«دمدم» تعني أهلك، وتأتي أحياناً بمعنى عذّب وعاقب وأحياناً بمعنى سحق واستأصل، وبمعنى سخط أو أحاط(4).

و«سوّاها» من التسوية وهي تسوية الأبنية بالأرض نتيجة صيحة عظيمة وصاعقة وزلزلة، أو بمعنى إنهاء حالة هؤلاء القوم، أو تسويتهم جميعاً في العقاب


1 ـ القمر، الآية 28.

2 ـ الشعراء، الآية 156.

3 ـ نهج البلاغة، الخطبة 201.

4 ـ مفردات الراغب، ولسان العرب، ومجمع البيان.

[244]

والعذاب، حتى لم يسلم أحد منهم.

ومن الممكن أيضاً الجمع بين هذه المعاني.

الضمير في «سوّاها» يعود إلى قبيلة ثمود، وقد يعود إلى مدنهم وقراهم التي سوّاها ربّ العالمين مع الارض.

وقيل إنّ الضمير يعود إلى مصدر «دمدم» أي إنّ اللّه سوّى غضبه وسخطه على القوم ليشملهم جميعاً على حدٍّ سواء، والتّفسير الأوّل أنسب.

ومن الآية نستنتج بوضوح أنّ عقاب هؤلاء القوم كان نتيجة لذنوبهم وكان متناسباً مع تلك الذنوب، وهذا عين الحكمة والعدالة.

في تاريخ الاُمم نرى غالباً بروز حالة الندم فيهم حين يرون آثار العذاب ولجوءهم إلى التوبة، أمّا قوم ثمود، فالغريب أنّهم حين رأوا علامات العذاب طفقوا يبحثون عن نبيّهم صالح ليقتلوه(1). وهذا دليل على ارتكاسهم في العصيان والطغيان أمام اللّه ورسوله. لكن اللّه نجّا صالحاً وأهلك قومه شرّ إهلاك.

وتختتم السّورة الحديث عن هؤلاء القوم بتحذير قارع لكل الذين يتجهون في نفس هذه المسيرة المنحرفة فتقول: (ولا يخاف عقباها).

كثيرون من الحكّام قادرون على انزال العقاب لكنّهم يخشون من تبعات عملهم، ويخافون ردود الفعل التي قد تحدث نتيجة فعلهم، ولذلك يكفّون عن المعاقبة. قدرتهم ـ إذن ـ محفوفة بالضعف وعلمهم ممزوج بالجهل. لا يعلمون مدى قدرتهم على مواجهة التبعات. بينما اللّه سبحانه قادر متعال، علمه محيط بكّل الاُمور وعواقبها، وقدرته على مواجهة النتائج لا يشوبها ضعف، فهو سبحانه وتعالى لا يخاف عقباها، ولذلك فإنّ مشيئته في العقاب نافذة حازمة.

فالطغاة ـ إذن ـ عليهم أن يتنبّهوا ويحذروا غضب اللّه وسخطه ونقمته.


1 ـ روح البيان، ج20، ص446.

[245]

والضمير في «عقباها» يعود إلى «الدمدمة» والهلاك.

* * *

بحوث

1 ـ ملخص حديث قوم ثمود

قوم «ثمود» ـ كما ذكرنا ـ كانوا يقطنون أرضاً بين الشام ويثرب تسمى (وادي القرى)... يعبدون الأوثان... ويمارسون ألوان الآثام. بعث اللّه سبحانه فيهم «صالحاً»(عليه السلام) يدعوهم إلى طريقة الهداية والنجاة، لكنّهم أبوا إلاّ أن يعكفوا على أوثانهم ويمارسوا طغيانهم.

وعندما طلبوا من نبيّهم معجزة، أرسل اللّه إليهم «ناقة» بطريق إعجازي من قلب جبل، ولكنّهم كلفوا بامتحان يتلخص في تقسيم ماء المدينة بينهم وبين الناقة... يوم لها ويوم لهم. وفي الأثر أنّ القوم كانوا يستفيدون من لبن الناقة في يوم منعهم من الماء، لكن المعجزة لم تخفف من غلواء لجاجهم وعنادهم، فخططوا لقتل الناقة ولقتل صالح أيضاً لأنّهم رأوا فيه عقبة أمام شهواتهم وميولهم.

خطة «قتل الناقة» نفذت كما ذكرنا على يد شقي قسيّ اسمه «قدار بن سالف»، وكان ذلك في الحقيقة إعلان حرب على اللّه، لأنّهم أرادوا بقتل هذه الناقة التي كانت معجزة نبيّ اللّه صالح أن يطفئوا نور الهداية، عندئذ أنذرهم صالح أن يتمتعوا في بيوتهم بما شاؤوا من اللذات ثلاثة أيّام لينزل العذاب بعدها عليهم جميعاً. (سورة هود ـ الآية 65).

هذه الأيّام الثلاثة كانت في الواقع فرصة لإعادة النظر، وآخر مهلة للعودة والتوبة، لكنّهم أبوا إلاّ طغياناً بل ازدادوا عتوّاً، وهنا حلّ عليهم العذاب الإلهي،

[246]

وجاءت الصيحة السماوية(1) لتدك أرضهم، ولتبيدهم في دورهم: (وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين)(2).

تفاصيل قصّة ثمود وردت في المجلد السادس من هذا التّفسير.

2 ـ أشقى الأولين وأشقى الآخرين

جمع من علماء الشيعة والسنة منهم الثعلبي، والواحدي، وابن مردويه، والخطيب البغدادي، والموصلي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم باسنادهم عن عمار بن ياسر، وجابر بن سمرة، وعثمان بن صهيب، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي(عليه السلام): «يا علي! أشقى الأولين عاقر الناقة، وأشقى الآخرين قاتلك، وفي رواية: من يخضب هذه من هذا (وأشار إلى لحيته ويافوخه)»(3).

وثمّة تشابه في الواقع بين قاتل ناقة صالح، قدار بن سالف، وقاتل  أمير المؤمنين(عليه السلام)، عبد الرحمن بن ملجم المرادي. لم يكن الإثنان يحملان عداءً شخصياً، بل كان هدف الإثنين اطفاء نور اللّه والقضاء على معجزة وآية من آيات اللّه، وكما إنّ العذاب الإلهي عمّ قوم ثمود بعد حادثة الناقة، كذلك عمّ المسلمين بعد استشهاد أمير المؤمنين(عليه السلام) داهية دهماء تمثلت في التسلط الأموي المتجبّر الذي سام المسلمين سوء العذاب.

ويذكر أنّ الحاكم الحسكاني أورد روايات كثيرة مستفيضة في هذا المجال(4)


1 ـ الصيحة السماوية أو الصاعقة، صوت عظيم تصحبه هزّة شديدة وحرائق، وهي بالتعبير العلمي شرارة كهربائية كبرى تحدث نتيجة تفريغ كهربائي من الغيوم المحملة بشحنات موجبة إلى الأرض ذات الشحنات السلبية.

2 ـ هود، الآية 67.

3 ـ تفسير نور الثقلين، ج5، ص 587.

4 ـ شواهد التنزيل، ج2، ص335 ـ 343.

[247]

3 ـ أهمية تهذيب النفس

كلما ازداد عدد أقسام (جمع قَسَم) القرآن ازدادت أهمية الموضوع، وفي هذه السّورة المباركة أكبر عدد من الأقسام، خاصّة وأنّ القسم بالذات الإلهية المقدسة تكرر ثلاث مرات، ثمّ جاء التركيز على أن النجاح والفلاح في تزكية النفس، وأن الخيبة والخسران في ترك التزكية.

وهذه في الواقع أهم مسألة في حياة الإنسان، والقرآن الكريم إذ يطرح هذه الحقيقة إنّما يؤكّد على أنّ فلاح الإنسان لا يتوقف على الأوهام ولا على جمع المال والمتاع ونيل المنصب والمقام، ولا على أعمال أشخاص آخرين (كما هو معروف في المسيحية بشأن ارتباط فلاح الإنسان بتضحية السيد المسيح)... بل الفلاح يرتبط بتزكية النفس وتطهيرها وسمّوها في ظل الإيمان والعمل الصالح.

وشقاء الإنسان ليس أيضاً وليد قضاء وقدر وبالاجبار، ولا نتيجة مصير مرسوم، ولا بسبب فعل هذا وذاك، بل هو فقط بسبب التلوث بالذنوب والإنحراف عن مسير التقوى.

وفي الأثر أن زوج العزيز (زليخا) قالت ليوسف لما أصبح حاكم مصر:

«إنّ الحرص والشهوة تصير الملوك عبيداً، وأن الصبر والتقوى يصير العبيد ملوكاً، فقال يوسف: قال اللّه تعالى: (إنّه من يتق ويصبر فإنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين)»(1).

وعنها أيضاً قالت لما رأت موكب يوسف ماراً من أمامها:

«الحمد للّه الذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيداً، وجعل العبيد بطاعتهم ملوكاً»(2)


1 ـ المحجة البيضاء، ج5، ص 116.

2 ـ المحجة البيضاء، ج5، ص 117.

[248]

نعم، عبادة النفس تؤدي إلى وقوع الإنسان في أغلال الرقية بينما تزكية النفس توفّر أسباب التحكم في الكون.

ما أكثر الذين وصلوا بعبوديتهم للّه تعالى درجة جعلتهم أصحاب ولاية تكوينية، ومكنتهم بإذن اللّه أن يؤثروا في حوادث هذا العالم وأن تصدر منهم الكرامات وخوارق العادات!!

إلهي! أعنّا على أنفسنا وعلى كبح جماح أهوائنا.

إلهي! لقد ألهمتنا «الفجور» و«التقوى» فوفقنا للإستفادة من هذا الإلهام.

إلهي! دسائس الشيطان خفية غامضة في نفس الإنسان، فوفقنا لمعرفتها.

آمين يا ربّ العالمين

نهاية سورة الشّمس

* * *

سُورَة اللَّيلِ

مَكيَّة

وَعَدَدُ آيَآتِهَا إحدى وعُشرُون آية

«سورة اللّيل»

محتوى السّورة

هذه السّورة مكّية تحمل كلّ خصائص السور المكّية من قصَر في الآيات، وحرارة في طرح المحتوى، وتركز أساساً على القيامة وعلى ما في ذلك اليوم من جزاء وعقاب.

بعد القسم بثلاث ظواهر في بداية السّورة يأتي تقسيم النّاس إلى منفقين متّقين، وبخلاء منكرين، وتذكر عاقبة كلّ مجموعة; اليُسر والسعادة والهناء للمجموعة الاُولى، والعُسر والضنك والشقاء للمجموعة الثّانية.

وفي مقطع آخر من السّورة إشارة إلى أنّ الهداية من اللّه سبحانه لعباده هي انذارهم من النّار يوم القيامة.

ثمّ تذكر السّورة في نهايتها من يدخل هذه النّار ومن ينجو منها، مع ذكر أوصاف الفريقين.

فضيلة تلاوة السّورة:

ورد في فضيلة تلاوة هذه السّورة عن النّبي الاكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ قال: «من قرأها أعطاه اللّه حتى يرضى، وعافاه من العسر ويسّر له اليسر»(1).

* * *


1 ـ مجمع البيان، ج10، ص499.

[252]

الآيات

وَالَّيلِ إِذَا يَغشَى(1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى(2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى(3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى(4) فَأَمَّآ مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسرَى(7) وأَمّآ مَنْ بَخِلَ واسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسْرَى(10) وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى(11)

سبب النّزول

روي عن ابن عباس في نزول هذه السّورة: «أنّ رجلاً كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير ذي عيال، وكان الرجل إذا جاء فدخل الدار وصعد النخلة ليأخذ منها التمر، فربّما سقطت التمرة فيأخذها صبيان الفقير، فينزل الرجل من النخلة حتى يأخذ التمر من أيديهم، فإنّ وجدها في فيّ أحدهم أدخل إصبعه حتى يأخذ التمرة من فيه. فشكا ذلك الرجل إلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأخبره بما يلقي من صاحب النخلة، فقال له النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم): إذهب. ولقي رسول اللّه صاحب النخلة فقال: تعطيني نخلتك المائلة التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنّة؟ فقال له

[253]

الرجل: إنّ لي نخلاً كثيراً، وما فيه نخلة أعجب إليّ تمرة منها.

قال: ثمّ ذهب الرجل، فقال رجل كان يسمع الكلام من رسول اللّه: يا رسول اللّه: أتعطيني ما أعطيت الرجل نخلة في الجنّة إن أنا أخذتها؟ قال: نعم.

فذهب الرجل ولقي صاحب النخلة فساومها منه فقال له: أشعرت أنّ محمّداً أعطاني بها نخلة في الجنّة فقلت له يعجبني تمرتها وإنّ لي نخلاً كثيراً فما فيه نخلة أعجب إليّ ثمرة منها؟

فقال له الآخر: أتريد بيعها؟

فقال: لا إلاّ أن أعطى ما لا أظنه أعطى.

قال: فما مُناك؟

قال: أربعون نخلة

فقال الرجل: جئت بعظيم، تطلب بنخلتك المائلة أربعين نخلة؟!

ثمّ سكت عنه، فقال له: أنا أعطيك أربعين نخلة.

فقال له: إشهد إن كنت صادقاً، فمرّ إلى أُناس فدعاهم فأشهد له بأربعين نخلة، ثمّ ذهب إلى النّبي فقال: يا رسول اللّه إنّ النخلة صارت في ملكي، فهي لك.

فذهب رسول اللّه إلى صاحب الدار، فقال له: النخلة لك ولعيالك، فأنزل اللّه تعالى: (والليل إذا يغشى) السّورة وعن عطاء قال: اسم الرجل (أبو الدحداح)»(1)

* * *

التّفسير

التقوى والإمداد الإلهي:

هذه السّورة المباركة أيضاً تبتديء بثلاثة أقسام تثير التفكير في المخلوقات وفي الخالق.

تقول: (والليل إذا يغشى)


1 ـ مجمع البيان، ج10، ص501.

[254]

فالقسم الأوّل بالليل حين يغطّي... يغطّي بظلامه نصف الكرة الأرضية... أو يغطّي قرص الشمس، وهذا القسم تأكيد على أهمية الليل ودوره الفاعل في حياة الأفراد، من تعديله لحرارة الشمس، ونشره السكينة على كل الموجودات الحية،

وتوفير الجوّ لعبادة المتهجّدين ومناجاة الصالحين.

ويستمر السياق القرآني في القسم بالقول: (والنّهار إذا تجلّى)(1).

والنهار يبدأ من اللحظة التي يطلع فيها الفجر، فيشقّ قلب ظلام الليل، ثمّ يمتدّ ليملاء كلّ السماء، ويغمر كلّ شيء بالنور... بهذا النور الذي هو رمز الحركة والحياة، والعامل على نمو كلّ الموجودات الحية.

في القرآن الكريم تركيز على مسألة نظام «النور» و«الظلمة» ودورهما في حياة البشر، لأنّهما من نعم اللّه الكبرى ومن آياته العظمى سبحانه.

ثمّ القسم الأخير في السّورة بالخالق المتعال: (وما خلق الذكر والاُنثى).

فوجود الجنسين في عالم «الإنسان» و«الحيوان» و«النبات»... والمراحل التي تمرّ بها النطفة منذ انعقادها حتى الولادة... والخصائص التي يمتاز بها كلّ جنس متناسبة مع دوره ونشاطه... والأسرار العميقة المخبوءة في مفهوم الجنسية... كلّها من دلالات وآيات عالم الخليقة الكبير... وبها يمكن الوقوف على عظمة الخالق.

والتعبير بـ «ما» عن الخالق سبحانه كناية عن عظمة الذات الإلهية، وما يحيط بهذه الذات من غموض تجعله سبحانه فوق كلّ وهم وخيال وظن وقياس.

قال بعضهم أن «ما» في الآية مصدرية، ومعناها أقسم بخلق الذكر والاُنثى


1 ـ يلاحظ في السّورة المباركة أن الفعل «يغشى» بصيغة المضارع، أمّا «تجلّى» فبصيغة الماضي، قيل إنّ ذلك يعود إلى عصر نزول السّورة، حيث كانت الجاهلية في بداية الدعوة مخيّمة بظلامها على الأرض، وفي هذه الحالة سيكون القسم بظلام الجاهلية، وليس ذلك بجيّد، ومن الأفضل القول إن هذا الفعل الماضي يفيد معنى المضارع لوقوعه بعد «إذا» الشرطية; أو إنّ أصل الفعل «تتجلى» حذفت إحدى التائين، عندئذ سيكون الفعل مؤنثاً، ولا يكون فاعله «نهار»، بل سيكون التقدير: «إذا تتجلى الشمس فيه».

[255]

وهذا الإحتمال ضعيف في معنى الآية.

الحقيقة أنّ القَسَمين الأوّل والثّاني يشيران إلى الآيات «الآفاقية»، والقَسم الثّالث إلى الآيات «الأنفسية».(1)

ثمّ يأتي الهدف النهائي من كلّ هذه الأقسام بقوله سبحانه: (إن سعيكم لشتى)

اتجاهات سعيكم مختلفة، ونتائجها مختلفة أيضاً، هذا يعني أن أفراد البشر لا يستقرون في حياتهم على حال... بل هم في سعي مستمر... وفي استثمار دائم للطاقة التي أودعها اللّه في نفوسهم... فانظر أيّها الإنسان في أي مسير تبذل هذه الطاقة التي هي رأس مال وجودك... في أيّ اتجاه... وفي سبيل أيّة غاية؟!

حذار من تبديد كلّ هذه الطاقات في سبيل نتيجة تافهة... وحذار من بيعها بثمن بخس!

«شتى» جمع «شتيت» من مادة «شتَّ» أيّ فرّق الجمع، وهنا بمعنى التفرق والتشعب في المساعي من حيث الكيفية والهدف والنتيجة.

ثمّ يأتي تقسيم النّاس على قسمين، ويبيّن خصائص كلّ قِسم، يقول سبحانه: (فأمّا من أعطى واتقى، وصدّق بالحسنى، فسنيسره لليسرى).

المقصود من الإعطاء في قوله: «أعطى» هو الإنفاق في سبيل اللّه ومساعدة المحتاجين.

والتأكيد على « التقوى» عقب الإعطاء قد يشير إلى ضرورة تنزيه النية وإخلاص القصد عند الإنفاق، وإلى الحصول على المال من طريق مشروع، وإنفاقه في طريق مشروع أيضاً، وإلى خلوه من المنّ والأذى... فكلّ هذه الصفات تجتمع في عنوان التقوى.

قال بعض إن «أعطى» إشارة إلى العبادات المالية و«اتقى» إشارة إلى سائر


1 ـ هذا التقسيم للآيات مستلهم من قوله سبحانه: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم).

[256]

العبادات العملية من أداء الواجبات وترك المحرمات، غير أن التّفسير الأوّل أنسب مع ظاهر الآية،ومع سبب نزولها.

و«الحسنى» مؤنث «أحسن» إشارة إلى مثوبة اللّه وجزاءه الأوفى، والتصديق بالحسنى هو الإيمان بها، وفي سبب النزول ذكرنا أن «أبا الدحداح» أنفق أمواله لإيمانه بما سيعوضه اللّه في الآخرة. والحسنى وردت بهذا المعنى أيضاً في قوله سبحانه: (وكلاًّ وعد اللّه الحسنى)(1).

قيل إن المقصود هو «الشريعة الحسنى»، والتصديق بالحسنى هو الإيمان بالإسلام، الذي هو أكمل الأديان.

وقيل إنّها كلمة «لا إله إلاّ اللّه»، وقيل: إنّها الشهادتان.

غير أنّ سياق الآيات وسبب النزول وذكر «الحسنى» بمعنى «الجزاء الحسن» في كثير من الآيات كلّه يرجح التّفسير الأوّل.

عبارة (فسنيسره لليسرى) قد تكون إشارة إلى التوفيق الإلهي وإلى تيسير الطاعة لمثل هؤلاء الأفراد، أو فتح طريق الجنّة أمامهم وما يقابلونه من استقبال الملائكة وتحيتهم، أو كلّ ذلك.

من المؤكّد أنّ الذين سلكوا طريق الإنفاق والتقوى، واطمئنوا إلى جزاء اللّه وثوابه في الآخرة، تتذلل أمامهم المشاكل وينعمون في الدنيا والآخرة بالسكينة والإطمئنان.

أضف إلى ما سبق، قد يكون الإنفاق المالي شاقاً وثقيلاً على طبع الإنسان في البداية، ولكن بتوطين النفس على ذلك والإستمرار فيه، يتحول إلى أمر ميسور... بل أمر فيه لذّة وارتياح.

ما أكثر الأفراد الأسخياء الذين ينشرحون لحضور الضيف على مائدتهم، ولا


1 ـ النساء، 95.

[257]

يرتاحون إذا خلت مائدتهم يوماً من ضيف... وهذا نوع من تيسير الاُمور لهؤلاء.

ولا يفوتنا أن نذكر أيضاً أنّ الإيمان بالمعاد وبثواب الآخرة يهون المشاكل والصعاب، ويجعل بذل المال بل النفس ميسوراً، ويخلق الدافع نحو طلب الشهادة في ميادين الجهاد عن رغبة مقرونة باحساس باللذة والنشوة.

«اليسرى» من اليُسر، وهي في الأصل بمعنى إسراج الفرس والجامها وإعدادها للركوب. ثمّ اُطلقت الكلمة على كلّ عمل سهل ممهّد(1).

وفي الجهة المقابلة تقف المجموعة الاُخرى التي تتحدث عنها الآيات التالية:

(وأمّا من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى).

«من بخل» في هذه المجموعة مقابل «من أعطى» في تلك.

كلمة «استغنى» أيّ طلب الغنى، قد تكون إشارة إلى ذريعتهم لبخلهم، ووسيلتهم لإكتناز المال، أو قد تكون إشارة إلى ظنهم بأنّهم مستغنون عن ثواب الآخرة، عكس الطائفة الاُولى المنشدة إلى مثوبة اللّه، أو قد تكون بمعنى الإحساس بالاستغناء عن طاعة اللّه وبالتالي التخبط المستمر في الآثام.

من بين هذه التفاسير الثلاثة يبدو التّفسير الأوّل أنسب، وإن أمكن أيضاً الجمع بين الثلاثة.

المقصود من التكذيب بالحسنى، هو إنكار ثواب الآخرة، أو إنكار الدين الإلهي.

(فسنيسّره للعُسرى)... والتيسير للعسر بالنسبة لهذه المجموعة، يقابله التيسير لليسر للمجموعة الاُولى التي يشملها الله بتوفيقه، وييسر لها طريق الطاعة والإنفاق، وبذلك تتذلل أمامها مشاكل الحياة... أمّا هذه المجموعة فتُحرم التوفيق، ويتعسّر عليها شقّ الطريق وتواجه الضنك والنصب في الدنيا والآخرة، وهؤلاء


1 ـ تفسير الكشّاف، ج4 ، ص762.

[258]

البخلاء الخاوون من الإيمان يشقّ عليهم فعل الخير وخاصّة الإنفاق، بينما هو للمجموعة الاُولى مقرون باللذة والإنشراح.(1)

ثمّ يأتي التحذير لهؤلاء البخلاء المغفلين بالآية: (وما يغني عنه ماله إذا تردى).

لا يستطيع أن يصطحب ماله من هذه الدنيا، ولا يستطيع هذا المال ـ إذا اصطحبه ـ أن يقيه من السقوط في نار جهنّم.

«ما» في الآية قد تكون نافية، وقد تكون للإستفهام الإنكاري، أيّ ماذا يجديه المال إذا سقط في حفرة القبر أو في هاوية جهنّم؟!

«تردى» من (الردى) بمعنى الهلاك، وبمعنى السقوط من مكان مرتفع يؤدي إلى الهلاك، وقيل إن أصل الكلمة بمعنى السقوط: ولما كان السقوط من مكان مرتفع يؤدي إلى الهلاك، فقد اُطلقت الكلمة واُريد بها الهلاك، والتردى في الآية قد يعني السقوط في القبر، أو في جهنّم، أو بمعنى الهلاك الذي هو جزاء هؤلاء.

وبهذا... تحدثت الآيات الكريمات عن مجموعتين: الاُولى: مؤمنة، تقية، سخية; والثّانية: خاوية الإيمان، عديمة التقوى، بخيلة ونموذج المجموعتين موجود في سبب نزول الآيات بوضوح.

المجموعة الاُولى، طوت طريقها بيسر بتوفيق اللّه، واتجهت نحو الجنّة ونعيمها، بينما المجموعة الثّانية، واجهت في مسيرتها الحياتية المشاكل المتفاقمة جمعت الأموال الطائلة، وتركتها وولت تجرّ أذيال الحسرة والهّم والويال، ولم تنل سوى العقاب الإلهي.

* * *


1 ـ «اليسرى» مؤنث أيسر، و«العسرى» مؤنث أعسر، إنّما جاءا بصيغة المؤنث إمّا لأنّهما صفتان للأعمال والتقدير: فسنيسره لأعمال يسرى... أو ـ لأعمال عسرى، أو صفتان لحوادث الحياة، وإن كان الموصوف مفرداً فقد يكون «طريقة» أو «خلة».

[259]

الآيات

إِنَّ عَلَينَا لَلهُدَى(12) وإِنَّ لَنَا لَلأَخِرَةَ وَالأُولَى(13)فَأَنذَرْتُكُمْ نَارَاً تَلَظَّى(14) لاَ يَصْلَـهَآ إِلاَّ الاَشْقَى(15) الَّذِى كَذَّبَ وَتَوَلَّى(16) وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى(17) الَّذِى يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّى(18) وَمَا لاَِحَد عَنْدَهُ مِن نِعْمَة تُجْزَى(19) إِلاَّ ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى(20) وَلَسَوفَ يَرْضَى(21)

التّفسير

الإنفاق والنجاة من النّار:

عقب الآيات الكريمة السابقة التي قسمت النّاس على مجموعتين: مؤمنة سخية، وعديمة الإيمان بخيلة، وبيّنت مصير كلّ منهما، تبدأ هذه الطائفة من الآيات بالتأكيد أن على اللّه الهداية لا الإجبار والإلزام، ويبقى الإنسان هو المسؤول عن اتخاذ القرار اللازم، وأن انتخاب الطريق المستقيم يعود بالنفع على الإنسان نفسه ولا حاجة للّه سبحانه بعمل خير يقدمه الفرد. يقول تعالى: (إنّ علينا للهدى) الهدى عن طريق التكوين (الفطرة والعقل) أو عن طريق التشريع (الكتاب والسنة)... فقد بيّنا ما يلزم وأدينا الأمر حقّه.

[260]

وبعد (وإنّ لنا للآخرة والاُولى)(1) فلا حاجة بنا لإيمانكم وطاعتكم، ولا طاعتكم تجدينا نفعاً ولا معصيتكم تصيبنا ضرّاً، وكلّ منهج الهداية لصالحكم أنفسكم.

حسب هذا التّفسير الهداية تعني «اراءة الطريق». ويحتمل أن تكون الآيتان لتشجيع المؤمنين الأسخياء، والتأكيد على أنّ اللّه سبحانه سيشملهم بمزيد من الهداية، وييسر لهم الطريق في هذه الدنيا وفي الآخرة، فاللّه قادر على ذلك لأنّ له الآخرة والاُولى.

صحيح أنّ الدنيا مقدمة على الآخرة زمنياً، ولكن الآخرة أهم وهي الهدف النهائي، ولذلك تقدم ذكرها على الدنيا في الآية

الإنذار والتحذير من سبل الهداية، ولذلك قال سبحانه: (فانذرتكم ناراً تلظى).

«تلظى» من اللظى، وهو الشعلة المتوهجة الخالصة والشعلة الخالصة من الدخان ذات حرارة أكبر، وتطلق «لظى» أحياناً على جهنم(2).

ثمّ تشير الآية إلى المجموعة التي ترد هذه النّار المتلظية الحارقة وتقول: (لايصلاها إلاّ الأشقى)).

وفي وصف الأشقى تقول الآية: (الذي كذّب وتولى).

معيار الشقاء والسعادة ـ إذن ـ هو الكفر والإيمان وما ينبثق عنهما من موقف عملي، إنّه لشقي حقّاً هذا الذي يعرض عن كلّ معالم الهداية وعن كلّ الإمكانات المتاحة للإيمان والتقوى... بل إنّه أشقى النّاس.

عبارة (الذي كذّب وتولى) قد يكون التكذيب إشارة إلى الكفر، والتولي إشارة إلى ترك الأعمال الصالحة، إذ هو ملازم للكفر، وقد يشير الفعلان إلى ترك


1 ـ «للام» في (للآخرة) و(للاُولى) وكذلك في (للهدى) لام تأكيد تدخل على خبر إنّ، ودخلت هنا على اسمها لتقدم الخبر.

2 ـ تلظى أصلها تتلظى حذفت إحدى التائين للتخفيف.

[261]

الإيمان، ويكون التكذيب بنبيّ الاسلام، والتولي الإعراض عنه.

كثير من المفسِّرين يعالجون هنا مسأله ترتبط بما طرحته الآية من اختصاص جهنم بالكافرين: (لا يصلاها إلاّ الأشقى... الذي كذّب وتولى)، وهذا يتنافى مع آيات اُخرى وروايات تتحدث عن شمول عذاب جهنم للمؤمنين المذنبين أيضاً. والآيتان استدل بهما المرجئة في قولهم: لا تضرّ مع الإيمان معصية!.

ولتوضيح ما يبدو هنا من تعارض يجب الإلتفات إلى مسألتين: الاُولى ـ المقصود بصلي جهنم هنا الخلود فيها، والخلود مختص بالكافرين، والقرينة على هذا القول تلك الآيات التي تتحدث عن دخول غير الكافرين أيضاً جهنم.

والاُخرى، أنّ الآيتين المذكورتين وما بعدهما حيث يقول تعالى: (وسيجنبها الأتقى) تريد بمجموعها أن تبيّن فقط حال مجموعتين: عديمة الإيمان البخيلة، والمؤمنة السخية التقية، وتذكر أنّ مصير الاُولى جهنم، والثّانية الجنّة، ولا تتطرق أساساً إلى المجموعة الثّالثة وهي المؤمنة المذنبة.

بعبارة اُخرى الحصر هنا من النوع الإضافي، أي كأن الجنّة خلقت للمجموعة الثّانية فقط، وجهنم للمجموعة الاُولى فحسب، وبهذا البيان تتّضح الإجابة على إشكال آخر بشأن التضاد بين الآيتين اللتين نحن بصددهما وما يلي من آيات تحصر النجاة بالأتقى.

ثمّ تتحدث السّورة عن مجموعة قد جُنّبت النّار وأبعدت عنها، تقول الآية: (وسيجنبها الأتقى).

ومن هو هذا الأتقى؟ تقول الآية الكريمة: (الذي يؤتى ماله يتزكى).

وعبارة «يتزكى» تشير إلى قصد القربة، وخلوص النية، سواء أريد منها معنى النمو الروحي والمعنوي، أم قصد بها تطهير الأموال، لأنّ التزكية جاءت بمعنى «التنمية»، وبمعنى «التطهير». قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم

[262]

وتزكيهم بها، وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم)(1)، أي تربيهم وتنميهم بها.

وللتأكيد على خلوص النيّة في إنفاقهم تقول الآية: (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) فلا أحد قد أنعم على هذا «الأتقى» ليكون إنفاقه جزاء على هذه النعمة.

بل هدفه رضا اللّه لا غير: (إلاّ إبتغاء وجه ربّه الأعلى).

بعبارة اُخرى: كثير من الإنفاق بين النّاس يتمّ ردّاً على إنفاق مشابه سابق من الجانب الآخر، طبعاً ردّ الإحسان بالإحسان عمل صالح، لكن حسابه يختلف عمّا يصدر عن الأتقياء من إنفاق مخلص.

الآيات المذكورة أعلاه تقول: إنفاق المؤمنين الأتقياء ليس رياء ولا ردّاً على خدمات سابقة قدمت إليهم، بل دافعها رضا اللّه لا غير، ومن هنا كان إنفاقهم ذا قيمة كبرى.

التعبير بكلمة «وجه» هنا يعني «الذات»، أي رضا ذات الباري تقدست أسماؤه.

وعبارة «ربّه الأعلى» تشير إلى أن هذا الإنفاق يتمّ عن معرفة كاملة... عن معرفة بربوبية الباري تعالى، وعلم بمكانته السامية العليا، وهذا الإستثناء ينفي أيضاً كلّ نية منحرفة، مثل الإنفاق من أجل السمعة والوجاهة وأمثالها... ويجعله منحصراً في طلب رضا اللّه سبحانه(2).

وفي خاتمة السّورة ذكر بعبارة موجزة لما ينتظر هذه المجموعة من أجر عظيم تقول الآية: (ولسوف يرضى).

نعم، ولسوف يرضى، فهو قد عمل على كسب رضا اللّه، واللّه سبحانه سوف


1 ـ التوبة، الآية 103.

2 ـ «ابتغاء» منصوبة على الإستثناء، والإستثناء في الآية منقطع، أي إنّ المستثنى ليس من جنس المستثنى منه أي: ما لأحد عنده من نعمة إلاّ إبتغاء وجه ربّه، ويجوز أن يكون النصب على أنّ الكلمة مفعول له على المعنى، لأنّ معنى الكلام، لا يؤتى ماله إلاّ إبتغاء وجه ربّه.

[263]

يرضيه، إرضاء مطلقاً غير مشروط إرضاء واسعاً غير محدود... إرضاء عميق المعنى يستوعب كلّ النعم...إرضاء لا يمكننا اليوم حتى تصوّره... وأي نعمة أكبر من هذا الرضى!

نعم، اللّه أعلى، وجزاؤه أعلى، ولا أعلى من رضا العبد رضا مطلقاً.

احتمل بعض المفسّرين أن يكون الضمير في «يرضى» عائداً إلى اللّه سبحانه أي إن ّ اللّه سوف يرضى عن هذه المجموعة، وهذا الرضا أيضاً نعمة ما بعدها نعمة.

نعمة رضا اللّه عن هذا العبد بشكل مطلق غير مشروط، ومن المؤكّد أنّ هذا الرضا يتبعه رضا العبد الأتقى.

فالآثنان متلازمان، وقد جاء في الآية (8) من سورة البينة قوله سبحانه: (رضي اللّه عنهم ورضوا عنه) وقوله تعالى في الآية (28) من سورة الفجر: (راضية مرضية). لكنّ التّفسير الأوّل أنسب.

* * *

بحثان

1 ـ حول سبب نزول سورة الليل

يقول الفخر الرازي: اجمع المفسّرون منّا على أنّ المراد منه (أي من قوله تعالى: (وسيجنّبها الأتقى) أبو بكر (رض)، واعلم أنّ الشيعة بأسرهم ينكرون هذه الرّواية، ويقولون أنّها نزلت في حقّ علي بن أبي طالب(عليه السلام).

ثمّ يعرب الرازي عن وجهة نظره في هذا المجال ويقول: وإنّما قلنا إنّه لا يمكن حملها على علي بن أبي طالب لأنّه قال في صفة هذا الأتقى (وما لأحد عنده من نعمة تجزى)، وهذا الوصف لا يصدق على علي بن أبي طالب لأنّه كان في تربية النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنّه أخذه من أبيه، وكان يطعمه ويسقيه ويكسوه ويربيه، وكان الرّسول منعماً عليه نعمة يجب جزاؤها، أمّا أبو بكر فلم يكن للنّبي عليه

[264]

الصلاة والسلام عليه نعمة دنيوية، بل أبو بكر كان ينفق على الرّسول عليه السّلام(1).

نحن لا نتطرق عادة في هذا التّفسير لمثل هذه المسائل. لكن مثل هذه المحاولات الرامية إلى إثبات الأحكام الذهنية المسبقة بالإستناد إلى آيات قرآنية يبلغ بها الأمر أنّ تنسب إلى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ما لا يليق بمقامه الشامخ(2)، ممّا يستدعينا أن نتوقف عندها قليلاً.

أوّلاً: ما يقوله الفخر الرازي بشأن إجماع أهل السنة على نزول السّورة في أبي بكر منقوض بما أورده كثير من مفسّري أهل السنة منهم القرطبي في تفسيره عن ابن عباس بشأن نزول كلّ سورة «الليل» في «أبي الدحداح»(3).