( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 236

 3 - قصة شق الصدر عن أنس بن مالك قال : كان أبو ذر يحدث : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة ، فنزل جبرئيل ففرج صدري ، ثم غسله بماء زمزم ، ثم جاء بطست من


 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 237

ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري ، ثم أطبقه ، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا ( 1 ) . أخرجه البخاري متكررا في مواضع عديدة ( 2 ) وبألفاظ مختلفة ومتناقضة ، وكذا أخرجه مسلم في صحيحه بتفاوت .


وأيضا . . . عن أنس بن مالك : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أتاه جبرئيل ، وهو يلعب مع الغلمان ، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه ، فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة ، فقال : هذا حظ الشيطان منك ، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ، ثم لأمه ، ثم أعاده في مكانه ، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني ظئره . فقالوا : إن محمدا قد قتل فاستقبلوه ، وهو منتقع اللون ، قال أنس : وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره ( 3 ) .


وهذا الحديث هو من الأحاديث الغريبة وقد أخرجه البخاري ومسلم في كتابيهما ، وتبعهما أكثر المؤرخين ، إذ ذكروه في كتبهم ( 4 ) .

والمفسرون اعتمدوا على أحاديث الصحيحين اعتمادا كبيرا ، فذكروا هذه الأسطورة في تفاسيرهم ( 5 ) عند ما جاءوا على تفسير قوله تعالى : ( ألم نشرح لك صدرك ) ( 6 ) .

ولكن هذا الحديث جدير بالنقاش والنقد من عدة جهات حتى تتجلى الحقيقة ،
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري 1 : 97 كتاب الصلاة باب كيف فرضت الصلوات .
( 2 )
صحيح البخاري 4 : 165 كتاب بدء الخلق باب ذكر إدريس ( عليه السلام ) وص 133 باب ذكر الملائكة
      و ج 5 : 67 باب حديث الإسراء ، و ج 9 : 182 كتاب التوحيد باب قوله تعالى : ( وكلم الله موسى تكليما ) ،
      صحيح مسلم 1 : 148 كتاب الإيمان باب ( 74 ) باب الإسراء برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى السموات
     وفرض الصلوات ح 263 .
( 3 )
صحيح مسلم 1 : 147 كتاب الإيمان باب ( 74 ) باب الإسراء برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . . . ح 261 .
( 4 )
راجع التواريخ ، مثل : الطبري ، تاريخ الخميس ، الطبقات الكبرى ، مروج الذهب ، سيرة ابن هشام . . . وغيرهم .
( 5 )
راجع التفاسير نحو : الدر المنثور للسيوطي ، الخازن ، ابن كثير ، الآلوسي ، . . . وغيرهم .
( 6 )
الانشراح : 1 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 238

وينكشف ما أسدل عليه من الستار .

 1 - الجهة الزمنية : هذا الحديث روي متواترا ، ولكن اضطرب فيه تعيين عمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، والزمان الذي وقعت فيه القصة اضطرابا كبيرا ، بحيث لا يمكن الجمع بينهما ، فبعض الأحاديث تروي أن قصة شق الصدر حدثت

في زمان طفولية النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، عندما كان يلعب مع الغلمان ( 1 ) ، وجاء في بعضها أن هذه العملية الجراحية أجريت للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد أن بعثه الله نبيا رسولا ، وفور ذلك عرج به جبرئيل إلى السماء الدنيا
( 2 )
. وعلى كل حال فإن الاختلاف الحاصل في الأحاديث المروية حول هذه القصة خلال مدة تتراوح أربعين عاما .


 2 - الجهة المكانية : وترى أيضا التناقض والاختلاف الكبير في هذه الأحاديث التي تعين محل وقوع القصة ، فبعض الأحاديث تروي أن الحدث وقع في المسجد الحرام ( الحطيم أو حجر إسماعيل ) ( 3 ) ، وروايات أخرى تقول إن الواقعة

حدثت في الصحراء ( 4 ) ، ومجموعة ثالثة تقول بأن النبي كان في بيته فانشق عليه سقف الدار ( 5 ) ، وصرحت بعض الأحاديث أنه جئ بطست من ماء زمزم فاستخرج قلب الرسول وغسل في ذلك الطست ( 6 ) .


وتقول روايات أخرى : إن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أخذ إلى بئر زمزم ( 7 ) . عندما نشاهد الاختلاف والتناقض الفاحش بين هذه الأحاديث ، يا ترى أي مجموعة منها صحيحة ومعتبرة لكي نأخذ بها ونعتمد عليها وندع الباقي جانبا ؟ أو أن جميعها صحيحة ومقبولة ؟
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) راجع ص 237 هامش 3 .
( 2 )
راجع ص 237 هامش 1 .
( 3 ، 4 ، 7 )
راجع ص 237 هامش 2 .
( 5 ، 6 )
راجع ص 237 هامش 1 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 239

 3 - التناقض بين الموضوع والعصمة : إن قصة شق الصدر بناءا على رواية أنس بن مالك إذا قورنت وقيست بموضوع عصمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) . تبدو ضعيفة وغير مقبولة ، وخاصة تنزيهه ( صلى الله عليه وآله ) عن الأرجاس الشيطانية ، وذلك لأن ليس لإبليس حظ في النفوذ إلى قلب النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى يشق صدره ( صلى الله عليه وآله ) ، ويستخرج ما كان فيه من حظ الشيطان .


 4 - الشر ليس غدة مترشحة : أضف إلى ما مر ذكره من الموارد الثلاثة السابقة ، أن الشر في ذات الإنسان ليس شبيها بالغدد المترشحة في الجسم ، بحيث لو استئصلت الغدة انقطعت الترشحات ، وهكذا الخير والبر لم يكونا من نوع الأمور المادية والظاهرة كالمواد المأكولة التي يتغذى جسم الإنسان بها بواسطة الأبرة ، وهكذا العلم والحكمة ليست من نوع الأجسام المادية المحسوسة التي يمكن انتقالها من إناء إلى إناء آخر ( 1 ) .


معنى انشراح الصدر : وأما شرح الصدر المذكور في قوله تعالى : ( ألم نشرح لك صدرك ) ( 2 ) لا تمت إلى شق الصدر بأية صلة ، وإنما معناه انبساط قلب النبي وانشراحه ، حتى يتمكن الرسول بواسطة هذا الانشراح أن يتحمل الشدائد ، ويصبر على المصاعب والأهوال ، التي سوف يلاقيها عند تبليغ رسالته ، ويستعد لها .

وهذا المعنى هو نفس الانشراح الذي كان يرجوه النبي موسى ( عليه السلام ) من الله ، عندما
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) ذكر هذا الأشكال الفخر الرازي في تفسيره عند تفسير سورة الانشراح نقلا عن القاضي عبد الجبار ج 32 : 2 ثم أجاب عليه ، وكذا أجاب عن الإشكال النيسابوري والالوسي في روح المعاني ، فراجع .
( 2 )
الانشراح : 1 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 240

كان يناجي ربه ، ويسأله ( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري ) ( 1 ) . شق الصدر من منظار الحديث والتاريخ : إذا دققنا في هذه الإشكالات المذكورة ، والأسئلة المطروحة ، يتضح لنا بأن الاعتماد على ما أفادته هذه الأحاديث غير سديد ،

ولا يمكن أن نعتبر قصة شق الصدر قصة حقيقية وواقعية . وأشرنا سابقا بأن هذه القصة الوهمية والخرافية ، قد ذكرت في كثير من كتب العامة ومصادرهم ، وتلقوها بكونها من المسلمات الضرورية . ولعل تواتر روايتها ونقلها كان سببا في نقلها أن

يتأمل بعض علماء الشيعة ومحققيهم فيها ، مع اعترافهم بأن القصة لم تصلهم بأسانيد موثوقة ومعتبرة . قال العلامة المجلسي رحمة الله عليه : إعلم أن شق بطنه ( صلى الله عليه وآله ) في صغره ورد في روايات كثيرة مستفيضة عند العامة ، كما

عرفت ، وأما رواياتنا وإن لم يرد فيها بأسانيد معتبرة ، لم يرد نفيه أيضا ، ولا يأباه العقل أيضا ، فنحن في نفيه وإثباته من المتوقفين كما أعرض عنه أكثر علمائنا المتقدمين ( 2 ) . وإن كان يغلب على الظن وقوعه ، والله تعالى يعلم وحججه ( 3 )


كلمة صريحة : لو لاحظنا الأدلة الأربعة التي ذكرناها ، وهكذا لو تمعنا في إعراض علمائنا المتقدمين من الولوج في هذه المسألة ، لم يبق محل للتوقف أو موضع للقول باحتمال
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) طه : 25 .
( 2 )
لعل عدم تعرض المتقدمين إلى البحث لا نفيا ولا إثباتا ناجم عن شذوذ الخبر وغرابته ولذلك أعرضوا عن ذكره ، وثانيا لعل عدم وروده في المتون الشيعية والأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) . المعرب
( 3 )
بحار الأنوار 16 : 140 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 241

وقوع هذه القصة ، ولو كان لهذه القصة حقيقة كسائر القضايا لذكرها أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، الذين هم أدرى بما في البيت ، بينما تراهم ( عليهم السلام ) لم يدعوا صغيرة ولا كبيرة مما تمت بحياة الرسول وتاريخه إلا وذكروها ، فكيف

بهذه القصة التي تعد من قضايا التاريخ الإسلامي ؟ ولو فرضنا أنهم تطرقوا إليها فلم لم نر لها أثرا في أحاديثهم الصحيحة التي وصلتنا ؟ وزد على كل ما ذكرناه ، ما أقر به العلامة المجلسي من أن القصة لم تصلنا بسند موثوق ومعتبر .

وإن أحد المحققين المعاصرين ذكر هذه الأحاديث في تفسيره على سبيل التمثيل ، وصحح الروايات المنقولة في الموضوع ، وفسرها على كونها قضية خارجة عن حيز الماديات .
 

ولكن هذا التأويل مخالف لظاهر هذه الأحاديث وهو غير قابل للتوفيق بينها ، لأن :

 أولا : ورد في الأحاديث إن الغلمان الذين كانوا يلعبون مع الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أخبروا حليمة السعدية بخبر قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولما عادوا إلى المحل رأوا الرسول ( صلى الله عليه وآله ) منتقع اللون مضطرب الحال .


ثانيا : إن أنس بن مالك راوي الحديث يقول : إني رأيت أثر ذلك الشق في صدره ، ورأى أيضا أثر المخيط الذي أجرته الملائكة في صدره ، وذلك بعد مضي عدة سنوات .


ويلاحظ إن هاتين المسألتين تنافيان موضوع التمثل ، ولا يقبل الجمع بينهما . وعلى هذا يمكن القول صراحة بأن هذه القصة هي شبيهة لقصة موسى ( عليه السلام ) وسباقه مع الحجر ، وكذلك شبيهة لقصة عزرائيل عندما فقد عينه ، وهذه القصص كلها لا أصل ولا حقيقة لها .

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب