( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 426

  9 - البكاء على الموتى حزن الإنسان عند موت أحبته وبكائه عليهم ، مسألة نفسية ومن مستلزمات العاطفة البشرية ، وهما من مقتضيات الرحمة والشفقة الإنسانية .


وقد أباح الدين الإسلامي البكاء على الأموات ، والرسول ( صلى الله عليه وآله ) نفسه كان يبكي على الأموات وخاصة
الذين استشهدوا في سبيل الله . وورد في الكتب والمصادر الدينية إن البكاء على الأموات كان سيرة متبعة عند المسلمين ،


وحيث إنه لم يتماشى مع قريحة الخليفة عمر بن الخطاب ، ولم يوافق رأيه نهى عنه نهيا شديدا ، وكان يضرب فيه بالحصا والعصا الذين يبكون على أمواتهم مهما كان الميت عظيما ومكرما .


ونورد لك - أيها القارئ - الأحاديث الدالة على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يبكي على الأموات وينعاهم ، وبعدها نذكر موقف الخليفة عمر بن الخطاب تجاه مسألة البكاء على الموتى ، مما ورد في المصادر التاريخية وخاصة الصحيحين :


روى البخاري بإسناده عن أنس بن مالك : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) نعى جعفرا وزيدا قبل أن يجئ خبرهم وعيناه تذرفان ( 1 ) .


وروى أيضا عنه قال : ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تذرفان . فقال له عبد الرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله ؟ فقال : ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى فقال : إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ( 2 ) .


وأخرج مسلم في صحيحه : زار النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ( 3 ) .


وفي صحيح البخاري روايات متواترة حول بكاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبضعته فاطمة

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري 2 : 104 كتاب الجنائز باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن .
( 2 )
صحيح البخاري 2 : 105 كتاب الجنائز باب قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إنا بك لمحزونون .
( 3 )
صحيح مسلم 3 : 671 كتاب الجنائز باب ( 36 ) باب استئذان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ربه في زيارة قبر أمه ح 108 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 427

الزهراء ( عليها السلام ) اكتفينا بذكر ثلاثة منها ( 1 ) .

وأما ما ورد في الصحيحين عن نهي الخليفة عمر بن الخطاب . فنذكر بعضه : أخرج البخاري بإسناده عن عبد الله بن عمر في حديث حول مرض سعد بن عبادة وعيادة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إياه وبكائه على سعد . وثم يذكر مخالفة أبيه عمر

بن الخطاب لأمر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) . فقال : اشتكى سعد بن عبادة شكوى له ، فأتاه النبي ( صلى الله عليه
وآله ) يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود ، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله .

فقال : قد قضى ؟ قالوا : لا يا رسول الله ، فبكى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما رأى القوم بكاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) بكوا . فقال : ( صلى الله عليه وآله ) : ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ، ولكن يعذب بهذا -

وأشار إلى لسانه - أو يرحم . وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه . وكان عمر ( رضي الله عنه ) يضرب فيه بالعصا ويرمي بالحجارة ويحثو بالتراب ( 2 ) .


وأخرج مسلم هذا الحديث ولكن أسقط القسم الأخير منه ( 3 ) .

وكذا أخرج البخاري في صحيحه : وقد أخرج عمر أخت أبي بكر حين ناحت ( 4 ) .


وروى أحمد في مسنده عن ابن عباس في ضمن ذكره موت عثمان بن مظعون ، لما ماتت رقية ابنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إلحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون . قال : وبكت النساء . فجعل عمر يضربهن بسوطه ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعمر : دعهن يبكين ، وإياكن ونعيق الشيطان .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) راجع صحيح البخاري 2 : 100 كتاب الجنائز باب قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه .
( 2 )
صحيح البخاري 2 : 106 كتاب الجنائز باب البكاء عند المريض .
( 3 )
صحيح مسلم 2 : 636 كتاب الجنائز باب ( 6 ) باب البكاء على الميت ح 12 .
( 4 )
صحيح البخاري 3 : 160 باب إخراج أهل المعاصي والخصوم . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 428

ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : مهما يكون من القلب والعين فمن الله والرحمة ، ومهما كان من اليد واللسان فمن الشيطان . وقعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على شفير القبر وفاطمة ( عليها السلام ) إلى جنبه تبكي ، فجعل النبي
( صلى الله عليه وآله ) يمسح عين فاطمة بثوبه رحمة لها ( 1 ) .


أقول : ونقل ابن سعد هذه القصة بتفاوت يسير في ألفاظها وزاد في آخرها : لما قام عمر بضرب النساء وزجرهن ، فأخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بيده وقال : مهلا يا عمر ( 2 ) .


وكذلك روى أحمد بن حنبل عن أبي هريرة في حديث طويل مر على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جنازة ، ومعها بواك
، فنهرهن عمر . فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : دعهن ، فإن النفس مصابة والعين دامعة والعهد حديث ( 3 ) .


قال ابن أبي الحديد : وأول من ضرب عمر بالدرة أم فروة بنت أبي قحافة - أخت أبي بكر - مات أبو بكر فناح النساء عليه ، وفيهن أخته أم فروة ، فنهاهن عمر مرارا ، وهن يعاودن فأخرج أم فروة من بينهن وعلاها بالدرة ، فهربن وتفرقن ( 4 ) .

 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) مسند أحمد بن حنبل 1 : 335 .
( 2 )
الطبقات الكبرى 3 : 399 ترجمة عثمان بن مظعون .
( 3 )
مسند أحمد بن حنبل 2 : 333 .
( 4 )
شرح نهج البلاغة 1 : 181 .

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب