( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 166

 6 - جوارح الله وأعضاؤه

الدليل الخامس على ضعف مجموعة من أحاديث الصحيحين وسقمها هو ما أخرج الشيخان البخاري ومسلم من الروايات المختلفة التي تمت بصلة إلى بيان مسائل التوحيد وما تتعلق بذات الله عز وجل . . .

والجدير بالذكر إن دراسة هذه المجموعة الكبيرة من الروايات وتحقيقها لتبصر الإنسان وتعطيه وعيا على معرفة الحقيقة هي في غاية الأهمية ، وهذه الحقيقة هي أن معرفة التوحيد الصحيح والسليم من التوهمات لا تتحقق ولا تحصل عن طريق هذه

الأحاديث المروية في الصحيحين ، وذلك لأنهما صورا الله تعالى شأنه على أنه جسم مادي كسائر الموجودات المادية وأنه عز وجل يمتلك أعضاء وجوارح كجوارح الإنسان الكامل ، مثل : الوجه واليد والأصبع ، وغيرها .

وقد أشرنا فيما مر آنفا في مبحث الرؤية إلى بعض هذه الروايات ، وتتميما لذلك نتطرق هنا أيضا إلى بعضها الآخر ونخصص الدراسة في كل عضو بانفراد .


 1 - هل لله وجه ؟ أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما روايات عديدة تصور لنا أن لله تعالى وجها وصورة مثل وجه الإنسان وصورته :

 1 - عن أبي هريرة : عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : خلق الله آدم على صورته ، طوله ستون ذراعا ، فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك النفر الجلوس من الملائكة ، فاستمع ما يحيونك ، فإنها تحيتك وتحية ذريتك . فقال : السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليك ورحمة الله ، فزادوه : ورحمة الله ، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن ( 1 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري 8 : 62 كتاب الاستئذان باب بدء السلام ،
      صحيح مسلم
4 : 2183 كتاب الجنة وصفة نعيمها باب ( 11 ) باب يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير 28 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 167

 2 - عن أبي هريرة : عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه ، فإن الله خلق آدم على صورته ! ! ( 1 )


 3 - أخرج مسلم عن أبي هريرة : عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : خلق آدم على صورة الرحمن ( 2 ) .


 4 - أخرج البخاري في كتابه ( الأدب المفرد ) عن أبي هريرة أنه قال : لا تقولن : قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك ، فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته ( 3 ) .


الاستنتاج : نستكشف من هذه الروايات ما يلي :

 أولا : تجسيم الله ، وإثبات الوجه والصورة له تعالى وتقدس .

 ثانيا : التشابه بين صورة الإنسان وصورة الله ، وإكراما واحتراما لصورة الله ووجهه الذي يشبه وجه الإنسان فلا يجوز لطم وجه الإنسان .


تحقيق : قال العلامة الفقيد السيد عبد الحسين شرف الدين : إن مضمون هذه الأحاديث إنما هو عين الفقرة السابعة والعشرين من الأصحاح الأول من إصحاحات التكوين من كتاب اليهود - العهد القديم - وإليك نصها بعين لفظه : قال : فخلق الله الإنسان على صورته ، على صورة الله خلقه ذكرا وأنثى خلقهم ( 4 ) .


أقول : يتضح لمن يقرأ التوراة ويطالعها ، أن هذا المضمون - كون صورة آدم شبيهة
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح مسلم 4 : 2017 كتاب البر والصلة والأدب باب ( 32 ) باب النهي عن ضرب الوجه ح 115 .
( 2 )
إرشاد الساري 10 : 491 .
( 3 )
الأدب المفرد للبخاري : 73 باب ( 91 ) باب لا تقل : قبح الله وجهك ح 173 .
( 4 )
أبو هريرة : 55 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 168

لصورة الله وإثبات الوجهية لله تعالى - ورد مكررا في التوراة كما ينص عليه في القسم الأول من الأصحاح الخامس من سفر التكوين . . . عندما خلق الله آدم ، خلقه على صورة الله . وفسر بولس هذه الجملات الواردة في التوراة وشرحها بأن هذا التشابه بين الإنسان والرب هو في القدسية والعدالة والسيرة ، وأما الصورة فالمراد منها الصورة الواقعية للإنسان لا الصورة الظاهرية ( 1 ) .


أقول : لو كان المقصود من التشابه الوارد في التوراة هو هذا المعنى الذي قاله بولس ، كان وجيها تقريبا ، وارتفعت عندئذ شبهة التجسيم والتشبيه ، ولكن وللأسف إن أولئك الذين أخذوا ذلك من التوراة وأدرجوه في الصحيحين ، أخذتهم العصبية

العمياء ، فسدوا جميع أبواب التأويل والتفسير وصاروا أرأف من الأم وأحر من الجمرة ، ورووا هذه الحكاية الوهمية بكيفية بحيث يصعب ويستحيل تأويلها على معنى آخر ،

كما تشاهده في الحديث الثاني : ( إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه ، فإن الله خلق آدم على صورته ) إذ أنه يدفع أدنى احتمال لأي تأويل ، ولا يبقى لك مجال في أن تعبر بالوجه بمعنى السيرة لا الصورة الظاهرية والعضو الخاص في البدن . كما أشار إليه بولس . كم كان عرض آدم ( عليه السلام ) ؟


قال العيني في شرحه على صحيح البخاري : جاء في الحديث إن طول آدم كان ستون ذراعا ، ولم يبين عرضه هنا ، وورد أن عرضه كان سبعة أذرع ( 2 ) .


أقول : تدلنا عبارة العيني فضلا عن التشابه بين الإنسان وربه الذي ورد ذكره في تلكم الأحاديث أن طول آدم كان ستين ذراعا وعرضه سبعة أذرع . وهذا دليل واضح على كون هذه الأحاديث موضوعة ومختلقة ، وذلك لأن :
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) قاموس الكتاب المقدس مادة آدم .
( 2 )
عمدة القاري 22 : 229 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 169

 أولا : إذا كان طول الإنسان ستين ذراعا يلزم أن يكون طول الجمجمة أكثر من ذراعين ، ولكن جماجم الإنسان البدائي في القرون الأولى التي تم كشفها والعثور عليها في علم الحفريات لم تكن بينها وبين جمجمة الإنسان في العصر الحالي اختلاف كثير وتفاوت كبير ، وحتى أنه لم يعثروا إلى هذا التاريخ على أية جمجمة تكون على حجم ذراعين ، ولم يحصلوا على أي أثر يدل على وجود إنسان ذي الستين ذراع .


 ثانيا : إذا كان طول الإنسان ستين ذراعا ولكي تتناسب أعضاؤه يجب أن يكون عرضه سبعة عشر ذراعا
وسبع الذراع 7 / 1 * 17 ، لا سبعة أذرع . لأن العرض إذا كان سبعة أذرع يجب أن يكون طوله أربعة وعشرين ذراعا

ونصف الذراع ، لأن عرض الإنسان الطبيعي مع استواء خلقته بمقدار سبعي طوله . وما أدري من أين عرف أبو هريرة :
إن عرض آدم كان سبعة أذرع ؟ ! وبناءا على هذا ، فإذا أخذنا الحسابات الأبو هريرية بنظر الاعتبار 60 ب 7 أذرع يمكننا

أن نتصور أنه قد حصل في أحد الحديثين ، أو في تعيين مقدار طول الإنسان وعرضه خطأ وسهو ، أو نتصور أن آدم
( عليه السلام ) كان قبيح الهيكل وكريه المنظر أو أنه لم يكن مخلوقا مستوي الخلقة . وهذا الاحتمال الأخير نقيض للنص القرآني المنزل في قوله تعالى : ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) ( 1 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) التين : 4 .

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب