|
|
2 - قصة فدك وإرث الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : المورد الثاني من مخالفة الخلفاء لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأحكام الشريعة ، والتي وقعت في عهد الخليفة أبي بكر هو مسألة غصبه فدك وإرث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، وإنه آذى بضعة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأغضبها . ولما كانت هذه الواقعة وبعض جوانبها قد وردت مجملة ومختصرة في الصحيحين في موردين فقط ، نقلاها عن عائشة بنت أبي بكر ، رأينا لزاما أن ننقل النص منهما ومن ثم ندرس هذه القضية دراسة محققة على نحو الاختصار .
مما أفاء الله عليه . فقال لها أبو بكر : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : لا نورث ، ما تركنا صدقة . فغضبت فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله
( صلى الله عليه وآله ) ستة أشهر . قالت : وكانت فاطمة ( عليها السلام ) تسأل
أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من خيبر
وفدك وصدقته بالمدينة ، فأبى أبو بكر عليها ذلك ( 1 ) . 2 - عن عروة ، عن عائشة : أن فاطمة ( عليها السلام ) بنت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، أرسلت إلى أبي بكر ، تسأله ميراثها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر . فقال أبو بكر : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : لا نورث ما تركنا صدقة ، إنما يأكل آل محمد ( عليهم السلام ) في هذا المال ، وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة ( عليها السلام ) منها شيئا ، فوجدت فاطمة ( عليها السلام ) على أبي بكر في ذلك ، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها ، وكان لعلي ( عليه السلام ) من الناس وجه حياة فاطمة ( عليها السلام ) ، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا معك أحد ( 2 ) .
أموالا وقرى خارج المدينة غير فدك كما أثبته المحققون والعلماء ( 1 ) . وهذا ما نستفيده من كلام عائشة حيث قالت : بأن فاطمة طالبت أبا بكر بعد وفاة النبي بموارد متعددة ، مثل فدك والخمس من غنائم خيبر والصفايا والصدقات خارج المدينة . ولعل اشتهار فدك من بين كل تلك الموارد ، لأهميتها الخاصة وموقعها . كما يقول أبو داود في سننه : إن أرباح فدك السنوية في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز كانت تبلغ أربعين ألف دينار وقد ردها الخليفة لبني الحسن ( 2 ) .
( عليها السلام ) حية ، وعندما توفيت فاطمة ( عليها السلام )
وتغير أسلوب الخليفة وأصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في معاملتهم
لأمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام ) ، أرسل إلى أبي بكر وبايعه ، كما
قالت عائشة : استنكر وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته .
إبداع مادة قانونية : أما ما يرتبط من هذه الموارد الأربع المذكورة ببحثنا هو الموردين الأوليين - أي مصادرة ميراث النبي وغصبه ، والآخر وضع حديث مزيف بحيث صار قانونا لمن يأتي بعده - ولما كان موضوع مصادرة الإرث وغصب فدك من مسلمات الحوادث التاريخية المتفق عليها عند السنة والشيعة ، لذلك لم نر لزوما للبحث فيها ، فعلى هذا فإن البحث منحصر في المورد الثاني . كان الخليفة أبو بكر في تلك اللحظات الحساسة بحاجة ماسة إلى ذريعة قوية ووسيلة شرعية ، حتى تمكنه من الوصول إلى ما نواه من مصادرة ميراث النبي وإخراج ما كان عليه يدي الزهراء ابنة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) من ملكيتها ، ويجعلها جزءا من الأنفال العامة المتعلقة ببيت المال ، وهو في نفس الوقت كان يفكر أن لا يواجه هزيمة في منازعته مع الجانب الآخر يعني فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ويكون هو المنتصر عند الرأي العام ، فما كانت ذريعة أقوى وأدحض لمطالبة الجانب الآخر من أن يضع ويختلق حديثا وينسبه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) إذ يقول : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة . هذا الحديث في معارضته ومناقضته للنصوص القرآنية صريح وواضح ، وزد على هذه المخالفة ما فيه من معاكسته لكثير من الحقائق الأخرى التي سنذكرها : فلو كان الحديث المنسوب إلى النبي صحيحا فلم لم يرويه أحد من أهل بيته ( عليهم السلام ) وأصحابه سوي أبي بكر ، وحتى ابنته وصهره ( عليه السلام ) وكذا أزواجه لم يسمعوا بمثل هذا الخبر من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ ألم تكن وظيفة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وفقا للآية ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ( 1 ) أن يخبر به ابنته ( عليها السلام ) صاحبة الحق وصهره الإمام علي ( عليه السلام ) الذي كان ملازما له دائما لكي لا تطالب بعد وفاته ( صلى الله عليه وآله ) بالإرث
وكذا يصنع من حدوث الاختلاف بين أهل بيته ( عليهم السلام ) وأصحابه ؟
هل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كان يجهل أنه سيحدث بعد وفاته اختلاف ونزاع حول مسألة الإرث ؟ ولو كان هذا الحديث صحيحا لماذا لاثت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) - وهي من أصحاب الكساء ومعصومة من الذنوب والخطأ - ( 1 ) ، خمارها ، واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في أمة من حفدتها ونساء قومها ، تطأ ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، حتى دخلت على أبي بكر ، وهو في حشر من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فنيطت دونها ملائة ، فحنت ثم أنت أنة أجهش القوم لها بالبكاء ، فارتج المجلس ، ثم أمهلت هنيهة ، حتى إذا سكن نشيج القوم ، وهدأت فورتهم ، افتتحت الكلام وبدأت خطبتها التاريخية واحتجاجها الخالد . وبعد الحمد والثناء ذكرتهم بمتاعب أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقضية خلافة بعلها ، مستدلة بالبراهين الجلية ، والدلائل الواضحة ، ثم توجهت إلى أبي بكر ، وقالت : يا ابن أبي قحافة ، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي . . . . ؟ وبعد ذلك توجهت إلى قبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقالت : قد كان بعدك أنباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب فلو كان ما نسبه أبو بكر إلى الرسول ( صلى الله عليه وآله )
صحيحا لماذا غضبت عليه فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) التي قال عنها الرسول :
من أغضبها فقد أغضبني ( 3 ) ولم تكلم أبا بكر حتى
توفيت ( عليه السلام ) ؟ ( 1 ) فلو كان ادعاء أبي بكر صحيحا لما وقف أمير المؤمنين والحسن والحسين ( عليهم السلام ) الذين نزلت فيهم آية التطهير والمباهلة إلى جانب الزهراء ( عليها السلام ) في احتجاجها مع أبي بكر ؟ وهل يعقل أن يأخذ الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) الصدقات - وهي محرمة عليهم - وهي مختصة بفقراء المسلمين ، ويصيرونها ملكا لهم ؟ هذه الأمور تدل بوضوح بأن أمير المؤمنين وفاطمة وأبناءهما ( عليهم السلام ) كانوا ينكرون على أبي بكر في جعله لهذه الرواية ، وقالوا بأنه قانون موضوع مختلق لا أساس له ولا اعتبار . أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) : قلنا : إنه ليس في أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) من سمع هذا الحديث من النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلا أبا بكر ، وهذه المسألة من المسائل التي ما وسع علماء العامة ومحققيهم إلا أن يصرحوا وينوهوا على أنها من منفردات أبي بكر ، وعلى سبيل المثال نذكر ثلاثا منهم :
وقال أيضا في موضع آخر تأييدا لقول السيد المرتضى : صدق المرتضى ( رحمه الله ) فيما قال ، فلم يرو الخبر - نفي الإرث - إلا أبو بكر وحده ( 3 ) .
3 - قال ابن حجر : اختلف الأصحاب في ميراث النبي فما وجدوا عند أحد من ذلك علما . فقال أبو بكر : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إنا معاشر الأنبياء لا نورث ( 1 ) .
النبي ( صلى الله عليه وآله ) طالبن أبا بكر إرثهن وسهمهن من تركة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) - الثمن - ، وأرسلن إليه عثمان لكي يطالبه بالثمن من الإرث . وهذه القصة فيها دلالة واضحة على أن أزواج النبي قد أنكرن على أبي بكر وكذبنه ، وأثبتن بعملهن هذا أن هذا القانون - منع إرث النبي (
صلى الله عليه وآله ) - هو من القوانين الموضوعة ولم يكن
فكنت أنا أردهن فقلت لهن : ألا تتقين الله ، ألم تعلمن أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يقول : لا نورث ، ما تركنا صدقة ، يريد بذلك نفسه ، إنما يأكل آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) في هذا المال ( 2 ) . وقد أشرنا فيما سبق بأن هذا الحديث لم ينقله أحد غير أبي بكر
ولم ينسبه
المحدثون إلى عائشة ، وأن عائشة نفسها في احتجاجها على سائر ضراتها وأزواج النبي ( صلى الله عليه وآله ) . تروي الحديث عن أبيها أبي بكر أيضا .
وهي عنده صادقة ؟ فتبسم ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته ، قال : لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها ، لجاءت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ، ولم يمكنه الاعتذار والموافقة بشئ ، لأنه يكون قد سجل على نفسه إنها صادقة فيما تدعي كائنا ما كان من غير حاجة
إلى بينة وشهود . وهذا كلام صحيح وإن كان أخرجه مخرج الدعابة والهزل
( 2 ) .
|
|