( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 300

 2 - تضخيم دور عائشة أما السبب الآخر في الافتراء وجعل الأكاذيب ونسبتها إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله هو تضخيم دور عائشة ، ونفوذها وتقويته ، وذلك لأنه وقعت في أيامها حوادث وقضايا كبيرة ، مثل قتل الخليفة عثمان ذي

النورين في عقر داره ، ونشوب حرب كبرى فرضتها على خليفة آخر راح ضحيتها آلاف المسلمين ، ولا يكون لها شبيه في تاريخ الإسلام ( 2 ) ، وكان المحرك الأول من وراء هذه الحوادث هو عائشة بنت أبي بكر وزوجة
 

 

* ( هامش ) *
( 2 ) ذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد أن عدد قتلى واقعة الجمل 25000 مسلم . وزاد اليعقوبي على 300000 مسلم ،
      بينما نلاحظ أن عدد قتلى المسلمين في جميع حروبهم إلى قبل اندلاع هذه الواقعة لم يصل إلى عدد قتلى هذه الواقعة ،
      ولمزيد الاطلاع على نتائج هذه الواقعة راجع كتاب عائشة على عهد علي . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 301

النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! ! . أفترى إن قيادة واقعة الجمل وسائر الحوادث ، والأفتاء بقتل الخليفة ( 1 ) وانقياد الناس لهذه القيادة والتزامهم بأوامرها ، وفتح جبهة أخرى ضد إمام عصرها أي الخليفة الحق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

( عليه السلام ) ، فهل كل هذه الأمور تستدعي أن تضخم شخصية عائشة وموقعها عند الناس ، إلى حد بحيث إذا أمرت
بشئ كان لأمرها التأثير الكبير في نفوس المسلمين ، ويتلقوا أمرها فريضة دينية ، والدفاع عن عائشة وحمايتها جهاد في سبيل الله ؟ وهكذا ترفعوا في تضخيم شخصية عائشة وعظموا شأنها بحيث اختفت مخالفتها لصريح القرآن وأمره ( 2 ) ،

ومعاندتها لأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ( 3 ) خلف أستار هذا التضخيم ، حتى أن برؤوها وعملها عن النقد والمؤاخذة . . . وأفضل ذريعة تمسكوا بها في هذا المجال هو أن يصوروا لعائشة صورة مضخمة ، ويرسموا شخصيتها

مكبرة بحيث قالوا : إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان ينقاد لها ، وكان يتحمل الصعاب والمتاعب في سبيل رغباتها ،
وكان يقف لتضع عائشة رأسها على كتفه لتتفرج على رقص الأحباش ، وأنه لم يكشف عن تعبه حتى تمل هي وتنزل ! !

وإن دل هذا على شئ فإنه يدل على أنهم يريدون بذلك إبراز العلاقة الشديدة عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالنسبة إلى عائشة ، وكان يسعى أن يلبي رغباتها ولم يبرز أي نوع من الضجر والملل ، حتى وإن بلغت ثمانية عشر عاما فإنها كانت تلعب بالبنات ، ولكي يطيب قلبها ويرضيها فكان يدعو الجواري ويشجعهن على اللعب مع عائشة .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) الفتوى التاريخية التي أصدرتها أم المؤمنين عائشة إذ أعلنت على الملأ بأن عثمان قد كفر ، وخرج عن الدين ، وارتد بعد إسلامه ،
       فلا بد من قتله وإعدامه ، وهذه الفتوى هو قولها : اقتلوا نعثلا فقد كفر . وسيأتيك فيما بعد مصدر هذه الفتوى ، فراجع .

( 2 ) قال تعالى مخاطبا نساء النبي : ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) . الأحزاب : 33 .

( 3 ) راجع كتب الحديث والتاريخ والعقائد فيما ورد الكلام حول حرب الجمل وخروج عائشة محاربة خليفة رسول الله علي بن أبي طالب
      ( عليه السلام ) . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 302

وبناءا على هذه الأمور فلا يحق لأي أحد أن ينتقدها ويشجب أعمالها ، خاصة بالنسبة إلى فتواها في قتل الخليفة : اقتلوا نعثلا فقد كفر ( 1 ) ، إذ أنها حكمت على عثمان بالارتداد والتهور ، فلذلك يجب إعدامه ، وما كان أحد يتردد فيما قالته عائشة ورأته ، أو يبدي معارضته لرأيها .


وبعد فترة من الزمن - وبعد أن تم العمل بفتوى عائشة بقتل عثمان - تغيرت الأمور على عكس هواها فنهضت ثائرة لدم عثمان - الذي أفتت بكفره بالأمس - وأعلنت حربا ضد أمير المؤمنين ، واستنفرت الناس بفتواها الثانية التاريخية : ألا إن عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ( 2 ) .


وبعد هذا التضخيم لشخصية عائشة هل يجوز لأحد أن يتخلف عن فتواها ولا يقاتل الإمام علي ( عليه السلام ) ؟
فهل يحق لأحد أن يشجب حكمها ويستنكر عليها بأنك بالأمس حكمت بارتداد عثمان وفرضت قتله واليوم تطالبين بثأره ؟

و . . . و . . . . ؟ هذا العامل الذي ذكرناه ضمن دواعي جعل الأحاديث ونسبتها إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليس أمرا يمكن دركه وفهمه من خلال التأمل في الأحاديث المذكورة فحسب بل ثمة أحاديث أخرى تدل على ذلك - تضخيم دور عائشة - بوضوح وعيان ،


ولكي يتضح ذلك أكثر نذكر حديثين على سبيل المثال مما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما والترمذي في سننه :

 1 - أخرج الصحيحان بإسنادهما عن عائشة زوج النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنها قالت : كنت أنام بين يدي رسول الله
( صلى الله عليه وآله ) ورجلاي في قبلته - مزاحمة لسجدته - فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي ، فإذا قام بسطتهما ( 3 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) تاريخ الطبري 4 : 477 ، الفتوح لابن أعثم الكوفي : 2 : 225 ، تاريخ ابن أثير 3 : 87 ،
      شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 77 ، النهاية لابن أثير 4 : 156 .

( 2 ) الإمامة والسياسة 1 : 8 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 499 .

( 3 ) صحيح البخاري 1 : 107 كتاب الصلاة باب الصلاة على الفراش وص 136 باب التطوع في خلف المرأة
      وص 138 باب هل يغمز الرجل امرأته عند السجود لكي يسجد ، و ج 2 : 81 كتاب الصلاة باب ما يجوز من العمل في الصلاة ،
      صحيح مسلم 2 : 367 كتاب الصلاة باب ( 51 ) باب الاعتراض بين يدي المصلي ح 272 ،
      وسنن النسائي 2 : 67 كتاب الصلاة باب الرخصة في الصلاة خلف النائم . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 303

وأخرج ابن سعد في طبقاته الكبرى عن عائشة قالت : فضلت على نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعشر قيل : وما هن يا أم المؤمنين ؟ فعددت فضائلها ثم قالت : وكان ( صلى الله عليه وآله ) يصلي وأنا معترضة بين يديه ولم يكن يفعل ذلك بأحد من نسائه غيري ( 1 ) .


نستفيد من هاتين الروايتين :

 أولا : إن استلقاء عائشة وتمددها أمام النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو في حال الصلاة وغمزه إياها لم يكن على سبيل الصدفة والاتفاق ، بل يظهر من قول عائشة بكونه فضيلة لها دون سائر نسائه ، وإن هذا العمل كانت تؤديه دائما وباستمرار ، ولو كان مرة واحدة لم تكن فضيلة تفتخر بها أم المؤمنين على ضراتها .


 ثانيا : إن هذا الفعل يدل على إساءتها الأدب تجاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعدم إكرامها وإجلالها للصلاة والعبادة . ومن ناحية أخرى ترى أن هذا العمل هو تنزل وتحجيم لمقام النبوة والرسالة . لأن المؤمن والملتزم يأنف أن يمزح ويتفكه

وهو في الصلاة التي هي معراج المؤمن ومقام الابتهال إلى الله ، ويغمز زوجته وهو في حال السجود ، فكيف بخاتم الأنبياء ( صلى الله عليه وآله ) ؟

والجدير بالذكر إن هذه الفرية مع انحطاط مفهومها وركاكتها ، فيها إساءة أدب للنبي ( صلى الله عليه وآله ) حين تعتبر إحدى الفضائل التي فضلت عائشة على سائر نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعلاقة النبي الشديدة بعائشة !


 2 - أخرج الترمذي بإسناده عن عروة ، عن عائشة قالت : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جالسا فسمعنا لغطا وصوت صبيان ، فقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فإذا حبشية تزفن والصبيان حولها . فقال : يا عائشة تعالي فانظري ، فجئت فوضعت لحيي على منكب رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) الطبقات الكبرى لابن سعد 8 : 64 ترجمة عائشة . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 304

فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه ، فقال لي : أما شبعت أما شبعت ؟ قالت : فجعلت أقول : لا ، لأنظر منزلتي عنده إذ طلع عمر . قالت : فانفض الناس عنها قالت : فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر قالت : فرجعت ( 1 ) .


وقد عرفت أيها القارئ أن هذه الرواية المزيفة والمختلقة تشير إلى نقطتين :

 الأولى : اختبار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أن كم لعائشة من منزلة واحترام عنده ، وقد صرحت الرواية : كلما كان يقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أما شبعت من مشاهدة الحبشية ورقصهن ؟ تقول : لأمتحنه وأعرف منزلتي عنده .


 الثانية : اختلاق فضيلة للخليفة عمر بن الخطاب الذي فر منه الناس وتفرقوا لما رأوه قادما ، حتى أن النبي يشيد بهذه الفضيلة تكريما لعمر يقول : إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) سنن الترمذي 5 : 580 كتاب المناقب باب ( 18 ) باب مناقب عمر بن الخطاب ح 3691 . ( * )

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب