5 ـ وفي قسم آخر يقع الكلام على طلبات «المنافقين» في غير محلّها.

6 ـ والقسم السادس يوضح من هم المعذورون الذين لا حرج عليهم!

7 ـ وأخيراً.. فإنّ القسم السابع يتحدّث عن خصائص أصحاب النّبي وأتباعه في طريقته وسنّته وصفاتهم التي يتميّزون بها.. وبشكل عام فإنّ آيات هذه السورة حسّاسة للغاية كما أنّها مصيريّة وخاصّة لمسلمي اليوم الذين يواجهون الحوادث المختلفة في مجتمعاتهم الإسلامية ففيها إلهام كبير لهم!..

 

فضيلة تلاوة سورة الفتح:

تلاحظ روايات عجيبة في فضيلة هذه السورة في المصادر الإسلامية ففي حديث عن أنس أنّه قال: حين كنّا نعود من الحديبيّة وكان المشركون قد منعونا من الدخول الى مكّة وأداء مناسك العمرة فكنّا في حزن وغم شديدين فأنزل الله آيته (إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً...).

فقال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «لقد أنزلت عليَّ آية هي أحبُّ إليَّ من الدنيا كلّها» وفي بعض الروايات: «لقذ أُنزلت عليَّ سورة هي أحبُّ من الدنيا كلّها»(1).

ويقول عبد الله بن مسعود حين كنّا نرجع من الحديبيّة ونزلت (إنّا فتحنا) على النّبي سُرَّ سروراً لا يعلم مداه إلاّ الله(2).

ونقرأ في حديث آخر عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «من قرأها فكأنّما شهد مع محمّد فتح مكّة». وفي رواية «فكأنّما كان مع من بايع محمّداً تحت الشجرة»(3).

وأخيراً نقرأ حديثاً للإمام الصادق (عليه السلام) يقول فيه: «حصّنوا أموالكم ونساءكم وما ملكت إيمانكم من التلف بقراءة (إنّا فتحنا) فإنّه إذا كان ممّن يدمن قراءتها نادى مناد يوم القيامة حتى يسمع الخلائق أنت من عبادي المخلصين، الحقوه بالصالحين من عبادي وادخلوه جنّات النعيم واسقوه من رحيق مختوم بمزاج الكافور»(4).

ومن الواضح أنّ كلّ هذه الفضيلة والفخر لا يحصل بتلاوة خالية من التفكّر، بل الهدف الأصلي من تلاوة هذه السورة هو تطبيق أعمال القارئ وخلقه وطبعه على مفاد هذه السورة ومضامينها.


1 ـ مجمع البيان، الجزء التاسع، الصفحة 108.

2 ـ المصدر السابق، ص 109.

3 ـ مجمع البيان الجزء التاسع، ص 108.

4 ـ ثواب الأعمال طبقاً لما ورد في تفسير نور الثقلين، ج5، ص46.

 

* * *

 

[411]

الآية

إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً( 1 )

 

التّفسير

الفتح المبين:

في الآية الأولى من هذه السورة بشرى عظيمة للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)بشرى هي عند النّبي طبقاً لبعض الرّوايات أحبُّ إليه من الدنيا وما فيها إذ تقول الآية: (إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً).

(... فتحاً مبيناً) تظَهرُ آثاره في حياة المسلمين في فترة وجيزة، وفي فترة مديدة أيضاً.. وذلك في انتشار الإسلام.. فتحاً يقل نظيرهُ أو ينعدم نظيره في طول تاريخ الإسلام وعلى امتداده.

وهنا كلام عريض وبحث طويل بين المفسّرين.. حول المراد من هذا الفتح أيُّ فتح هو؟!

فأكثر المفسّرين يرون أنّه إشارة إلى ما كان من نصيب للمسلمين من الفتح الكبير على أثر «صلح الحديبية»(1).

وبعض ذهبوا إلى أنّه «فتح مكّة».

وآخرون قالوا بأنّه «فتح خيبر».

وآخرون أنّه إشارة إلى انفتاح أسرار العلوم على النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

غير أنّ قرائن كثيرة لدينا ترجح أنّ هذا الفتح هو ما يتعلّق بموضوع صلح الحديبية.

ومن الأفضل وقبل الولوج في تفسير الآيات أن نعرض ولو بشكل مضغوط قصة صُلْح الحديبيّة ليتّضح «المقام» وليكون هذا العرض الموجز بمثابة شأن نزول الآيات أيضاً.


1 ـ اختار هذا التّفسير جماعة منهم أبو الفتوح الرازي في تفسيره، والآلوسي في روح المعاني، والفيض الكاشاني في تفسير الصافي والعلاّمة الطباطبائي في الميزان.. في حين أنّ بعض المفسّرين يرجحون أنّ المراد من هذا الفتح هو فتح مكّة كما هو في تفسير التبيان للطوسي، والكشاف للزمخشري وتفسير الفخر الرازي وغيرهم.. أمّا العلاّمة الطبرسي فقد جمع بين القولين في مجمع البيان مع أقوال أُخرى إلاّ أنّه يميل إلى تفسير الطائفة الثانية..

[412]

 

قصّة «صلح الحديبية»:

في السنة السادسة للهجرة وفي شهر ذي القعدة منها تحرّك النّبي نحو مكّة لأداء مناسك العُمرة ورغب المسلمين جميعاً في هذا الأمر.. غير أنّ قسماً منهم امتنع عن ذلك، في حين أنّ معظم المهاجرين والأنصار وجماعة من أهل البادية عزموا على الاعتمار(1) مع النّبي فساروا نحو مكّة!...

فأحرم هؤلاء المسلمون الذين كانوا مع النّبي وكان عددهم في حدود «الألف والأربعمائة» ولم يحملوا من أسلحة الحرب شيئاً سوى السيوف التي كانت تعدّ أسلحةً للسفر فحسب!.

ولمّا وصل النّبي إلى «عسفان» التي لا تبعد عن مكّة كثيراً أُخبر أنّ قريشاً تهيّأت لصدّه وصمّمت على منعه من الدخول إلى مكّة. ولمّا بلغ النّبي الحديبيّة [وهي قرية على مسافة عشرين كيلو متراً من مكّة وسمّيت بذلك لوجود بئر فيها أو شجرة ]أمر أصحابه أن يحطّوا رحالهم فيها. فقالوا: يا رسول الله ليس هنا ماء ولا كلأ، فهيّأ النّبي عن طريق الاعجاز لهم ماءً من البئر الموجودة في تلك المنطقة.. وبدأ التزاور بين سفراء النّبي وممثليه وسفراء قريش وممثليها لتُحلّ المشكلة على أي نحو كان، وأخيراً جاء عروة بن مسعود الثقفي الذي كان رجلاً حازماً عند النّبي فقال له النبي: «إنّا لم نجيء لقتال أحد ولكن جئنا معتمرين...». وهذا وقد لاحظ عروة الثقفي، ضمناً حالة الأصحاب وهم يكتنفون نبيّهم عند وضوئه فلا يَدَعُون قطرةً تهوي إلى الأرض منه.

وحين رجع عروة إلى قريش قال: لقد ذهبت إلى قصور كسرى وقيصر والنجاشي فلم أرَ قائداً في قومه في عظمته كعظمة محمّد بين أصحابه.. وقال عروة لرجال قريش أيضاً إذا كُنتم تتصورون أنّ أصحاب محمّد يتركونه فأنتم في خطأ كبير.. فأنتم في مواجهة أمثال هؤلاء الرجال الذين يؤثرون على أنفسهم فاعرفوا كيف تواجهونهم!؟

ثمّ أنّ النّبي أمرَ عمرَ أن يمضي إلى مكّة ليطلع أشراف قريش على الهدف من سفر النّبي فاعتذر عمر وقال إنّ بينه وبين قريش عداوة شديدة وهو منها على حذر فالأفضل أن يرسل عثمان بن عفان ليبادر إلى هذا العمل، فمضى عثمان إلى مكّة ولم تمضِ فترة حتى شاع بين المسلمين خبر مفاده أنّ عثمان قُتل، فاستعد النّبي لأن يواجه قريشاً بشدّة! فطلب بتجديد البيعة من أصحابه فبايعوه تحت الشجرة بيعةَ سُمّيت «بيعة الرضوان» وتعاهدوا على مواصلة الجهاد حتى آخر نفس; إلاّ أنّه لم يمضِ زمن يسير حتى عاد عثمان سالماً وأرسلت قريش على أثره سهيل بن عمرو للمصالحة مع النّبي غير أنّها أكّدت على النّبي أنّه لا يدخل مكّة في عامه هذا أبداً.

وبعد كلام طويل تمّ عقد الصلح بين الطرفين وكان من موادّه ما بيّناه آنفاً وهو أن يغض المسلمون النظر عن موضوع العمرة لذلك العام وأن يأتوا في العام القابل الى مكّة شريطة أن لا يمكثوا في مكّة أكثر من ثلاثة أيّام وأن لا يحملوا سلاحاً غير سلاح السفر كما كان من مواد العقد أُمور أُخرى تدور حول سلامة الأرواح والأموال التي تعود للمسلمين والذين يأتون مكّة منهم [ من قِبَل المدينة] ومن مواد العقد أيضاً إيقاف القتال بين المسلمين والمشركين لعشر سنين وأن يكون مسلمو مكّة أحراراً في أداء مناسكهم وفرائضهم الإسلامية.

وكان هذا العقد [أو هذه المعاهدة] بمثابة عدم التعرض لكلا الجانبين ولحسم المعارك المستمرّة بين المسلمين والمشركين بصورة مؤقتة.

وكان مؤدّى هذه المعاهدة وما يتضمّنه عقد الصلح بالنحو التالي:

«قال النّبي لعلي اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم: فقال سهيل بن عمرو الذي كان سفير المشركين لا أعرف هذه العبارة بل ليُكتبْ بسمِكَ اللّهمّ! فقال النّبي لعلي اكتب: بسمك اللّهمّ: ثمّ قال النّبي لعلي اُكتبْ: هذا ما صالح عليه محمّد رسول الله سهيل بن عمرو، فقال سهيل: لو كنّا نعرفك رسول الله لما حاربناك فاكتب اسمك واسم أبيك فحسب. فقال النبيّ: لا مانع من ذلك اُكتب هذا ما صالح عليه محمّد بن عبد الله سهيل بن عمرو أن يترك القتال عشر سنين ليجد الناس مأمنهم ثانية، وإضافة إلى ذلك من يأتِ محمّداً من قريس مسلماً دون إذن وليّه فيجب إعادته الى أهله ومن جاء قريشاً من أصحاب محمّد فلا يجب إعادته إلى محمّد!

والجميع أحرار فمن شاء دخل في عهد محمّد ومن شاء دخل في عهد قريش!

ويتعهّد الطرفان أن لا يخون كلّ منهما [صاحبه] الآخرَ وأن يحترم ماله ونفسه!

ثمّ بعد هذا ليس لمحمّد هذا العام أن يدخل مكّة، لكن في العام المُقبل تخرج قريش من مكّة لثلاثة أيّام ويأتي محمّد وأصحابه إلى مكّة على أن لا يمكثوا فيها أكثر من ثلاثة أيّام ويؤدّوامناسك العمرة ثمّ يعودوا إلى أهلهم شريطة أن لا يحملوا معهم سلاحاً سوى السيف الذي هو من عُدة السفر وأن يكون في الغمد وشهد على هذه المعاهدة جماعة من المسلمين وجماعة من المشركين وأملى المعاهدة علي بن أبي طالب (عليه السلام)»(2).

وذكر العلاّمة المجلسي في «بحار الأنوار» مواد أُخرى منها:

«ينبغي أن يكون الإسلام في مكّة غير خفي وأن لا يُجبر أحد في اختيار مذهبه وأن لا ينالَ المسلمين أذى من المشركين»(3).

وهذا المضمون كان موجوداً في التعبير السابق بصورة إجمالية.

وهنا أمر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تنحر الإبل التي جيء بها مع المسلمين وأن يحلق المسلمون رؤوسهم وأن يتحلّلوا من احرامهم!..

لكن هذا الأمر كان على بعض المسلمين عسيرة للغاية وغير مستساغ أيضاً.. لأنّ التحلل من الإحرام في نظرهم دون أداء العمرة غير ممكن!! لكنّ النّبي تقدّم بنفسه ونحر «هديه» وتحلّل من إحرامه وأشعرَ المسلمين أنّ هذا «استثناءٌ» في قانون الإحرام أمر به الله سبحانه نبيّه!

ولمّا رأى المسلمون ذلك من نبيّهم اذعنوا للأمر الواقع ونفذوا أمر النّبي بدقة وعزموا على التوجّه نحو المدينة من هناك، غير أنّه كان بعضهم يحسّ كأنّ جبلاً من الهم والحزن يجثم على صدره لأنّ ظاهر القضية أنّ هذا السفر كان غير موفّق بل مجموعة من الهزائم! لكنّ مثل هذا وأضرابه لم يعلموا ما ينطوي وراء صلح الحديبية من انتصارات للمسلمين ولمستقبل الإسلام. وفي ذلك الحين نزلت سورة الفتح وأعطت للنبي الكريم بشرى كبرى بالفتح المبين(4).


1 ـ الإعتمار مصدر من: اعتمر والعمرة أو اسم مصدر من عمر وكلا المصدرين بمعنى واحد وهو الزيارة مطلقاً (لغةً) غير أنّه اصطلح عليهما في زيارة بيت الله خاصّة.

2 ـ منقول بتصرّف يسير عن تأريخ الطبري، ج2، ص281.

3 ـ بحار الأنوار، الجزء العشرون، ص352.

4 ـ راجع سيرة ابن هشام، ج3، ص321 ـ 324، تفسير مجمع البيان وتفسير في ظلال القرآن والكامل لابن الأثير، ج2 ومصادر أخرى [مع شيء من التلخيص طبعاً].

[416 ]

 

* * *

 

الآثار السياسية والاجتماعية والمذهبية لصلح الحديبية:

يتّضح بمقايسة إجمالية بين حال المسلمين في السنة السادسة للهجرة «أي عند صلح الحديبية» وحالهم بعدها بسنتين حيث تحرّك المسلمون لفتح مكّة بعشرة آلاف مقاتل ليردّوا على نقض العهد بشدّة، وقد فتحوا مكّة دون أية مواجهة عسكرية لأنّ قريشاً لم تجد في نفسها القدرة على المقاومة أبداً.

يتّضح بهذه المقايسة الإجمالية ـ سعة ردّ الفعل ـ التي أحدثتها معاهدة صلح الحديبية!..

وباختصار فإنّ المسلمين حصلوا على إمتيازات عديدة من وراء هذا الصلح وفتحاً كبيراً نذكرها على النحو التالي:

1 ـ بيّنوا عملياً للمضللين من أهل مكّة أنّهم ليس لديهم نيّة للحرب وسفك الدماء وأنّهم يحترمون مكّة وكعبتها المقدسة وكان هذا الأمر سبباً لاكتساب قلوب الكثيرين نحو الإسلام.

2 ـ اعترفت قريش لأوّل مرّة بالإسلام والمسلمين «بصورة رسمية» وكان ذلك سبباً لتثبيت موقعهم في جزيرة العرب!..

3 ـ استطاع المسلمون بعد صلح الحديبيّة أن يمضوا حيث يشاؤون وأن تبقى أرواحهم وأموالهم في مأمن من الخطر واتصلوا بالمشركين من قريب اتصالاً أثمر نتيجته، فكان أن عرف المشركون الإسلام بصورة أكثر واسترعى أنظارهم نحوه!.

4 ـ انفتح الطريق بعد صلح الحديبيّة لنشر الإسلام في الجزيرة العربية. وأثار موقف النّبي الإيجابي من الصلح القبائل العربية وأصلح نظرتها إلى الإسلام ورسوله الكريم. وحصل المسلمون على مجال إعلامي واسع في هذا الصدد.

5 ـ هيّأ صلح الحديبيّة الطريق لفتح «خيبر» واستئصال هذه الغدة السرطانية «المتمثلة باليهود» والتي كانت تشكل خطراً مهمّاً «بالفعل والقوّة» على الإسلام والمسلمين!

6 ـ وأساساً فإنّ استيحاش قريش من مواجهة الجيش الذي كان يتألّف من ألف وأربعمائة مسلم فحسب ولا يحمل أي منهم سلاحاً سوى سلاح السفر وقبول قريش بمعاهدة الصلح كان بنفسه أيضاً عاملاً مهماً على تقوية المعنويات عند المسلمين وهزيمة أعداء الإسلام إلى درجة أنّهم كانوا يتهيّبون من مواجهة المسلمين!.

7 ـ وبعد صلح الحديبيّة كتب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كتباً و(رسائل) متعددة إلى رؤساء الدول الكبرى (إيران والروم والحبشة) وملوك العالم البارزين يدعوهم فيها إلى الإسلام، وهذا بنفسه يدل على أن صلح الحديبيّة أعطى المسلمين الثقة بأنفسهم وأن ينفتحوا لا على الجزيرة العربية فحسب بل على آفاق العالم قاطبة!

* * *

 

والآين لنعد ثانية إلى تفسير الآيات!..

نستطيع أن ندرك ممّا ذكر آنفاً ـ بشكل جيد ـ أنّ صلح الحديبيّة كان بحق انتصاراً للإسلام وفتحاً للإسلام والمسلمين فلا غرابة أن يعبِّر عنه القرآن بالفتح المبين!.

ثمّ بعد هذا كله فإنّ هناك قرائن كثيرة تؤيد هذا التّفسير..

1 ـ جملة ـ فتحنا ـ التي جاءت بصيغة الفعل الماضي تدل على أنّ هذا الأمر قد تحقق عند نزول الآيات في حين أنّه لم يكن وقتئذ أي شيء سوى صلح الحديبية!.

2 ـ زمان نزول الآيات المشار إليها آنفاً والآيات الأُخرى المذكورة في هذه السورة التي تمدح المؤمنين وتذم المنافقين والمشركين في صلح الحديبيّة كلّ ذلك شاهد آخر على هذا المعنى، والآية (27) من سورة الفتح التي تؤكّد على تحقق رؤيا النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلنّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلّقين رؤوسكم ومقصّرين لا تخافون)هي شاهد بليغ على أنّ هذه السورة نزلت بعد الحديبيّة وقبل فتح مكّة!.

3 ـ هناك روايات كثيرة تعبّر عن صلح الحديبيّة بأنّه «الفتح المبين»! ومن ضمنها ما ورد في تفسير «جوامع الجامع» أنّه حين كان النّبي راجعاً من الحديبيّة ونزلت عليه سورة الفتح.. قال أحد أصحابه: ما هذا الفتح؟! لقد صُددنا عن البيت وصُدّ هديُنا!.

فقال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «بئس الكلام «هذا» بل هو أعظم الفتوح قد رضي المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالراع ويسألوكم القضيّة! ورغبوا إليكم في الأمان وقد رأوا منكم ما كرهوا..»(1).

ثمّ ذكّرهم النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ما تحمل المشركون من مساءة يوم بدر ويوم الأحزاب فصدّق المسلمون رسولهم على أنّ هذا أعظم الفتوح وأنّهم قضوا عن عدم إطلاعهم بما قالوا(2).

يقول «الزهري» وهو من التابعين: لم يكن فتح أعظم من الحديبيّة وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكّن الإسلام في قلوبهم وأسلم في ثلاث سنين خلق كثيرٌ كثر بهم سواد الإسلام.

ففي هذه الأحاديث إشارة إلى جانب من الإمتيازات التي حصل عليها المسلمون ببركة صلح الحديبية.

إلاّ أنّ حديثاً واحداً ورد عن الإمام الرضا «علي بن موسى» (عليه السلام) يقول (إنّا فتحنا) نزلت بعد «فتح مكّة»(3).

بيد أنّه يمكن توجيه هذه الرواية ببساطة بالقول بأنّ صلح الحديبيّة كان مقدمةً لفتح مكّة بعد سنتين، فيرتفع الإشكال.

أو بتعبير آخر أنّ «صلح الحديبية» كان سبباً لفتح خيبر في فترة وجيزة «في السنة السابعة للهجرة» وأوسع من ذلك كان سبباً لفتح مكّة (السنة الثامنة للهجرة) وانتصارات الإسلام في مجالات شتى من حيث النفوذ في قلوب العالمين!.

وبهذا يمكن الجمع بين التفاسير الأربعة مع هذا القيد وهو أنّ صلح الحديبيّة يشكل المحور الأصلي لهذه التفاسير!.


1 ـ جوامع الجامع «طبقاً لنور الثقلين، ج5، ص48، الحديث التاسع».

2 ـ الدر المنثور، ج6، ص68 ـ 3 ـ نور الثقلين، ج5، ص48.

3 ـ نور الثقلين، ج5، ص48.

[420]

 

* * *

 

الآيتان

لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً( 2 ) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْرَاً عَزِيزاً( 3 )

 

التّفسير

نتائج الفتح المبين الكبرى:

في هاتين الآيتين بيان للنتائج المباركة من «الفتح المبين» [صلح الحديبية ]والتي ورد ذكره في الآية السابقة فتقول الآيتان: (ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ويتمّ نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً، وينصرك الله نصراً عزيزاً).

وبهذا فإنّ الله منح نبيّه الكريم في ظل هذا الفتح المبين أربع مواهب عظيمة هي «المغفرة»، و«إتمام النعمة»، و«الهداية» و«النصر».

* * *

[421]

 

 

بحثان

1 ـ الإجابة على بعض الأسئلة المهمة:

تثار هنا أسئلة كثيرة دأب المفسّرون منذ زمن قديم حتى يومنا هذا بالإجابة على هذه الأسئلة!

ومن هذه الأسئلةِ، الأسئلةُ الثلاثة التالية حول قوله تعالى لنبيّه: ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر!.

1 ـ ما المراد من العبارة الآنفة (ليغفر لك الله) مع أنّ النّبي معصوم من الذنب؟!

2 ـ وعلى فرض أن نغض النظر عن هذا الإشكال! فما علاقة المغفرة بالفتح وصلح الحديبية؟!

3 ـ وإذا كان المقصود من قوله تعالى «وما تأخّر» هو الذنوب المستقبلية! فكيف يمكن أن تكون الذنوب الآتية تحت دائرة العفو والمغفرة. أليس مثل هذا التعبير ترخيصاً لارتكاب الذنب؟!

وقد أجاب كلّ من المفسّرين بنحو خاص على مثل هذه الإشكالات، ولكن للحصول على الإجابة «الجامعة» لهذه الإشكالات والتّفسير الدقيق لهذه الآيات لابدّ من ذكر مقدمة لهذا البحث وهي:

إنّ المهم هو العثور على العلاقة الخفيّة بين فتح الحديبيّة ومغفرة الذنب لأنّها المفتاح الأصيل للإجابة على الأسئلة الثّلاثة المتقدّمة!

وبالتدقيق في الحوادث التاريخية وما تمخّضت عنه نصل إلى هذه النتيجة، وهي أنّه حين يظهر أيّ مذهب حق ويبرز في عالم الوجود فإنّ أصحاب السنن الخرافية الذين يرون أنفسهم ووجودهم في خطر يكيلون التهم والأُمور التافهة إليه ويشيعون الشائعات والأباطيل وينشرون الأراجيف الكاذبة بصدده وينسبون إليه الذنوب العديدة وينتظرون عاقبته وإلى أين ستصل؟!

فإذا واجه هذا المذهب في مسيره الاندحار فإنّ ذلك يكون ذريعة قوية لإثبات النِسَب الباطلة ضدّه على أيدي أعدائه ويصرخون: ألم نقل كذا وكذا!!

ولكن حين ينال الانتصار وتحظى مناهجه وخططه بالموفقية فإنّ تلك النسب تمضي كما لو كانوا قد رقموا على الماء!! وتتبدّل جميع أقوالهم إلى حسرات وندامة ويقولون عندئذ لم نكن نعلم!

وخاصّةً في شأن النّبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت هذه التصوّرات والذنوب التي وصموها به كثيرة!! إذ عدّوه باغياً للحرب والقتال ومثيراً لنار الفتنة معتداً بنفسه لا يقبل التفاهم وما إلى ذلك!

وقد كشف صلح الحديبيّة أنّ مذهبه على خلاف ما يزعمه أعداؤه إذ كان مذهباً «تقدّمياً» إلهياً.. وكان آيات قرآنه ضامنة لتربية النفوس الإنسانية وطاوية لصحائف الظلم والإضطهاد والحرب والنزيف الدموي!.

فهو يحترم كعبة الله وبيته العتيق ولا يهاجم أية جماعة أو قبيلة دون سبب، فهو رجل منطقيّ ويعشقه اتباعه، ويدعو جميع الناس بحقّ إلى محبوبهم «الله» وإذا لم يضطره أعداؤه إلى الحرب فهو داعية للسلام والصلح والدعة!..

وعلى هذا فقد غسل صلح الحديبيّة جميع الذنوب التي كانت قبل الهجرة وبعد الهجرة قد نسبت إلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو جميع الذنوب التي نسبت إليه قبل هذا الحادث أو ستنسب إليه في المستقبل احتمالاً.. وحيث أنّ الله جعل هذا الفتح نصيب النّبي فيمكن أن يقال أن الله غفر للنبي ذنوبه جميعاً.

والنتيجة أنّ هذه الذنوب لم تكون ذنوباً حقيقية أو واقعية بل كانت ذنوباً تصورية وفي أفكار الناس وظنّهم فحسب، وكما نقرأ في الآية (14) من سورة الشعراء في قصة موسى قوله مخاطباً ربّه (ولهم عليّ ذنب فأخاف أن يقتلون) في حين أنّ ذنبه لم يكن سوى نصرة المظلوم من بني إسرائيل وسحق ظلم الفراعنة لا غير!.

وبديهي أنّ هذا الفعل لا يعدّ ذنباً، بل دفاع عن المظلومين ولكنّه كان يعدّ ذنباً في نظر الفراعنة وأتباعهم.

وبتعبير آخر أنّ «الذنب» في اللغة يعني الآثار السيئة والتبعات التي تنتج عن العمل غير المطلوب، فكان ظهورُ الإسلام في البداية تدميراً لحياة المشركين، غير أنّ انتصاراته المتلاحقة والمتتابعة كانت سبباً لنسيان تلك التبعات.

فمثلاً لو كان لدينا بيت قديم يوشك على الخراب ولكنّنا نلتجئُ إليه ولنا به علاقة وطيدة فقام أحد الناس بتخريبه فإنّنا نغضب منه ونخطّئُه على فعله ولكنّه بعد بنائه من جديد مُحكماً سامقاً فإنّ أحكامنا السابقة تمضي أدراج الرياح!

وهكذا بالنسبة لمشركي مكّة سواءً قبل هجرة النّبي أم بعدها إذ كانت أفكارهم وأذهانهم مبلبلة عن الإسلام وشخص النّبي بالذات، غير أنّ انتصارات الإسلام أزالت هذه التصورات والأفكار!

أجل: لو أخذنا مسألة العلاقة بين مغفرة هذه الذنوب وفتح الحديبيّة بنظر الاعتبار لاتضح الموضوع بجلاء، واستفدنا العلاقة من «اللام» في «ليغفر لك الله» في كونها مفتاح «الرمز» لفتح معنى الآية المغلق!

غير أنّ من لم يلتفت إلى هذه «اللطيفة»... جعل عصمة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)موضع استفهام وقال: «والعياذ بالله» أنّ لديه ذنوباً غفرها الله بفتح «الحديبية» أو حمل الآية على خلاف ظاهر معناها وأنّ المراد (الذنوب عامّةً).

وقال بعضهم: بل هي ذنوب الناس التي ارتكبوها في حقّ النّبي كأذاهم والإساءة إليه وقد غفرها الله بفتح «الحديبية» [وفي هذه الصورة يكون الذنب قد أُضيف إلى مفعوله معنىً لا إلى فاعله].

أو حملوا الذنب على [ترك الأولى].

وبعضهم فسّر ذلك بالفرض فقال: ليغفر لك الذنب الذي لو كنت عملته فَرضَاً أو ستعمله فقد غفر الله كلّ ذلك لك!.

لكن من المعلوم أنّ كلّ هذه التفاسر لا تتجاوز التكلّف والتمحّل ودون أي دليل! إذ لو خدشنا في عصمة الأنبياء.. لأنكرنا فلسفة وجودهم، لأنّ النّبي ينبغي أن يكون قدوة في كلّ شيء، فكيف يمكن المذنب أن يفي بهذا المنهج ويؤدّي حقّه؟!

زدْ على ذلك، فالمذنب بنفسه يحتاج إلى قائد يرشده ويدلّه ليهتدي به.

وهناك تفاسير أُخرى تخالف ظاهر الآية، والإشكال المهم فيها أنّها تقطع العلاقة ما بين مغفرة الذنب والفتح «صلح الحديبية».

فأحسنُ التفاسير هو ما ذكرناه آنفاً، وهو ما يجيب على الأسئلة الثلاثة المتقدّمة في مكان واحد! ويبيّن إرتباط الجمل في الآية..

كل ذلك هو في شأن الموهبة الأولى من المواهب الأربعة التي وهبها الله نبيّه في صلح الحديبية!.

أمّا «إتمام النعمة» على النّبي وهدايته إيّاه الصراط المستقيم ونصره النصر العزيز.. بعد الفتح في الحديبيّة فليست هذه الأُمور ممّا تخفى على أحد.. فقد انتشر الإسلام بسرعة وسخّر القلوب المهيّأة! وظهرت عظمة تعليماته للجميع وأبطل السموم (المضادّة) وتمّت نعمة الله على النّبي وعلى المسلمين وهداهم الصراط المستقيم نحو الانتصارات حتى أنّ جيش الإسلام لم يجد أية مقاومة في فتح مكّة وفتح أكبر حصن للمشركين!.

[424]

2 ـ المراد من «ما تقدّم» و«ما تأخّر»..

قرأنا في الآية السابقة قوله تعالى: (ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر)فما المراد من هذا النص «ما تقدّم وما تأخّر» اختلف المفسّرون في بيان الآية:

فقال بعضهم: المراد بما تقدّم هو عصيان آدم وحواء وترك الأولى من قبلهما، أمّا المراد بما تأخّر فهو ذنوب أُمّة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم).

وقال بعضهم: «ما تقدّم» إشارة إلى المسائل المتعلّقة بما قبل النبوة، و«ما تأخّر» إشارة إلى المسائل المتعلّقة بما بعدها..

وقال بعضهم: المراد بما تقدّم هو ما تقدّم على صلح الحديبية، وما تأخّر أي ما تأخّر عنها من أمور وحوادث!.

ولكن مع ملاحظة التّفسير الذي أوضحناه في أصل معنى الآية وخاصةً العلاقة بين مغفرة الذنب مع مسألة فتح الحديبية، يبدو بجلاء أنّ المراد هو التهم الباطلة التي وصمها المشركون ـ بزعمهم ـ بالنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ما سبق وما لحق ولو لم يتحقّق هذا النصر العظيم لكانوا يتصوّرون أنّ جميع هذه الذنوب قطعية..

غير أنّ هذا الانتصار الذي تحقّق للنبي طوى جميع الأباطيل والتهم (المتقدّمة) في حقّ النّبي وما سيُتّهم به في المستقبل في حال عدم انتصاره!.

والشاهد الآخر على هذا التّفسير هو الحديث المنقول عن الإمام الرضا علي بن موسى عليهما السلام إذ سأله المأمون عن تفسير هذه الآية فقال: «لم يكن أحد عند مشركي أهل مكّة أعظم ذنباً من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنّهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وثلاثين صنماً فلمّا جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص «التوحيد» كبر ذلك عليهم وقالوا: أجعل الآلهة إلهاً واحداً إنّ هذا لشيء عجابٌ إلى أن قالوا ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاق(1).

فلمّا فتح الله تعالى على نبيّه مكّة قال الله تعالى: (إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر) عند مشركي أهل مكّة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدّم وما تأخّر لأنّ مشركي مكّة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكّة ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذ دعا الناس إليه فصار ذنبه عندهم مغفوراً بظهُوره عليهم» فلمّا سمع المأمون كلام الرضا قال له: «أحسنت، بارك الله فيك يا أبا الحسن».

* * *


1 ـ راجع في هذا الصدد سورة ص في الآية 4 ـ 7 وتفسير الصافي نقلاً عن عيون الأخبار ـ وراجع نور الثقلين الجزء الخامس، ص56.

[426]

الآية

هُوَ الَّذِى أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُواْ إِيمَـناً مَعَ إِيمَـنِهِمْ وَللهِِ جُنُودُ السَّمـوَاتِ والاَْرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً( 4 )

 

التّفسير

نزول السكينة على قلوب المؤمنين:

ما قرأناه في الآيات السابقة هو ما أعطاه الله من مواهب عظيمة لنبيّ الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم) بالفتح المبين «صلح الحديبية»، أمّا في الآية أعلاه فالكلام عن الموهبة العظيمة التي تلطف الله بها على جميع المؤمنين إذ تقول الآية:(هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم).

ولمَ لا تنزل السكينة والإطمئنان على قلوب المؤمنين؟ (ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليماً حكيماً).

 

ماذا كانت هذه السكينة؟!

من الضروري هنا أن نعود إلى قصة «صلح الحديبيّة» وأن نتصوّر أنفسنا في فضاء الحديبيّة وفي جوّها لنطّلع على عمق هذه الآية.

لقد كان النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قد رأى رؤيا «رحمانية وإلهية» أنّه دخل المسجد الحرام مع أصحابه، وعلى أثر رؤياه تحرّك نحو زيارة بيت الله مع أصحابه وكان أغلب أصحابه يتوّقّعون أنّ هذه الرؤيا الصالحة سيتحقّق تعبيرها في هذا السفر نفسه، لكنّ الذي قدّره الله كان شيئاً آخر! هذا كلّه من جانب.

ومن جانب آخر كان المسلمون قد أحرموا وجاءوا بالإبل ليهدوها أو ينحروها، ولكنّهم وعلى خلاف ما توقّعوا لم يوفّقوا لزيارة بيت الله، وأمر النّبي أن ينحروا الإبل في الحديبيّة التي توقّفوا فيها هناك. وأن يحلّوا من إحرامهم، وكان ذلك أمراً صعباً عليهم ولا يمكن تصديقُه، لأنّ آدابهم وسننهم وتعليمات الإسلام أيضاً تنصّ على عدم الخروج والإحلال من الإحرام ما لم يتمَّ أداء المنَاسك الخاصة بالعمرة.

ومن جانب ثالث كان من مواد معاهدة الصلح في الحديبية، مادة تقضي بإعادة المسلمين من يلجأ إليهم من قريش ويعلن إسلامه ويدخل المدينة! ولا يلزم العكس، وكان هذا الموضوع صعباً على المسلمين للغاية.

ومن جانب رابع، فإنّ قريشاً لم ترغبْ أن تكتب كلمة «رسول الله» التي كان يدعى بها النّبي محمّد وأصرّ ممثلها سهيل بن عمرو على حذف الكلمة من معاهدة الصلح، ولم يوافق حتى على كتابة بسم الله الرحمن الرحيم، وأصرّ أن يكتب مكانها «بسمك اللّهمَّ»، التي كانت تنسجم مع سنّة أهل مكّة، فهذه الأُمور كلّ واحد منها كان غير مرغوب فيه، فكيف بجميعها؟ ولذلك تزلزلت قلوب بعض ضعاف الإيمان من أصحاب النّبي إلى درجة أنّه حين نزلت سورة (إنّا فتحنا) قالوا أي فتح هذا؟!