( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 174

رأي صاحب المنار : ذكر الشيخ محمد عبدة في تفسيره - للآية بعد أن ذكر ذلك المعنى الكنائي الذي نقل عن مجمع البيان والمفسرين القدماء ، ونقل هو رأي البيضاوي بالتفصيل فقال : وذهب بعضهم إلى أن لفظ الساق ورد بمعنى الذات - ذات الله

- والنفس واستشهدوا له بقول أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه في حرب الشراة : لا بد من قتالهم ولو تلفت ساقي ، قالوا : أي نفسي . وعليه فيصح أن يكون كشف الساق في الآية والحديث عبارة عن كشف الحجاب ( 1 ) .


أيها المطالع المنصف ، هذا هو واقع العصبية ومعنى الذود الباطل عن أحاديث صحيح البخاري وتصحيح المطالب الموهومة والخرافية فيها وتأويلها ، والتغاضي عن بيان الحقائق الذي ابتلي به الشيخ محمد عبدة إذ انحرف عن الجادة الصائبة حتى بعد نقله لأقوال المفسرين والعلماء .


 7 - هل لله رجل ؟
عن أنس : عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : يلقى في النار ، وتقول هل من مزيد ؟ حتى يضع الله قدمه فتقول قط قط . عن أبي هريرة : وأكثر ما يوقفه أبو سفيان : يقال لجهنم : هل امتلئت ؟ وتقول : هل من مزيد ؟ فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول : قط قط ( 2 ) .


أخرج البخاري في صحيحه هذا الموضوع في عدة أحاديث بأسانيد متعددة

 

* ( هامش ) *
( 1 ) تفسير المنار 9 : 144 .

( 2 )
صحيح البخاري 6 : 173 كتاب التفسير باب تفسير سورة ق ،
و ج 9 : 143 كتاب التوحيد باب الحلف بعزة الله ، وص : 164 كتاب التوحيد باب إن رحمة الله قريب من المحسنين ،
صحيح مسلم
8 : 2186 كتاب الجنة وصفة نعيمها باب ( 13 ) باب النار يدخلها الجبارون ح 35 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 175

ومتون مختلفة ، وكذا أخرجه مسلم في صحيحه ضمن خمس أحاديث وورد في بعضها كلمة ( الرجل ) ، وفي بعضها الآخر كلمة ( القدم ) .

ولا يخفى أن في هذه الروايات - التي نقلناها إليك عن الصحيحين البخاري ومسلم اللذين يعتبران أهم المصادر عند أهل السنة
بعد القرآن - دلالة تامة وواضحة على كونها من الأحاديث المزورة والموضوعة في مباحث التوحيد لأنها تحكي عن توصيف

رب متحيز في مكان خاص فتارة يكون مستقر على العرش ، وتارة أخرى تجده في السحاب ، وتارة ثالثة تراه في جهة
القبلة أمام المصلي ، وأحيانا ينزل إلى السماء الدنيا وذلك في بعض الليالي الخاصة ، وإنه يرى كما ترى الأجسام المادية ،

ويضحك ، وله أعضاء وجوارح كما للإنسان أعضاء وجوارح . فحينئذ فهل يعقل أن يتخذ مثل هذا الموجود ربا وإلها ؟ ! ! فكما أن الدلائل النقلية تنفي التسليم والانقياد لمثل هذا الموجود فكذلك البراهين العقلية والفلسفية تأبى قبول هذا الرب المحتاج

والمحدود والذي له آثار وعلامات المخلوقين - لا الخالق والصانع - ولا يقبل العقل أن يتعبد لمثل هذا الموجود كرب وإله وخالق . ولعل يوجد بعض من لم تكن له معرفة بعقائد أهل السنة وآراء علمائهم ومحدثيهم في مسألة التوحيد فينتقدنا ويورد

إشكاله علينا قائلا : إن جميع الأقوال والآيات والأحاديث تحتمل التوجيه والتأويل ، إذن فما الداعي أن تكون هذه الأحاديث التي رويتموها عن كتب أهل السنة مما تقبل التأويل والتوجيه ؟ ولماذا لا تلتزمون بهذه الطريقة ولم تأولوا هذه الأحاديث إلى معان يتقبلها العقل ؟


وأما الإجابة عن هذه الأسئلة نقول : إن في هذه الأحاديث أسبابا وعللا عديدة تمنعنا من أن نأولها ونبررها وفي الحين ذاته أن هذه الأسباب قد غلقت جميع الطرق والمحاولات لتبرير وتوجيه تلكم الأحاديث . ولأن :

 أولا : إن عملية التأويل والتوجيه تتم لو حصل المعارض والمخالف بينما لا نرى

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 176

ولم نعثر على حديث واحد يخالف مفهوم أحاديث الرؤية والتجسيم المروية في الصحيحين وسائر الكتب المعتبرة عند أهل السنة ، وحيث لم تحصل رواية تنفي التجسيم والرؤية فبماذا نأول الأحاديث ؟ ( 1 )


 ثانيا : إن متون تلك الأحاديث صريحة وواضحة عن أهداف ونوايا كانت مرادة لجاعلي الأحاديث وإن ألفاظها وسياق
عباراتها قد وضعت على نحو لا تدع للتأويل والتبرير مجالا وسبيلا إلا الأخذ بظواهر الأحاديث ، فيا ترى كيف يمكن تأويل

الأحاديث الحاكية - بأنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر - التي هي صريحة في الرؤية والمشاهدة ؟ وبماذا يمكن توجيه الوجه في أحاديثهم التي تقول إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته ؟ وبماذا ناول الأحاديث التي

تثبت المكانية والجهتية لله عز وجل وإنه تعالى فوق العرش والعرش على سماواته ، أو إنه تعالى كان في غماء قبل أن يخلق الخلق وهكذا سائر الأحاديث الأخرى التي مر عليك بعضها ؟ هل يمكنك أن تتصور معنى ومفهوما آخر غير التجسيم

والتشبيه وتحديد المكان لهذه الأحاديث التي تلوناها عليك والأحاديث الأخرى التي أخرجوها في كتبهم في مباحث التوحيد ؟ إذن كيف يسنح لنا أن نقوم بعملية التأويل والتوجيه ؟


 ثالثا : إن ما احتوته هذه الأحاديث لم يكن بحثا جديدا وحديثا حتى نأولها ونقوم بتوجيه وتبرير ذلك على غير ظاهرها ليتناسب مع العقل ، بل أنها أمور ظهرت إلى الساحة

 

* ( هامش ) *
( 1 ) نعم ، عثرنا على أحاديث وأقوال تخالف تلك الأحاديث ولكن ما أسرعهم أن أولوا هذه الأحاديث المعارضة أو أنهم ضعفوها بحيث تطابق مفهوم أحاديث الرؤية والتجسيم والتشبيه التي عليها المعتمد عند العامة ، ولذلك ترى في أكثر كتب أهل السنة خاصة الكتب الحديثية

والكلامية والتفسيرية عناوين تختص بالبحث في الرؤية وغيرها ، وأن عقيدة الأغلبية الساحقة من علمائهم هي إثبات الرؤية والتجسيم وغيرها من الأمور المتعلقة بالتوحيد حتى كتبوا كتبا كثيرة ومؤلفات عديدة في تقويم هذه العقيدة ، بحيث أفتى علماء السنة وأئمتهم بكفر

كل من لم يعتقد بالتجسيم والتشبيه ، وقد ملئت كتبهم بهذه الفتاوى وتحريم تأويل ظواهر الحديث وإخراجه عن المعنى الظاهري منه . فعلى هذا فهل يبقى محل وموضع للتأويل والتوجيه ؟ فتأمل جيدا . المعرب . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 177

منذ اللحظة الأولى من وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وانسداد الأبواب العلمية والدينية ، ومن بعد ذلك ثبتت واستقرت في الصحاح الستة في عهد البخاري حتى النسائي - عام 256 - 279 ه‍ .


ونلاحظ أن هذه المسائل هي نفس المسائل التي كانت تطرح على أئمة أهل بيت رسول الله - منذ عهد الإمام الباقر ( عليه السلام ) حتى عهد الإمام الرضا ( عليه السلام ) - وقد تصدى الأئمة للإجابة عليها ، ونفوها نفيا قاطعا حتى أنهم ( عليهم

السلام ) أنكروا صدورها عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأعلنوا صريحا بأنها مزيفة ومختلقة - لأنهم أصحاب البيت وهم أعلم بما في البيت - . فعلى هذا فلو كان للتأويل والتبرير مجال وسبيل لتذرع به السائلون الذين سألوا الأئمة ( عليهم السلام ) واستفسروا منهم عن صحة تلك الأحاديث .


 رابعا : إن أحد الأسباب التي تدفعنا عن تأويل هذه الأحاديث وتمنعنا من توجيهها هو الأقوال والآراء التي اعتقد بها أغلبية علماء العامة الذين أفتوا بمنع تأويل هذه الأحاديث وضرورة التمسك بظواهرها ، حتى أن وصل بهم الأمر إلى تكفير المتأولين وحكموا عليهم بالكفر والزندقة والارتداد . وهاك أيها القارئ طرفا من تلك الأقوال والفتاوي :


عقيدة علماء السنة في هذه الأحاديث :

 1 - مسلم بن حجاج النيسابوري : عقد في صحيحه بابا خاصا للبحث في إثبات الرؤية وبابا آخر في كيفية الطريق إلى الرؤية . وأخرج في هذين الفصلين الأحاديث التي تحكي مسألة الرؤية وتصرح بمسألة الجهتية وتشير صريحا إلى تجسيم الله تعالى ( 1 ) .

 

ومن الواضح أن تخريجه لهذه الأحاديث في هذين الفصلين من صحيحه يدل على القول بها والحكم بصحتها وإلزام المسلمين على الاعتقاد بظواهرها ونهيهم عن تأويل وتفسير عباراتها على غير ظاهرها .

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح مسلم 1 : 163 - 172 كتاب الإيمان باب ( 80 - 81 ) . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 178

 2 و 3 - ابن ماجة وأبي داود : - وهما من أرباب الصحاح الستة ومن العلماء المعتمد عليهم عند العامة - عقد ابن ماجة في سننه بابا خاصا يتعلق فيما أنكرت الجهمية ، وكذا أفرد أبو داود بابا في الجهمية ( 1 )

وأخرجا أحاديثا تمت إلى مبحث الرؤية والتجسيم والتشبيه وإثبات المكانية لله عز وجل كإثبات الضحك لله وإنه تعالى يقف
إلى جنب عبده كتفا بكتفه ، وتجليه وتستره عن أعين العباد و . . . و . . . ويعتقد هؤلاء أن الجهمية ( 2 ) طائفة كالشيعة

ينكرون رؤية الله ، وينفون القول بالمكانية لله تعالى ، ولا يرون بأن لله عز وجل شأنه أعضاء وجوارح وجسما كسائر الموجودات ، وإنهم لا يعتقدون بظواهر هذه الأحاديث . وعنوان الباب في سننيهما وتخريجهما للأحاديث في هذا الباب يدل

على أن ابن ماجة وأبي داود يعتقدان في التوحيد حسبما ورد في تلك الأحاديث وظواهرها ، وحكما على مخالفيهما الذين لا يعتقدون بعقيدتهما بالكفر مثل الجهمية ، وأن الذين يأولون ظاهر الأحاديث زنادقة ومرتدون وخارجون عن الدين .


 4 - ابن تيمية : قال : وأما أحاديث النزول إلى السماء الدنيا كل ليلة فهي الأحاديث

 

* ( هامش ) *
( 1 ) سنن ابن ماجة 1 : 70 المقدمة باب ( 13 ) باب فيما أنكرت الجهمية ،
سنن أبي داود
4 : 231 كتاب السنة باب في الجهمية ، وباب في الرؤية ، وباب في الرد على الجهمية .

( 2 )
الجهمية إحدى الحركات الفكرية التي ظهرت على الساحة الإسلامية في القرنين الثاني والثالث وهم أتباع جهم بن صفوان الترمذي السمرقندي ( المتوفى سنة 128 ه‍ ) ويرمون إلى إرجاع الأمة إلى الجاهلية وتعربها بعد الهجرة ومن عقائدها القول بالجبر والاضطرار ،

وأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان وأن الإيمان هو معرفة الله والكفر الجهل به ، وأن العلم الإلهي حادث وينفون الصفات مثل الحياة والقدرة والعلم والإرادة وغيرها عن الله ويقولون إنها صفات المخلوقين ولا يجوز أن يصف الإنسان الله تعالى بهذه الصفات . ومرتكز عقيدتهم

على أصلين 1 - القول بالجبر . 2 - تعطيل الصفات عن الله . فأين هذه الأباطيل عن عقائد الشيعة الإمامية التي جاءت في كتبهم . والأمة الإسلامية على اختلاف فرقها تعتقد بكفر هذه الفئة . ومن عقيدة الجهمية أيضا أن القرآن مخلوق . وقد عرفت فيما مر ( ص 74 ) عقيدة أئمة أهل السنة وخاصة أحمد بن حنبل في من يعتقد بخلق القرآن وتكفيره لهذه الفئة فراجع . المعرب . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 179

المعروفة الثابتة عند أهل العلم بالحديث ، وكذلك حديث دنوه عشية عرفة رواه مسلم في صحيحه ، وأما النزول ليلة النصف من شعبان ففيه حديث اختلف في إسناده ، ثم إن جمهور أهل السنة يقولون : إنه ينزل ولا يخلو منه العرش كما نقل مثل ذلك عن إسحاق بن راهويه وحماد بن زيد وغيرهما ، ونقلوه عن أحمد ابن حنبل ( 1 ) .


 5 - محمد أشرف شارح سنن أبي داود قال في ذيل ( وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب ) : إن العرش ليعجز عن حمله وعظمته حتى يئط به ، إذ كان معلوما أن أطيط الرحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه وعجزه عن احتماله ، ثم يذكر كلاما للخطابي وينكره وينتقده ويقول : كلام الإمام الخطابي فيه تأويل بعيد ، خلاف للظاهر لا حاجة إليه ، وإنما الصحيح المعتمد في أحاديث الصفات إمرارها على ظاهرها من غير تأويل ولا تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل كما عليه السلف الصالحون . . .
( 2 ) .


 6 - البغوي في شرح السنة : كل ما جاء في الكتاب والسنة من هذا القبيل في صفاته تعالى كالنفس والوجه والعين والأصبع واليد والرجل والاتيان والمجئ والنزول إلى السماء والاستواء على العرش والضحك والفرح فهذه ونظائرها صفات الله تعالى ورد بها السمع فيجب الإيمان بها وإبقاءها على ظاهرها معرضا فيها عن التأويل مجتنبا عن التشبيه ( 3 ) .


هذا وقد تطرقنا آنفا إلى آراء بعض العلماء حول التجسيم كالنووي والعيني والقسطلاني وأحمد محمد شاكر وعبده والأسفراييني وأحمد بن حنبل وابن تيمية وأبي عمر والذهبي والشيخ عبد الرحمان ( 4 ) وذكرنا عقيدتهم ورأيهم ورأي آخرين غيرهم بما يناسب ضرورة الالتزام بظواهر هذه الأحاديث وعدم جواز تأويلها وتوجيهها ، وهذا

 

* ( هامش ) *
( 1 ) منهاج السنة 1 : 262 .
( 2 )
عون المعبود في شرح سنن أبي داود 13 : 15 .
( 3 )
سنن ابن ماجة 1 : 71 في الهامش على حديث 198 .
( 4 )
راجع ص 138 - 144 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 180

الذي لاحظته أيها القارئ الكريم هو غيض من فيض ، ولو أردنا أن نورد جميع أقوال علمائهم لاحتجنا إلى موسوعة كبيرة من الكتب .


تبصرة للبصير : عرفنا مما نقلناه من الأحاديث التوحيدية في الصحاح الستة أن مضمون هذه الروايات يحكي لنا إمكان رؤية الله وإثبات المكان له ، وأنه تعالى ذو أعضاء وجوارح مختلفة تماما كالموجود الطبيعي والمادي ، وأن علماء السنة يعتقدون في صفات الله حسب ما تقتضيه رواياتهم ويوصون أتباعهم بالاعتقاد بهذه الصفات والأفكار .


 ولا بد من الإذعان بأن منشأ هذا الانحراف في العقيدة والضلالة عن الصراط المستقيم هو ما روته لهم هذه الأحاديث - التي يراها علماء السنة صحيحة ومعتمدة - حول مسألة التوحيد التي هي الدعامة الأولى في العقيدة الدينية .


وقد اعترف بهذا الموضوع علماء السنة أنفسهم ، واستنادهم إلى هذه الأحاديث في بيان عقيدتهم مجمع عليه ، ونحن في غنى عن تكرار البحث وعن ذكر الدلائل والشواهد الأخرى لأننا قد فصلنا البحث مسبقا وفي هذا الفصل كذلك ، ولكن ندعو القارئ ثانية إلى مراجعتها مرة أخرى بدقة وتعمق أكثر ليقف على الارتباط الوثيق بين هذه الأحاديث وعقائد علماء أهل السنة .


ومن خلال التأمل فيما مر من البحوث تتضح لنا المسألة التالية أكثر وأوفر : ما هو مدى التأثير السلبي الذي أوجدته هذه الأحاديث وهذه الكتب عبر القرون المتمادية على العقائد الإسلامية ؟ أجل أن هذه الأحاديث والتمسك بصحتها خلقت بين المسلمين قضايا خرافية ومضحكة وأنتجت الضلالات والانحرافات في عقائد طائفة كبيرة منهم .


ومن هنا : حكي عن مقاتل بن سليمان ، وداود الجورابي ونعيم بن حماد أنهم قالوا : إنه تعالى في صورة الإنسان ، وإنه لحم ودم ، وله جوارح وأعضاء من يد ورجل

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 181

ولسان ورأس وعينين ، واستثنوا عنه الفرج ، ولكن معاذ العنبري قال : له - تعالى - فرج رجل ، واستدل على قوله هذا بأن لله تعالى آلة الذكران بالآية الكريمة ( وليس الذكر كالأنثى ) ( 1 ) .


وادعى بعض متكلمي أهل السنة ، بأن له لحم وجلد وعظم كالإنسان . وقالوا : إنه سبحانه ينزل ليلة عرفة من السماء إلى الأرض على جمل أحمر في هودج من ذهب .


وروى قوم منهم : أنه تعالى نظر في المرآة فرأى صورة نفسه فخلق آدم ( عليه السلام ) عليها .

ورووا : أنه يضحك حتى تبدو نواجذه . . .

ورووا : أنه أمرد جعد قطط ، في رجليه نعلان من ذهب ، وأنه في روضة خضراء على كرسي تحمله الملائكة .

ورووا : أنه يضع رجلا على رجل ويستلقي فإنها جلسة الرب .

ورووا : أنه خلق الملائكة من زغب ذراعيه ، وأنه اشتكى عينه فعادته الملائكة ، وأنه يتصور بصورة آدم ويحاسب الناس في القيامة .

ورووا : أنه ينزل إلى السماء الدنيا في نصف شعبان ، وأنه جالس على العرش قد فضل منه أربع أصابع من كل جانب ، وأنه يأتي الناس يوم القيامة فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ بالله منك ، فيقول لهم : أفتعرفونه إن رأيتموه ؟ فيقولون : بيننا وبينه علامة ، فيكشف لهم عن ساقه ، وقد تحول في الصورة التي يعرفونها ، فيخرون له سجدا .

ورووا أن النار تزفر وتتغيظ تغيظا شديدا ، فلا تسكن حتى يضع قدمه فيها فتقول : قط قط ، أي حسبي حسبي ( 2 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) آل عمران : 36 . ( 2 ) شرح نهج البلاغة 3 : 224 - 227 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 182

هذه الأفكار والآراء تعتبر من أصول عقائد متكلمي أهل السنة في التوحيد ، وقد أجمعوا على بعضها مثل لقاء الله ورؤيته ، ومجئ الله يوم القيامة عند الناس .


ثم قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه على نهج البلاغة عقيب كلامه : وإن في التوراة نحو ذلك من العقائد ، ومن ثم أشار المعتزلي إلى ما ذكرناه آنفا أن منشأ هذه العقائد المذكورة الباطلة هو الأحاديث المستخرجة في صحاحهم .


وعند ما يذكر ابن أبي الحديد كلمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ( يأتي على الناس زمان لا يبقى فيهم من القرآن إلا رسمه ، ومن الإسلام إلا اسمه . . ) .


يقول شارحا : هذه صفة حال أهل الضلال والفسق والرياء من هذه الأمة ، لأنهم أهل ضلالة كمن يسكن المساجد الآن ممن يعتقد التجسيم والتشبيه والصورة والنزول والصعود والأعضاء والجوارح ومن يقول بالقدر يضيف فعل الكفر والجهل والقبيح إلى الله تعالى ، فكل هؤلاء أهل فتنة - يردون من خرج منها إليها ويسوقون من لم يدخل فيها أيضا ( 1 ) .


أقول : نستفيد من صراحة مقولة ابن أبي الحديد إن هذه الاعتقادات الباطلة كانت مشاعة في عصره ، وكان أكثر أئمة المساجد آنذاك يعتقدون بهذه الخرافات . ( واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود ) ( 2 ) .

 

* ( هامش ) *
( 1 ) شرح نهج البلاغة 19 : 299 . ( 2 ) هود : 90 . ( * )

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب