( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 333

 4 - أهل البيت ( عليهم السلام ) قرناء الرسول ( صلى الله عليه وآله ) :

دلت روايات متواترة من كتب أهل السنة والجماعة ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمر المسلمين بأن يصلوا على أهل بيته وعترته ( عليهم السلام ) ويجعلونهم قرناء له ، إذا أرادوا أن يصلوا عليه ( صلى الله عليه وآله ) ويسلموا عليه ، وإذا قصدوا تكريم النبي وتعظيمه يجب عليهم أن يقرنوا أهل بيته ( عليهم السلام ) معه ( صلى الله عليه وآله ) ولم يفرقوا بينه وبين عترته .


وإليك ما أخرجه الصحيحان بهذه المناسبة :

 1 - حدثنا الحكم قال : سمعت عبد الرحمان بن أبي ليلى قال : لقيني كعب بن
 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 334

عجرة ، فقال : ألا أهدي لك هدية ؟ إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) خرج علينا فقلنا : يا رسول الله لقد علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ فقال : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ( 1 ) .


 2 - أخرج البخاري في صحيحه حديثا آخر قريبا من هذا المعنى عن أبي سعيد الخدري ( 2 ) .


 3 - وأخرج مسلم أيضا بإسناده عن أبي مسعود الأنصاري قال : أتانا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ونحن في مجلس سعد بن عبادة . فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله عز وجل أن نصلي عليك يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فكيف

نصلي عليك ؟ قال : فسكت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى تمنينا أنه لم يسأله . ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، والسلام كما علمتم ( 3 ) .


أقول : ثمة العشرات من الأحاديث - رويت في صحاح أهل السنة ومسانيدهم وتفاسيرهم وأكملهن جمعا تفسير الدر المنثور - تعلم المسلمين كيفية الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) والتسليم عليه ، وتأمرهم أن يجعلوا أهل بيته ( عليهم السلام ) قرناء له في الصلاة ( 4 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري 8 : 95 كتاب الدعوات باب الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ،
      و ج 6 : 151 كتاب التفسير باب تفسير سورة الأحزاب ،
      و ج 4 : 172 كتاب بدء الخلق باب يزفون النسلان في المشي ،
      صحيح مسلم 1 : 305 كتاب الصلاة باب ( 17 ) باب الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ح 66 .
( 2 )
صحيح البخاري 6 : 151 كتاب التفسير باب تفسير سورة الأحزاب .
( 3 )
صحيح مسلم 1 : 305 كتاب الصلاة باب ( 17 ) باب الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ح 66 .
( 4 )
الدر المنثور للسيوطي 5 : 215 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 335

ولكن ما أن توفي الرسول ( صلى الله عليه وآله ) حتى راحوا يسترون ويعتمون على نقل مناقب آل الرسول ( عليهم السلام ) وذلك حسب ما كانت تقتضيه سياستهم آنذاك ، ولذلك بادروا إلى ترك الصلاة على العترة ( عليهم السلام ) ، وعمدوا شيئا

فشيئا إلى الاكتفاء باسم الرسول ( صلى الله عليه وآله ) والصلاة البتراء والناقصة ، واليوم كذلك نرى سيرة السلف تتبع ، ومع أن هذه الأحاديث نصب أعينهم ، وملئت كتبهم منها ، تراهم يخالفون أمر الرسول ويتبعون آباءهم وأسلافهم عوضا عن

اتباع الرسول ( عليهم السلام ) ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ) ( 1 ) .



 5 - الأئمة الاثنا عشر ( عليهم السلام ) : وردت في كتب أهل السنة أحاديث حول الأئمة الاثني عشر ( عليهم السلام ) والإمام المهدي ( عج ) وأوصافه ، نقلا عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولما كانت الأحاديث في هذا الموضوع متواترة ومستفيضة ، عمد بعض علمائهم إلى تعيين بابا خاصا لذكره ، والبعض الآخر ألف بهذه المناسبة كتابا مستقلا .


ونورد إليك طرفا من هذه الأحاديث التي أخرجها الشيخان في صحيحيهما :

 1 - عن عبد الملك : سمعت جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : يكون بعدي اثنا عشر أميرا . فقال كلمة لم أسمعها فقال أبي : إنه قال : كلهم من قريش ( 2 ) .

أخرجه مسلم أيضا في جامعه بثمانية أسانيد مختلفة ( 3 ) وورد في أحدها : وعن جابر بن سمرة قال : انطلقت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعي أبي فسمعته يقول : لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة . فقال كلمة صمنيها الناس فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : كلهم من قريش ( 4 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) لقمان : 21 .
( 2 )
صحيح البخاري 9 : 101 كتاب الأحكام باب الاستخلاف .
( 3 )
صحيح مسلم 3 : 1451 كتاب الإمارة باب ( 1 ) باب الناس تبع لقريش . . .
( 4 )
صحيح مسلم 3 : 1453 كتاب الإمارة باب ( 1 ) باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش ح 9 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 336

أقول : ورد هذا الحديث متواترا في كتب أهل السنة وصحاحهم ، وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على أنه إحدى الدلائل على أحقية الشيعة الاثني عشرية وصحة معتقداتهم ، ودليل على بطلان المذاهب الأخرى ، لأن مضمون هذا الحديث لا ينطبق

البتة على ما يعتقده ، لأنهم يعتقدون بأربعة خلفاء ( الخلفاء الراشدون ) ، أو بخمسة خلفاء إذا أضفنا الإمام الحسن المجتبى
( عليه السلام ) إلى الأربعة ، فعلى هذا يكون عددهم أقل من اثني عشر .
 

أو أنهم يعتقدون بخلافة خلفاء بني أمية وبني العباس ، فيكون حينئذ العدد أكثر من اثني عشر ، هذا مع أن أكثر خلفاء بني أمية وبني العباس كانوا فساق وفجرة ، وأفنوا حياتهم في معاقرة الخمر وإراقة الدماء والمعاصي ، فكيف يمكن أن نجعل

من كان هذا ديدنه خليفة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ وكذلك نرى أن هذا الحديث لا يتطابق مع ما تعتقده باقي الفرق من الشيعة مثل الإسماعيلية والزيدية والفطحية لأن أئمتهم أقل عددا من اثني عشر . فعلى هذا إن الحديث يوافق فقط ما تعتقده الشيعة الاثني عشرية التي توالي اثني عشر نقيبا أولهم الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وآخرهم المهدي ( عج ) .



 3 - جابر بن عبد الله وأبو سعيد قالا : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده ( 1 ) .

 4 - عن أبي سعيد قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من خلفائكم خليفة يحثو المال حثيا ولا يعده عدا ( 2 ) .

قال النووي بعد بيان معاني ألفاظ هذا الحديث : وهذا الحثو الذي يفعله هذا الخليفة يكون لكثرة الأموال والغنائم والفتوحات مع سخاء نفسه ( 3 ) .

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح مسلم 4 : 2235 كتاب الفتن وأشراط الساعة باب ( 18 ) باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء ح 69 .
( 2 )
المصدر ح 68 .
( 3 )
شرح صحيح مسلم 18 : 40 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 337

ثم قال : إن اسمه المهدي كما رواه الترمذي وأبي داود وروى الترمذي عن الرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه إسمي ( 1 ) .


وقال الترمذي : وهذا حديث حسن وصحيح . وزاد أبو داود في آخر هذا الحديث إنه ( صلى الله عليه وآله ) قال : يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ( 2 ) .


 5 - وأخرج البخاري بإسناده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ( 3 ) .

وقال ابن حجر في شرحه على هذا الحديث : قال الشافعي في مناقبه : تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة وأن عيسى يصلي خلفه ( 4 ) .

وقال العيني بعد كلام طويل وبحث مفصل حول الحديث : وفي صلاة عيسى ( عليه السلام ) خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال إن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة ( 5 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) سنن الترمذي 4 : 438 كتاب الفتن باب ( 52 ) ما جاء في المهدي ح 2230 ، سنن أبي داود 4 : 106 كتاب المهدي ح 4282 .
( 2 )
راجع الهامش 1 .
( 3 )
صحيح البخاري 4 : 205 كتاب بدء الخلق باب نزول عيسى بن مريم .
( 4 )
فتح الباري 6 : 385 .
( 5 )
عمدة القاري 16 : 40 . والجدير بالذكر أن كثيرا من العلماء والمحدثين عكفوا على جمع الأحاديث المروية حول الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ، وأجمعها معجم أحاديث الإمام المهدي ( عليه السلام ) في خمس مجلدات تحقيق وتأليف مؤسسة المعارف الإسلامية فقد جمع في هذا المعجم القيم الأحاديث المروية حول الإمام المنتظر ( عليه السلام ) بلغ عددها حوالي 30000 حديث من 420 مصدر من مصادر أهل السنة . المعرب . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 338

وقال النووي في ترجمته في تهذيب الأسماء : إذا نزل عيسى كان مقررا للشريعة المحمدية ، لا رسولا إلى هذه الأمة ويصلي وراء إمام هذه الأمة تكرمة من الله لها من أجل نبيها ( 1 ) .


وهذه الأحاديث التي تلوناها عليك ، تكشف الستار عن الحقيقة الساطعة في العقيدة السليمة التي يعتقد بها الشيعة ، ظلت بمثابة أكبر وأعظم مأساة واجهها شراح الصحيحين من السلف وبعض الكتاب من أهل السنة في هذا العصر ، وحيث سمعوا تأنيب

وجدانهم وصرخات الضمير من باطنهم عمدوا إلى التبرير وتأويل هذه الأحاديث حتى يجيبوا تأنيب ضميرهم ، وما هذه التبريرات والتأويلات إلا تفاهة وركاكة وذلك لما فيها من التناقضات والمبائنات والتضارب .

ولكن أحد الكتاب بعد إذعانه بتفاهة هذه التبريرات سلك دربا ثالثا فقال : وهناك أخبار من هذا القبيل كثيرة ، أعرضنا عنها لعدم فائدتها ( 2 ) .


أقول : ومن الواضح إن هذا الحديث وأمثاله لما كان على خلاف عقيدة هؤلاء وهو على عكس ما يرونه أعرضوا عنه لأنهم لم يفهموا ولم يدركوا المفهوم الصحيح للحديث .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) الإصابة في تمييز الصحابة 4 : 638 ترجمة عيسى المسيح بن مريم رقم 6164 .
( 2 )
أضواء على السنة المحمدية للشيخ محمود أبو رية : 192 . ( * )

 


 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب