( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 107

 الدليل الثاني : البخاري ومسلم والطائفية الإفراطية

 6 و 7 - البخاري ومسلم : ومما يدل على عدم الوثوق بالصحيحين وعدم اعتبار صحة جميع ما ورد فيهما ، هو التطرف الطائفي المفرط والتعصب الشديد لدى مؤلفيهما وتعنتهما تجاه الحق ، وكان هذا التطرف قد اعترى البخاري أشد وأكثر من مسلم .


فكما إن الحب المفرط والبغض الإفراطي يعرقل مسيرة الإنسان في كشف الحقائق ، ويعمي العين عن مشاهدة الحقيقة ويصم الآذان عن سماعها ، ومثلما قيل : حبك للشئ يعمي ويصم فكذلك العصبية والتطرف الطائفي تمنعان الإنسان عن درك الحقيقة

وإظهار الحق ، وتسوقانه إلى التعتيم على الحق وتغطيته وتزويره للواقع ، وتزييفه الباطل بلباس الحق ، وهذه العصبية هي أصل الحب والبغض وجذورهما وهي التي أوجدتهما وتعد من أسبابهما الرئيسية ، وقد ابتلي البخاري ومسلم بهذه الخصيصة والرذيلة ابتلاءا شديدا .

وأما الشواهد على ذلك :

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 108

الصحيحان وفضائل الإمام علي ( عليه السلام ) : إنك ترى في البخاري ومسلم وصحيحيهما هذه العصبية المفرطة عندما تقرأ كتابيهما وتلاحظ أنهما لما يواجهان فضيلة مشهورة ومنقبة مهمة من مناقب أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) وفيها دلالة صريحة على أفضليته لأمر الخلافة ، وتقدمه على الآخرين فإنهما يبادران إلى تعتيمها .


وهذه المناقب والفضائل قد ورد ذكرها في سائر الصحاح الستة والمدارك المعتبرة لدى أهل السنة ، وهي من يقينيات الحوادث التاريخية ومسلماتها ، وهي مما أجمع عليه علماء السنة والشيعة ، مثل : حديث الغدير ، آية التطهير ، حديث الطائر المشوي ، حديث سد الأبواب ، وحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها ( 1 )


وقد روى كل واحدة من هذه الفضائل والمناقب عشرات الصحابة وأثبتها علماء أهل السنة في كتبهم المعتبرة ( 2 ) إلا أن البخاري الذي لم يرض أن ينقل هذه المناقب المسلمة واليقينية ويخصص لها بابا خاصا في صحيحه فحسب ، بل أفرد بابا

خاصا في فضائل معاوية ، وحيث إنه لم يعثر على منقبة لمعاوية رويت على لسان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حقا ، يروي حديثين عن حبر الأمة ابن عباس جاء في أولاهما أنه مدح معاوية لصحبته لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجاء في ثانيهما مدحا لمعاوية بكونه فقيها وعالما ( 3 ) .


والعجب كل العجب ممن يريد أن يصنف كتابا جامعا يلم فيه بما ورد من أحاديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ويكتب تفسيرا للقرآن ، ويؤلف كتابا في التاريخ ، ولا يدع مدحا وثناءا من صحابي بحق صحابي آخر ( معاوية ) إلا وأورده فيها ، وذلك أداء للأمانة كيف تسمح
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) أخرج مسلم حديث الغدير وأية التطهير بتحريف لا سيما عند ذكره لواقعة الغدير فإنه اكتفى بتخريج حديث مدلس ومحرف ويدل
على فعله البشع في تحريف ما هو الحقيقة ، وتعتيمه على الواقع انتخابه وتخريجه للقصة على عكس الكيفية المسلمة الواردة في مئات

الأحاديث التي رويت بشأن الغدير ، وسوف نعالج هذه القصة في الفصل الثامن من هذا الكتاب في باب فضائل الإمام علي ( عليه السلام ) إن شاء الله .
( 2 )
راجع الموسوعات : غاية المرام في ألد الخصام للبحراني ، عبقات الأنوار للتستري ، والغدير للأميني .
( 3 )
البخاري 5 : 35 كتاب الفضائل ، أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ذكر معاوية . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 109

له نفسه بالإغماض عن واقعة ذات أهمية تاريخية كحديث الغدير أو حديث ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) ؟ ! ولا يخفى أنه ليس لهذا التغاضي والتجاهل من قبل البخاري سبب إلا التعتيم على مناقب أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام ) ، وإخفاء الحقائق الواقعية .


ولا يخفى أيضا أن هدف البخاري ومسلم - كاتبي الصحيحين الذين أرادا بطريقتهما هذه في التدوين - إخفاء المسائل التاريخية المهمة حتى لا يعرف من يأتي بعدهما شيئا عن تلك الحقائق ، ولم يدر من هو الأولى من الصحابة بالتصدي للخلافة ، وهل أن الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) نص بالخلافة من بعده لأحد أم لا ؟


والجدير بالذكر أنهما قد نجحا في غايتهما هذه إلى حد ما ، وكسبا النتيجة المتوخاة ، وخاصة عندما نقرأ ما أورده ابن تيمية في رده لحديث الغدير . . . . وأما قوله : من كنت مولاه فعلي مولاه فليس هو في الصحاح ، لكن هو مما رواه العلماء وتنازع الناس في صحته ( 1 ) .


افتراء مسلم على الشيعة : ومن ثمار شجرة العصبية الخبيثة المرة ، ومن آثارها المخزية ، ما أورده مسلم في مقدمة صحيحه من البهتان والافتراء على الشيعة ، فهو عندما يتطرق إلى الأحاديث الموضوعة والمخالفة للواقع .


يقول بكل صلافة : إن من الأحاديث الموضوعة ما ترويه الشيعة الرافضة عن الإمام علي ( عليه السلام ) : أن عليا في السحاب .

وأقول : إن أحاديث الشيعة قد دونت منذ عهد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وعقائدهم قد ملأت كتبهم الكلامية بنحو واف وكاف ، وإن المكتبات لمعمورة بكتبهم ، فهل ترى في كتاب واحد مثلا حديثا واحدا يدل على ما بهته مسلم على الشيعة ؟

ألم تكن عقيدة الشيعة ومحدثيهم ومؤرخيهم بأن الإمام علي ( عليه السلام ) قد قتل في محراب مسجد الكوفة بسيف أشقى
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) منهاج السنة ج 7 ص 319 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 110

الناس عبد الرحمن بن ملجم المرادي ودفن في الغري ؟ ولا غرو أن يحتوي صحيح البخاري وصحيح مسلم على مثل هذه الأحاديث الموضوعة التي لا أصل لها - كالحديث المذكور - ، وهذه هي المسائل التي تسمى عند أهل السنة بالصحيحة ، والتي طفحت في المجتمع الإسلامي واتخذها أهل السنة ذريعة للتهجم والمؤاخذة على الآخرين .


ولكن ما هي القصة المذكورة ، ومن أين نشأت ؟ ورد في المصادر التاريخية أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كانت عنده عمامة تسمى السحاب ، فوهبها يوم غدير خم لعلى ( عليه السلام ) كرامة له ، فكان ربما طلع عليه علي ( عليه السلام ) بتلك العمامة فيقول ( صلى الله عليه وآله ) وهو فرح : أتاكم علي في السحاب .


وسعد شيعة علي ( عليه السلام ) بتلك المفخرة وكانوا يرددون قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : جاء علي ( عليه السلام ) في السحاب ( 1 ) .


إلا أن مسلم أعرض عن ذكر أصل الحديث وأبى عن سرد القصة الحقيقية ، واكتفى بذكر حديث موضوع على النحو الذي ذكرناه ونسبه إلى الشيعة ! !
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) سيرة الحلبي 3 : 341 . وتفصيل القصة تجده في موسوعة الغدير 1 : 292 ، فراجعه . ( * )

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب