|
|
الفصل السادس النبوة في الصحيحين
الرباني ، وقد أشار القرآن إلى هذه الحقيقة في عدة آيات . وقد وصفت هذه الآيات أنبياء الله ( عليهم السلام ) بأنهم في أرقي درجة من الكمال ، وذكرت لهم - على وجه العموم - صفات وخصائص ، وخص لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) - على وجه الخصوص - ميزات وصفات خاصة . ولكي نستلهم مزيدا من التعرف على مقام النبوة والرسالة من وجهة نظر القرآن نذكر طرفا من هذه الآيات
ومستعدين من جهات عديدة مثل العظمة والقوة الروحية والصفاء النفسي والشجاعة وجميع الفضائل الأخلاقية والتعاليم الإلهية ومهيئين للاصطفاء والاجتباء لتلقي الرسالة الإلهية وهداية الناس وإرشادهم إلى سبيل السعادة والكمالات الإنسانية ويخرجوهم من الظلمات إلى النور . . . . وكلام قوم صالح ( عليه السلام ) شاهد على هذه الحقيقة المذكورة .
وتدل هذه الآية على أن الأنبياء ( عليهم السلام ) كانوا - قبل بعثتهم - أفرادا متفوقين على أممهم وأقوامهم والمجتمع الذي كانوا فيه ، بامتيازات خلقية ، بحيث إن المجتمع لم يكن ينظر إليهم بكونهم أشخاصا عاديين كسائر الأفراد ، وأن استعدادهم وسيرتهم الأخلاقية والعبادية هي التي كانت سببا لكي يتوقع منهم المجتمع أكثر من غيرهم ، وقد أبدى قوم صالح توقعهم بقولهم : قد كنت فينا مرجوا . وأن هذه الكمالات والاستعدادات قبل بعثتهم بالنبوة هي التي جعلت أولئك الذين لم تشوبهم العصبية والعناد أن يستجيبوا لهم في بداية أمر دعوتهم ويلتزموا بأوامرهم . عصمة الأنبياء : أكدت الكثير من الآيات بأن الأنبياء ( عليهم السلام ) كانوا معصومين من الذنوب والخطأ ومنزهين من الضلال والانحراف . وإليك بعض الآيات التي تدل على عصمة الأنبياء ( عليهم السلام
) : 1 - قال تعالى : (
أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده
)
جاءت هذه الآية بعد أن ذكر الله عز وجل ثمانية عشر نبيا وسماهم بأسمائهم ( 1 ) وبعد أن قال : ( ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم ) ( 2 ) قال تعالى : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) ( 3 ) حيث أمر الله عز وجل بوجوب الاهتداء والاتباع بهدى الأنبياء وذلك لأن هذه الهداية الواجبة الاتباع ليست من نوع الهداية العامة ، بل هي مختصة بالأنبياء والرسل ( عليهم السلام ) . ويعلم بالضرورة والبداهة أن اختصاص الأنبياء بهذه الصفة لم يبق للذنوب والانحراف سبيلا إليهم ، وبعبارة أخرى : إن الهداية المذكورة مصداق بارز لآية أخرى هي قوله تعالى : ( ومن يهد الله فما له من مضل ) ( 4 ) وعندما نجمع بين مفهومي هاتين الآيتين معا نحصل على أن الله تعالى هدى أنبياءه ورسله ( عليهم السلام ) على نحو ينفي عنهم أي سبيل للانحراف والضلالة والذنوب إليهم . وبهذا أوجب الله تعالى على الآخرين متابعتهم والانقياد إليهم والاهتداء بسيرتهم وهديهم .
وفي خلال النهي الصريح في الآية عن عبادة الشيطان واتباعه ترى
أن الآية قد اعتبرت أن جميع المعاصي والضلالات التي تحصل بواسطة إبليس هو
انحراف وضلال ، ولو أخذنا هذه الآيات
الثلاث بعين الاعتبار لاستنتجنا بأن الأنبياء والرسل ( عليهم السلام ) منزهون من كل ذنب ومعصية المعبر عنها في القرآن ضلالة .
2 - إنه ليس للضلالة والانحراف سبيل إلى أولئك الذين نالوا هذه الهداية . 3 - إن القرآن عبر عن الذنب والانحراف العام عن سبيل الله تعالى بأنهما ضلالة .
2 - قال تعالى :
( وما أرسلنا من رسول إلا
ليطاع بإذن الله ) ( 1 ) . المنشود في هذه
الآية أن الغاية من إرسال الرسل أن يكونوا مطاعين من الجهة القولية والعملية ، لأن قولهم
وفعلهم وسيلة لإرشاد وهداية الناس . فعلى هذا فإطاعة الرسل المعصية مرادة عند الله ومحبوبة إليه ، لأنه تعالى هو الذي أمر الناس وفرض عليهم طاعة الأنبياء واتباعهم . ومن جهة أخرى نشاهد أن المعصية منهية وممنوعة ، وقد نهى الله عز وجل عن ارتكابها . وبتعبير آخر : إن القول بعدم عصمة الأنبياء ( عليهم السلام ) مستلزمة للتناقض بأن يأمر الله بشئ وينهى عنه ، أي يكون الشئ الواحد ذا جهتين مبغوضا ومحبوبا لله تعالى في آن
واحد ، وهذا الأمر باطل ومرفوض . 3 - قال تعالى : ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) ( 1 ) . هذه الآية تحكي قول الشيطان الذي حلف يمينا بأنه سيغوي العباد كلهم إلا المخلصين منهم ، فلو كان الأنبياء ( عليهم السلام ) ممن تصدر منهم الذنوب حتى ولو كانت من الصغائر ، فإنهم سوف يكونون في زمرة الغاوين والضالين ، وليس من عباد الله المخلصين ، وقد قرأنا خلال الآيات التي ذكرناها آنفا ، إن الأنبياء هم الناجون والمخلصون كما قال تعالى : ( إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ) ( 2 ) .
نشاهد في بعض الآيات استشعار وقوع الذنب من بعض الأنبياء وارتكابهم المعصية ، فإن ظاهر هذه الآيات يتعارض مع تلك الآيات الصريحة التي تنفي ارتكاب الأنبياء ( عليه السلام ) للذنب ، بحيث لا يمكن الجمع بين هاتين الفئتين من الآيات ، وعلى هذا يقتصر الحل الوحيد بأن نأول هذه الآيات إلى المعاني
التي حددتها الآيات الصريحة من الفئة الأخرى والأحاديث الواردة في هذا الموضوع
. وقد تصدى العلماء للموضوع فألفوا كتبا في عصمة الأنبياء وقد جمعوا بين كلا
الطائفتين من الآيات ومن ثم تأويل الآيات النافية إلى معان تتناسب مع هذه
الآيات والروايات الصريحة في إثبات العصمة .
|
|