(ولكن وقعت حادثة كسرت قلبه وجرحت روحه جرحاً عميقاً، وذلك عندما زارته مجموعة من رهبان بني إسرائيل).

«وقالوا له: ياأيّوب لو أخبرتنا بذنبك لعلّ الله كان يهلكنا إذا سألناه، وما نرى إبتلاك بهذا الإبتلاء الذي لم يبتل به أحد إلاّ من أمر كنت تستره؟ فقال أيّوب (عليه السلام): وعزّة ربّي لم أرتكب أي ذنب، وما أكلت طعاماً إلاّ ويتيم أو ضعيف يأكل معي»(1).


1 ـ هذه الرواية وردت في تفسير نور الثقلين نقلا عن تفسير علي بن إبراهيم، ونفس المضمون ورد في (تفسير القرطبي) و (الفخر الرازي) و (الصافي) وغيرها مع إختلاف بسيط.

[ 519 ]

حقّاً إنّ شماتة أصحابه كانت أكثر ألماً عليه من أيّة مصيبة اُخرى حلّت به، ورغم هذا لم يفقد أيّوب صبره، ولم يلوّث شكره الصافي كالماء الزلال بالكفر، وإنّما توجّه إلى الباريء عزّوجلّ وذكر العبارة التي ذكرناها آنفاً، أي قوله تعالى: (انّي مسّني الشيطان بنصب وعذاب) ولكونه خرج من الإمتحان الإلهي بنتيجة جيّدة، فتح الباري عزّوجلّ ـ مرّة اُخرى ـ أبواب رحمته على عبده الصابر المتحمّل أيّوب، وأعاد عليه النعم التي إفتقدها الواحدة تلو الاُخرى، لا بل أكثر ممّا كان يمتلك من المال والزرع والغنم والأولاد، وذلك كي يفهم الجميع العاقبة الحسنة للصبر والتحمّل والشكر.

بعض كبار المفسّرين، إحتملوا أنّ الوساوس التي وسوس بها الشيطان في قلب أيّوب هي المقصودة من أذى وعذاب الشيطان لأيّوب، إذ كان يقول له أحياناً: لقد طالت فترة مرضك، ويبدو أنّ ربّك قد نسيك!

وأحياناً كان يقول له: ما زلت تشكر الله رغم أنّه أخذ منك النعم العظيمة والسلامة والقوّة والقدرة!

يحتمل أنّهم ذكروا هذا التّفسير لكونهم يستبعدون إمكانية تسلّط الشيطان على الأنبياء كأيّوب، ولكن مع الإنتباه إلى أنّ هذه السلطة: أوّلا: كانت بأمر من الله. وثانياً: محدودة ومؤقتة. وثالثاً: لإمتحان هذا النّبي الكبير ورفع شأنه، فلا إشكال في ذلك.

على أيّة حال، قيل: إنّ فترة ألمه وعذابه ومرضه كانت سبع سنين، وفي رواية اُخرى قيل: إنّها كانت (18) سنة، وحالته وصلت إلى حدّ بحيث تركه أصحابه وحتّى أقرب المقربين إليه، عدا زوجته التي صمدت معه وأظهرت وفاءها له. وهذا شاهد على وفاء بعض الزوجات!

وأشدّ ما آذى وآلم روح أيّوب (عليه السلام) من بين ذلك الأذى والعذاب الذي مرّ به، هو شماتة أعدائه، لذا فقد جاء في إحدى الروايات أنّ أيّوب (عليه السلام) سئل بعد ما عافاه

[ 520 ]

الله، أيّ شيء كان أشدّ عليك ممّا مرّ؟ فقال: شماتة الأعداء.

في النهاية خرج أيّوب (عليه السلام) سالماً من بودقة الإمتحان الإلهي، ونزول الرحمة الإلهيّة عليه يبدأ من هنا، إذ صدر إليه الأمر (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب).

«اركض» مشتقّة من (ركض) على وزن (فقر وتعني دكّ الأرض بالرجل، وأحياناً تأتي بمعنى الركض، وهنا تعطي المعنى الأوّل.

فالله الذي فجّر عين زمزم في صحراء يابسة وحارقة تحت أقدام الطفل الرضيع إسماعيل، هو الذي أصدر أمراً بتفجّر عين باردة لأيّوب ليشرب منها ويغتسل بمائها للشفاء من كافّة الأمراض التي أصابته (الظاهرية والباطنية).

ويرى البعض أنّ تلك العين عبارة عن ماء معدني صالح للشرب، وفيه شفاء لكلّ الأمراض، ومهما كان فإنّه من لطف الله ورحمته النازلة على نبيّه الصابر المقاوم أيّوب (عليه السلام).

(مغتسل) يعني الماء الذي يغسل به، وقال البعض: إنّها تعني محل الغسل، لكنّ المعنى الأوّل أصحّ.

وعلى أيّة حال، فإنّ وصف ذلك الماء بالبارد، قد يكون إشارة إلى التأثيرات الخاصّة التي يتركها الماء البارد على سلامة الجسم، وذلك ما أثبته الطبّ الحديث اليوم. إضافةً إلى أنّه إشارة لطيفة إلى أنّ كمال ماء الغسل يتمّ إن كان طاهراً ونظيفاً كماء الشرب.

والشاهد على هذا ما جاء في الروايات من إستحباب شرب جرعة من الماء قبل الإستحمام به(1).

النعمة المهمّة الاُولى التي اُعيدت على أيّوب هي العافية والشفاء والسلامة، أمّا بقيّة النعم التي اُعيدت عليه، فاستعرضها القرآن المجيد (ووهبنا له أهله ومثلهم


1 ـ وسائل الشيعة، المجلّد الأوّل، الباب الثالث عشر من أبواب آداب الحمّام الحديث 13.

[ 521 ]

معهم رحمةً منّا وذكرى لاُولي الألباب).

وعن كيفية عودة عائلته إليه؟ وردت تفاسير متعدّدة، أشهرها يقول: إنّهم كانوا أمواتاً فأحياهم الله مرّة اُخرى.

ولكن البعض قال: إنّهم كانوا قد تفرّقوا عنه أيّام إبتلائه بالمرض، فجمعهم الله إليه بعد برئه.

ويحتمل أنّ جميعهم أو بعضهم ابتلي بمختلف أنواع الأمراض، وقد شملتهم الرحمة الإلهية وعادت إليهم صحّتهم وعافيتهم، ليجتمعوا مرّة اُخرى حول أيّوب.

أمّا قوله تعالى: (ومثلهم معهم)، فإنّها إشارة إلى تناسلهم وزيادة عددهم إلى الضعف، وبهذا إزداد عدد أبناء أيّوب إلى الضعف.

ورغم أنّ الآيات لا تتطرّق إلى إعادة أموال أيّوب إليه، ولكن الدلائل كلّها تبيّن أنّ الباريء عزّوجلّ أعاد إليه أمواله وأكثر من السابق.

الذي يلفت النظر في آخر الآية ـ محلّ البحث ـ أنّ هدف إعادة النعم الإلهيّة على أيّوب تحدّد بأمرين:

الأوّل: (رحمة منّا) والتي كان لها صبغة فردية، وفي الحقيقة إنّها مكافأة وجائزة من الباريء عزّوجلّ لعبده الصابر المقاوم أيّوب.

والثّاني: إعطاء درس لكلّ أصحاب العقول والفكر على طول التأريخ لأخذ العبر من أيّوب، كي لا يفقدوا صبرهم وتحمّلهم عند تعرّضهم للمشاكل والحوادث الصعبة، وأن لا ييأسوا من رحمة الله، بل يزيدوا من أملهم وتعلّقهم به.

المشكلة الوحيدة التي بقيت لأيّوب (عليه السلام) هي قسمه بضرب زوجته، إذ كان قد أقسم أيّام مرضه لئن برىء من مرضه ليجلدنّ امرأته مائة جلدة أو أقل لأمر أنكره عليها، ولكن بعدما برىء من مرضه رغب أيّوب في العفو عنها إحتراماً وتقديراً لوفائها ولخدماتها التي قدّمتها إليه أيّام مرضه، ولكن مسألة القسم بالله كانت تحول دون ذلك.

[ 522 ]

وهنا شمل الباريء عزّوجلّ أيّوب (عليه السلام) مرّة اُخرى بألطافه ورحمته، وذلك عندما أوجد حلاًّ لهذه المشكلة المستعصية على أيّوب (وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث).

«ضغث» تعني ملء الكفّ من الأعواد الرقيقة، كسيقان الحنطة والشعير أو الورد وما شابهها.

وعن الأمر الذي أنكرته زوجة أيّوب على زوجها والتي تدعى (ليا) بنت يعقوب، فقد إختلف المفسّرون في تفسيره ...

فقد نقل عن (ابن عبّاس) أنّ الشيطان ظهر بصورته الطبيعية لزوجة أيّوب، وقال لها: إنّي اُعالج زوجك بشرط أن تقولي حينما يتعافى: إنّي الوحيد الذي كنت السبب في معافاته، ولا اُريد أيّ اُجرة على معالجته ... الزوجة التي كانت متألّمة ومتأثّرة بشدّة لإستمرار مرض زوجها وافقت على الإقتراح، وعرضته على زوجها أيّوب فيما بعد، فتأثّر أيّوب كثيراً لوقوع زوجته في شرك الشيطان، وحلف أن يعاقب زوجته.

وقال البعض إنّ أيّوب بعث زوجته لمتابعة عمل ما، فتأخّرت في العودة إليه، فتأثّر أيّوب الذي كان يعاني من آلام المرض، وحلف أن يعاقب زوجته.

على أيّة حال، فإنّ زوجته كانت تستحقّ الجزاء من هذا الجانب، أمّا من جانب وفائها وخدمتها أيّوب طوال فترة مرضه فإنّه يجعلها تستحقّ العفو أيضاً.

حقّاً إنّ ضربها بمجموعة من سيقان الحنطة أو الشعير لا تعطي مصداقاً واقعياً لحلفه، ولكنّه نفّذ هذا الأمر لحفظ إحترام اسم الله، والحيلولة دون إشاعة مسألة إنتهاك القوانين، وهذا الأمر ينفّذ فقط بشأن الطرف الذي يستحقّ العفو، وفي الموارد الاُخرى التي لا تستحقّ العفو لا يجوز لأحد القيام بمثل هذا العمل(1).


1 ـ نظير هذا المعنى ورد في باب الحدود الإسلامية وتنفيذها بحقّ المرضى المذنبين (كتاب الحدود أبواب حدّ الزنا).

[ 523 ]

الآية الأخيرة في بحثنا هذا ـ التي هي بمثابة عصارة القصّة من أوّلها حتّى آخرها ـ تقول: (إنّا وجدناه صابراً نعم العبد إنّه أوّاب).

ومن الواضح أنّ دعاء أيّوب الباريء عزّوجلّ، وطلبه دفع الوساوس الشيطانية عنه، ورفع البلاء والمرض عنه، كلّ هذه لا تتنافى مع مقام صبره وتحمّله، ذلك الصبر والتحمّل الذي استمرّ لمدّة سبع سنين، وفي روايات اُخرى لمدّة ثمانية عشر عاماً ـ للأوجاع والأمراض والفقر والعسر وإستمرار الشكر.

الذي يلفت النظر في هذه الآية أنّها أعطت ثلاثة أوصاف لأيّوب، كلّ واحد منها إن توفّر في أي إنسان فهو إنسان كامل.

أوّلا: مقام عبوديته.

ثانياً: صبره وتحمّله وثباته.

ثالثاً: إنابته المتكرّرة إلى الله.

* * *

 

بحوث

1 ـ دروس مهمّة في قصّة أيّوب

رغم أنّ قصّة هذا النّبي الصابر أدرجت في أربع آيات في هذه السورة، إلاّ أنّها وضّحت حقائق مهمّة، منها:

أ ـ الإمتحان الإلهي واسع وكبير جدّاً ويشمل حتّى الأنبياء الكبار، إذ يكون إمتحانهم أشدّ وأصعب من الآخرين، لأنّ طبيعة الحياة في هذه الدنيا بنيت على هذا الأساس، ومن دون هذا الإمتحان فإنّ الإمكانيات والطاقات الكامنة في الإنسان لا تتفجّر.

ب ـ الفرج بعد الشدّة نقطة اُخرى تكمن في مجريات هذه القصّة، فعندما تشتدّ أمواج الحوادث والبلاء على الإنسان وتحيط به من كلّ جانب، عليه أن لا ييأس

[ 524 ]

ويفقد الأمل، وإنّما عليه أن يدرك أنّها بداية تفتح أبواب الرحمة الإلهية عليه، كما يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «عند تناهي الشدّة تكون الفرجة، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء»(1).

ج ـ مجريات هذه القصّة توضّح بصورة جيّدة بعض غايات البلاء والحوادث الصعبة في الحياة، وتجيب على من يرى في وجود الآفات والبلايا تناقضاً مع برهان النظم في بحوث التوحيد، لأنّ وجود مثل هذه الحوادث الصعبة والشديدة في حياة الإنسان ـ من أنبياء الله الكبار وحتّى عموم الناس ـ يعدّ أمراً ضرورياً، فالإمتحان ـ كما ذكرنا ـ يفجّر طاقات الإنسان الكامنة، ويوصله في آخر الأمر إلى التكامل في وجوده.

لذا فقد ورد في الروايات الإسلامية عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ أشد الناس بلاءاً الأنبياء، ثمّ الذين يلونهم، الأمثل فالأمثل»(2).

كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ في الجنّة منزلة لا يبلغها عبد إلاّ بالإبتلاء»(3).

د ـ أحداث هذه القصّة تعطي درساً في الصبر لكلّ المؤمنين الواقعيين الرساليين، الصبر والتحمّل الذي يعقبه الظفر والإنتصار في كلّ المجالات، ونيل المقام المحمود والمنزلة الرفيعة عند الباريء عزّوجلّ.

هـ ـ أحياناً يكون إمتحان شخص ما، هو إمتحان في نفس الوقت لأصدقائه وللمحيطين به، كي يعرف حجم صداقتهم ومحبّتهم إيّاه، ومقدار وفائهم له، فعندما فقد أيّوب أمواله وثرواته وصحّته تفرّق عنه أصحابه، ولم يكتفوا بالإبتعاد عنه، وإنّما اتّحدت ألسنتهم مع ألسنة أعدائه في الشماتة به وإلقاء اللائمة عليه، وكشفوا


1 ـ نهج البلاغة، قصار الكلمات، الكلمة 351.
2 ـ سفينة البحار مادّة (بلاء) المجلّد الأوّل، الصفحة 105.
3 ـ المصدر السابق.

[ 525 ]

بفعلتهم هذه عن حقيقة أنفسهم، وكما لاحظنا فإنّ أيّوب كان يتألّم من جراح ألسنتهم أكثر من تألّمه من مرضه، والشعر المعروف يقول:

جراحات السنان لها التيام *** ولا يلتام ما جرح اللسان

جراح الكلام ليس لها التئام.

و ـ أحبّاء الله ليسوا من يذكر الله عند الرخاء، وإنّما أحبّاء الله الواقعيون هم اُولئك الذين يذكرون الله دائماً في السرّاء والضرّاء، وفي البلاء والنعمة، وفي المرض والعافية، وفي الفقر والغنى، وإنّ تأثيرات الحياة الماديّة لا تترك على إيمانهم وأفكارهم أدنى أثر.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته الخاصّة بوصف المتّقين التي بيّنها لصاحبه المخلص «همام» وإستعرض فيها أكثر من (100) صفة للمتّقين، قال في إحدى تلك الصفات: «نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء».

ز ـ هذه القصّة أكّدت مرّة اُخرى حقيقة أنّ فقدان الإمكانات الماديّة، ونزول المصائب، وحلول المشاكل والفقر، لا تعني عدم شمول الإنسان بلطف الباريء عزّوجلّ، كما أنّ إمتلاك الإمكانات الماديّة ليس دليلا على بُعد الإنسان عن الله سبحانه وتعالى، وإنّما يمكن أن يكون الإنسان عبداً مقرّباً لله مع إمتلاكه للكثير من الإمكانات الماديّة، بشرط أن لا يكون عبداً لأمواله وأولاده ومقامه الدنيوي، وإنّ فقدها لا يفقد الصبر معها.

 

2 ـ أيّوب

(عليه السلام)

في القرآن والتوراة

رغم أنّ الباريء عزّوجلّ أشاد بالروح الكبيرة لهذا النّبي الكبير الذي هو مظهر الصبر والتحمّل في قرآنه المجيد في أوّل القصّة الخاصّة به وفي آخرها. فإنّ قصّة هذا النّبي الكبير ـ ممّا يؤسف له ـ لم تحفظ من أيدي الجهلة والأعداء، حيث دسّوا فيها خرافات تافهة لا تليق بمقامه المحمود المنزّه عنها والمطهّر منها، ومن تلك

[ 526 ]

الخرافات القول بأنّ الدود غطّى بدنه أثناء فترة مرضه، وتعفّن جسده، بحيث أنّ أهل قريته ضاقوا به ذرعاً وأخرجوه من قريتهم.

ودون أدنى شكّ، فإنّ مثل هذه الروايات مزيّفة رغم ورودها في طيّات كتب الحديث، لأنّ رسالة الأنبياء تفرض أن يكون النّبي المرسل ـ في أي زمان ـ بعيداً عن مثل تلك التقوّلات، كي ينجذب إليه الناس برغبة وشوق، وأن لا تتوفّر فيه أشياء تكون سبباً لتنفّرهم فيه وإبتعادهم عنه، كالأمراض والعيوب الجسدية والأخلاق السيّئة، لأنّها تتناقض مع فلسفة الرسالة، فالقرآن المجيد يقول بشأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الآية (159) من سورة عمران: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لأنفضّوا من حولك).

وهذه الآية دليل على أنّ النّبي يجب أن لا يكون بحالة تجعل المحيطين به يتفرّقون عنه. ولكن ورد في التوراة جزء خاص بأيّوب وقبل موضوع (مزامير داود) وهذا الجزء يشتمل على (42) فصلا، كلّ فصل يشرح مواضيع مختلفة، وقد وردت في بعض الفصول مواضيع سيّئة وقبيحة، ومنها ما ورد في الفصل الثالث والذي يقول: إنّ أيّوب كان كثير الشكوى، في حين أنّ القرآن الكريم كان يعظّم ويشيّد بمقام صبره وتحمّله.

 

3 ـ إطلاق صفة (أوّاب) على الأنبياء الكبار

ثلاثة أنبياء كبار اُطلقت عليهم صفة (أوّاب) في هذه السورة، وهم: داود وسليمان وأيّوب، وفي سورة (ق) في الآية (32) اُطلق هذا الوصف على كلّ أهل الجنّة، قوله تعالى: (هذا ما توعدون لكلّ أوّاب حفيظ).

هذه العبارات تبيّن أنّ مقامه في المقام الأعلى، وعندما نرجع إلى مصادر اللغة نشاهد أنّ كلمة (أوّاب) مشتقّة من كلمة (أوب) وتعني الرجوع والعودة.

وهذا الرجوع والعودة (خاصّة وأنّ كلمة (أوّاب) هي اسم مبالغة تعني كثرة

[ 527 ]

الرجوع وتكراره) يشير إلى أنّ الأوّابين حسّاسون جدّاً تجاه الأسباب والعوامل التي تبعدهم عن الله، كالرزق وبريق الزخارف الدنيوية في أعينهم، ووساوس النفس والشيطان، وإن إبتعدوا لحظة واحدة عن الله عادوا إليه بسرعة، وإن غفلوا عنه لحظة تذكروه وسعوا في جبرانها.

هذه العودة يمكن أن تكون بمعنى العودة إلى طاعة أوامر الله وإجتناب نواهيه، أي أنّ أوامره هي مرجعهم وسندهم أينما كانوا.

وكلمة (أوّاب) التي جاءت في الآية العاشرة من سورة سبأ (ياجبال أوّبي معه والطير) والخاصّة بداود ـ أيضاً ـ تعطي معناً آخر، وهو ترديد الصوت، إذ أنّ الأوامر صدرت إلى الجبال والطيور أن ردّدي الصوت مع داود، ولهذا فإنّ (أوّاب) تعني كلّ من يردّد الأوامر الإلهيّة والتسبيح والحمد الذي تردّده كلّ موجودات الكون حسب قوانين الخلقة، وممّا يذكر أنّ أحد معاني كلمة (أيّوب) هي (أوّاب).

 

* * *

[ 528 ]

 

 

 

 

 

الآيات

 

وَاذْكُرْ عِبَدَنَآ إِبْرَهِيمَ وَإِسْحَـقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِى الاَْيْدِى وَالاَْبْصَـرِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَـهُم بِخَالِصَة ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمَصْطَفَيْنَ الاَْخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَـعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَاالْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الاَْخْيَارِ (48)

 

التّفسير

الأنبياء الستّة:

متابعة للآيات السابقة التي تطرّقت بإختصار إلى حياة (داود) و (سليمان) وبصورة أكثر إختصاراً لحياة (أيّوب) إذ بيّنت أهم النقاط البارزة في حياة هذا النّبي الكبير، وتستعرض آيات بحثنا هذا أسماء ستّة من أنبياء الله، وتوضّح بصورة مختصرة بعض صفاتهم البارزة التي يمكن أن تكون اُنموذجاً حيّاً لكلّ بني الإنسان.

والذي يلفت الإنتباه، هو أنّ هذه الآيات إستعرضت ستّ صفات مختلفة لاُولئك الأنبياء الستّة، ولكلّ صفة معناها ومفهومها الخاصّ بها.

ففي البداية تخاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق

[ 529 ]

ويعقوب).

مقام العبودية هو أوّل ميزة لاُولئك الأنبياء، وحقّاً فإنّ كلّ شيء جمع في هذه الصفة فالعبودية لله تعني التبعية المطلقة له، وتعني الإستسلام الكامل لإرادته، والإستعداد لتنفيذ أوامره في كلّ الأحوال.

العبودية لله تعني عدم الإحتياج لغيره، وعدم التوجّه لسواه، والتفكير بلطفه ورحمته فقط، هذا هو أوج تكامل الإنسان وأفضل شرف له.

ثمّ تضيف الآية: (اُولي الأيدي والأبصار).

إنّه لتعبير مثير للعجب؟ أصحاب الأيدي والأبصار!

«أيدي» جمع (يد)، و (أبصار) جمع (بصر).

الإنسان يحتاج إلى قوّتين لتحقيق أهدافه، الاُولى قوّة الإدراك والتشخيص، والثانية حسن الأداء. وبعبارة اُخرى: يجب عليه الإستفادة من (العلم) و (القدرة) للوصول إلى أهدافه.

وقد وصف الباريء عزّوجلّ أنبياءه بأنّهم ذوو إدراك وتشخيص وبصيرة قويّة، وذوو قوّة وقدرة كافية لإنجاز أعمالهم.

إنّ هؤلاء الأنبياء على مستوى عال من المعرفة، وأنّ مستوى علمهم بشريعة الله وأسرار الخلق وخفايا الحياة لا يمكن تحديده.

أمّا من حيث الإرادة والتصميم وحسن الأداء، فإنّهم غير كسولين أو عاجزين أو ضعفاء، بل هم أشخاص ذوو إرادة قويّة وتصميم راسخ، إنّهم قدوة لكلّ السائرين في طريق الحقّ، فبعد مقام العبودية الكامل لله تعالى، لتسلّحوا بهذين السلاحين القاطعين.

وممّا يستنتج من هذا الحديث أنّه ليس المراد من اليد والعين أعضاء الحسّ التي يمتلكها غالبية الناس، لأنّ هناك الكثيرين ممّن يمتلكون هذين العضوين لكنّهم لا يمتلكون الإدراك والشعور الكافي، ولا القدرة على التصميم، ولا حسن

[ 530 ]

الأداء في العمل، وإنّما هي كناية عن صفتين هما (العلم والقدرة).

أمّا الصفة الرابعة لهم فيقول القرآن بشأنها: (إنّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار)(1).

نعم، إنّهم يتطلّعون إلى عالم آخر، واُفق نظرهم لا ينتهي عند الحياة الدنيا ولذّاتها المحدودة، بل يتطّلعون إلى ما وراءها من حياة أبدية ونعيم دائم، ولهذا يبذلون الجهد ويسعون غاية السعي لنيلها.

وعلى هذا فإنّ المراد من كلمة (الدار) هي الدار الآخرة، لأنّه لا توجد دار غيرها، وإن وجدت فما هي إلاّ جسر أو ممرّ يؤدّي إلى الآخرة في نهاية الأمر.

بعض المفسّرين احتملوا أن يكون المراد من الدار هنا دار الدنيا، وعبارة (ذكرى الدار) إشارة إلى الذكر الحسن الباقي لاُولئك الأنبياء في هذه الدنيا، وهذا الإحتمال مستبعد جدّاً، وخاصّة أنّ كلمة (الدار) جاءت بشكل مطلق، وكذلك  لا تتناسب مع كلمة (ذكرى).

والبعض الآخر إحتمل أنّ المراد هو ذكرهم الحسن والجميل في دار الآخرة، وهذا مستبعد أيضاً.

وعلى أيّة حال، فلعلّ الإنسان يتذكّر الآخرة بين حين وآخر، خاصّة عند وفاة أحد أصدقائه أو مشاركته في مراسم التشييع أو مجالس الفاتحة، وهذا الذكر ليس خالصاً وإنّما هو مشوب بذكر الدنيا، أمّا عباد الله المخلصون فإنّ لهم توجّهاً خالصاً وعميقاً ومستمراً بالنسبة للدار الآخرة، فهي على الدوام تتراءى أمام أعينهم، وعبارة (خالصة) في الآية إشارة إلى هذا المعنى.

الصفتان الخامسة والسادسة جاءتا في الآية التالية (وإنّهم عندنا لمن المصطفين


1 ـ (ذكرى الدار) من الممكن أن تكون خبراً لمبتدأ محذوف، وتقدير العبارة (هي ذكر الدار)، ومن الممكن أن تكون بدلا من (خالصة).

[ 531 ]

الأخيار)(1).

إنّ إيمانهم وعملهم الصالح كانا السبب في إصطفاء الباريء عزّوجلّ لهم من بين الناس لأداء مهام النبوّة وحمل الرسالة، وعملهم الصالح وصل إلى درجة. استحقّوا بحقّ إطلاق كلمة (الأخيار) عليهم، فأفكارهم سليمة، وأخلاقهم رفيعة، وتصرفاتهم وأعمالهم طوال حياتهم متّزنة، ولهذا السبب فإنّ بعض المفسّرين يستفيدون من هذه العبارة وأنّ الله سبحانه وتعالى اعتبر اُولئك أخياراً من دون أي قيد وشرط، كدليل على عصمة الأنبياء، لأنّه متى ما كان وجود الإنسان كلّه خيراً، فمن المؤكّد أنّه معصوم(2).

عبارة (عندنا) مليئة بالمعاني العميقة، وتشير إلى أنّ إصطفاءهم وإعتبارهم من الأخيار لم يتمّ وفق تقييم الناس لهم، التقييم الذي لا يخلو من التهاون وغضّ النظر عن كثير من الاُمور، وإنّما تمّ بعد التحقّق من كونهم أهلا لذلك وبعد تقييمهم ظاهرياً وباطنياً.

وبعد أن أشارت الآية السابقة إلى مقام ثلاثة أنبياء بارزين، تشير الآية التالية، إلى ثلاثة آخرين، إذ تقول: (واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل كلّ من الأخيار).

فكلّ واحد منهم كان مثالا واُسوة في الصبر والإستقامة وطاعة أوامر الباريء عزّوجلّ، خاصّة «إسماعيل» الذي كان على إستعداد كامل للتضحية بروحه في سبيل الله، ولهذا السبب اُطلق عليه لقب (ذبيح الله) وهو الذي ساهم مع والده إبراهيم (عليه السلام) في بناء الكعبة الشريفة وتثبيت اُسس التجمّع العظيم الذي يتمّ في موسم الحجّ كلّ عام.

وإستعراض آيات القرآن الكريم لحياة اُولئك العظام ليستلهم منها


1 ـ (مصطفين) (بفتح الفاء) جمع مصطفى، وفي الأصل كانت (مصطفيين) حذفت ياؤها الاُولى فأصبحت (مصطفين).
2 ـ تفسير الفخر الرازي، المجلّد 26، الصفحة 217.

[ 532 ]

رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وكلّ المسلمين العبر، ومطالعة حياة أمثال هؤلاء الرجال العظام توجّه حياة الإنسان، وتبعث فيه روح التقوى والتضحية والإيثار، وتجعله في نفس الوقت صابراً صامداً أمام المشاكل والحوادث الصعبة.

عبارة (كلّ من الأخيار) تشير إلى أنّ الأنبياء الثلاثة (إسماعيل، واليسع، وذو الكفل) تنطبق عليهم كافّة الصفات التي وصف بها الأنبياء الثلاثة السابقون (إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب) الذين اُطلقت عليهم الآية السابقة صفة (الأخيار)، كما أنّ (الخير المطلق) له معان واسعة تشمل (النبوّة) و (الدار الآخرة) و (مقام العبودية) و (العلم والقدرة).

أمّا (اليسع) فقد ورد إسمه مرتين في القرآن المجيد، إحداها في هذه السورة، والاُخرى في الآية (86) من سورة الأنعام، وما جاء في القرآن الكريم يوضّح أنّه من الأنبياء الكبار ومن الذين يقول عنهم القرآن في آياته: (وكلا فضّلنا على العالمين).(1)

البعض يعتقد أنّ (اليسع) هو (يوشع بن ذنون) أحد أنبياء بني إسرائيل المعروفين، وقد دخلت الألف واللام على اسمه كما اُبدلت الشين بالسين، ودخول الألف واللام على الإسم غير العربي (وهذا اسم عبري) أمر غير جديد، فمثلها مثل (إسكندر) التي تلفظ وتكتب بالعربية (الإسكندر) إذ هو نوع من التقريب.

في حين أنّ البعض يعتبرها كلمة عربية مشتقّة من (يسع) والتي هي فعل مضارع مشتقّ من (وسعت) ولتحويله إلى إسم اُضيف إليه الألف واللام.

الآية (86) من سورة الأنعام بيّنت أنّه من ذريّة إبراهيم، ولكن لم تبيّن إن كان من أنبياء بني إسرائيل، أم لا؟

أمّا فصل الملوك في كتاب التوراة فقد جاء فيه أنّ إسمه (اليشع) بن (شافات)، ومعنى (اليشع) في اللغة العبرية هو (الناجي) فيما تعني (الشافات) (القاضي).


1 ـ الأنعام ـ 86.

[ 533 ]

وقد إعتبر قسم آخر أنّه (الخضر) ولم يتوفّر بعد أيّ دليل واضح على هذا القول.

واعتبر قسم آخر أنّه (ذو الكفل) وهذا الكلام مخالف بوضوح لما جاء في الآية مورد بحثنا، لأنّ ذا الكفل معطوفاً على اليسع.

وعلى أيّة حال، فإنّ اليسع هو نبي له مقام رفيع وذو إستقامة، وما ذكرناه بشأنه كاف للإستلهام منه.

وأمّا (ذو الكفل) فهو أيضاً معروف بأنّه أحد أنبياء الله، وذكره ورد مع أنبياء آخرين في الآية (85) من سورة الأنبياء، وجاء بالضبط بعد إسم إسماعيل وإدريس. والبعض يعتقد أنّه من أنبياء بني إسرائيل، وأنّه من أبناء أيّوب وإسمه الحقيقي (بشر) أو (بشير) أو (شرف) والبعض يرى أنّه (حزقيل) وذو الكفل هو لقب اُطلق عليه(1).

وحول تسمية (ذي الكفل) بهذا الإسم (الكفل يعني النصيب) ويعني (الكفالة والتعهّد) وردت عدّة تفاسير، منها:

قال البعض: إنّه سمّي بذي الكفل لأنّ الله سبحانه وتعالى أنزل عليه نصيباً وافراً من الثواب وشمله برحمته الواسعة.

وقال بعضهم: لأنّه التزم بتعهّده بقيام الليل بالعبادة، وصيام النهار، وعدم السخط من قضاء الله، وبهذا اُطلق عليه هذا اللقب.

وبعض آخر قال: سمّي بذي الكفل لأنّه تكفّل بمجموعة من أنبياء بني إسرائيل، وأنقذهم من ملوك زمانهم الجبّارين.

وعلى أيّة حال، فإنّ ما في حوزتنا اليوم من معلومات عن نبي الله ذي الكفل


1 ـ أعلام القرآن وتفسير القرطبي وتفسير روح البيان وتفسير الميزان، كلّ منها أشارت إلى جزء من الموضوع المذكور أعلاه.

[ 534 ]

يدلّ على إستقامته في طريق طاعة وعبادة الله، ومقاومة الجبابرة، وأنّه نموذج بارز ليومنا الحاضر وما بعده، رغم أنّ البعد الزمني بيننا وبينهم يحول دون المعرفة الدقيقة لتفاصيل أحوالهم.

 

* * *

[ 535 ]

 

 

 

 

 

الآيات

 

هَـذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَئَاب (49) جَنَّـتِ عَدْن مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الاَْبْوَبُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَـكِهَة كَثِيرَة وَشَرَاب(51) وَعِندَهُمْ قَـصِرَتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَـذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَـذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَاد(54)

 

التّفسير

هذا ما وُعِد به المتّقون:

آيات هذه السورة إنتقلت بنا إلى شكل آخر من الحديث، إذ أخذت تقارن بين المتّقين والعصاة المتجبّرين، وتشرح مصير كلّ منهما يوم القيامة، وهي بصورة عامّة تكمل بحوث الآيات السابقة.

في البداية، وكخلاصة لشرح حال الأنبياء السابقين والنقاط المضيئة في حياتهم، تقول الآية: (هذا ذكر)(1).

نعم، لم يكن الهدف من بيان مقاطع من تأريخ اُولئك الأنبياء الرائع والمثير سرد بعض القصص، وإنّما الهدف الذكر والتذكّر، كما أكّدت عليه بداية هذه السورة (ص


1 ـ قال بعض المفسّرين في تفسير هذه العبارة: إنّ المراد من الذكر الجميل هم الأنبياء السابقون.

[ 536 ]

والقرآن ذي الذكر).

فالهدف هو إيقاظ الأفكار، ورفع المستوى العلمي، وزيادة قوّة المقاومة والصمود لدى المسلمين الذي نزلت إليهم هذه الآيات(1).

ثمّ أخرجت الاُمور من طابعها الخاصّ وبيان أوضاع وأحوال الأنبياء، إلى طابعها العامّ، لتشرح بصورة عامّة مصير المتّقين، إذ تقول: (وإنّ للمتّقين لحسن مآب)(2).

بعد هذه الآية القصيرة ذات المعاني الخفيّة والتي توضّح تماماً حال المتّقين بصورة مختصرة، يعمد القرآن المجيد مجدّداً إلى اتّباع اُسلوبه الخاص، وهو اُسلوب الإيجاز والتفصيل، ليشرح ما فاز به المتّقون (جنّات عدن مفتّحة لهم الأبواب)(3).

«جنّات» إشارة إلى حدائق الجنّة، و (عدن) تعني الإستقرار والثبات، ولهذا اُطلق على المنجم الذي تحوي أعماقه أنواع الفلزات والمواد الثمينة كلمة (معدن).

وعلى أيّة حال فالعبارة هنا تشير إلى خلود حدائق الجنّة.

وعبارة (مفتّحة لهم الأبواب) إشارة إلى أنّهم لا يتكلّفون حتّى بفتح أبواب الجنّة، إذ أنّها تنفتح بدون عناء لإستقبال أهل الجنّة، إذ أنّ الجنّة بإنتظارهم، وعندما تراهم تفتح لهم أبوابها وتدعوهم للدخول إليها.

ثمّ تبيّن الهدوء والسكينة التي تحيط بأهل الجنّة، إذ تقول: (متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب)(4). أي إنّهم متكئون على سرر فيها، وقد هيّئت


1 ـ مجموعة من المفسّرين إعتبرت (هذا ذكر) إشارة إلى أنّ كلّ ما قيل بشأن الأنبياء من ذكر خير وثناء جميل كان إشارة إلى اُولئك، فيما تستعرض الآيات التالية مرتبتهم في الآخرة، ولكن هذا المعنى مستبعد، وظاهر الآيات لا يتناسب مع ما ذكرناه أعلاه.
2 ـ «مآب» تعني المرجع، وإضافة (حسن) إلى (مآب) من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف.
3 ـ «جنّات عدن» بدل أو عطف بيان (مآب).
4 ـ الضمير (فيها) يعود في كلا الحالتين على (جنّات عدن) ووصف الفاكهة بأنّها كثيرة دليل على وصف (الشراب) بهذا الوصف. (متكئين) حال للضمير (لهم).

[ 537 ]

لهم مختلف أنواع الفاكهة والأشربة، وإنّهم متى ما طلبوها فإنّها تأتيهم في الحال.