(
إن مذهباً يثبت نفسه من
كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل
والتحوير أحق أن يتجنب عنه )
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 147 |
تعبير الرؤيا : بعد أن روى
الترمذي الحديث المذكور في رؤية الله في المنام ذكر تعبيرا وتفسيرا لهذه الرؤيا
نقله عن ابن سيرين - أشهر مفسري الأحلام - أنه قال : من رأى ربه في المنام دخل
الجنة ( 2 ) .
صلاة لرؤية الله في المنام : روى علماء أهل السنة
وحفاظهم عن ابن عباس أنه قال : من صلى يوم الجمعة ما بين الظهر والعصر ركعتين
يقرأ في أول ركعة بفاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة واحدة ، وخمس وعشرين مرة قل
أعوذ برب الفلق ، وفي الركعة الثانية يقرأ فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وقل
أعوذ برب الناس خمس وعشرين مرة ، فإذا سلم قال : لا حول ولا قوة إلا بالله
خمسين مرة ، فلا يخرج من الدنيا حتى يرى ربه عز وجل في المنام ويرى مكانه في
الجنة أو يرى له .
روى هذا الحديث جلال الدين السيوطي في اللئالي المصنوعة
( 3 ) ، وابن الجوزي في كتابه ( الموضوعات ) ( 4
) وقال : هذا حديث موضوع ، وفي إسناده مجاهيل لا يعرفون ، وقد ذكر صلوات
الأسبوع أبو طالب المكي ، وتبعه أبو حامد الغزالي ، وكل ذلك لا أصل له
|
* ( هامش ) *
( 2 )
سنن الدارمي 2 : 126 كتاب الرؤيا باب ( 12 ) باب
في رؤية الرب تعالى في النوم ح 2150 .
( 3 ) اللئالي المصنوعة 2 : 52 .
( 4 ) الموضوعات 2 : 119 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 148 |
والعجب أن ابن الجوزي في نقده لهذا الحديث لا يتعرض إلى متنه
الذي أشير فيه إلى مسألة رؤية الله تعالى ، وأحسبه أن متن الحديث عنده من
اليقينيات ، وأما السند فهو مخدوش عنده ، ويقول : حديث موضوع ، وفيه مجاهيل لا
يعرفون .
رأي الشيعة في رؤية الله يعتقد أئمة الشيعة - أي
أهل بيت النبي ( عليهم السلام ) - بأن رؤية الله سواء في الدنيا أو الآخرة
وبالعين المجردة تعد من الأمور المستحيلة ، وتبعهم في ذلك الشيعة المتعلمون
بعلوم أهل بيت النبي ( عليهم السلام ) وقالوا باستحالتها وأن الله أجل وأكبر من
أن يكون كالأجسام المادية مثل الشمس والقمر التي تدرك بالانعكاسات الضوئية .
هذه هي خلاصة عقيدة أهل البيت ( عليهم السلام ) حول الرؤية ، ويلزم التمسك
بقولهم ولا تقبل معذرة في الآخرة سوى الأخذ عنهم . لأنهم هم المطهرون من
الأرجاس والأدناس والمنزهون عن الخطأ والانحراف ، كما أشار إلى ذلك القرآن في
قوله تعالى : (
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا ) ( 1 ) وقرنهم رسول الله ( صلى
الله عليه وآله ) بالكتاب ، وجعلهم أحد الثقلين اللذين أودعهما في أمته فقال :
( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) .
وأما البراهين العقلية والآيات القرآنية فهما
تؤيدان ما ذهب إليه الشيعة من استحالة رؤية الله ، والأحاديث المروية عن الأئمة
( عليهم السلام ) بدورها تفسر تلك الأدلة العقلية والقرآنية وتقرب المسألة إلى
الأذهان البشرية . البراهين العقلية والفلسفية على نفي رؤية الله :
1 - قالت الفلاسفة :
تتحقق رؤية الشئ بالعين وانعكاس الضوء إذا كان الشئ المرئي والمشاهد - بفتح عين
الفعل - في جهة معينة وأن تكون بين الرائي والمرئي مسافة
|
* ( هامش ) *
( 1 )
الأحزاب : 33 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 149 |
معينة تفصل بينهما بحيث لو زادت أو نقصت تلك المسافة لخرجت
الرؤية عن حيز الإمكان ، والشرط الآخر هو أن يكون المرئي في مقابل الرائي
ومحاذاته وبالالتفات إلى هذه الشروط والنقاط فرؤية الله تكون محالة ، وذلك لأنه
لا يتحقق أي واحد
من هذه الشروط بالنسبة إلى الله ، لأنه تعالى لم يكن له جهة
معينة ، ومكان معين ، ليستقر فيه ، ولم يتصور أن تكون بينه تعالى وبين البشر
أية محاذاة وفاصلة ومسافة ، لأن هذه المسافة والفاصلة تستلزم أن يكون الله عز
وجل جسما ماديا ومتحيزا ومتعلقا بالمكان ، وهذان الأمران من المستحيلات بالنسبة
إلى ذاته عز وجل .
2 - رؤية الله عز وجل بواسطة العين الباصرة
لا تخلو من جهتين : إما أن تحيط الرؤية بجميع ذاته تعالى فإن هذه الإحاطة
تستلزم تحديد وجود الله وحصره في مكان معين وخلو سائر النقاط منه ، لأن عين
الإنسان محدودة القدرة ولا تستطيع الإحاطة بجميع الجهات .
وإما أن تكون رؤيتنا إياه تعالى تتعلق بجزء من ذاته ، وإنها تدرك قسما من ذاته
تعالى ، فهذه تستلزم القول بالتجزئة والتركيب في ذاته ، وكل ذلك محال بالنسبة
إلى الله ، لأنه تعالى شأنه ليس محدودا بحد ولا متحيزا في مكان ، وليس له أجزاء
ومركبات حتى يكون في مكان دون مكان .
وأضف إلى ذلك أن المرئي - المفعول - لا بد أن يكون ذا لون حتى يكون قابلا
للرؤية ، وتعليق اللونية على ذاته تعالى مستحيل كذلك ( 1
) .
|
* ( هامش ) *
( 1 ) راجع
شرح التجريد للعلامة الحلي ، والقوشجي وسائر
المؤلفات الفلسفية والكلامية الإسلامية . ( * ) |
|
|