( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 88

ونلفت أنظار القراء إلى رأيين من علماء مصر المعاصرين :

رأي الشيخ محمد عبدة : يعد السيد محمد رشيد رضا المصري من أبرز تلاميذ الشيخ محمد عبدة ، فقد جمع السيد رشيد رضا نظريات وآراء أستاذه في كتابه تفسير المنار ، فإنه بعد أن ذكر قول ابن حجر الذي قال : عدة ما اجتمع لنا من ذلك -

الانتقادات والمؤاخذات - مما في كتاب البخاري وإن شاركه مسلم في بعضه مائة وعشرة أحاديث فيها ما وافقه مسلم على تخريجه اثنان وثلاثون حديثا ومنها ما انفرد بتخريجه وهو ثمانية وسبعون حديثا .

وقد ضعف الحفاظ من رجال البخاري نحو ثمانين ومن رجال مسلم مائة وستين . ثم يقول ابن حجر : عدة ما أخرجته من نحو مائتين وعشرة أحاديث انفرد البخاري بأكثر من سبعين حديثا ، وذكر مسلم ما تبقى في صحيحه ( 2 ) .


فقال السيد محمد رشيد رضا بعد أن عرض الأحاديث المنتقدة على البخاري : وإذا قرأت ما قاله الحافظ ابن حجر - فيها رأيتها كلها في فن الصناعة ، ولكنك إذا قرأت الشرح نفسه ( فتح الباري ) رأيت له في أحاديث كثيرة إشكالات في معانيها
أو تعارضها مع غيرها - أكثر مما صرح به الحافظ نفسه - مع محاولة - من الحافظ - الجمع بين
 

 

* ( هامش ) *
( 2 ) هدى الساري مقدمة فتح الباري : 345 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 89

المختلفات وحل المشكلات بما يرضيك بعضه دون بعض ( 1 ) .

وقال الشيخ محمد عبدة بعد أن ساق أقوال العلماء والحفاظ في مسألة الصلاة على جنازة ابن أبي : الحق إن هذا الحديث معارض للآيتين ، فالذين يعنون بأصول الدين ودلائله القطعية أكثر من الروايات والدلائل الظنية لم يجدوا ما يجيبون به عن هذا التعارض إلا الحكم بعدم صحة الحديث ( 2 ) .


رأي أحمد أمين : قال أحمد أمين الأديب المصري بشأن الصحيحين : وقد ضعف الحفاظ من رجال البخاري نحو ثمانين . وفي الواقع هذه مشكلة المشاكل - لأن بعض من ضعف من الرواة لا شك أنه كذاب ، فلا يمكن الاعتماد على قوله ، والبعض

الآخر منهم مجهول الحال ، ومن هذا فيشكل الأخذ عنه . . . ومن هؤلاء الأشخاص الذين روى عنهم البخاري وهم غير معلومي الحال عكرمة مولى ابن عباس . وقد ملأ الدنيا حديثا وتفسيرا ، فقد رماه بعضهم بالكذب ، وبأنه يرى رأي الخوارج ، وبأنه كان يقبل جوائز الأمراء ، ورووا عن كذبه شيئا كثيرا .


ويضيف الأديب أحمد أمين على ذلك شواهد تاريخية أخرى لإثبات كون عكرمة كذابا ، ثم يقول : فالبخاري ترجح عنده صدقه فهو يروي له في صحيحه كثيرا . . . . ومسلم ترجح عنده كذبه . فلم يرو له إلا حديثا واحدا في الحج ولم يعتمد فيه عليه وحده وإنما ذكره تقوية لحديث آخر ( 3 ) .


رأي مسلمة في صحيح البخاري : وأما ما قاله مسلمة في البخاري وكتابه الصحيح : فإنه يعتبر تأليف البخاري
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) أضواء على السنة المحمدية : 302 .
( 2 )
تفسير المنار 10 : 580 .
( 3 )
ضحى الإسلام 2 : 117 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 90

للصحيح عملا خلافا وسيئا وحسب المصطلح أن البخاري قد ارتكب سرقة علمية ، وهذا مما يحط من شخصيته العلمية والخلقية ، ويسقط قيمته والاعتبار بكتابه ويضعهما في موضع بين القبول والرد .


يقول مسلمة : ألف علي بن المديني - شيخ البخاري - كتاب العلل وكان ضنينا به ، ومهتما به كل الاهتمام لكي لا تناله الأيدي ، فغاب يوما في بعض ضياعه - خارج المدينة - فجاء البخاري - منتهزا الفرصة - إلى بعض بنيه وراغبه بالمال على أن


يرى الكتاب - العلل - يوما واحدا . فأعطاه له ، فدفعه البخاري إلى النساخ ، فكتبوه له ، ورده إليه ، فلما حضر علي بن المديني وجلس في مجلسه تكلم بشئ ، فأجابه البخاري بنص كلامه مرارا ففهم القضية - استنساخ الكتاب - واغتم لذلك فلم يزل مغموما حتى مات بعد يسير .


واستغنى البخاري بذلك الكتاب عن البحث والتنقيب في الأحاديث ، وخرج إلى خراسان ، ووضع كتابه الصحيح ، فعظم بذلك شأنه وعلا ذكره ( 1 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) تهذيب التهذيب 9 : 54 . ( * )

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب