( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 35

الفصل الأول سير الحديث أهميته ، وتدوينه

حول الحديث ما هو الحديث ؟ الحديث لغة هو الشئ الجديد ، ويطلق على مطلق القول والكلام ( 1 ) ، وفي اصطلاح المحدثين عبارة عن أقوال المعصوم وأفعاله وتقديره .

والمعصوم عند أهل السنة هو النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ، وعند الشيعة هم النبي والأئمة من أهل بيته ( عليهم السلام ) .

قال ابن حجر : لما كان يطلق على القرآن الكريم في صدر الإسلام بالقديم ، أطلق لفظ الحديث في مقابل ذلك على كل ما نسب إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وهذا التعبير جار إلى عصرنا ( 2 ) .

نص الحديث : هو قول المعصوم وتقريره .

السند : يطلق على سلسلة رواة الحديث الذين بلغنا الحديث عن طريقهم .

السنة : هي في اللغة عبارة عن السيرة والطريقة المتبعة عند الناس ، وفي الاصطلاح سنة

 

* ( هامش ) *
( 1 ) لولا قومك حديثو عهد بالإسلام . حديث نبوي . ( إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) ، الكهف : 6 .
( 2 )
هدى الساري مقدمة فتح الباري . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 36

الرسول ( صلى الله عليه وآله ) هي مجموعة الأحكام والتعاليم العملية من العبادات وغيرها التي وردت بسند قطعي وصحيح ( 1 ) . وللملازمة الموجودة بين السنة والحديث أطلق لفظ السنة على الحديث كذلك ، واستعملت فيما بعد غالبا في هذا المورد .


أهمية الحديث في الكتاب : الكتاب والسنة هما الدعامتان الأساسيتان لأحكام الدين والتعاليم الإسلامية ( 2 ) ، ولكن حاجة المسلمين إلى السنة بدت أكثر من حاجتهم إلى القرآن ، لأن آيات الأحكام الواردة في القرآن معدودة ومحدودة ،

وقيل : إنها خمسمائة آية حسب المشهور ، بحيث لا يمكن الاقتصار عليها ، والاكتفاء بها دون السنة والحديث ، وذلك لأن :

 أولا : هذه الآيات تحتوي على الأجمال والأطلاق ، والسنة هي الكفيلة بتفسيرها وبيانها .

 ثانيا : إن هذا المقدار المحدود من الآيات لم يكن يفي ببيان جميع الأحكام والقوانين الدينية ، وعلى هذا أجمع علماء الفريقين ، بأن الحديث الصحيح الذي ثبت صدوره عن المعصوم ( عليه السلام ) بنحو القطع حجة على المسلمين ، فهو كالقرآن من

حيث حجيته ولزوم اتباعه والأخذ به . وقد أشار القرآن الكريم ضمن آيات عديدة إلى هذه الحقيقة ونبه المسلمين على أهمية السنة والحديث . فقال تعالى : ( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ( 3 ) .

 

* ( هامش ) *
( 1 ) نهاية ابن الأثير ، مادة حدث . بتصرف .
( 2 )
اعتبرت الشيعة أن أحاديث الأئمة من آل الرسول ( عليهم السلام ) ، والإجماع ، ودليل العقل ، من أدلة استنباط الأحكام الشرعية . .
( 3 )
الحشر : 7 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 37

وقرن طاعة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بطاعة الله عز وجل وفرضها على المسلمين ( 1 ) ، واعتبر طاعته واتباعه
( صلى الله عليه وآله ) طاعة الله واتباعه ( 2 ) ، فنهاهم عن مخالفة أوامر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأحكامه ( 3 )

، واعتبر الانقياد والالتزام بأوامر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) علامة الإيمان ، ومعصيته ومخالفته دليل الضلالة والشقاء ( 4 ) .

هذه نبذة من آيات الذكر الحكيم التي أوجبت على المسلمين طاعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) والانقياد له ، وتأكد هذا الوجوب في القرآن بأساليب مختلفة وعبارات شتى ، وأكدت أيضا أن الاستنان والالتزام بالرسول ( صلى الله عليه وآله ) لا يتم إلا عن طريق العمل بأوامره والأخذ بأقواله .


أهمية الحديث في السنة : وردت روايات جمة وأحاديث متواترة عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة من أهل بيته
( عليهم السلام ) تؤكد أهمية الحديث من جهات مختلفة ، تارة من حيث السنة نفسها .

وتارة أخرى من جهة ضرورة حفظها وتدوينها وتبليغها إلى الآخرين ( 5 ) .

قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في خطبة حجة الوداع : ( معاشر الناس ، كل حلال وما يكون فيه سبب سعادتكم قد دللتكم عليه ، أو حرام وما يكون فيه سبب شقاوتكم قد نهيتكم

 

* ( هامش ) *
( 1 ) قوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم ) المائدة : 92 .

( 2 ) قوله تعالى : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى . . . . ) النساء : 80 .

( 3 ) قوله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما . . . النساء : 65 .

( 4 ) قوله تعالى : ( ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا بعيدا ) الأحزاب : 36 .

( 5 ) أصول الكافي 1 : 51 كتاب فضل العلم باب ( 17 ) باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة ،
وسائل الشيعة 18 : 52 كتاب القضاء باب ( 8 ) من أبواب صفات القاضي ،
مجمع الزوائد 1 : 173 كتاب العلم باب سماع الحديث وتبليغه ،
سنن ابن ماجة 1 : 84 المقدمة باب ( 18 ) باب من بلغ علما ح 230 - 236 ،
جامع بيان العلم وفضله 1 : 38 باب دعاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لمستمع العلم وحافظه ومبلغه . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 38

عنه ، فإني لم أرجع عن ذلك ولم أبدل ) ( 1 ) .

وفي مواقف عديدة حث النبي ( صلى الله عليه وآله ) حفاظ الحديث على حفظه ودعا لهم ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) :
( نظر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ) ( 2 ) .

ودعا لمن يروي الحديث عنه ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( نظر الله عبدا سمع مقالتي فبلغها ) ( 3 ) .

وكم تكرر في أقواله ( صلى الله عليه وآله ) وخاصة في أواخر خطاباته ، قوله : ( فليبلغ الشاهد الغائب ) .

هذه الكلمات توضح أهمية الحديث والسنة ، وتوحي بأن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) قد بين جميع الأحكام الدينية وجزئياتها من الحلال والحرام ، وفرض تبليغ ذلك على جميع المسلمين ، وخص بذلك المخاطبين والمشافهين منهم .
ووصف مبلغي أحاديثه ورواتها بأنهم خلفاؤه ( 4 ) .


الفرق بين الكتاب والسنة لا فرق بين القرآن والسنة من جهة صدورهما من منبع الوحي ، وأنهما نوران انبثقا من نور واحد ، إلا أنه يمكن حصر الفرق بينهما في الوجوه التالية :

 الأول : إن القرآن نزل معجزة يتحدى بخلاف السنة إذ أنها فاقدة لصفتي الأعجاز والتحدي .

 الثاني : إن ألفاظ القرآن الكريم كمعانيه نزلت من لدن الحكيم العليم ، بينما السنة

 

* ( هامش ) *
( 1 ) الاحتجاج للطبرسي 1 : 65 باب احتجاج النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم الغدير على الخلق كلهم . . . .

( 2 و 3 ) سنن ابن ماجة 1 : 84 المقدمة باب ( 18 ) باب من بلغ علما ح 230 - 236 ، و ج 2 : 1015 كتاب المناسك باب ( 76 ) باب الخطبة يوم النحر ح 3056 ،
سنن الترمذي 5 : 33 كتاب العلم باب ( 7 ) باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع ح 2656 - 2658 .

( 4 ) من لا يحضره الفقيه 4 : 240 باب النوادر ح 5919 ، صحيح البخاري 1 : 37 كتاب العلم باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب ، جامع بيان العلم وفضله 1 : 38 باب دعاء الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لمستمع العلم . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 39

بعكس ذلك إذ أن ألفاظها من الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ولكنها تحمل معاني الوحي الإلهي .

 الثالث : لا ريب في أن نزول القرآن من عند الله عز وجل قطعي ، وأما صدور كل الأحاديث التي وردت في السنة عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) فظني ويصطلح عليه ظني الصدور .
 

 الرابع : إن القرآن غالبا ما يذكر الأحكام الكلية والتعاليم العامة بينما جزئياتها وفروعها ذكرتها السنة ، وبتعبير آخر : إن الأحكام الواردة في القرآن هي كليات وجعل بيانها وشرحها من مهام الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وذلك بإلهام من الوحي ، قال تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) ( 1 ) .


ومن ناحية أخرى إن القرآن فرض على المسلمين أن لا يفرقوا بين ما نزل في القرآن وبين ما جاء به الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ( 2 ) ، وذلك لأن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كما أخبر عنه القرآن : ( لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) ( 3 ) .


فعلى هذا فالسنة مبينة لمجملات القرآن ، ومقيدة لإطلاقاته ، ومخصصة لعموماته . ملخص القول : إن الأحاديث والسنة تبين ما لم يفصله القرآن ، فمثلا : جاء في القرآن وجوب إقامة الصلاة ، ولكنه لم يفصل أركانها وعدد ركعاتها ، بينما نلاحظ النبي ( صلى الله عليه وآله ) فصل جزئيات أحكام الصلاة بإقامته لها وتعليمها للناس ( 4 ) .


وهكذا مسألة الحج ، فقد ورد تشريعه في القرآن الكريم مؤكدا ، وأما مناسكه وأحكامه الفرعية والجزئية فإنها لم تذكر فيه عدا القليل ، بينما بين الرسول ( صلى الله عليه وآله ) تلك

 

* ( هامش ) *
( 1 ) النحل : 44 .
( 2 )
قوله تعالى : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) الحشر : 7 .
( 3 )
النجم : 3 - 4 .
( 4 )
قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) - صحيح البخاري 1 : 162 كتاب الصلاة باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 40

المناسك للناس عند أدائه لها ، فقال : خذوا عني مناسككم ( 1 ) .

وهكذا بالنسبة إلى الفرائض والأرث ، فإن بعض أحكامها وأصولها مبينة في القرآن ، وأما الجزئيات والفروع - نحو ، حرمان القاتل من الإرث - فقد وردت في السنة ( 2 ) .

وكذلك أحكام الزكاة والجهاد وآلاف مثلها من الأحكام التي لم نجد إليها سبيلا سوى عن طريق السنة .

 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) السنن الكبرى للبيهقي 5 : 125 باب الايضاع في وادي محسر ،
وفي صحيح مسلم 2 : 943 كتاب الحج باب ( 51 ) باب استحباب رمي الجمرة . . . . . ح 310 ورد : لتأخذوا مناسككم .

( 2 ) سنن الترمذي 4 : 370 كتاب الفرائض باب ( 17 ) ما جاء في إبطال ميراث القاتل ح 2109 . ( * )

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب