وصحيح أنّ كلمة «اقتتلوا» مشتقّة من مادة القتال ومعناها الحرب، إلاّ أنّها كما تشهد بذلك القرائن تشمل كلّ أنواع النزاع وإن لم يصل إلى مرحلة القتال والمواجهة «العسكرية» ويؤيّد هذا المعنى أيضاً بعض ما نقل في شأن نزول الآية...

بل يمكن القول: إنّه لو توفّرت مقدّمات النزاع كالمشاجرات اللفظية مثلاً التي تجرّ إلى المنازعات الدامية فإنّه ينبغي وطبقاً لمنطوق الآية أن يُسعى إلى الإصلاح بين المتنازعين، لأنّه يمكن أن يستفاد هذا المعنى من الآية المتقدّمة عن طريق إلغاء الخصوصية.

وعلى كلّ حال، فإنّ من واجب جميع المسلمين أن يصلحوا بين المتنازعين منهم لئلاّ تسيل الدماء وأن يعرفوا مسؤوليتهم في هذا المجال، فلا يكونوا متفرّجين كبعض الجهلة الذين يمرّون بهذه الأُمور دون اكتراث وتأثّر! فهذه هي وظيفة المؤمنين الأولى عند مواجهة أمثال هذه الأُمور.

ثمّ يبيّن القرآن الوظيفة الثانية على النحو التالي: (فإن بغت إحداهما على الأُخرى)ولم تستسلم لاقتراح الصلح (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله).

وبديهيٌّ أنّه لو سالت دماء الطائفة الباغية والظالمة ـ في هذه الأثناء ـ فإثمها عليها، أو كما يصطلح عليه إنّ دماءهم هدر، وإن كانوا مسلمين، لأنّ الفرض أنّ النزاع واقع بين طائفتين من المؤمنين...

وهكذا ـ فإنّ الإسلام يمنع من الظلم وإن أدّى إلى مقاتلة الظالم، لأنّ ثمن العدالة أغلى من دم المسلمين أيضاً، ولكن لا يكون ذلك إلاّ إذا فشلت الحلول السلمية.

ثمّ يبيّن القرآن الوظيفة الثالثة فيقول: (فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل).

أي لا ينبغي أن يقنع المسلمون بالقضاء على قوة الطائفية الباغية الظالمة بل ينبغي أن يعقب ذلك الصلح وأن يكون مقدّمة لقلع جذور عوامل النزاع، وإلاّ فإنّه بمرور الزمن ما أن يُحسّ الظالم في نفسه القدرة حتى ينهض ثانية ويثير النزاع.

قال بعض المفسّرين: يستفاد من التعبير «بالعدل» أنّه لو كان حقّ مضاع بين الطائفتين أو دم مراق وما إلى ذلك ممّا يكون منشأ للنزاع فيجب إصلاحه أيضاً، وإلاّ فلا يصدق عليه «إصلاح بالعدل»(2).

وحيث أنّه تميل النوازع النفسية أحياناً في بعض الجماعات عند الحكم والقضاء الى إحدى الطائفتين المتخاصمتين وتنقض «الإستقامة» عند القضاة فإنّ القرآن ينذر المسلمين في رابع تعليماته وما ينبغي عليهم فيقول: (وأقسطوا إنّ الله يحبّ المقسطين)(3).

والآية التالية تضيف ـ لبيان العلّة والتأكيد على هذا الأمر قائلةً: (إنّما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم).

فكما تسعون للإصلاح بين الأخوين في النَسَب، فينبغي أن لا تألوا جهداً في الدخول بصورة جادّة للإصلاح بين المؤمنين المتخاصمين بعدالة تامّة!

وما أحسنه من تعبير وكم هو بليغ إذ يعبّر القرآن عن جميع المؤمنين بأنّهم «أخوة» وأن يسمّي النزاع بينهم نزاعاً بين الأخوة! وأنّه ينبغي أن يبادر إلى إحلال الإصلاح والصفاء مكانه...

وحيث أنّه في كثير من الأوقات تحل «الروابط» في أمثال هذه المسائل محل «الضوابط» فإنّ القرآن يضيف في نهاية هذه الآية مرّةً أُخرى قائلاً: (واتّقوا الله لعلّكم ترحمون).

وهكذا تتّضح إحدى أهم المسؤوليات الإجتماعية على المسلمين في ما بينهم في تحكيم العدالة الإجتماعية بجميع أبعادها.

* * *


1 ـ مع أنّ كلمة (طائفتان) مثنى طائفة، إلاّ أنّ فعلها جاء بصيغة الجمع اقتتلوا لأنّ كلّ طائفة مؤلفة من مجموعة من الأفراد.

2 ـ تفسير الميزان، ج18، ص342.

3 ـ كلمة «المقسطين» مأخوذة من القسط ومعناها في الأصل التقسيم بالعدل، وحين ترد على صيغة الفعل الثلاثي قسط على زنة ضرب تعني الظلم والتجاوز على حصّة الآخرين ظلماً، إلاّ أنّه حين تأتي ثلاثي مزيد فيقال «أقسط» فإنّها تعني إعطاء الحصة عدلاً، وهل القسط والعدل بمعنى واحد أم لا؟ هناك بحث ذكرناه في ذيل الآية (29) من سورة الأعراف لا بأس بمراجعتها..

[538]

بحثان

الأوّل: شروط قتال أهل البغي «البُغاة»

هناك باب في الفقه الإسلامي بعنوان: «قتال أهل البغي» ضمن كتاب الجهاد، والمراد منه قتال الظَلَمة الذين ينهضون بوجه «الإمام العادل في المسلمين» وقد وردت فيهم أحكام كثيرة في هذا الباب...

إلاّ أنّ ما أثارته الآية الآنفة موضوع آخر، وهو النزاع الواقع بين الطائفتين المؤمنين، وليس في هذا النزاع نهوض بوجه إمام المسلمين العادل ولا نهوض بوجه الحكومة الإسلامية الصالحة. وقد أراد بعض الفقهاء أو المفسّرين أن يستفيدوا من هذه الآية «في المسألة السابقة» إلاّ أنّ هذا الإستدلال كما يقول الفاضل «المقداد» في «كنز العرفان» خطأ بيّن(1). لأنّ القيام والنهوض بوجه الإمام العادل موجب للكفر، في حين أنّ النزاع بيّن المؤمنين موجب للفسق فحسب  لا الكفر، ولذلك فإنّ القرآن المجيد عبّر عن الطائفتين بالمؤمنين وسمّاهم أخوةً، فلا يصحّ تعميم أحكام أهل البغي على أمثال هؤلاء!...

ومن المؤسف أنّنا لم نعثر على بحث في الفقه في شأن أحكام هذه الطائفة، إلاّ أنّ ما يستفاد من الآية المتقدّمة بضميمة القرائن الأُخَر وخاصةً ما ورد من إشارات في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي الأحكام التالية!...

1 ـ إنّ الإصلاح بين الطوائف المتنازعة «من المسلمين» أمر واجب كفائي.

2 ـ ينبغي لتحقّق هذا الأمر أن يُشرع أوّلاً من المراحل البسيطة وأن تراعى قاعدة «الأسهل فالأسهل» إلاّ أنّه إذا لم ينفع ذلك فيجوز عندئذ المواجهة المسلّحة بل تلزم أحياناً...

3 ـ ما يسفك من دم البغاة في هذا السبيل وما تذهب منهم من أموال كلّها هدر، لأنّ حكم الشرع قد امتثل وأُديّت الوظيفة الواجبة، والأصل في مثل هذه الموارد عدم الضمان!

4 ـ لا حاجة لإذن حاكم الشرع في مراحل الإصلاح عن طريق الكلام والمباحثات، إلاّ أنّه لابدّ من الإذن عند اشتداد العمل ولا سيما إذا انتهى الأمر إلى سفك الدماء، فلا يجوز عندئذ الإقدام بأيّ عمل إلاّ بأمر الحكومة الإسلامية وحاكم الشرع! إلاّ في الموارد التي لا يمكن الوصول إلى حاكم الشرع بأي وجه، فللعدول عندئذ وأهل الخبرة من المؤمنين أن يتّخذوا القرار الذي يرونه...

5 ـ في حالة ما لو سفكت الطائفة الباغية والظالمة دماً من «الجماعة المصلحة» أو نهبت أموالاً منها، فهي ضامنة بحكم الشرع ويجري القصاص منها في صورة وقوع قتل العمد، وكذلك في مورد تسفك فيه دماء من الطائفة المظلومة أو تتلف منها أموالها فإنّ حكم القصاص والضمان ثابت أيضاً وما يقال من أنّه بعد وقوع الصلح لا تتحمّل الطائفة الباغية مسؤولية الدماء المسفوكة والأموال المهدورة لأنّه لم تشر إليه الآية ـ محل البحث ـ غير صحيح، والآية ليست في مقام بيان جميع هذا المطلب، بل المرجع في مثل هذه الموارد هو سائر الأصول والقواعد الواردة في أبواب القصاص والإتلاف...

6 ـ حيث أنّ الهدف من هذه المقاتلة والحرب حمل الطائفة الباغية على قبول الحق، فعلى هذا لا تثار في الحرب مسألة «أسرى الحرب والغنائم» لأنّ الطائفتين بحسب الفرض مسلمتان، إلاّ أنّه لا مانع من الأسر مؤقتاً لإطفاء نائرة النزاع ولكن بعد حل النزاع والصلح يجب إطلاق الأسرى فوراً...

7 ـ قد يتفق أحياناً أن يكون طرفا النزاع باغيين، فهذا الطرف قتل جماعة من القبيلة الأُخرى وسلب ماله، وذلك الطرف قتل جماعة من هذه القبيلة والطائفة وسلب أموالها دون أن يقنع كلّ منهما بالمقدار اللازم من الدفاع سواءً كان الطرفان «الطائفتان» بمستوى واحد من الظلم والبغي أو بعضهما أكثر اعتداءً والآخر أقل!

وبالطبع فإنّ الحكم في شأن هذا المورد لم يرد صراحةً في القرآن، لكن يمكن أن يستفاد هذا الحكم عن طريق إلغاء الخصوصية من الآية محل البحث، وهو أنّ وظيفة المسلمين أن يصلحوا بين الطرفين، وإذا لم يوافقا على الصلح فلابدّ من قتالهم جميعاً حتى يفيء كلٌّ إلى أمر الله، ما ذكرناه آنفاً من أحكام في شأن الباغي والظالم جار في الطرفين...

وفي ختام هذا الكلام نؤكّد مرّةً أُخرى أنّ حكم هؤلاء البغاة منفصل عن حكم الذين يقفون بوجه الإمام المعصوم أو الحكومة الإسلامية العادلة، فإنّ لهذه الطائفة الأخيرة أحكاماً أشدّ وأصعب واردة في كتاب الجهاد من الفقه الإسلامي.


1 ـ كنز العرفان في فقه القرآن، كتاب الجهاد، باب أنواع أُخر من الجهاد ـ الجزء الأول، ص386.

[540]

الثّاني: أهميّة الأخوة الإسلامية

إنّ جملة: (إنّما المؤمنون أخوة) الواردة في الآيات المتقدّمة واحدة من الشعارات الأساسية و«المتجذّرة» في الإسلام، فهي شعار عميق، بليغ، مؤثر وذو معنى غزير...

إنّ الآخرين حين يريدون إظهار مزيد من العلاقة بمن يشاركهم في المنهج والعمل، يعبّرون عنهم بالرفاق، «أو الرفيق للمفرد» إلاّ أنّ الإسلام رفع مستوى الإرتباط والحب بين المسلمين إلى درجة جعلها بمستوى أقرب العلائق بين شخصين وهي علاقة الأخوين التي تقوم العلاقة بينهما على أساس المساواة والتكافؤ.

فعلى هذا الأصل الإسلامي المهم فإنّ المسلمين على اختلاف قبائلهم وقوميّاتهم ولغاتهم وأعمارهم يشعرون فيما بينهم بالأخوّة وإن عاش بعضهم في الشرق والآخر في الغرب...

ففي مناسك الحج مثلاً حيث يجتمع المسلمون من نقاط العالم كافة في مركز التوحيد تبدو هذه العلاقة والإرتباط والإنسجام والوشائج محسوسة وميداناً للتحقّق العيني لهذا القانون الإسلامي المهم...

وبتعبير آخر إنّ الإسلام يرى المسلمين جميعاً بحكم الأسرة الواحدة ويخاطبهم جميعاً بالإخوان والأخوات ليس ذلك في اللفظ والشعار، بل في العمل والتعهّدات المتماثلة أيضاً، جميعهم (أخوة وأخوات).

وفي الروايات الإسلامية تأكيد على هذه المسألة أيضاً ولا سيما في ما يخص الجوانب العملية ونحن نذكر هنا على سبيل المثال بعضاً من الأحاديث التالية:

1 ـ ورد عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه»(1).

2 ـ وورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «مثل الأخوين مثل اليدين تغسل إحداهما الأُخرى»(2).

3 ـ ويقول الإمام الصادق (عليه السلام): «المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إذا اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده وأرواحهما من روح واحدة»(3).

4 ـ كما نقرأ حديثاً آخر عنه (عليه السلام) يقول فيه: «المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله  لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشّه ولا يعده عدةً فيخلفه»(4).

وهناك روايات كثيرة في مصادر الحديث الإسلامية المعروفة في ما يتعلّق بحق المؤمن على أخيه المسلم وأنواع حقوق المؤمنين بعضهم على بعض وثواب زيارة الإخوان المؤمنين «والمصافحة والمعانقة» وذكرهم وإدخال السرور على قلوبهم وخاصةً قضاء حاجاتهم والسعي في إنجازها وإذهاب الهم والغم عن القلوب وإطعام الطعام وإكسائهم الثياب وإكرامهم وإحترامهم، ويمكن مطالعتها في أصول الكافي في أبواب مختلفة تحت العناوين الآنفة.

5 ـ وفي ختام هذا المطاف نشير إلى رواية هي من أكثر الروايات «جمعاً» في شأن حقوق المؤمن على أخيه المؤمن التي تبلغ ثلاثين حقّاً!...

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «للمسلم على أخيه ثلاثون حقّاً، لا براءة له منها إلاّ بالأداء أو العفو!

يغفر زلّته، ويرحم عبرته، ويستر عورته، ويُقيل عثرته، ويقبل معذرته، ويرد غيبته، ويديم نصيحته، ويحفظ خلّته، ويرعى ذمّته، ويعود مرضه، ويشهد ميّته، ويجيب دعوته، ويقبل هديته، ويكافئ صلته، ويشكر نعمته، ويحسن نصرته، ويحفظ حليلته، ويقضي حاجته، ويشفع مسألته، ويسمّت عطسته، ويرشد ضالّته، ويردّ سلامه، ويطيب كلامه، ويُبرّ أنعامه، ويصدق أقسامه، ويوالي وليّه،  ولا يعاديه، وينصره ظالماً ومظلوماً، فأمّا نصرته ظالماً فيردّه عن ظلمه، وأمّا نصرته مظلوماً فيعينه على أخذ حقّه، ولا يُسلمه، ولا يخذله، ويحب له من الخير ما يُحبّ لنفسه، ويكره له من الشر ما يكره لنفسه»(5).

وعلى كلّ حال فإنّ واحداً من حقوق المسلمين بعضهم على بعض هو مسألة الإعانة وإصلاح ذات البين كما ورد في الآيات المتقدّمة والروايات الآنفة «وكان لنا في التفسر الأمثل بحث في «إصلاح ذات البين» ذيل الآية الأولى من سورة الأنفال»...

 

* * *


1 ـ المحجّة البيضاء، ج3، ص332 (كتاب الصحبة والمعاشرة) الباب الثاني.

2 ـ المصدر السابق.

3 ـ 4 ـ أصول الكافي، ج2، ص133 (باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض الحديث 3 و4).

5 ـ بحار الأنوار، ج74، ص236.

[544]

 

 

 

 

الآيتان

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِن قَوْم عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِن نِسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِالاَْلْقَـبِ بِئْسَ الاْسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الاِْيَمـنِ وَمَن لَمْ يَتُبْ فَأُولَـئِكَ هُمُ الظَّـلِمُونَ( 11 ) يَـأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ( 12 )

 

سبب النّزول

ذكر المفسّرون لهاتين الآيتين شأناً «في نزولهما» بل شؤوناً مختلفة، منها أنّ جملة (لا يسخر قومٌ من قوم) نزلت في «ثابت بن قيس» خطيب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)الذي كان ثقيل السمع وكان حين يدخل المسجد يجلس إلى جنب النّبي ويُوّفَر له المكان عنده ليسمع حديث النبي، وذات مرّة دخل المسجد والمسلمون كانوا قد فرغوا من صلاتهم وجلسوا في أماكنهم، فكان يشقّ الجموع ويقول: تفسّحوا، تفسّحوا حتى وصل إلى رجل من المسلمين فقال له: اجلسْ (مكانك هنا) فجلس خلفه مُغضَباً حتى انكشفت العُتمة فقال ثابت لذلك الرجل: من أنت فقال: أنا فلان فقال له: ثابت ابن فلانة؟! وذكر اسم أُمّه بما يكره من لقبها.. وكانت تعرف به في زمان الجاهلية فاستحيى ذلك الرجل وطأطأ برأسه إلى الأرض، فنزلت الآية ونهت المسلمين عن مثل هذا العمل..

وقيل إنّ جملة (ولا نساء من نساء) نزلت في أُمِّ سلمة إحدى أزواج النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لأنّها كانت تلبس لبوساً خاصاً أو لأنّها كانت قصير فكانت النساء يسخرن منها، فنزلت الآية ونهت عن مثل هذه الأعمال!.

وقالوا إنّ جملة (ولا يغتب بعضكم بعضاً) نزلت في نفرين من الصحابة اغتابا صاحبهما «سلمان» لأنّهما كانا قد بعثاه نحو النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ليأتيهما بطعام منه، فأرسل النّبي سلمان نحو «أسامة بن زيد» الذي كان مسؤول بيت المال فقال أسامة ليس عندي شيء الآن.. فاغتابا أسامة وقالا إنّه بخيل وقالا في شأن سلمان: لو كنّا أرسلناه إلى بئر سميحة لغاض ماؤها «وكانت بئراً غزيرة الماء» ثمّ انطلقا ليأتيا أسامة وليتجسّسا عليه، فقال لهما النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّي أرى آثار أكل اللحم على أفواهكما: فقالا يا رسول الله لم نأكل اللحم هذا اليوم فقال رسول الله: أجل تأكلون لحم سلمان وأسامة. فنزلت الآية ونهت المسلمين عن الإغتياب(1).

* * *


1 ـ راجع تفسير مجمع البيان، ج9، ص135، والقرطبي في تفسيره، إذ ذكر هذا الشأن مع شيء من التفاوت.

[545]

التّفسير

الإستهزاء وسوء الظنّ والغيبة والتجسّس والألقاب السيئة حرام!

حيث أنّ القرآن المجيد اهتمّ ببناء المجتمع الإسلامي على أساس المعايير الأخلاقية فإنّه بعد البحث عن وظائف المسلمين في مورد النزاع والمخاصمة بين طوائف المسلمين المختلفة بيَّن في الآيتين محل البحث قسماً من جذور هذه الإختلافات ليزول الإختلاف (بقطعها) ويُحسم النزاع!

ففي كلّ من الآيتين الآنفتين تعبير صريح وبليغ عن ثلاثة أُمور يمكن أن يكون كلّ منها شرارة لإشتعال الحرب والإختلاف، إذ تقول الآية الأولى من الآيتين محل البحث أوّلاً: (يا أيّها الذين آمنوا لا يَسخر قوم من قوم).

لأنّه (عسى أن يكونوا خيراً منهم).

(ولا نساءٌ من نساء عسى أن يكنَّ خيراً منهن).

والخطاب موجّه هنا إلى المؤمنين كافة فهو يَعمُّ الرجال والنساء وينذر الجميع أن يجتنبوا هذا الأمر القبيح، لأنّ أساس السخرية والإستهزاء هو الإحساس بالإستعلاء والغرور والكبر وأمثال ذلك إذ كانت تبعث على كثير من الحروب الدامية على امتداد التاريخ!

وهذا الإستعلاء أو التكبّر غالباً ما يكون أساسه القيم المادية والظواهر المادية فمثلاً، فلانٌ يرى نفسه أكثر مالاً من الآخر أو يرى نفسه أجمل من غيره أو أنّه يُعدُّ من القبيلة المشهورة والمعروفة أكثر من سواها، وربَّما يسوقه تصوّره بأنّه أفضل من الجماعة الفلانية علماً وعبادةً ومعنوية إلى السخرية منهم، في حين أنّ المعيار الواقعي عند الله هو «التقوى» التي تنسجم مع طهارة القلب وخلوص النيّة والتواضع والأخلاق والأدب!.

ولا يصحّ لأي أحد أن يقول أنا أفضل عند الله من سواي، ولذلك عُدَّ تحقير الآخرين والتعالي بالنفس من أسوأ الاُمور وأقبح العيوب الأخلاقية التي يمكن أن تكون لها انعكاسات سلبية في حياة الناس جميعاً.

ثمّ تقول الآية في المرحلة الثانية: (ولا تلمزوا أنفسكم).

كلمة «تلمزوا» هي من مادة «لَمْز» على زنة «طنز» ومعناها تتّبع العيوب والطعن في الآخرين، وفسّر بعضهم الفرق بين «الهمز» و«اللمز» بأنّ «اللمز» عدّ عيوب الناس بحضورهم، و«الهمز» ذكر عيوبهم في غيابهم، كما قيل أنّ «اللمز» تتبّع العيوب بالعين والإشارة في حين أنّ «الهمز» هو ذكر العيوب باللسان «وسيأتي تفصل هذا الموضوع بإذن الله في تفسير سورة الهمزة»...

الطريف أنّ القرآن في تعبير «بأنفسكم» يُشير إلى وحدة المؤمنين وأنّهم نسيجٌ واحد، ويبيّن هنا بأنّ جميع المؤمنين بمثابة النفس الواحدة فمن عاب غيره فإنّما عاب نفسه في الواقع!.

وتضيف الآية في المرحلة الثالثة أيضاً قائلة: (ولا تنابزوا بالألقاب).

هناك الكثير من الأفراد الحمقى قديماً وحديثاً، ماضياً وحاضراً مولعون بالتراشق بالألفاظ القبيحة، ومن هذا المنطلق فهم يحقّرون الآخرين ويدمّرون شخصياتهم وربَّما انتقموا منهم أحياناً عن هذا الطريق، وقد يتّفق أنّ شخصاً كان يعمل المنكرات سابقاً، ثمّ تاب وأناب وأخلص قلبه لله، ولكن مع ذلك نراهم يرشقونه بلقب مبتذل كاشف عن ماضيه!

الإسلام نهى عن هذه الأُمور بصراحة ومنع من إطلاق أي إسم أو لقب غير مرغوب فيه يكون مدعاةً لتحقير المسلم...

ونقرأ في بعض الأحاديث أنّ «صفية بنت حيي بن أخطب» المرأة اليهودية التي أسلمت بعد فتح خيبر وأصبحت زوجة النّبي ـ جاءت صفية يوماً إلى النّبي وهي باكية العين فسألها النّبي عن سبب بكائها فقالت: إنّ عائشة توبّخني وتقول لي يا ابنة اليهودي، فقال لها النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فلمَ لا قلت لها: أبي هارون وعمّي موسى وزوجي محمّد فكان أن نزلت هذه الآية ـ محل البحث ـ(1).

ولذلك فإنّ الآية تضيف قائلةً: (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) أي قبيح جدّاً على من دخل في سلك الإيمان أن يذكر الناس بسمات الكفر.

واحتمل بعض المفسّرين احتمالاً آخر لهذه الجملة المذكورة آنفاً وهي أنّ الله نهى المؤمنين أن يرضوا بأسماء الفسق والجاهلية لأنفسهم بسبب سخرية الناس ولتحاشي استهزائهم.

ولكن مع الالتفات إلى صدر الآية وشأن النّزول المذكور يبدو أنّ التّفسير الأوّل أقرب.

وتُختتم الآية لمزيد التأكيد بالقول: (ومن لم يتُبْ فأولئك هم الظالمون).

وأي ظلم أسوأ من أن يؤذي شخص بالكلمات اللاذعة و«اللاسعة» والتحقير واللمز قلوب المؤمنين التي هي «مركز عشق» الله وأن يطعن في شخصياتهم ويبتذل كرامتهم التي هي أساس شخصيتهم.

ماء وجوههم الذي هو أساس حياتهم الأهم.

وقلنا إنّ في كلٍّ من الآيتين ـ محل البحث ـ ثلاثة أحكام في مجال الأخلاق الإجتماعية. فالأحكام الثلاثة في الآية الأولى هي «عدم السخرية» و«ترك اللمز» و«ترك التنابز بالألقاب».

والأحكام الثلاثة في الآية الثانية هي «اجتناب سوء الظن» و«التجسّس» و«الإغتياب».

في هذه الآية يبدأ القرآن فيقول: (يا أيّها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إنّ بعض الظن إثم).

والمراد من «كثيراً من الظن» الظنون السيّئة التي تغلب على الظنون الحسنة بين الناس لذلك عبّر عنها بـ«الكثير» وإلاّ فإنّ حسن الظن لا أنّه غير ممنوع فحسب، بل هو مستحسن كما يقول القرآن في الآية (12) من سورة النور: (لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً).

وممّا يلفت النظر أنّه قد نُهي عن كثير من الظنّ، إلاّ أنّه في مقام التعليل تقول الآية: (إنّ بعض الظن إثم) ولعلّ هذا الإختلاف في التعبير ناشئٌ من أنّ الظنون السيّئة بعضها مطابق للواقع وبعضها مخالف له، فما خالف الواقع فهو إثم لا محالة، ولذلك قالت الآية: (إنّ بعض الظن إثم) وعلى هذا فيكفي هذا البعض من الظنون الذي يكون إثماً أن نتجنّب سائر الظنون لئلا نقع في الإثم!

وهنا ينقدح هذا السؤال، وهو أنّ الظنّ السيء أو الظن الحسن ليسا اختياريين (غالباً) وإنّما يكون كلٌّ منهما على أثر سلسلة من المقدّمات الخارجة عن اختيار الإنسان والتي تنعكس في ذهنه، فكيف يصحُّ النهي عن ذلك؟!

وفي مقام الجواب يمكن القول بأنّه:

1 ـ المراد من هذا النهي هو النهي عن ترتيب الآثار، أي متى ما خطر الظنّ السيء في الذهن عن المسلم فلا ينبغي الإعتناء به عمليّاً، ولا ينبغي تبديل أُسلوب التعامل معه ولا تغيير الروابط مع ذلك الطرف، فعلى هذا الأساس فإنّ الإثم هو إعطاء الأثر وترتّبه عليه.

ولذلك نقرأ في هذا الصدد حديثاً عن نبيّ الإسلام يقول فيه: «ثلاث في المؤمن لا يستحسنّ، وله منهنّ مخرج فمخرجه من سوء الظن ألاّ يحقّقه»(2)... إلى آخر الحديث الشريف.

2 ـ يستطيع الإنسان أن يبعد عن نفسه سوء الظن بالتفكير في المسائل المختلفة، بأن يفكر في طرق الحمل على الصحة، وأن يجسّد في ذهنه الإحتمالات الصحيحة الموجودة في ذلك العمل، وهكذا يتغلّب تدريجاً على سوء الظنّ!

فبناءً على هذا ليس سوء الظن شيئاً (ذا بال) بحيث يخرج عن اختيار الإنسان دائماً!

لذلك فقد ورد في الروايات أنّه: «ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك منه، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجدُ لها في الخير محملاً»(3).

وعلى كلّ حال فإنّ هذا الأمر واحد من أكثر الأوامر والتعليمات جامعيّةً ودقّةً في مجال روابط الإنسان الإجتماعية الذي تضمن الأمن في المجتمع بشكل كامل! وسيأتي بيانه وتفصيله في فقرة البحوث.

ثمّ تذكر الآية موضوع «التجسّس» فتنهى عنه بالقول: (ولا تجسّسوا)!.

و«التجسّس» و«التحسّس» كلاهما بمعنى البحث والتقصّي، إلاّ أنّ الكلمة الأُولى غالباً ما تستعمل في البحث عن الأُمور غير المطلوبة، والكلمة الثانية على العكس حيث تستعمل في البحث عن الأُمور المطلوبة أو المحبوبة! ومنه ما ورد على لسان يعقوب في وصيته وِلْدَه! (يا بني اذهبوا فتحسّسوا من يوسف وأخيه)(4).

وفي الحقيقة إنّ سوء الظن باعث على التجسّس، والتجسس باعث على كشف الأسرار وما خفي من أمور الناس، والإسلام لا يبيح أبداً كشف أسرار الناس!

وبتعبير آخر إنّ الإسلام يريد أن يكون الناس في حياتهم الخاصة آمنين من كل الجهات، وبديهي أنّه لو سمح الإسلام لكلّ أحد أن يتجسّس على الآخرين فإنّ كرامة الناس وحيثيّاتهم تتعرض للزوال، وتتولد من ذلك «حياة جهنمية» يحسّ فيها جميع أفراد المجتمع بالقلق والتمزّق!.

وبالطبع فإنّ هذا الأمر لا ينافي وجود أجهزة «مخابرات» في الحكومة الإسلامية لمواجهة المؤامرات، ولكنّ هذا لا يعني أنّ لهذه الأجهزة حقَّ التجسّس في حياة الناس الخاصّة «كما سنبيّن ذلك بإذن الله فيما بعد».

وأخيراً فإنّ الآية تضيف في آخر هذه الأوامر والتعليمات ما هو نتيجة الأمرين السابقين ومعلولهما فتقول: (ولا يغتب بعضكم بعضاً).

وهكذا فإنّ سوء الظن هو أساس التجسس، والتجسس يستوجب إفشاء العيوب والأسرار، والإطلاع عليها يستوجب الغيبة، والإسلام ينهى عن جميعها علةً ومعلولاً!

ولتقبيح هذا العمل يتناول القرآن مثلاً بليغاً يجسّد هذا الأمر فيقول: (أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه)!.

أجل، إنّ كرامة الأخ المسلم وسمعته كلحم جسده، وابتذال ماء وجهه بسبب اغتيابه وإفشاء أسراره الخفية كمثل أكل لحمه.

كلمة «ميتاً» للتعبير عن أنّ الإغتياب إنّما يقع في غياب الأفراد، فمثلهم كمثل الموتى الذين لا يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم، وهذا الفعل أقبح ظلم يصدر عن الإنسان في حقِّ أخيه!.

أجل، إنّ هذا التشبيه يبيّن قبح الإغتياب وإثمه العظيم.

وتولي الروايات الإسلامية ـ كما سيأتي بيانها ـ أهمية قصوى لمسألة الإغتياب، ونادراً ما نجد من الذنوب ما فيه من الإثم إلى هذه الدرجة.

وحيث أنّه من الممكن أن يكون بعض الأفراد ملوّثين بهذه الذنوب الثلاثة ويدفعهم وجدانهم إلى التيقّظ والتنبّه فيلتفتون إلى خطئهم، فإنّ السبيل تفتحه الآية لهم إذ تُختتم بقوله تعالى: (واتّقوا الله إنّ الله توّاب رحيم).

فلابدّ أن تحيا روح التقوى والخوف من الله أوّلاً: وعلى أثر ذلك تكون التوبة والإنابة لتشملهم رحمة الله ولطفه.

* * *


1 ـ مجمع البيان، ج9، ص136.

2 ـ المحجّة البيضاء، ج5، ص269.

3 ـ أصول الكافي، ج2، باب التهمة وسوء الظن، الحديث 3، وقد ورد شبيه هذا المعنى في نهج البلاغة مع شيء من التفاوت في «الكلمات القصار، رقم 360».

4 ـ يوسف، الآية 87.

[551]

بحوث

1 ـ الأمن الإجتماعيُّ الكامل!

إنّ الأوامر أو التعليمات الستة الواردة في الآيتين آنفتي الذكر (النهي عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب وسوء الظن والتجسس والإغتياب) إذا نُفّذت في المجتمع فإنّ سمعة وكرامة الأفراد في ذلك المجتمع تكون مضمونة من جميع الجهات، فلا يستطيع أحد أن يسخر من الآخرين ـ على أنّه أفضل ـ ولا يمدّ لسانه باللمز، ولا يستطيع أن يهتك حرمتهم باستعمال الألقاب القبيحة ولا يحقّ له حتى أن يسيء الظن بهم، ولا يتجسس عن حياة الأفراد الخاصة ولا يكشف عيوبهم الخفية (باغتيابهم).

وبتعبير آخر إنّ للإنسان رؤوس أموال أربعة ويجب أن تحفظ جميعاً في حصن هذا القانون وهي: «النفس والمال والناموس وماء الوجه».

والتعابير الواردة في الآيتين محل البحث والروايات الإسلامية تدل على أنّ ماء وجه الأفراد كأنفسهم وأموالهم بل هو أهم من بعض الجهات.

الإسلام يريد أن يحكم المجتمع أمن مطلق، ولا يكتفي بأن يكفّ الناس عن ضرب بعضهم بعضاً فحسب، بل أسمى من ذلك بأن يكونوا آمنين من ألسنتهم، بل وأرقى من ذلك أن يكونوا آمنين من تفكيرهم وظنّهم أيضاً.. وأن يُحسّ كلٌّ منهم أنّ الآخر لا يرشقه بنبال الإتهامات في منطقة أفكاره.

وهذا الأمن في أعلى مستوى ولا يمكن تحقّقه إلاّ في مجتمع رسالي مؤمن. يقول النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الصدد: «إنّ الله حرّم من المسلم دمه وماله وعرضه وأن يُظنّ به السوء»(1).

إنّ سوء الظن لا أنّه يؤثر على الطرف المقابل ويسقط حيثيّته فحسب، بل هو بلاء عظيم على صاحبه لأنّه يكون سبباً لإبعاده عن التعاون مع الناس ويخلق له عالماً من الوحشة والغربة والإنزواء كما ورد في حديث عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه قال: «من لم يحسن ظنّه استوحش من كلّ أحد»(2).

وبتعبير آخر، إنّ ما يفصل حياة الإنسان عن الحيوان ويمنحها الحركة والرونق والتكامل هو روح التعاون الجماعي، ولا يتحقّق هذا الأمر إلاّ في صورة أن يكون الإعتماد على الناس (وحسن الظن بهم) حاكماً.. في حين أنّ سوء الظن يهدم قواعد هذا الإعتماد، وتنقطع به روابط التعاون، وتضعف به الروح الإجتماعية.

وهكذا الحال في التجسس والغيبة أيضاً.

إنّ سييء النظرة والظن يخافون من كلّ شيء ويستوحشون من كلّ أحد وتستولي على أنفسهم نظرة الخوف، فلا يستطيعون أن يقفوا على ولي ومؤنس يطوي الهموم، ولا يجدون شريكاً للنشاطات الإجتماعية، ولا معيناً ونصيراً ليوم الشدّة!

ولا بأس بالإلتفات إلى هذه اللطيفة، وهي أنّ المراد من «الظن» هنا هو الظن الذي لا يستند إلى دليل، فعلى هذا إذا كان الظن في بعض الموارد مستنداً إلى دليل فهو ظنّ معتبر، وهو مستثنى من هذا الحكم، كالظن الحاصل من شهادة نفرين عادلين.


1 ـ المحجّة البيضاء، ج5، ص268.

2 ـ غرر الحكم الصفحة 697.

[553]

2 ـ لا تجسّسوا!

رأينا أنّ القرآن يمنع جميع أنواع التجسس بصراحة تامّة، وحيث إنّه لم يذكر قيداً أو شرطاً في الآية فيدلّ هذا على أنّ التجسس في أعمال الآخرين والسعي إلى إذاعة أسرارهم إثم، إلاّ أنّ القرائن الموجودة داخل الآية وخارجها تدل على أنّ هذا الحكم متعلّق بحياة الأفراد الشخصية والخصوصية.