(
إن مذهباً يثبت نفسه من
كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل
والتحوير أحق أن يتجنب عنه )
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 266 |
7 - النبي ونسيانه بعض آيات
القرآن
عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : سمع النبي ( صلى الله
عليه وآله ) رجلا يقرأ في المسجد فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( رحمه الله )
أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها في سورة كذا وكذا .
روى هذا الحديث البخاري ومسلم في صحيحيهما
( 1 ) .
وفي حديث آخر أخرجه الصحيحان ذكرت كلمة أنسيتها بدلا عن
أسقطتها أي أذكرني تلك الآيات التي أنسيتها ( 2 )
.
وهذا من الأكاذيب الواضحة والصريحة التي لا تتناسب والعقل والقرآن والسنة لأن
النبي - حاشاه - الذي ينسى ما يوحى إليه من الآيات ولم يستطع أن يحفظ معجزة
دينه الخالدة ، لا شك أنه لا يمكن الاعتماد عليه والوثوق به في مجال تبليغ
الدعوة ، بل لم يكن صالحا لتلقي الوحي والرسالة .
ومن هنا يمكننا أن ندرك مدى خطورة هذا الحديث للطعن على أصل النبوة ، ولما كانت
هذه المسألة من المواضيع الهامة نفى القرآن صريحا صدور أي غفلة ونسيان من النبي
( صلى الله عليه وآله ) بقوله : (
سنقرئك فلا تنسى ) ( 3 ) فالآية تنفي صحة
الحديث وتنكره ، وتثبت أن الرسول حفاظ للقرآن وغير نساء له .
وأضف إلى هذا أن تخريج مسلم لهذا الحديث في باب الأمر بتعهد القرآن وكراهة قول
نسيت وتخريجه حديثا قريبا لمضمون عنوان الباب ( قال رسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) : بئسما
|
* ( هامش ) *
( 1 )
صحيح البخاري 3 : 225 كتاب الشهادات باب شهادة
الأعمى ونكاحه ، و ج 6 : 238 كتاب فضائل القرآن باب نسيان القرآن ،
و ج 8 : 91 كتاب الدعوات باب قول الله وصل عليهم .
( 2 )
صحيح البخاري 6 : 239 كتاب فضائل القرآن باب نسيان القرآن ،
صحيح مسلم 1 : 543 كتاب فضائل القرآن باب (
33 ) باب الأمر بتعهد القرآن وكراهة قول نسيت ح 225 .
( 3 )
الأعلى : 6 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 267 |
للرجل أن يقول نسيت سورة كيت وكيت أو نسيت آية كيت وكيت
( 1 ) . وبناء على هذا فكيف يعقل أن يذم النبي (
صلى الله عليه وآله ) أحدا على شئ وهو متصف به ؟ أو يكره عملا للآخرين ويذمه
لهم وهو مبتلى به ؟
8 - النبي يبول واقفا : نبز تهمة
1 - روى البخاري ومسلم عن
حذيفة قال : أتى النبي ( صلى الله عليه وآله ) سباطة قوم خلف حائط فبال قائما
( 2 ) .
2 - ورويا أيضا عن أبي
وائل قال : كان أبو موسى الأشعري يشدد في البول ويقول : إن بني إسرائيل كان إذا
أصاب ثوب أحدهم قرضه فقال حذيفة : لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد ، فلقد
رأيتني أنا ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نتماشى ، فأتى سباطة ، خلف حائط
فقام كما يقوم أحدكم فبال فانتبذت منه فأشار إلي فجئت فقمت عقبه حتى فرغ (
3 ) .
مؤدى هاتين الروايتين اللتين رواهما البخاري ومسلم : أن رسول الله - حاشاه - هو
مثل الأشخاص السذج الذين آنسوا السنن الجاهلية ، ولما يتعرفوا على التعاليم
والآداب الإسلامية ، وإنه كمثل هؤلاء يقف على السباطة خلف الجدران ويبول وهو
واقف ( قام رسول الله كما يقوم أحدكم فبال قائما ) ) .
اعتراف بقبح هذه التهمة : إننا في هذا البحث
الموجز نغض النظر عن التحقيق والبحث العلمي حول هذه الفرية التي ألصقوها برسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
صحيح مسلم 1 : 544 كتاب فضائل القرآن باب ( 33 ) باب الأمر بتعهد القرآن
. . . ح 228 .
( 2 و 3 ) مفاد
ما ورد في صحيح البخاري 1 : 66 كتاب الوضوء باب
البول عند صاحبه والتستر بالحائط وباب البول قائما
وقاعدا وباب البول
عند سباطة قوم ، و ج 3 : 177 كتاب المظالم باب الوقوف والبول عند سباطة قوم ،
صحيح
مسلم 1 : 228 - 230 كتاب الطهارة باب ( 22 ) باب المسح على الخفين ح 73
- 80 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 268 |
ولا أريد أن أقول : إن النظافة مسألة فطرية وغريزية مودعة حتى
في الحيوانات بحيث تشعر بها بشعورها الذاتي ، وأنها تسعى عند البول أن لا تتلوث
به .
ولا أريد أن أقول : أن النظافة من البول مسألة بديهية يعرفها
حتى أبو موسى الأشعري وكان يشدد فيها .
ولا أريد أن أقول : أن مسألة البول عند بني إسرائيل - كما
حدثنا أبو موسى - كانت مهمة للغاية بحيث إنهم كانوا يقرضون ثيابهم إذا أصابها
بول . إنا نغض النظر عن كل هذه المسائل لأن قبح المسألة بديهي ، حتى أن علماء
العامة وشراح
الصحيحين أذعنوا لذلك ، واعترفوا بكون هذه المسألة ونسبتها
إلى النبي هي إهانة واستخفاف بشأن النبوة ، ولذا عمدوا إلى توجيه وتأويل
الأحاديث المذكورة ، وذكروا لها معاذير واهية التمسوا عذرا هو أقبح من الذنب .
أعذار أقبح من الفعل :
قال شراح صحيحي مسلم والبخاري في
تبريرهم لهذين الحديثين :
1 - إن العرب كانت تستشفي
لوجع الصلب بالبول قائما ، فلعل كان به ( صلى الله عليه وآله ) وجع الظهر فتأسى
بآداب الجاهلية فبال قائما .
2 - أنه بال قائما لعلة
بمأبضه - أي باطن الركبة - بحيث تمنعه من الجلوس .
3 - أنه لم يجد مكانا
للقعود فاضطر إلى القيام .
4 - البول قائما يحصن
الإنسان من خروج الحدث من مخرج الغائط ، ولكن هذه الحصانة غير مأمونة عند
الجلوس ، ولذا قال عمر : البول قائما أحصن للدبر ( 1 )
، ولعل النبي بال قائما عملا بهذا الاحتمال .
5 - أنه ( صلى الله عليه
وآله ) كان يبول قائما أحيانا لكي يبقى حكمه الجواز .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
شرح صحيح مسلم 3 : 166 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 269 |
ذكر هذه التبريرات الركيكة شارحو صحيحي البخاري ومسلم كابن
حجر في فتح الباري ( 1 ) ، والقسطلاني في إرشاد
الساري ( 2 ) ، والنووي (
3 ) في شرح صحيح مسلم نقلا عن الخطابي والبيهقي وغيرهما من أهل السنة .
وأضاف السيوطي إلى هذه الوجوه وجوها أخرى ( 4 ) .
لم هذه التوجيهات ؟ هذه تبريرات مؤيدي البخاري
ومسلم وتأويلهم لهاتين الروايتين ، وقد عرفت أيها القارئ الكريم هزال هذه
التبريرات وخفتها ، إنها أعذار أقبح من الذنب ، وإنها لأشأم من نفس التهمة التي
ألصقوها بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) . وأعتقد أن قبول هذه الأحاديث ثم
تبريرها وتأويلها بتأويلات فارغة المعنى وسخيفة لم تكن إلا لعلتين وسببين :
1 - الجهل بمقام النبوة .
2 - الاعتقاد الأعمى بصحة
كل حديث أورده البخاري ومسلم في صحيحيهما وكما يروي السيوطي : إن البول قياما
صار عادة اعتاد عليها المسلمون من العامة في مدينة هرات وإحياء لهذه السنة
المبتدعة ، وعدم مخالفتهم لما جاء في صحيح البخاري ومسلم ، تراهم أنهم يستنون
بهذه السنة فكانوا يبولون عن قيام حتى ولو مرة واحدة في كل عام
( 5 ) .
ونقل لي أحد العلماء المعاصرين : إن بعض المسلمين من أهل السنة في العراق اليوم
، يبولون قياما تأسيا بهذه الأحاديث الموضوعة .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
فتح الباري 1 : 261 - 262 .
( 2 ) إرشاد الساري 1 : 293 .
( 3 ) شرح صحيح مسلم للنووي 3 : 165 - 166
.
( 4 و 5 ) شرح سنن النسائي 1 : 19 - 26 .
( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 270 |
دحض هذه الأباطيل : فلو كان
لهؤلاء أدنى معرفة بالنبوة والرسالة ، ولو أنهم فرغوا عقولهم من السذاجة
والتعصب المفرط ، وحسن ظنهم الشديد وتعلقهم بالصحيحين ، وتأملوا قليلا فيهما
لعرفوا أن هذا الموضوع الذي لفقوه على النبي ( صلى الله
عليه وآله ) ليس فقط لا يتلاءم ومقام النبوة فحسب ، بل إنه
يشين بأي فرد من الأفراد ممن له معرفة سطحية بالمعارف
الدينية أو يكون محترما عند نفسه . وإننا نرفض جميع هذه الروايات الملفقة على
النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا نقول
بصحتها أبدا - كما يعتقد بأن الحديث الصحيح هو كل ما أخرجه
البخاري ومسلم في صحيحيهما - بل نأخذ بالأحاديث الصحيحة التي تروي لنا : كنت مع
النبي ( صلى الله عليه وآله ) في سفر فأتى النبي حاجته فأبعد في المذهب
( 1 ) ، وأنه كان يرتاد لبوله مكانا كما يرتاد
منزلا ( 2 ) .
وإننا نقبل الأحاديث التي تقول : مر النبي ( صلى الله عليه وآله ) على قبرين
فقال : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير . ثم قال : بلى أما أحدهما فكان يسعى
بالنميمة ، وأما أحدهما فكان لا يستتر من بوله ( 3 )
.
دواعي وضع هذه الأحاديث : يبدو أن هناك بين أصحاب
النبي ( صلى الله عليه وآله ) من ترسخت فيه عادات الجاهلية مثل البول قياما فهو
لا يستطيع ترك هذه العادة السافلة ، وحتى لا يكون مشجوبا عند الناس ، ولا
|
* ( هامش ) *
( 1 )
سنن الترمذي 1 : 31 كتاب الطهارة باب ( 16 ) باب ما جاء أن النبي ( صلى
الله عليه وآله ) كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب ح 20
وسنن النسائي 1 : 18 كتاب الطهارة باب الأبعاد
عند إرادة الحاجة .
( 2 )
سنن الترمذي نفس المصدر .
( 3 )
صحيح البخاري 2 : 124 كتاب الجنائز باب عذاب
القبر من الغيبة والبول ،
صحيح مسلم 1 : 240 كتاب الطهارة باب ( 34 )
باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه ح 111 ،
سنن أبي داود 1 : 6 كتاب
الطهارة باب الاستبراء من البول ح 20 .
سنن النسائي 1 :
28 كتاب الطهارة باب التنزه عن البول . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 271 |
يحط شأنه وشخصيته في الأنظار ، فلذا تراه يختلق مثل هذه
السخافات ، ويتهم فيها رسول الله بالبول قائما لكي تمكنه ممارسة هذا العمل
القبيح ويقلل من قبح عادته المخزية . وتتجلى لك حقيقة قولنا إذا راجعت وتمعنت
في الروايات المروية في كتب العامة المعتبرة .
أخرج ابن ماجة في سننه : وكان من شأن العرب البول قائما
( 1 ) .
وخرج مالك في الموطأ عن عبد الله بن دينار قال : رأيت عبد
الله بن عمر يبول قائما ( 2 ) .
وحول تبول الخليفة عمر قائما ورد
حديثان :
1 - عن ابن عمر ، عن عمر
قال : رآني النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأنا أبول قائما . فقال : يا عمر لا
تبل قائما ، فما بلت قائما بعده ( 3 ) .
2 - وعن ابن عمر قال عمر
: ما بلت قائما مذ أسلمت ( 4 ) .
ونجد أن الراوي الوحيد الذي حدث وروى حديثا في البول قائما هو
عمر بن الخطاب . الذي روى حديثا وبين فيه الحكمة والفلسفة للبول في حال القيام
فقال : البول قائما أحفظ للدبر ( 5 ) .
وعلى أي حال فإن كلام عبد الله بن دينار في ابن عمر وكذا نفي موضوع التبول في
حالة القيام عن الخليفة عمر بن الخطاب ونسبته إلى رسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) فلسفة عمر في هذا ،
|
* ( هامش ) *
( 1 )
سنن ابن ماجة 1 : 112 ، كتاب الطهارة باب ( 14 ) باب في البول قاعدا ذيل
ح 309 .
( 2 ) موطأ مالك 1
: 65 كتاب الطهارة باب ( 31 ) باب ما جاء في البول قائما وغيره ح 112 .
( 3 ) سنن الترمذي
1 : 17 كتاب الطهارة باب ( 8 ) باب ما جاء في النهي عن البول قائما ح 12 ،
وسنن ابن ماجة 1 :
112 كتاب الطهارة باب ( 14 ) باب في البول قاعدا ح 308 .
( 4 ) سنن الترمذي
1 : 18 كتاب الطهارة باب ( 8 ) باب ما جاء في النهي عن البول قائما ح 12 .
( 5 ) فتح الباري 1
: 262 ، إرشاد الساري 1 : 277 وشرح
صحيح مسلم 3 : 165 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 272 |
الموضوع ، كل ذلك يدلنا على أن بين هذه الموارد المذكورة
علاقة وثيقة .
والجدير بالذكر أن هذه المسألة قد طرحت بعد وفاة الرسول ( صلى
الله عليه وآله ) وفي حياة عائشة ، وقد دار النقاش حوله فبعض نفى نسبتها إلى
الرسول ، والآخر أثبته ، وأما عائشة فقد التزمت بالدفاع عن الرسول وقامت تفند
وتستنكر هذه الأحاديث وتقول : من حدثكم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان
يبول قائما فلا تصدقوه ، ما كان يبول إلا قاعدا ( 1 )
.
وقال الترمذي بعد تخريجه لهذا الحديث : حديث عائشة أحسن شئ في الباب وأصح
( 2 ) . ومن الذين صادق على صحة رواية عائشة
وأكدها ابن حجر العسقلاني في شرحه على صحيح البخاري ( 3
) .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
سنن الترمذي 1 : 17 كتاب الطهارة باب ( 8 ) باب
ما جاء في النهي عن البول قائما ح 12 ،
سنن ابن ماجة 1 : 112
كتاب الطهارة باب ( 14 ) باب في البول قاعدا ح 307 ،
سنن النسائي 1 : 26
كتاب الطهارة باب البول في البيت جالسا .
( 2 ) سنن الترمذي 1 : 17 كتاب الطهارة
ذيل حديث 12 .
( 3 ) فتح الباري 1 : 261 . ( * ) |
|
|