تاريخ ظهور الصحاح الستة :

( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 58

تاريخ ظهور الصحاح الستة :

في غرة النصف الثاني من القرن الثاني الهجري أدرك المحدثون أخطاء السلف وشطحاتهم بالنسبة لمنعهم الحديث وكتابته ، فبدؤا بتدوين الحديث وتأليفه .
 

بدأ علم الحديث يتحرك نحو التقدم بعد أن قضى تلك الفترة الطويلة التي عاشها في الجمود والسكون ، ولعل كان ذلك رد فعل ناشئ عن الانفعال الذي برز أثر منع الحديث ، ففي خلال قرن واحد - أي من سنة 150 - 250 ه‍ - ظهرت على الساحة كتب كثيرة كلها تحمل اسم الصحاح والمسانيد والمستخرجات وغيرها ( 1 ) .


وكان هدف مؤلفي هذه الكتب في هذه الفترة الزمنية منصبا على جمع الحديث فقط ، ولم تبوب وتقسم الأحاديث بعد إلى الصحيح والحسن والضعيف ، وكان الحديث من دون فرق بين الصحيح وغيره يشكل المحتوى الأصلي للكتب والمسانيد حتى جاء عصر البخاري - 256 ه‍ - وسائر الصحاح .


قال ابن حجر : فلما رأى البخاري هذه التصانيف ورواها وانتشق رياها واستجلى محياها وجدها بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل تحت التصحيح والتحسين والكثير منها يشمله التضعيف ، فلا يقال لغثه سمين فحرك همته لجمع الحديث الصحيح الذي لا يرتاب فيه أمين ( 2 ) .


ثم جاء بعده تلميذه مسلم بن حجاج القشيري النيسابوري عام 261 ه‍ فألف الجامع الصحيح ، ومن بعده محمد بن يزيد بن ماجة القزويني - 273 ه‍ - فصنف سننه ، ثم كتب أبو داود سليمان بن داود السجستاني سننه - 275 ه‍ - وبعده محمد بن عيسى بن
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) ذكر الشلبي في كشف الظنون أكثر من أربعين مسندا وقال : إن أهم هذه المسانيد
وأشهرها مسند أحمد بن حنبل الذي يحتوي على أكثر من ثلاثين ألف حديث .
( 2 )
هدى الساري مقدمة فتح الباري : 5 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 59

سورة الترمذي - 279 ه‍ - دون جامعه المعروف سنن الترمذي ، وبعده أحمد بن شعيب النسائي - 303 ه‍ - دون سننه ويقال له المجتبى .

وهذه الكتب الستة تشكل الركن الأصلي لجوامع أهل السنة ، فهم يرجعون إليها ويعتمدون عليها في العقائد والفروع والتفسير والتاريخ ، واشتهرت فيما بعد بالصحاح الستة ، ويطلق تارة على صحيح البخاري وصحيح مسلم الصحيحين ، وعلى الكتب الأربعة الأخرى بالسنن ( 1 ) .


وبعد هذه الكتب صنفت المئات من الجوامع ، وسميت بالمسند والمستدرك والمستخرج ، إلا أنه لم ينل أي واحد منها مرتبة وشأنا عند أهل السنة كما كان شأن الصحاح الستة .


الفرق بين الصحاح والمسانيد : الصحيح اصطلاحا هو الحديث الذي اتصل سنده عبر رجال عدول ومتدينين إلى الرسول
( صلى الله عليه وآله ) أو أحد الأئمة ( عليهم السلام ) ( 2 ) .

والكتب الستة سميت بالصحاح لأن أحاديثها وما تحتويها مثل الراوي والسند والمتن حائزة لشروط الصحة وإن اختلف أصحابها في شروط صحة الحديث ، قد يكون حديث صحيحا عند أحدهم ، وعند الآخر غير مكتمل شروط الصحة ، وادعى

أرباب الصحاح أن كل ما ورد في صحاحهم متوفر الشرائط وصحيح ، وأما المسانيد والكتب الأخرى لم ترتق إلى هذه الدرجة من الصحة ولم يصحح مؤلفوها كل ما أخرجوه في كتبهم إذ كانت عادتهم في ذلك جمع الأحاديث الصحيحة وغير الصحيحة ، وحتى الإمام أحمد بن حنبل الذي جمع أربعين ألف حديث في مسنده لم يلتزم بصحتها جميعا ( 3 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) وتارة يعدون الموطأ للإمام مالك من ضمن السنن .
( 2 )
هذا التعريف والحد جمع بين رأي علماء العامة والشيعة معا .
( 3 ) التقريب للنووي : 1 - 2 ، تدريب الراوي 1 : 88 - 99 . ( * )

 

 
 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب