![]() |
![]() |
![]() |
وبالرغم من أنّ البعض أراد أن يفسّر هذه الآية بحيث تناسب وتلائم فرضية تكامل الأنواع، بأنّ خلق الإنسان يرجع إلى أنواع سافلة، وهي تنتهي أخيراً إلى الماء والطين، إلاّ أنّ ظاهر الآية ينفي وجود أنواع اُخرى من الموجودات الحيّة ـ وهم يدّعون أنّها أنواع لا تحصى ـ تفصل بين آدم والطين، بل إنّ خلق الإنسان قد تمّ من الطين مباشرة وبدون واسطة. ولم يتحدّث القرآن عن أنواع الكائنات الحيّة الاُخرى.
وهذا المعنى يتّضح أكثر عند ملاحظة الآية (59) من سورة آل عمران، حيث تقول: (إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب).
ويقول في الآية (26) من سورة الحجر: (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون).
ويستفاد من مجموع الآيات أنّ خلق آدم قد تكوّن من التراب والطين كخلق
مستقل، ومن المعلوم أنّ فرضية تطور الأنواع لم تكن مسألة علمية قطعية لنحاول تفسير الآيات أعلاه بشكل آخر بسبب تضادّها وتعارضها مع هذه الفرضية، وبتعبير آخر: طالما لا توجد قرينة واضحة على خلاف ظواهر الآيات فيجب أن نطبّقها بمعناها الظاهر، وكذلك الحال في مورد خلق آدم المستقلّ.
ثمّ تشير الآية بعدها، إلى خلق نسل الإنسان، وكيفية تولّد أولاد آدم في مراحل، فتقول: (ثمّ جعل نسله من سلالة من ماء مهين).
«جعل» هنا بمعنى الخلق، و «النسل»: بمعنى الأولاد والأحفاد في جميع المراحل.
«السلالة» في الأصل، بمعنى العصارة الخالصة لكلّ شيء، والمراد منها هنا نطفة الإنسان التي تعتبر عصارة كلّ وجوده، ومبدأ حياة وتولّد الذريّة وإستمرار النسل.
إنّ هذا السائل الذي يبدو تافهاً لا قيمة له ولا مقدار فإنّه يعدّ من الناحية البنائية والخلايا الحيوية التي تسبح فيه، وكذلك تركيب السائل الخاصّ الذي تسبح فيه الخلايا رقيقاً ودقيقاً ومعقّداً إلى أبعد الحدود، ويعتبر من آيات عظمة الله سبحانه، وعلمه وقدرته. وكلمة «مهين» التي تعني الضعيف إشارة إلى وضعه الظاهري، وإلاّ فإنّه من أعمق أسرار الموجودات.
وتشير الآية التالية إلى مراحل تكامل الإنسان المعقّدة في عالم الرحم، وكذلك المراحل التي طواها آدم عند خلقه من التراب، فتقول: (ثمّ سوّاه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون).
«سوّاه» من التسوية، أي الإكمال، وهذه إشارة إلى مجموع المراحل التي يطويها الإنسان من حال كونه نطفة إلى المرحلة التي تتّضح فيها جميع أعضاء
بدنه، وكذلك المراحل التي طواها آدم بعد خلقه من التراب حتّى نفخ الروح(1).
والتعبير بـ «النفخ» كناية عن حلول الروح في بدن الإنسان، فكأنّه شبّه الحال بالهواء والتنفّس، بالرغم من أنّه لا هذا ولا ذاك.
فإن قيل: إنّ نطفة الإنسان منذ إستقرارها في الرحم ـ بل وقبل ذلك ـ كانت كائناً حيّاً وعلى هذا فأيّ معنى لنفخ الروح؟
قلنا في الجواب: إنّ النطفة عندما تنعقد في البداية ليس لها إلاّ نوعاً من «الحياة النباتية»، أي التغذية والنمو فقط، أمّا الحسّ والحركة التي هي علامة «الحياة الحيوانية»، وكذلك قوّة الإدراكات التي هي علامة الحياة الإنسانية، فلا أثر عن كلّ ذلك.
إنّ تكامل النطفة في الرحم تصل إلى مرحلة تبدأ عندها بالحركة، وتحيا وتنبعث فيها القوى الإنسانية الاُخرى تدريجياً، وهذه هي المرحلة التي يعبّر عنها القرآن بنفخ الروح.
أمّا إضافة «الروح» إلى «الله» فهي «إضافة تشريفية»، أي إنّ روحاً ثمينة وشريفة بحيث أنّ من المناسب أن تسمّى «روح الله» قد دبّت في الإنسان ونفخت فيه، وهذا يبيّن حقيقة أنّ الإنسان وإن كان من ناحية البعد المادّي يتكوّن من الطين والماء، إلاّ أنّه من البعد المعنوي والروحي يحمل «روح الله».
إنّ أحد طرفي وجوده ينتهي إلى التراب، وطرفه الآخر يتّصل بعرش الله، فإنّه خليط من الملائكة والحيوان، ولوجود هذين البعدين فإنّ منحني صعوده ونزوله، وتكامله وإنحطاطه واسع جدّاً(2).
وأشار القرآن في آخر مرحلة ـ والتي تعتبر المرحلة الخامسة في خلق الإنسان ـ إلى نعمة الاُذن والعين والقلب، ومن الطبيعي أنّ المراد هنا ليس خلقة هذه الأعضاء، لأنّ هذه الخلقة تتكوّن قبل نفخ الروح، بل المراد حسّ السمع والبصر والإدراك والعقل.
والتأكيد على هذه الحواس الثلاث فقط من بين كلّ الحواس «الظاهرة» و «الباطنة»، لأنّ أهمّ حسّ ظاهري يربط الإنسان بالعالم الخارجي رابطة قويّة هو السمع والبصر، فالاُذن تدرك الأصوات، وخاصّة أنّ التربية والتعليم يتمّ بواسطتها، والعين وسيلة النظر إلى العالم الخارجي ومشاهدة مشاهد هذا العالم المختلفة، وقوّة العقل أهمّ حسّ باطني لدى الإنسان، وبتعبير آخر فإنّه حاكم على وجود البشر.
والجدير بالذكر أنّ «أفئدة» جمع «فؤاد» بمعنى «قلب» ولكن مفهومها أدقّ من القلب حين يقصد بها عادةً الحنكة والفطانة في الفرد، وبهذا يبيّن الله تعالى في هذه الآية أهمّ وسائل المعرفة والإدراك الظاهرية والباطنية في الإنسان، لأنّ العلوم والمعارف إمّا أن يحصل عليها الإنسان بواسطة «التجربة» فالوسيلة هي السمع والبصر، أو عن طريق التحليل والإستدلال العقلي، والوسيلة لذلك هو العقل والفؤاد كما ورد التعبير عنه في هذه الآية، وحتّى الإدراك الحاصل من الوحي أو الإشراق والشهود القلبي يتمّ بواسطة هذه الوسيلة أيضاً، أي «الأفئدة».
ولو فقد الإنسان هذه الوسائل للمعرفة، فسوف يخسر قيمته تماماً ويصبح مجرّد كميّة مهملة من المادّة والتراب، ولهذا نجد الآية الشريفة محل البحث تؤكّد في ختامها على مسألة الشكر لهذه النعم العظيمة على الإنسان وتقول (قليلا ما تشكرون) وذلك إشارة إلى أنّ الإنسان مهما سعى في أداء شكر هذه النعم والمواهب العظيمة، فمع ذلك لا يؤدّي حقّ الشكر.
* * *
كيفية خلق آدم من التراب:
رغم أنّ الآيات القرآنية تحدّثت أحياناً عن خلق الإنسان من «طين» (كالآيات محلّ البحث)، وكما ورد في قصّة آدم وإبليس في قوله تعالى: (فسجدوا إلاّ إبليس قال أأسجد لمن خلقت طيناً).(1)
وأحياناً اُخرى عن الخلق من الماء مثل: (وجعلنا من الماء كلّ شيء حي)،(2) إلاّ أنّ من المعلومن أنّ هذه جميعاً تعود إلى مطلب واحد، وحتّى عند الكلام عن خلق آدم من التراب، مثل (إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب).(3) لأنّ المراد: التراب الممتزج بالماء، أي الطين.
ومن هنا تتّضح عدّة نقاط:
1 ـ أنّ الذين احتملوا أنّ المراد من خلق الإنسان من التراب، هو أنّ أفراد البشر يتغذّون على النباتات ـ سواء كانت التغذية بصورة مباشرة أو غير مباشرة ـ وأنّ النباتات كلّها من التراب ـ قد جانبوا الصواب، لأنّ آيات القرآن يفسّر بعضها بعضاً، والآيات أعلاه إشارة إلى شخص آدم الذي خلق من التراب.
2 ـ أنّ كلّ هذه الآيات دليل على نفي فرضية التكامل ـ وعلى الأقل في مورد الإنسان، وأنّ نوع البشر الذي ينتهي بآدم له خلق مستقلّ.
وما قيل من أنّ آيات الخلق من التراب إشارة إلى نوع الإنسان الذي يعود إلى الموجودات أحادية الخليّة بآلاف الوسائط، وهي أيضاً قد جاءت ـ طبقاً للفرضيات الأخيرة ـ من الطين الموجود على جانب المحيطات، أمّا نفس آدم فقد كان فرداً انتُخب من بين نوع البشر، ولم يكن له خلق مستقلّ، بل إنّ إمتيازه كان
في صفاته الخاصّة .. هذه الفرضية لا تتناسب مع ظواهر آيات القرآن بأيّ وجه من الوجوه.
ونؤكّد مجدّداً أنّ مسألة تحوّل الأنواع ليست قانوناً علميّاً مسلّماً، بل هي مجرّد فرضيّة ـ لأنّ الشيء الذي امتدّ أصله إلى ملايين السنين وخفي فيها، فمن المسلّم أنّه لا يخضع للتجربة والمشاهدة، ولا يمكن أن يكون في مصاف القوانين العلمية الثابتة ـ بل هي فرضية لتوجيه ظاهرة تنوّع الأجناس التي ظهرت إلى الوجود توجيهاً تخمينياً، ونحن نعلم أنّ الفرضيات في حالة تغيّر وتحوّل دائماً حيث تخلي الساحة أمام الفرضيات الجديدة.
بناءً على هذا، فإنّه لا يمكن الإعتماد عليها مطلقاً في المسائل الفلسفية التي تحتاج إلى اُسس مسلّمة قطعية.
وقد أوردنا إيضاحاً مفصّلا حول اُسس فرضية تكامل الأنواع، وعدم صحّتها، تحت عنوان (القرآن وخلق الإنسان) في ذيل الآية (28) من سورة الحجر.
وفي نهاية هذا البحث نرى لزاماً ذكر هذه المسألة، وهي أنّه ليس لفرضية التكامل أي إرتباط بمسألة التوحيد ومعرفة الله، ولا تعتبر دليلا على نفي عالم ما وراء الطبيعة، لأنّ الإعتقاد التوحيدي يقول: إنّ العالم قد خلق من قبل الله سبحانه، وإنّه هو الذي أعطى كلّ خواص الموجودات، ويشملها بفيضه في جميع المراحل.
إنّ هذا المعنى يمكن أن يقبله المعتقد بنظرية (ثبوت الأنواع) كما يقبله من يذهب إلى (تطور الأنواع)، غير أنّ المشكلة الوحيدة التي يواجهها المعتقد بفرضية تحوّل الأنواع هي أنّ هذه الفرضيّة لا تتناسب مع التفصيل الذي بيّنه القرآن الكريم حول خلق آدم، حيث يذكر كيفيّة خلقه من التراب والطين.
بناءاً على هذا فإنّنا ننفي فرضية التكامل لهذا السبب فقط، لا بسبب مخالفتها لمسألة التوحيد. هذا من الناحية التّفسيرية.
أمّا من الناحية العلمية ـ أي العلوم الطبيعية ـ فإنّنا ننفي فرضية التكامل ـ وكما اُشير إلى ذلك ـ من جهة عدم إمتلاكها الأدلّة القطعيّة على ثبوتها.
* * *
وَقَالُوا أَءِذَا ضَلَلْنَا فِى الاَْرْضِ أَءِنَّا لَفِى خَلْق جَدِيد بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَـفِرُونَ(10) قُلْ يَتَوَفَّـكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ(11) وَلَوْ تَرَى إِذِ الُْمجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـلِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ(12) وَلَوْ شِئْنَا لاَتَيْنَا كُلَّ نَفْس هُدَاهَا وَلَـكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّى لاََمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـذَا إِنَّا نَسِينَـكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(14)
الندم وطلب الرجوع:
تبدأ هذه الآيات ببحث واضح جلي حول المعاد، ثمّ تبيّن وتبحث حال المجرمين في العالم الآخر، وهي في المجموع تتمّة للبحوث السابقة التي تحدّثت حول المبدأ، إذ أنّ البحث عن المبدأ والمعاد مقترنان غالباً في القرآن المجيد
فتقول: إنّ هؤلاء الكفّار يتساءلون باستغراب بأنّنا إذا متنا وتحوّلت أبداننا إلى تراب وإندثرت تماماً فهل سوف نُخلق من جديد: (وقالوا ءإذا ضللنا في الأرض أءِنّا لفي خلق جديد).
إنّ التعبير بـ (ضللنا في الأرض) إشارة إلى أنّ الإنسان يصبح تراباً بعد موته كسائر الأتربة ويتفرّق هذا التراب نتيجة العوامل الطبيعية وغير الطبيعية، ولا يبقى منه شيء حتّى يعيده الله سبحانه في القيامة مرّة اُخرى.
إلاّ أنّ هؤلاء ليسوا بمنكرين قدرة الله في الحقيقة (بل هم بلقاء ربّهم كافرون)فإنّهم ينكرون مرحلة لقاء الله والحساب والثواب والعقاب لتبرير حرية العمل وليعملوا ما يريدون!
وهذه الآية تشبه كثيراً الآيات الاُولى من سورة القيامة التي تقول: (أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوّي بنانه بل يريد الإنسان ليفجر أمامه يسأل أيّان يوم القيامة).(1)
بناء على هذا، فإنّ هؤلاء ليسوا قاصرين من ناحية الإستدلال، ولكن شهواتهم حجبت قلوبهم، ونيّاتهم السيّئة منعتهم من قبول مسألة المعاد، وإلاّ فإنّ الله الذي أعطى قطعة المغناطيس القوّة التي تجذب إلى نفسها ذرّات الحديد الصغيرة جدّاً والمتناثرة في طيّات أطنان من تراب الأرض من خلال جولة سريعة في تلك الأرض، وتجمعها بكلّ بساطة، هو الذي يجعل بين ذرّات بدن الإنسان مثل هذه الجاذبية المتقابلة.
من الذي يستطيع أن ينكر أنّ المياه الموجودة في جسم الإنسان ـ وأكثر جسم الإنسان ماء ـ وكذلك المواد الغذائية، كانت ذرّاتها متناثرة في زاوية من العالم قبل ألف عام مثلا، وكلّ قطرة في محيط، وكلّ ذرّة في إقليم، إلاّ أنّها تجمّعت عن طريق
السحاب والمطر والعوامل الطبيعية الاُخرى، وكوّنت الوجود الإنساني في النهاية، فأي داع للعجب من أن تجتمع وترجع إلى حالها الأوّل بعد تلاشيها وتبعثرها؟!
وتجيب الآية هؤلاء عن طريق آخر، فتقول: لا تتصوّروا أنّ شخصيتكم بأبدانكم وأجسامكم، بل بأرواحكم، وهي باقية ومحفوظة: (قل يتوفّاكم ملك الموت الذي وكّل بكم ثمّ إلى ربّكم ترجعون).
إذا لاحظنا أنّ معنى «يتوفّاكم» ـ من مادة «توفّي» (على وزن تصدّي)، هو الإستيفاء، فإنّ الموت سوف لا يعني الفناء، بل نوع من قبض الملائكة لروح الإنسان التي تشكّل أهمّ من وجود الإنسان.
صحيح أنّ القرآن يتحدّث عن المعاد الجسماني، ويعتبر رجوع الروح والجسم المادّي في المعاد حتميّاً، إلاّ أنّ الهدف من الآية أعلاه هو بيان أنّ هذه الأجزاء الماديّة التي شغلتم بها فكركم تماماً ليست هي أساس شخصيّة الإنسان، بل الأساس هو الجوهر الروحي الذي جاء من قبل الله تعالى وإليه يرجع.
وفي المجموع يمكن أن يقال: إنّ الآيتين أعلاه تجيبان منكري المعاد بهذا الجواب: إذا كان إشكالكم في تفرّق الأجزاء الجسمية، فإنّكم تقرّون بقدرة الله سبحانه ولا تنكرونها، وإذا كان إشكالكم في إضمحلال وفناء شخصية الإنسان على أثر تناثر تلك الذرّات، فلا يصحّ ذلك لأنّ أساس شخصيّة الإنسان يستند إلى الروح.
وهذا الإيراد لا يختلف عن شبهة (الآكل والمأكول) المعروفة، كما أنّ جوابه في الموردين يشبه جواب تلك الشبهة(1).
وثمّة مسألة ينبغي التوجّه إليها، وهي أنّ في بعض آيات القرآن نُسب التوفّي
إلى الله سبحانه: (الله يتوفّى الأنفس حين موتها)،(1) وفي بعضها إلى مجموعة من الملائكة: (الذين تتوفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ...).(2) وفي الآيات مورد البحث نسب قبض الأرواح إلى ملك الموت، إلاّ أنّه لا منافاة بين هذه التعبيرات مطلقاً، فإنّ لملك الموت معنى الجنس، وهو يطلق على كلّ الملائكة، أو هو إشارة إلى كبير الملائكة وزعيمها، ولمّا كان الجميع يقبضون الأرواح بأمر الله سبحانه، فقد نسب الفعل إلى الله عزّوجلّ.
ثمّ تجسّد وضع هؤلاء المجرمين الكافرين ومنكري المعاد الذين يندمون في القيامة أشدّ الندم على ما كان منهم لدى مشاهدة مشاهدها ومواقفها المختلفة، فتقول: (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربّهم ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنّا موقنون)(3).
ستعجب حقّاً! أهؤلاء النادمون الناكسو الرؤوس هم اُولئك المتكبّرون العتاة العصاة الذين لم يكونوا يذعنون في الدنيا لأيّة حقيقة؟! إلاّ أنّهم الآن يتغيّرون تماماً عند رؤية مشاهد القيامة ويصلون إلى مستوى الشهود، لكنّ هذا الوعي وتغيير الموقف سريع الزوال، فإنّهم ـ وطبقاً لآيات القرآن الاُخرى ـ لو رجعوا إلى هذه الدنيا لعادوا إلى حالتهم الاُولى، الأنعام / الآية 28.
«الناكس» من مادّة (نكس) على وزن (كلب) بمعنى إنقلاب الشيء، وهنا يعني خفض الرأس إلى الأسفل وطأطأته.
تقديم «أبصرنا» على «سمعنا» لأنّ الإنسان يرى المشاهد والمواقف أوّلا، ثمّ يسمع إستجواب الله والملائكة.
ويتبيّن ممّا قلناه أنّ المراد من «المجرمين» هنا الكافرون، وخاصّة منكري القيامة.
وعلى كلّ حال، فليست هذه المرّة الاُولى التي نواجه فيها هذه المسألة في آيات القرآن، وهي أنّ المجرمين يندمون أشدّ الندم عند مشاهدة نتائج الأعمال والعذاب الإلهي، ويطلبون الرجوع إلى الدنيا، في حين أنّ مثل هذا الرجوع غير ممن في السنّة الإلهية، كما أنّ رجوع الطفل إلى رحم الاُمّ، والثمرة المقطوفة إلى الشجرة غير ممكن.
والجدير بالذكر أنّ طلب المجرمين الوحيد هو الرجوع إلى الدنيا ليعملوا صالحاً، ومن هنا يتّضح جيّداً أنّ رأس مال النجاة الوحيد في القيامة هو الأعمال الصالحة .. تلك الأعمال التي تنبع من قلب طاهر مليء بالإيمان، وتتمّ بخالص النيّة.
ولمّا كان كلّ هذا الإصرار والتأكيد على قبول الإيمان قد يوهم عجز الله سبحانه عن أن يلقي نور الإيمان في قلوب هؤلاء، فإنّ الآية التالية تضيف: (ولو شئنا لآتينا كلّ نفس هداها).
فمن المسلّم أنّ الله تعالى يمتلك مثل هذه القدرة، إلاّ أنّ الإيمان الذي يتحقّق ويتمّ بالإجبار لا قيمة له، ولذا فالمشيئة الإلهيّة أرادت أن ينال الإنسان شرف كونه مختاراً، وأن يسير في طريق التكامل بحريته وإختياره، ولذلك تضيف في النهاية لقد قرّرت أن أخلق الإنسان مختاراً (ولكن حقّ القول منّي لأملأنّ جهنّم من الجنّة والناس أجمعين).
أجل .. إنّ المجرمين سلكوا هذا الطريق بسوء إختيارهم، ولذلك فهم مستحقّون للعقاب، ونحن قد قطعنا على أنفسنا أن نملأ جهنّم منهم.
وبملاحظة ما قلناه، وبملاحظة مئات الآيات القرآنية التي تعتبر الإنسان موجوداً مختاراً ذا إرادة، ومكلّفاً بتكاليف، ومسؤولا عن أعماله، وقابلا للهداية
بواسطة الأنبياء وتهذيب النفس وتربيتها، فإنّ كلّ توهّم يبتني على أنّ الآية أعلاه دليل على الجبر ـ كما ظنّ ذلك الفخر الرازي وأمثاله ـ واضح البطلان.
ولعلّ الجملة الشديدة القاطعة أعلاه إشارة إلى أن لا تتصوّروا أنّ رحمة الله الواسعة تمنع من عقاب المجرمين الفسقة والظالمين، وأن لا تغترّوا بآيات الرحمة وتعدّوا أنفسكم بمأمن من العذاب الإلهي، فإنّ لرحمته موضعاً، ولغضبه موضعاً.
إنّه عزّوجلّ سَيَفِي بوعيده حتماً ـ وخاصّة بملاحظة لام القسم في جملة (لأملأنّ) ونون التوكيد في آخرها ـ وسيملأ جهنّم من أصحابها هؤلاء، وإن لم يفعل فذلك خلاف الحكمة، ولذلك تقول الآية التالية: إنّا سنقول لأصحاب النار (فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنّا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون).
مرّة اُخرى يستفاد من هذه الآية أنّ نسيان محكمة القيامة العادلة هو الأساس لكلّ تعاسة وشقاء للإنسان، لأنّه سيرى نفسه في هذه الصورة حرّاً إزاء إرتكاب القبائح والظلم والعدوان.
وكذلك يستفاد من الآية بوضوح أنّ العقاب الأبدي للفرد معلول لما إرتكبه من أعمال في دار الدنيا، لا لشيء آخر.
وضمناً يتّضح أنّ المراد من «نسيان الله» هو عدم رعايته ونصرته لهم، وإلاّ فإنّ جميع العالم حاضر دوماً عند الله، ولا معنى للنسيان بالنسبة له عزّوجلّ.
* * *
1 ـ إستقلال الروح وأصالتها
الآية الاُولى من الآيات مورد البحث، والتي لها دلالة على قبض الأرواح بواسطة ملك الموت، من أدلّة إستقلال روح الإنسان، لأنّ التعبير بالتوفّي (والذي
يعني القبض) يوحي بأنّ الروح تبقى بعد إنفصالها عن البدن ولا تفنى.
والتعبير عن الإنسان في الآية بالروح أو النفس في الآية أعلاه شاهد آخر على هذا المعنى، لأنّ الروح ـ وفق نظرية الماديّين ـ ليست إلاّ الخواص الفيزيائية والكيميائية للخلايا المخيّة، وهي تفنى بفنائها، تماماً كما تفنى حركات عقارب الساعة بعد فنائها وتحطّمها. وطبقاً لهذه النظرية فإنّ الروح ليست هي المحافظة على شخصية الإنسان، بل هي جزء من خواصّ جسمه تتلاشى عند تلاشي جمسه.
ولدينا أدلّة فلسفية عديدة على أصالة الروح وإستقلالها، ذكرنا بعضاً منها في ذيل الآية (85) من سورة الإسراء، والمراد هنا بيان الدليل النقلي على هذا الموضوع، حيث تعتبر الآية أعلاه من الآيات الدالّة على هذا المعنى.
2 ـ ملك الموت
يستفاد من آيات القرآن المجيد أنّ الله سبحانه يدبّر اُمور هذا العالم بواسطة مجموعة من الملائكة، كما في الآية (5) من سورة النازعات حيث يقول: (فالمدبّرات أمراً)ونعلم أنّ السنّة الإلهيّة قد جرت على أن تمضي الاُمور بأسبابها.
وقسم من هؤلاء الملائكة هم الملائكة الموكّلون بقبض الأرواح، والذين أشارت إليهم الآيات (28 و33) من سورة النحل، وبعض الآيات القرآنية الاُخرى، وعلى رأسهم ملك الموت.
وقد رويت أحاديث كثيرة في هذا الباب، تبدو الإشارة إلى بعضها لازمة من جهات:
1 ـ في حديث روي عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «الأمراض والأوجاع كلّها بريد الموت ورسل الموت! فإذا حان الأجل أتى ملك الموت بنفسه فقال: ياأيّها العبد، كم خبر بعد خبر؟ وكم رسول بعد رسول؟ وكم بريد بعد بريد؟ أنا الخبر
الذي ليس بعدي خبر! وأنا الرّسول أجب ربّك طائعاً أو مكرهاً.
فإذا قبض روحه وتصارخوا عليه، قال: على مَن تصرخون؟ وعلى من تبكون؟ فوالله ما ظلمت له أجلا، ولا أكلت له رزقاً، بل دعاه ربّه، فليبك الباكي على نفسه، وإنّ لي فيكم عودات وعودات حتّى لا اُبقي فيكم أحداً»(1).
طالعوا هذا الحديث المروّع مرّة اُخرى، فقد اُخفيت فيه حقائق كثيرة.
2 ـ وفي حديث عن الإمام الباقر (عليه السلام): «دخل رسول الله على رجل من الأنصار يعوده، فإذا ملك الموت عند رأسه، فقال رسول الله: ياملك الموت، ارفق بصاحبي فإنّه مؤمن، فقال: أبشر يامحمّد، فإنّي بكلّ مؤمن رفيق، واعلم يامحمّد، أنّي لأقبض روح ابن آدم فيصرخ أهله، فأقوم في جانب الدار فأقول: والله، ما لي من ذنب، وإنّ لي لعودة وعودة، الحذر الحذر، وما خلق الله من أهل بيت ولا مدر ولا شعر ولا وبر، في برّ ولا بحر إلاّ وأنا أتصفّحهم في كلّ يوم وليلة خمس مرّات حتّى أنّي لأعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم»(2).
وقد وردت روايات اُخرى بهذا المضمون في مختلف المصادر الإسلامية، تحذّر جميعاً كلّ البشر أنّ المسافة بينهم وبين الموت ليست كبيرة! ومن الممكن جدّاً أن ينتهي كلّ شيء في لحظة قصيرة.
أيحسن بالإنسان والحال هذه أن يغترّ وينخدع بزخارف هذه الدنيا وزبرجها، ويتلوّث بأنواع المعاصي والظلامات، ويبقى غافلاً عن عاقبة أعماله؟!
* * *
إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَـتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ(15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـهُمْ يُنفِقُونَ(16) فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُن جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(17) أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُنَ(18) أَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـلِحَـتِ فَلَهُمْ جَنَّـتُ الْمَأْوَى نُزُلاًَ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِى كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ(20)
جوائز عظيمة لم يطّلع عليها أحد!
إنّ طريقة القرآن هي أنّه يبيّن كثيراً من الحقائق من خلال مقارنتها مع بعضها، لتكون مفهومة ومستقرّة في القلب تماماً، وهنا أيضاً بعد الشرح والتفصيل الذي مرّ
في الآيات السابقة حول المجرمين والكافرين، فإنّه يتطرّق إلى صفات المؤمنين الحقيقيين البارزة، ويبيّن اُصولهم العقائدية، وبرامجهم العملية بصورة مضغوطة ضمن آيتين بذكر ثمان صفات(1)، فيقول أوّلا: (إنّما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خرّوا سجّداً وسبحوا بحمد ربّهم وهم لا يستكبرون).
التعبير بـ (إنّما) الذي يستعمل عادةً لإفادة معنى الحصر، يبيّن أنّ كلّ من يتحدّث عن الإيمان ويتمشدق به، ولا يمتلك الخصائص والصفات التي وردت في هذه الآيات، فإنّه لا يكون في صفّ المؤمنين الواقعيين، بل هو شخص ضعيف الإيمان.
لقد بيّنت في هذه الآية أربع صفات:
1 ـ أنّهم يسجدون بمجرّد سماعهم آيات الله، والتعبير بـ (خرّوا) بدل (سجدوا) إشارة إلى نكتة لطيفة، وهي أنّ هؤلاء المؤمنين ينجذبون إلى كلام الله لدى سماعهم آيات القرآن ويهيمون فيها بحيث يسجدون لا إرادياً(2).
نعم .. إنّ أوّل خصائص هؤلاء هو العشق الملتهب، والعلاقة الحميمة بكلام محبوبهم ومعشوقهم.
لقد ذكرت هذه الصفة والخاصية في بعض آيات القرآن الاُخرى كأحد أبرز صفات الأنبياء، كما يقول الله سبحانه في شأن جمع من الأنبياء العظام: (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرّوا سجّداً وبكيّاً).(3)
وبالرغم من أنّ الآيات هنا ذكرت بصورة مطلقة، ولكن من المعلوم أنّ المراد منها غالباً الآيات التي تدعو إلى التوحيد ومحاربة الشرك.
2 ـ 3 ـ علامتهم الثّانية والثالثة تسبيح الله وحمده، فهم ينزّهون الله تعالى عن النقائص من جهة، ومن جهة اُخرى فإنّهم يحمدونه ويثنون عليه لصفات كمالهُ وجماله.
4 ـ والصفة الاُخرى لهؤلاء هي التواضع وترك كلّ أنواع التكبّر، لأنّ الكبر والغرور أوّل درجات الكفر والجحود، والتواضع أمام الحقّ والحقيقة أُولى خطوات الإيمان!
إنّ الذين يسيرون في طريق الكبر والعُجب لا يسجدون لله، ولا يسبّحونه ولا يحمدونه، ولا يعترفون بحقوق عباده! إنّ لهؤلاء صنماً عظيماً، وهو أنفسهم!
ثمّ أشارت الآية الثّانية إلى أوصاف هؤلاء الاُخرى، فقالت: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع)(1) فيقومون في الليل، ويتّجهون إلى ربّهم ومحبوبهم ويشرعون بمناجاته وعبادته.
نعم .. إنّ هؤلاء يستيقظون ويحيون قدراً من الليل في حين أنّ عيون الغافلين تغطّ في نوم عميق، وحينما تتعطّل برامج الحياة العادية، وتقلّ المشاغل الفكرية إلى أدنى مستوى، ويعمّ الهدوء والظلام كلّ الأرجاء، ويقلّ خطر التلوّث بالرياء في العبادة، والخلاصة: عند توفّر أفضل الظروف لحضور القلب، فإنّهم يتّجهون بكلّ وجودهم إلى معبودهم، ويطأطئون رؤوسهم عند أعتاب معشوقهم، ويخبرونه بما في قلوبهم، فهم أحياء بذكره، وكؤوس قلوبهم طافحة بحبّه وعشقه.
ثمّ تضيف: (يدعون ربّهم خوفاً وطمعاً).
وهنا تذكر الآية صفتين اُخريين لهؤلاء هما: «الخوف» و «الرجاء»، فلا يأمنون غضب الله عزّوجلّ، ولا ييأسون من رحمته، والتوازن بين الخوف والرجاء هو ضمان تكاملهم وتوغّلهم في الطريق إلى الله سبحانه، والحاكم على وجودهم دائماً، لأنّ غلبة الخوف تجرّ الإنسان إلى اليأس والقنوط، وغلبة الرجاء تغري الإنسان وتجعله في غفلة، وكلاهما عدوّ للإنسان في سيره التكاملي إلى الله سبحانه.
وثامن صفاتهم، وآخرها في الآية أنّهم (وممّا رزقناهم ينفقون).
فهم لا يهبون من أموالهم للمحتاجين وحسب، بل ومن علمهم وقوّتهم وقدرتهم ورأيهم الصائب وتجاربهم ورصيدهم الفكري، فيهبون منها ما يحتاج إليه الغير.
إنّهم ينبوع من الخير والبركة، وعين فوّارة من ماء الصالحات العذب الصافي الذي يروي العطاشى، ويغني المحتاجين بحسب إستطاعتهم.
نعم .. إنّ أوصاف هؤلاء مجموعة من العقيدة الرصينة الثابتة، والإيمان القويّ والعشق الملتهب لله، والعبادة والطاعة، والسعي والحركة الدؤوبة، ومعونة عباد الله في كلّ المجالات.
ثمّ تطرّقت الآية التالية إلى الثواب العظيم للمؤمنين الحقيقيين الذين يتمتّعون بالصفات المذكورة في الآيتين السابقتين، فتقول بتعبير جميل يحكي الأهميّة الفائقة لثوابهم: (فلا تعلم نفس ما اُخفي لهم من قرّة أعين جزاءً بما كانوا يعملون).
التعبير بـ (فلا تعلم نفس) وكذلك التعبير بـ (قرّة أعين) مبيّن لعظمة هذه المواهب والعطايا التي لا عدّ لها ولا حصر، خاصّة وأنّ كلمة (نفس) قد وردت بصيغة النكرة في سياق النفي، وهي تعني العموم وتشمل كلّ النفوس حتّى ملائكة الله المقرّبين وأولياء الله.
والتعبير بـ (قرّة أعين) من دون الإضافة إلى النفس، إشارة إلى أنّ هذه النعم
الإلهيّة التي خصّصت كثواب وجزاء للمؤمنين المخلصين في الآخرة، في هيئة تكون معها قرّة لعيون الجميع.
(قرّة) مادّة القَرّ، أي البرودة، ومن المعروف أنّ دموع الشوق باردة دائماً، وأنّ دمع الغمّ والحسرة حارّ محرق، فالتعبير بـ (قرّة أعين) يعني في لغة العرب الشيء الذي يسبّب برودة عين الإنسان، أي أنّ دموع الشوق والفرح تجري من أعينهم، وهذه كناية لطيفة عن منتهى الفرح والسرور والسعادة.
وفي حديث عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله يقول: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا اُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»(1).
![]() |
![]() |
![]() |