( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 116

الدليل الرابع : تقطيع الحديث

وهذا دليل آخر وهو رابع الأدلة على عدم الوثوق والطمأنينة بما ورد من الحديث في صحيح البخاري .

وهذا العمل أو بالأحرى هذه الخيانة - تقطيع الحديث - التي صدرت من البخاري ناجمة عن روح التعصب والتطرف الذي كان يكنه تجاه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ولذلك تراه يسقط ويقطع أي حديث فيه منقبة من مناقب

علي ( عليه السلام ) أو يكشف عن منقصة وجهالة لأحد من الخلفاء فيحذف صدر الحديث أو ذيله ، أو يعمد إلى قطعه من وسطه حتى تخفى المنقبة أو المنقصة . وهذا العمل يعتبره علماء الحديث تدليسا وخيانة في أمانة نقل الرواية .


وإن البخاري كمحدث أو مفسر أو مؤرخ لم يلتزم في نقله الحديث بمسؤوليته - في بيان الحقائق كاملة كما هي ، بل عمد إلى حذف ما يخالف هواه مما في الحديث وضبط ما تستسيغه نفسه وذوقه ، وهذا التدليس والتقطيع يعد من أعظم الخيانات التي

يقترفها المحدث ، لأنه تعتيم للحقائق وتزوير للواقع وتضليل للأفكار والأذهان ، وهذا إن دل على شئ فإنه يدلنا على حقيقة هامة وهي أن شطرا كبيرا وعددا ضخما من الأحاديث والروايات الصحيحة كانت بحيازة البخاري ، وحيث إنها لا تتلاءم

وهواه فلم يدونها في صحيحه ومن ثم اندرست شيئا فشيئا ، ومن البين أن من يقوم بالتدليس في كل ما يريد تدوينه فإن مصير سائر الأحاديث المخالفة لهواه تكون التشويه أو النسيان .

ونورد لك - أيها القارئ الكريم - أمثلة ونماذج من تدليسات البخاري وتقطيعاته :

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 117

 1 - حكم الجنابة : سأل رجل عمر بن الخطاب : إني أجنبت ولم أجد ماءا فما العمل ؟ قال عمر : لا تصل . فكان في المجلس عمار بن ياسر فقام معترضا على عمر في فتواه وذكره بحكم التيمم الذي سمعاه معا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

ولا يخفى أن فتوى الخليفة بترك الصلاة حين الجنابة مخالفة صريحة لنص القرآن وسنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهذا مما يدل على جهل الخليفة بحكم التيمم ، وعدم إحاطته بالأحكام الشرعية ، وغفلته عما هو عامة الابتلاء ، ولكن البخاري قام بتقطيع الحديث فحذف منه إجابة الخليفة : لا تصل ، وذلك حفظا لكرامة الخليفة من أن تنال .


ولكي تتجلى الحقيقة للقارئ أكثر نورد نص الحديث أولا عن البخاري ثم نردفه بما رواه كل من مسلم والنسائي وابن ماجة : أخرج البخاري : حدثنا آدم ، قال : حدثنا شعبة ، حدثنا الحكم ، عن ذر ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه قال :

جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال : إني أجنبت ، فلم أصب الماء . فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب : أما تذكر أنا
كنا في سفر أنا وأنت ، فأما أنت فلم تصل ، وأما أنا فتمعكت فصليت ، فذكرت للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال النبي
 
( صلى الله عليه وآله ) : إنما كان يكفيك هكذا ، فضرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) بكفيه الأرض ، ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه ( 1 ) .


وأما ما أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة : عن شعبة قال : حدثني الحكم ، عن ذر ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه : إن رجلا أتى عمر ، فقال : إني أجنبت فلم أجد ماءا ، فقال : لا تصل ! فقال عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ

أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء ، فأما أنت فلم تصل ، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ، ثم تنفخ ، ثم تمسح بهما وجهك
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري ج 1 : 92 كتاب التيمم باب المتيمم هل ينفخ فيهما ؟ ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 118

وكفيك . فقال عمر : اتق الله يا عمار ، قال : إن شئت لم أحدث به ( 1 ) . فكما ترى أيها القارئ العزيز أن هذين الحديثين من حيث السند والمتن سواء ولا فرق بينهما إلا في جملة ( لا تصل ) حيث أسقطها البخاري وأثبتها مسلم .


 2 - رجم المجنونة : ورد في صحيح البخاري وشروحه والمصنفات المعتمدة عند أهل السنة حديث بنصوص مختلفة . وخلاصته : إن امرأة مجنونة زنت فأتي بها إلى عمر فحكم عليها بالرجم ، فعلم أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) بالقصة

والحكم فمنع من إجرائه ، ولما استفسر عمر من علي ( عليه السلام ) عن سبب نقضه وإبرامه الحكم . قال ( عليه السلام ) : أما علمت أن القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق ، وعن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ؟ ( 2 )


ولتوضيح القصة أكثر نذكر النص المقطع الذي أخرجه البخاري وبعده نأتي بما أخرجه أبو داود : روى البخاري : قال على لعمر : أما علمت أن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق ، وعن الصبي حتى يدرك ، وعن النائم حتى يستيقظ ؟ ( 3 ) .


وروى أبو داود عن ابن عباس قال : أتي عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناسا فأمر بها عمر أن ترجم ، فمر بها علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقال : ما شأن هذه ؟ قالوا : مجنونة بني فلان زنت ، فأمر بها عمر أن ترجم . قال : فقال :

ارجعوا بها ، ثم أتاه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة : عن المجنون حتى يبرأ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يعقل ؟ قال : بلى . قال : فما بال هذه ترجم ؟ قال : لا شئ ،
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح مسلم 1 : 280 كتاب الطهارة باب ( 28 ) باب التيمم ح 368 ، سنن النسائي 1 : 165 كتاب الطهارة باب التيمم في الحضر ، سنن ابن ماجة 1 : 188 كتاب الطهارة وسننها باب ( 91 ) باب ما جاء في التيمم ضربة واحدة ح 569 .
( 2 )
إرشاد الساري 10 : 9 ، سنن أبي داود 4 : 140 كتاب الحدود باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا ح 4402 .
( 3 )
صحيح البخاري 7 : 58 كتاب الطلاق باب الطلاق في الأغلاق والكرة والسكران والمجنون ، و ج 8 : 204 كتاب المحاربين باب لا يرجم المجنون والمجنونة . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 119

قال : فأرسلها ، قال : فجعل يكبر ( 1 ) . وذكر أحمد بن حنبل هذا الحديث في مسنده ( 2 ) ، وكذا نقله ابن عبد البر في استيعابه ، وزاد في آخره هذه الجملة : ( فكان عمر يقول : لولا علي لهلك عمر ) ( 3 ) .


والجدير بالذكر أن البخاري أخرج هذا الحديث في موضعين من صحيحه ، ولكنه حفظا على مقام الخليفة وسترا على جهل الخليفة وعدم فهمه وإزهاقا للحق وتحريفا للحقيقة التي تقول بأن عليا ( عليه السلام ) حكم بما يخالف رأي عمر وبعض

الصحابة ، ولما كان حكمه ( عليه السلام ) مطابقا للواقع وما أمر به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ترى البخاري يكتفي بذكر ذيل الحديث فيذكر الحديث في كلا الموردين ناقصا ويسقط منه السند والصدر .


 3 - حد الخمر : حسبما ورد في صحيح مسلم وسائر الصحاح كان حد شرب الخمر على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تعزيرا ، وأنه ( صلى الله عليه وآله ) جلد الشارب أربعين ضربة ( 4 ) وتبعه في ذلك أبو بكر في مدة خلافته فجلد شارب الخمر أربعين سوطا .


وأما عمر لما تقلد الخلافة بعد أبي بكر ، ترك الحكم النبوي ولجأ في حد شارب الخمر إلى رأي الآخرين ، وأفتى برأي عبد الرحمن بن عوف فجلد ثمانين جلدة . وهذه المسألة هي من أوضح القضايا بحيث لا تحتاج إلى تبيين وتفسير ، وخاصة لمن

قلد نفسه الخلافة ، واستحل محل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فكيف يخفى عليه حكم مسألة قد عمل به مدة طويلة فيلجأ إلى رأي الآخرين ويترك العمل بسنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وما تقيد به من سبقه بالخلافة ؟ !
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) سنن أبي داود 4 : 140 كتاب الحدود باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا ح 4399 .
( 2 )
مسند الإمام أحمد بن حنبل 1 : 154 .
( 3 )
الإستيعاب 3 : 1102 ترجمة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) رقم 1855 . أقول : هذه المقولة وغيرها من الاعترافات التي أدلى بها عمر بن الخطاب لبيان جهله بالأحكام الإسلامية قد وردت في كثير من الكتب والمصنفات . المعرب .
( 4 )
ذكر في هذه المسألة فتوى أهل السنة المستنبطة من مصادرهم الموثوقة ولم يشر فيها إلى رأي المذهب الشيعي . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 120

ونسأل الخليفة الذي تقلد زعامة المسلمين وجلس مجلس النبي ( صلى الله عليه وآله ) هل أن مثل هذه المسألة - من حيث البساطة - بحاجة إلى مشورة الآخرين ؟

وهل الخليفة كان جاهلا بذلك بالحكم ، أو أن الصفق بالأسواق والعمل بالتجارة ألهاه عن معرفة الحكم وتعلمه ؟

أو أنه أراد أن يحكم بما يخالف حكم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويبدي رأيه الخاص في تلك المسألة كما أبدى رأيه الخاص في قضايا أخرى ؟

وعلى كل حال لما كان هذا الحديث على خلاف مذاق البخاري ومذهبه بادر - ورعاية لمقام الخليفة - إلى تقطيعه بنقل أوله الذي بين فيه حكم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالتعزير ومتابعة أبي بكر لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك ، وأسقط ذيله الذي فيه استشارة عمر لبعض الأصحاب .


وإليك نص الحديث وندع الحكم والمقايسة للقارئ .

أخرج البخاري : عن أنس بن مالك أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ضرب في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين ( 1 ) . عن أنس قال : جلد النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين ( 2 ) .

وفي صحيح مسلم : عن ابن مالك : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين . قال : وفعله أبو بكر ، فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف : أخف الحدود ثمانين ، فأمر به عمر ( 3 ) .


 4 - معنى الأب : أخرج البخاري : عن ثابت عن أنس قال : كنا عند عمر فقال : نهينا عن التكلف ( 4 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري 8 : 196 كتاب الحدود باب ما جاء في ضرب شارب الخمر .
( 2 )
صحيح البخاري 8 : 196 كتاب الحدود باب الضرب بالجريد والنعال .
( 3 )
صحيح مسلم 3 : 1330 كتاب الحدود باب ( 8 ) باب حد الخمر ح 1706 .
( 4 )
صحيح البخاري 9 : 118 كتاب الاعتصام باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 121

هذا الحديث الذي نقله البخاري بهذه الكيفية أوضح دليل وشاهد على التدليس والتقطيع ، وذلك لأن كل من كان لديه أقل معرفة بالحديث ونصوصه يعلم بمجرد رؤيته لهذا الحديث عدم تمامية الحديث وعدم استقامته ، وأنه يحتوي على جملات وكلمات أخرى قد أسقطت ، ويعلم كذلك أن أيد قد تدخلت فيه لإصلاحه وترقيعه .


ولم يخف ذلك على كثير من الحفاظ والعلماء الآخرين الذين نقلوا الحديث بكامله وبتمام ألفاظه ، وأزاحوا قناع الخيانة والتدليس الذي وضعه البخاري عليه ، فهذا ابن حجر بعد أن ذكر نص الحديث من رواية أخرى في شرحه لصحيح البخاري قال : إن رجلا سأل عمر بن الخطاب عن قوله : ( وفاكهة وأبا ) ( 1 ) ما الأب ؟ فقال عمر : نهينا عن التعمق والتكلف .


إن هذا الحديث ورد بسندين عن ثابت ثم قال : ورد هذا الحديث بطرق أخرى عن ثابت وهو أولى مما ورد لثابت عن أنس لأن يكمل به الحديث الذي أخرجه البخاري ( 2 ) .


فليعرف القارئ المنصف : إننا قد علمنا من قول ابن حجر المذكور ومن مقارنة للحديثين المنقولين في صحيح البخاري وشرحه فتح الباري : إن هذا الحديث كسائر الأحاديث التي لم تتماش مع هوى البخاري ومذهبه ، وحيث أنه لم يتمكن من أن

يوأم بين الحديث وبين تقديسه الخليفة عمر بن الخطاب رأى أن الحل الوحيد في ذلك هو أن يحذف صدر الحديث ويسقط منه الفقرات المهمة والحساسة التي تمس شأن الخليفة حتى يكون قد خدم - بفعله هذا - مذهبه وأدى ما عليه تجاه مسلكه وعقيدته

وذلك لأن القارئ لو قرأ هذا الحديث قبل التدليس وإسقاط أوله وآخره يتبادر هذا السؤال إلى مخيلته وهو : لو كان التعرف واستنباط معنى كلمة من كلمات القرآن يعتبر تعمقا وتكلفا فعلى هذا لا يجوز الاستفسار عن أية مسألة دينية أخرى ولا يحق التفكر فيها .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) عبس : 31 .
( 2 )
فتح الباري 13 : 230 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 122

إذن فما معنى كل ما ورد من الفضائل بحق العلم والتعلم ؟ علما بأن هذه الشخصية العلمية الفذة - أي الخليفة - الذي لم يتعقل حتى معنى واحد من معاني القرآن - في حين أن تفسيرها ومعناها ورد في آخر الآية - كيف يصح له أن يتقلد زمام الخلافة ؟

وكيف يجوز لمن يكون جوابه لسؤال بسيط أن يقول : ( نهينا ) يتزعم قيادة الأمة الإسلامية ويتربع على عرش الخلافة ؟

ولا ريب أن مثل هذه الأسئلة هي التي فرضت على البخاري وألجأته إلى أن يقتطع الحديث ويدلسه عند إخراجه له .

وهذا الحديث - على اختلاف نصه ومتنه - أخرجه المفسرون المشهورون كالسيوطي ، ابن كثير ، الزمخشري ، الخازن ، البغوي ، والحاكم النيسابوري في مستدركه ضمن تفسير سورة عبس ، وكذا رواه شراح الصحيح كابن حجر ( 1 ) والعيني

( 2 ) والقسطلاني ( 3 ) ، ومن اللغويين : ابن أثير في نهايته ( 4 ) . وسوف نتطرق إلى البحث حول هذه الأحاديث الأربعة بتفصيل وإسهاب في فصل الخلافة إن شاء الله .


 5 - قصة عثمان وأسامة بن زيد : ومن فلتات البخاري إنه قام بالتعتيم والتغطية على بعض الأحاديث عن طريق تغيير الاسم العلم باسم الإشارة أو التعبير بالكناية وإتيان بكلمة ( فلان ) بدلا عن الاسم الظاهر .

ونذكر هنا موردين منها حتى يتبين دهاء البخاري في التعتيم وتغطية الحقائق :

 الأول : ما أخرجه مسلم عن أسامة وأنه انتقد عثمان وشجب أعماله وتصرفاته ،

 

* ( هامش ) *
( 1 ) فتح الباري 13 : 230 .
( 2 )
عمدة القاري 25 : 35 ح 64 .
( 3 )
إرشاد الساري 10 : 311 .
( 4 )
النهاية 1 : 13 انظر باب الهمزة مع الباء مادة ابب . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 123

فجاء في هذا الحديث اسم عثمان صريحا . عن شقيق ، عن أسامة بن زيد قال : قيل له : ألا تدخل على عثمان فتكلمه ؟ فقال : أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم ؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه ،

ولا أقول لأحد يكون علي أميرا ، إنه خير الناس بعد ما سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار ، فتندلق أقتاب بطنه ، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى ، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون : يا فلان !

مالك ؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى ، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه ، وأنهى عن المنكر وآتيه ( 1 ) .

تلاحظ أيها المطالع أن هذه الرواية صريحة وواضحة في أن أسامة بن زيد قد انتقد عثمان ، وأسامة هو تلك الشخصية المعروفة الذي أعطاه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) راية الإسلام عند وفاته وقلده أمارة عسكر المسلمين وأمره على كبار الصحابة ، ولعن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كل من تخلف عن جيش أسامة .


فترى أن أسامة استدل في انتقاده لعثمان بحديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وشبهه بحمار الرحى الدوار ومن الذين تتدلق أقتاب بطنه وأحشاءه في النار ، وهو في الآخرة يلاقي عذابا أليما .


أخرج مسلم هذا الحديث من طريقين وسندين وقد ذكر في كليهما اسم عثمان ، وكذا البخاري أخرجه في موضعين ، ولكن بزيادة في ألفاظه ، وحيث إن دأب البخاري هو التدليس والتزييف ، فإنه قام بحذف اسم عثمان من الحديث الذي كان محلا

لنقد حديث الرسول ( صلى الله عليه وآله ) واعتراض أسامة إياه ، وإنه حرف الحديث في كلا الموردين فمرة جاء باسم الإشارة ومرة أخرى اكتفى بكلمة ( فلان ) بدلا من التصريح باسم عثمان كما جاء في نقل مسلم وأخرج الحديثين على النحو التالي ففي أحدهما : قيل لأسامة : ألا تكلم هذا . . . . ؟
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح مسلم 4 : 2290 كتاب الزهد والرقائق باب ( 7 ) باب عقوبة من يأمر بالمعروف ح 2989 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 124

وفي الآخر : قيل لأسامة : لو أتيت فلانا فكلمته . . ( 1 ) .

 6 - قصة عمر وسمرة بن جندب : أخرج مسلم في صحيحه وأحمد بن حنبل في مسنده قصة بيع سمرة بن جندب ( والي عمر على البصرة ) الخمر وقد جاء اسمه فيهما صريحا مرتين فاقرأ : عمرو بن دينار قال : أخبرني طاووس إنه سمع ابن

عباس يقول : بلغ عمر أن سمرة باع خمرا ، فقال : قاتل الله سمرة ، ألم يعلم أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال :
قاتل الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها ؟ ( 2 ) .


وأما البخاري الذي أخرج هذا الحديث في صحيحه كذلك فإنه حرفه وعبر عن سمرة بلفظة ( فلان ) فاقرأ ما أخرجه فقال : بلغ عمر أن فلانا باع خمرا ، فقال : قاتل الله فلانا ، ألم يعلم . . . . ؟ الحديث ( 3 ) .


وصرح بذلك أكثر شارحي صحيح البخاري وكذا النووي في شرح صحيح مسلم عند شرحهم لهذا الحديث وأشاروا إلى خيانة البخاري وتحريفه للحديث ولم تخف عليهم هذه المبادرة البخارية .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري 4 : 147 كتاب بدء الخلق باب صفة النار وإنها مخلوقة ، و ج 9 : 69 كتاب الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر .
( 2 )
صحيح مسلم 3 : 1207 كتاب المساقاة باب ( 13 ) باب تحريم بيع الخمر والميتة ح 72 ،
مسند أحمد بن حنبل 1 : 25 باب مسانيد عمر بن الخطاب .
( 3 )
صحيح البخاري 3 : 107 كتاب البيوع باب لا يذاب شحم الميتة ولا يباع . ( * )

 


 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب