(
إن مذهباً يثبت نفسه من
كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل
والتحوير أحق أن يتجنب عنه )
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 222 |
4 -
سباق موسى والحجر أخرج الشيخان في صحيحيهما عن أبي
هريرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن موسى كان رجلا حييا
ستيرا ، لا يرى من جلده شئ استحياءا منه ، فآذاه من آذاه من بني
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 223 |
إسرائيل ، فقالوا : ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده ،
أما برص وأما أدرة وأما آفة ، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى فخلا
يوما وحده ، فوضع ثيابه على الحجر ، ثم اغتسل ، فلما فرغ أقبل على ثيابه
ليأخذها ، وإن الحجر عدا بثوبه
فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر ، فجعل يقول : ثوبي حجر ، ثوبي حجر
، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا ، أحسن مما خلق الله وأبرأه
مما يقولون ، وقام الحجر فأخذ بثوبه فلبسه ، وطفق بالحجر ضربا بعصاه ، فوالله
إن
بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا فذلك قوله :
( يا أيها الذين آمنوا لا
تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها
) ( 1 ) ( 2 ) .
قبل أن نقوم بالبحث والتحقيق حول هذا الحديث ندعو القراء الكرام إلى أن يلقوا
نظرة في ما قاله اثنين من شارحي الصحيحين بهذا الصدد : قال بدر الدين العيني في
شرحه على صحيح البخاري : وفيه - أي في الحديث - :
1 - جواز المشي عريانا
للضرورة ، وكذا جواز النظر إلى العورة عند الضرورة .
2 - وفيه معجزة ظاهرة
لموسى ، ولا سيما تأثير ضربه بالعصا على الحجر مع علمه بأنه ما سار بثوبه إلا
بأمر من الله تعالى ( 3 ) .
وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم : إن فيه - الحديث - معجزتين ظاهرتين لموسى
: إحداهما مشى الحجر بثوبه إلى ملأ من بني إسرائيل . والثانية حصول
|
* ( هامش ) *
( 1 )
الأحزاب : 69 .
( 2 ) صحيح البخاري 1 : 87 كتاب الغسل باب
من اغتسل عريانا وحده في الخلوة ،
و ج 4 : 190 كتاب بدء الخلق باب حديث الخضر مع موسى
،
صحيح مسلم 1 : 267
كتاب الحيض باب ( 18 ) باب جواز الاغتسال عريانا في الخلوة ح 75 ،
و ج 4 : 1842 كتاب الفضائل باب ( 42 ) باب فضائل
موسى ح 165 - 156 .
( 3 ) عمدة القاري 15 : 302 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 224 |
الندب في الحجر ( 1 ) .
أقول : إن في هذا الحديث - وهو عندهم صحيح ومعتبر - انتقادات
واستفسارات عدة تطرح نفسها :
1 - هل أن تشهير كليم
الله ( عليه السلام ) بإبداء سوأته على مرأى من قومه يبقي موسى على مقامه ،
ويحفظ شخصيته التي كان عليها قبل الواقعة أم لا ؟ ولا سيما إذا رآه القوم بتلك
الحالة المضحكة ، وهو يعدو خلف حجر لا يسمع ولا يدرك شيئا ويناديه : ثوبي حجر
ثوبي حجر .
2 - لو سلمنا بصحة الحديث ! فلا بد أن نقول
بأن حركة الحجر من مكانه كانت إجبارية وبأمر من الله ، ففي هذه الحالة فما يعني
غضب موسى ( عليه السلام ) ؟ وأي أثر لعقوبة الحجر وعتابه ؟
3 - إن فرار الحجر بثياب موسى ( عليه
السلام ) لا يبيح لموسى أن يبدي عورته ويهتك نفسه ، بل كان في إمكانه عقلا
وشرعا أن يستتر في مكان ما ويستر عورته عن أعين الناس .
وما ادعاه العيني والنووي من كون عمل موسى ( عليه السلام )
هذا معجزة ، فعلى فرض صحة دعواهما فلا بد أن يعلما أن المعجزة لا تأتي إلا إذا
كان المقام مقام التحدي والتعجيز ، وما نسب إلى موسى ( عليه السلام ) بهذا
الشأن لم يكن في مقام
التحدي والتعجيز . وأما براءته من الادرة وغيره ، فليست من
الأمور التي يباح في سبيلها هتكه وتشهيره ، ولا هي من المهمات التي تصدر بسببها
الآيات والمعجزات ، ولو فرض ابتلاؤه بهذا المرض ، فأي بأس عليه ؟
ألم يصاب النبي شعيب ( عليه السلام ) في بصره ، وأيوب ( عليه
السلام ) بجسمه ، وأنبياء الله قد مرضوا وماتوا بذلك . فهل هتكوا أنفسهم ؟ هذا
على فرض ابتلائه بالإدرة ، فإن هذا الداء كان مستورا على أكثر الناس ولم يكونوا
يعلمون بذلك .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
شرح النووي على صحيح مسلم 15 : 127 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 225 |
وأما واقعة إيذاء بني إسرائيل موسى ( عليه السلام ) - التي
أشير إليها في الآية وفسرها أبو هريرة برأيه ، وطبقها ضمن قصته الخرافية التي
أفرزتها ذهنيته - هو اتهام موسى بقتل هارون ، كما أخرجه العيني
( 1 )
ورواه عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وابن عباس . ونقل بعض
المفسرين إنها قضية المومسة التي أغراها قارون بقذف موسى بنفسها ، وقيل : آذوه
من حيث نسبوه إلى السحر والكذب والجنون ( 2 ) .
وهذا التفسير الذي رووه عن أبي هريرة لا يخرج إلا من كيس أبي
هريرة ، بل إنه من مميزاته الخاصة به .
5 - انتقام موسى ( عليه
السلام ) من النمل قال أبو هريرة : قرصت نملة نبيا من الأنبياء ، فأمر
بقرية النمل فأحرقت ، فأوحى الله إليه أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح
الله ! أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ( 3 ) .
وحسب ما ورد في مضمون حديث آخر أخرجه الترمذي
( 4 ) وصححه القسطلاني ( 5
) وابن حجر ( 6 ) أن هذا النبي القاسي
الذي أحرق الوفا من النمل ذات أرواح بسبب قرصة نملة واحدة هو النبي موسى ( عليه
السلام ) .
ويظهر من الحديث الذي رواه أبو هريرة ولم نعلم من أي قصاص أخذ
، أن النبي موسى ( عليه السلام ) انتقم من مجموعة كبيرة من النمل بسبب ذنب
ارتكبته نملة واحدة ! !
|
* ( هامش ) *
( 1 )
عمدة القارئ 15 : 302 .
( 2 ) راجع كتب التفاسير .
( 3 ) صحيح البخاري 4 : 75 كتاب الجهاد
والسير باب بلا عنوان ،
صحيح مسلم 4 : 1759
كتاب السلام باب ( 39 ) باب النهي عن قتل النمل ح 148 .
( 4 ) سنن الترمذي كما أشار إليه
القسطلاني .
( 6 ) إرشاد الساري للقسطلاني 6 : 114 .
( 6 ) فتح الباري لابن حجر 7 : 168 . ( *
) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 226 |
بينما نرى أن أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام ) يقول
: والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها ، على أن أعصي الله في نملة
أسلبها جلب شعيرة ما فعلته ( 1 ) .
هذه الحكاية التي نسبت إلى نبي من أنبياء أولي العزم ( عليه
السلام ) علامة على أنها مذمومة وغير مندوحة عند الله عز وجل فإنها لم تتماش مع
الاحساسات البشرية خاصة رأفة الأنبياء وعطفهم ولكن أبا هريرة صور موسى ( عليه
السلام ) في
روايته هذه بالقساوة والخشونة ، حتى أنزله مرتبة أدنى من
منزلة الشاعر - الفردوسي - ( 2 ) القائل : لا
تؤذي النملة الجالبة حبة * لها نفس ، ونفس الشئ محبوبة
لفتة نظر : هذه خمس قصص عن الأنبياء السابقين (
عليهم السلام ) ذكرها البخاري ومسلم في صحيحيهما ، وقد رأيت
تعليقتنا على كل واحدة منها ، وذكرنا أيضا نقاط الوهن والضعف في كل منها .
والجدير بالذكر أن هذه القصص الخمس لم
يكن لها إلا راو واحد وهو أبو هريرة ، وكل هذه الافتراءات على
الأنبياء ( عليهم السلام ) لم تسفر إلا من كيس شيخ المضيرة وتاجر
|
* ( هامش ) *
( 1 )
شرح نهج البلاغة 11 : 245 خطبة 219 ونهج البلاغة
خطبة 224 صبحي الصالح .
( 2 ) هو الحكيم
أبو القاسم الحسن بن محمد الطوسي الشاعر المعروف ، له يد في تمام فنون الكلام
من التسيب والغزل والحكمة والأعذار والمدح والهجاء والرثاء . . . وغيرهما من
أغراض الشعر ، ولد سنة 323 ، وتوفي بطوس سنة 411 ه ، وهو أكبر شعراء ايران
وأشهرهم ، وعلاوة على تضلعه في الأدب الفارسي
كان ذا إطلاع على الأخبار والأحاديث الإسلامية وعارفا بالعلوم البرهانية في
الفلسفة والرياضيات . وله ديوان شعري معروف يسمى بالشاهنامه وقد أجمع علماء
الشرق والغرب على رأي واحد تجاه كتابه هو اعتباره أدبا
عاليا وشعرا في أسمى طبقه . وأسلوبه في نظم
الشاهنامة مقتبس من أسلوب القرآن الكريم ، وكذلك الكنايات المقبولة التي في
أشعار العرب يأتي بها بنفسها أو بترجمتها وقد تكون أحسن من الأصل أحيانا ، ومن
هنا يعلم أن الفردوسي كانت عنده مادة غزيرة من أشعار العرب . المعرب . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 227 |
الأحاديث أبي هريرة الدوسي . وقد ذكرتنا هذه الأحاديث مقالة
العلامة المحقق فقيد مصر المرحوم محمود أبو رية إذ يقول : ما كاد أبو هريرة
يرجع إلى المدينة معزولا عن ولايته بالبحرين ، حتى تلقفه الحبر الأكبر كعب
الأحبار اليهودي ( 1 ) ،
وأخذ يلقنه من إسرائيلياته ، ويدس له من خرافاته ، وكان
المسلمون يرجعون إليه فيما يجهلون ، وبخاصة بعد أن قال لقيس بن خرشة هذه
الأكذوبة : وما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة التي أنزلت على موسى ما يكون
عليه وما يخرج منه .
ومن أجل ذلك هرع أبو هريرة إليه ، ليأخذ منه ويتتلمذ عليه ،
ولم يتوقف سيل روايتهما ، ولا سيما بعد أن خلا الجو لهما ، بموت عمر واختفاء
درته ، ولا يزال هذا السيل
|
* ( هامش ) *
( 1 ) هو كعب بن
ماتع الحميري ، ويكنى أبا إسحاق ، وهو من أحبار اليهود ومعروف بكعب الأحبار ،
أسلم في عهد أبي بكر ، وقيل :
في عهد عمر . وذاع صيته أكثر وأوفر في عهد عثمان لما استصفاه معاوية بن أبي
سفيان وجعله من مستشاريه لكثرة علمه وهو واحد من
أعضاء مؤسسة معاوية لجعل الحديث . أظهر كعب
إسلامه ليخدع المسلمين ، بما بثه هو وزميله وهب بن منبه وعبد الله بن سلام
اليهوديين من الإسرائيليات والأخبار اليهودية في الإسلام ، فهؤلاء توسلوا
بالمكر والدهاء ابتغاء ما يبتغون فزرعوا في نفوس المسلمين الأحاديث
المزورة والأخبار المزيفة . وكان الخليفة عمر
بن الخطاب معجبا به وبما يرويه من الأخبار مما جاء في كتبه التي كانت في حيازته
، وكان كعب يجالس الخليفة كثيرا ولعل وصل به الأمر أن يخلو بالخليفة ، والخليفة
يستمع إلى أحاديثه حتى ترخص الناس في استماع ما
عنده غثه وسمينه . وكان أكثر أحاديث كعب في
تفسير آيات القرآن حتى امتلأت كتب التفسير من منقولاته ، وحيث كان كعب وزميليه
وهب وعبد الله بن سلام من خواص بلاط الخلفاء عمر وعثمان ومعاوية بعدهم لم يجرء
أحد أن يحس بشخصيتهم إلا وواجهته كتل من
الضرب والشتم والتهم وقد كان الكثير من رواة
الجمهور يأخذون منهم ويروون عنهم أحاديث ، ومن هؤلاء أبو هريرة الدوسي . هذه
كانت مقتطفات عن كعب الأحبار اليهودي ، وراجع التفاصيل في أضواء على السنة
المحمدية للشيخ أبو رية ، وضحى الإسلام لأحمد أمين ، وأبو هريرة شيخ المضيرة
لأبي رية ، وكتب التراجم والرجال . المعرب . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 228 |
يتدفق بالأحاديث الخرافية والمشكلة . وقد سمعت مرة من أحد
أحرار الفكر المحققين ، أن أبا هريرة وكعبا هما اللذان أفسدا الإسلام ، بما بثا
فيه من الخرافات والأوهام .
ومن عجيب أمر هؤلاء الذين يطلق عليهم جمهور المسلمين أنه على رغم ما قيل فيهما
، وما ثبت من أكاذيبهما ثبوتا بينا ، لا يزالون يثقون بهما ، ويأخذون بما
يرويانه ، وفيهما ما لا يقبله عقل صريح ، ولا نقل صحيح ، ثم يجعلون الأول من
خيار التابعين ، ويجعلون الآخر راوية الإسلام من بين جميع المسلمين
( 1 ) .
|
* ( هامش ) *
( 1 ) أبو هريرة
شيخ المضيرة لأبي رية : 90 . ( * ) |
|
|