(
إن مذهباً يثبت نفسه من
كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل
والتحوير أحق أن يتجنب عنه )
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 212
|
النبوة
في الصحيحين :
وترى هذا النوع من التحريف والتشويه لشخصية الأنبياء ( عليهم
السلام ) الذي ورد في العهدين القديم - التوراة - والجديد - الإنجيل - المحرفين
ورد أيضا في الصحيحين البخاري ومسلم الذين نحن بصدد التحقيق فيهما ، فهما عندما
يأتيان على ذكر
الأنبياء ( عليهم السلام ) يسطران الأساطير والقصص ، التي كان
يرويها قصاصو اليهود وغيرهم ، وينسبونها إلى الأنبياء
( عليهم السلام ) ، ودسوها بعد ذلك بين أوساط المسلمين بعنوان الأحاديث الصحيحة
.
والأطم من ذلك إن الصحيحين لم يشوها الصورة الحقيقية للأنبياء ( عليهم السلام )
عامة وحرفوها فحسب ، حتى ظهرت صورتهم مضحكة ومستهترة ، بل إنهما بدلا الصورة
الواقعية والحقيقية للنبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) من كونها شخصية روحية
ذات السمات الأخلاقية والربانية إلى شخصية منافية للواقع ومباينة لما ورد في
آيات الذكر الحكيم .
متى نشأ الافتراء على النبي ( صلى الله عليه وآله ) :
عندما نراجع الأحاديث المروية في الصحيحين حول النبي ( صلى الله عليه وآله )
تنكشف لنا حقيقة ما ، وتلك الحقيقة هي :إن الافتراء وبث الإشاعات حول شخصية
النبي ( صلى الله عليه وآله )
بدأت في حياته ، وذلك عندما نشر بعض الأشخاص -
حبا للرسول ( صلى الله عليه وآله ) أو بغضا له أو لأسباب أخرى - أكاذيب
اختلقوها وشايعات صنعوها حول شخصيته ( صلى الله عليه وآله ) حتى ضاق الرسول بها
ذرعا ، وأعلن هو للناس
على المنبر عن وجود هؤلاء الوضاعين الكذابين بين الناس ،
وحذرهم بعاقبة عملهم الفاسد والمفسد قائلا : لا تكذبوا على ، من كذب على فليلج
النار ( 1 ) .
وإن سليم بن قيس الهلالي سأل أمير المؤمنين عليا ( عليه السلام ) عن الأحاديث
التي في أيدي الناس ، فأجابه الإمام علي
( عليه السلام ) بخطبة بليغة قسم فيها الأحاديث ورواتها إلى عدة أقسام فقال :
إن في أيدي الناس حقا وباطلا ، وصدقا وكذبا ، وناسخا ومنسوخا ،
|
* ( هامش ) *
( 1 )
صحيح البخاري 1 :
38 كتاب العلم باب إثم من كذب على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ،
تحف العقول :
136 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 213
|
ومحكما ومتشابها ، وحفظا ووهما ، ولقد كذب على رسول الله (
صلى الله عليه وآله ) على عهده . . . . . ( 1 )
ولكن بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ازدادت أسباب جعل الحديث والكذب
عليه ( صلى الله عليه وآله ) ، وكلما ابتعد الناس
عن عهد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أكثر فأكثر ، زادت
الدواعي والأسباب واشتد الكذب والشائعات المنسوبة إلى النبي ( صلى الله عليه
وآله ) .
حتى شملت - هذه الأحاديث المفترية - تاريخ النبي ( صلى الله
عليه وآله ) قبل البعثة ، وبدء نزول الوحي ، والحياة العائلية والداخلية ،
وكيفية معاشرته مع المسلمين ، بل شوهوا جميع الشؤون والأمور التي تمت إلى النبي
( صلى الله عليه وآله ) ،
حسب ما تملي عليهم أهواؤهم ومقاصدهم الخبيثة ، ولذلك ترى كل
واحد منهم إذا قصد الحصول على ما يرتئيه ، أو الوصول إلى هدفه يضع حديثا وينسبه
إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكان هذا دأبهم المقصود حتى عهد معاوية حيث
اشتدت الدواعي أكثر .
فأمر بتأسيس هيئة التحديث - مؤسسة وضعها معاوية لجعل الحديث - لغايات وأهداف
عديدة ، وكان يستخدم معاوية هذه المؤسسة وأعضاءها في سبيل تحقيق مآربه على أحسن
وجه مثل التعتيم على أعماله وأفعاله الغير شرعية ، وتحجيم شخصية
النبي ( صلى الله عليه وآله ) بواسطة الأحاديث التي اختلقتها هذه المؤسسة حتى
يوازيها بشخصيته وشخصية ابنه . وما كان هدفه في ذلك التحجيم والتعتيم على شخصية
النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلا أن يعد العدة ويمهد الأرضية لخلافة الفاسق
الفاجر ابنه يزيد .
ومن جهة أخرى كان هدفه من تأسيس الهيئة التزويرية اتهام مخالفيه ، ليردعهم
ويشفي غليله ويصب حقده وحقارته عليهم ، ويملأ بذلك نواقص ومعايب شخصيته وعشيرته
، ويبرر ما جنته يداه في عهد خلافته ( 2 ) .
وبعد هلاك معاوية رأى الخلفاء الذين تزعموا المسلمين أن الأحاديث التي اختلقتها
مؤسسة معاوية مفيدة في تثبيت نظامهم وتقوية أركان سلطانهم ، وتحكيم
|
* ( هامش ) *
( 1 )
شرح نهج البلاغة 11 : 38 خطبة 203 .
( 2 ) يمكنك أيها القارئ أن تستلهم المزيد في هذا الموضوع عند مراجعة
فصل الحديث في عهد معاوية . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 214
|
خلافتهم ، فلذلك سعوا في حفظ هذه الأحاديث وتنظيمها وتعديلها
واجتهدوا في تقويتها . ومن بعد ذلك كانت هذه الأحاديث تنتقل من فم هذا إلى إذن
غيره ، حتى استقرت وقرت في الكتب والمؤلفات ، وفي
مقدمتها صحيح البخاري وصحيح مسلم ،
ومن هذين الصحيحين انتقلت إلى كتب الحديث والتاريخ والتفسير ، بل وردت في بعض
كتب الشيعة أيضا ، وضبطها بعض مؤلفي الشيعة في كتبهم الحديثية والتاريخية
والتفسيرية ، من دون تحقيق وتحليل وتأمل ، ولإثبات ما قلناه ننقل خمس نماذج
من الأحاديث التي أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما ونسباها إلى الأنبياء (
عليهم السلام ) ، ومن ثم نقوم بتحقيقها ونقدها ، ثم نتطرق بعون الله تعالى إلى
نقد وتحليل الأحاديث التي رواها الشيخان في كتابيهما مما تمت إلى شخصية رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) بصلة .
|