( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 351

الإمامة في رأي الإمام علي ( عليه السلام ) شروط الإمامة :


قال أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام ) في ضمن خطبة له يذكر فيها شروط الإمامة وصفات الإمام : اللهم إني أول من أناب ، وسمع وأجاب ، لم يسبقني إلا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالصلاة ، وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون

الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين : البخيل ، فتكون له في أموالهم نهمته ، ولا الجاهل فيضلهم بجهله ، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه ، ولا الحائف للدول فيتخذ قوما دون قوم ، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ، ويقف بها دون المقاطع ، ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة ( 1 ) .


فقد بين الإمام علي ( عليه السلام ) في خطبته هذه ستة شروط رئيسية لمن أراد أن ينصب نفسه إماما للناس ، ويتولى أمور المسلمين ، ويأمر بالحرب أو الصلح ، ويبين أحكام الدين وقوانينه لهم .

والشروط التي يجب أن يتصف بها الإمام هي :

 1 - أن لا يكون الإمام شحيحا وبخيلا لكيلا يطمع في أموال الناس .

 2 - أن يكون عالما بالأحكام والقوانين الدينية .

 3 - أن يتحلى بالمرونة ويتخلى عن الخشونة .

 4 - أن لا يكون ظالما وجبارا ، حتى لا يضيع حقوق الآخرين .

 5 - أن لا يكون مرتشيا .

 

* ( هامش ) *
( 1 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8 : 263 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 352

 6 - أن لا يكون معطلا لأحكام الدين ، ولا بد أن يكون مجريا للأحكام وحافظا لها .

هذه الشروط الستة هي في الحقيقة صفوة الصفات التي يجب على الوالي والإمام في البلاد الإسلامية أن يتحلى بها ، ولكن من المؤسف جدا - حسب ما ورد في الصحيحين البخاري ومسلم اللذين هما أم المصادر وأهمها لدى أهل السنة - أن الحكام

الذين تربعوا على سدة الخلافة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يكونوا كذلك ، ولم يتحلوا بالأخلاق الفاضلة والدراية التامة بأحكام الشريعة وكيفية إجرائها .


وهذه الحقيقة سوف تتجلى لك أكثر حين تقرأ ما سنذكره لك في الفصول القادمة من الأحاديث التي أفرزناها من صحيحي البخاري ومسلم فقط اللذين جعلناهما معتمدين الدراسة عندنا ، وإلا فلولا خوف الإطالة والأطناب والخروج عن دائرة البحث

المقرر ، فإن سائر كتب الحديث والتفسير والتاريخ وغيرها المعتبرة عند أهل السنة لغنية بهذه المواضيع . الإمامة وحسن الخلق ذكرنا في الفصل السابق إن أحد شروط الإمامة والقيادة هو تحلي الإمام بالمرونة وحسن الخلق ، لأن الخشونة وسوء

الخلق لا يتوافق والإمامة بينما نجد في الأحاديث المروية في المصادر المعتبرة لدى العامة ، وخاصة صحيح البخاري أن بعض الخلفاء كانوا فارغين من هذا الشرط ولم يتحلوا بحسن الخلق ولين العريكة .


وهذان نموذجان من تلك الأحاديث :

 1 - أخرج البخاري بإسناده عن ابن أبي مليكة قال : كاد الخيران أن يهلكا - أبو بكر وعمر - ، لما قدم على النبي وفد بني تميم ، أشار أحدهما بالأقرع بن حابس الحنظلي أخي بني مجاشع ، وأشار الآخر بغيره . فقال أبو بكر لعمر : إنما أردت خلافي . فقال عمر : ما أردت خلافك ، فارتفعت

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 353

أصواتهما عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) فنزلت ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم بعضا أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ( 1 ) . ( 2 ) قال ابن حجر : وفد بني تميم كان قدومهم سنة تسع ( 3 ) . أخرجه أيضا الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ( 4 ) .


يتبادر للمتأمل في مضمون هذا الحديث ، وتاريخ قدوم وفد بني تميم إلى المدينة سؤال وهو : كيف يتصور أن يتقلد إمامة المسلمين ، ويتسنم عرش الخلافة ، بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) من صاحب النبي ( صلى الله عليه وآله ) عشرين سنة

ولم يراع آداب مجالسته ، فيرفعان صوتهما عنده ، ويتشاجران ويتجادلان عند الرسول ( صلى الله عليه وآله ) حتى أنزل الله في تقريعهما وذم فعلهما آية في كتابه ؟



 2 - وأخرج البخاري كذلك بإسناده عن سعد بن أبي وقاص قال : استأذن عمر على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن ، فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب ، فأذن له رسول الله

( صلى الله عليه وآله ) ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يضحك . فقال عمر : أضحك الله سنك يا رسول الله .
قال : عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي ، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب ، قال عمر : فأنت يا رسول الله كنت أحق

أن يهبن ، ثم قال : أي عدوات أنفسهن ، أتهبني ولا تهبن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ . قلن : نعم ، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ( 5 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) الحجرات : 2 .
( 2 )
صحيح البخاري 9 : 120 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب الاقتداء بأفعال النبي ( صلى الله عليه وآله ) ،
      و ج 5 : 212 باب وفد بني تميم .
( 3 )
فتح الباري 8 : 68 عام الوفود .
( 4 )
مسند الإمام أحمد 4 : 60 .
( 5 )
صحيح البخاري 4 : 153 كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده ،
      و ج 5 : 13 كتاب فضائل أصحاب النبي باب مناقب عمر بن الخطاب ،
      و ج 8 : 28 كتاب الأدب باب التبسم والضحك . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 354

أقول : لقد امتلأت الكتب والمصادر المعتبرة وفاضت بذكر الطبيعة الخشنة ، والغلظة الخلقية التي كان الخليفة عمر بن الخطاب يتصف بها حتى قيل : إذا غضب الخليفة عمر لم يسكن حتى يعض على أنامله ويجرحها .

يقول الزبير بن بكار بعد أن روى هذه الأمور : إن جارية أتت عمر بن الخطاب - أيام خلافته - تشتكي من أحد ابني الخليفة ، فما رام الخليفة إلا أن أخذ يده فعضها .

وزاد ابن بكار : ولشدة هذه الصفة والغلظة التي كانت في الخليفة أضمر عبد الله بن عباس مخالفته للخليفة في مسألة العول ، ولما مات أظهر ذلك ، فقيل له : هلا قلت هذا في أيام عمر ؟ قال ابن عباس : هبته وكان أميرا مهيبا ( 1 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6 : 363 . ( * )

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب