( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 183

نظرة في أحاديث الشيعة سؤال لا بد منه :

يحتمل أن يكون بين قرائنا الكرام من يقرأ فصل التوحيد في الصحيحين ثم يستشكل علينا ويتساءل : إن ما أوردتموه من الأحاديث والروايات المستخرجة من صحاح أهل السنة وأمهات المصادر حول مسألة التوحيد قد كشف الصورة الحقيقية لهذه

الكتب وعقيدة علمائهم بالنسبة إلى محتويات هذه الأحاديث ، خاصة إذا اعتقد أحد أنه عن طريقها يمكن أن يصل إلى التوحيد ومعرفة الله تعالى التي هي أهم المسائل العقائدية لم يحصد سوى نتائج واهية ومسائل لا أصل ثابت لها . وكذلك يشاهد في

بعض كتب الحديث عند الشيعة ومضامين الروايات التي ترتبط بمسألة التوحيد ما يشعر بالتجسيم والرؤية ، ولعل بعض المسائل المذكورة حول التوحيد في الصحيحين وكتب أهل السنة مطروحة كذلك في بعض كتب الشيعة وأحاديثهم ، وعلى

هذا فإن الإشكال والإيراد كما هو وارد على مصادر أهل السنة يرد على مصادر الشيعة أيضا . للجواب على السؤال المذكور لا بد من الإشارة إلى عدة موارد :


 1 - اختلاف الرؤى والنظريات حول كتب الحديث : هناك فرق كبير واختلاف شاسع بين نظرة علماء الشيعة وأهل السنة
إلى كتب الحديث ومحتوياتها ، إن أغلب علماء أهل السنة يعتقدون بأن كل ما ورد في صحيح البخاري فهو صحيح ، وإنهم

يقولون : لو أن أحدا حلف يمينا بأن كل ما في الصحيحين صحيح ومطابق للواقع وهو قول رسول الله لكان يمينه صحيحا ولا عليه الحنث .

وأما علماء الشيعة فإنهم على عكس ذلك تماما لا يعتقدون في كتبهم الحديثية

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 184

مثل عقيدة أهل السنة ، فإنهم يرون أن أحاديث الكتب الأربعة تقبل البحث والنقد متنا وسندا ، وأن بعض الأحاديث - وهو محدود عندهم - صحيح ومقبول ، وباقي الروايات فهو إما موثق أو حسن أو ضعيف . هذه هي نظرة الشيعة إلى أحاديثهم ومحتويات كتبهم ومصادرهم ( 1 ) .


فعلى هذا فإن تخريج حديث ما في كتاب للشيعة ليس دليلا على صحته ، وليس معيارا وملاكا للقبول عندهم ، بحيث إذا كان ذاك الحديث غير صحيح يرد نفس الأشكال على علماء الشيعة ومحدثيهم وكتبهم . كما ورد على أهل السنة وعلمائهم وكتبهم .


 2 - أحاديث التوحيد في كتب الشيعة : زد على ما سبق في المورد الأول لا بد من التوجه إلى هذا المورد أيضا : إن في جميع الأحاديث المروية في كتب أهل السنة حول التوحيد نوع من الإيهام أو التصريح بإثبات التجسيم ، ولم يكن هناك حتى حديث واحد ينفي التجسيم ويخالف تلك الأحاديث مفهوما ومضمونا ، وكما قلنا : إن التوحيد في هذه الكتب لم يكن سوى التجسيم والتشبيه .


وأما كتب الشيعة فإذا لوحظ فيها حديث من هذا القبيل فإن هناك المئات من الأحاديث المعتبرة والموثوقة في الكتب الأصلية تفند مسألة التجسيم بشدة .

وعناوين الأبواب والفصول في كتب الحديث عند الشيعة ( 2 ) مثل إبطال الرؤية ، النهي عن الجسم والصورة ، نفي الحركة والانتقال ، نفي التشبيه . . . . وغيرها أكبر شاهد وأقوى دليل على ما ذهبنا إليه ، وهذا هو وجه الاختلاف والتمايز

الموجود بين مصادر الفريقين والأحاديث المستخرجة فيها ، وبهذا الجواب يمكن دفع كثير من الأسئلة الأخرى التي سوف تختلج في خلد أحد .

 

* ( هامش ) *
( 1 ) راجع مرآة العقول للمجلسي ، معجم رجال الحديث للخوئي ، الذريعة لاقا بزرگ الطهراني كلمة الكافي .
( 2 )
راجع : أصول الكافي للكليني ، التوحيد للصدوق وبحار الأنوار للمجلسي . ( * )

 

  

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 185

 3 - رأي علماء الشيعة في أحاديث التوحيد :

إن الأحاديث التي تنفي الرؤية وتفند التجسيم والتشبيه التي استخرجت في كتب الشيعة صريحة وبينة ومعتبرة سندا ، بحيث إن علماء الشيعة ومتكلميهم اعتمدوا مضامينها وجعلوها أساسا وأصلا كبيرا من مباحثهم في علم الكلام ، وكل حديث ورواية تناقض هذه الأحاديث الصحيحة والصريحة في نفي التجسيم فإنها مردودة ومرفوضة علميا . ومن هنا فلا يبقى طريق وسبيل للإشكال عليهم .


 4 - الروايات الموضوعة : إن البحث والتنقيب في أسانيد أكثر هذه الأحاديث التي سوف تكون مستمسكا للمستشكلين تومي إلى ضعف هذه الروايات سندا ، وإن رواتها ليسوا بموثوقين عند علماء الرجال والتراجم ولا يعتمد أحد على أقوالهم لأنهم كذابون ووضاعون للحديث .


وإن الأحاديث التي رويت في كتب الشيعة والتي تؤيد فكرة التجسيم ، فهي موضوعة ، وضعها الكذابون والوضاعون كمقاتل بن سليمان وغيره من القائلين بالتجسيم ، وذلك لكي يصححوا عقيدتهم المنحرفة ، واختلقوا لها أسانيد أيضا ونسبوها إلى أحد الأئمة المعصومين من آل بيت رسول الله ( عليهم السلام ) .


وبناء على هذا التوضيح يتحتم على كل من يريد التعرف على عقيدة الشيعة في التوحيد أن يأخذ ذلك عن أحد الطريقين :

 1 - مراجعة الأحاديث الصحيحة والمقبولة عند الشيعة كما يرجع إلى أحاديث العامة وصحاحهم الستة في هذا الموضوع .

 2 - مراجعة أقوال وآراء علماء الشيعة ومتكلميهم المشهورين كما نستخرج نظرية أهل السنة في هذا الموضوع من أقوال و آراء علمائهم المشهورين .


أحاديث التوحيد عند الشيعة وإليك نماذجا من أحاديث الشيعة :

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 186

تطرقنا في بحث نفي الرؤية إلى بعض أحاديث الشيعة في التوحيد ، وهذه روايات أخرى اعتمد عليها الشيعة في إثبات عقيدتهم في التوحيد ، وهي تشكل الدعامة الأساسية لعقيدتهم في مسألة التوحيد ، ولكي تكون

- أولا - جوابا أوفي للسؤال المذكور

و - ثانيا - : نقارن بينها وبين ما ورد في ثنايا أحاديث أهل السنة ، ويعلم القراء الأعزاء بعد ذلك أهمية هاتين الرؤيتين - السنية والشيعية - نقارن بينهما وبين ما ورد في ثناياهما ثم يحكموا بالوعي التوحيدي ويأخذوا بالصحيح منهما .


 1 - . . . . . عن أبي بصير : عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بزمان ولا مكان ،
ولا حركة ولا انتقال ولا سكون ، بل هو خالق الزمان والمكان والحركة والسكون ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا
كبيرا ( 1 ) .


 2 - . . . . عن داود الرقي قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن قول الله عز وجل : ( وكان عرشه على الماء )
( 2 )
فقال : ما يقولون ؟ قلت : يقولون : إن العرش كان على الماء والرب فوقه . فقال : كذبوا ، من زعم هذا فقد صير الله محمولا ، ووصفه بصفة المخلوق ، ولزمه أن الشئ الذي يحمله أقوى منه . . . ( 3 )


 3 - عن يعقوب السراج قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : إن بعض أصحابنا يزعم أن لله صورة مثل الإنسان ، وقال آخر : إنه في صورة امرئ جعد قطط . فخر أبو عبد الله ( عليه السلام ) ساجدا ثم رفع رأسه ، فقال : سبحان الله الذي ليس كمثله

 

* ( هامش ) *
( 1 ) بحار الأنوار 3 : 330 كتاب التوحيد باب ( 14 ) باب نفي الزمان والمكان والحركة . . عن الله عز وجل ح 33 .
توحيد الصدوق : 183 باب ( 28 ) باب نفي المكان والزمان . . . عن الله عز وجل ح 20 .
( 2 )
هود : 7 .
( 3 )
توحيد الصدوق : 319 باب ( 49 ) باب معنى قوله عز وجل وكان عرشه على الماء ح 1 ،
أصول الكافي
1 : 132 كتاب التوحيد باب ( 20 ) باب العرش والكرسي ح 7 ،
بحار الأنوار
57 : 95 كتاب السماء والعالم ح 80 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 187

شئ ، ولا تدركه الأبصار ، ولا يحيط به علم ، لم يلد لأن الولد يشبه أباه ، ولم يولد فيشبه من كان قبله ، ولم يكن له من خلقه كفوا أحد ، تعالى عن صفة من سواه علوا كبيرا ( 1 ) .


 4 - عن يونس بن ظبيان قال : دخلت على الصادق جعفر بن محمد ( عليه السلام ) فقلت : يا ابن رسول الله ، إني دخلت على مالك ( 2 ) وأصحابه ، فسمعت بعضهم يقول : إن لله وجها كالوجوه ، وبعضهم يقول : له يدان ، واحتجوا لذلك بقوله

تعالى : ( خلقت بيدي أستكبرت ) ( 3 ) وبعضهم يقول : هو كالشاب من أبناء ثلاثين سنة ، فما عندك في هذا يا ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : وكان متكئا فاستوى جالسا وقال ( عليه السلام ) : اللهم عفوك عفوك ، ثم قال ( عليه

السلام ) : يا يونس من زعم أن لله وجها كالوجوه فقد أشرك ، ومن زعم أن لله جوارح كجوارح المخلوقين فهو كافر بالله ، فلا تقبلوا شهادته ، ولا تأكلوا ذبيحته ، تعالى الله عما يصفه المشبهون بصفة المخلوقين ، فوجه الله أنبيائه وأوليائه ، وقوله :

( خلقت بيدي أستكبرت ) اليد القدرة كقوله : ( وأيدكم بنصره ) ( 4 ) . فمن زعم أن الله في شئ ، أو على شئ ، أو يحول من شئ إلى شئ ، أو يخلو ،

 

* ( هامش ) *
( 1 ) توحيد الصدوق : 103 باب ( 6 ) باب أنه عز وجل ليس بجسم ولا صورة ح 19 ،
بحار الأنوار 3 : 304 كتاب التوحيد باب ( 13 ) باب نفي الجسم والصورة . . . ح 42 .

( 2 )
مالك بن أنس أحد أئمة المذاهب الأربعة السنية ولد عام 93 ، وتوفي عام 179 ه‍ ، ودفن في مقبرة البقيع . وقد قيل : إنه ولد بعد
موت أبيه بثلاث أو أربع سنوات وأن أمه قد حملت به ثلاث سنوات أو أكثر بقليل ، وهذا ما استدعى أن يقول بعض العلماء من أهل السنة بأن مدة الحمل يمكن أن تكون ثلاث سنوات أو أكثر ويفتي على خلاف النص القرآني الذي يعتبر مدة الحمل والرضاع معا ثلاثين شهرا أي سنتين ونصف السنة . ولهذا الإمام آراء ونظريات فقهية غريبة بحيث انتقدها علماء عصره والإمام الشافعي . المعرب .

( 3 )
ص : 75 . ( 4 ) الأنفال : 26 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 188

منه شئ ، أو يشغل به شئ ، فقد وصفه بصفة المخلوقين ، والله خالق كل شئ ، لا يقاس بالقياس ولا يشبه بالناس ، لا يخلو منه مكان ، ولا يشتغل به مكان ، قريب في بعده ، بعيد في قربه ، ذلك الله ربنا ، لا إله غيره ، فمن أراد الله وأحبه بهذه الصفة ، فهو من الموحدين ، ومن أحبه بغير هذه الصفة ، فالله منه برئ ونحن منه براء ( 1 ) .


 5 - . . . . عن يعقوب بن جعفر الجعفري ، عن أبي إبراهيم ( عليه السلام ) : قال : ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا . فقال ( عليه السلام ) : إن الله لا ينزل ولا يحتاج إلى أن ينزل ، إنما منظره في القرب

والبعد سواء ، لم يبعد منه قريب ، ولم يقرب منه بعيد ، ولم يحتج إلى شئ ، بل يحتاج إليه ، وهو ذو الطول لا إله إلا هو العزيز الحكيم . أما قول الواصفين : إنه ينزل تبارك وتعالى ، فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص ، أو زيادة ، وكل متحرك

محتاج إلى من يحركه ، أو يتحرك به ، فمن ظن بالله الظنون هلك ، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد تحدونه بنقص أو زيادة أو تحريك أو تحرك ، أو زوال أو استنزال ، أو نهوض أو قعود ، فإن الله جل وعز عن صفة الواصفين ،

ونعت الناعتين ، وتوهم المتوهمين ( 2 ) ، ( وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ) ( 3 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) بحار الأنوار 36 : 403 كتاب تاريخ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) باب ( 46 ) باب ما ورد من النصوص . . . . ح 15 .
( 2 )
بحار الأنوار 3 : 311 كتاب التوحيد باب ( 14 ) باب نفي الزمان والمكان . . . . ح 5 .
( 3 )
الشعراء : 217 - 219 . ( * )

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب