( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 369

بين الخلفاء والشريعة

لا ريب إن أهم شروط الإمامة والتي تعتبر المفهوم الواقعي والحكمة العالية في الخلافة في الإسلام هو : أن يكون الإمام والخليفة حافظا للدين ، وصائنا للشريعة ، ومنفذا لقوانين القرآن وتشريعاته .

هذا ما أوضحه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في ضمن بيانه لشروط الإمامة فقال : ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة . ولكن التاريخ يروي لنا عكس هذا تماما ، ويستفاد مما احتوته أحاديث الصحيحين ، أن بعض حكام الشريعة ، وقوانين الدين ، قد

تعرضت للتزوير وتطاولت إليها أيدي التشويه والتحريف في عهد الخلفاء ، وإنهم كانوا يغيرون التعاليم والأحكام الدينية حسب
ما تقتضيه مصالحهم ونزعاتهم الشخصية ، وكل واحد منهم كان يفسر الشريعة والسنة وفقا لرأيه وكيفما شاءت أهواؤهم .

لما أرادوا أن يبرروا هذا العمل - ويصبغوا هذه التحريفات والتغييرات بالصبغة الدينية والطابع الشرعي ، ويظهروا باطلهم ومخالفاتهم للنصوص في كسوة الحق - سموه الاجتهاد ، وخلف ستار الاجتهاد وباسمه دسوا تحريفاتهم ومخالفاتهم في أوساط

المجتمعات الإسلامية ، بينما الاجتهاد في الواقع أمر ، ومخالفة التعاليم القرآنية الصريحة والسنة النبوية أمر آخر .


وبهذه المناسبة يقول أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام ) : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، متعمدين بخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيرين لسنته ، ولو حملت الناس على تركها ، وحولتها إلى مواضعها ، وإلى ما كانت في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، لتفرق عني جندي ، حتى أبقى وحدي ، أو مع قليل

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 370

من شيعتي الذين عرفوا فضلي ، وفرض إمامتي من كتاب الله وسنة رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ( 1 ) .


وقال أيضا : لو قد استوت قدماي من هذه المداحض لغيرت أشياء .

وعلق ابن أبي الحديد في شرحه على هذه الكلمة : لسنا نشك أنه كان يذهب في الأحكام الشرعية والقضايا إلى أشياء يخالف فيها أقوال الصحابة ، نحو قطعه السارق من رؤوس الأصابع ، وبيعه أمهات الأولاد ، وغير ذلك ، وإنما كان يمنعه من تغيير أحكام من تقدمه اشتغاله بحرب البغاة والخوارج ( 2 ) .


أقول : إن عدد الأحكام التي غيرت وحرفت وإحصاء المخالفات التي وقعت في قبال أوامر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأحكامه سواء في حياته أو بعد وفاته من قبل الصحابة ، فهي كثيرة العدد مستخرجة ومروية في كتب الحديث والتفسير بكثرة . إلا إننا نذكر هنا بعض تلك الأعمال - وقد نقلها الشيخان في صحيحيهما - التي خالف فيها الأصحاب أوامر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وسننه ، وحرفوها :


 1 - القتل والفتك تحريف الأحكام : من الأحكام الضرورية في الشريعة الإسلامية حرمة الإنسان المسلم الذي يقر بالشهادتين - شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) - فإهراق دمه واستباحة ماله حرام ، ولا يحق لأحد التعرض لهما إلا من الناحية الحقوقية الفردية . قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله ، فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه ، وحسابه على الله ( 3 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) كتاب سليم بن قيس الهلالي : 162 ، روضة الكافي : 59 ح 21 ،
      بحار الأنوار 34 : 168 كتاب تاريخ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) باب ( 32 ) باب علة عدم تغيير أمير المؤمنين ( عليه السلام )
      بعض البدع في زمانه ، إحقاق الحق 1 : 61 .
( 2 )
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 19 : 161 .
( 3 )
صحيح البخاري 9 : 19 كتاب استتابة المرتدين والمعاندين باب قتل من أبى قبول الفرائض . . . ،
      صحيح مسلم 1 : 51 كتاب الإيمان باب ( 8 ) باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله . . . ح 32 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 371

فبعد وفاة الرسول أبي بعض المسلمين المعتقدين بوجوب أحكام الدين وضرورياته كالزكاة أن يدفع الزكاة إلى أبي بكر ، والحق لأنهم ما كانوا يعترفون بخلافة أبي بكر على أنها خلافة شرعية ، ولذلك حاربهم أبو بكر فقتل رجالهم وسبى نساءهم وأطفالهم ( 1 ) .


ولما رأوا فضاعة ما فعلوه عمدوا إلى إلباسه لباس الشرعية ليحصنوا بذلك شرف الخليفة من النقد والاستنكار ، ويبرؤونه من وصمة العار ، ولذلك سموا مانعي دفع الزكاة إلى الخليفة بالمرتدين ، وبذلك اشتهروا ، وصيروا في قائمة الكفار مثل مسيلمة ( 2 ) وطليحة ( 3 ) اللذان حاربا الإسلام في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) ثمة في التاريخ الإسلامي قضايا وحوادث مؤلمة مثل إحراق قبيلة بني سليم الذي أشعل خالد بن الوليد فيها الفار في غرة حكومة الخليفة أبي بكر الصديق . راجع الرياض النضرة للمحب الطبري 1 : 147 .

( 2 ) مسيلمة الكذاب : هو مسيلمة بن ثمامة من بني حنيفة ، ادعى النبوة وكان من المعمرين ، نشأ باليمامة ، ولما ظهر الإسلام في الحجاز وافتتح النبي ( صلى الله عليه وآله ) مكة ودانت له العرب ، جاءه وفد من بني حنيفة وكان معهم مسيلمة إلا إنه تخلف مع الرحال خارج

مكة فجاء الوفد إلى النبي وأسلموا وأخبروا النبي بمكان مسيلمة ، ولما رجعوا إلى ديارهم كتب مسيلمة إلى النبي : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، سلام عليك ، أما بعد . . . فأجابه النبي : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب . . . .

وكان مسيلمة يضع أسجاعا ليضاهي بها القرآن ، وتوفي النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل القضاء على فتنته ، وفي عهد أبي بكر أرسل
أبو بكر جيشا بقيادة خالد بن الوليد فقضى عليه ، وكان ذلك سنة 12 من الهجرة . راجع الأعلام ترجمة مسيلمة الجزء السابع . المعرب

( 3 ) طليحة الكذاب : هو طليحة بن خويلد الأسدي ، قدم هو وقبيلته سنة تسع من الهجرة المدينة فأسلموا ، ولما رجعوا ارتد طليحة وادعى النبوة فوجه النبي ( صلى الله عليه وآله ) إليه ضرار بن الأزور فضربه ضرار بالسيف يريد قتله ، فنبا السيف فشاع بين الناس إن

السلاح لا يؤثر فيه ، ومات النبي ( صلى الله عليه وآله ) فكثر أتباع طليحة من قبائل أسد وغطفان وطي ، وكان يقول : إن جبرئيل يأتيه

، وتلا على الناس أسجاعا أمرهم فيها بترك السجود في الصلاة ، فهاجم المدينة في عهد أبي بكر وقاتله خالد ومات في عهد عمر . الأعلام ترجمة طليحة الأسدي الجزء الثالث . المعرب . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 372

بينما الروايات والتاريخ يدفعان هذا الاتهام والوصمة بالارتداد عن هذه الفئة وينفيانه عنها وتبرئ أولئك من هذه الفرية .

ومن الأحاديث التي تكشف عن واقعية هذه القضية وحقيقتها هو ما أخرجه البخاري ومسلم في كتابيهما ، حيث كشفا عن جوانب جزئية من هذه القصة نتطرق إلى نقل خلاصة القضية من الناحية التاريخية . أخرج الشيخان عن أبي شهاب ،

أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا هريرة قال : لما توفي النبي ( صلى الله عليه وآله ) واستخلف أبو بكر ، وكفر
من كفر من العرب ، قال عمر : يا أبا بكر ! كيف تقاتل الناس ، وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( أمرت أن

أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ) ؟ . قال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول

الله ( صلى الله عليه وآله ) لقاتلتهم على منعها . قال عمر : والله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال ، فعرفت أنه الحق ( 1 ) .


أقول : إن الجملة الأولى من هذه الحكاية - وكفر من كفر من العرب - كما يظهر من ظاهرها ليست إلا كذبا وتدليسا ، وما هي إلا ذريعة التمسوها لتوجيه القتل والغارات والتنكيل بالمسلمين ، التي وقعت بأمر من الخليفة أبي بكر ، وما يشهد على زيف دعواهم ما جاء في الفقرات الأخيرة من القصة البخارية .


 1 - ورد في جواب أبي بكر لعمر : ( إني أقاتل من فرق بين الصلاة والزكاة ) وهذه العبارة إنما تدل بوضوح على إيمانهم وإقامتهم الصلاة وليس فيها ما يمت إلى كفرهم .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري 9 : 19 كتاب استتابة المرتدين والمعاندين باب قتل من أبى قبول الفرائض ،
      صحيح مسلم 1 : 51 كتاب الإيمان باب ( 8 ) باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله . . . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 373

 2 - فلو فرضنا إنهم مرتدون فإن اعتراض عمر على الخليفة حينئذ يكون باطلا ، حيث إنه استنكر عمل الخليفة وانتقده ، واستدل في استنكاره بحديث يبين فيه تعاليم الإسلام في بيان مصونية مال المسلمين ودمائهم .


قال ابن رشد : وقد بقي من أحكامه حكم مشهور ، وهو ماذا حكم من منع الزكاة ومن لم يجحد وجوبها ؟ فذهب أبو بكر
( رضي الله عنه ) إلى أن حكمه حكم المرتد ، وبذلك حكم في مانع الزكاة من العرب ، وذلك أنه قاتلهم وسبى ذريتهم ، وخالفه في ذلك عمر ، وأطلق من كان استرق منهم . وبقول عمر قال الجمهور ( 1 ) .


وكانت حروب الردة - كما يصطلحون عليها - منحصرة في جبهتين : في جبهة حضرموت ضد قبائل كندة ومأرب وكان أمير العسكر الخليفي عكرمة بن أبي جهل . وفي جبهة أطراف المدينة ضد قبائل عبس وذبيان وبني كنانة وغيرها بقيادة خالد بن الوليد .


وهؤلاء الرجال الذين قتلوا بسيف المسلمين بقيادة عكرمة وخالد لم يرتدوا ولم يكونوا منكري وجوب الزكاة ، بل هم مسلمون وكانوا يقولون : أطعنا رسول الله ما دام وسطنا * فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكر ( 2 ) بعضهم كانوا يقولون لممثل الخليفة : إنك تدعو إلى طاعة رجل لم يعهد إلينا ولا إليكم فيه عهد ( 3 ) .


وتارة كانوا يقولون ( 4 ) لهم : أنظروا في شأن عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فما كان من أمرهم ، وهم الأولى بتسنم خلافة الرسول فأقصيتموهم . . . . والله تعالى يقول : ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) ( 5 ) .

قال ابن كثير : وجعلت وفود العرب - بعد خلافة أبي بكر - تقدم المدينة ، يقرون
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) بداية المجتهد 1 : 256 .
( 2 - 4 )
للمزيد من الاطلاع على قضية ما سمي بالردة راجع : معجم البلدان للحموي ، أنساب الأشراف للبلاذري ،
      و الفتوح لابن أعثم الكوفي .
( 5 )
الأنفال : 75 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 374

بالصلاة ويمتنعون عن أداء الزكاة ، ومنهم من امتنع عن دفعها إلى الصديق أبي بكر ( 1 ) . وقال العقاد : أما القبائل وراء ذلك ، فكان لكل منها نصيب من التقلقل يناسب نصيبها من القرب والبعد والمودة والجفاء ، فأقربهم إلى مهد الإسلام كانوا

يخلصون للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ويخرجون على من ولى الحكم بعده : أطعنا رسول الله مذ كان بيننا * فيا لعباد الله ما لأبي بكر وأناس منهم آمنوا بالزكاة ولم يؤمنوا بمن يؤدونها إليه ( 2 ) .


وقال الأستاذ محمد حسنين هيكل : جمع أبو بكر كبار الصحابة يستشيرهم في قتال الذين منعوا الزكاة ، وكان رأي عمر بن الخطاب وطائفة من المسلمين معه ألا يقاتلوا قوما يؤمنون بالله ورسوله ، وأن يستعينوا بهم على عدوهم ، ولعل أصحاب هذا الرأي كانوا أكثر الحاضرين ، في حين كان الذين أشاروا بالقتال هم القلة .


وأغلب الظن إن المجادلة بين القوم في هذا الأمر البالغ الخطر طالت ، واحتدمت أيما احتدام ، فقد اضطر أبو بكر أن يتدخل بنفسه فيها ، يؤيد القلة ولقد اشتد في تأييد رأيه في ذلك المقام يدل على ذلك قوله : والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لقاتلتهم على منعه ( 3 ) .


أقول : وقصة التشاور بين أبي بكر وبلاطه نقلها السيوطي ( 4 ) والبلاذري وابن الأعثم الكوفي ( 5 ) ، وقال الأعثم : وإن جملة ( والله لو منعوني عقالا ) قالها أبو بكر في جواب عمر عندما رآه يعارض
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) البداية والنهاية 6 : 304 حوادث سنة إحدى عشرة فصل في تنفيذ جيش أسامة .
( 2 )
عبقرية الصديق : 124 .
( 3 )
الصديق أبو بكر : 96 .
( 4 )
تاريخ الخلفاء : 74 .
( 5 )
الفتوح 1 : 6 - 22 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 375

فكرة قتال المسلمين . وعلى أي حال يتضح مما ذكرناه ونقلناه عن ابن كثير وسائر المؤرخين ، ومن كلام أبي بكر أن السبب والباعث الرئيسي وراء قتاله لهؤلاء القوم لم يكن ارتدادهم وتراجعهم عن الإسلام ، أو إنكارهم لإحدى الضروريات الدينية - أي الزكاة - ، بل الباعث في قتالهم هو أنهم امتنعوا عن أداء الزكاة لأبي بكر كما كانوا يؤدونها لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .


مالك بن نويرة عامل النبي ( صلى الله عليه وآله ) على الصدقات : الحروب التي شنت على القبائل المختلفة ، وقتل فيها رجالها وسبيت النساء والأطفال ، لم يكن سببها في الواقع هو ارتدادهم عن الدين وخروجهم عن الإسلام كما اتهموا بها ، وإنما السبب الواقعي هو امتناعهم عن أداء الزكاة للخليفة لأبي بكر .


ولما كان استعراض كل الجزئيات المكنونة في تلك الحروب - الردة - وشرحها مما يستدعي ويستوجب الإطالة والإطناب ، فلذلك اكتفينا بذكر قصة قتل مالك بن نويرة ورجال قبيلته خاصة ( 1 ) .


قال ابن حجر في ترجمة مالك بن نويرة : وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) استعمله على صدقات قومه - قبيلة بني تميم
( 2 ) .


وقال ابن الأعثم الكوفي : ثم ضرب خالد عسكرا بأرض بني تميم ، وبث السرايا في البلاد يمنة ويسرة ، قال : فوقعت سرية من تلك السرايا على مالك بن نويرة فإذا هو في حائط له ومعه امرأته وجماعة من بني عمه . قال : فلم يرع مالك إلا والخيل قد أحدقت به ، فأخذوه أسيرا وأخذوا امرأته معه ، وكانت مسحة من جمال ، وأخذوا كل من كان معه من بني عمه ، فأتوا بهم إلى خالد بن الوليد حتى أوقفوا بين يديه .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) راجع : عبد الله بن سبأ للعلامة العسكري لتزداد اطلاعا عن حروب الردة .
( 2 )
الإصابة 5 : 560 ترجمة مالك بن نويرة رقم 7712 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 376

قال : فأمر خالد بضرب أعناق بني عمه بديا . فقال القوم : إنا مسلمون ، فعلى ماذا تأمر بقتلنا ؟ قال خالد : والله لأقتلنكم ، فقال له شيخ منهم : أليس قد نهاكم أبو بكر عن أن تقتلوا من صلى للقبلة ؟ قال خالد : بلى قد أمرنا بذلك ، ولكنكم لم تصلوا

ساعة قط . قال : فوثب أبو قتادة إلى خالد بن الوليد فقال : أشهد أنك لا سبيل لك عليهم ، قال خالد : وكيف ذلك ؟ قال : لأني كنت في السرية التي قد وافتهم ، فلما نظروا إلينا قالوا : من أين أنتم ؟ قلنا : نحن مسلمون . قالوا : ونحن مسلمون .

ثم أذنا وصلينا فصلوا معنا . فقال خالد : صدقت يا أبا قتادة ، إن كانوا قد صلوا معكم فقد منعوا الزكاة التي تجب عليهم ولا
بد من قتلهم . قال : فرفع شيخ منهم صوته وتكلم ، فلم يلتفت خالد إليه وإلى مقالته ، فقدمهم فضرب أعناقهم عن آخرهم .

قال : وكان أبو قتادة قد عاهد الله إنه لا يشهد مع خالد بن الوليد مشهدا أبدا بعد ذلك اليوم . قال : ثم قدم خالد مالك بن نويرة ليضرب عنقه ، فقال مالك : أتقتلني وأنا مسلم أصلي إلى القبلة ؟ ! فقال خالد : لو كنت مسلما لما منعت الزكاة ولا أمرت

قومك ، والله ما نلت ما في مثابتك - منامك - حتى أقتلك . قال : فالتفت مالك بن نويرة إلى امرأته فنظر إليها ثم قال : يا
خالد ! بهذه قتلتني . فقال خالد : بل الله قتلك برجوعك عن دين الإسلام ، وجفلك لأبل الصدقة ، وأمرك لقومك بحبس ما

يجب عليهم من زكاة أموالهم . قال : ثم قدمه خالد فضرب عنقه صبرا . فيقال : إن خالد بن الوليد تزوج بامرأة مالك ، ودخل بها ، وعلى ذلك أجمع أهل العلم  .


قال اليعقوبي المؤرخ : وكان متمم بن نويرة - أخو مالك - شاعرا فرثى أخاه بمراث كثيرة ولحق بالمدينة إلى أبي بكر ، فصلى خلف أبي بكر صلاة الصبح ، فلما فرغ أبو بكر

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 377

من صلاته ، قام متمم فاتكأ على قوسه . ثم قال : نعم القتيل إذا الرياح تناوحت * خلف البيوت قتلت يا بن الأزور أدعوته بالله ثم غدرته * لو هو دعاك بذمه لم يغدر فقال أبو بكر : ما دعوته ولا غدرت به ( 1 ) .


وقال اليعقوبي أيضا : وكان أول ما عمل به عمر - لما ولي الخلافة - أن رد سبايا أهل الردة إلى عشائرهم ( 2 ) . وقال ابن الأعثم : فهم أبو بكر بقتل المقاتلة وقسمة النساء والذرية ، فمنعه عمر عن ذلك فأمر بهم أبو بكر فحبسوا ، ولما صار الأمر إلى عمر قال لهم : انطلقوا فأنتم أحرار لوجه الله فلا فدية عليكم ( 3 ) .


نعم ، هكذا كان المسلمون يقتلون وتضرب أعناقهم وتسبى نساؤهم وذرياتهم ، بأمر من الخليفة ، وما ذنبهم إلا أنهم امتنعوا عن أداء الزكاة إلى الخليفة ، وكانوا يسحبون والأغلال في أعناقهم إلى مركز الحكومة الإسلامية .


ولكن لما مات أبو بكر وحل محله خليفته عمر بن الخطاب استنكر ما كان يراه أبو بكر صحيحا ، وأول عمل قام به أن أطلق سراح الأسرى والسبايا وأرجعهم إلى قبائلهم كما قرأنا معا خلاصة ما نقله الشيخان في صحيحيهما في الأسطر السابقة .

وأخرج مسلم في صحيحه بإسناده عن أبي هريرة قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما أعطى الراية يوم خيبر لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال له : امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك ، قال : فسار علي ( عليه السلام ) شيئا ثم وقف ولم يلتفت فصرخ : يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس ؟
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) تاريخ اليعقوبي 2 : 132 . ( 2 ) المصدر : 139 . ( 3 ) الفتوح 1 : 18 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 378

قال : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ( 1 ) .


هذه هي سيرة الرسول وسنته وانقياد الإمام علي ( عليه السلام ) لأوامره ، وهذه هي سنة الإسلام ونهجه الصحيح .

وتلك كانت طريقة الخلفاء ومنهجهم في إجراء الأحكام الدينية والسنة النبوية . 

 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح مسلم 4 : 1871 كتاب فضائل الصحابة باب ( 4 ) فضائل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ح 33 . ( * )

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب