( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 131

الفصل الخامس التوحيد في الصحيحين
 

عرف البخاري ومسلم الله عز وجل بأنه : يمكن رؤيته ! ويحتاج إلى المكان والجهة ! ويتنقل ويتحول من مكان لآخر ! ويضحك ! ويجالس العباد جنبا إلى جنب ! ومن ثم فهو يتكون من أعضاء وجوارح ! ! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا

كبيرا . وهذا الإله الذي عرفه هذان الشيخان - البخاري ومسلم - بأنه : ذو وجه ! وعين ! ويد ! وإصبع ! ورجل ! وساق ! و . . . . . ! ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم
 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 132

التوحيد في الصحيحين وهذا في الواقع يمكن اعتباره دليلا سابعا على ضعف الصحيحين ووهنهما تزلزل نصوص أحاديثهما وذلك لما يشاهد فيهما أحاديث لا تتماشى والأصول الدينية والعقائدية ، ومخالفة للقواعد العقلية ، وتوجد فيهما مواضيع يشهد التاريخ الصحيح على خلافها .

وسوف نتطرق إلى البحث في هذا الموضوع خلال دراستنا للفصول التالية :

 1 - التوحيد . 2 - النبوة . 3 - بحوث متفرقة .

ونشرع بالبحث في هذا الفصل حول التوحيد في الصحيحين .

مسألة التوحيد هي أصل مشترك بين جميع الأديان السماوية ، واهتم الإسلام بهذه المسألة اهتماما بالغا وأعارها الأهمية الخاصة أكثر من سائر الأديان ، ولكن يلاحظ في الصحيحين أن هذه المسألة قد امتزجت من عدة جهات بتحريفات وتزييفات لا تغتفر .


وبتعبير أوضح : إننا نشاهد في الصحيحين مسائل لا أصل لها في الدين ، ولا تمت إلى حقيقة التوحيد بشئ . وسوف نأتي بتحليل كل واحدة منها بدراسة وافية ونكشف الأستار عن الموهومات التي يحتويها الصحيحان بقدر ما يقتضيه كتابنا هذا . . .

 1 - رؤية الله : المسألة الأولى في الصحيحين : - من مسائل التوحيد المهمة بل أهمها - كما
 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 133

جاءت في نصوص أحاديث الصحيحين - هي مسألة التجسيم ، وأن الله تعالى جسم كالأجسام المادية الأخرى - التي نحس بها في العالم والكون - ، وإنه تعالى يمكن رؤيته ومشاهدته .

وهاك نماذجا من الأحاديث فتأمل فيها جيدا :

 1 - عن جرير قال : ( كنا جلوسا عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) فنظر إلى القمر ، ليلة البدر . فقال : إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها

فافعلوا ، ثم قرأ : ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ) ( 1 ) . ( 2 ) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما في أبواب متعددة وبأسانيد مختلفة .
 

توضيح العيني : قال العيني شارح صحيح البخاري في شرحه على هذا الحديث بعد أن نقل كلاما للكرماني - وهو أيضا من شراح صحيح البخاري - : فإن استطعتم والتعقيب بكلمة الفاء يدل على أن الرؤية قد يرجى نيلها بالمحافظة على هاتين الصلاتين الصبح والعصر ، وذلك فالقيام فيها أشق على النفس ( 3 ) .


 2 - عن أبي هريرة : أن أناسا قالوا : يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ قالوا : لا ، يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . قال : فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا : لا . قال : فإنكم ترونه ، كذلك يحشر الناس يوم القيامة فيقول : من كان يعبد شيئا
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) ق : 39 .
( 2 )
صحيح البخاري 1 : 145 كتاب الصلاة باب فضل صلاة العصر ، وص 150 باب فضل صلاة الفجر ، و ج 6 : 173 كتاب القرآن باب تفسير سورة ق ، و ج 9 : 156 كتاب التوحيد باب وكان عرشه على الماء .
صحيح مسلم 1 : 439 كتاب الصلاة باب ( 37 ) باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما ح 633 .
( 3 )
عمدة القارئ 25 : 123 ح 62 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 134

فليتبع ، فمنهم من يتبع الشمس ، ومنهم من يتبع القمر ، ومنهم من يتبع الطواغيت ، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها ، فيأتيهم
الله في غير الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ بالله منك ، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا أتانا ربنا


عرفناه ، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا فيتبعونه ويضرب جسر جهنم .


قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فأكون أول من يجيز من الرسل بأمته ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل ، وكلام الرسل يومئذ : اللهم سلم اللهم سلم ، وبه كلاليب مثل شوك السعدان غير أنها لا يعلم عظمها إلا الله ، فتخطف الناس بأعمالهم ،

منهم الموبق بعمله ، ومنهم المخردل ، ثم ينجو ، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده وأراد أن يخرج من النار ، يخرج ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله ، أمر الملائكة أن يخرجوهم فيعرفونهم بعلامة السجود ، وحرم الله على النار أن تأكل من


ابن آدم أثر السجود ، فيخرجونهم ، قد امتحشوا فيصب عليهم ماء يقال له ماء الحياة ، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل ، ويبقى رجل مقبل وجهه على النار ، فيقول : يا رب ، قد قشبني ريحها ، وأحرقني زكاؤها ، فاصرف وجهي عن النار ،


فلا يزال يدعو الله فيقول الله : لعلك إن أعطيتك أن تسألني غيره ؟ فيقول : لا وعزتك لا أسألك غيره ، فيصرف وجهه عن النار ، ثم يقول بعد ذلك : يا رب ، قربني إلى باب الجنة ، فيقول : أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ؟ ويلك يا ابن آدم ما


أغدرك ؟ فلا يزال يدعو فيقول : لعلي إن أعطيتك ذلك تسألني غيره . فيقول : لا وعزتك لا أسألك غيره ، فيعطي الله من عهود ومواثيق أن لا يسأله غيره ، فيقربه إلى باب الجنة ، فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت ، ثم يقول : يا رب


أدخلني الجنة فيقول الله : أو ليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ؟ ويلك يا ابن آدم ما أغدرك ؟ فيقول : يا رب ، لا تجعلني أشقى خلقك ، فلا يزال يدعو حتى يضحك الله ، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها ، فإذا دخل فيها قيل : تمن من كذا ، فيتمنى ، ثم يقال : تمن من كذا ، فيتمنى ، حتى تنقطع به الأماني فيقول الله : هذا
 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 135

لك ومثله منه ( 1 ) .

 3 - عن أبي سعيد الخدري : أن أناسا في زمن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قالوا : يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : نعم . قال : هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة ضوء ليس فيها
 

سحاب ؟ قالوا : لا . قال : وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ضوء ليس دونه سحاب ؟ قالوا : لا . قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما ، إذا كان يوم القيامة
 

أذن مؤذن ، لتتبع كل أمة ما كانت تعبد ، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله ، من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار ، حتى إذا لم يبق إلا من يعبد الله من بر وفاجر وغبرات أهل الكتاب . فيدعى اليهود ، فيقال لهم : من كنتم تعبدون ؟ قالوا :


نعبد عزير ابن الله ، فيقال لهم : كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولدا ، فماذا تبغون ؟ فقالوا : عطشنا يا ربنا ، فاسقنا ، فيشار ألا تروون ، فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا ، فيتساقطون في النار . ثم يدعى النصارى فيقال
لهم : من كنتم تعبدون ؟ قالوا : كنا نعبد المسيح ابن الله . فيقال لهم : كذبتم ، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد . فيقال لهم :


ماذا تبغون ؟ فكذلك مثل الأول . حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر ، أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها ، فيقال : ماذا تنظرون ؟ تتبع كل أمة ما كانت تعبد ، قالوا : فارقنا الناس في الدنيا على أفقر ما كنا إليهم ، ولم نصاحبهم ، ونحن ننتظر ربنا الذي كنا نعبد ،

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري 1 : 204 كتاب الصلاة باب فضل السجود ، و 9 : 156 كتاب التوحيد باب ( وكان عرشه على الماء ) ، و 8 : 146 كتاب ما جاء في الرقائق باب الصراط جسر جهنم .
صحيح مسلم
1 : 163 كتاب الإيمان باب ( 81 ) باب معرفة طريق الرؤية ح 299 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 136

فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : لا نشرك بالله شيئا - مرتين أو ثلاثا - حتى أن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول : هل بينكم وبينه علامة فتعرفونه بها ؟ فيقولون : الساق ، فيكشف عن ساق ( 1 ) .


 4 - عن جرير بن عبد الله : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنكم سترون ربكم عيانا . ( 2 ) قال القسطلاني : عيانا - بكسر العين - من قولك : عاينت الشئ عيانا ، إذا رأيته بعينك ( 3 ) .


 5 - عن صهيب ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، قال : يقول الله تبارك وتعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتجنبنا من النار ؟ ! قال : فيكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل ( 4 ) .


 6 - عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس ، عن أبيه ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : جنتان من فضة آنيتهما وما
فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم ، إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن . ( 5 ) هذه ست روايات حول مسألة رؤية الله عز وجل نقلناها من الصحيحين ، وقد ورد
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري 6 : 56 كتاب القرآن باب تفسير سورة النساء ، و ج 9 : 158 كتاب التوحيد باب ( وكان عرشه على الماء ) .
       صحيح مسلم 1 : 167 كتاب الإيمان باب ( 81 ) باب معرفة طريق الرؤية 302 .
( 2 )
صحيح البخاري 9 : 156 كتاب التوحيد باب ( وجوه يومئذ ناظرة ) .
( 3 )
إرشاد الساري 10 : 399 .
( 4 )
صحيح مسلم 1 : 163 كتاب الإيمان باب ( 80 ) باب إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة ح 297 .
( 5 )
صحيح البخاري 9 : 162 كتاب التوحيد باب ( وكان عرشه على الماء ) ،
      صحيح مسلم 1 : 163 كتاب الإيمان باب ( 80 ) باب إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة 296 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 137

مثلها أو بتفاوت يسير في سائر الصحاح ( 1 ) ، ونلفت أنظار القراء إلى حديثين آخرين مما رويا في السنن ولم ينقلهما البخاري ومسلم في صحيحيهما .


 7 - عن ابن عمر يقول : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة ، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ، ثم قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( وجوه يومئذ ناظرة إلى ربها ناظرة ) ( 2 ) . ( 3 ) وسوف نبحث آنفا حول هذه الآية التي تمسكوا بها لإثبات مدعاهم .


 8 - عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور ، فرفعوا رؤوسهم ، فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم ، فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة ! قال : وذلك قول الله ( سلام قولا من رب رحيم ) ( 4 ) قال : فينظر إليهم وينظرون إليه ، فلا يلتفتون إلى شئ من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم ( 5 ) .


المستفاد من الأحاديث : يستفاد من هذه الأحاديث المذكورة :

 أولا : إن رؤية الله تعالى في يوم القيامة متحققة بهذه العين الظاهرة والمجردة ، وذلك على نحو نوع من اتصال شعاع من عين الإنسان بذاته تعالى ، ثم إن جسمه تعالى يعكس ذلك الشعاع على عين الإنسان ثانية ( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر . . . ) .


 ثانيا : ليست الرؤية منحصرة بخاصة العباد ، بل المنافقون كذلك سوف يرون ربهم

 

* ( هامش ) *
( 1 ) سنن ابن ماجة 1 : 66 المقدمة باب ( 130 ) باب فيما أنكرت الجهمية ح 186 ،
      سنن الترمذي
4 : 592 كتاب صفة الجنة باب ( 16 ) رؤية الرب تبارك وتعالى ح 2551 و 2552 .
( 2 )
القيامة : 22 .
( 3 )
سنن الترمذي 4 : 593 كتاب صفة الجنة باب ( 16 ) باب رؤية الرب ح 2553 .
( 4 )
يس : 58 .
( 5 ) سنن ابن ماجة 1 : 65 المقدمة باب ( 13 ) باب فيما أنكرت الجهمية ح 184 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 138

( وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله ) .

 ثالثا : إن لله تعالى صورة وجسما يتأثر بالتأثيرات العرضية كالحركة والتحول وغيرها .

 رابعا : إن لله تعالى مكانا خاصا ويظهر عيانا أمام أعين العباد .

 خامسا : إن لله تعالى صورا مختلفة وأشكالا متعددة ، يعرف العباد بعضها وينكرون بعضها الآخر ، فإذا جاءهم في الصورة التي يعرفونه بها اتبعوه ، ( فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم . . . فيقولون : نعوذ بالله منك . . . فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون ) .


 سادسا : إن لله تعالى ساقا وهو بمثابة علامة فارقة وخاصة يعرفون بها ربهم ، وما دام الله لم يكشف عن ساقه لم تحصل لهم تلك المعرفة ( فيقول هل بينكم وبينه علامة فتعرفونه بها ؟ فيقولون : الساق . . . فيكشف الساق . . . . ) .


 سابعا : وآخر ما يستفاد من هذه الأحاديث هو أن الله يتعجب ويضحك وينخدع بغدر الإنسان المذنب إياه . هذا ملخص الأحاديث التي وردت في الصحيحين - البخاري ومسلم - حول مسألة الرؤية ويستفاد منها مسائل كثيرة غير مسألة الرؤية قد أشرنا إلى بعضها .


ونظرا لأهمية مسألة الرؤية أجمع أهل السنة ومحدثيهم على إمكان وقوعها ، ومن جهة أخرى فإن الشيعة وأئمتهم ( عليهم السلام ) نفوا رؤية الله نفيا قاطعا وردوه ردا صارما ولم يقل أحد منهم بوقوعها أصلا .
 

لذلك كان لزاما أن ندرس هنا أقوال علماء الفريقين أهل السنة والشيعة حول موضوع رؤية الله .


رأي أهل السنة في مسألة رؤية الله : يعتقد أكثر علماء أهل السنة ومحدثيهم وأئمتهم الأربعة في الرؤية - رؤية الله
 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 139

عز وجل - بأنها ممكنة ، وقد نوهت إلى ذلك أحاديثهم ، وهذه المسألة عندهم تعتبر من أصول عقائدهم ، بحيث حكموا على من أنكر رؤية الله وخالف هذه العقيدة بالخروج عن الدين واعتبروه كافرا ومشركا ، فالإمام أحمد بن حنبل - أحد أئمة المذاهب الأربعة - كفر منكري الرؤية ، وحكم على المنكرين لهذه العقيدة بأنهم خارجون عن الإسلام ( 1 ) .


وقال مالك والشافعي - إمامان من أئمة المذاهب الأربعة - بإمكان رؤية الله في الآخرة . قال الأشهب : قلنا للإمام مالك : يا أبا عبد الله ، هل الآية الكريمة : ( وجوه يومئذ ناظرة إلى ربها ناظرة ) ( 2 ) توحي بأن الناس سوف يرون الله بهاتين العينين ؟ قال : نعم ، بهاتين العينين . قلنا : إن أناسا يقولون : إن الآية تعني انتظار ثواب الله وعقابه ، قال : إنهم يفترون ، بل الناس ينظرون إلى الله ( 3 ) .


وحكى المزني عن إبراهيم بن محمد بن هرم ، عن الشافعي أنه قال في قوله تعالى : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) ( 4 ) لما حجبهم في السخط كان دليلا على أنهم يرونه في الرضا - الآخرة - .


وقال الربيع : كنت ذات يوم عند الشافعي وجاء كتاب من الصعيد يسألونه عن قوله عز وجل : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) فكتب : لما حجب قوما بالسخط دل على أن قوما يرونه بالرضا . قلت له : أو تدين بهذا يا سيدي ؟ فقال : والله لو لم يوقن محمد بن إدريس إنه يرى
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) تفسير المنار 9 : 135 .
( 2 )
القيامة : 23 .
( 3 )
تزيين الممالك في مناقب مالك للسيوطي نقل عنه محمد أبو زهرة في كتاب مالك 88 .
( 4 )
المطففين : 15 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 140

ربه في المعاد لما عبده في الدنيا ( 1 ) .

قال الأسفراييني - 429 ه‍ - : أجمع الأئمة من أصحاب الرأي والحديث من أتباع مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل - أئمة المذاهب الأربعة - والثوري وابن أبي ليلى والأوزاعي على أن الله تعالى يكون مرئيا بالعين بدون تشبيه ولا تعطيل .
 

وقال : وأجمعوا بجواز رؤيته تعالى للمؤمنين خاصة في الآخرة . وأضاف : إنا قد استقصينا البحث في مسائل رؤية الله في كتاب مستقل ( 2 ) .
 

قال أحمد محمد شاكر في شرحه على مسند أحمد بن حنبل : والأحاديث في رؤية المؤمنين ربهم عز وجل ثابتة ثبوت التواتر ، من أنكرها فإنما أنكر شيئا معلوما من الدين بالضرورة ، وإنما ينكر ذلك الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الخوارج والإمامية ( 3 ) .


وقال النووي : إعلم أن مذهب أئمة أهل السنة بأجمعهم هو أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلا ، وأجمعوا أيضا على وقوعها في الآخرة ، وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين ، وزعمت طائفة من أهل البدع - المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة - أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه ، وأن رؤيته مستحيلة عقلا ، وهذا الذي قالوه خطأ صريح ، وجهل قبيح ، ثم قال : وكذا رؤيته تعالى في الدنيا فإنها ممكنة ( 4 ) .


وبعد الاستدلال على إمكان الرؤية قال : وإن الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رأى ربه بعيني رأسه ليلة الأسراء . ثم ينقل ما قالته عائشة : إن رسول الله لم ير الله في المعراج . وقال الديار بكري : ومن
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) طبقات الشافعية 2 : 81 ، الإمام الشافعي لعبد الغني الدقر : 249 .
( 2 ) الفرق بين الفرق : 313 - 335 بتصرف .
( 3 )
شرح مسند أحمد بن حنبل 14 : 137 ح 7703 .
( 4 )
شرح صحيح مسلم 3 : 15 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 141

الخصائص التي اختص بها النبي ( صلى الله عليه وآله ) رؤيته للباري مرتين ( 1 ) .

وقال العيني في شرح حديث الرؤية : إن مفاد هذا الحديث هو إنكار على من استحال رؤية الله تعالى ، وفيه رد على أهل البدع - من المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة - في قولهم : إن الله لا يراه أحد من خلقه ، وأن رؤيته مستحيلة عقلا ،

وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح ، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة فمن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين .



وأما رؤية الله في الدنيا فممكنة ولكن الجمهور من السلف والخلف من المتكلمين وغيرهم على إنها لا تقع في الدنيا ، وحكي عن أبي الحسن الأشعري وقوعها في الدنيا ( 2 ) .

قال القسطلاني : إن رؤيتنا لله تعالى لا شك فيه ( 3 ) .

حكى ابن حجر عن ابن بطال قال : ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله في الآخرة ( 4 ) .

قال الشيخ محمد عبدة : إن في الأحاديث الصحيحة من التصريح في إثبات الرؤية ما لا يمكن المراء فيه ( 5 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) تاريخ الخميس 1 : 213 .
( 2 )
عمدة القاري 18 : 172 .
( 3 )
إرشاد الساري 10 : 399 .
( 4 )
فتح الباري 13 : 359 .
( 5 )
تفسير المنار 9 : 144 . ( * )

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب