( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 79

الفربري والنبي ( صلى الله عليه وآله ) :

قال محمد بن يوسف الفربري : رأيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) في النوم فقال لي : أين تريد ؟ قلت : أريد محمد بن إسماعيل البخاري ، قال : اقرأه مني السلام ( 1 ) .

قال البخاري : ما وضعت في كتاب الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين ( 2 ) .

نقل الفربري أن البخاري قال : ما أدخلت في الصحيح حديثا حتى استخرت الله ، وصليت ركعتين ، وتيقنت صحته ( 3 ) .

قال البخاري : صنفت الجامع من ستمائة ألف حديث في ستة عشر سنة وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى ( 4 ) .

حكى الفاضل النووي أن مسلم قال : صنفت هذا المسند - الصحيح - من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة ، لو أن أهل الحديث يكتبون مائتي سنة الحديث فمدارهم على هذا المسند ( 5 ) .


الشعراء يطرون : وتبعا لأولئك العلماء فقد نظم الشعراء في البخاري وصحيحه أشعارا كثيرة وقصائد متعددة ، من ذلك ما أنشده ابن عامر الجرجاني حيث قال :

صحيح البخاري لو أنصفوه * لما خط إلا بماء الذهب
هو الفرق بين الهدى والعمى * هو السر دون العنا والعطب

 

* ( هامش ) *
( 1 ) تهذيب الأسماء واللغات 1 : 68 ، تاريخ بغداد 2 : 10 .
( 2 ، 3 )
هدى الساري : 490 ، إرشاد الساري 1 : 29 .
( 4 )
هدى الساري : 490 ، إرشاد الساري 1 : 29 ، كشف الظنون 1 : 544 مادة الجامع الصحيح .
( 5 )
شرح صحيح مسلم للنووي 1 : 15 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 80

بأسانيد مثل نجوم السماء * أمام متون كمثل الشهب
به قام ميزان دين النبي (ص) * ودان له العجم بعد العرب ( 1 )
 

وأنشد الإمام أبو الفتوح العجلي مادحا صحيح مسلم :

صحيح القشيري ذا رتبة * تفوق الثريا إذا ما اعتلت
فألفاظه مثل نور الرياض * سقيها السواري إذا ما سرت
وأما المعاني فكالشمس تحت * السحاب الخريفي عنه انجلت
فلله دولـة هــذا الإمـام * ولله همتـه إن علـت
عليه من الله رضوانه * فقد تم مسعاته وانتهت ( 2 )


دفاع مرير : أفرط أهل السنة في ثنائهم على الصحيحين حتى بلغ بهم الأمر حد التعسف والغلو ، وحفظا لمقامهما وشأنهما
فقد حظروا على الباحثين والمحققين أن يقوموا بالبحث والتنقيب فيهما ، واعتبروهما كالوحي المنزل والقرآن الكريم من حيث

العصمة عن الخطأ ، ومنزها من أن تنالهما الآراء والأفكار وإبداء الرأي فيهما ، وأن البحث والتحقيق فيهما ، يكاد يكون توهينا لهما وهذا بمثابة التوهين للقرآن ولا توبة ولا غفران لمن يقوم بذلك .


ففي عام 1386 ه نشرت جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت كراسا في الدفاع عن صحيح البخاري والرد على المخالفين بعنوان ( كل ما في البخاري صحيح ) . وكان هذا الكراس ردا واستنكارا على المقال الذي كتبه عبد الوارث كبير تحت عنوان ( ليس كل ما في صحيح البخاري صحيحا ) الذي نشرته مجلة الوعي الإسلامي الكويتية .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) إرشاد الساري 1 : 30 .
( 2 )
وردت هذه الأبيات في آخر صحيح مسلم طبعة بيروت . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 81

وبما إننا لم نحصل على هذا المقال المنشور في المجلة ، لذلك لا يمكننا أن نبدي رأينا فيه أو نحكم له أو عليه .
 

وأما الكراس المنشور ردا على المقال فهو بأيدينا ، وهو يحتوي على ردود واستنكارات خطابية أو الأصح إن الكراس كتب بأسلوب مملوء من الهراء والعربدة واللاموضوعية .
 

فقد جاء في أوله رسالة مفتوحة إلى أمير الكويت كتبها اثنان وثلاثون أستاذا من جامعات سوريا استنكروا فيها على كاتب المقال وطلبوا من الأمير كسر مثل هذه الأقلام ! ! والوقوف أمام نشر مثل هذه المقالات في المجلات .
 

وبعد هذه الرسالة سطرت ثمان مقالات لثمانية من الأساتذة والعلماء من شتى البلاد العربية دفاعا عن صحيح البخاري ومسلم ، ثم ذكروا قائمة بأسماء عشرة من أساتيذ وعلماء الجامعات ممن تصدوا للجواب والرد على صاحب المقال والاستنكار عليه والدفاع عن البخاري .


أيها القارئ البصير ، لعلك ترى إننا قد أطنبنا وأسهبنا الكلام في هذا الفصل من كتابنا ، ولكن الحق إن الأقوال هذا في المجال أكثر مما أوردناه ، وما الذي ذكرناه إلا نموذجا ضئيلا منها ، وذلك مما دعت الضرورة والحاجة إليه ليرتفع بذلك الستار

المسدول عن واقع الصحيحين ومقامهما وأهميتهما عند أهل السنة سواء في الماضي أو الحاضر ، بل ترى أهميتهما اليوم قد ازدادت وتصاعدت أكثر حتى أصبح المنتقد للصحيحين والباحث فيهما ولو بالأسلوب العلمي ، أو إن الذي أراد أن يناقش

صحة الأحاديث الواردة فيهما يواجه ردا صارما ، وتأتيه الضربة الحديدية القاضية . وما استنكارهم هذا ودفاعهم في تقديس الصحيحين إلا سدا لأبواب التحقيق على المحقين الباحثين في الصحيحين كيلا يتجرأ أحد على أن يكشف الحقائق .


عندما تتجلى الحقيقة : لو دقق الباحث في كل ما قاله ناثرو المدح والإطراء على الصحيحين ، ولو استمع المرء إلى ما نقله علماء العامة من الكرامات والأحلام حول البخاري ومسلم و كتابيهما ،
 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 82

ولو أمعن القارئ في ما كتبه علماء العامة بشأنهما ، وبشأن كتابيهما لتجلت له شخصية البخاري ومسلم وعلو مرتبتهما بحيث إن لم يعدهما معصومين لا يشك أبدا في تقواهما وعدالتهما وورعهما ووثاقتهما ، وكذا لا يرتاب أبدا في صحة كتابيهما ،

وكذلك تتجسد لديه حقيقة مقولة بعض العلماء في الصحيحين من أنه ما تحت أديم الأرض كتاب أصح منهما ، وإن الرسول
( صلى الله عليه وآله ) قد نسب كتاب البخاري إلى نفسه واعتبره كتابه ، وهكذا تتجسد له هذه الأمور جلية بحيث لا يمكن نقضها وتغييرها والخدشة فيها .


ولكن بمجرد دراسة مختصرة وتفحص إجمالي فيهما تتجلى الحقائق التي تكمن خلف أستار الوهم والخيال ، وينكشف للباحث أن - في مقابل تلك الفضائل والكرامات المنقولة في شأن البخاري ومسلم والغلو الذي طالما حوصر بين الخيال والوهم -

هناك علماء من أهل السنة أنفسهم قد نظروا إلى الصحيحين نظرة المحقق البحاثة فوضعوا ما احتواه الصحيحان على طاولة التشريح ووازنوهما بالمعيار الواقعي وخرجوا بعد ذلك بالنتيجة التالية :

إن بعض أحاديث الصحيحين من جهة الإسناد وبعضها الآخر من جهة النص والمتن مرفوضة ومخالفة للأصول العلمية والدينية .

وهناك آخرون أيضا من علمائهم أزاحوا حجب العصبية عن بصائرهم ونظروا إلى شخصية البخاري ومسلم بمنظار الواقعية وأصبحت نظرتهم تماما على عكس الفئة الأولى المغالين الذين رووا أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بلغ سلامه إلى البخاري .


وهذا ما تكشفه هذه الصفحات التالية لذوي العقول والأبصار من بيان الحقيقة عن ماهية الصحيحين ومؤلفيهما ، وتوضح الصورة الواقعية لهما ولمؤلفيهما .


وليعلم القارئ الكريم بأننا نحن الشيعة لم نكن سباقين إلى فتح باب الانتقاد على الصحيحين ومؤلفيهما وتفنيد رواياتهما ، بل أن علماء العامة أنفسهم لهم السبق وأنهم تعرضوا لنقدهما وبينوا الحقيقة بصراحة ، وفتحوا باب نقد الصحيحين على مصراعيه .


ومن هؤلاء الناقدين جمع من العلماء والمحدثين والحفاظ وشراح الصحيحين الذين تعتمد العامة أقوالهم وتعترف بعلو مقامهم العلمي عندما أبدوا نظرياتهم العلمية والتحقيقية .

 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب