Untitled Normal Page

وبعد هذه الآية أخذ رسول الله البيعة من النساء المؤمنات.

وكتب البعض حول كيفية البيعة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بإناء فيه ماء، ووضع يده المباركة فيه، ووضع النسوة أيديهنّ في الجهة الاُخرى من الإناء. وقيل إنّ رسول الله بايع النساء من فوق الملابس.

وممّا يجدر ملاحظته أنّ الآية الكريمة ذكرت ستّة شروط في بيعة النساء، يجب مراعاتها وقبولها جميعاً عند البيعة وهي:

1 ـ ترك كلّ شرك وعبادة للأوثان، وهذا شرط أساسي في الإسلام والإيمان.

2 ـ إجتناب السرقة، ويحتمل أن يكون المقصود بذلك هو سرقة أموال الزوج، لأنّ الوضع المالي السيء آنذاك، وقسوة الرجل على المرأة، وإنخفاض مستوى الوعي كان سبباً في سرقة النساء لأموال أزواجهنّ، وإحتمال إعطاء هذه الأموال للمتعلّقين بهنّ.

وما قصّة (هند) في بيعتها لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ شاهد على هذا المعنى، ولكن على كلّ حال فإنّ مفهوم الآية واسع.

3 ـ ترك التلوّث بالزنا، إذ المعروف تأريخياً أنّ الإنحراف عن جادّة العفّة كان كثيراً في عصر الجاهلية.

4 ـ عدم قتل الأولاد، وكان القتل يقع بطريقتين، إذ يكون بإسقاط الجنين تارةً، وبصورة الوأد تارةً اُخرى (وهي عملية دفن البنات والأولاد أحياء).

5 ـ إجتناب البهتان والإفتراء، وقد فسّر البعض ذلك بأنّ نساء الجاهلية كنّ يأخذن الأطفال المشكوكين من المعابر والطرق ويدّعين أنّ هذا الطفل من أزواجهنّ (وهذا الأمر محتمل في حالة الغياب الطويل للزوج).

وقد اعتبر البعض ذلك إشارة إلى عمل قبيح هو من بقايا عصر الجاهلية،

[264]

حيث كانت المرأة تتزوّج من رجال عدّة، وعندما يولد لها طفل تنسبه إلى أيّ كان منهم، إذا ضمنت رغبته بالطفل.

ومع الأخذ بنظر الإعتبار أنّ مسألة الزنا قد ذكرت سابقاً، ولم يكن إستمرار مثل هذا الأمر في الإسلام ممكناً، لذا فإنّ هذا التّفسير مستبعد، والتّفسير الأوّل أنسب بالرغم من سعة مفهوم الآية الشريفة الذي يشمل كلّ إفتراء وبهتان.

كما أنّ التعبير بـ ( بين أيديهنّ وأرجلهنّ) يمكن أن يكون إشارة إلى أطفال أبناء السبيل، حيث تكون وضعية الطفل الرضيع عند رضاعته في حضن اُمّه بين يديها ورجليها.

6 ـ الطاعة لأوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي تبني الشخصية المسلمة وتهذّبها وتربّيها على الحقّ والخير والهدى، وهذا الحكم واسع أيضاً يشمل جميع أوامر الرّسول، بالرغم من أنّ البعض اعتبره إشارة إلى قسم من أعمال النساء في عصر الجاهلية كالنوح بصوت عال على الموتى، وتمزيق الجيوب وخمش الخدود وما شابه، إلاّ أنّ مفهوم الطاعة لا ينحصر بذلك.

ويمكن أن يطرح هنا هذا السؤال وهو: لماذا كانت البيعة مع النساء مشروطة بهذه الشروط، في حين أنّ بيعة الرجال لم تكن مشروطة إلاّ بالإيمان والجهاد؟ وللإجابة على ذلك نقول: إنّ الاُمور الأساسية المتعلّقة بالرجال في ذلك المحيط هو الإيمان والجهاد، ولأنّ الجهاد لم يكن مشروعاً بالنسبة للنساء لذا ذكرت شروط اُخرى أهمّها ما أكّدت عليه الآية الشريفة والتي تؤكّد على صيانة المرأة من الإنحراف في ذلك المجتمع.

* * *

بحوث

1 ـ إرتباط بيعة النساء ببناء شخصيتهنّ الإسلامية

لقد ذكرنا في تفسير سورة الفتح ـ في نهاية الآية (18) ـ بحثاً مفصّلا حول

[265]

البيعة وشروطها وخصوصياتها في الإسلام، لذا لا ضرورة لتكرار ذلك(1).

وممّا يجدر التذكير به هنا أنّ مسألة بيعة النساء للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت بشروط بنّاءة ومربّية كما نصّت عليها الآية أعلاه.

إنّ هذه النقطة على خلاف ما يقوله الجهلة والمغرضون في أنّ الإسلام حرم المرأة من الإحترام والقيمة والمكانة التي تستحقّها، فإنّ هذه الآية أكّدت على الإهتمام بالمرأة في أهمّ المسائل ومن ضمنها موضوع البيعة سواء كانت في الحديبية في العام السادس للهجرة أو في فتح مكّة، وبذلك دخلن العهد الإلهي مع الرجال وتقبّلن شروطاً إضافية تعبّر عن الهوية الإنسانية للمرأة الملتزمة تنقذها من شرور الجاهلية، سواء القديمة منها أو الجديدة، حيث تتعامل معها كمتاع بخس رخيص، ووسيلة لإشباع شهوة الرجال ليس إلاّ.

2 ـ قصّة بيعة (هند) زوجة أبي سفيان

عندما منّ الله على المسلمين بفتح مكّة، وجاءت النساء لبيعة الرّسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) وكانت «هند» زوجة أبي سفيان من ضمن النساء اللواتي جئن لبيعة الرّسول أيضاً. هذه المرأة التي ينقل عنها التاريخ قصصاً مثيرة في ممارساتها الإجرامية، وما قصّة فعلها بحمزة سيّد الشهداء في غزوة اُحد، ذلك العمل الإجرامي القبيح، إلاّ مفردة واحدة من الصور السوداء لهذه المرأة المشينة.

وبالرغم من أنّ الظروف قد إضطّرتها إلى الإنحناء أمام عظمة الإسلام فأعلنت إسلامها ظاهرياً، إلاّ أنّ قصّة بيعتها تعكس أنّها في الواقع كانت وفّية لما إرتبطت به من عقائد جاهلية سابقة، لذا فليس عجباً ما إرتكبه آل اُميّة وأبناؤهم بحقّ آل الرّسول، بصورة لم يكن لها مثيل.


1 ـ يراجع في هذا الصدد التّفسير الأمثل الآية (18) سورة الفتح.

[266]

وعلى كلّ حال، فقد كتب المفسّرون في قصّة بيعة هند:

«روي أنّ النبي بايعهنّ وكان على الصفا، وهند بنت عتبة متنقّبة متنكّرة خوفاً من أن يعرفها رسول الله، فقال أُبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً، فقالت هند: انّك لتأخذ علينا أمراً ما أخذته على الرجال.

وذلك انّه بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط، فقال رسول الله: ولا تسرقن. فقالت هند: إنّ أبا سفيان ممسك وانّي أصبت من ماله هنات فلا أدري أيحلّ لي أمّ لا؟ فقال أبو سفيان: ما أصبت من مالي فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال .. فضحك رسول الله وعرفها فقال لها: وانّك هند بنت عتبة، فقالت: نعم فاعف عمّا سلف يانبي الله عفا الله عنك. فقال: ولا تزنين. فقالت هند: أو تزني الحرّة، فتبسّم عمر بن الخطاب لما جرى بينه وبينها في الجاهلية، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): « ولا تقتلن أولادكن، فقالت هند: ربّيناهم صغاراً وقتلوهم كباراً وأنتم وهم أعلم. وكان إبنها حنظلة بن أبي سفيان قتله علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم بدر. وقال النبي: ولا تأتين ببهتان قالت هند: والله إنّ البهتان قبيح وما تأمرنا إلاّ بالرشد ومكارم الأخلاق، ولمّا قال: ولا يعصينك في معروف قالت هند: ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء»(1).

3 ـ الطاعة بالمعروف

إنّ من جملة النقاط الرائعة المستفادة من الآية أعلاه هو تقييد طاعة الرّسول بالمعروف، مع أنّ الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) معصوم، ولا يأمر بالمنكر أبداً، وهذا التعبير الرائع يدلّل على أمر في غاية السمو، وهو أنّ الأوامر التي تصدر من القادة الإسلاميين ـ مع كونهم يمثّلون القدوة والنموذج ـ لن تكون قابلة للتنفيذ ومحترمة إلاّ إذا كانت


1 ـ مجمع البيان، ج9، ص276، وجاء القرطبي في تفسيره بهذه القصّة بإختلاف يسير، وكذلك السيوطي في الدرّ المنثور، وأبو الفتوح في تفسير روح الجنان (في نهاية الآيات مورد البحث).

[267]

منسجمة مع التعاليم القرآنية واُصول الشريعة وعندئذ تكون مصداقاً (لا يعصينك في معروف).

وكم هي الفاصلة بعيدة بين الأشخاص الذين يعتبرون أوامر القادة واجبة الطاعة، مهما كانت ومن أي شخص صدرت، ممّا لا ينسجم مع العقل ولا مع حكم الشرع والقرآن، وبين التأكيد على إطاعة المعصوم وعدم المعصية في معروف؟!

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في رسالته المشهورة التي أرسلها لأهل مصر حول ولاية مالك الأشتر، ومع كلّ تلك الصفات المتميّزة فيه: «فاسمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحقّ فإنّه سيف من سيوف الله»(1).

* * *


1 ـ نهج البلاغة، رسالة رقم (38) وهي رسالة قصيرة كتبها الإمام (عليه السلام) لأهل مصر هي غير ما كتبه الإمام (عليه السلام) من العهد المعروف لمالك الأشتر.

[268]

الآيات

يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَولَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الاَْخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَـبِ الْقُبُورِ (13)

التّفسير

بدأت هذه السورة بآية تؤكّد على قطع كلّ علاقة بأعداء الله، وتختتم هذه السورة بآية تؤكّد هي الاُخرى على نفس المفهوم والموقف من أعداء الله: ( ياأيّها الذين آمنوا لا تتولّوا قوماً غضب الله عليهم) وبتعبير آخر فإنّ ختام السورة رجوع إلى مطلعها.

ويحذّر القرآن الكريم من أن يتّخذ أمثال هؤلاء أولياء وأن تفشى لهم الأسرار فيحيطون علماً بخصوصيات الوضع الإسلامي.

ويرى البعض أنّ الآية صريحة في أنّ المراد بالمغضوب عليهم فيها هم (اليهود) إذن أنّهم ذكروا في آيات قرآنية اُخرى بهذا العنوان، قال تعالى: ( فباؤا بغضب على غضب)(1).


1 ـ البقرة، الآية 90.

[269]

وهذا التّفسير يتناسب أيضاً مع سبب النزول الذي ذكر لهذه الآية، حيث تحدّثنا بعض الرّوايات أنّ قسماً من فقراء المسلمين كانوا يذهبون بأخبار المسلمين إلى اليهود مقابل إعطائهم شيئاً من فواكه أشجارهم، فنزلت الآية أعلاه ونهتهم عن ذلك(1).

ومع ذلك فإنّ للآية مفهوماً واسعاً حيث يشمل جميع الكفّار والمشركين، والتعبير بـ «الغضب» في القرآن الكريم لا ينحصر باليهود فقط، إذ ورد بشأن المنافقين أيضاً كما في الآية (6) من سورة الفتح، بالإضافة إلى أنّ سبب النزول  لا يحدّد مفهوم الآية.

وبناءً على هذا فإنّ ما جاء في الآية الشريفة يتناسب مع أمر واسع جاء في أوّل آية من هذه السورة تحت عنوان (موالاة أعداء الله).

ثمّ تتناول الآية أمراً يعتبر دليلا على هذا النهي حيث يقول تعالى: ( قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفّار من أصحاب القبور)(2).

ذلك أنّ موتى الكفّار سيرون نتيجة أعمالهم في البرزخ حيث لا رجعة لهم لجبران ما مضى من أعمالهم السيّئة، لذلك فإنّهم يئسوا تماماً من النجاة، وهؤلاء المجرمون في هذه الدنيا قد غرقوا في آثامهم وذنوبهم إلى حدّ فقدوا معه كلّ أمل في نجاتهم، كما هو الحال بالنسبة للموتى من الكفّار.

إنّ مثل هؤلاء الأفراد من الطبيعي أن يكونوا أشخاصاً غير اُمناء ولا يعتد بكلامهم وعهدهم، ولا إعتبار لودّهم وصداقتهم، لأنّهم يائسون تماماً من رحمة


1 ـ مجمع البيان، ج9، ص276.

2 ـ ذهب بعض المفسّرين إلى إحتمالات اُخرى في تفسير هذه الآية من جملتها: أنّهم يئسوا من ثواب الآخرة كما يئس المشركون من إحياء أصحاب القبور، إلاّ أنّ التّفسير الذي ذكرناه أعلاه أنسب (وممّا يجدر الإنتباه إليه أنّه طبقاً للتفسير الأوّل فإنّ (من أصحاب القبور) وصف للكفّار وطبقاً للتفسير الأخير فإنّها متعلّقة بـ (يئس).

[270]

الله، ولهذا السبب فإنّهم يرتكبون أقبح الجرائم وأرذل الأعمال، وجماعة هذه صفاتها كيف تثقون بها وتعتمدون عليها وتتّخذونها أولياء؟!

اللهمّ، لا تحرمنا أبداً من لطفك ورحمتك الواسعة ..

ربّنا، وفّقنا لنكون أولياء لأوليائك وأعداء لأعدائك، وثبّت أقدامنا في هذا السبيل ..

إلهنا، وفّقنا للتأسّي بأنبيائك وأوليائك ...

آمين ياربّ العالمين.

نهاية سورة الممتحنة

* * *

[271]

سُورَة الصَّفّ

مدنيّة

وعَدَدُ آيَاتِها أربع عشرة آية

[272]

[273]

«سورة الصّف»

محتوى سورة الصّف:

تدور أبحاث هذه السورة إجمالا حول محورين أساسيين.

الأوّل: فضيلة الإسلام على جميع الأديان السماوية، وضمان خلوده وبقائه.

والثاني: وجوب الجهاد في طريق حفظ المبدأ وترسيخ أركانه وتطوير العمل لتقدّمه والإلتزام به.

إلاّ أنّنا حينما نتأمّل في الآيات الكريمة نلاحظ إمكانية تقسيمها إلى سبعة أقسام من خلال نظرة تفصيلية، وتشمل ما يلي:

1 ـ تتحدّث بداية السورة عن تنزيه وتسبيح الباريء العزيز الحكيم، وتمهّد الأرضية لتلقّي وقبول الحقائق والموضوعات التي تليها.

2 ـ الدعوة إلى الإنسجام بين القول والعمل، والإبتعاد عن الدعاوى الفارغة البعيدة عن المسار العملي.

3 ـ الدعوة إلى الجهاد بيقين ثابت وعزم راسخ.

4 ـ الإشارة إلى موقف اليهود من العهود ونقضهم لها، بالإضافة إلى بشارة السيّد المسيح (عليه السلام) بظهور الإسلام العظيم.

5 ـ الضمان الإلهي لإنتصار الإسلام على كافّة الأديان.

6 ـ الحثّ والتأكيد على الجهاد وإستعراض المثوبات الدنيوية والاُخروية للمجاهدين في سبيل الحقّ.

[274]

7 ـ إستعراض مختصر لحياة حواري السيّد المسيح (عليه السلام) والدعوة لإستلهام الدروس من سيرتهم.

ومن خلال نظرة شاملة لموضوعات هذه السورة الشريفة نلاحظ أنّ المحور الأساس لها هو (الإسلام والجهاد).

إنّ إختيار إسم «الصّف» لهذه السورة كان بلحاظ العبارة التي وردت في الآية الرابعة منها، وتسمّى أحياناً بسورة «عيسى» (عليه السلام)، أو سورة «الحواريين».

والمعروف أنّ هذه السورة نزلت في المدينة، ويؤيّد هذا المعنى ما ورد فيها من آيات الجهاد الذي لم يشرع في مكّة كما هو معلوم.

فضيلة تلاوة سورة الصّف:

في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حول فضيلة تلاوة سورة الصفّ أنّه قال: «من قرأ سورة عيسى كان عيسى مصلّياً عليه مستغفراً له ما دام في الدنيا وهو يوم القيامة رفيقه»(1).

نقرأ في حديث آخر عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: «من قرأ سورة الصفّ وأدمن قراءتها في فرائضه ونوافله، صفّه الله مع ملائكته وأنبيائه المرسلين»(2).

* * *


1 ـ مجمع البيان، ج9، ص278، كما ذكر بقيّة المفسّرين أيضاً أسباب النزول هذه بإختلافات.

2 ـ مجمع البيان، ج9، ص277، نور الثقلين، ج9، ص309.

[275]

الآيات

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَـوَتِ وَمَا فِى الاَْرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(1) يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ (2)كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَـتِلُونَ فِى سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَـنٌ مَّرْصُوصٌ (4)

سبب النّزول

ذكر المفسّرون أسباباً عديدة لنزول الآية الشريفة: ( لِمَ تقولون ما لا تفعلون)بتفاوت يسير فيما ذكروه، وممّا جاء في أقوالهم ما يلي:

1 ـ أنّ الآية الكريمة نزلت في جماعة من المؤمنين كانوا يقولون: إذا لقينا العدوّ لن نفرّ ولن نرجع عنهم، إلاّ أنّهم لم يفوا بما قالوا يوم «اُحد» حتّى شجّ وجه الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وكسرت رباعيته المباركة.

2 ـ بعد بيان الباريء عزّوجلّ الثواب العظيم لشهداء بدر، قال بعض الصحابة: ما دام الأجر هكذا فإنّنا سوف لن نفرّ في الغزوات المقبلة، إلاّ أنّهم فرّوا في غزوة اُحد، فنزلت الآية أعلاه موبّخة لهم.

[276]

3 ـ دعا بعض المؤمنين قبل نزول حكم الجهاد أن يرشدهم الله إلى أفضل الأعمال ليعملوا بها ولم يمض وقت طويل حتّى أخبرهم الله سبحانه بأنّ (أفضل الأعمال الإيمان الخالص والجهاد في سبيله) إلاّ أنّهم لم يتفاعلوا مع هذا التوجيه، وتعلّلوا فنزلت الآية تلومهم وتوبّخهم على موقفهم هذا(1).

التّفسير

المقاتلون المؤمنون صفّ حديدي منيع:

إعتبرت هذه السورة من السور المسبّحات، ذلك لأنّها تبدأ بتسبيح الله في بدايتها: ( سبّح لله ما في السموات وما في الأرض)(2).

ولِمَ لا يسبّحونه ولا ينزّهونه من كلّ عيب ونقص: ( وهو العزيز الحكيم)القدير الذي لا يقهر والحكيم المحيط بكلّ شيء علماً.

إنّ الإلتفات إلى مسألة التسبيح العامّ للكائنات، الذي يتمّ بلسان الحال والقال، وكذلك النظام المدهش العجيب الحاكم فيها والذي هو أفضل دليل على وجود خالق عزيز حكيم .. من شأنه تمكين اُسس الإيمان في القلوب، ومن شأنه أيضاً تمهيد الطريق لأمر الجهاد.

ثمّ يضيف الباريء عزّوجلّ في معرض لوم وتوبيخ للأشخاص الذين لم يلتزموا بأقوالهم: ( ياأيّها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون)(3).

وعلى الرغم من أنّ سبب نزول الآية كما مرّ بنا كان متعلّقاً بالجهاد في سبيل الله، وما حدث من فرار في غزوة اُحد، ولكن يستفاد من الآية سعة المفهوم الذي


1 ـ مجمع البيان، ج9، ص277، نور الثقلين، ج9، ص309.

2 ـ تحدّثنا مراراً في هذا التّفسير حول كيفية التسبيح العام لكائنات العالم ومن ضمن ذلك ما ورد في نهاية الآية (44) من سورة الإسراء ونهاية الآية (41) من سورة النور.

3 ـ (لِمَ) في الأصل كانت (لما) (مركبة من لام جارّة، وما إستفهامية) ثمّ سقطت الفها بسبب كثرة الإستعمال.

[277]

تعرّضت له، وبهذا تستوعب كلّ قول لا يقترن بعمل ويستحقّ اللوم والتوبيخ، سواء يتعلّق بالثبات في ميدان الجهاد أو أي عمل إيجابي آخر.

وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ المخاطب في هذه الآيات هم المتظاهرون بالإيمان والمنافقون، مع أنّ الخطاب في هذه الآية موجّه إلى الذين آمنوا، كما أنّ تعبيرات الآيات اللاحقة تبيّن لنا أنّ المخاطب بذلك هم المؤمنون، ولكنّهم لم يصلوا بعد إلى الإيمان الكامل وأعمالهم غير منسجمة مع أقوالهم.

ثمّ يضيف سبحانه مواصلا القول: ( كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)(1) حيث التصريحات العلنية في مجالس السمر والإدّعاء بالشجاعة، ولكن ما أن تحين ساعة الجدّ إلاّ ونلاحظ الهروب والنكوص والإبتعاد عن تجسيد الأقوال المدّعاة.

إنّ من السمات الأساسية للمؤمن الصادق هو الإنسجام التامّ بين أقواله وأعماله وكلّما إبتعد الإنسان عن هذا الأصل، فإنّه يبتعد عن حقيقة الإيمان.

«المقت» في الأصل: (البغض الشديد لمن إرتكب عملا قبيحاً) وكان عرب الجاهلية يطلقون عبارة (نكاح المقت) لمن يتزوّج زوجة أبيه. وفي الجملة السابقة نلاحظ إقتران مصطلح «المقت» مع «الكبر»، والذي هو دليل أيضاً على الشدّة والعظمة، كما هو دليل على الغضب الإلهي الشديد على من يطلقون أقوالا ولا يقرنونها بالأعمال.

يقول المرحوم العلاّمة الطباطبائي في الميزان: فرق بين أن يقول الإنسان شيئاً لا يريد أن يفعله، وبين الإنسان الذي لا ينجز عملا يقوله.

فالأوّل دليل النفاق، والثاني دليل ضعف الإرادة(2).


1 ـ اعتبر بعض المفسّرين (كبر) من أفعال (المدح والذمّ)، (تفسير روح البيان نهاية الآيات مورد البحث)، كما فهم البعض منها معنى التعجّب (تفسير الكشّاف).

2 ـ الميزان، ج19، ص287.

[278]

وتوضيح ذلك أنّ الإنسان الذي يقول شيئاً لم يقرّر إنجازه منذ البداية هو على شعبة من النفاق، أمّا إذا قرّر القيام بعمل ما، ولكنّه ندم فيما بعد فهذا دليل ضعف الإرادة.

وعلى كلّ حال، فمفهوم الآية يشمل كلّ تخلّف عن عمد، سواء تعلّق بنقض العهود والوعود أو غير ذلك من الشؤون، حتّى أنّ البعض قال: إنّها تشمل حتّى النذور.

ونقرأ في رسالة الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر أنّه قال: «إيّاك .. أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك .. والخلف يوجب المقت عند الله والناس، قال الله تعالى: ( كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)»(1).

كما نقرأ في حديث عن الإمام الصادق أنّه (عليه السلام) قال: «عدة المؤمن أخاه نذر لا كفّارة فيه، فمن أخلف فبخلف الله بدأ، ولمقته تعرّض، وذلك قوله: ( ياأيّها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)»(2).

ثمّ تطرح الآية اللاحقة مسألة مهمّة للغاية في التشريع الإسلامي، وهي موضوع الجهاد في سبيل الله، حيث يقول تعالى: ( إنّ الله يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفّاً كأنّهم بنيان مرصوص)(3).

ونلاحظ هنا أنّ التأكيد ليس على القتال فحسب، بل على أن يكون «في سبيله» تعالى وحده، ويتجسّد فيه ـ كذلك ـ الإتّحاد والإنسجام التامّ والتجانس والوحدة، كالبنيان المرصوص.

«صف» في الأصل لها معنى مصدري بمعنى (جعل شيء ما في خطّ مستو) إلاّ أنّها هنا لها معنى (اسم فاعل).


1 ـ نهج البلاغة الرسالة رقم 53 ص444 صبحي الصالح.

2 ـ اُصول الكافي، ج2، باب خلف الوعد.

3 ـ (صفّاً) منصوبة على أنّها حال.

[279]

«مرصوص» من مادّة (رصاص) بمعنى معدن الرصاص، ولأنّ هذه المادّة توضع بعد تذويبها بين طبقات البناء من أجل إستحكامه وجعله قويّاً ومتيناً للغاية، لذا اُطلقت هذه الكلمة هنا على كلّ أمر قوي ومحكم.

والمقصود هنا أن يكون وقوف وثبات المجاهدين أمام العدو قويّاً راسخاً تتجسّد فيه وحدة القلوب والأرواح والعزائم الحديدية والتصميم القوي، بصورة تعكس أنّهم صفّ متراصّ ليس فيه تصدّع أو تخلخل ..

يقول علي بن إبراهيم في تفسيره موضّحاً مقصود هذه الآية: «يصطفّون كالبنيان الذي لا يزول»(1).

وجاء في حديث عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه عندما كان يهيء أصحابه للقتال بصفّين، قال: «إنّ الله تعالى قد أرشدكم إلى هذه المسؤولية حيث قال سبحانه: ( إنّ الله يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفّاً كأنّهم بنيان مرصوص) وعلى هذا فاحكموا صفوفكم كالبنيان المرصوص، وقدموا الدّارع، وأخّروا الحاسر، وعظّوا على الأضراس فإنّه أنبى للسيوف عن إلهام، والتووا في أطراف الرماح، فإنّه أمْوَرُ للأسنّة، وغضّوا الأبصار فإنّه أربط للجأش، وأسكن للقلوب، وأميتوا الأصوات، فإنّه أطرد للفشل، ورايتكم فلا تميلوها ولا تخلوها، ولا تجعلوها إلاّ بأيدي شجعانكم ...»(2).

* * *

ملاحظات

1 ـ ضرورة وحدة الصفوف

إنّ من العوامل المهمّة والمؤثّرة في تحقيق النصر عامل الإنسجام ووحدة


1 ـ نور الثقلين، ج5، ص311.

2 ـ نهج البلاغة، خطبة (124)، صبحي الصالح.

[280]

الصفوف أمام الأعداء في ميادين القتال، وهذا المبدأ لا يجدر بنا الإلتزام به في الحرب العسكرية فحسب، بل علينا تجسيده في الحروب الإقتصادية والسياسية .. وإلاّ فسوف لن نحقّق شيئاً.

إنّ التشبيه القرآني للعدو بأنّه سيل عارم ومدمّر لا يسيطر عليه إلاّ من خلال سدّ حديدي محكم، تشبيه في غاية الروعة والجمال، والتعبير بأن يكون المؤمنون كـ (البنيان المرصوص) أروع تعبير جاء في هذا الصدد، وممّا لا شكّ فيه أنّ لكلّ جزء في السدّ أو البناء العظيم، دور معيّن في مواجهة السيل، وهذا الدور مهمّ ومؤثّر على جميع الأجزاء، وفي حالة قوّته وتماسكه وعدم وجود تخلخل أو تشقّق أو ثغرات فيه، يصعب عندئذ نفوذ العدوّ منه، وإذا ما حاول ذلك فإنّ الجميع يوجّهون إليه صفعة مدمّرة.

وممّا يؤسف له أنّ أمثال هذه التعاليم الإسلامية قد نسيت اليوم، وإستبدلت حالة الوحدة والتراصّ في مجتمعنا الإسلامي بحالة من التشتّت والتمزّق، وأصبحت صفوفنا شتّى، وكلّ منها ينهش الآخر حتّى أدّى إلى تآكل قوانا وتفرّق جمعنا.

إنّ وحدة الصفّ ليست شعاراً إعلامياً، إنّها تحتاج إلى وحدة العقيدة والتصورات والأهداف .. وهذا ما يحتاج بالضرورة إلى خلوص النوايا والإلتزام بالمفاهيم القرآنية العظيمة، وإعتماد التربية الإلهية في السلوك والمنهج العلمي السليم.

وإذا كان الباريء عزّوجلّ يعلن حبّه للمجاهدين المتراصّين الذين يشكّلون وحدة متماسكة، فإنّه سبحانه في نفس الوقت يعلن سخطه وغضبه على الجموع المسلمة إذا كانت متمزّقة ومشتّتة ونتيجته هو ما نراه الآن متجسّداً في تسلّط مجموعة صغيرة من الصهاينة على أرضنا الإسلامية وعددنا يربو على المليار

[281]

مسلم.

إلهي: تفضّل علينا بمعرفة القرآن العظيم حقّ معرفته، ووفّقنا للإلتزام بتعاليمه السامية.

2 ـ الأقوال المجرّدة عن العمل

يترجم اللسان في الغالب ما يكنّه القلب وما تضمره الروح، وإذا أصبح اللسان في مسار بعيد عن تصوير خلجات القلب وإرادته. فإنّ ذلك دليل على حالة النفاق، والمنافق تبدو عليه علامات الإعتلال في الفكر والروح.

إنّ من أعظم الإبتلاءات التي تبتلى بها المجتمعات الإنسانية هو تزعزع الثقة بين صفوفها وعدم الإطمئنان فيما بينها، وأمارة ذلك هي الأقوال البعيدة عن الإلتزام والإدّعاءات الفارغة من المحتوى العملي، وأداة ذلك هم الأشخاص الذين يقولون ما لا يفعلون، وبذلك فهم يشكّلون بؤرة عميقة مخيّبة في قبال حالات الإنسجام والوحدة والتماسك أمام المشاكل التي تواجههم، بل يشكّلون عاملا للضعف والتباغض وعدم الإحترام وتضييع الإمكانات وسقوط هيبتهم أمام الأعداء.

عندما أغار جيش الشام على حدود العراق، ووصل خبر ذلك إلى الإمام علي (عليه السلام) خطب في أهل الكوفة خطبته التي قال فيها: «أيّها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصمّ الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء، تقولون في المجالس كيت وكيت، فإذا جاء قلتم: حيدي حياد»(1).

والإمام (عليه السلام) يتحدّث هنا بألم عن أهل العراق; وهذا ما تعكسه كلماته التي


1 ـ نهج البلاغة، خطبة29.

[282]

تشير التفاوت بين أقوالهم وأعمالهم.

ونقرأ عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «يعني بالعلماء من صدق فعله قوله، ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم»(1).

* * *


1 ـ اُصول الكافي، ج1 (باب صفة العلماء / حديث رقم2).

[283]

الآيتان

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَـقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِى وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّى رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَـسِقِينَ (5) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَـبَنِى إِسْرَءِيلَ إِنِّى رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِن التَّوْرَيةِ وَمُبَشِّرَاً بِرَسُول يَأْتِى مِن بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَـتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (6)

التّفسير

البشارة بظهور النّبي (أحمد):

تأتي الآية الكريمة ـ أعلاه ـ مكمّلة لمحورين أساسيين تحدّثت عنهما الآيات السابقة وهما (الإنسجام بين القول والعمل) و (وحدة الصفّ الإيماني)، لتستعرض لنا زاوية من حياة النبيين العظيمين (موسى وعيسى) (عليهما السلام)، ومتطرّقة إلى طبيعة التناقض والإنفصام بين أقوال أتباعهم وأعمالهم، بالإضافة إلى (عدم إنسجام صفوفهم) وأخيراً المصير السيء الذي انتهوا إليه.

[284]

يقول تعالى: ( وإذ قال موسى لقومه ياقوم لِمَ تؤذونني وقد تعلمون أنّي رسول الله إليكم).

هذه الآية لعلّها إشارة إلى مخالفات بني إسرائيل وذرائعهم في حياة موسى(عليه السلام)، أو أنّها إشارة إلى قصّة (بيت المقدس) حيث قال بنو إسرائيل لموسى(عليه السلام): ( إنّا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها ـ أي الجبّارين ـ فاذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون)(1)

ولهذا فقد بقوا في وادي (التيه) أربعين سنة، ذاقوا فيها وبال أمرهم لتهاونهم في أمر الجهاد، ولإدّعاءاتهم الواهية.

ولكن مع الإلتفات إلى الآية (69) من سورة الأحزاب يظهر أنّ المراد من هذا الإيذاء هو ما كانوا ينسبونه لموسى (عليه السلام) من تهم، كما يبيّن ذلك قوله تعالى: ( ياأيّها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله ممّا قالوا وكان عند الله وجيهاً).

حيث اتّهم (عليه السلام) بقتل أخيه هارون (عليه السلام)، واُخرى ـ معاذ الله ـ بالعلاقة مع امرأة فاسقة (وذلك ضمن مخطّط قارون للتهرّب من إعطاء الزكاة)، وثالثة بالسحر والجنون، كما أُلصقت به (عليه السلام) عدّة عيوب جسمية اُخرى، جاء شرحها في تفسير الآية ـ أعلاه ـ من سورة الأحزاب(2).

كيف يستسيغ هؤلاء أدعياء الإيمان إلصاق أمثال هذه التّهم بأنبيائهم!؟

إنّ هذه الممارسة تمثّل في الواقع نموذجاً صارخاً للتناقض بين القول والعمل، ممّا حدا بموسى (عليه السلام) إلى مخاطبة أصحابه: لماذا تسيؤون إليّ مع علمكم بأنّي رسول الله إليكم؟

وممّا لا شكّ فيه أنّ هذه الممارسات لم تبق بدون عقاب كما نقرأ ذلك في نهاية الآية حيث، قال تعالى: ( فلمّا زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم


1 ـ المائدة، الآية 24.