![]() |
![]() |
اعتبر كثير من المفسّرين كون الآية دليلاً على خلود الفجّار في العذاب، وخلصوا إلى أنّ المراد بـ «الفجّار» هم «الكفّار»، لكون الخلود في العذاب يختص بهم دون غيرهم.
فـ «الفجّار»: إذَن: هم الذين يشقون ستر التقوى والعفة بعدم إيمانهم وتكذبيهم بيوم الدين، ولا يقصد بهم ـ في هذه الآيات ـ اُولئك الذي يشقّون الستر المذكور بغلبة هوى النفس مع وجود حالة الإيمان عندهم.
وإتيان الآية بصيغة زمان الحال تأكيداً لما أشرنا إليه سابقاً، من كون هؤلاء يعيشون جهنّم حتّى في حياتهم الدنيا (الحالية) أيضاً... (وما هم عنها بعائبين)، فحياتهم بحدّ ذاتها جهنّماً، وقبورهم حفرة من حفر النيران (كما ورد في الحديث الشريف)، وعليه فجهنّم القبر والبرزخ وجهنّم الآخرة... كلّها مهيأة لهم.
كما وتبيّن الآية أيضاً: إنّ عذاب أهل جهنّم عذاب دائم ليس له انقطاع، ولا يغيب عنهم ولو للحظة واحدة.
ولأهمية خطب ذلك اليوم العظيم، تقول الآية التالية: (وما أدراك ما ويوم الدين).
(ثمّ ما أدراك ما يوم الدين).
فإذا كانت وحشة وأهوال ذلك اليوم قد اُخفيت عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وهو المخاطب في الآية ـ مع كلّ ما له من علم بـ: القيامة، المبدأ، المعاد.. فكيف يا تُرى حال الآخرين؟!!..
والآيات قد بيّنت ما لأبعاد يوم القيامة من سعة وعظمة، بحيث لا يصل لحدّها أيّ وصف أو بيان، وكما نحن (السجناء في عالم المادة) لا نتمكن من إدراك حقيقة النعم الإلهية المودعة في الجنّة، فكذا هو حال إدراكنا بالنسبة
لحقيقة عذاب جهنّم، وعموماً لا يمكننا إدراك ما سيجري من حوادث في ذلك اليوم الرهيب المحتوم.
وينتقل البيان القرآني للعتبير عن إحدى خصائص ذلك اليوم، وبجملة وجيزة، لكنها متضمّنة لحقائق ومعان كثيرة: (يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ للّه).
فستتجلّى حقيقة أنّ كلّ شيء في هذا العالم هو بيد اللّه العزيز القهّار، وستبان حقيقة حاكمية اللّه المطلقة ومالكيته على كلّ مَنْ تنكر لهذه الحقيقة الحقّة، وستنعدم تلك التصورات الساذجة التي حكمت أذهان المغفلين بكون فلان أميراً ورئيساً أو حاكماً، وسينهار اُولئك البسطاء الذين اعتبروا أنْ قدراتهم مستقلة بعد أنْ أكل الغرور نفوسهم وتكالب التكبر على تصرفاتهم في الحياة الدنيا الفانية.
وتشهد على الحقيقة ـ بالإضافة إلى الآية المذكورة ـ الآية (16) من سورة المؤمن حيث تقول: (لمن الملك اليوم للّه الواحد القهّار).
وتشير الآية (37) من سورة عبس إلى انشغال الإنسان بنفسه في ذلك اليوم دون كلّ الأشياء الاُخرى، ولو قُدّر أنْ يُمنَح قدراً معيناً من القدرة، لما نفع بها أحد دون نفسه!، حيث تقول الآية: (لكلّ اُمريءً منهم يومئذ شأن يغنيه).
حتّى روي عن الإمام الباقر(عليه السلام)، أنّه تناول ذلك الموقف بقوله: «إنّ الأمر يومئذ واليوم كلّه للّه،... وإذا كان يوم القيامة بادت الحكام فلم يبق حاكم إلاّ اللّه»(1)
وهنا... يواجهنا السؤال التالي: هل يعني ذلك، إنّ الآية تتعارض وشفاعة الأنبياء والأوصياء والملائكة؟
ويتّضح جواب السؤال المذكور من خلال البحوث التي قدمناها بخصوص موضوع (الشفاعة) فقد صرّح الحكيم في بيانه الكريم، إنّ الشّفاعة لن تكون إلاّ
1 ـ مجمع البيان، ج10، ص450.
بإذنه، وإنّ الشّفاعة غير مطلقة، حسب ما تشير إليه الآية (28) من سورة الأنبياء (لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى)
اللّهم! إنّ الخلائق تنتظر رحمتك ولطفك في ذلك اليوم الرهيب، ونحن الآن نتوقع لطفك.
إلهنا! لا تحرمنا من الطافك وعناياتك في هذا العالم والعالم الآخر.
ربّنا! أنت الحاكم المطلق في كلّ مكان وزمان، فاحفظنا من التورط في شباك الذنوب والسقوط في وادي الشرك واللجؤ الى الغير...
آمين يا ربّ العالمين
نهاية سورة الإنفطار
إنتهى المجلد التاسع عشر
* * *
![]() |
![]() |