فالمادّي يرى الموت فناءً مطلقاً، ويفرّ منه بكلّ وجوده، لأنّ كلّ شيء سينتهي به.

والإلهي يرى الموت ولادة جديدة، وولوجاً في عالم واسع كبير مشرق، والإنطلاق في السماء اللامحدودة. ومن الطبيعي فإنّ المعتقدين بهذا المذهب لا يفسحون المجال للخوف والوحشة للدخول إلى أنفسهم عند سلوكهم طريق


1 ـ المطفّفين، 4.
2 ـ التوبة، 52.

[ 261 ]

الموت والشهادة. بل إنّهم يستلهمون من قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) «والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي اُمّه»(1) ويستقبلون الموت في سبيل الهدف برحابة صدر. ولهذا فإنّ أمير المؤمنين حينما تلقّى الضربة السامّة من اللعين الخاسر «عبدالرحمن بن ملجم» لم يقل سوى «فزت وربّ الكعبة».

خلاصة القول: فإنّ الإيمان بالمعاد يجعل من الإنسان الخائف الضائع، إنساناً شجاعاً شهماً هادفاً، تمتلىء حياته بالحماسة والتضحية والصدق والتقوى.

 

3 ـ الدلائل العقليّة على المعاد:

فضلا عن الدلائل النقلية الكثيرة على المعاد سواء الواردة في القرآن المجيد، والتي تشمل مئات الآيات بهذا الخصوص، فإنّ هناك أدلّة عقليّة واضحة أيضاً على هذه المسألة، والتي نحاول ذكرها هنا بشكل مختصر:

 

أ ـ برهان الحكمة:

إذا نظرنا إلى هذا العالم بدون العالم الآخر، فسيكون فارغاً وبلا معنى تماماً، كما لو افترضنا بوجود الحياة في الأطوار الجنينية بدون الحياة في هذه الدنيا.

فلو كان قانون الخلق يقضي بأنّ جميع المواليد الجدد يختنقون بمجرّد نزولهم من بطون اُمّهاتهم ويموتون، فإنّ الدور الجنيني سيكون بلا معنى؟ كذلك لو كانت الحياة في هذا العالم مبتورة عن الحياة في العالم الآخر، فسنواجه نفس الإضطراب والحيرة، فما ضرورة أن نعيش سبعين عاماً أو أكثر أو أقل في هذه الدنيا وسط كلّ هذه المشكلات؟ فنبدأ الحياة ونحن لا نملك تجربة معيّنة، وحين بلوغ تلك المرتبة يهجم الموت وينتهي العمر .. نسعى مدّة لتحصيل العلم والمعرفة،


1 ـ نهج البلاغة، الخطبة 5 صفحة 52.

[ 262 ]

وحينما نبلغ درجة منه بعد إشتعال الرأس شيباً يستقبلنا الموت.

ثمّ لأجل ماذا نعيش؟ الأكل واللبس والنوم والإستيقاظ المتكرّر يومياً، وإستمرار هذا البرنامج المتعب لعشرات السنين، لماذا؟

فهل حقّاً إنّ هذه السماء المترامية الأطراف وهذه الأرض الواسعة، وكلّ هذه المقدّمات والمؤخّرات وكلّ هؤلاء الأساتذة والمعلّمين والمربّين وكلّ هذه المكتبات الضخمة وكلّ هذه الاُمور الدقيقة والأعمال التي تداخلت في خلقنا وخلق باقي الموجودات، كلّ ذلك لمجرّد الأكل والشرب واللبس والحياة المادية هذه؟

هنا يعترف الذين لا يعتقدون بالمعاد بتفاهة هذه الحياة، ويقدم بعضهم على الإنتحار للتخلّص من هذه الحياة الخاوية، بل قد يفتخر به.

وكيف يمكن لمن يؤمن بالله وبحكمته المتعالية أن يعتبر هذه الحياة الدنيا وحدها بدون إرتباطها بحياة اُخرى ذات قيمة وذات شأن؟

يقول تعالى: (أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثاً وأنّكم إلينا لا ترجعون).(1) أيّ أنّه لو لم يكن رجوع بعد هذه الدنيا إلى الله، فإنّ الحياة في هذه الدنيا ليست سوى عبث في عبث.

نعم فإنّ الحياة في هذه الدنيا تجد معناها ويكون لها مفهوماً ينسجم مع حكمة الله سبحانه وتعالى عندما تعتبر هذه: «الدنيا مزرعة للآخرة» و «الدنيا قنطرة» ومكان تعلّم، وجامعة للإستعداد للعالم الآخر ومتجر لذلك العالم، تماماً كما يقول أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) في كلماته العميقة المعنى «إنّ الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عاقبة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزوّد منها، ودار موعظة لمن اتّعظ بها، مسجد أحبّاء الله، ومصلّى ملائكة الله، ومهبط وحي الله،


1 ـ المؤمنون، 115.

[ 263 ]

ومتجر أولياء الله»(1).

خلاصة القول، إنّ الفحص والمطالعة في وضع هذا العالم يؤدّي إلى الإعتقاد بعالم آخر وراء هذا العالم (ولقد علمتم النشأة الاُولى فلولا تذكّرون).(2)

 

ب ـ برهان العدالة:

التدقيق في نظام الوجود وقوانين الخلق، يستنتج منه أنّ كلّ شيء منها محسوب بدقّة متناهية. ففي مؤسسة البدن البشري، يحكم نظام عادل دقيق، بحيث أنّه لو تعرّض لأدنى تغيير أو عارض ما لأدّى إلى إصابته بالمرض أو حتّى الموت، حركات القلب، دوران الدم، أجفان العين، وكلّ جزء من خلايا الجسم البشري مشمول بهذا النظام الدقيق، الذي يحكم العالم بأسره «وبالعدل قامت السموات والأرض»(3) فهل يستطيع الإنسان أن يكون وحده النغمة النشاز في هذا العالم الواسع؟!

صحيح أنّ الله سبحانه وتعالى أعطى للإنسان بعض الحرية في الإرادة والإختيار لكي يمتحنه ولكي يتكامل في ظلّ تلك الحرية ويطوي مسير تكامله بنفسه، ولكن إذا أساء الإنسان الإستفادة من تلك الحرية فماذا سيكون؟! ولو أنّ الظالمين الضالّين المضلّين بسوء إستفادتهم من هذه الموهبة الإلهية استمرّوا على مسيرهم الخاطىء فماذا يقتضي العدل الإلهي؟!

وصحيح أنّ بعضاً من المسيئين يعاقبون في هذه الدنيا ويلقون مصير أعمالهم ـ على الأقل قسم منهم ـ ولكن المسلّم أنّ جميعهم لا ينال جميع ما يستحقّ. كما أنّ جميع المحسنين الأطياب لا يتلقّون جزاء أعمالهم الطيّبة في الدنيا، فهل من


1 ـ نهج البلاغة، الكلمات القصار كلمة 131.
2 ـ الواقعة، 62.
3 ـ تفسير الصافي، المجلّد الخامس، صفحة 107.

[ 264 ]

الممكن أن تكون كلا المجموعتين في كفّة عدالة الله سواء؟!

ويقول القرآن الكريم: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون).(1)

وفي موضع آخر يقول تعالى: (أم نجعل المتّقين كالفجّار).(2)

على كلّ حال، فلا شكّ في تفاوت الناس وإطاعة أوامر الله سبحانه وتعالى، كما أنّ محاكم «القصاص والثواب الدنيوية» و «محكمة الوجدان» و «الآثار الوضعية للذنوب» كلّ ذلك لا يكفي لإقرار العدالة على ما يبدو، وعليه يجب القبول بأنّه لأجل إجراء العدالة الإلهية يلزم وجود محكمة عدل عامّة تراعي بدقّة الخير أو الشرّ في حساباتها، وإلاّ فإنّ أصل العدالة لا يمكن تأمينه أبداً.

وبناءً على ما تقدّم يجب الإقرار بأنّ قبول العدل الإلهي مساو بالضرورة لوجود المعاد والقيامة، القرآن الكريم يقول: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة).(3)

ويقول: (وقضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون).(4)

 

ج ـ برهان الهدف:

على خلاف ما يتوهّمه المادّيون، فإنّ الإلهيين يرون أنّ هناك هدفاً من خلق الإنسان، والذي يعبّر عنه الفلاسفة بـ «التكامل» وفي لسان القرآن والحديث فهو «القرب إلى الله» أو «العبادة» (وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون).(5)

فهل يمكن تحقيق هذا الهدف إذا كان الموت نهاية لكلّ شيء؟!


1 ـ القلم، 35 و36.
2 ـ ص، 28.
3 ـ الأنبياء، 47.
4 ـ يونس، 54.
5 ـ الذاريات، 56.

[ 265 ]

يجب أن يكون عالم بعد هذا العالم ويستمرّ فيه سير الإنسان التكاملي، وهناك يحصد ما زرع في هذا العالم، وكما قلنا في موضع آخر فإنّه في ذلك العالم الآخر يستمرّ سير الإنسان التكاملي ليبلغ هدفه النهائي.

الخلاصة: أنّ تحقيق الهدف من الخلق لا يمكن بدون الإعتقاد بالمعاد، وإذا قطعنا الإرتباط بين هذا العالم وعالم ما بعد الموت، فكلّ شيء سيتحوّل إلى ألغاز، وسوف نفقد الجواب على الكثير من التساؤلات.

 

د ـ برهان نفي الإختلاف:

لا شكّ أنّنا جميعاً نتعذّب كثيراً من الإختلافات بين المذاهب والعقائد في هذا العالم، وكلّنا نتمنّى أن تحلّ هذه الإختلافات، في حين أنّ جميع القرائن تدلّل على أنّ هذه الإختلافات هي من طبيعة الحياة. ويستفاد من عدّة دلائل بأنّه حتّى بعد قيام المهدي (عليه السلام) ـ وهو المقيم لحكومة العدل العالمية والمزيل لكثير من الإختلافات ـ ستبقى بعض الإختلافات العقائدية بلا حلّ تامّ، وكما يقول القرآن الكريم فإنّ اليهود والنصارى سيبقون على إختلافاتهم إلى قيام القيامة: (فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة).(1)

ولكن الله سبحانه وتعالى الذي يقود كلّ شيء باتّجاه الوحدة سينهي تلك الإختلافات حتماً، ولوجود الحجب الكثيفة لعالم المادّة في الدنيا فإنّه لا يمكن حلّ هذا الأمر بشكل كامل فيها، ونعلم أنّ العالم الآخر هو عالم الظهور والإنكشاف، إذن فنهاية هذه المسألة ستكون نهاية عملية، وستكون الحقائق جلية واضحة إلى درجة أنّ الإختلافات العقائدية ستحلّ بشكل نهائي تامّ.

الجميل أنّه تمّ التأكيد في آيات متعدّدة من القرآن الكريم على هذه المسألة، يقول تعالى في الآية (113) من سورة البقرة: (فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما


1 ـ المائدة، 14.

[ 266 ]

كانوا فيه يختلفون) وفي الآيات (38) و39) من سورة النحل يقول تعالى: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعداً عليه حقّاً ولكن أكثر الناس لا يعلمون ليبيّن لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنّهم كانوا كاذبين).

 

4 ـ القرآن ومسألة المعاد:

تعتبر مسألة المعاد المسألة الثانية بعد مسألة التوحيد والتي تعتبر المسألة الأساس في تعليمات الأنبياء بخصائصها وآثارها التربوية، لذا ففي بحوث القرآن الكريم نجد أنّ أكثر الآيات اختّصت ببحث مسألة المعاد، بعد الكثرة الكاثرة التي اختّصت ببحث مسألة التوحيد.

والمباحث القرآنية حول المعاد تارةً تكون بشكل إستدلالات منطقية، واُخرى بشكل بحوث خطابية وتلقينية شديدة الوقع بحيث أنّ سماعها في بعض الأحيان يؤدّي إلى قشعريرة شديدة في البدن بأسره. والكلام الصادق ـ كالإستدلالات المنطقية ـ ينفذ إلى أعماق الروح الإنسانية.

في القسم الأوّل، أي الإستدلالات المنطقية، فإنّ القرآن الكريم يؤكّد كثيراً على موضوع إمكانية المعاد، إذ أنّ منكري المعاد غالباً ما يتوهّمون إستحالته، ويعتقدون بعدم إمكانية المعاد بصورة معاد جسماني يستلزم عودة الأجسام المهترئة والتراب إلى الحياة مرّة اُخرى.

ففي هذا القسم، يلج القرآن الكريم طرقاً متنوعة ومتفاوتة تلتقي كلّها في نقطة واحدة، وهي مسألة «الإمكان العقلي للمعاد».

فتارةً يجسّد للإنسان النشأة الاُولى، وبعبارة وجيزة ومعبّرة واضحة تقول الآية: (كما بدأكم تعودون).(1)


1 ـ الأعراف، 29.

[ 267 ]

وتارةً يجسّد حياة وموت النبات، وبعثه الذي نراه باُمّ أعيننا كلّ عام، وفي الختام يقول إنّ بعثكم تماماً كالنبات: (ونزّلنا من السماء ماءً مباركاً وأنبتنا به جنّات وحب الحصيد ... وأحيينا به بلدةً ميتاً كذلك الخروج).(1)

وفي موضع آخر يقول تعالى: (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور).(2)

وحيناً يطرح مسألة قدرة الله سبحانه وتعالى على خلق السموات والأرض فيقول: (أو لم يروا أنّ الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهنّ بقادر على على أن يحيي الموتى بلى إنّه على كلّ شيء قدير).(3)

وحيناً آخر يعرض عملية إنبعاث الطاقة وإشتعال الشجر الأخضر كنموذج على قدرته، وجعل النار في قلب الماء فيقول: (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً).(4)

وتارةً يجسّد أمام ناظري الإنسان الحياة الجنينية فيقول: (ياأيّها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنّا خلقناكم من تراب ثمّ من نطفة ثمّ من علقة ثمّ من مضغة مخلّقة وغير مخلّقة لنبيّن لكم ونقرّ في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمّى ثمّ نخرجكم طفلا).(5)

وأخيراً فإنّ القرآن تارةً يدلّل على البعث بالنوم الطويل ـ النوم الذي هو قرين الموت وأخوه، بل إنّه الموت بعينه من بعض الجوانب ـ كنوم أصحاب الكهف الذي استمر ثلاثمائة وتسع سنين، وبعد تفصيل جميل حول النوم واليقظة يقول:


1 ـ سورة ق، 9 ـ 11.
2 ـ فاطر، 9.
3 ـ الأحقاف، 33.
4 ـ سورة يس، 80.
5 ـ الحجّ، 5.

[ 268 ]

(وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أنّ وعد الله حقّ وأنّ الساعة لا ريب فيها).(1)

تلك هي الأساليب الستّة المختلفة التي طرحتها آيات القرآن الكريم لبيان إمكانية المعاد. علاوةً على قصّة إبراهيم (عليه السلام) والطيور الأربعة (البقرة ـ 260) وقصّة عزير (البقرة ـ 259) وقصّة الشهادة من بني إسرائيل (البقرة ـ 73)، والتي تشكّل كلّ واحدة منها نموذجاً تأريخياً على هذه المسألة وهي من الشواهد والدلائل الاُخرى التي ذكرها القرآن بهذا الخصوص.

خلاصة القول، إنّ ما يعرضه القرآن الكريم عن المعاد ومظاهره المختلفة ومعلوماته ونتائجه، والدلائل الرفيعة التي يطرحها بهذا الخصوص، حيّة ومقنعة بحيث أنّ أيّ إنسان إذا كان لديه ذرّة من الوجدان فإنّه يتأثّر بعمق ما يطرحه القرآن الكريم.

وعلى قول البعض: فإنّ ألفاً ومائتي آية من القرآن الكريم تبحث في مسألة المعاد، لو جمعت وفسّرت لأصبحت وحدها كتاباً ضخماً.

 

5 ـ المعاد الجسماني:

المقصود من المعاد الجسماني ليس إعادة الجسم وحده في العالم الآخر، بل إنّ الهدف هو بعث الروح والجسم معاً، وبتعبير آخر فإنّ عودة الروح أمر مسلّم به، والحديث حول عودة الجسم.

جمع من الفلاسفة القدماء كانوا يعتقدون بالمعاد الروحي فقط، وينظرون إلى الجسد على أنّه مركّب، يكون مع الإنسان في هذه الدنيا فقط، وبعد الموت يصبح الإنسان غير محتاج إليه فينزل الجسد ويندفع نحو عالم الأرواح.

ولكن العلماء المسلمين الكبار يعتقدون بأنّ المعاد يشمل الروح والجسم، وهنا لا يقيّد البعض بعودة الجسم السابق، ويقولون بأنّ الله قيّض للروح جسداً، ولكن


1 ـ الكهف، 21.

[ 269 ]

شخصيّة الإنسان بروحه فإنّ هذا الجسد يعدّ جسده.

في حال أنّ المحقّقين يعتقدون بأنّ هذا الجسد الذي يصبح تراباً ويتلاشى، يتلبّس بالحياة مرّة اُخرى بأمر الله الذي يجمعه ويكسوه بالحياة، هذه العقيدة نابعة من متون الآيات القرآنية الكريمة.

إنّ الشواهد على المعاد الجسماني في الآيات القرآنية الكريمة كثيرة جدّاً، بحيث يمكن القول قطعاً بأنّ الذين يعتقدون بإقتصار المعاد على المعاد الروحي فقط لا يملكون أدنى إطّلاع على الآيات العديدة التي تبحث في موضوع المعاد، وإلاّ فإنّ جسمانية المعاد واضحة في الآيات القرآنية إلى درجة تنفي أدنى شكّ في هذه المسألة.

فهذه الآيات التي قرأناها في آخر سورة يس، توضّح هذه الحقيقة حيث حينما تساءل الإنسان: (قال من يحيي العظام وهي رميم) أجابه القرآن بصراحة ووضوح: (قل يحييها الذي أنشأها أوّل مرّة).

إنّ كلّ تعجّب المشركين والمخالفين لمسألة المعاد هو هذه القضيّة، وهي كيف يمكن إحياؤنا بعد الموت وبعد أن نصبح تراباً متناثراً وضائعاً في هذه الأرض؟ (وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنّا لفي خلق جديد).(1)

إنّهم يقولون: (أيعدكم أنّكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنّكم مخرجون).(2)

وتعجّبوا من هذه المسألة إلى درجة أنّهم اعتبروا إظهارها دليلا على الجنون أو الكذب على الله (قال الذين كفروا هل ندلّكم على رجل ينبئكم إذا مزّقتم كلّ ممزّق إنّكم لفي خلق جديد).(3)

لهذا السبب فإنّ إستدلالات القرآن الكريم حول إمكانية المعاد عموماً تدور


1 ـ السجدة، 10.
2 ـ المؤمنون، 35.
3 ـ سورة سبأ، 7.

[ 270 ]

حول هذا المحور وهو «المعاد الجسماني» وما عرضناه في الفصل السابق في ستّة طرق كانت دليلا وشاهداً على هذا الإدّعاء.

علاوةً على أنّ القرآن الكريم يذكر مراراً وتكراراً بأنّكم ستخرجون يوم القيامة من قبوركم والقبور مرتبطة بالمعاد الجسماني.

والأوصاف التي يذكرها القرآن الكريم عن المواهب المادية والمعنوية للجنّة، كلّها تدلّل على أنّ المعاد معاد جسمي ومعاد روحي أيضاً، وإلاّ فلا معنى للحور والقصور وأنواع الأغذية والنعيم في الجنّة إلى جنب المواهب المعنوية.

على كلّ حال، فلا يمكن أن يكون الإنسان على جانب يسير من المنطق والثقافة القرآنية وينكر المعاد الجسماني. وبتعبير آخر: فإنّ إنكار المعاد الجسماني بنظر القرآن الكريم مساو لإنكار أصل المعاد.

علاوةً على هذه الأدلّة النقلية، فإنّ هناك أدلّة عقلية بهذا الخصوص لو أردنا إيرادها لاتّسع البحث كثيراً، لا شكّ أنّ الإعتقاد بالمعاد الجسماني سيثير أسئلة وإشكالات كثيرة، منها شبهة الآكل والمأكول والتي ردّ عليها العلماء الإسلاميون والتي أوردنا تفصيلا عنها بشكل مختصر في المجلّد الثاني عند تفسير الآية (260) من سورة البقرة.

 

6 الجنّة والنار

الكثيرون يتوهّمون بأنّ عالم ما بعد الموت يشبه هذا العالم تماماً ولكنّه بشكل أكمل وأجمل، غير أنّ لدينا قرائن عديدة تدلّل على الفروق الكبيرة بين العالمين من حيث الكيفية والكميّة، لو أردنا تشبيهها بالفروق بين العالم الجنيني وهذه الدنيا لظلّت المقايسة أيضاً غير كاملة.

فوفقاً لصريح الروايات الواردة في هذا الشأن فإنّ في عالم ما بعد الموت ما لا عين رأت ولا اُذن سمعت ولا خطر على فكر بشر، القرآن الكريم يقول: (فلا تعلم

[ 271 ]

نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين).(1)

الأنظمة الحاكمة في ذلك العالم أيضاً تتفاوت تماماً مع الأنظمة في هذا العالم، ففي حين يستفاد في هذا العالم من أفراد يسمّون «الشهود» في المحاكمات، نرى أنّ هناك تشهد الأيدي والأرجل وحتّى الجلد (اليوم نختم على أفواههم وتكلّمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون).(2)(وقالوا لجلودهم لِمَ شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كلّ شيء).(3)

على كلّ حال، فما قيل عن العالم الآخر لا يرسم أمامنا سوى صورة باهتة، وعادةً فإنّ اللغة التي نتحدّث بها والثقافة التي لدينا غير قادرة جميعها على الوصف الحقيقي لما هو موجود هناك، ولكن لا يترك الميسور بالمعسور. فالمقدار المتيقّن هو أنّ الجنّة هي مركز كلّ النعم والمواهب الإلهية سواء المادية أو المعنوية، وجهنّم هي مركز لكلّ أنواع العذاب الأليم المادّي والمعنوي أيضاً.

أمّا بخصوص تفصيل ذلك فإنّ القرآن الكريم أورد جزئيات نحن نؤمن بها، ولكن تفصيلها بدقّة غير ممكن بدون الرؤية والمعاينة. ولنا بحث حول هذا الخصوص في تفسير الآية (33) من سورة آل عمران.

إلهي: آمنّا في الفزع الأكبر.

إلهي: لا تحاسبنا بعدلك ولكن حاسبنا بلطفك وعدلك، فليس لدينا من الأعمال ما يوجب رضاك.

اللهم افعل بنا ما يرضيك عنّا ويجعلنا من الناجين آمين ربّ العالمين.

* * *

نهاية سورة يس


1 ـ السجدة، 17.
2 ـ سورة يس ـ 65.
3 ـ سورة فصلت، 21.

[ 272 ]

 

[ 273 ]

 

 

 

سُورَة الصّافات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مكّية

 

وعَدَدُ آيَاتِها مائة و إثنان و ثمانون آية

 

 

 

[ 274 ]

 

[ 275 ]

 

 

 

 

سورة الصّافات

محتوى سورة الصّافات:

هذه السورة بحكم كونها من السور المكيّة، فإنّها تمتلك كافّة خصائص السور المكيّة، فهي تسلّط الأضواء على اُصول المعارف والعقائد الإسلامية الخاصّة بالمبدأ والمعاد. وتتوعّد المشركين بأشدّ العقاب وذلك من خلال العبارات الحازمة والآيات القصيرة العنيفة الوقع، وتوضّح ـ بالأدلّة القاطعة ـ بطلان عقائدهم.

بصورة عامّة يمكن تلخيص محتوى سورة الصافات في خمسة أقسام:

القسم الأوّل: يبحث حول مجاميع من ملائكة الرحمن، ومجموعة من الشياطين المتمردين ومصيرهم.

القسم الثّاني: يتحدّث عن الكافرين، وإنكارهم للنبوّة والمعاد، والعقاب الذي ينتظرهم يوم القيامة، كما يستعرض الحوار الذي يدور بينهم في ذلك اليوم، ويحملهم جميعاً الذنب، والعذاب الإلهي الذي سيشملهم، كما يشرح هذا القسم جوانب من النعم الموجودة في الجنّة إضافةً إلى ملذّاتها وجمالها وسرور أهلها.

القسم الثّالث: يشرح بصورة مختصرة تأريخ الأنبياء أمثال (نوح) و (إبراهيم) و (إسحاق) و (موسى) و (هارون) و (إلياس) و (لوط) و (يونس) وبصورة ذات تأثير قوي، كما يتحدّث هذا القسم بشكل مفصّل عن إبراهيم محطّم الأصنام وعن جوانب مختلفة من حياته، والهدف الرئيسي من وراء سرد قصص الأنبياء ـ مع ذكر بعض الشواهد العينية من تأريخهم ـ هو تجسيد حوادث تلك القصص

[ 276 ]

وتصويرها بشكل محسوس وملموس.

القسم الرّابع: يعالج صورة معيّنة من صور الشرك والذي يمكن إعتباره من أسوأ صور الشرك، وهو الإعتقاد بوجود رابطة القرابة بين الله سبحانه وتعالى والجنّ والملائكة، ويبيّن بطلان مثل هذه العقائد التافهة بعبارات قصيرة.

أمّا القسم الخامس والأخير: فيتناول في عدّة آيات قصار إنتصار جيوش الحقّ على جيوش الكفر والشرك والنفاق، وإبتلاءهم ـ أي الكافرين والمشركين والمنافقين ـ بالعذاب الإلهي، وتنزّه آيات هذا القسم الله سبحانه وتعالى وتقدّسه عن الأشياء التي نسبها المشركون إليه، ثمّ تنتهي السورة بالحمد والثناء على الباري عزّوجلّ.

 

فضيلة تلاوة سورة الصافات:

في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، جاء فيه: «من قرأ سورة الصافات اُعطي من الأجر عشر حسنات، بعدد كلّ جنّ وشيطان، وتباعدت عنه مردة الشياطين، وبرىء من الشرك، وشهد له حافظاه يوم القيامة أنّه كان مؤمناً بالمرسلين»(1).

وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) جاء فيه: «من قرأ سورة الصافات في كلّ جمعة لم يزل محفوظاً من كلّ آفة، مدفوعاً عنه كلّ بليّة في حياته الدنيا، مرزوقاً في الدنيا بأوسع ما يكون من الرزق، ولم يصبه الله في ماله ولا ولده ولا بدنه بسوء من شيطان رجيم، ولا جبّار عنيد، وإن مات في يومه أو ليلته بعثه الله شهيداً، وأماته شهيداً، وأدخله الجنّة مع الشهداء في درجة من الجنّة»(2).

الثواب العظيم الذي يناله من يتلو سورة الصافات، جاء نتيجة لما تحويه هذه


1 ـ مجمع البيان، أوّل تفسير سورة الصافات.
2 ـ تفسير مجمع البيان أوّل تفسير سورة الصافات ـ لقد ورد هذا الحديث في تفسير البرهان نقلا عن الشيخ الصدوق، (رحمه الله) مع إختلاف بسيط.

[ 277 ]

السورة المباركة، فنحن ندرك أنّ الهدف من التلاوة هو التفكّر، ومن ثمّ الإعتقاد، ومن بعد العمل. ومن دون شكّ فإنّ الذي يتلو هذه السورة بتلك الصورة، سيحفظ من شرّ الشياطين، ويتطهّر من الشرك، ويمتلك الإعتقاد الصحيح القوي، ويمارس أعمالا صالحة، ويتّعظ من القصص الواقعية للأنبياء والأقوام الماضية، وإنّه سيحشر مع الشهداء.

وممّا يذكر فإنّ تسمية هذه السورة بالصافات جاءت نسبة إلى الآية الاُولى فيها.

 

* * *

[ 278 ]

 

 

 

 

 

الآيات

 

والصَّـفَّـتِ صَفّاً (1) فَالزَّجِرَتِ زَجْراً (2) فَالتَّـلِيَـتِ ذِكْراً(3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَحِدٌ (4) رَّبُّ السَّمَـوَتِ وَالاَْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَـرِقِ (5)

 

التّفسير

الملائكة المستعدّة لتنفيذ المهام:

هذه السورة هي أوّل سورة في القرآن الكريم تبدأ بالقسم، القسم المليء بالمعاني والمثير للتفكّر، القسم الذي يجوب بفكر الإنسان في جوانب مختلفة من هذا العالم، ويجعله متهيّئاً لتقبّل الحقائق.

من المسلّم به أنّ الله تبارك وتعالى هو أصدق الصادقين، وليس بحاجة إلى القسم، إضافةً إلى أنّ قسمه إن كان للمؤمنين، فإنّهم مؤمنون به من دون قسم، وإن كان للناكرين، فإنّ اُولئك لا يعتقدون بالقسم الإلهي.

ونلفت الإنتباه إلى نقطتين لحلّ مشكلة القسم في كلّ آيات القرآن التي سنتناولها من الآن فما بعد.

الاُولى: أنّ القسم يأتي دائماً بالنسبة إلى اُمور مهمّة وذات قيمة، ولذلك فإنّ

[ 279 ]

أقسام القرآن تشير إلى عظمة وأهميّة الأشياء المقسم بها. وهذا الأمر يدعو إلى التفكّر أكثر بالشيء المقسم به، التفكّر الذي يكشف للإنسان عن حقائق جديدة.

الثانية: أنّ القسم يأتي للتأكيد، وللدلالة على أنّ الاُمور التي يقسم من أجلها هي اُمور جديّة ومؤكّدة.

وعلاوةً على ذلك أنّ المتحدّث لو تحدّث بصورة حازمة ومؤكّدة، فإنّ تأثير كلامه من الناحية النفسية سيكون أوقع على قلب المستمع، كما أنّه يقوّي المؤمنين ويضعّف الكافرين.

على كلّ حال، فإنّ بداية هذه السورة تذكر أسماء ثلاثة طوائف أقسم بها الله تعالى(1).

الاُولى: (والصافات صفّاً).

الثانية: (فالزاجرات زجراً).

الثالثة: (فالتاليات ذكراً).

فمن هي تلك الطوائف الثلاث؟ وعلى من أطلقت تلك الصفات؟ وما الهدف النهائي منها؟

المفسّرون قالوا الكثير بهذا الشأن، إلاّ أنّ المعروف والمشهور هو أنّ هذه الصفات تخصّ طوائف من الملائكة ...

طوائف اصطفّت في عالم الوجود بصفوف منظمة، وهي مستعدّة لتنفيذ الأمر الإلهي.

وطوائف من الملائكة تزجر بني آدم عن إرتكاب المعاصي والذنوب، وتحبط وساوس الشياطين في قلوبهم. أو الملائكة الموكّلة بتسيير السحاب في السماء وسوقها نحو الأرض اليابسة لإحيائها.

وأخيراً طوائف من الملائكة تتلو آيات الكتب السماوية حين نزول الوحي


1 ـ هذه العبارات الثلاث من جهة هي ثلاثة أقسام، ومن جهة اُخرى هي قسم واحد له ثلاث صفات.

[ 280 ]

على الرسل(1).

وممّا يلفت النظر أنّ «الصافات» هي جمع كلمة «صافّة» وهي بدورها تحمل صفة الجمع أيضاً، وتشير إلى مجموعة مصطفّة، إذن فـ «الصافات» تعني الصفوف المتعدّدة(2).

وأمّا كلمة «الزاجرات» فإنّها مأخوذة من (الزجر) ويعني الصرف عن الشيء بالتخويف والصراخ، وبمعنى أوسع فإنّها تشمل كلّ منع وطرد وزجر للآخرين.

إذن فالزاجرات تعني مجاميع مهمّتها نهي وصرف وزجر الآخرين.

و «التاليات» من (التلاوة) وهي جمع كلمة (تال) وتعني طوائف مهمّتها تلاوة شيء ما(3).

ونظراً لكثرة وإتّساع مفاهيم هذه الألفاظ، فليس من العجب أن يطرح المفسّرون تفاسير مختلفة لها دون أن يناقض بعضها الآخر، بل من الممكن أيضاً أن تجتمع لتوضيح مفهوم هذه الآيات، فمثلا المقصود من كلمة «الصافات» هو صفوف الملائكة المستعدّة لتنفيذ الأوامر الإلهيّة في عالم الخلق، أو الملائكة النازلون بالوحي إلى الأنبياء في عالم التشريع، وكذلك صفوف المقاتلين


1 ـ بالطبع وردت إحتمالات اُخرى في تفسير الآيات المذكورة أعلاه، «منها» ما يشير إلى صفوف جند الإسلام في ساحات الجهاد، الذين يصرخون بالأعداء ويزجرونهم عن الإعتداء على حرمة الإسلام والقرآن، والذين يتلون كتاب الله دائماً ومن دون أي إنقطاع، وينوّرون قلوبهم وأرواحهم بنور تلاوته، ومنها: أنّ بعض هذه الأوصاف الثلاثة هو إشارة إلى ملائكة إصطفّت بصفوف منظمة، والقسم الآخر يشير إلى آيات القرآن التي تنهى الناس عن إرتكاب القبائح، والقسم الثالث يشير إلى المؤمنين الذين يتلون القرآن في أوقات الصلاة وفي غيرها من الأوقات. ويستبعد الفصل بين هذه الأوصاف، لأنّها معطوفة على بعضها البعض بحرف (الفاء)، وهذا يوضّح أنّها أوصاف لطائفة واحدة.
وقد ذكر العلاّمة «الطباطبائي» في تفسيره الميزان هذا الإحتمال، في أنّ الأوصاف الثلاثة هي تطلق على ملائكة مكلّفة بتبليغ الوحي الإلهي، والإصطفاف في طريق الوحي لتوديعه، وزجر الشياطين التي تقف في طريقه، وفي النهاية تلاوة آيات الله على الأنبياء.
2 ـ ولا ضير في التعبير عن الملائكة بلفظ الإناث «الصافات والزاجرات والتاليات» لأنّ موصوفها الجماعة، وهي مؤنّث لفظي.
3 ـ ممّا يذكر أنّ بعض اللغويين قالوا بأنّ جمع كلمة (تال) هو (تاليات) وجمع (تالية) (توال).

[ 281 ]

والمجاهدين في سبيل الله، أو صفوف المصلّين والعباد.

رغم أنّ القرائن تشير إلى أنّ المراد من كلمة «الصافات» هو الملائكة، إضافةً إلى أنّ بعض الروايات قد أشارت إلى ذلك المعنى(1).

وليس هناك أي مانع من أن تشمل كلمة «الزاجرات» الملائكة الذين يطردون وساوس الشياطين من قلوب بني آدم، والإنسان الذي يؤدّي واجب النهي عن المنكر.

و «التاليات» إشارة إلى كلّ الملائكة والجماعات المؤمنة التي تتلو آيات الله، وتلهج بذكره تبارك وتعالى على الدوام.

هنا يطرح هذا السؤال: ظاهر هذه الآيات ـ وبمقتضى وجود العطف بحرف (الفاء) بين الجمل الثلاث ـ يبيّن أنّ الطوائف الثلاث جاءت الواحدة بعد الاُخرى، فهل أنّ هذا الترتيب جاء بحكم الواجب المترتّب على كلّ طائفة؟ أم كلّ حسب مقامه؟ أم لكلا الأمرين؟

من الواضح أنّ الإصطفاف والإستعداد قد جاءا كمرحلة اُولى، ثمّ جاءت ـ كمرحلة ثانية ـ عملية إزالة العراقيل من الطريق. أمّا إعلان الأوامر وتنفيذها فقد كانت بمثابة المرحلة الثالثة.

ومن جهة اُخرى فإنّ المستعدّين لتنفيذ الأوامر الإلهيّة لهم مرتبة، والذين يزيلون العراقيل لهم مرتبة أعلى، أمّا الذين يتلون الأوامر وينفّذونها فلهم مرتبة أسمى من الجميع.

على أيّة حال فإنّ قسم الله سبحانه وتعالى بتلك الطوائف يوضّح عظم منزلتهم عند الباري عزّوجلّ، ويشير إلى حقيقة مفادها أنّ سالكي طريق الحقّ عليهم للوصول إلى غايتهم أن يجتازوا تلك المراحل الثلاث والتي تبدأ بتنظيم الصفوف ووقوف كلّ مجموعة في الصفّ المخصّص لها، ومن ثمّ العمل على إزالة العراقيل