![]() |
![]() |
![]() |
في الآية الأخيرة من سورة الصفّ يدور الحديث مرّة اُخرى حول محور (الجهاد) الذي مرّ ذكره سابقاً في هذه السورة، إلاّ أنّ الحديث عنه يستمرّ هنا في هذه الآية ـ أيضاً باُسلوب جديد.
لقد طرحت الآية الكريمة مسألة مهمّة غير الجنّة والنّار وذلك بقوله تعالى: ( ياأيّها الذين آمنوا كونوا أنصار الله).
نعم، أنصار الله، الله الذي هو منشأ جميع القدرات، ومرجعها، صاحب القدرة التي لا تقهر واللامتناهية، هذا الربّ العظيم والإله الجبّار يطلب من عباده النصرة والعون، وهذا فخر لا مثيل له، فالبرغم من أنّ معناه ومفهومه هو إعانة ونصرة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومبدئه وعقيدته، إلاّ أنّه ينطوي على طلب العون والنصرة لله سبحانه، وهذا غاية اللطف ومنتهى الرحمة والعظمة.
ثمّ يستشهد بنموذج تاريخي رائد كي يوضّح سبحانه أنّ هذا الطريق لن يخلو من السالكين والعشّاق الإلهيين حيث يضيف تعالى: ( كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله).
ويكون الجواب على لسان الحواريين بمنتهى الفخر والإعتزاز: ( قال الحواريون نحن أنصار الله) وساروا في هذا الدرب حاملين لواء الخير والهداية، ومتصدّين لحرب أعداء الحقّ والرسالة، حيث يقول سبحانه: ( فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة).
وهنا يأتي العون والنصر والإغاثة والمدد الإلهي للطائفة المؤمنة حيث يقول سبحانه: ( فأيّدنا الذين آمنوا على عدوّهم فأصبحوا ظاهرين).
وأنتم أيضاً ياحواريي محمّد، يشملكم هذا الفخر وتحيطكم هذه العناية واللطف الإلهي، لأنّكم أنصار الله، وإنّ النصر على أعداء الله سيكون حليفكم أيضاً، كما انتصر الحواريون عليهم، وسوف تكون العزّة والسمو من نصيبكم في هذه الدنيا وفي عالم الآخرة.
وهذا الأمر غير منحصر أو مختّص بأصحاب وأعوان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فحسب، بل جميع أتباع الحقّ الذين هم في صراع دائم ضدّ الباطل وأهله، إنّ هؤلاء جميعاً هم أنصار الله، وممّا لا شكّ فيه فإنّ النصر سيكون نصيبهم وحليفهم لا محالة.
* * *
جاء ذكر الحواريين في القرآن الكريم خمس مرّات، مرتين منها في هذه السورة المباركة.
«الحواريون»: تعبير يراد به الإشارة إلى إثني عشر شخصاً من الأنصار الخواص لعيسى (عليه السلام) وقد ذكرت أسماؤهم في الأناجيل المتداولة حالياً كـ (إنجيل متّى، ولوقا باب6).
وهذا المصطلح من مادّة (حور) بمعنى الغسل والتبييض ـ جعل الشيء أبيض ـ كما مرّ بنا سابقاً، لأنّهم يتمتّعون بقلوب طاهرة وأرواح نقيّة، وكانوا يسعون دائماً لغسل نفوسهم والآخرين من دنس الذنوب وتطهيرها من الآثام، لذا اُطلق عليهم هذا المصطلح.
وجاء في بعض الرّوايات أنّ المسيح (عليه السلام) أرسلهم جميعاً ممثّلين عنه إلى مناطق مختلفة من العالم، وذلك لإخلاصهم، وتضحيتهم وجهادهم وحربهم ضدّ الباطل، وكانوا أيضاً ممّن يكنّون أعمق الحبّ والولاء للمسيح (عليه السلام).
وتحدّثنا الرّوايات أنّ جميعهم قد بقي على العهد إلاّ واحداً منهم فإنّه قد خان ونكص واسمه (يهوداي أسخريوطي) ممّا حدا المسيح (عليه السلام) في نهاية المطاف إلى طرده.
ولقد تناولنا توضيحات عديدة حول هذا في تفسير الآية (52) من سورة آل عمران.
جاء في حديث أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال للنفر الذين لاقوه بالعقبة: «أخرجوا إليّ إثني عشر رجلا منكم يكونوا كفلاء على قومهم كما كفلت الحواريون لعيسى بن مريم»(17) ممّا يعكس أهميّة هؤلاء العظام.
اللهمّ، وفّقنا للمشاركة مع أوليائك في هذه التجارة الرابحة والإستفادة من بركاتها العظيمة ..
ربّنا: إنّ الإختلاف والتفرقة في صفوف المسلمين قد أضعفت مكانة المسلمين صفّاً واحداً كالبنيان المرصوص في مواجهة أعدائهم.
إلهنا، إنّ دينك القويم لم يبق يوماً دون ناصر، فاكتبنا من أنصاره وحماته وأعوانه ..
آمين ربّ العالمين
نهاية سورة الصفّ
* * *
مَدَنيّة
وعَدَدُ آيَاتِها إحدى عشرة آية
تدور هذه السورة حول محورين أساسيين:
الأوّل: هو التوحيد وصفات الله والهدف من بعثة الرّسول ومسألة المعاد.
والمحور الثّاني: هو الأثر التربوي لصلاة الجمعة وبعض الخصوصيات المتعلّقة بهذه العبادة العظيمة.
ولكن يمكن أن نجمل الأبحاث التي وردت في هذه السورة المباركة بالنقاط التالية:
1 ـ تسبيح كافّة المخلوقات.
2 ـ الهدف التعليمي والتربوي من بعثة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
3 ـ تحذير المؤمنين وتنبيههم من مغبّة الوقوع في الإنحراف الذي وقع فيه اليهود فابتعدوا عن جادّة الصواب والحقّ.
4 ـ إشارة إلى قانون الموت العامّ والشامل الذي يمثّل المعبر إلى عالم البقاء والخلود.
5 ـ التأكيد على أداء فريضة صلاة الجمعة، وحثّ المؤمنين على تعطيل العمل والكسب من أجل المشاركة فيها.
وردت روايات كثيرة في فضيلة تلاوة هذه السورة سواء كانت هذه التلاوة مستقلّة أو ضمن الصلوات اليومية.
نقرأ في حديث عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «ومن قرأ سورة الجمعة اُعطي عشر حسنات بعدد من أتى الجمعة، وبعدد من لم يأتها في أمصار المسلمين».
وورد في حديث آخر عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «الواجب على كلّ مؤمن إذا كان لنا شيعة أن يقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة وسبّح اسم ربّك الأعلى، وفي صلاة الظهر بالجمعة والمنافقين، فإذا فعل ذلك فكإنّما يعمل بعمل رسول الله وكان جزائه وثوابه على الله الجنّة»(18).
وقد ورد في الروايات التأكيد الكثير على قراءة سورة الجمعة والمنافقون في صلاة الجمعة، وقد ورد في بعض الروايات أن لا تترك قراءتها ما أمكن(19)، ومع أنّ العدول في القراءة عن سورة «التوحيد» و «قل ياأيّها الكافرون» إلى سور اُخرى غير جائز، إلاّ أنّ هذه المسألة مستثناة في صلاة الجمعة، فيجوز العدول عنهما إلى سورة «الجمعة» و «المنافقون» بل عدّ ذلك مستحبّاً.
وكلّ ذلك دليل على الأهميّة العالية لهذه السورة القرآنية.
* * *
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَـوَتِ وَمَا فِى الاَْرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُو الَّذِى بَعَثَ فِى الاُْمِّيِّنَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَـتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَـبَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـل مُّبِين (2) وَءَاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)
تبدأ هذه السورة كذلك بالتسبيح لله عزّوجلّ، وتشير إلى بعض صفات الجمال والجلال والأسماء الحسنى لله. ويعتبر ذلك في الحقيقة مقدّمة للأبحاث القادمة، حيث يقول تعالى: ( يسبّح لله ما في السموات وما في الأرض) حيث يسبّحونه بلسان الحال والقال وينزّهونه عن جميع العيوب والنقائض ( الملك القدّوس العزيز الحكيم).
وبناءً على ذلك تشير الآية أوّلا إلى «المالكية والحاكمية المطلقة»، ثمّ «تنزّهه من أي نوع من الظلم والنقص» وذلك لإرتباط اسم الملوك بأنواع المظالم والمآسي، فجاءت كلمة «قدّوس» لتنفي كلّ ذلك عنه جلّ شأنه.
ومن جانب آخر فالآية تركّز على ركنين أساسيين من أركان الحكومة هما «القدرة» و «العلم» وسنرى أنّ هذه الصفات ترتبط بشكل مباشر بالأبحاث القادمة لهذه السورة.
ونشير هنا إلى أنّ ذكر صفات الحقّ تعالى في الآيات القرآنية المختلفة جاءت ضمن نظام وترتيب وحساب خاصّ.
وكنّا قد تعرّضنا سابقاً لتسبيح كافّة المخلوقات.
وبعد هذه الإشارة الخاطفة ذات المعنى العظيم لمسألة التوحيد وصفات الله، يتحدّث القرآن عن بعثة الرّسول والهدف من هذه الرسالة العظيمة المرتبطة بالعزيز الحكيم القدّوس. حيث يقول: ( هو الذي بعث في الاُمّيين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته).
وذلك من أجل أن يطهّرهم من كلّ أشكال الشرك والكفر والإنحراف والفساد ( ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين).
ومن الملفت للنظر أنّ بعثة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الخصوصيات التي لا يمكن تفسيرها إلاّ عن طريق الإعجاز، تعتبر هي الاُخرى إشارة إلى عظمته عزّوجلّ ودليل على وجوده إذ يقول: ( هو الذي بعث في الاُمّيين رسولا ...) وأبدع هذا الموجود العظيم بين اُولئك الاُمّيين ..
«الاُمّيين» جمع (اُمّي) وهو الذي لا يعرف القراءة والكتابة (ونسبته إلى الاُمّ باعتبار أنّه لم يتلقّ تعليماً في معهد أو مدرسة غير مدرسة الاُمّ).
وقال البعض: إنّ المقصود بها أهل مكّة، لأنّ مكّة كانت تسمّى (باُمّ القرى)، ولكنّه بعيد.
قال بعض المفسّرين: إنّ المقصود بها «اُمّة العرب» مقابل اليهود وغيرهم، واعتبروا الآية (75) من سورة آل عمران شاهدة على هذا المعنى حيث يقول: ( قالوا ليس علينا في الاُمّيين سبيل) وذلك باعتبار أنّ اليهود كانوا يعتبرون أنفسهم أهل الكتاب وهم أهل القراءة والكتابة، بينما كان العرب على العكس من ذلك. ولكن التّفسير الأوّل أنسب.
والجدير بالذكر أنّ الآية تؤكّد على أنّ نبي الإسلام بعث من بين هؤلاء الاُمّيين الذين لم يتلقّوا ثقافة وتعليماً وذلك لبيان عظمة الرسالة وذكر الدليل على حقّانيتها، لأنّ من المحال أن يكون هذا القرآن العظيم وبذلك المحتوى العميق وليد فكر بشري وفي ذلك المحيط الجاهلي ومن شخص اُمّي أيضاً، بل هو نور أشرق في الظلمات، ودوحة خضراء في قلب الصحراء، وهي بحدّ ذاتها معجزة باهرة وسنداً قاطعاً على حقّانيته ...
ولخّصت الآية الهدف من بعثة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في ثلاثة اُمور، جاء أحدها كمقدّمة وهو تلاوة الآيات عليهم، بينما شكّل الأمران الآخران أي (تهذيب وتزكية النفس) و (تعليمهم الكتاب والحكمة) الهدف النهائي الكبير.
نعم، جاء الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليعطي الإنسانية ويعلّمها العلم والأخلاق، لتستطيع بهذين الجناحين (جناح العلم وجناح الأخلاق) أن تحلّق في عالم السعادة وتطوي مسيرها إلى الله لتنال القرب منه.
والجدير بالملاحظة انّنا نجد بعض الآيات القرآنية تذكر «التزكية» قبل «التعليم» بينما تقدّم آيات اُخرى «التعليم» على «التزكية». ففي ثلاثة من الموارد الأربعة التي ذكر فيها «التزكية» و «التعليم» تقدّمت التزكية على التعليم بينما تقدّم التعليم في المورد الرابع.
وفي الوقت الذي يشار في هذا التعبير إلى التأثير المتبادل لهذين العنصرين (الأخلاق وليدة العلم، كما أنّ العلم وليد الأخلاق) تظهر أيضاً أصالة التربية ومدى الإهتمام بها. علماً أنّ المقصود بالعلم العلوم الحقيقية لا العلوم التي إصطلح عليها بأنّها علم وأُلبست ثوب العلم.
ويمكن أن يكون الفرق بين «الكتاب» و «الحكمة» هو أنّ الأوّل إشارة إلى القرآن والثاني إشارة إلى سنّة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
ويمكن أيضاً أن يكون «الكتاب» إشارة إلى أصل العقائد والأحكام الإسلامية، والثانية إشارة إلى فلسفتها وأسرارها.
ومن النقاط الجديرة بالملاحظة ـ كذلك ـ أنّ الحكمة تعني المنع بقصد الإصلاح، ولهذا يقال للجام الفرس «حكمة» لأنّه يمنعها ويجعلها تسير في مسارها الصحيح، وبناءً على ذلك فإنّ مفهوم هذه الدلائل عقلي، ومن هنا يتّضح أنّ ذكر الكتاب والحكمة بشكل مترادف يراد منه التنبيه إلى مصدرين مهمّين من مصادر المعرفة (الوحي) و (العقل).
بعبارة اُخرى: إنّ الأحكام السماوية وتعاليم الإسلام رغم أنّها نابعة من الوحي الإلهي غير أنّها يمكن تعقّلها وإدراكها بالعقل «المقصود كلّيات الأحكام».
وتعبير «الضلال المبين» إشارة مختصرة معبّرة إلى سابقة العرب وماضيهم الجاهلي في عبادة الأصنام. وأي ضلال أوضح وأسوأ من هذا الضلال الذي يعبد فيه الناس أحجاراً وأخشاباً يصنعونها بأنفسهم ويلجؤون إليها لحلّ مشاكلهم وإنقاذهم من المعضلات.
يدفنون بناتهم وهنّ أحياء ثمّ يتفاخرون بكلّ بساطة بهذا العمل قائلين: إنّنا لم ندع ناموسنا وعرضنا يقع بيد الأجانب.
كانت صلاتهم ودعاؤهم عبارة عن تصفيق وصياح إلى جانب الكعبة، وحتّى النساء كن يطفن حول الكعبة وهنّ عراة تماماً، ويحسبون ذلك عبادة.
كانت تسيطر على أفكارهم مجموعة من الخرافات والأوهام، وكانوا يتفخرون ويتباهون بالحرب ونزف الدماء والإغارة على بعضهم البعض. المرأة كانت تعدّ بضاعة لا قيمة لها عندهم، يلعبون عليها القمار، ويحرمونها من أبسط الحقوق الإنسانية. كانوا يتوارثون العداوة والبغضاء، ولهذا أصبحت الحروب وإراقة الدماء أمراً عادياً لديهم.
نعم لقد جاء الرّسول وأنقذهم ـ ببركة الكتاب والحكمة من هذا الضلال والتخبّط وزكّاهم وعلّمهم. وحقّاً إنّ تربية وتغيير مثل هذا المجتمع الضالّ يعتبر أحد الأدلّة على عظمة الإسلام ومعاجز نبيّنا العظيمة.
ولكن لم يكن الرّسول مبعوثاً لهذا المجتمع الاُمّي فقط، بل كانت دعوته عامّة لجميع الناس، فقد جاء في الآية التالية ( وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم)(20).
نعم، إنّ الأقوام الآخرين الذين جاؤوا بعد أصحاب الرّسول ليتربّوا في مدرسة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويغترفوا من معين القرآن الصافي والسنّة المحمّدية، كانوا ـ أيضاً ـ مشمولين بهذه الدعوة العظيمة.
بناءً على ذلك تكون الآية أعلاه شاملة لجميع الأقوام الذين يأتون بعد أصحاب الرّسول من العرب والعجم. جاء في الحديث أنّ الرّسول بعد أن تلا هذه الآية سئل من هؤلاء؟ فأشار الرّسول إلى سلمان وقال: «لو كان الإيمان في الثريا لنالته رجال من هؤلاء»(21).
وجاء في آخر الآية: ( وهو العزيز الحكيم).
بعد أن يشير إلى هذه النعمة الكبيرة ـ أي نعمة بعث نبي الإسلام الأكرم وبرنامجه التعليمي والتربوي ـ يضيف قائلا: ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).
وهذه الآية في الحقيقة كالآية ـ 164 ـ في سورة آل عمران التي تقول: ( لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين).
وقد احتمل بعضهم جملة ( ذلك فضل الله) إشارة إلى أصل مقام النبوّة الذي يعطيه الله لمن يكون لائقاً به، غير أنّ التّفسير الأوّل أنسب، مع أنّه يمكن الجمع بين التّفسيرين بأن يقال: إنّ قيادة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت نعمة للاُمّة كما أنّ مقام النبوّة نعمة عظيمة لشخص الرّسول الكريم.
ولا نجد حاجة إلى القول بأنّ تعبير ( من يشاء) لا يعني أنّ الله ينزل رحمته وبركاته بدون حساب وبلا سبب، بل إنّ المشيئة هنا مرادفة للحكمة كما وصف الباري نفسه في بداية السورة بأنّه العزيز الحكيم.
يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في معنى هذا الفضل الإلهي: «فانظروا إلى مواقع نعم الله عليهم حيث بعث إليهم رسولا، فعقد بملّته طاعتهم وجمع على دعوته أُلفتهم، كيف نشرت النعمة عليهم جناح كرامتها، وأسالت لهم جداول نعيمها، والتفت الملّة بهم في عوائد بركتها، فأصبحوا في نعمتها غرقين. وفي خضرة عيشها فكهين».
* * *
جاء في الحديث أنّ جمعاً من الفقراء ذهبوا إلى رسول الله وقالوا: «يارسول الله، إنّ للأغنياء ما يتصدّقون وليس لنا ما نتصدّق ولهم ما يحجّون وليس لنا ما نحجّ ولهم ما يعتقون وليس لنا ما نعتق. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): من كبّر مائة مرّة كان أفضل من عتق رقبة، ومن سبّح الله مائة مرّة كان أفضل من مائة فرس في سبيل الله يسرجها ويلجمها. ومن هلّل الله مائة مرّة كان أفضل الناس عملا في ذلك اليوم إلاّ من زاد. فبلغ ذلك الأغنياء فقالوه. فرجع الفقراء إلى النبي فقالوا: يارسول الله قد بلغ الأغنياء ما قلت فصنعوه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)، (وهذه إشارة إلى أنّ ذلك لأمثالكم فإنّكم مشتاقون إلى الإنفاق ولا تملكون ما تنفقون).
أمّا الأغنياء فسبيل بلوغهم ثواب الله هو إنفاق أموالهم في سبيله(22).
هذا الحديث شاهد على ما ذكرنا سابقاً من أنّ ثواب الله وفضله لا يعطى بدون حساب.
* * *
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارَا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِئَايَـتِ اللهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـلِمِينَ (5) قُلْ يَـأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَـدِقِينَ (6) وَلاَ يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدَا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّـلِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَـقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَـلِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَـدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(8)
جاء في بعض الرّوايات أنّ اليهود قالوا: (إذا كان محمّد قد بعث برسالة فإنّ رسالته لا تشملنا) فردّت عليهم الآية مورد البحث في أوّل بيان لها بأنّ رسالته قد اُشير إليها في كتابكم السماوي لو أنّكم قرأتموه وعملتم به.
يقول تعالى: ( مثل الذين حمّلوا التوراة ثمّ لم يحملوها) أي نزلت عليهم التوراة وكلّفوا بالعمل بها ولكنّهم لم يؤدّوا حقّها ولم يعملوا بآياتها فمثلهم ( كمثل الحمار يحمل أسفاراً).
لا يشعر هذا الحيوان بما يحمل من كتب إلاّ بثقلها، ولا يميّز بين أن يكون المحمول على ظهره خشب أو حجر أو كتب فيها أدقّ أسرار الخلق وأحسن منهج في الحياة.
لقد إقتنع هؤلاء القوم بتلاوة التوراة واكتفوا بذلك دون أن يعملوا بموجبها.
هؤلاء مثلهم كمثل الحمار الذي يضرب به المثل في الغباء والحماقة.
وذلك أوضح مثال يمكن أن يكشف عن قيمة العلم وأهميّته.
ويشمل هذا الخطاب جميع المسلمين الذين يتعاملون بألفاظ القرآن دون إدراك أبعاده وحكمه الثمينة. (وما أكثر هؤلاء بين المسلمين).
وهناك تفسير آخر هو أنّ اليهود لمّا سمعوا تلك الآيات والآيات المشابهة في السور الاُخرى التي تتحدّث عن نعمة بعث الرّسول قالوا: نحن أهل كتاب أيضاً، ونفتخر ببعثة سيّدنا موسى (عليه السلام) كليم الله، فردّ عليهم القرآن أنّكم جعلتم التوراة وراء ظهوركم ولم تعملوا بما جاء فيها.
على أي حال يعتبر ذلك تحذيراً للمسلمين كافّة من أن ينتهوا إلى ما انتهى إليه اليهود فقد شملتهم الرحمة الإلهية ونزل عليهم القرآن الكريم، لا لكي يضعوه على الرفوف يعلوه الغبار، أو يحملوه كما تحمل التعاويذ أو ما إلى ذلك. وقد لا يتعدّى إهتمام بعض المسلمين بالقرآن أكثر من تلاوته بصوت جميل في أغلب الأحيان.
ثمّ يقول تعالى: ( بئس مثل القوم الذين كذّبوا بآيات الله) إذ لم يكتفوا بمخالفة القرآن عملا، بل أنكروه بلسانهم أيضاً، حيث نصّت الآية (87) من سورة البقرة وهي تصف اليهود قائلة: ( أفكلّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذّبتم وفريقاً تقتلون).
ويقول تعالى في آخر الآية في عبارة وجيزة: ( والله لا يهدي القوم الظالمين).
صحيح أنّ الهداية شأن إلهي، ولكن ينبغي أن تهيّأ لها الأرضية اللازمة، وهي الروح التواقة لطلب الحقّ والبحث عنه، وهي اُمور يجب أن يهيّئها الإنسان نفسه، ولا شكّ أنّ الظالمين يفتقدون مثل هذه الأرضية.
وأوضحنا سابقاً أنّ اليهود اعتبروا أنفسهم اُمّة مختارة، أو نسيجاً خاصّاً لا يشبه غيره، وذهبوا إلى أبعد من ذلك حينما ادّعوا أنّهم أبناء الله وأحبّاؤه المنتقمون، وهذا ما أشارت إليه الآية (18) من سورة المائدة: ( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحبّاؤه) (رغم أنّهم يقصدون الأبناء المجازيين).
ولكن القرآن شجب هذا التعالي مرّة اُخرى بقوله: ( قل ياأيّها الذين هادوا إن زعمتم أنّكم أولياء لله من دون الناس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين)(23).
فالأحبّاء يتمنون اللقاء دائماً، ولا يتمّ اللقاء المعنوي بالله يوم القيامة إلاّ عندما تزول حجب عالم الدنيا وينقشع غبار الشهوات والهوى، وحينئذ سيرى الإنسان جمال المحبوب ويجلس على بساط قربه، ويكون مصداقاً لـ ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر) فيدخل إلى حرم الحبيب.
إنّ خوفكم وفراركم من الموت دليل قاطع على أنّكم متعلّقون بهذه الدنيا وغير صادقين في إدّعائكم.
ويوضّح القرآن الكريم هذا المعنى بتعبير آخر في سورة البقرة آية (96) عندما يقول تعالى: ( ولتجدنّهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر والله بصير بما يعملون).
ثمّ يشير القرآن إلى سبب خوفهم من الموت بقوله: ( ولا يتمنّونه أبداً بما قدّمت أيديهم والله عليم بالظالمين).
لأنّ خوف الإنسان من الموت ناشيء من عاملين أساسيين:
الأوّل: عدم إيمان الإنسان بالحياة بعد الموت وإعتقاده أنّ الموت زوال وفناء.
والثّاني: أعماله السيّئة التي يعتقد أنّه سيواجهها بعد مماته في عالم الآخرة عندما تقام المحكمة الإلهية.
وإنّما يخاف اليهود من الموت لسوء أعمالهم إذ أنّهم يعتقدون ـ أيضاً ـ بيوم الحساب.
وقد وصفهم القرآن الكريم بالظالمين، وذلك لأنّ الظلم يتّسع ليشمل جميع الأعمال السيّئة والجرائم التي ارتكبوها، من قتلهم الأنبياء وقول الزور وغصب الحقوق وتلوّثهم بمختلف المفاسد الأخلاقية.
غير أنّ هذا الخوف وذلك الفرار لا يجدي شيئاً، فالموت أمر حتمي لابدّ أن يدرك الجميع، إذ يقول تعالى: ( قل إنّ الموت الذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم ثمّ تردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون).
الموت قانون عام يخضع له الجميع بما فيهم الأنبياء والملائكة وجميع الناس ( كلّ من عليها فان ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام).
وكذلك المثول أمام محكمة العدل الإلهي لا يفلت منها أحد، إضافة إلى علم الله تعالى بأعمال عباده بدقّة وبتفصيل كامل.
وبهذا سوف لا يكون هناك طريق للتخلّص من هذا الخوف سوى تقوى الله وتطهير النفس والقلب من المعاصي، وبعد أن يخلص الإنسان لله تعالى فإنّه لن يخاف الموت حينئذ.
ويعبّر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن هذه المرحلة بقوله: «هيهات بعد اللتيا والتي، والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي اُمّه»(24).
* * *
ممّا لا شكّ فيه أنّ لطلب العلم تبعات ومسؤوليات عديدة، ولكن مع كثرة هذه التبعات فإنّها لا تساوي شيئاً أمام بركاته. وأشدّ ما يخيف الإنسان ويقلقه أن يتحمّل مصاعب طلب العلم، ويعاني في سبيل ذلك الأمّرين دون أن يحصد بركاته، وعندها سيكون مثل هذا الإنسان كمثل الحمار الذي يحمل أسفاراً على ظهره لا يعلم منها شيئاً.
وقد شبّه العالم بلا عمل في بعض الأمثال بأنّه (كالشجر بلا ثمر) أو (كالسحاب بلا مطر) أو (كالشمعة التي تحرق نفسها لتضيء أطرافها ولكنّها تفنى وتزول) أو (كالحيوان الذي يدير الطاحونة فإنّه يمشي ساعات طويلة دون أن يقطع أيّة مسافة بل يبقى دائماً يدور حول نفسه)، وما إلى ذلك من التشبيهات التي يوضّح كلّ واحد منها جانباً من جوانب النقص حينما لا يُقرن العلم بالعمل.
وقد حملت الروايات بشدّة على مثل هؤلاء العلماء الذين لا يعملون بما يعلمون، ففي رواية عن الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «من إزداد علماً ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلاّ بعداً»(25).
وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه قال: «العلم مقرون بالعمل فمن علم عمل، والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلاّ ارتحل عنه»(26).
وفي رواية اُخرى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعتبر العالم الذي لا يعمل بموجب علمه غير جدير بهذا اللقب حيث يقول: «لا يكون المرء عالماً حتّى يكون بعلمه عاملا»(27).
وليس أفضل من العالم الذي يعمل بعلمه دون أن يستفيد من مزايا العلم ذاتياً ومادياً، فقد ورد عن أمير المؤمنين في خطبة له على المنبر «أيّها الناس إذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلّكم تهتدون، إنّ العالم العامل بغيره، كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق عن جهله بل قد رأيت أنّ الحجّة عليه أعظم والحسرة أدوم»(28).
ومثل هؤلاء العلماء سيكونون بلاءً على المجتمع ووبالا عليه، وسينتهي المجتمع الذي علماؤه من هذا القبيل إلى مصير خطير.
يقول الشاعر:
وراعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئاب!
قلّة من الناس فقط لا يخافون الموت ويبتسمون له ويحتضنونه ويهبون تلك النفس المتعبة ليحصلوا على الخلود.
والآن لماذا تخاف الموت الأغلبية الغالبة من الناس وتخاف من أعراضه، بل حتّى من إسمه؟
إنّ السبب الأساسي وراء هذا الخوف هو عدم إيمان هؤلاء بالحياة بعد الموت، أو إذا كانوا مؤمنين بذلك فإنّهم لم يصدّقوا به تصديقاً حقيقيّاً، ولم يتمكّن من جميع أفكارهم وإحساساتهم ومشاعرهم.
إنّ خوف الإنسان من العدم شيء طبيعي، بل إنّ الإنسان يخاف من الظلمة في الليل التي هي عدم النور، وأحياناً يصل بالإنسان الخوف إلى أنّه يخاف من الميّت.
ولكن إذا صدقت النفس أنّ (الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر) وإذا أيقنت هذه النفس أنّ هذا البدن الترابي إنّما هو سجن للروح وسور يضرب الحصار عليها، إذا آمنت بذلك حقّاً وكانت نظرة الإنسان إلى الموت هكذا فإنّه سوف لن يخشى الموت أبداً، وفي نفس الوقت الذي يعتزّ بالحياة من أجل الإرتقاء في سلّم التكامل.
لهذا نجد في قصّة عاشوراء: أنّه كلّما ضاقت حلقة الأعداء وإزداد ضغطهم على الإمام الحسين وأصحابه إزدادت وجوههم إشراقاً، حتّى أنّ الشيوخ من أصحابه كانت الإبتسامة تطفو على وجوههم في صبيحة عاشوراء، وحينما كانوا يسألون يقولون: إنّنا سنستشهد بعد ساعات فنعانق الحور العين(29).
والسبب الآخر الذي يجعل الإنسان يخاف من الموت هو التعلّق بالدنيا أكثر من اللازم، الأمر الذي يجعله يرى الموت الشيء الذي سيفصله عن محبوبه ومعشوقه التي هي الدنيا.
وكثرة السيّئات وقلّة الحسنات في صحيفة الأعمال هي السبب الثالث وراء الخوف من الموت، فقد جاء أنّ رجلا أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: يارسول الله، ما بالي لا اُحبّ الموت؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لك مال؟ قال: نعم، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): قد قدّمته؟ قال: لا. قال: فمن ثمّة لا تحبّ الموت»(30) (لأنّ صحيفة أعمالك خالية من الحسنات).
وجاء رجل آخر وسأل (أبا ذرّ) نفس السؤال فأجابه أبو ذرّ قائلا: «لأنّكم عمّرتم الدنيا وخرّبتم الآخرة، فتكرهون أن تنتقلوا من عمران إلى خراب»(31).
* * *
يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَوةُ فَانتَشِرُوا فِى الاَْرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)وَإِذَا رَأَوْا تِجَـرَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَـرَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّزِقِينَ (11)
نقل في سبب نزول هذه الآيات وخصوصاً الآية ( وإذا رأوا تجارة) روايات مختلفة جميعها تخبر عن معنى واحد، هو أنّه في أحد السنوات «أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر فقدم «دحيّة بن خليفة» بتجارة زيت من الشام والنبي يخطب يوم الجمعة فلمّا رأوه قاموا إليه بالبقيع خشية أن يسبقوا إليه فلم يبق مع النبي إلاّ رهط فنزلت الآية فقال: «والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتّى لا يبقى أحد منكم لسال بكم الوادي ناراً».
وقال المقاتلان: بينا رسول الله يخطب يوم الجمعة إذ قدم دحيّة بن خليفة بن فروة الكلبي ثمّ أخذ بني الخزرج ثمّ أخذ بني زيد بن مناة من الشام بتجارة وكان إذا قدم لم يبق بالمدينة عاتق إلاّ أتته وكان يقدم إذا قدم بكلّ ما يحتاج إليه من دقيق أو برّ أو غيره فينزل عند «أحجار الزيت»، وهو مكان في سوق المدينة ثمّ يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فيخرج إليه الناس ليتبايعوا معه فقدم ذات جمعة وكان ذلك قبل أن يسلم ورسول الله قائم على المنبر يخطب فخرج الناس فلم يبق في المسجد إلاّ إثنا عشر رجلا وامرأة فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لولا هؤلاء لسوّمت عليهم الحجارة من السماء وأنزل الله هذه الآية(32).
![]() |
![]() |
![]() |