( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 7

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، وصلاته وسلامه على خاتم رسله وعلى آله الطاهرين .

وبعد : فإن كل متتبع يعلم ضرورة أن من ألطاف الله جل شأنه على البشرية أن أرسل إليهم الأنبياء والمرسلين هداة للناس ، وخص هذه الأمة المرحومة بأشرف أنبيائه وخاتم سفرائه سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، إذ أرسله برسالة خالدة


وبكتاب مجيد فيه تبيان كل شئ ، فمن تمسك به هدى ومن ضل عنه غوى وهوى . ولما كان هذا الكتاب المعجزة النبوية الخالدة يحتوي على الكليات والعمومات والاطلاقات والمحكمات والمتشابهات ما لا يفهمه ولا يدرك مغزاه إلا النبي ( صلى


الله عليه وآله ) ومن غره النبي بالعلم غرا وعنده علم الكتاب ، فقام النبي ( صلى الله عليه وآله ) بتفسيره وبيانه وتخصيص عموماته وتقييد محكماته عملا وقولا .

 فكان عمل النبي وقوله وتقريره - السنة النبوية - ركيزة ودعامة ثانية اعتمد عليها المسلمون في فهم دينهم ، ومعرفة الإسلام الذي أتى به النبي ( صلى الله عليه وآله ) .


وعندما افترقت الأمة علنا بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) كما كانوا فئات مختلفة في حياته رأى زعماء كل فرقة أهمية الحديث النبوي ودوره في استمرارية الدين وديمومته ومكانته الاجتماعية والثقافية والتوعوية ، فمنهم من أحضر التحديث عن


النبي رواية وكتابة حتى آل الأمر إلى ضرب رواة الحديث وإقصائهم ومنعوا تدوينه ، ومنهم من أكد على ضرورة روايته وكتابته ، واعتبر أن أقوال النبي ( صلى الله عليه وآله ) كالقرآن ، وأنه قال : إنما أوتيت القرآن ومثله
 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 8

معه ، وأقواله بل أعماله وتقريراته كلها مبتنية على أساس الوحي الإلهي ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )
( 1 ) .

وبعد فتور زمني طويل يزيد على قرن واحد أحس بعض أتباع المانعين من التدوين والرواية بضرورة حفظ سنة النبي (صلى
الله عليه وآله ) القولية والعملية ، فأمروا شيعتهم بذلك فظهرت من بعد هذا الأمر الخليفي مدونات ومصنفات صغيرة وكبيرة ملأت الدنيا ودورها ، فيها مرويات وأحاديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه رواها الناس على فآتهم .


ولما كانت الغايات في رواية أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) مختلفة سطع نجم هوى الخليفة وكسب عطاياه في صدارة الغايات بعد أن أفلت الغايات الأخرى وخاصة الخالصة لوجه الله عز وجل ، فظهر المكذبون والمزورون والمدلسون


والوضاعون ولبسوا لباس راوية الحديث والمحدث والمفسر وغيرهم ، ودونت كلمات في الكتب والمجاميع والسنن مما أتعبت
فيما بعد علماء الرجال والتراجم وأئمة الحديث .
 

ومن المدونات التي فاق صيتها واسمها الآفاق ، ونالت من المديح والاطراء الكثير : الجامع الصحيح لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري 194 - 256 ه‍ ، والجامع الصحيح لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري 206 - 261 ه‍ .


وقد اعتبر علماء أهل السنة هذين الكتابين أصح الكتب وأتقنها وأضبطها بعد القرآن ، واعتمدوا عليهما تمام الاعتماد ، واهتموا بهما غاية الاهتمام ، حتى غالوا في إطرائهم عليهما وصححوا جميع ما ورد فيهما .


والبعض أنزل صحيح البخاري منزلة العصمة ، كالقرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا يجوز نقده متنا وسندا . فأما المتن قالوا : إنه خرج من شفتي النبي . وأما سنده فقالوا : من أخرج له البخاري فقد جاز القنطرة . ولكن بعض الحفاظ لما أمعنوا النظر ودققوا البصر في الصحيحين رأوا ما هو مبائن
 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 9

لهذه الإطراءات والمدائح ، فكتبوا كتبا مستقلة أو ضمنا في النقد والرد على صحيح البخاري ومسلم ، كالدارقطني ( 1 ) وابن حجر ( 2 ) وغيرهما .


وما أحوجنا نحن المسلمون في هذا العصر إلى الخروج عن الانطباع على حالة التعبدية والصنمية ، والانفتاح الصحيح على القيم والموازين الدينية الأصيلة التي تسوقنا إلى معرفة السنة النبوية الصحيحة الصافية عن الترهات ، والمهذبة من الشطحات ، وتنقيحها حتى لا تتسنى الفرص لأعداء الدين الألداء بالنيل من الإسلام والرسول ورسالته .


وهذا الكتاب على إجماله واختصاره قد تكفل مؤلفه العلامة الشيخ محمد صادق النجمي بيان نقاط الضعف والسقم في الصحيحين بأسلوب علمي مبسط ، وقد حاولنا في تعريبه رعاية هذا الأسلوب المبسط ليقرأه العالم وغيره .


وأرجو من العلي القدير أن يكون هذا الكتاب نافذة تطل على تنقيح السنة النبوية الشريفة من أدران الوضاعين والكذابين .

ولا يسعني هنا إلا أن أمد يد الشكر والامتنان إلى أخي وصديقي الأستاذ الفاضل السيد محمد جواد المهري الذي شوقني بأمره بترجمة الكتاب الذي بين يديك - عزيزي القارئ - وله الفضل والمنة ، وأقدم كذلك فائق تقديري للإخوة المسؤولين في مؤسسة المعارف الإسلامية حيث كانوا هم المشوقين لي في هذا العمل المتواضع .


وأخيرا إليك يا زهرة المصطفى ، ويا بضعة النبي المجتبى ، يا سيدتي يا فاطمة ، يا أيتها العزيزة ، قد مسنا وأهلنا الضر وجئناك ببضاعة مزجاة فأوفي لنا الكيل من الولاية ، وتصدقي علينا بالشفاعة ، إن الله يجزي المتصدقين ، واجعلي يا مولاتي

سقاية ودك ومحبتك في رحل قلبي وفؤادي ، ثم خذيني إليك عبدا قنا . وإليكم يا قادتي وأئمتي وشفعائي ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم ، بولاية أبيكم أمير المؤمنين وسيد الأوصياء ، وصي رسول الله حقا ، وخليفته

 

* ( هامش ) *
( 1 ) الإلزامات والتتبع . ( 2 ) فتح الباري . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 10

نصا ، ووارثه وحيا ، علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وولاية أبنائه الأحد عشر الأئمة الهداة المعصومين ( عليهم السلام ) .

وإليك يا سليل الأطهار ، ووارث الأبرار ، وصي الأوصياء ، وصفي الأصفياء ، قامع أهل الضلالة والعتاة المردة ، ومنجي البشرية من براثن النفاق والكفرة ، بقية الله الأعظم الحجة ابن الحسن روحي وأرواح العالمين له الفداء .


أهدي إليكم جميعا هذا العمل المتواضع فتقبلوه مني بأحسن القبول . وأهدي أيضا إلى جدي المرحومين المغفورين الحاج زاير علي كمالي والحاج غلام عباس درويش اللذين زرعا حب الولاء لعلي ( عليه السلام ) في قلوب أحفادهما فأسكنهما الله فسيح جنانه في زمرة أوليائه وبجوار النبي وآله .


ومن الله سبحانه وتعالى استمد العون وأسأله أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم ، وأن يمن علي وعلى والدي بالمغفرة والرحمة وشفاعة محمد وآله الطاهرين في يوم الدين .


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين يحيى كمالي البحراني مولد الزهراء ( عليها السلام ) 20 جمادى الثانية 1419 ه‍ قم المقدسة
 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب