(
إن مذهباً يثبت نفسه من
كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل
والتحوير أحق أن يتجنب عنه )
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 369 |
بين الخلفاء والشريعة
لا ريب إن أهم شروط الإمامة والتي تعتبر المفهوم الواقعي
والحكمة العالية في الخلافة في الإسلام هو : أن يكون الإمام والخليفة حافظا
للدين ، وصائنا للشريعة ، ومنفذا لقوانين القرآن وتشريعاته .
هذا ما أوضحه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في ضمن بيانه
لشروط الإمامة فقال : ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة . ولكن التاريخ يروي لنا
عكس هذا تماما ، ويستفاد مما احتوته أحاديث الصحيحين ، أن بعض حكام الشريعة ،
وقوانين الدين ، قد
تعرضت للتزوير وتطاولت إليها أيدي التشويه والتحريف في عهد
الخلفاء ، وإنهم كانوا يغيرون التعاليم والأحكام الدينية حسب
ما تقتضيه مصالحهم ونزعاتهم الشخصية ، وكل واحد منهم كان يفسر الشريعة والسنة
وفقا لرأيه وكيفما شاءت أهواؤهم .
لما أرادوا أن يبرروا هذا العمل - ويصبغوا هذه التحريفات
والتغييرات بالصبغة الدينية والطابع الشرعي ، ويظهروا باطلهم ومخالفاتهم للنصوص
في كسوة الحق - سموه الاجتهاد ، وخلف ستار الاجتهاد وباسمه دسوا تحريفاتهم
ومخالفاتهم في أوساط
المجتمعات الإسلامية ، بينما الاجتهاد في الواقع أمر ،
ومخالفة التعاليم القرآنية الصريحة والسنة النبوية أمر آخر .
وبهذه المناسبة يقول أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام ) : قد عملت
الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، متعمدين
بخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيرين لسنته ، ولو حملت الناس على تركها ، وحولتها
إلى مواضعها ، وإلى ما كانت في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، لتفرق
عني جندي ، حتى أبقى وحدي ، أو مع قليل
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 370 |
من شيعتي الذين عرفوا فضلي ، وفرض إمامتي من كتاب الله وسنة
رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ( 1 ) .
وقال أيضا : لو قد استوت قدماي من هذه المداحض لغيرت أشياء .
وعلق ابن أبي الحديد في شرحه على هذه الكلمة : لسنا نشك أنه
كان يذهب في الأحكام الشرعية والقضايا إلى أشياء يخالف فيها أقوال الصحابة ،
نحو قطعه السارق من رؤوس الأصابع ، وبيعه أمهات الأولاد ، وغير ذلك ، وإنما كان
يمنعه من تغيير أحكام من تقدمه اشتغاله بحرب البغاة والخوارج
( 2 ) .
أقول : إن عدد الأحكام التي غيرت وحرفت وإحصاء المخالفات التي وقعت في قبال
أوامر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأحكامه سواء في حياته أو بعد وفاته من قبل
الصحابة ، فهي كثيرة العدد مستخرجة ومروية في كتب الحديث والتفسير بكثرة . إلا
إننا نذكر هنا بعض تلك الأعمال - وقد نقلها الشيخان في صحيحيهما - التي خالف
فيها الأصحاب أوامر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وسننه ، وحرفوها :
1 - القتل والفتك تحريف الأحكام : من
الأحكام الضرورية في الشريعة الإسلامية حرمة الإنسان المسلم الذي يقر
بالشهادتين - شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) - فإهراق دمه واستباحة ماله حرام ، ولا يحق لأحد التعرض لهما إلا من
الناحية الحقوقية الفردية . قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أمرت أن أقاتل
الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله ، فقد عصم مني
ماله ونفسه إلا بحقه ، وحسابه على الله ( 3 ) .
|
* ( هامش ) *
( 1 ) كتاب
سليم بن قيس الهلالي : 162 ،
روضة الكافي : 59 ح 21 ،
بحار الأنوار 34 :
168 كتاب تاريخ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) باب ( 32 ) باب علة عدم تغيير
أمير المؤمنين ( عليه السلام )
بعض البدع في زمانه ، إحقاق
الحق 1 : 61 .
( 2 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 19
: 161 .
( 3 ) صحيح البخاري 9 : 19 كتاب استتابة
المرتدين والمعاندين باب قتل من أبى قبول الفرائض . . . ،
صحيح مسلم 1 : 51
كتاب الإيمان باب ( 8 ) باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله . .
. ح 32 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 371 |
فبعد وفاة الرسول أبي بعض المسلمين المعتقدين
بوجوب أحكام الدين وضرورياته كالزكاة أن يدفع الزكاة إلى أبي بكر ، والحق لأنهم
ما كانوا يعترفون بخلافة أبي بكر على أنها خلافة شرعية ، ولذلك حاربهم أبو بكر
فقتل رجالهم وسبى نساءهم وأطفالهم ( 1 ) .
ولما رأوا فضاعة ما فعلوه عمدوا إلى
إلباسه لباس الشرعية ليحصنوا بذلك شرف الخليفة من النقد والاستنكار ، ويبرؤونه
من وصمة العار ، ولذلك سموا مانعي دفع الزكاة إلى الخليفة بالمرتدين ، وبذلك
اشتهروا ، وصيروا في قائمة الكفار مثل مسيلمة ( 2 ) وطليحة
( 3 ) اللذان حاربا الإسلام في عهد رسول الله (
صلى الله عليه وآله ) .
|
* ( هامش ) *
( 1 ) ثمة في التاريخ الإسلامي قضايا وحوادث
مؤلمة مثل إحراق قبيلة بني سليم الذي أشعل خالد بن الوليد فيها الفار في غرة
حكومة الخليفة أبي بكر الصديق . راجع الرياض النضرة للمحب الطبري 1 : 147 .
( 2
) مسيلمة الكذاب : هو مسيلمة بن ثمامة من بني حنيفة ، ادعى النبوة وكان
من المعمرين ، نشأ باليمامة ، ولما ظهر الإسلام في الحجاز وافتتح النبي ( صلى
الله عليه وآله ) مكة ودانت له العرب ، جاءه وفد من بني حنيفة وكان معهم مسيلمة
إلا إنه تخلف مع الرحال خارج
مكة فجاء الوفد إلى النبي وأسلموا وأخبروا
النبي بمكان مسيلمة ، ولما رجعوا إلى ديارهم كتب مسيلمة إلى النبي : من مسيلمة
رسول الله إلى محمد رسول الله ، سلام عليك ، أما بعد . . . فأجابه النبي : بسم
الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب . . . .
وكان مسيلمة يضع أسجاعا ليضاهي بها القرآن ،
وتوفي النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل القضاء على فتنته ، وفي عهد أبي بكر
أرسل
أبو بكر جيشا بقيادة خالد بن الوليد فقضى عليه ، وكان ذلك سنة 12 من الهجرة .
راجع الأعلام ترجمة مسيلمة الجزء السابع . المعرب
( 3 ) طليحة
الكذاب : هو طليحة بن خويلد الأسدي ، قدم هو وقبيلته سنة تسع من الهجرة المدينة
فأسلموا ، ولما رجعوا ارتد طليحة وادعى النبوة فوجه النبي ( صلى الله عليه وآله
) إليه ضرار بن الأزور فضربه ضرار بالسيف يريد قتله ، فنبا السيف فشاع بين
الناس إن
السلاح لا يؤثر فيه ، ومات النبي ( صلى الله
عليه وآله ) فكثر أتباع طليحة من قبائل أسد وغطفان وطي ، وكان يقول : إن جبرئيل
يأتيه
، وتلا على الناس أسجاعا أمرهم فيها بترك
السجود في الصلاة ، فهاجم المدينة في عهد أبي بكر وقاتله خالد ومات في عهد عمر
. الأعلام ترجمة طليحة الأسدي الجزء الثالث . المعرب . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 372 |
بينما الروايات والتاريخ يدفعان هذا الاتهام والوصمة
بالارتداد عن هذه الفئة وينفيانه عنها وتبرئ أولئك من هذه الفرية .
ومن الأحاديث التي تكشف عن واقعية هذه القضية وحقيقتها هو ما
أخرجه البخاري ومسلم في كتابيهما ، حيث كشفا عن جوانب جزئية من هذه القصة نتطرق
إلى نقل خلاصة القضية من الناحية التاريخية . أخرج الشيخان عن أبي شهاب ،
أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا هريرة قال : لما
توفي النبي ( صلى الله عليه وآله ) واستخلف أبو بكر ، وكفر
من كفر من العرب ، قال عمر : يا أبا بكر ! كيف تقاتل الناس ، وقد قال رسول الله
( صلى الله عليه وآله ) : ( أمرت أن
أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله
إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ) ؟ . قال أبو بكر :
والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال والله لو
منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) لقاتلتهم على منعها . قال عمر :
والله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال ، فعرفت أنه الحق
( 1 ) .
أقول : إن الجملة الأولى من هذه الحكاية - وكفر من كفر من العرب - كما يظهر من
ظاهرها ليست إلا كذبا وتدليسا ، وما هي إلا ذريعة التمسوها لتوجيه القتل
والغارات والتنكيل بالمسلمين ، التي وقعت بأمر من الخليفة أبي بكر ، وما يشهد
على زيف دعواهم ما جاء في الفقرات الأخيرة من القصة البخارية .
1 - ورد في جواب أبي بكر لعمر : ( إني
أقاتل من فرق بين الصلاة والزكاة ) وهذه العبارة إنما تدل بوضوح على إيمانهم
وإقامتهم الصلاة وليس فيها ما يمت إلى كفرهم .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
صحيح البخاري 9 : 19 كتاب استتابة المرتدين
والمعاندين باب قتل من أبى قبول الفرائض ،
صحيح مسلم 1 : 51 كتاب
الإيمان باب ( 8 ) باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله . . . (
* ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 373 |
2 - فلو فرضنا إنهم
مرتدون فإن اعتراض عمر على الخليفة حينئذ يكون باطلا ، حيث إنه استنكر عمل
الخليفة وانتقده ، واستدل في استنكاره بحديث يبين فيه تعاليم الإسلام في بيان
مصونية مال المسلمين ودمائهم .
قال ابن رشد : وقد بقي من أحكامه حكم مشهور ، وهو ماذا حكم من منع الزكاة ومن
لم يجحد وجوبها ؟ فذهب أبو بكر
( رضي الله عنه ) إلى أن حكمه حكم المرتد ، وبذلك حكم في مانع الزكاة من العرب
، وذلك أنه قاتلهم وسبى ذريتهم ، وخالفه في ذلك عمر ، وأطلق من كان استرق منهم
. وبقول عمر قال الجمهور ( 1 ) .
وكانت حروب الردة - كما يصطلحون عليها - منحصرة في جبهتين : في جبهة حضرموت ضد
قبائل كندة ومأرب وكان أمير العسكر الخليفي عكرمة بن أبي جهل . وفي جبهة أطراف
المدينة ضد قبائل عبس وذبيان وبني كنانة وغيرها بقيادة خالد بن الوليد .
وهؤلاء الرجال الذين قتلوا بسيف المسلمين بقيادة عكرمة وخالد لم يرتدوا ولم
يكونوا منكري وجوب الزكاة ، بل هم مسلمون وكانوا يقولون : أطعنا رسول الله ما
دام وسطنا * فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكر ( 2 )
بعضهم كانوا يقولون لممثل الخليفة : إنك تدعو إلى طاعة رجل لم يعهد إلينا ولا
إليكم فيه عهد ( 3 ) .
وتارة كانوا يقولون ( 4 ) لهم : أنظروا في شأن
عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فما كان من أمرهم ، وهم الأولى بتسنم خلافة
الرسول فأقصيتموهم . . . . والله تعالى يقول : (
وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله
) ( 5 ) .
قال ابن كثير : وجعلت وفود العرب - بعد خلافة أبي بكر - تقدم
المدينة ، يقرون
|
* ( هامش ) *
( 1 )
بداية المجتهد 1 : 256 .
( 2 - 4 ) للمزيد من الاطلاع على قضية ما سمي بالردة راجع :
معجم البلدان للحموي ،
أنساب الأشراف للبلاذري ،
و الفتوح لابن أعثم
الكوفي .
( 5 ) الأنفال : 75 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 374 |
بالصلاة ويمتنعون عن أداء الزكاة ، ومنهم من امتنع عن دفعها
إلى الصديق أبي بكر ( 1 ) . وقال العقاد : أما
القبائل وراء ذلك ، فكان لكل منها نصيب من التقلقل يناسب نصيبها من القرب
والبعد والمودة والجفاء ، فأقربهم إلى مهد الإسلام كانوا
يخلصون للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ويخرجون على من ولى
الحكم بعده : أطعنا رسول الله مذ كان بيننا * فيا لعباد الله ما لأبي بكر وأناس
منهم آمنوا بالزكاة ولم يؤمنوا بمن يؤدونها إليه ( 2 )
.
وقال الأستاذ محمد حسنين هيكل : جمع أبو بكر كبار الصحابة يستشيرهم في قتال
الذين منعوا الزكاة ، وكان رأي عمر بن الخطاب وطائفة من المسلمين معه ألا
يقاتلوا قوما يؤمنون بالله ورسوله ، وأن يستعينوا بهم على عدوهم ، ولعل أصحاب
هذا الرأي كانوا أكثر الحاضرين ، في حين كان الذين أشاروا بالقتال هم القلة .
وأغلب الظن إن المجادلة بين القوم في هذا الأمر البالغ الخطر طالت ، واحتدمت
أيما احتدام ، فقد اضطر أبو بكر أن يتدخل بنفسه فيها ، يؤيد القلة ولقد اشتد في
تأييد رأيه في ذلك المقام يدل على ذلك قوله : والله لو منعوني عقالا كانوا
يؤدونه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لقاتلتهم على منعه
( 3 ) .
أقول : وقصة التشاور بين أبي بكر وبلاطه نقلها السيوطي (
4 ) والبلاذري وابن الأعثم الكوفي ( 5 ) ،
وقال الأعثم : وإن جملة ( والله لو منعوني عقالا ) قالها أبو بكر في جواب عمر
عندما رآه يعارض
|
* ( هامش ) *
( 1 )
البداية والنهاية 6 : 304 حوادث سنة إحدى عشرة
فصل في تنفيذ جيش أسامة .
( 2 ) عبقرية الصديق : 124 .
( 3 ) الصديق أبو بكر : 96 .
( 4 ) تاريخ الخلفاء : 74 .
( 5 ) الفتوح 1 : 6 - 22 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 375 |
فكرة قتال المسلمين . وعلى أي حال يتضح مما ذكرناه ونقلناه عن
ابن كثير وسائر المؤرخين ، ومن كلام أبي بكر أن السبب والباعث الرئيسي وراء
قتاله لهؤلاء القوم لم يكن ارتدادهم وتراجعهم عن الإسلام ، أو إنكارهم لإحدى
الضروريات الدينية - أي الزكاة - ، بل الباعث في قتالهم هو أنهم امتنعوا عن
أداء الزكاة لأبي بكر كما كانوا يؤدونها لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
مالك بن نويرة عامل النبي ( صلى الله عليه وآله ) على
الصدقات : الحروب التي شنت على القبائل المختلفة ، وقتل فيها رجالها
وسبيت النساء والأطفال ، لم يكن سببها في الواقع هو ارتدادهم عن الدين وخروجهم
عن الإسلام كما اتهموا بها ، وإنما السبب الواقعي هو امتناعهم عن أداء الزكاة
للخليفة لأبي بكر .
ولما كان استعراض كل الجزئيات المكنونة في تلك الحروب - الردة - وشرحها مما
يستدعي ويستوجب الإطالة والإطناب ، فلذلك اكتفينا بذكر قصة قتل مالك بن نويرة
ورجال قبيلته خاصة ( 1 ) .
قال ابن حجر في ترجمة مالك بن نويرة : وكان النبي ( صلى الله عليه وآله )
استعمله على صدقات قومه - قبيلة بني تميم
( 2 ) .
وقال ابن الأعثم الكوفي : ثم ضرب خالد عسكرا بأرض بني تميم ، وبث السرايا في
البلاد يمنة ويسرة ، قال : فوقعت سرية من تلك السرايا على مالك بن نويرة فإذا
هو في حائط له ومعه امرأته وجماعة من بني عمه . قال : فلم يرع مالك إلا والخيل
قد أحدقت به ، فأخذوه أسيرا وأخذوا امرأته معه ، وكانت مسحة من جمال ، وأخذوا
كل من كان معه من بني عمه ، فأتوا بهم إلى خالد بن الوليد حتى أوقفوا بين يديه
.
|
* ( هامش ) *
( 1 ) راجع : عبد
الله بن سبأ للعلامة العسكري لتزداد اطلاعا عن حروب الردة .
( 2 ) الإصابة 5 : 560 ترجمة مالك بن
نويرة رقم 7712 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 376 |
قال : فأمر خالد بضرب أعناق بني عمه بديا . فقال القوم : إنا
مسلمون ، فعلى ماذا تأمر بقتلنا ؟ قال خالد : والله لأقتلنكم ، فقال له شيخ
منهم : أليس قد نهاكم أبو بكر عن أن تقتلوا من صلى للقبلة ؟ قال خالد : بلى قد
أمرنا بذلك ، ولكنكم لم تصلوا
ساعة قط . قال : فوثب أبو قتادة إلى خالد بن الوليد فقال :
أشهد أنك لا سبيل لك عليهم ، قال خالد : وكيف ذلك ؟ قال : لأني كنت في السرية
التي قد وافتهم ، فلما نظروا إلينا قالوا : من أين أنتم ؟ قلنا : نحن مسلمون .
قالوا : ونحن مسلمون .
ثم أذنا وصلينا فصلوا معنا . فقال خالد : صدقت يا أبا قتادة ،
إن كانوا قد صلوا معكم فقد منعوا الزكاة التي تجب عليهم ولا
بد من قتلهم . قال : فرفع شيخ منهم صوته وتكلم ، فلم يلتفت خالد إليه وإلى
مقالته ، فقدمهم فضرب أعناقهم عن آخرهم .
قال : وكان أبو قتادة قد عاهد الله إنه لا يشهد مع خالد بن
الوليد مشهدا أبدا بعد ذلك اليوم . قال : ثم قدم خالد مالك بن نويرة ليضرب عنقه
، فقال مالك : أتقتلني وأنا مسلم أصلي إلى القبلة ؟ ! فقال خالد : لو كنت مسلما
لما منعت الزكاة ولا أمرت
قومك ، والله ما نلت ما في مثابتك - منامك - حتى أقتلك . قال
: فالتفت مالك بن نويرة إلى امرأته فنظر إليها ثم قال : يا
خالد ! بهذه قتلتني . فقال خالد : بل الله قتلك برجوعك عن دين الإسلام ، وجفلك
لأبل الصدقة ، وأمرك لقومك بحبس ما
يجب عليهم من زكاة أموالهم . قال : ثم قدمه خالد فضرب عنقه صبرا .
فيقال : إن خالد بن الوليد تزوج بامرأة مالك ، ودخل بها ، وعلى ذلك أجمع أهل
العلم .
قال اليعقوبي المؤرخ : وكان متمم بن نويرة - أخو مالك - شاعرا فرثى أخاه بمراث
كثيرة ولحق بالمدينة إلى أبي بكر ، فصلى خلف أبي بكر صلاة الصبح ، فلما فرغ أبو
بكر
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 377 |
من صلاته ، قام متمم فاتكأ على قوسه . ثم قال : نعم القتيل
إذا الرياح تناوحت * خلف البيوت قتلت يا بن الأزور أدعوته بالله ثم غدرته * لو
هو دعاك بذمه لم يغدر فقال أبو بكر : ما دعوته ولا غدرت به
( 1 ) .
وقال اليعقوبي أيضا : وكان أول ما عمل به عمر - لما ولي الخلافة - أن رد سبايا
أهل الردة إلى عشائرهم ( 2 ) . وقال ابن الأعثم :
فهم أبو بكر بقتل المقاتلة وقسمة النساء والذرية ، فمنعه عمر عن ذلك فأمر بهم
أبو بكر فحبسوا ، ولما صار الأمر إلى عمر قال لهم : انطلقوا فأنتم أحرار لوجه
الله فلا فدية عليكم ( 3 ) .
نعم ، هكذا كان المسلمون يقتلون وتضرب أعناقهم وتسبى نساؤهم وذرياتهم ، بأمر من
الخليفة ، وما ذنبهم إلا أنهم امتنعوا عن أداء الزكاة إلى الخليفة ، وكانوا
يسحبون والأغلال في أعناقهم إلى مركز الحكومة الإسلامية .
ولكن لما مات أبو بكر وحل محله خليفته عمر بن الخطاب استنكر ما كان يراه أبو
بكر صحيحا ، وأول عمل قام به أن أطلق سراح الأسرى والسبايا وأرجعهم إلى قبائلهم
كما قرأنا معا خلاصة ما نقله الشيخان في صحيحيهما في الأسطر السابقة .
وأخرج مسلم في صحيحه بإسناده عن أبي هريرة قال : إن رسول الله
( صلى الله عليه وآله ) لما أعطى الراية يوم خيبر لعلي بن أبي طالب ( عليه
السلام ) قال له : امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك ، قال : فسار علي ( عليه
السلام ) شيئا ثم وقف ولم يلتفت فصرخ : يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس ؟
|
* ( هامش ) *
( 1 )
تاريخ اليعقوبي 2 : 132 .
( 2 ) المصدر : 139 . ( 3 )
الفتوح 1 : 18 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 378 |
قال : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم
إلا بحقها وحسابهم على الله ( 1 ) .
هذه هي سيرة الرسول وسنته وانقياد الإمام علي ( عليه السلام ) لأوامره ، وهذه
هي سنة الإسلام ونهجه الصحيح .
وتلك كانت طريقة الخلفاء ومنهجهم في إجراء الأحكام الدينية
والسنة النبوية .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
صحيح مسلم 4 : 1871 كتاب فضائل الصحابة باب ( 4 )
فضائل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ح 33 . ( * ) |
|
|