(
إن مذهباً يثبت نفسه من
كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل
والتحوير أحق أن يتجنب عنه )
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 124 |
الدليل
الخامس : البخاري والنقل بالمعنى ومما يسلب الاطمئنان والاعتماد على صحيح
البخاري وعدم الوثوق به أن قسما من أحاديثه قد رويت بالمعنى ، ولم ينقلها مؤلف
الصحيح بنفس اللفظ حسب ما سمعها من ناقليها .
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 125 |
ونقل الخطيب البغدادي عن البخاري نفسه يقول : رب حديث سمعته
بالبصرة كتبته بالشام ، ورب حديث سمعته بالشام وكتبته بمصر ، قيل له : يا أبا
عبد الله بكماله ، قال : فسكت ( 1 ) .
قال ابن حجر : وهذا من نوادر ما وقع في البخاري أنه يخرج
الحديث تاما بإسناد واحد بلفظين - كما في حديث سحر النبي
( صلى الله عليه وآله ) ( 2 ) - .
فلو تتبعنا وفحصنا في الأحاديث التي رواها البخاري في صحيحه لوجدنا أن البخاري
اتبع أسلوب النقل بالمعنى في كثير منها ، وما ذكره ابن حجر فإنه من باب التمثيل
لا الحصر . وعليه فهل يمكن لقارئ أن يعتمد على كتاب وضعه مؤلفه في مدة
تة عشر سنة ، كما اعترف البخاري أنه خرج وضبط فيه تلك
الأحاديث التي سمعها في بلد ، وبعد مدة من الزمن كتبها وهو في بلد آخر ؟ ولا
ريب أن هذه الفترة الزمنية التي فصلت بين سماع الحديث وبين تدوينه ، سوف تنسيه
ألفاظ الحديث ،
يأتي مكانها بألفاظ أخرى غيرها ، أي يكون النقل فيه نقلا
بالمعنى ، وبهذا يفقد الحديث شأنه واعتباره ، وأضف إلى ذلك احتمال أن تمحى
الكثير من دقائق ألفاظ الحديث الأول عندما يروى بالمعنى .
ولهذا السبب جعلنا موضوع النقل بالمعنى الذي اتبعه البخاري في
تخريجه للأحاديث في صحيحه دليلا على ضعف أحاديثه .
الدليل السادس : الآخرون يتممون الصحيح
ومما يدل على ضعف أحاديث البخاري ووهنها هو أن الآخرين قاموا بإتمام الصحيح
وتكميله
|
* ( هامش ) *
( 1 )
تاريخ
بغداد 2 : 11 . ( 2 )
فتح الباري 10 : 186 . ( *
) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 126 |
قال القسطلاني : وقد وقع في بعض نسخ الكتاب ضم باب لم يذكر
فيه حديث إلى حديث لم يذكر فيه باب ، ويقع في كثير من أبوابه أحاديث كثيرة وفي
بعضها حديث واحد وفي بعضها لا شئ فيه البتة . فأشكل بعضهم ، لكن أزال الأشكال
الحافظ
أبو ذر الهروي بما رواه عن أبي إسحاق المستملي مما ذكره أبو
الوليد الباجي قال : استنسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند الفربري فرأيت
أشياء لم تتم ، وأشياء مبيضة فيها تراجم لم يثبت بعدها شيئا ، وأحاديث لم يترجم
لها فأضفنا بعض ذلك إلى بعض ( 1 ) .
وهنا يتبادر سؤال وهو : إن الكتاب الذي تم تنظيمه
وتكميله وتبوبيه بواسطة الآخرين ، وبالرغم من هذا التكميل فما زال التشويش وعدم
النسق والترتيب ملاحظا في أبوابه وأحاديثه ، فيا ترى أيها القارئ الكريم كيف
كان وضع هذا الكتاب قبل أن
يتم ترتيبه وتكميله ؟ ومن هو الذي قام بعملية التتميم
والترتيب ؟ وهل إن المكمل والناظم للصحيح استعمل في عملية الترتيب ذوقه ورأيه
الخاص به ، كما كان البخاري يستعمل ذلك في تدوين الحديث ، فحذف أحاديثا كثيرة
من صحيحه عملا برأيه ،
أو أنه أسقط أو زاد في أحاديث أخرى ، وغير ذلك ؟ هذه هي
المسائل التي لا تزال خفية ومجهولة لدينا .
ولكن القدر المتيقن والبين أن أي كتاب له ظروف مماثلة للصحيح الذي قام الآخرون
بتصحيحه وتكميله وإن كان خاليا من المؤاخذات والإشكالات فهو ساقط عن الاعتبار
والأهمية ومسلوب الصحة ولا يمكن الوثوق والاعتماد على ما يحتويه ، لأنه يستلزم
الشك والترديد في قرارة أنفسنا بالنسبة إليه
|
* ( هامش ) *
( 1 )
إرشاد
الساري 1 : 23 ، هدى الساري مقدمة فتح الباري : 6 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 127 |
الاستنتاج :
نستنتج من المواضيع التي طالعناها معا ووافيناها لقارئنا
العزيز ما ملخصه : إننا قد علمنا حال هذين الكتابين اللذين اشتهرا بالصحيحين
وتبينت لنا شخصية رواتهما ورجالهما ، واتضح بعد ارتفاع الستار عما كان عليه
مؤلفيهما من العصبية العمياء ،
وفهمنا كيف قام البخاري بتقطيع وتسقيط للأحاديث ونقله بالمعنى ، وقد أثبتنا ذلك
بالأدلة والشواهد المسلمة ، وعرفنا أيضا مدى اعتبار الصحيحين من حيث الإسناد
وشخصية مؤلفيهما . وفي هذا الحال كيف يتصور أن يسمى كتابان بالصحيح
وكيفيتهما كما رأيت وقرأت ؟ وكيف يتصور أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أيد
أحاديث هذا الكتاب أجمع من أوله إلى
آخره من دون استثناء بين أحاديثه ؟ وكيف يعقل بأن الرسول أيد كتابا مشحونا
بالعصبيات الإفراطية والأعمال المغرضة
وصحح كتابا مليئا بأنواع التقطيع والإسقاط والتزييف وفيه الرواية بالمعنى ؟ وهل
يعقل أن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) جعل هذا الكتاب بمثابة كتابه وشجع الناس
على قراءته ؟ وأما الجواب على هذه الأسئلة فهو منوط بعاتق القارئ البحاث
والحر - الذي يحمل بين جنبيه الفكر السليم - ليجيب عليها . هذه براهين جلية
وشواهد واضحة على الاضطرابات التي تركزت في بعض أحاديث الصحيحين وأثبتت ضعفها
وسقمها .
|