( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 400

عثمان وحج التمتع :

أشرنا سابقا أن أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام ) رأى المؤمنين على عهد عثمان ومعاوية يسعون جادين في إقامة
هذه السنة النبوية وإحيائها ، كما كانت على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، كانوا يجهدون في إماتة بدعة عمر ،

حتى أدرك علماء أهل السنة وفقهاؤهم بطلان بدعة عمرو أفتوا بجواز متعة الحج والعمل بهذه السنة النبوية وتطبيقها من جديد بعد تلك الفترة من التحريم والمنع رغم فتوى عمر .


وإليك بعض الأحاديث التي تومئ إلى هذه المثابرة والمعارضة لتحريم عمر كما نقلتها مصادر أهل السنة والجماعة وخاصة الصحيحان .

أخرج البخاري ومسلم بإسنادهما عن مروان بن الحكم : شهدت عثمان وعليا ( عليه السلام ) ، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما ، فلما رأى علي ( عليه السلام ) أهل بهما لبيك بعمرة وحجة . قال : ما كنت لأدع سنة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لقول أحد  ( 1 ) .
 

وكذلك أخرج هذا الاختلاف بين عثمان والإمام علي ( عليه السلام ) بإسنادهما عن سعيد بن مسيب قال : اجتمع علي وعثمان بعسفان ، فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة . فقال علي ( عليه السلام ) : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله ( صلى الله

عليه وآله ) تنهى عنه ؟ فقال عثمان : دعنا منك . فقال ( عليه السلام ) : إني لا أستطيع أن أدعك ، فلما أن رأى علي ذلك أهل بهما جميعا ( 2 ) .


ورواه مسلم بسنده عن عبد الله بن شقيق وفيه : فقال عثمان لعلي كلمة خشنة وتعسف ( 3 ) .

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري 2 : 175 كتاب الحج باب التمتع والأقران والأفراد بالحج . . . .
( 2 )
صحيح البخاري 2 : 176 كتاب الحج باب التمتع والأقران . . . ،
      صحيح مسلم 2 : 897 كتاب الحج باب ( 23 ) باب جواز التمتع ح 159 .
( 3 )
صحيح مسلم 2 : 896 كتاب الحج باب ( 23 ) باب جواز التمتع ح 158 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 401

وفي سنن النسائي : عن سعيد بن مسيب أنه قال بعد شرح الاختلاف بين الإمام علي ( عليه السلام ) وعثمان . قال ( عليه السلام ) : إذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا ، فلبى علي وأصحابه بالعمرة ( 1 ) .


وقال الإمام السندي في شرحه على هذه الكلمة : إذا رأيتموه . . . أي ارتحلوا معه ملبين بالعمرة ، ليعلم أنكم قدمتم السنة على قوله وأنه لا طاعة له في مقابلة السنة ( 2 ) .


لفتة نظر : لا بد من الإشارة هنا إلى نكتة ذات أهمية ، وهي إن الكثير من الحقائق التي أشير إليها في كتب الحديث والتاريخ قد اندرست حقيقتها الواقعية ونالتها أيدي التحريف والأغراض السياسية آنذاك بأن أسدلوا عليها حجبا من التعتيم والتزوير .


وهذا الاختلاف الواقع بين أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والخليفة عثمان في مسألة حج التمتع التي ورد ذكرها في
الصحيحين هي من تلك الحقائق التي لم تذكر إلا بنحو الأجمال والإشارة ، ولا شك أن الاختلاف بينهما لم يكن بهذه البساطة


ويتضح مدى الاختلاف بينهما من رواية أبي عمر ابن عبد البر بإسناده عن عبد الله بن الزبير أن الاختلاف بينهما كان شديدا إلى درجة آلت أن يقتل أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام ) في سبيل ذلك ويهرق دمه .


قال ابن الزبير : أنا والله لمع عثمان بالجحفة ومعه رهط من أهل الشام وفيهم حبيب بن مسلمة الفهري . إذ قال عثمان : وذكر له التمتع بالعمرة إلى الحج ، أن أتموا الحج وخلصوه في أشهر الحج ، فلو أخرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت

زورتين كان أفضل ، فإن الله قد وسع في الخير . فقال له علي ( عليه السلام ) : أعمدت إلى سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ورخصة رخص للعباد بها في كتابه ، تضيق عليهم فيها ، وتنهى عنها ، وكانت لذي الحاجة
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) سنن النسائي : 152 كتاب الحج باب التمتع . ( 2 ) المصدر السابق . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 400

ولنائي الدار . . . ثم أهل بالعمرة وحجة معا ، فأقبل عثمان على الناس فقال : وهل نهيت عنها ؟ إني لم أنه عنها ، إنما كان رأيا أشرت به ، فمن شاء أخذ به ومن شاء تركه . قال : فما أنسى قول رجل من أهل الشام مع حبيب بن مسلمة : انظر إلى

هذا كيف يخالف أمير المؤمنين ؟ والله لو أمرني لضربت عنقه . قال : فرفع حبيب يده فضرب بها في صدره ، وقال : اسكت ، فض الله فاك ، فإن أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أعلم بما يختلفون فيه ( 1 ) .


معاوية وحج التمتع : قرأنا فيما سلف الاختلاف الواقع بين ابن عباس وابن الزبير في مسألة المتعتين ، ودفاع جابر بن عبد الله عن قول ابن عباس ، والدفاع الذي ذكر آنفا لم ينحصر في مسألة المتعتين فحسب بل هناك قضايا عديدة دافع فيها جابر عن

ابن عباس ، ورغم الإرهاب والمنع عن نقل الحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فإن جابرا لم يكن يخشى الإرهاب في عهد الخلفاء ، فإنه كان يحدث علنا ويكشف الحقيقة التي كادت أن تدفن على أثر البدع ( 2 ) .


ومن خلال التحقيق في الأحاديث يتضح لنا أن الاختلاف والنزاع في مسألة حج التمتع شمل عهد معاوية أيضا ، وذلك لما كان معاوية مصمما على إحياء سيرة عمر وعثمان في المسألة ولكن بعض المسلمين خالفوه ولم يرضخوا لقوله .


أخرج النسائي في سننه بإسناده عن ابن شهاب ، عن محمد أنه حدثه أنه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس ، عام حج معاوية بن أبي سفيان ، وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج . فقال الضحاك : لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله تعالى . فقال سعد : بئسما قلت يا ابن أخي . قال الضحاك : فإن عمر بن الخطاب نهى عن ذلك . قال سعد : قد
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) جامع بيان العلم وفضله 2 : 30 ، مسند الإمام أحمد بن حنبل 1 : 92 .
( 2 )
راجع المصادر الحديثية خاصة صحيح مسلم 2 : 885 كتاب الحج باب ( 18 ) باب في المتعة بالحج والعمرة ح 145 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 403

صنعها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وصنعنا معه ( 1 ) .

وروى مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده بإسنادهما عن غنيم قال : سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة . قال : فعلناها ، وهذا كافر بالعرش يعني معاوية ( 2 ) .


ونستفيد من هذين الحديثين إن الاختلاف في حج التمتع ما يزل موجودا في عهد معاوية ، وإلا لما كان لتقييد الاختلاف بين اثنين بزمان معين أو تحديده بعهد كفر معاوية قبل إظهاره الإسلام له معنى .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) سنن النسائي 5 : 152 كتاب الحج باب التمتع .
( 2 )
صحيح مسلم 2 : 898 كتاب الحج باب ( 23 ) باب جواز التمتع ح 164 ، مسند الإمام أحمد بن حنبل 1 : 181 . ( * )

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب