|
|
الدليل الرابع : تقطيع الحديث وهذا دليل آخر وهو رابع الأدلة على عدم الوثوق والطمأنينة بما ورد من الحديث في صحيح البخاري . وهذا العمل أو بالأحرى هذه الخيانة - تقطيع الحديث - التي صدرت من البخاري ناجمة عن روح التعصب والتطرف الذي كان يكنه تجاه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ولذلك تراه يسقط ويقطع أي حديث فيه منقبة من مناقب علي ( عليه السلام ) أو يكشف عن منقصة وجهالة لأحد من الخلفاء فيحذف صدر الحديث أو ذيله ، أو يعمد إلى قطعه من وسطه حتى تخفى المنقبة أو المنقصة . وهذا العمل يعتبره علماء الحديث تدليسا وخيانة في أمانة نقل الرواية .
يقترفها المحدث ، لأنه تعتيم للحقائق وتزوير للواقع وتضليل للأفكار والأذهان ، وهذا إن دل على شئ فإنه يدلنا على حقيقة هامة وهي أن شطرا كبيرا وعددا ضخما من الأحاديث والروايات الصحيحة كانت بحيازة البخاري ، وحيث إنها لا تتلاءم وهواه فلم يدونها في صحيحه ومن ثم اندرست شيئا فشيئا ، ومن البين أن من يقوم بالتدليس في كل ما يريد تدوينه فإن مصير سائر الأحاديث المخالفة لهواه تكون التشويه أو النسيان . ونورد لك - أيها القارئ الكريم - أمثلة ونماذج من تدليسات البخاري وتقطيعاته :
1 - حكم الجنابة : سأل رجل عمر بن الخطاب : إني أجنبت ولم أجد ماءا فما العمل ؟ قال عمر : لا تصل . فكان في المجلس عمار بن ياسر فقام معترضا على عمر في فتواه وذكره بحكم التيمم الذي سمعاه معا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . ولا يخفى أن فتوى الخليفة بترك الصلاة حين الجنابة مخالفة صريحة لنص القرآن وسنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهذا مما يدل على جهل الخليفة بحكم التيمم ، وعدم إحاطته بالأحكام الشرعية ، وغفلته عما هو عامة الابتلاء ، ولكن البخاري قام بتقطيع الحديث فحذف منه إجابة الخليفة : لا تصل ، وذلك حفظا لكرامة الخليفة من أن تنال .
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال : إني أجنبت ، فلم أصب الماء
. فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب : أما تذكر أنا
أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء ، فأما أنت فلم تصل ،
وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إنما
كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ، ثم تنفخ ، ثم تمسح بهما وجهك
وكفيك . فقال عمر : اتق الله يا عمار ، قال : إن شئت لم أحدث به ( 1 ) . فكما ترى أيها القارئ العزيز أن هذين الحديثين من حيث السند والمتن سواء ولا فرق بينهما إلا في جملة ( لا تصل ) حيث أسقطها البخاري وأثبتها مسلم .
والحكم فمنع من إجرائه ، ولما استفسر عمر من علي ( عليه السلام ) عن سبب نقضه وإبرامه الحكم . قال ( عليه السلام ) : أما علمت أن القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق ، وعن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ؟ ( 2 )
ارجعوا بها ، ثم أتاه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أما علمت
أن القلم قد رفع عن ثلاثة : عن المجنون حتى يبرأ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن
الصبي حتى يعقل ؟ قال : بلى . قال : فما بال هذه ترجم ؟ قال : لا شئ ،
قال : فأرسلها ، قال : فجعل يكبر ( 1 ) . وذكر أحمد بن حنبل هذا الحديث في مسنده ( 2 ) ، وكذا نقله ابن عبد البر في استيعابه ، وزاد في آخره هذه الجملة : ( فكان عمر يقول : لولا علي لهلك عمر ) ( 3 ) .
الصحابة ، ولما كان حكمه ( عليه السلام ) مطابقا للواقع وما أمر به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ترى البخاري يكتفي بذكر ذيل الحديث فيذكر الحديث في كلا الموردين ناقصا ويسقط منه السند والصدر .
قلد نفسه الخلافة ، واستحل محل رسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) فكيف يخفى عليه حكم مسألة قد عمل به مدة طويلة فيلجأ إلى رأي الآخرين
ويترك العمل بسنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وما تقيد به من سبقه
بالخلافة ؟ !
ونسأل الخليفة الذي تقلد زعامة المسلمين وجلس مجلس النبي ( صلى الله عليه وآله ) هل أن مثل هذه المسألة - من حيث البساطة - بحاجة إلى مشورة الآخرين ؟ وهل الخليفة كان جاهلا بذلك بالحكم ، أو أن الصفق بالأسواق والعمل بالتجارة ألهاه عن معرفة الحكم وتعلمه ؟ أو أنه أراد أن يحكم بما يخالف حكم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويبدي رأيه الخاص في تلك المسألة كما أبدى رأيه الخاص في قضايا أخرى ؟ وعلى كل حال لما كان هذا الحديث على خلاف مذاق البخاري ومذهبه بادر - ورعاية لمقام الخليفة - إلى تقطيعه بنقل أوله الذي بين فيه حكم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالتعزير ومتابعة أبي بكر لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك ، وأسقط ذيله الذي فيه استشارة عمر لبعض الأصحاب .
أخرج البخاري : عن أنس بن مالك أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ضرب في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين ( 1 ) . عن أنس قال : جلد النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين ( 2 ) . وفي صحيح مسلم : عن ابن مالك : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين . قال : وفعله أبو بكر ، فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف : أخف الحدود ثمانين ، فأمر به عمر ( 3 ) .
هذا الحديث الذي نقله البخاري بهذه الكيفية أوضح دليل وشاهد على التدليس والتقطيع ، وذلك لأن كل من كان لديه أقل معرفة بالحديث ونصوصه يعلم بمجرد رؤيته لهذا الحديث عدم تمامية الحديث وعدم استقامته ، وأنه يحتوي على جملات وكلمات أخرى قد أسقطت ، ويعلم كذلك أن أيد قد تدخلت فيه لإصلاحه وترقيعه .
يوأم بين الحديث وبين تقديسه الخليفة عمر بن الخطاب رأى أن الحل الوحيد في ذلك هو أن يحذف صدر الحديث ويسقط منه الفقرات المهمة والحساسة التي تمس شأن الخليفة حتى يكون قد خدم - بفعله هذا - مذهبه وأدى ما عليه تجاه مسلكه وعقيدته وذلك لأن القارئ لو قرأ هذا الحديث قبل التدليس وإسقاط أوله
وآخره يتبادر هذا السؤال إلى مخيلته وهو : لو كان التعرف واستنباط معنى كلمة من
كلمات القرآن يعتبر تعمقا وتكلفا فعلى هذا لا يجوز الاستفسار عن أية مسألة
دينية أخرى ولا يحق التفكر فيها .
إذن فما معنى كل ما ورد من الفضائل بحق العلم والتعلم ؟ علما بأن هذه الشخصية العلمية الفذة - أي الخليفة - الذي لم يتعقل حتى معنى واحد من معاني القرآن - في حين أن تفسيرها ومعناها ورد في آخر الآية - كيف يصح له أن يتقلد زمام الخلافة ؟ وكيف يجوز لمن يكون جوابه لسؤال بسيط أن يقول : ( نهينا ) يتزعم قيادة الأمة الإسلامية ويتربع على عرش الخلافة ؟ ولا ريب أن مثل هذه الأسئلة هي التي فرضت على البخاري وألجأته إلى أن يقتطع الحديث ويدلسه عند إخراجه له . وهذا الحديث - على اختلاف نصه ومتنه - أخرجه المفسرون
المشهورون كالسيوطي ، ابن كثير ، الزمخشري ، الخازن ، البغوي ، والحاكم
النيسابوري في مستدركه ضمن تفسير سورة عبس ، وكذا رواه شراح الصحيح كابن حجر
( 1 ) والعيني
ونذكر هنا موردين منها حتى يتبين دهاء البخاري في التعتيم وتغطية الحقائق : الأول : ما أخرجه مسلم عن أسامة وأنه انتقد عثمان وشجب أعماله وتصرفاته ،
فجاء في هذا الحديث اسم عثمان صريحا . عن شقيق ، عن أسامة بن زيد قال : قيل له : ألا تدخل على عثمان فتكلمه ؟ فقال : أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم ؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه ، ولا أقول لأحد يكون علي أميرا ، إنه خير الناس بعد ما سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار ، فتندلق أقتاب بطنه ، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى ، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون : يا فلان ! مالك ؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى ، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه ، وأنهى عن المنكر وآتيه ( 1 ) . تلاحظ أيها المطالع أن هذه الرواية صريحة وواضحة في أن أسامة بن زيد قد انتقد عثمان ، وأسامة هو تلك الشخصية المعروفة الذي أعطاه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) راية الإسلام عند وفاته وقلده أمارة عسكر المسلمين وأمره على كبار الصحابة ، ولعن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كل من تخلف عن جيش أسامة .
لنقد حديث الرسول ( صلى الله عليه وآله ) واعتراض أسامة إياه
، وإنه حرف الحديث في كلا الموردين فمرة جاء باسم الإشارة ومرة أخرى اكتفى
بكلمة ( فلان ) بدلا من التصريح باسم عثمان كما جاء في نقل مسلم وأخرج الحديثين
على النحو التالي ففي أحدهما : قيل لأسامة : ألا تكلم هذا . . . . ؟
وفي الآخر : قيل لأسامة : لو أتيت فلانا فكلمته . . ( 1 ) . 6 - قصة عمر وسمرة بن جندب : أخرج مسلم في صحيحه وأحمد بن حنبل في مسنده قصة بيع سمرة بن جندب ( والي عمر على البصرة ) الخمر وقد جاء اسمه فيهما صريحا مرتين فاقرأ : عمرو بن دينار قال : أخبرني طاووس إنه سمع ابن عباس يقول : بلغ عمر أن سمرة باع خمرا ، فقال : قاتل الله
سمرة ، ألم يعلم أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال :
|
|