(
إن مذهباً يثبت نفسه من
كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل
والتحوير أحق أن يتجنب عنه )
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 246
|
2 - سهو النبي في الصلاة
ثمة أحاديث متواترة أخرجها الشيخان في صحيحيهما تفيد بأن
الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كان يسهو في صلاته فينقص ركعاتها أو يزيد عليها
، وإنه كان أحيانا يصلي ركعتين بدل أربع ، ولم يلتفت إلى سهوه ، حتى ذكره
المأمومون بذلك فتدارك ما أنقصه أو ما أضافه .
ولسنا الآن بصدد إثبات مسألة عصمة الأنبياء وهل أنهم يتعرضون للسهو أم لا ؟
ولسنا كذلك بصدد تمحيص هذه الأحاديث التي رويت في موضوع سهو النبي ( صلى الله
عليه وآله ) وإثبات ضعفها وركاكتها ، لأن هذا الأمر بحاجة إلى أفراد بحث مستقل
وكتاب مستقل .
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 247
|
بل إن ما نقصده هنا هو : أن
نعرف القارئ ركاكة بعض هذه الروايات وضعفها ، ونبين له بعد ذلك إنه كيف تسربت
في شتى أبواب الصحيحين الأحاديث الموضوعة والمدسوسة التي تمس الشريعة والدين
بسوء ، حتى شملت حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) الشخصية وعباداته .
واليوم . . . وقد مرت على دس تلك الأحاديث قرون من الزمن وكثيرا من أتباع
القرآن والمسلمون ينظرون إليها نظرة قبول واعتبار ، بكونها أحاديث صحيحة ،
واعتقدوا بمضامينها اعتقادا راسخا وانقادوا إليها عمليا .
وإليك من تلك الأحاديث الموضوعة ما رواه أبو هريرة حول موضوع سهو النبي ( صلى
الله عليه وآله ) في الصلاة قال : صلى بنا رسول الله إحدى صلاتي العشاء - قال
ابن سيرين سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا - قال : فصلى بنا ركعتين ،
ثم سلم ، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه
غضبان ، ووضع يده اليمنى على اليسرى ، وشبك بين أصابعه
ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى ، وخرجت السرعان من أبواب المسجد . فقالوا
: قصرت الصلاة ؟ وفي القوم
أبو بكر وعمر ، فهابا أن يكلماه ، وفي القوم رجل في يديه طول
يقال له ذو اليدين ، قال : يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة ؟ قال ( صلى الله
عليه وآله ) : لم أنس ولم تقصر فقال : أكما يقول ذو اليدين ؟ فقالوا : نعم .
فتقدم فصلى ما ترك
ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه وكبر .
أخرج البخاري هذا الحديث في مواضع متعددة من صحيحه ( 1 )
ورواه مسلم أيضا
|
* ( هامش ) *
( 1 )
صحيح البخاري 1 : 129 كتاب الصلاة باب تشبيك
الأصابع في المسجد ، و ج 2 : 85 باب إذا سلم في ركعتين أو في ثلاث ،
وص 86 باب من لم يتشهد في سجدتي السهو وباب من يكبر في سجدتي السهو ، و ج 8 :
20 كتاب الأدب باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم الطويل والقصير ، و ج 9 :
108 كتاب الأحكام باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة
والصيام . . . . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 248
|
في صحيحه ( 1 ) وضبطها أصحاب
الصحاح في كتبهم .
وفي الحديث مسائل قابلة للنقاش من عدة
جهات :
1 - يستفاد من هذا الحديث
أن أبا هريرة كان حاضرا في الصلاة التي سها فيها النبي ( صلى الله عليه وآله )
، وذكره ذو اليدين ! ! ولو لم يكن حاضرا لما صور القصة بهذه الكيفية وفصل فيها
حركات النبي ( صلى الله عليه وآله ) وحالاته ،
كما قال : فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه
غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه ، ووضع خده الأيمن على ظهر
كفه اليسرى . . . . ومما يجدر بالذكر ، أن ذا اليدين المذكور في الحديث هو ذو
الشمالين
( 2 ) الذي استشهد في غزوة بدر
( 3 ) وذلك قبل أن يسلم أبو هريرة بخمس سنوات
( 4 ) . وبناء على هذا كيف يدعي أبو هريرة رؤية
ذي اليدين مع الفارق الزمني الطويل بين استشهاد ذي اليدين
|
* ( هامش ) *
( 1 )
صحيح مسلم 1 : 403 كتاب المساجد ومواضع الصلاة
باب ( 19 ) باب السهو في الصلاة والسجود له ح 97 .
( 2 ) أخرج مالك
في الموطأ 1 : 93 - 94 كتاب الصلاة باب ( 15 )
باب ما يفعل من سلم من ركعتين ساهيا ح 58 - 60 ، وكذا أخرج
النسائي في سننه 3 : 20 كتاب الصلاة باب ما يفعل
من سلم من ركعتين ناسيا وتكلم ،
وكذا أخرجه الدارمي في
سننه 1 : 419 - 420 كتاب الصلاة باب 175 باب سجدة السهو من الزيادة ح
1496 - 1497 ، وجميعهم رووا بإسنادهم عن أبي هريرة ، ولكن يلاحظ في هذه
الأحاديث أن المذكر للنبي ( صلى الله عليه وآله ) تارة ذو اليدين وتارة ذو
الشمالين .
وعلق مالك والسيوطي على الحديث قائلين : قال
ابن عبد البر : لم يتابع الزهري على قوله إن المتكلم ذو الشمالين لأنه قتل يوم
بدر وقد اضطرب الزهري في حديث ذي اليدين اضطرابا أوجب على أهل العلم بالنقل
تركه روايته خاصة وقد غلط فيه مسلم ولا أعلم أحدا من
أهل العلم بالحديث المصنفين فيه عول على حديث
الزهري في قصة ذي اليدين وكلهم تركوه لاضطرابه ، وإنه لم يقم له إسنادا ومتنا .
. . المعرب
( 3 ) راجع
الطبقات الكبرى 3 : 167 ترجمة ذي اليدين أو ذي
الشمالين ، والإصابة 2 : 233 ترجمة الخرباق
السلمي رقم 2243 ، الإستيعاب 2 : 458 ترجمة خرباق
السلمي رقم 686 .
( 4 ) أسلم أبو
هريرة بعد غزوة خيبر أي بعد السنة السابعة من الهجرة ، راجع ص 99 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 249
|
وإعلان أبي هريرة إسلامه فهذا أمر مريب .
2 - مؤدى الحديث يبين أن
الرسول ( صلى الله عليه وآله ) والمسلمين قد محوا صورة صلاتهم ، بحيث إن النبي
قام عن مصلاه وتحرك واتكأ على خشبة في المسجد ، والمسلمون بعضهم خرج من المسجد
، بظنهم أنهم قد أتموا الصلاة ، ولما التفت النبي إلى سهوه رجع إلى مصلاه
وتدارك ما فاته من الصلاة ، ثم سجد سجدتي السهو .
والمتيقن أن كل ما يغير صورة صلاة الإنسان فهو من المبطلات ، وهذا العمل
الصادر من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) - تحركه عن مصلاه وعوده إليه مرة
أخرى وإتمام صلاته - مناقض ومخالف للحكم الذي شرعه هو بنفسه . قال ابن رشد : قد
انعقد الإجماع على أن المصلي إذا انصرف إلى غير القبلة أنه قد خرج من الصلاة
( 1 ) .
3 - إن هذا السهو الفاحش ونسيان نصف أركان
الصلاة إنما يصدر من أولئك الساهين في صلاتهم ، اللاهين عن مناجاة
ربهم ، ويستحيل أن تصدر هذه الغفلة والسهو الذي هو مناف ومضاد لحالتي الخشوع
والخضوع لله عز وجل عباد الله
المخلصين والأنبياء ( عليهم السلام ) ولا سيما سيدهم وخاتمهم
محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وآله ) . ولا يقع ذلك إلا لمن كان مصداقا
لقول الشاعر : أصلي فما أدري إذا ما ذكرتها * اثنتين صليت الضحى أم ثمانيا
4 - جاء في الحديث المذكور أن النبي ( صلى
الله عليه وآله ) لما سها وذكره ذو اليدين أنكر ذلك وقال : لم أنس ولم تقصر ،
وهذا يدل دلالة قطعية على أنه لا سبيل للسهو إلى النبي ( صلى الله عليه وآله )
.
ولو سلمنا وقوع ذلك من النبي ( صلى الله عليه وآله ) وافترضنا
كذلك عدم العصمة في الأنبياء ( عليهم السلام ) في السهويات ، فإن عصمته ( صلى
الله عليه وآله ) عن المكابرة والتسرع وتكذيب الآخرين من الضروريات ، والمسلمات
عند المسلمين .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
بداية المجتهد 1 : 183 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 250
|
فعلى هذا ، فكيف يمكن أن يقول الرسول ( صلى الله عليه وآله )
: لم أنس ولم تقصر ، ولكن عندما شهد بعض الأصحاب - ذي اليدين - تراجع النبي (
صلى الله عليه وآله ) عن قوله الأول ، وعلم فيما بعد أن ذلك كان خلافا للواقع ؟
قال السيوطي في شرحه على سنن النسائي وهو ينقل هذه الإشكالات عن القرطبي : قال
القرطبي : هذا - قبول السهو - مشكل بما ثبت من حاله ( صلى الله عليه وآله ) -
وحياته كلها - فإنه يستحيل عليه الخلف - وصدور خلاف الواقع عنه - والاعتذار عنه
( 1 ) .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
شرح سنن النسائي للسيوطي 3 : 22 . |
|
|