه في الآخرة، وحيث يتّضح إرتباط الكلّ به تعالى كإرتباط أشعّة الشمس بقرصها، فإنّ الإنسان لن يؤدّي الحمد والثناء إلاّ لله سبحانه.
فضلا عن كلّ هذا، فقد ورد مراراً في القرآن الكريم ـ أيضاً ـ أنّ أصحاب الجنّة يحمدون الله حين دخولهم جنّات الخلد: (وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزن).(1)
(وآخر دعواهم أن الحمد لله ربّ العالمين).(2)
على كلّ حال فإنّ هذا الحمد والثناء لا ينطلق من ألسنة الناس والملائكة فقط، بل تُسمع همهمة الحمد والتسبيح من كلّ ذرّة في عالم الوجود بإدراك العقل، فليس من موجود إلاّ ويحمده ويسبّحه تعالى.
تنتقل الآية التي بعدها إلى التوسّع في إظهار جانب من علم الله اللامحدود، تناسباً مع وصف الآية السابقة له تعالى بالحكيم والخبير، فيقول سبحانه: (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها).
نعم، فقد أحاط علماً بكلّ حبّة مطر وقطرة ماء تنفذ وتلج في أعماق الأرض حتّى إذا وصلت طبقة صلدة تجمّعت هناك وصارت ذخيرة للإنسان.
ويعلم بالبذور التي تنتقل على سطح الأرض بواسطة الريح أو الحشرات، لتنبت في مكان ما وتصبح شجرة باسقة أو عشباً طريّاً.
يعلم بجذور الأشجار عند توغلها في أعماق التربة بحثاً عن الماء والغذاء.
يعلم بالموجات الكهربائية والغازات المختلفة، بذرّات الهواء التي تنفذ في الأرض، يعلم بالكائنات الحيّة التي تشقّ طريقها فيها، ويعطيها الحياة.
وكذلك، يعلم بالكنوز والدفائن وأجساد الموتى من الإنسان وغيره .. نعم إنّه
مطّلع على كلّ هذا.
وكذلك فهو عارف وعالم بالنباتات التي تخرج من الأرض، والناس الذين يبعثون منها، بالعيون التي تفور بالماء منها، بالغازات التي تتصاعد منها، بالبراكين التي تلوّح بجحيمها، بالحشرات التي تتّخذ أوكاراً فيها، وتخرج منها.
والخلاصة، فهو عالم بكلّ الموجودات التي تلج الأرض وتخرج منها أعمّ ممّا نعلمه أو ما لا نعلمه.
ثمّ يضيف قائلا: (وما ينزل من السماء وما يعرج فيها).
فهو يعلم بحبّات المطر، وبأشعّة الشمس التي تنثر الحياة، بأمواج الوحي والشرائع السماوية العظيمة، وبالملائكة التي تهبط إلى الأرض لإبلاغ الرسالات أو أداء الأوامر الإلهيّة المختلفة. بالأشعة الكونية التي تدخل جو الأرض من الفضاء الخارجي، بالشهب والذرّات المضطربة في الفضاء والتي تهوي نحو الأرض، فهو تعالى محيط بهذا كلّه.
وكذلك فإنّه يعلم بأعمال العباد التي تعرج إلى السماء، والملائكة التي تقفل صاعدة إلى السماء بعد أداء تكاليفها، وبالشياطين الذين يرتقون إلى السماء لإستراق السمع، وبفروع الأشجار التي تتطلّع برؤوسها إلى السماء، وبالأبخرة التي تتصاعد من البحار إلى أعالي السماء لتتكاثف مكونةً سحباً. وبالآهات التي تنطلق من قلب المظلوم متصاعدة إلى السماء ... نعم هو عالم بكلّ ذلك.
فهل هناك من مطّلع على كلّ ذلك غيره تعالى؟ وهل يمكن لعلوم جميع العلماء مجتمعة أن تحيط ولو بجزء من هذه المعلومات؟
وفي ختام الآية يضيف تعالى: (وهو الرحيم الغفور).
لقد وصف الله تعالى نفسه بهاتين الصفتين إمّا لأجل أنّه من جملة الاُمور التي تعرج إلى السماء أعمال العباد وأرواحهم فيشملها برحمته ...
أو لأنّ نزول البركات والعطايا السماوية تترشّح من رحمته، والأعمال
الصالحة المتصاعدة من العباد مشمولة بغفرانه بمقتضى (والعمل الصالح يرفعه).
أو لكون «الرحمة» تشمل من يشكر هذه النعم، و «الغفران» يشمل المقصّرين في ذلك.
والخلاصة: أنّ الآية أعلاه، لها معان واسعة من جميع الوجوه، ولا يجب حصر مؤدّاها في معنىً واحد.
* * *
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَـلِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّة فِى السَّمَـوَتِ وَلاَ فِى الاَْرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِى كِتَـب مَّبِين (3)لِّيَجْزِىَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـلِحَـتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ(4) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِى ءَايَـتِنَا مُعَـجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْز أَلِيمٌ(5)
أقسم بالله لتأتينكم القيامة:
تتعرّض الآيات مورد البحث إلى موضع التوحيد وصفات الله في نفس الوقت الذي تهيء أرضيّة لموضوع المعاد، لأنّ مشكلات (بحث المعاد) لا يمكن حلّها إلاّ عن طريق العلم اللامتناهي للباريّ عزّوجلّ، كما سنرى.
لذا فإنّ الآيات مورد البحث تبدأ أوّلا بقوله تعالى: (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة). فما هو إلاّ كذب وإفتراء، بل إنّ القيامة لا تأتي أحداً من الناس.
ويريدون بذلك الفكاك والتحرّر من قيود هذه الإعتقادات; الحساب والكتاب والعدل والجزاء، ليرتكبوا ما يحلوا لهم من الأعمال.
ولكنّ القرآن بناءً على وضوح أدلّة القيامة يخاطب الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)بصورة حاسمة وفي معرف بيان النتيجة، فيقول: (قل بلى وربّي لتأتينكم).
والتركيز على كلمة «ربّ» لأنّ القيامة في الأصل من شؤون الربوبية. فكيف يمكن أن يكون الله مالكاً ومربياً للبشر يقودهم في سيرهم التكاملي، ثمّ يتخلّى عنهم في منتصف الطريق لينتهي بالموت كلّ شيء، فتكون حياتهم بلا هدف وخلقهم هباءً وبلا معنى.
وقد ركّز القرآن في الآية السابعة من سورة التغابن أيضاً على هذا الوصف، فقال تعالى: (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربّي لتبعثنّ ثمّ لتنبئنّ بما عملتم).
وبما أنّ أحد إشكالات الكافرين بالمعاد، هو شكّهم ـ من جانب ـ في إمكانية جمع وإعادة بناء أعضاء الإنسان الميّت بعد تبعثرها وتفسّخها في التراب. وكذلك ـ من جانب آخر ـ في إمكانية وجود من يمكنه النظر في جميع أعمال العباد التي عملوها في السرّ والعلن والظاهر والباطن، لذا فإنّ الله تعالى يضيف في تتمّة الآية الكريمة (عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلاّ في كتاب مبين)(1).
ولذا، فلا يغيب عن علمه تبعثر ذرّات جسم الإنسان في التراب، ولا إختلاطها بسائر الموجودات، ولا حتّى حلولها في أبدان اُناس آخرين عن طريق الغذاء، ولا يشكّل مشكلة أمام إعادة بنائه من جديد .. وأعمالهم في هذه الدنيا تبقى محفوظة أيضاً، وإن تغيّر شكلها، فهو سبحانه المحيط بها علماً.
وقد ورد نظير هذا التعبير في الآيات الثالثة والرّابعة من سورة (ق) في قوله تعالى: (أإذا متنا وكنا تراباً ذلك رجع بعيد، قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ).
ولكن ما هو المقصود من «الكتاب المبين»؟
أغلب المفسّرين قالوا بأنّه «اللوح المحفوظ» ولكن السؤال هو: ما هو اللوح المحفوظ؟!
وكما ذكرنا سابقاً فإنّ أقرب تفسير (للّوح المحفوظ)، هو «لوح العلم الإلهي اللامتناهي» نعم في ذلك اللوح ضُبط وقُيّد كلّ شيء، بدون أن يجد التغيير والتبديل طريقه إليه.
وعالم الوجود المترامي الأطراف، هو الآخر إنعكاس عن ذلك اللوح المحفوظ، بلحاظ أنّ كلّ ذرّات وجودنا وكلّ أقوالنا وأفعالنا، تبقى محفوظة فيه، وإن كانت الظواهر تتغيّر، لكنّها لا تخرج عن حدّها أبداً.
ثمّ يوضّح تعالى الهدف من قيام القيامة في آيتين، أو بتعبير آخر إعطاء الدليل على لزوم مثل ذلك العالم بعد عالمنا الحالي لمنكري القيامة، فيقول تعالى: (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات اُولئك لهم مغفرة ورزق كريم).
فإن لم يُجازِ المؤمنين بصالح عملهم ثواباً، أفلا يعني ذلك تعطيل أصل العدالة الذي هو أهم أصل من اُصول الخلقة؟ وهل يبقى معنى لعدالة الله بدون ذلك المفهوم؟! في الوقت الذي نرى أنّ أغلب هؤلاء الأفراد الصالحين، لا يتلقون جزاء أعمالهم الحسنة في هذه الدنيا أبداً، إذن لابدّ من عالم آخر لكي يتحقّق فيه هذا الأصل.
تقديم «المغفرة» على «الرزق الكريم» ربّما كان سببه: أنّ أشدّ ما يقلق المؤمنين هو الذنوب التي إرتكبوها، لذا فإنّ الآية تطمئنهم بعرض المغفرة عليهم أوّلا، فضلا عن أنّ من لم يغتسل بماء المغفرة الإلهية لن يكون أهلا (للرزق الكريم) والمقام
الكريم!
(الرزق الكريم) يشمل كلّ رزق ذي قيمة، ومفهوم ذلك واسع إلى درجة أنّه يشمل كلّ المواهب والعطايا الإلهية، ومنها ما لا عين رأت ولا اُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وبتعبير آخر فإنّ «الجنّة» بكلّ نعمها المعنوية والماديّة جمعت في هذه الكلمة، والبعض فسّر «الكريم» بأمرين: الجيد والخالي من المنغّصات، ولكن يبدو أنّ مفهوم الكلمة أوسع من ذلك بكثير.
ثمّ تضيف الآية الكريمة التالية، موضّحة نوعاً آخر من العدالة فيما يخصّ عقاب المذنبين والمجرمين، فيقول تعالى: إنّ الذين كذّبوا آياتنا وسعوا في إنكارها وإبطالها وتصوّروا أنّهم يستطيعون الخلاص من دائرة قدرتنا ... (والذين سعوا في آياتنا معاجزين اُولئك لهم عذاب من رجز أليم).
فهناك كان الحديث عن «الرزق الكريم» وهنا عن «الرجز الأليم».
«الرِّجْز»: في الأصل بمعنى الإضطراب وعدم القدرة على حفظ التوازن، ومنه قيل «رَجَزَ البعيرُ رجزاً» فهو أرجز، وناقةٌ «رجزاءُ» إذا تقارب خطوها وإضطرب لضعف فيها. واُجبرت على تقصير خطواتها لحفظ توازنها، ثمّ اُطلقت الكلمة على كلّ ذنب ورجس. كذلك فإنّ إطلاق كلمة «الرَجَزْ» على المقاطع الشعرية الخاصّة بالنزال في الحرب، من باب قصر مقاطعها وتقاربها.
على كلّ حال فالمقصود من (الرجز) هنا، أسوأ أنواع العذاب ـ الذي يتأكّد بإرداف كلمة «الأليم» أيضاً وأنواع العقوبات البدنية والروحية الأليمة.
والتفت البعض إلى هذه النكتة، وهي أنّ القرآن الكريم حين ذكر نِعم أهل الجنّة لم يستعمل كلمة «من» ليدلّل على سعتها، بينما جاءت هذه الكلمة عند ذكر العذاب لتكون دليلا على محدوديته النسبية، ولتتضح رحمته تبارك وتعالى.
«سعوا»: من السعي، بمعنى كلّ جهد وجدٍّ في أمر، والمقصود منها هنا، الجدّ
والجهد في تكذيب وإنكار آيات الحقّ وصدّ الناس عن طريق الله سبحانه وتعالى.
معاجزين: من المعاجزة، بمعنى معجّزين، أي مثبّطين، وفي مثل هذه الموارد تطلق على من يفرّ من شخص آخر بحيث لا يمكّنه من التسلّط عليه، وبديهي أنّ هذا الوصف يستخدم للمجرمين لتوهمّهم الذي يظهرونه عملياً بهذا الإتّجاه، وعملهم يشبه إلى حد كبير من يتصوّر أنّه يستطيع القيام بأيّة جناية يشاء، ثمّ يستطيع الفرار من سلطة القدرة الإلهيّة!!.
* * *
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِى إِلَى صِرَطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(6) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُل يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّق إِنَّكُمْ لَفِى خَلْق جَدِيد(7) أَفْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاْخِرَةِ فِى الْعَذَابِ وَالضَّلَـلِ الْبَعِيدِ(8) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالاَْرْضِ إِن نَّشَأَ نَخْسِفْ بِهِمْ الاَْرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَةً لِّكُلِّ عَبْد مُّنِيب(9)
العلماء يرون دعوتك إنّها حقّ:
كان الحديث في الآيات السابقة عن عمي البصائر، المغفّلين الذين أنكروا المعاد مع كلّ تلك الدلائل القاطعة، وسعوا سعيهم لتكذيب الآيات الإلهية، وإضلال الآخرين.
وعلى هذا، فإنّ الآيات مورد البحث، تتحدّث عن العلماء والمفكّرين الذين صدّقوا بآيات الله وسعوا سعيهم لتشجيع الآخرين على التصديق بها، يقول تعالى: (ويرى الذين اُوتوا العلم الذي اُنزل إليك من ربّك هو الحقّ ويهدي إلى صراط العزيز الحميد).
فسّر بعض المفسّرين عبارة (الذين اُوتوا العلم)، بتلك المجموعة من علماء أهل الكتاب الذين يتّخذون موقف الخضوع والإقرار للحقّ عند مشاهدة آثار حقّانية القرآن الكريم.
وليس هناك مانع من إعتبار علماء أهل الكتاب أحد مصاديق الآية، ولكن تحديدها بهم يفتقد إلى الدليل، بل مع الإلتفات إلى الفعل المضارع (يرى) وسعة مفهوم «الذين اُوتوا العلم» يتّضح شمول الآية لكلّ العلماء والمفكّرين في كلّ عصر وزمان ومكان.
وإذا فُسّرت بكونها إشارة إلى «أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام»، كما في تفسير علي بن إبراهيم، فإنّ ذلك توضيح وإشارة إلى أتمّ وأكمل مصاديق الآية.
![]() |
![]() |
![]() |