![]() |
![]() |
![]() |
وبتعبير آخر إنّ الإنتخابات تعني إعطاء «المقام» وكما قلنا هي شبيهة بالتوكيل في حين أنّ البيعة تعهد بالطاعة!
ومن الممكن أن يتشابه كلٌّ من البيعة والإنتخاب في بعض الآثار، لكن هذا التشابه لا يعني وحدة المفهوم والماهية أبداً..
ولذلك لا يمكن للمبايع أن يفسخ البيعة، في حين أنّ المنتخبين لهم الحق في الفسخ في كثير من المواطن بحيث يستطيع جماعةٌ ما أن يعزلوا المنتخب «فلاحظوا بدقة»!
3 ـ وبالنسبة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة المعصومين المنصوبين من قبل الله تعالى لا حاجة لهم بالبيعة، أي أنّ طاعة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام المعصوم والمنصوب من قبل الله واجبة سواءً على من بايع أو لم يبايع!
وبتعبير آخر: إنّ لازم مقام النبوّة والإمامة وجوب الطاعة كما يقول القرآن الكريم: (أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم)(1).
لكن ينقدح هنا هذا السؤال وهو إذا كان الأمر كذلك فعلامَ أخذ النّبي من أصحابه ـ البيعة كراراً ـ أو المسلمين الجدد، وقد ورد في القرآن الإشارة إلى حالتين منها بصراحة إحداهما «بيعة الرضوان» ـ محل البحث ـ والأُخرى «البيعة مع أهل مكّة» المشار إليها في سورة الممتحنة!.
وفي الإجابة على هذا السؤال نقول: لا شك أنّ هذه المبايعات كانت نوعاً من التأكيد على الوفاء، وقد أُديّت في ظروف خاصة ولا سيما في مواجهة الأزمات والحوادث الصعبة لتنبض في ظلّها روح جديدة في الأفراد كما وجدنا تأثيرها المذهل في بيعة الرضوان في البحث السابق!..
إلاّ أنّه فيما يتعلّق بمبايعة الخلفاء فقد كانت البيعة على أساس أنّها قبول لمقام الخلافة وإن كنّا لا نعتقد بخلافة من يخلف النّبي والتي تؤخذ البيعة لها عن طريق الناس، بل هي من قبل الله وتتحقّق بالنص من قِبل النّبي أو الإمام السابق على اللاحق!
ومن هذا المنطلق فإنّ البيعة التي بايعها المسلمين لعلي (عليه السلام) أو للحسن أو الحسين(عليهما السلام) فيها (جنبة) تأكيد على الوفاء وهي شبيهة ببيعة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
4 ـ هل البيعة في العصر الحاضر مقبولة على أنّها أصل إسلامي، أو بتعبير آخر: هل يمكن تعميم البيعة، وهل للجماعة الفلانية أن تختار شخصاً لائقاً وواجداً للشرائط الشرعية كأن يكون آمراً للقوات المسلّحة أو رئيساً للجمعية أو رئيساً للحكومة فتبايعه؟ فهل أنّ مثل هذه البيعة مشمول بأحكام الشارع للبيعة؟!
وحيث أنّه لا يوجد عموم ولا إطلاق في القرآن والسنّة في خصوص البيعة فمن المشكل تعميم هذه المسألة وإن كان الاستدلال بعموم الآية (أوفوا بالعقود) غير بعيد!
ولكن مع هذا الإبهام في المسائل المرتبطة بالبيعة فإنّ هناك مانعاً من أن نعوّل بصورة قطعية على (أوفوا بالعقود) وخاصةً أنّنا لا نجد في الفقه أي مورد للبيعة لغير النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام المعصوم.
وينبغي الإلتفات إلى هذه «اللطيفة» وهي أن مقام نيابة الوليّ الفقيه في نظرنا مقام منصوص عليه من قبل الأئمة المعصومين(عليهم السلام) ولا حاجة له بالبيعة وبالطبع فإنّ اتباع الناس للولي الفقيه وطاعتهم له يمنحه الإمكان من الاستفادة من هذا المقام ويعطيه ـ كما هو مصطلح عليه ـ بسط اليد، لكنّ هذا لا يعني أنّ مقامه مشروط بتبعيّة الناس له، ثمّ إنّ اتباع الناس إيّاه لا علاقة له بالبيعة، بل هو عمل بحكم الله في شأن ولاية الفقيه «فلاحظوا بدقّة».
5 ـ وعلى كلّ حال فإنّ البيعة مرتبطة بالمسائل الإجرائية ولا علاقة لها بالأحكام، أي إنّ البيعة لا تمنح أحداً حق «التشريع والتقنين» أبداً.. بل يجب أن تؤخذ القوانين من الكتاب والسنّة ثمّ تنفذ في حيّز الواقع، ولا كلام لأحد في هذا.
6 ـ يستفاد من الرّوايات أنّ البيعة مع الإمام المعصوم ينبغي أن تكون خالصةً لله، وبتعبير آخر هي من الأُمور التي يلزم فيها قصد القربة.
فقد ورد عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم، رجل بايع إماماً لا يبايعه إلاّ للدنيا، إن أعطاه ما يريده وفى له وإلاّ كفّ ورجلاً بايع رجلاً بسلعته بعد العصر فحلف بالله عزَّ وجلَّ لقد أُعطى بها كذا وكذا فصدّقه وأخذها ولم يُعط فيها ما قال ورجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه ابن السبيل»(2). «والتعبير بالعصر لعلّه لشرف هذا الوقت أو لأنّ كثيراً من الباعة يبيعون أجناسهم بالقيمة التي اشتروها في هذا الوقت».
7 ـ «نكث البيعة» من الذنوب الكبيرة، ونقرأ حديثاً عن الإمام موسى بن جعفر أنّه قال: «ثلاث موبقات، نكث الصفقة، وترك السنّة، وفراق الجماعة»(3).
ويظهر أنّ المراد من «ترك السنّة» هي ترك القوانين التي جاء بها النّبي محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وفراق الجماعة معناها الإعراض عنها لا محض عدم المشاركة في الجماعة.
8 ـ البيعة في كلام الإمام علي (عليه السلام)
هناك في نهج البلاغة كلمات تؤكّد على البيعة وقد عوّل الإمام علي (عليه السلام) عليها مراراً وأنّ الناس بايعوه.
ومن جملتها أنّه قال في بعض خطبه: «أيّها الناس إنّ لي عليكم حقّاً ولكم عليَّ حق فأمّا حقكم عليَّ فالنصيحة لكم وتوفير فيئكم عليكم وتعليمكم كيلا تجهلوا وتأديبكم كيما تعلموا» ثمّ يضيف (عليه السلام): «وأمّا حقي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصيحة بالمشهد والمغيب والإجابة حين أدعوكم والطاعة حين أمركم»(4).
ويقول (عليه السلام) ـ في مكان آخر: «لم تكن بيعتكم إيّاي فلتةً»(5).
وفي خطبته التي خطبها قبل حرب الجمل والتحرّك من المدينة نحو البصرة أشار الى بيعة الناس إيّاه وأن يثبتوا على ما بايعوه فقال (عليه السلام): «وبايعني الناس غير مستكرهين ولا مجبرين بل طائعين مخيّرين»(6).
ونقرأ أخيراً في بعض كتبه لمعاوية حين لم يبايع الإمام عليّاً وكان يريد الانتقاد من علي (عليه السلام) قوله: «بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد»(7).
ويستفاد من بعض عبارات النهج أنّ البيعة ليست أكثر من مرة واحدة ولا سبيل لتجديد النظر فيها وليس فيها اختيار الفسخ، ومن يخرج منها فهو طاعن، ومن يتريث ويفكر في قبولها أو ردّها فهو منافق.
[إنّها بيعة واحدة لا يثنَّى فيها النظر ولا يستأنف فيها الخيار; الخارج منها طاعن والمروّي فيها مداهن](8).
ويستفاد من مجموع هذه التعابير أنّ الإمام(عليه السلام) استدلّ على من لم يقبلوا بأنّ إمامته منصوص عليها من قِبل النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وكانوا يتذرّعون بحجج واهية ـ بالبيعة التي كانت عندهم من المسلم بها، ولم تكن لهم الجرأة على أن يرفضوا طاعة الإمام ويسمعوا لمعاوية وأمثال معاوية، فكما أنّهم يرون مشروعية الخلافة للخلفاء الثلاثة السابقين، فعليهم أن يعتقدوا بأنّ خلافة الإمام مشروعة أيضاً وأن يذعنوا له «بل إنّ خلافته أكثر شرعيةً لأنّ بيعته كانت أوسع وكانت حسب رغبة الناس ورضاهم».
فبناءً على هذا لا منافاة بين الاستدلال بالبيعة ومسألة نصب الإمام بواسطة الله والنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتأكيد البيعة.
لذلك فإنّ الإمام يشير في مكان من (نهج البلاغة) نفسه بحديث الثقلين الذي هو من نصوص الإمامة(9) كما يشير في مكان آخر إلى مسألة الوصية والوراثة(10). [فلاحظوا بدقّة].
كما يشير (عليه السلام) في بعض عباراته الأُخرى إلى لزوم الوفاء بالبيعة وعدم إمكان الفسخ والنكث وتجديد النظر وعدم الحاجة إلى التكرار وهذه هي مسائل مقبولة بالنسبة للبيعة أيضاً.
ويستفاد من هذه التعابير ضمناً بصورة جيّدة أنّ البيعة إذا كانت فيها «جنبة» إكراه أو إجبار أو أخذت على حين غرّة من الناس فلا عبرة بها ولا قيمة لها بل البيعة الحق التي تكون في حال الاختيار والحرية والإرادة والتفكّر والتدبّر.
* * *
1 ـ النساء، الآية 59.
2 ـ الخصال: باب الثلاثة ـ الحديث 70.
3 ـ بحار الأنوار، ج67، ص185.
4 ـ نهج البلاغة الخطبة 34.
5 ـ نهج البلاغة الخطبة 136.
6 ـ نهج البلاغة من كتاب له (عليه السلام) رقم 1.
7 ـ من كتاب له رقم 6، وينبغي الإلتفات إلى أنّ التعويل على بيعة الخلفاء السابقة هو لأنّ معاوية كان منصوباً من قِبلهم وكان يدافع عنهم فلا منافاة بين هذا وما جاء في الخطبة المعروفة بالشقشقية.
8 ـ نهج البلاغة: من كتاب له برقم 7.
9 ـ نهج البلاغة: الخطبة رقم 87.
10 ـ نهج البلاغة: الخطبة رقم 2.
وَعَدَكُمُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِىَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ ءآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً( 20 ) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللهُ بِهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَىْء قَدِيراً( 21 )
تتحدّث هاتان الآيتان كالآيات السابقة المتعلّقة بصلح الحديبيّة والوقائع التالية لها ـ عن البركات وما حصل عليه المسلمون من غنائم في هذا الطريق.
فتقول الآية الأولى منهما: (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه).
ويدلّ لحن الآية أنّ المراد من المغانم الكثيرة هنا جميع المغانم التي جعلها الله للمسلمين سواءً في أمد قصير أم بعيد حتى أنّ جمعاً من المفسّرين يعتقدون أنّ المغانم التي تقع في أيدي المسلمين إلى يوم القيامة داخلة في هذه العبارة أيضاً.
أمّا قوله: (فعجّل لكم هذه) فيرى الكثير من المفسّرين أنّ المراد منه مغانم خيبر التي توفّرت خلال أمد قصير جداً بعد حادثة الحديبيّة!
غير أنّ البعض يرى أنّ كلمة «هذه» إشارة إلى فتح الحديبيّة الذي يُعدّ أكبر غنيمة معنوية!.
ثمّ يشير القرآن إلى لطف آخر من ألطاف الله على المسلمين ـ في هذه الحادثة ـ فيقول: (وكفّ أيدي الناس عنكم).
وهذا لطف كبير أن يكون المسلمون على قلة العَدد والعُدد وفي نقطة نائية عن الوطن وفي مقربة من العدو ـ في مأمن منه وأن يلقي الله رعباً ووحشة منهم في قلوب الأعداء بحيث يخشون التحرش بهم!.
ويرى جماعة من المفسّرين أنّ هذه الجملة إشارة إلى ما جرى في خيبر إذ كانت بعض القبائل من «بني أسد» و«بني غطفان» قد صمّموا أن يهجموا على المدينة في غياب المسلمين وأن ينهبوا أموالهم ويأسروا نساءهم!
أو أنّها إشارة إلى تصميم جماعة من هاتين القبيلتين على أن ينهضوا لنصرة يهود خيبر فألقى الله الرعب في قلوبهم فصرفهم عن ذلك.
غير أنّ التّفسير الأوّل أنسب ظاهراً! لأنّنا نشاهد شرطاً لهذا التعبير بعد بضعة آيات ورد في شأن أهل مكّة كما جاء في الآية محل البحث، وهو منسجم مع أسلوب القرآن الذي هو أسلوب إجمال وتفصيل!
المهم أنّه طبقاً للرّوايات المشهورة فإنّ سورة الفتح جميعها نزلت بعد حادثة الحديبية وخلال عودة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من مكّة إلى المدينة!
ثمّ يضيف القرآن في تكملة الآية مشيراً إلى نعمتين كُبريين أُخريين من مواهب الله ونعمه إذ يقول: (ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطاً مستقيماً).
وبالرغم من أنّ بعض المفسّرين يرى أنّ الضمير في لتكون عائد على الغنائم الكثيرة الموعودة، وبعضهم يراه عائداً على حماية المسلمين وكف أيدي الناس عنهم، غير أنّ المناسب أن يعود الضمير إلى جميع حوادث الحديبية ومجرياتها بعد ذلك.. لأنّ كلاًّ منها آية من آيات الله ودليل على صدق النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ووسيلة لهداية الناس إلى الصراط المستقيم، وكان في قسم منها (جنبة) أخبار بالمغيّبات، وكان بعضها لا ينسجم مع الظروف العادية، وهي في المجموع تعدّ معجزة واضحة من معاجز النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وفي الآية التالية أعطى الله بشارةً أُخرى للمسلمين إذ قال: (وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كلّ شيء قديراً).
وهناك كلام بين المفسّرين في أنّ هذا الوعد يشير إلى أية غنيمة؟ والى أي نصر؟!
يرى بعضهم أنّه إشارة إلى فتح مكّة وغنائم حنين.
ويرى آخرون أنّه إشارة إلى الفتوحات والغنائم التي كانت نصيب المسلمين بعد النّبي (كفتح فارس والروم ومصر) كما يحتمل أيضاً أنّه إشارة لجميع ما تقدّم ذكره(1).
عبارة (لم تقدروا عليها) إشارة إلى أنّ المسلمين لم يحتملوا قبل ذلك أن يظفروا بمثل هذه الفتوحات والغنائم، إلاّ أنّه وببركة الإسلام والإمدادات الإلهية نالوا هذه القدرة والقوّة!
واستنبط بعض المفسّرين من هذه الجملة أنّ المسلمين كانوا يتحدّثون عن مثل هذه الفتوحات، إلاّ أنّهم كانوا يرون أنفسهم غير قادرين وخاصّة أنّنا نقرأ في قصة الأحزاب يوم بشّر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين بفتح بلاد فارس والروم واليمن اتخذ المنافقون كلامه هزواً!
وجملة (قد أحاط الله بها) إشارة إلى إحاطة قدرة الله على هذه الغنائم أو الفتوحات، ويرى بعض المفسّرين أنّها إشارة إلى إحاطة علمه، غير أنّ المعنى الأوّل أكثر انسجاماً مع تعابير الآية الأُخرى، وبالطبع لا مانع في الجمع بينهماع
وأخيراً فإنّ آخر جملة في الآية (وكان الله على كلّ شيء قديراً) هي في الحقيقة بمنزلة بيان العلة للجملة السابقة، وهي إشارة إلى أنّه مع قدرة الله على كلّ شيء فلا عجب أن ينال المسلمون مثل هذه الفتوحات!.
وعلى كلّ حال فإنّ الآية من إخبار القرآن بالمغيّبات والحوادث الآتية، وقد حدثت هذه الفتوحات في مدة قصيرة وكشفت عن عظمة هذه الآيات بجلاء!
* * *
1 ـ أخرى: هنا صفة لمحذوف تقدير (ومغانم أُخرى لم تقدروا عليها) وهي منصوبة لعطفها على (وعدكم الله مغانم كثيرة)..
لمّا عاد النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الحديبيّة نحو المدينة أمضى شهر ذي الحجة كلّه وأياماً من شهر محرم الحرام من السنة السابعة للهجرة في المدينة، ثمّ تحرّك بألف وأربعمائة نفر من المسلمين الذين كانوا حضروا الحديبيّة نحو «خيبر» [حيث كان مركزاً للتحرّكات المناوئة للإسلام وكان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتحيّن الفرص لتدمير ذلك المركز للفساد].
وقد صمّمت قبيلة غطفان في البداية أن تحمي يهود خيبر غير أنّها خافت بعدئذ عواقب أمرها (فاجتنبت حمايتها لهم).
فلمّا وصل النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قريباً من قلاع خيبر أمر أصحابه أن يقفوا ثمّ رفع رأسه الشريف للسماء ودعا بهذا الدعاء:
«اللّهمَّ ربّ السماوات وما أظللن وربّ الأرضين وما أقللن، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ونعوذ بك من شرّها وشرّ أهلها وشرّ ما فيها».
ثمّ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «أقدموا بسم الله»، وهكذا وصلوا خيبر ليلاً وعند الصباح ـ حيث علم أهل خيبر بالخبر ـ وجدوا أنفسهم محاصرين من قبل جنود الإسلام، ثمّ فتح النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القلاع قلعة بعد اُخرى حتى بلغ أقوى القلاع وأمنعها وآخرها وكان فيها «مرحب» قائد اليهود المعروف.
وفي هذه الأيّام أصاب رأس النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجع شديد كان ينتابه أحياناً حتى أنّه لم يستطع الخروج من خيمته ـ يوماً أو يومين.. وفي هذه الأثناء وطبقاً لما ورد في التاريخ الإسلامي، حمل أبو بكر الراية في يده وتوجّه بالمسلمين نحو معسكر اليهود غير أنّه سرعان ما عاد وهو صفر اليدين دون نتيجة، ومرّة أُخرى أخذ عمر الراية وحمل بالمسلمين بصورة أشد فما أسرع ما عاد دون جدوى...
فلمّا بلغ الخبر مسمع النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «والله لأعطينها غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله يأخذها عنوة!».
فاشرأبت الأعناق من كلّ جانب تُرى من هو المقصود، وقد حدس جماعة منهم أنّ مقصوده (علي) (عليه السلام)، إلاّ أنّ علياً كان مصاباً بوجع في عينه فلم يكن حاضراً حينئذ، ولمّا كان الغد أمر النّبي بأن يدعو له علياً، فجاء راكباً على بعير له حتى أناخ قريباً من خباء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو أرمد قد عصّب عينيه.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما لك؟
قال علي (عليه السلام): رمدت بعدك.
فقال له: أدنُ مني، فدنا منه، فتفل في عينيه، فما شكا وجعاً حتى مضى بسبيله. ثمّ أعطاه الراية.
فتوجّه علي (عليه السلام) بجيش الإسلام نحو القلعة الكبرى (من خيبر) فرآه رجل يهودي من أعلى الجدار فسأله من أنت؟ فقال: أنا علي بن أبي طالب. فنادى اليهودي: أيّتها الجماعة حان اندحاركم، فجاء «مرحب» آمر الحصن ونازل علياً فما كان إلاّ أن هوى إلى الأرض صريعاً بضربة علي(عليه السلام)، فالتحمت الحرب بين المسلمين واليهود بشدّة فاقترب علي(عليه السلام) من باب الحصن فقَلعه فدحاه فرماه بقوّة خارقة إلى مكان آخر، وهكذا فُتحت القلعة ودخلها المسلمون فاتحين.
واستسلم اليهود وطلبوا من النّبي أن يحقن دماءهم لاستسلامهم، فقبل النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وغنم الجيش الإسلامي الغنائم المنقولة، وأودع النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)الأرض والأشجار بأيدي اليهود على أن يعطوا المسلمين نصف حاصلها(1).
* * *
1 ـ نقلاً بتلخيص عن [الكامل في التاريخ لابن الأثير] ج2، ص216 ـ 221.
وَلَوْ قَـتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوَلَّوُا الاَْدْبَـرَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً( 21 ) سُنَّةَ اللهِ الَّتِى قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً( 22 ) وَهُوَ الَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً( 23 ) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْىَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَـتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُم مِنْهُم مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْم لِيُدْخِلَ اللهُ فِى رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوْا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً( 24 )
هذه الآيات تتحدّث أيضاً عن أبعاد أُخر لما جرى في الحديبيّة وتشير إلى «لطيفتين» مهمّتين في هذا الشأن!
الأولى: هي أنّه لا تتصوّروا أنّه لو وقعت الحرب بينكم وبين مشركي مكّة في الحديبيّة لانتصر المشركون والكفرة! (ولو قاتلكم الذين كفروا لولّوا الأدبار ثمّ لا يجدون وليّاً ولا نصيراً).
وليس هذا منحصراً بكم بل: (سنّة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنّة الله تبديلاً).
فهذا هو قانون إلهي دائم، فمتى واجه المؤمنون العدوّ بنيّات خالصة وقلوب طاهرة ولم يضعفوا في أمر الجهاد نصرهم الله على عدوّهم، وربّما حدث في هذا الشأن إبطاء أو تعجيل لإمتحان المؤمنين أو لأهداف أخرى، ولكنّ النصر النهائي على كل حال هو حليف المؤمنين..
لكن في موارد كمعركة أحد مثلاً حيث أنّ جماعة لم يتّبعوا أمر الرّسول ومالت طائفة منهم إلى الدنيا وزخرفها فلوّثت نياتها وعكفت على جمع الغنائم فإنّها ذاقت هزيمة مرّة، وهكذا بعد!
اللطيفة المهمّة التي تبيّنها الآيات هي أن لا تجلس قريش فتقول: مع الأسف إنّنا لم نقاتل هذه الطائفة القليلة العدد، أسفاً إذ بلغ «الصيد» مكّة فغفلنا عنه.. أبداً ليس الأمر كذلك.. فبالرغم من أنّ المسلمين كانوا قلّة وبعيدين عن الوطن والمأمن وفاقدين للأعتدة والمؤن. ولكن مع هذه الحال لو وقع قتال بين المشركين والمؤمنين لانتصر المؤمنون ببركة قوى الإيمان ونصر الله أيضاً.. ألم يكونوا في بدر أو الأحزاب قلة وأعداؤهم كثرة، فكيف انهزم الجمع وولّوا الدبر في المعركتين؟!
وعلى كلّ حال فإنّ بيان هذه الحقيقة كان سبباً لتقوية روحية المؤمنين وتضعيف روحية الأعداء وإنهاء القيل والقال من قبل المنافقين، ودلّ على أنّه حتى لو حدثت حرب في هذه الظروف غير الملائمة بحسب الظاهر فإنّ النصر سيكون حليف المؤمنين الخُلّص!.
واللطيفة الأُخرى التي بيّنتها هذه الآيات أنّها قالت: (وهو الذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكّة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيراً).
حقاً.. كان ما حدث مصداقاً جليّاً «للفتح المبين» ونعمَ ما اختاره القرآن له من وصف، فالعدوّ الذي زحف بجيشه مراراً نحو المدينة وسعى سعياً عجيباً لإيقاع الهزيمة بالمسلمين، إلاّ أنّه الآن حيث حطّوا أقدامهم في حريمه ودياره يمتلكه الرعب منهم حتى أنّه يقترح الصلح معهم، فأيّ فتح مبين أكبر من هذا الفتح إذ ينال المسلمون هذا التفوّق على العدو دون أن تسفك قطرة دم واحدة من المسلمين!؟
ولا شكّ أنّ ما جرى في الحديبيّة كان يعدّ في جزيرة العرب عامة نصراً للمسلمين وهزيمة لقريش.
هذا وقد ذكر جماعة من المفسّرين في نزول هذه الآية أنّ مشركي مكّة عبّؤوا أربعين رجلاً للهجوم على المسلمين (بصورة خفية) في الحديبيّة، غير أنّ المسلمين أفشلوا مؤامرتهم وأجهضوا مكيدتهم ـ بفطنتهم ـ فأسر المسلمون هؤلاء الأربعين جميعاً وجاءوا بهم إلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فخلّى عنهم سبيلهم.
وقال بعضهم: أنّهم كانوا ثمانين أرادوا أن يهجموا على المسلمين من جبل التنعيم عند صلاة الغداة وبالاستفادة من العتمة، وقال بعضهم: كان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)يستظلّ تحت الشجرة ليكتب معاهدة الصلح مع ممثل قريش وعلي مشغول بالإملاء، فحمل عليه ثلاثون شابّاً من أهل مكّة بأسلحتهم ولكن بمعجزة مذهلة فشلت خطتهم وأُسر جميعهم وخلّى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عنهم سبيلهم(1).
وطبقاً لشأن النّزول هذا فإنّ جملة (من بعد أن أظفركم عليهم) إشارة إلى الإنتصار على هذه الطائفة، في حين أنّه طبقاً للتفسير السابق يكون المقصود هو النصر الكلّي للمسلمين على المشركين وهذا التّفسير أكثر انسجاماً مع مفاد الآية..
ممّا يستلفت النظر أنّ القرآن يؤكّد على عدم القتال في بطن مكّة، وهذا التعبير يمكن أن يكون إشارة إلى لطيفتين:
الأولى: إنّ مكّة كانت مركزاً لقوّة العدو، وعلى القاعدة كان على أهل مكّة [المشركين] أن يغتنموا الفرصة المناسبة فيحملوا على المسلمين فقد كانوا يبحثون عنهم وعن فرصة للقضاء عليهم فإذا هم في دارهم وفي قبضتهم فما كان ينبغي أن يتركوا هذه الفرصة بهذه البساطة، لكنّ الله سلب عنهم قدرتهم وصرفهم عنهم!
الثانية: إنّ مكّة كانت حرم الله الآمن. فلو وقع القتال فيها لسالت الدماء فتهتك حرمة الحرم من جانب، وتكون عاراً على المسلمين وعيباً أيضاً. إذ سلبوا أمن هذه الأرض المقدّسة، ولذلك فإنّ من نِعَم الله على نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم)وعلى المسلمين أنّه وبعد هذه القضية بسنتين فتح عليهم مكّة وكان ذلك من دون سفك دم أيضاً..
وفي آخر آية من الآيات محل البحث إشارة إلى لطيفة أُخرى تتعلّق بمسألة صلح الحديبيّة وحكمتها إذ تقول الآية: (هم الذين كفروا وصدّوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفاً أن يبلغ محله)(2).
كان أحد ذنوبهم كفرهم، والذنب الآخر صدّهم إيّاكم عن العُمرة زيارة بيت الله ولم يجيزوا أن تنحروا الهدي في محله، أي مكّة (الهدي في العمرة ينحر [أو يذبح] في مكّة وفي الحج بمنى) على حين ينبغي أن يكون بيت الله للجميع وصدّ المؤمنين عنه من أعظم الكبائر، كما يصرّح القرآن بذلك في مكان آخر من سورة: (ومن أظلم ممّن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه)(3).
ومثل هذه الذنوب يستوجب أن يسلّطكم الله عليهم لتعاقبوهم بشدّة! لكنّ الله تعالى لم يفعل ذلك فلماذا؟! ذيل الآية يبيّن السبب بوضوح إذ يقول: (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرّة بغير علم)(4)..
وهذه الآية تشير إلى طائفة (من الرجال والنساء) المسلمين الذين اعتنقوا الإسلام في مكّة ولم يهاجروا إلى المدينة لأسباب خاصة.
فلو قاتل المسلمون أهل مكّة لأوقعوا أرواح هؤلاء المستضعفين في خطر ولامتدت ألسنة المشركين بالقول: إنّ جنود الإسلام لم يرحموا لا أعداءهم ومخالفيهم ولا أتباعهم ومؤالفيهم، وهذا عيب وعار كبير!
وقال بعضهم أيضاً، إنّ المراد من هذا العيب لزوم الكفارة ودية قتل الخطأ، لكنّ المعنى الأوّل أكثر مناسبةً ظاهراً.
«المعرّة» من مادة «عرّ» على زنة «شرّ» «والعرّ على زنة الحر» في الأصل معناه مرض الجرب وهو من الأمراض الجلدية التي تصيب الحيوانات أو الإنسان أحياناً ثمّ توسّعوا في المعنى فأطلقوا هذا اللفظ على كلّ ضرر يصيب الإنسان.
ولإكمال الموضوع تضيف الآية: (ليدخل الله في رحمته من يشاء).
أجل، كان الله يريد للمستضعفين المؤمنين من أهل مكّة أن تشملهم الرحمة ولا تنالهم أية صدمة..
كما يرد هذا الإحتمال أيضاً وهو أنّ أحد أهداف صلح الحديبيّة أنّ من المشركين من فيه قابلية الهداية فيهتدي ببركة هذا الصلح ويدخل في رحمة الله.
والتعبير بـ «من يشاء» يراد منه الذين فيهم اللياقة والجدارة، لأنّ مشيئة الله تنبع من حكمته دائماً، والحكيم لا يشاء إلاّ بدليل ولا يعمل عملاً دون دقّة وحساب..
ولمزيد التأكيد تضيف الآية الكريمة: (لو تزيلوا لعذّبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً) أي لو افترقت وانفصلت صفوف المؤمنين والكفار في مكّة ولم يكن هناك خطر على المؤمنين لعذّبنا الكفار بأيديكم عذاباً أليماً.
صحيح أنّ الله قادر على أن يفصل هذه الجماعة عن الآخرين عن طريق الإعجاز، ولكنّ سنّة الله ـ في ما عدا الموارد الإستثنائية ـ أن تكون الأُمور وفقاً للأسباب العاديّة.
جملة «تزيلوا» من مادة زوال، وهنا معناها الإنفصال والتفرّق.
ويستفاد من روايات متعدّدة منقولة عن طرق الشيعة والسنّة حول ذيل هذه الآية أنّ المراد منها أفراد مؤمنون كانوا في أصلاب الكافرين والله سبحانه لأجل هؤلاء لم يعذّب الكافرين..
ومن جملة هذه الروايات نقرأ في الرواية أنّه سأل رجلٌ الإمام الصادق (عليه السلام): ألم يكن علي (عليه السلام) قوياً في دين الله؟ قال (عليه السلام): بلى. فقال: فعلام إذ سُلّط على قوم (في الجمل) لم يفتك بهم فما كان منعه من ذلك؟!
فقال الإمام: آية في القرآن!
فقال الرجل: وأية آية؟!
فقال الصادق (عليه السلام) قوله تعالى: (لو تزيلوا لعذّبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً).. ثمّ أضاف (عليه السلام): أنّه كان لله عزَّ وجلَّ ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، ولم يكن علي ليقتل الآباء حتى تخرج الودائع.. وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبداً حتى تظهر ودائع الله عزَّ وجلّ(5).
أي أن اللّه سبحانه يعلم أنّ جماعة سيولدون منهم في ما بعد وسيؤمنون عن إختيارهم وإرادتهم ولأجلهم لم يعذب اللّه أباءهم وقد أورد هذا القرطبي في تفسيره بعبارة اُخرى.
ولا يمنع أن تكون الآية مشيرة إلى المؤمنين المختلطين بالكفّار في مكّة وإلى المؤمنين الذين هم في أصلاب الكافرين وسيولدون في ما بعد!..
* * *
1 ـ (مجمع البيان) ج9، ص123، مع شيء من التصرف كما ذكر هذا الشأن (القرطبي) بتفاوت يسير و(أبو الفتوح الرازي) و(الآلوسي في روح المعاني) و(الشيخ الطوسي في التبيان) و(المراغي) وأضرابهم.
2 ـ «معكوفاً» مشتق من العكوف ومعناها المنع عن الحركة والبقاء في المكان.
3 ـ البقرة، الآية 114.
4 ـ جواب لولا في الجملة الآنفة محذوف والتقدير: لمّا كفَ أيديكم عنهم، أو: لوطأتم رقاب المشركين بنصرنا إيّاكم..
5 ـ تفسير نور الثقلين، ج5، ص70، وروايات أُخر متعددة وردت أيضاً في هذا المجال!.
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِى قُلوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَـهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُواْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَىْء عَلِيماً( 26 )
هذه الآية تتحدّث مرّة أُخرى عن (مجريات) الحديبيّة وتجسّم ميادين أُخرى من قضيتها العظمى.. فتشير أوّلاً إلى واحد من أهم العوامل التي تمنع الكفار من الإيمان بالله ورسوله والإذعان والتسليم للحق والعدالة فتقول: (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهلية)(1).
1 ـ يستوفي الفعل (جعل) مفعولاً واحداً أحياناً وذلك إذا كان معناه «الإيجاد» كالآية محل البحث وفاعله الذين كفروا ومفعوله الحمية والمراد بالإيجاد هنا البقاء على هذه الحالة والتعلّق بها، وقد يستوفي هذا الفعل (جعل) مفعولين وذلك إذا كان بمعنى (صار).
![]() |
![]() |
![]() |