Untitled Normal Page

وبتعبير آخر: في ذلك اليوم تتجلّى العظمة الإلهية، وهذه العظمة تدعو المؤمنين للسجود فيسجدون، إلاّ أنّ الكافرين حرموا من هذا الشرف واللطف.

وتعكس الآية اللاحقة صورة جديدة لحالتهم حيث يقول سبحانه: ( خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلّة)(216).

هذه الآية الكريمة تصف لنا حقيقة المجرمين عندما يدانون في إجرامهم ويحكم عليهم، حيث نلاحظ الذلّة والهوان تحيط بهم، وتكون رؤوسهم مطأطئة تعبيراً عن هذه الحالة المهينة.

ثمّ يضيف تعالى: ( وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون).

إلاّ أنّهم لن يسجدوا أبداً، لقد صحبوا روح التغطرس والعتوّ والكبر معهم في يوم القيامة فكيف سيسجدون؟

إنّ الدعوة للسجود في الدنيا لها موارد عديدة، فتارةً بواسطة المؤذّنين للصلاة الفردية وصلاة الجماعة، وكذلك عند سماع بعض الآيات القرآنية وأحاديث الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) .. ولذا فإنّ الدعوة للسجود لها مفهوم واسع وتشمل جميع ما تقدّم.

ثمّ يوجّه الباريء عزّوجلّ الخطاب لنبيّه الكريم ويقول: ( فذرني ومن يكذّب بهذا الحديث).

وهذه اللهجة تمثّل تهديداً شديداً من الواحد القهّار لهؤلاء المكذّبين المتمردين، حيث يخاطب الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: لا تتدخّل، واتركني مع هؤلاء، لاُعاملهم بما يستحقّونه. وهذا الكلام الذي يقوله ربّ قادر على كلّ شيء، ـ بالضمن ـ باعث على إطمئنان الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين أيضاً، ومشعراً لهم بأنّ الله معهم وسيقتصّ من جميع الأعداء الذين يثيرون المشاكل والفتن والمؤامرات أمام الرّسول والرسالة، ولن يتركهم الله تعالى على تماديهم.

ثمّ يضيف سبحانه: ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إنّ كيدي متين).

نقرأ في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «إذا أحدث العبد ذنباً جدّد له نعمة فيدع الإستغفار، فهو الإستدراج»(217).

والذي يستفاد من هذا الحديث ـ والأحاديث الاُخرى في هذا المجال ـ أنّ الله تعالى يمنح ـ أحياناً ـ عباده المعاندين نعمة وهم غارقون في المعاصي والذنوب وذلك كعقوبة لهم. فيتصوّرون أنّ هذا اللطف الإلهي قد شملهم لجدارتهم ولياقتهم له فيأخذهم الغرور المضاعف، وتستولي عليهم الغفلة .. إلاّ أنّ عذاب الله ينزل عليهم فجأة ويحيط بهم وهم بين أحضان تلك النعم الإلهية العظيمة .. وهذا في الحقيقة من أشدّ ألوان العذاب ألماً.

إنّ هذا اللون من العذاب يشمل الأشخاص الذين وصل طغيانهم وتمردّهم حدّه الأعلى، أمّا من هم دونه في ذلك فإنّ الله تعالى ينبّههم وينذرهم عن ممارساتهم الخاطئة عسى أن يعودوا إلى رشدهم، ويستيقظوا من غفلتهم، ويتوبوا من ذنوبهم، وهذا من ألطاف الباريء عزّوجلّ بهم.

وبعبارة اُخرى: إذا أذنب عبد فإنّه لا يخرج من واحدة من الحالات الثلاث التالية:

إمّا أن ينتبه ويرجع عن خطئه ويتوب إلى ربّه.

أو أن ينزل الله عليه العذاب ليعود إلى رشده.

أو أنّه غير أهل للتوبة ولا للعودة للرشد بعد التنبيه له، فيعطيه الله نعمة بدل البلاء وهذا هو: (عذاب الإستدراج) والذي اُشير له في الآيات القرآنية بالتعبير أعلاه وبتعابير اُخرى.

لذا يجب على الإنسان المؤمن أن يكون يقظاً عند إقبال النعم الإلهية عليه، وليحذر من أن يكون ما يمنحه الله من نعم ظاهرية يمثّل في حقيقته (عذاب الإستدراج) ولذلك فإنّ المسلمين الواعين يفكّرون في مثل هذه الاُمور ويحاسبون أنفسهم باستمرار، ويعيدون تقييم أعمالهم دائماً، كي يكونوا قريبين من طاعة الله، ويؤدّون حقّ الألطاف والنعم التي وهبها الله لهم.

جاء في حديث أنّ أحد أصحاب الإمام الصادق(عليه السلام) قال: إنّي سألت الله تبارك وتعالى أن يرزقني مالا فرزقني، وإنّي سألت الله أن يرزقني ولداً فرزقني، وسألته أن يرزقني داراً فرزقني، وقد خفت أن يكون ذلك إستدراجاً؟ فقال: «أمّا مع الحمد فلا»(218).

والتعبير بـ (أملي لهم) إشارة إلى أنّ الله تعالى لا يستعجل أبداً بجزاء الظالمين، والإستعجال يكون عادةً من الشخص الذي يخشى فوات الفرصة عليه، إلاّ أنّ الله القادر المتعال أيّما شاء وفي أي لحظة فإنّه يفعل ذلك، والزمن كلّه تحت تصرّفه.

وعلى كلّ حال فإنّ هذا تحذير لكلّ الظالمين والمتطاولين بأن لا تغرّهم السلامة والنعمة أبداً، وليرتقبوا في كلّ لحظة بطش الله بهم(219).

* * *

الآيات

أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَم مُّثْقَلُونَ (46) أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَّوْلاَ أَن تَدَرَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَـهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّـلِحِينَ (50)

التّفسير

لا تستعجل بعذابهم:

استمراراً للإستجواب الذي تمّ في الآيات السابقة للمشركين والمجرمين، يضيف الباريء عزّوجلّ سؤالين آخرين، حيث يقول في البداية: ( أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون).

أي إذا كانت حجّتهم أنّ الإستجابة لدعوتك تستوجب أجراً مادياً كبيراً، وأنّهم غير قادرين على الوفاء به، فإنّه كذب، حيث أنّك لم تطالبهم بأجر، كما لم يطلب أي من رسل الله أجراً.

«مغرم» من مادّة (غرامة) وهي ما يصيب الإنسان من ضرر دون أن يرتكب جناية، و (مثقل) من مادّة (ثقل) بمعنى الثقل، وبهذا فإنّ الله تعالى أسقط حجّة اُخرى ممّا يتذرّع به المعاندون.

وقد وردت الآية أعلاه وما بعدها (نصّاً) في سورة الطور (آية 40 ـ 41).

ثمّ يضيف واستمراراً للحوار بقوله تعالى: ( أم عندهم الغيب فهم يكتبون).

حيث يمكن أن يدّعي هؤلاء بأنّ لهم إرتباطاً بالله سبحانه عن طريق الكهنة، أو أنّهم يتلقّون أسرار الغيب عن هذا الطريق فيكتبونها ويتداولونها، وبذلك كانوا في الموقع المتميّز على المسلمين، أو على الأقل يتساوون معهم.

ومن المسلّم به أنّه لا دليل على هذا الإدّعاء أيضاً، إضافةً إلى أنّ لهذه الجملة معنى (الإستفهام الإنكاري)، ولذا فمن المستبعد ما ذهب إليه البعض من أنّ المقصود من الغيب هو (اللوح المحفوظ)، والمقصود من الكتابة هو القضاء والقدر، وذلك لأنّهم لم يدّعوا أبداً أنّ القضاء والقدر واللوح المحفوظ في أيديهم.

ولأنّ العناد واللامنطقية التي كان عليها أعداء الإسلام تؤلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وتدفعه إلى أن يدعو الله عليهم، لذا فإنّه تعالى أراد أن يخفّف شيئاً من آلام رسوله الكريم، فطلب منه الصبر وذلك قوله تعالى: ( فاصبر لحكم ربّك).

أي انتظر حتّى يهيء الله لك ولأعوانك أسباب النصر، ويكسر شوكة أعدائك، فلا تستعجل بعذابهم أبداً، واعلم بأنّ الله ممهلهم وغير مهملهم، وما المهلة المعطاة لهم إلاّ نوع من عذاب الإستدراج.

وبناءً على هذا فإنّ المقصود من (حكم ربّك) هو حكم الله المقرّر الأكيد حول إنتصار المسلمين.

وقيل أنّ المقصود منها هو: أن تستقيم وتصبر في طريق إبلاغ أحكام الله تعالى.

كما يوجد إحتمال آخر أيضاً وهو أنّ المقصود بالآية أنّ حكم الله إذا جاء فعليك أن تستسلم لأمره تعالى وتصبر، لأنّه سبحانه قد حكم بذلك(220).

إلاّ أنّ التّفسير الأوّل أنسب.

ثمّ يضيف تعالى: ( ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم):

والمقصود من هذا النداء هو ما ورد في قوله تعالى: ( فنادى في الظلمات أن لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين)(221).

وبذلك فقد إعترف النبي يونس (عليه السلام) بترك الأولى، وطلب العفو والمغفرة من الله تعالى. كما يحتمل أن يكون المقصود من هذا النداء هو اللعنة التي أطلقها على قومه في ساعة غضبه. إلاّ أنّ المفسّرين إختاروا التّفسير الأوّل لأنّ التعبير  بـ «نادى» في هذه الآية يتناسب مع ما ورد في الآية (87) من سورة الأنبياء، حيث من المسلّم انّه نادى ربّه عندما كان (عليه السلام) في بطن الحوت.

«مكظوم» من مادّة (كظم) على وزن (هضم) بمعنى الحلقوم، و (كظم السقاء) بمعنى سدّ فوهة القربة بعد امتلائها، ولهذا السبب يقال للأشخاص الذين يخفون غضبهم وألمهم ويسيطرون على إنفعالاتهم ويكظمون غيظهم ... بأنّهم: كاظمون، والمفرد: كاظم، ولهذا السبب يستعمل هذا المصطلح أيضاً بمعنى (الحبس).

وبناءً على ما تقدّم فيمكن أن يكون للمكظوم معنيان في الآية أعلاه: المملوء غضباً وحزناً، أو المحبوس في بطن الحوت، والمعنى الأوّل أنسب، كما ذكرنا.

ويضيف سبحانه في الآية اللاحقة: ( لولا أن تداركه نعمة من ربّه لنبذ بالعراء وهو مذموم)(222).

من المعلوم أنّ يونس (عليه السلام) خرج من بطن الحوت، واُلقي في صحراء يابسة، عبّر عنها القرآن الكريم بـ (العراء) وكان هذا في وقت قَبِل الله تعالى فيه توبته وشمله برحمته، ولم يكن أبداً مستحقّاً (عليه السلام) للذمّ.

ونقرأ في قوله تعالى: ( فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين)(223) كي يستريح في ظلالها.

كما أنّ المقصود من (النعمة) في الآية أعلاه هو توفيق التوبة وشمول الرحمة الإلهية لحاله (عليه السلام) حسب الظاهر.

وهنا يطرح سؤالان:

الأوّل: هو ما جاء في الآيتين 143، 144 من سورة الصافات في قوله تعالى: ( فلولا أنّه كان من المسبّحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) وهذا مناف لما ورد في الآية مورد البحث.

وللجواب على هذا السؤال يمكن القول: كانت بإنتظار يونس (عليه السلام) عقوبتان: إحداهما شديدة، والاُخرى أخفّ وطأة. الاُولى الشديدة هي أن يبقى في بطن الحوت إلى يوم يبعثون، والأخفّ: هو أن يخرج من بطن الحوت وهو مذموم وبعيد عن لطف الله سبحانه، وقد كان جزاؤه (عليه السلام) الجزاء الثاني، ورفع عنه ما ألمّ به من البعد عن الألطاف الإلهية حيث شملته بركة الله عزّوجلّ ورحمته الخاصّة.

والسؤال الآخر يتعلّق بما جاء في قوله تعالى: ( فالتقمه الحوت وهو مليم)(224)وإنّ ما يستفاد من الآية مورد البحث أنّه (عليه السلام) لم يكن ملوماً ولا مذموماً.

ويتّضح الجواب على هذا السؤال بالإلتفات إلى أنّ الملامة كانت في الوقت الذي التقمه الحوت توّاً، وأنّ رفع المذمّة كان متعلّقاً بوقت التوبة وقبولها من قبل الله تعالى، ونجاته من بطن الحوت.

لذا يقول الباريء عزّوجلّ في الآية اللاحقة: ( فاجتباه ربّه فجعله من الصالحين).

وبذلك فقد حمّله الله مسؤولية هداية قومه مرّة اُخرى، وعاد إليه يبلّغهم رسالة ربّه، ممّا كانت نتيجته أن آمن قومه جميعاً، وقد منّ الله تعالى عليهم بألطافه ونعمه وأفضاله لفترة طويلة.

وقد شرحنا قصّة يونس (عليه السلام) وقومه، وكذلك بعض المسائل الاُخرى حول تركه لـ (الأولى) وإستقراره فترة من الزمن في بطن الحوت والإجابة على بعض التساؤلات المطروحة في هذا الصدد بشكل مفصّل في تفسير الآيات (139 ـ 148) من سورة الصافات وكذلك في تفسير الآيات (87، 88) من سورة الأنبياء.

* * *

الآيتان

وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَـرِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لََمجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَـلَمِينَ (52)

التّفسير

يريدون قتلك .. لكنّهم عاجزون

هاتان الآيتان تشكّلان نهاية سورة القلم، وتتضمّنان تعقيباً على ما ورد في بداية السورة من نسبة الجنون إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل الأعداء.

يقول تعالى: ( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لمّا سمعوا الذكر ويقولون إنّه لمجنون).

«ليزلقونك» من مادّة (زلق) بمعنى التزحلق والسقوط على الأرض، وهي كناية عن الهلاك والموت.

ثمّة أقوال مختلفة في تفسير هذه الآية:

1 ـ قال كثير من المفسّرين: إنّ الأعداء حينما يسمعون منك هذه الآيات العظيمة للقرآن الكريم، فإنّهم يمتلئون غضباً وغلا، وتتوجّه إليك نظراتهم الحاقدة وبمنتهى الغيظ، وكأنّما يريدون أن يطرحوك أرضاً ويقتلوك بنظراتهم الخبيثة الغاضبة.

وأضاف قسم آخر في توضيح هذا المعنى، أنّهم يريدون قتلك بالحسد عن طريق العين، وهو ما يعتقد به الكثير من الناس، لوجود الأثر المرموز في بعض العيون والتي يمكن أن تؤثّر على الطرف الآخر بنظرة خاصّة تميت المنظور.

2 ـ وقال البعض الآخر: إنّها كناية عن نظرات ملؤها الحقد والغضب، كما يقال عرفاً: إنّ فلاناً نظر إليّ نظرة وكأنّه يريد إلتهامي أو قتلي.

3 ـ ويوجد تفسير آخر للآية الكريمة يحتمل أن يكون أقرب التفاسير، وهو أنّ الآية الكريمة أرادت أن تظهر التناقض والتضادّ لدى هؤلاء المعاندين، وذلك أنّهم يعجبون ويتأثّرون كثيراً عند سماعهم الآيات القرآنية بحيث يكادون أن يصيبوك بالعين (لأنّ الإصابة بالعين تكون غالباً في الاُمور التي تثير الإعجاب كثيراً) إلاّ أنّهم في نفس الوقت يتّهمونك بالجنون، وهذا يمثّل التناقض حقّاً. إذ أين الجنون ولغو الكلام وأين هذه الآيات المثيرة للإعجاب والنافذة في القلوب؟

إنّ هؤلاء ذوي العقول المريضة لا يدركون ما يقولون وما وقعوا فيه من التناقض فيما ينسبونه إليك.

وعلى كلّ حال فإنّ ما يتعلّق بموضوع حقيقة إصابة العين وصحّتها ـ من وجهة النظر الإسلامية أو عدمها، وكذلك من وجهة نظر العلوم الحديثة، فهذا ما سنستعرضه في البحوث التالية إن شاء الله.

وأخيراً يضيف تعالى في آخر آية: ( وما هو إلاّ ذكر للعالمين).

حيث أنّ معارف القرآن الكريم واضحة، وإنذاراته موقظة، وأمثاله هادفة، وترغيباته وبشائره مربّية، وبالتالي فهو عامل وسبب ليقظة النائمين وتذكرة للغافلين، ومع هذا فكيف يمكن أن ينسب الجنون إلى من جاء به؟

وتماشياً مع هذا الرأي فإنّ (ذكر) على وزن (فكر) تكون بمعنى (المذكّر). وفسّرها البعض الآخر بمعنى (الشرف)، وقالوا: إنّ هذا القرآن شرف لجميع العالمين، وهذا ما هو وارد ـ أيضاً ـ في قوله تعالى: ( وإنّه لذكر لك ولقومك)(225).

إلاّ أنّ (الذكر) هنا بمعنى المذكّر والمنبّه، بالإضافة إلى أنّ أحد أسماء القرآن الكريم هو (الذكر) وبناءً على هذا، فإنّ التّفسير الأوّل أصحّ حسب الظاهر.

* * *

بحث

هل أنّ إصابة العين لها حقيقة؟

يعتقد الكثير من الناس أنّ لبعض العيون آثاراً خاصّة عندما تنظر لشيء بإعجاب، إذ ربّما يترتّب على ذلك الكسر أو التلف، وإذا كان المنظور إنساناً فقد يمرض أو يجنّ ..

إنّ هذه المسألة ليست مستحيلة من الناحية العقلية، حيث يعتقد البعض من العلماء المعاصرين بوجود قوّة مغناطيسية خاصّة مخفية في بعض العيون بإمكانها القيام بالكثير من الأعمال، كما يمكن تدريبها وتقويتها بالتمرين والممارسة، ومن المعروف أنّ «التنويم المغناطيسي» يكون عن طريق هذه القوّة المغناطيسية الموجودة في العيون.

إنّ (أشعة ليزر) هي عبارة عن شعاع لا مرئي يستطيع أن يقوم بعمل لا يستطيع أي سلاح فتّاك القيام به، ومن هنا فإنّ القبول بوجود قوّة في بعض العيون تؤثّر على الطرف المقابل، وذلك عن طريق أمواج خاصّة ليس بأمر مستغرب.

ويتناقل الكثير من الأشخاص أنّهم رأوا باُمّ أعينهم أشخاصاً لهم هذه القوّة المرموزة في نظراتهم، وأنّهم قد تسبّبوا في إهلاك آخرين (أشخاص وحيوانات وأشياء) وذلك بإصابتهم بها.

لذا فلا ينبغي الإصرار على إنكار هذه الاُمور. بل يجدر تقبّل إحتمال وجود مثل هذا الأمر من الناحية العقلية والعلمية.

كما جاء في بعض الرّوايات الإسلامية ـ أيضاً ـ ما يؤيّد وجود مثل هذا الأمر بصورة إجمالية كما في الرواية التالية: «إنّ أسماء بنت عميس قالت: يارسول الله إنّ بني جعفر تصيبهم العين أفأسترقي لهم؟ قال: نعم، فلو كان شيء يسبق القدر لسبقه العين». (المقصود من (الرقية) هي الأدعية التي يكتبونها ويحتفظ بها الأشخاص لمنع الإصابة بالعين ويقال لها التعويذة أيضاً)(226).

وجاء في حديث آخر أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: النّبي رقى حسناً وحسيناً فقال: «اُعيذكما بالكلمات التامّة وأسمائه الحسنى كلّها عامّة، من شرّ السامّة والهامّة، ومن شرّ كلّ عين لامّة، ومن شرّ حاسد إذا حسد» ثمّ التفت النّبي إلينا فقال: هكذا كان يعوّذ إبراهيم إسماعيل وإسحاق(227).

وجاء في نهج البلاغة أيضاً: «العين حقّ، والرقى حقّ»(228).

ولمّا كانت الأدعية توسّلا للباريء عزّوجلّ في دفع الشّر وجلب الخير، فبأمر من الله تعالى يمنع تأثير القوّة المغناطيسية للعيون، ولا مانع من ذلك، كما أنّ للأدعية تأثيراً في كثير من العوامل والأسباب الضارّة وتبطل مفعولها بأمر الله تعالى.

كما يجدر الإلتفات إلى هذه النقطة ـ أيضاً ـ وهي: إنّ قبول تأثير الإصابة بالعين بشكل إجمالي لا يعني الإيمان بالأعمال الخرافية، وممارسات الشعوذة التي تنتشر بين العوام، إذ أنّ ذلك مخالف لأوامر الشرع، ويثير الشكّ في أصل الموضوع عند غير المسلمين بهذه المسائل، كما أنّ هذه الأعمال تربك وتشوش الكثير من الحقائق بما يدسّ بها من الأوهام والخرافات، وبذلك يكون الإنطباع عنها سلبياً في الأذهان.

اللهمّ: احفظنا بحفظك من شرّ الأشرار، ومكائد الأعداء.

ربّنا، تفضّل علينا بالصبر والإستقامة في سبيل تحصيل رضاك.

إلهي، وفّقنا للإستفادة من نعمك اللامتناهية وأداء شكرها قبل أن تسلب منّا.

آمين ياربّ العالمين.

نهاية سورة القلم

* * *

سُورَة الحاقّة

مكيّة

وعَدَدُ آيَاتِها إثنتان وخمسُون آية

«سورة الحاقّة»

ملاحظة

تدور موضوعات سورة الحاقّة حول ثلاثة محاور:

المحور الأوّل: وهو أهمّ محاور هذه السورة، يرتبط بمسائل يوم القيامة وبيان خصوصياتها، وقد وردت فيه ثلاثة أسماء من أسماء يوم القيامة وهي: (الحاقّة) و (القارعة) و (الواقعة).

أمّا المحور الثاني: فتدور أبحاثه حول مصير الأقوام الكافرين، خصوصاً قوم عاد وثمود وفرعون، وتشتمل على إنذارات شديدة لجميع الكّفار ومنكري يوم البعث والنشور.

وتتحدّث أبحاث المحور الثالث حول عظمة القرآن الكريم، ومقام الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وجزاء المكذّبين.

فضيلة تلاوة سورة الحاقّة

جاء في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من قرأ سورة الحاقّة حاسبه الله حساباً يسيراً»(229).

وجاء في حديث آخر عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: (أكثروا من قراءة الحاقّة، فإنّ قراءتها في الفرائض والنوافل من الإيمان بالله ورسوله، ولم يسلب قارئها دينه حتّى يلقى الله)(230).

* * *

الآيات

الْحَآقَّةُ (1) مَا الْحَآقَّةُ (2) وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحَآقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثُمُودُ وَعَادُ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيح صَرْصَر عَاتِيَة (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَال وَثَمَـنِيَةَ أَيَّام حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْل خَاوِيَة (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَة (8)

التّفسير

الطغاة والعذاب الأليم:

تبدأ هذه السورة بعنوان جديد ليوم القيامة، يقول تعالى: ( الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة)(231) والمراد من الحاقّة هو اليوم الذي سيتحقّق حتماً.

ذهب أغلب المفسّرين إلى أنّ (الحاقّة) اسم من أسماء يوم القيامة، باعتباره قطعي الوقوع، كما هو بالنسبة لـ (الواقعة) في سورة (الواقعة)، وقد جاء في الآية (16) من هذه السورة الاسم نفسه، وهذا يؤكّد يقينية ذلك اليوم العظيم.

«ما الحاقّة»: تعبير لبيان عظمة ذلك اليوم، كما يقال: إنّ فلاناً إنسان، يا له من إنسان، ويقصد من هذا التعبير وصف إنسانيّته دون تقييد حدّها.

والتعبير بـ ( ما أدراك ما الحاقّة) للتأكيد مرّة اُخرى على عظمة الأحداث في ذلك اليوم العظيم حتّى أنّ الباريء عزّوجلّ يخاطب رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّك لا تعلم ما هو ذلك اليوم؟(232).

وكما لا يمكن أن يدرك الجنين الذي في بطن اُمّه المسائل المتعلّقة بالدنيا، فإنّ أبناء الدنيا كذلك ليس بمقدورهم إدراك الحوادث التي تكون في يوم القيامة.

ويحتمل أنّ المقصود من (الحاقّة) هو الإشارة إلى العذاب الإلهي الذي يحلّ فجأة في هذه الدنيا بالمشركين والمجرمين والطغاة وأصحاب الهوى والمتمرّدين على الحقّ.

كما فسّرت (القارعة) التي وردت في الآية اللاحقة بهذا المعنى ـ أيضاً وبلحاظ أنّ هذا التّفسير يتناسب بصورة أكثر مع ما جاء في الآيات اللاحقة التي تتحدّث عن حلول العذاب الشديد بقوم عاد وثمود وفرعون وقوم لوط، فقد ذهب بعض المفسّرين إلى هذا الرأي أيضاً.

وجاء في تفسير (علي بن إبراهيم) قوله: إنّ (الحاقّة هي الحذر من نزول العذاب) وهو نظير ما جاء في الآية التالية: ( وحاقّ بآل فرعون سوء العذاب)(233)(234)

ثمّ تستعرض الآيات الكريمة اللاحقة مصير الأقوام الذين أنكروا يوم القيامة، وكذلك نزول العذاب الإلهي في الدنيا، حيث يضيف تعالى: ( كذّبت ثمود وعاد بالقارعة فأمّا ثمود فأهلكوا بالطاغية).

لقد كان (قوم ثمود) يسكنون في منطقة جبلية بين الحجاز والشام، فبعث الله النبي صالح (عليه السلام) إليهم، ودعاهم إلى الإيمان بالله ... إلاّ أنّهم لم يستجيبوا له، بل حاربوه وتحدّوه في إنزال العذاب الذي أوعدهم به إن كان صادقاً، وفي هذه الحالة من التمرّد الذي هم عليه، سلّط الله عليهم (صاعقة مدمّرة) أنهت كلّ وجودهم في لحظات، فخربت بيوتهم وقصورهم المحكمة، وتهاوت أجسادهم على الأرض.

والنقطة الجديرة بالملاحظة هنا هي أنّ القرآن الكريم يعبّر عن عقاب هؤلاء الأقوام المتمردين بـ (العذاب الشديد)، وقد كان العذاب الشديد بصور متعدّدة حيث عبّر عنه بـ (الطاغية) كما جاء في الآية مورد البحث واُخرى بالـ (رجفة) كما جاء في سورة الأعراف الآية (78) وثالثة كان بصورة (صاعقة) كما ورد في سورة فصّلت الآية (13)، ورابعة كان على شكل (صيحة) كما جاء في سورة هود الآية (67).

وفي الحقيقة فإنّ جميع هذه التعابير ترجع إلى معنى واحد، لأنّ الصاعقة دائماً تكون مقرونة: بصوت عظيم، ورجفة على النقطة التي تقع فيها، وعذاب طاغ عظيم.

ثمّ تتطرّق الآية اللاحقة لتحدّثنا عن مصير (قوم عاد) الذين كانوا يسكنون في أرض الأحقاف الواقعة (في شبه جزيرة العرب أو اليمن) وكانوا ذوي قامات طويلة، وأجساد قوية، ومدن عامرة، وأراض خضراء خصبة، وحدائق نضرة .. وكان نبيّهم (هود) (عليه السلام) يدعوهم إلى الهدى والإيمان بالله ... إلاّ أنّهم أصرّوا على كفرهم وتمادوا في طغيانهم وتمرّدوا على الحقّ، فانتقم الله منهم شرّ إنتقام، وأقبرهم تحت الأرض بعد أن سلّط عليهم عذاباً شديداً مؤلماً، سنوضّح شرحه في الآيات التالية.

يقول تعالى: ( وأمّا عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية).

«صرصر» على وزن (دفتر) تقال للرياح الباردة أو المقترنة بصوت وضوضاء، أو المسمومة، وقد ذكر المفسّرون هذه المعاني الثلاث في تفسيرها، والجمع بين جميع هذه المعاني ممكن أيضاً.

«عاتية» من مادّة (عتو) على وزن (علو) بمعنى التمرّد على القانون الطبيعي للرياح وليست على أمر الله.

ثمّ تبيّن الآية التالية وصفاً آخر لهذه الرياح المدمّرة، حيث يقول تعالى: ( سخّرها عليهم سبع ليال وثمانية أيّام حسوماً).

«حسوماً» من مادّة (حسم) على وزن (رسم) بمعنى إزالة آثار شيء ما، وقيل للسيف (حسام) على وزن (غلام)، ويقال: (حسم) أحياناً لوضع الشيء الحارّ على الجرح للقضاء عليه من الأساس.

لقد حطّمت وأفنت هذه الريح المدمّرة في الليالي السبع والأيّام الثمانية جميع معالم حياة هؤلاء القوم، والتي كانت تتميّز بالاُبّهة والجمال، واستأصلتهم من الجذور(235).

ويصوّر لنا القرآن الكريم مآل هؤلاء المعاندين بقوله تعالى: ( فترى القوم فيها صرعى كأنّهم أعجاز نخل خاوية).

إنّه لتشبيه رائع يصوّر لنا ضخامة قامتهم التي إقتلعت من الجذور، بالإضافة إلى خواء نفوسهم، حيث أنّ العذاب الإلهي جعل الريح تتقاذف أجسادهم من جهة إلى اُخرى.

«خاوية» من مادّة (خواء) على وزن (حواء) في الأصل بمعنى كون الشيء خالياً، ويطلق هذا التعبير أيضاً على البطون الجائعة، والنجوم الخالية من المطر (كما في إعتقاد عرب الجاهلية)، وتطلق كذلك على الجوز الأجوف الفارغ من اللب.

ويضيف في الآية التالية: ( فهل ترى لهم من باقية)(236).

نعم لم يبق اليوم أي أثر لقوم عاد، بل حتّى مدنهم العامرة، وعماراتهم الشامخة ومزارعهم النضرة لم يبق منها شيء يذكر أبداً.

لقد بحثنا قصّة قوم عاد بصورة مفصّلة في التّفسير الأمثل، تفسير الآيات (58 ـ 60) من سورة هود.

* * *

الآيات

وَجَآءَ فِرْعُوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَـتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَـكُمْ فِى الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَعِيَةٌ (12)

التّفسير

أين الآذان الواعية؟

بعد ما استعرضت الآيات الكريمة السابقة الأحداث التي مرّت بقومي عاد وثمود، وتستمرّ هذه الآيات في التحدّث عن الأقوام الاُخرى كقوم (نوح) وقوم (لوط) لتكون درساً وعبرة لمن وعى وكان له قلب سليم .. يقول تعالى ( وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة).

الـ «خاطئة» بمعنى الخطأ و (لكليهما معنى مصدري) والمراد من الخطأ هنا هو الشرك والكفر والظلم والفساد وأنواع الذنوب.

الـ «المؤتفكات» جمع (مؤتفكة) من مادّة (ائتفاك) بمعنى الإنقلاب، وهي هنا إشارة إلى ما حصل في مدن قوم لوط، حيث إنقلبت بزلزلة عظيمة.

والمقصود بـ ( ومن قبله) هم الأقوام الذين كانوا قبل قوم فرعون، كقوم شعيب، وقوم نمرود الذين تطاولوا على رسولهم.

ثمّ يضيف تعالى: ( فعصوا رسول ربّهم فأخذهم أخذةً رابية).

لقد خالف الفراعنة (موسى وهارون) (عليهما السلام) وواجهوهما بمنتهى العنف والتشكيك والملاحقة .. وكذلك كان موقف أهل مدينة (سدوم) من لوط (عليه السلام) الذي بعث لهدايتهم وإنقاذهم من ضلالهم .. وهكذا كان ـ أيضاً ـ موقف أقوام آخرين من رسلهم حيث التطاول. والتشكيك والإعراض والتحدّي ..

إنّ كلّ مجموعة من هؤلاء الأقوام المتمردّين قد إبتلاهم الله بنوع من العذاب، وأنزل عليه رجزاً من السماء بما يستحقّون، فالفراعنة أغرقهم الله سبحانه في وسط النيل الذي كان مصدراً لخيراتهم وبركة بلدهم وإعمار أراضيهم وديارهم، وقوم لوط سلّط الله عليهم (الزلزال) الشديد ثمّ (مطر من الحجارة) ممّا أدّى إلى موتهم وفنائهم من الوجود.

«رابية» و (ربا) من مادّة واحدة، وهي بمعنى الإضافة، والمقصود بها هنا العذاب الصعب والشديد جدّاً.

لقد جاء شرح قصّة قوم فرعون في الكثير من سور القرآن الكريم، وجاءت بتفصيل أكثر في ما ورد من سورة الشعراء الآية (10 ـ 68) يراجع التّفسير الأمثل، وكذلك في سورة الأعراف من الآية (103 ـ 137) راجع التّفسير الأمثل، وكذلك في سورة طه من الآية (24 ـ 79) راجع التّفسير الأمثل.

وجاءت قصّة لوط أيضاً في الكثير من السور القرآنية من جملتها ما ورد في سورة الحجر الآية (61 ـ 77) في التّفسير الأمثل.

وأخيراً تعرّض بإشارة موجزة إلى مصير قوم نوح والعذاب الأليم الذي حلّ بهم، قال تعالى: ( إنّا لما طغا الماء حملناكم في الجارية).

إنّ طغيان الماء كان بصورة غطّى فيها السحاب ومن هنا جاء تعبير (طغى) حيث هطل مطر غزير جدّاً وكأنّه السيل ينحدر من السماء، وفاضت عيون الأرض، والتقت مياههما بحيث أصبح كلّ شيء تحت الماء (القوم وبيوتهم وقصور أكابرهم ومزارعهم وبساتينهم ...) ولم تنج إلاّ مجموعة المؤمنين التي كانت مع نوح (عليه السلام) في سفينته.

جملة (حملناكم) كناية عن حمل وإنقاذ أسلافنا وأجدادنا من الغرق، وإلاّ ما كنّا في عالم هذا الوجود(237).