|
|
الفصل السابع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الصحيحين النبي قبل البعثة 1 - إيمان أبويه : تعرفنا في الفصول السابقة على الصورة التي رسمها أرباب الصحيحين للأنبياء ( عليهم السلام ) ، ونتعرف هنا على الصورة التي رسماها للنبي محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وآله ) ولذلك قسمنا بحثنا حول حياة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) إلى قسمين : النبي قبل البعثة والنبي بعد البعثة .
1 - روي عن أنس : أن رجلا قال : يا رسول الله أين أبي ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : في النار ، فلما قفى دعاه ، فقال : إن أبي وأباك في النار ( 1 ) . 2 - روي عن أبي هريرة قال
: زار النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ، فقال :
استأذنت ربي في أن أستغفر لها ، فلم يؤذن لي ، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن
لي ، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت ( 2 ) .
لا يخفى أن مختلقي هذه الأحاديث أرادوا إثبات كفر أبوي النبي
( صلى الله عليه وآله ) ، فدلسوا حديثا ونسبوه إلى الرسول أقول : الدلائل التي ذكرناها آنفا وهكذا الروايات الصحيحة
والمصادر التاريخية اليقينية تثبت كون هذان الحديثان من الواحد ، وأشهرهم في هذا الإيمان بنو هاشم - عبد المطلب وأبو طالب وعبد الله والد النبي - ، حيث كانوا يعبدون الله عز وجل ، ويجتنبون عبادة الأصنام ، وينكرون ما كان أكثر العرب يعتقدون به ( 1 ) ، وهؤلاء المؤمنون كانوا يعبدون الله عز وجل تارة على مرأى من كفار قريش ، وتارة أخرى في مغارات الجبال .
1 - عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقول : والله ما عبد أبي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنما قط ، قيل : فما كانوا يعبدون ؟ قال ( عليه السلام ) : كانوا يعبدون - يصلون إلى - البيت على دين إبراهيم ( عليه السلام ) متمسكين به ( 2 ) .
ونقل أحمد بن حنبل في مسنده ( 1 ) ، وكذا ابن سعد في طبقاته ( 2 ) : إن أبا ذر كان في الجاهلية موحدا ومؤمنا بالله . أما الذين اختلقوا هذين الحديثين لم تكن غايتهم إلا محو الخزي والعار الذي أحدق بهم وبقبيلتهم - الذين حاربوا الإسلام ، حفظا للوثنية والشرك وتثبيتا لهما - . وقاوموا القرآن والرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وماتوا وهم مشركين كافرين . أو أنهم أظهروا إسلامهم مكرهين ، وطمعا في المال والدنيا وهم في الواقع كفار ومشركين . نعم إن مختلقي هذه الأحاديث أرادوا بوضعهم حديث كفر أبوي النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يشبهونهما بآبائهم ، وأن يزيلوا العار المطبق على أجدادهم وضمادا لحقارتهم . ولكن المؤسف أن أكثر المسلمين يعتبرون هذه الروايات الموضوعة صحيحة ، وعليها بنوا أسس عقائدهم .
وروى في موضع آخر من صحيحه حديثا آخر بنفس المضمون إلا أن فيه بعض الزيادات ( 5 ) . ويستفاد من الحديث المذكور : أولا : أن زيد بن عمرو بن نفيل كان أعرف وأعلم في معرفة التوحيد من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبل البعثة ! ثانيا : أن الرسول ( صلى
الله عليه وآله ) لا يمتاز عن سائر العرب الجاهليين ، لأنه كان يملك صنما ونصبا
، وكان يأكل اللحم الذي ذبح على النصب ، وأما زيد بن عمرو بن نفيل فقد كان
موحدا ومؤمنا ، وكان يرفض الأصنام وعبادتها ، كما ورد في الحديث إنه قال : فإني
لا أكل مما تذبحون على أنصابكم . والأطم من الحديث الأول ما أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده
بإسناده عن نوفل بن هشام بن سعيد بن زيد ، عن أبيه ، عن سفرة لهما ، فدعواه إلى الغداء . فقال : يا ابن أخي ، إني لا
آكل ما ذبح على النصب ، قال : فما رؤي النبي ( صلى الله
من هو زيد بن عمرو بن نفيل ؟ من هو زيد الذي نال هذه المرتبة من القدسية والتكريم ؟ وكما روى البخاري في مبحث التوحيد أن زيد نال مرتبة من التوحيد لم ينلها النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل البعثة ! ! ! وأما زيد هذا هو ابن عم الخليفة عمر بن الخطاب وأبو زوجته ( 1 ) ، وقد أطراه الكثير من المؤرخين وأصحاب التراجم ، فقالوا : إنه في الجاهلية كان موحدا ، وكان يعبد الله وهو على دين إبراهيم ( عليه السلام ) الحنيف ، وعما يعتقده عرب الجاهلية ، ويصلي ويسجد لله تعالى ، وذكره في السجود دليل على إيمانه وحنيفيته ( 2 ) .
المطلب وأبو طالب كانا موحدين ، وكانا يجتنبان أكل ما ذبح على الأنصاب وإن النبي ( صلى الله عليه وآله ) علاوة على مسألة النبوة واستعداده لتلقي الوحي ، كما تطرقنا إليه سابقا فإنه عاش ونشأ في هذا البيت ، وتربى في أحضان ورعاية هؤلاء الأفراد . فعلى هذا فهل يعقل أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ترك سيرة آبائه وعقائدهم والتعاليم والآداب العائلية - وقد كانوا يجدون ويسعون في حفظ تلك الشعائر - ويرفض ( صلى الله عليه وآله ) كل ذلك ، ويتمسك بسيرة الوثنيين ؟ فهل يتصور أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم ينل ما ناله
زيد بن عمرو بن نفيل وأمثاله من الوصول إلى مدارج التوحيد الرفيعة ، وعبادة
الله ، والامتناع عن أكل ما ذبح على النصب ، وينهى الرسول ( صلى الله عليه وآله
) عن أكل ذلك ، ويرشده إلى ترك هذا العمل ، وتراه أحيانا يدعو النبي إلى هذا
العمل - الاجتناب عن أكل ما لم يسم عليه اسم الله - لأن المحبوب عند الله عز وجل ، والنبي بدوره يستجيب له فيمتنع من الأكل حتى أن بعثه الله نبيا . وأعتقد أن هذين الحديثين وضعا لتبيين فضائل أحد أبناء عمومة الخليفة عمر بن الخطاب ، كما اختلقوا مئات الأحاديث والروايات في بيان الفضائل للخلفاء وقبائلهم ، وما أرى دافعا وداعيا لاختلاق مثل هذه الروايات غير التعصب القبلي المفرط ، ومما يؤيد رأينا إنه لم يرو هذا الحديث أحد سوى عبد الله بن عمر ، ونوفل ابن هشام بن سعد وهذا الآخر هو حفيد زيد بن عمرو بن نفيل .
يتوهم أحد إننا ننكر كون زيد بن نفيل من الموحدين في العهد
الجاهلي ، لأنه كما ورد في الأحاديث المروية عند الشيعة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لم يكن إلا مبالغة وتقديسا
لزيد ، وأن لواضعي الحديثين نوايا ومقاصد لا يمكنهما الوصول إليها إلا عن طريق
جعل أحاديث مثل ما ذكر ، ودسها في المصادر وكتب الحديث عند أهل السنة ، والعجب
أن المسلمين قبلوها قبول المسلمات حتى اعتبرتها العامة أحاديث صحيحة وقطعية .
|
|