( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 414

  5 - الافتراءات الشائعة : أشرنا سابقا أن حكم المتعة ثابت كتابا وسنة ، وبالرغم من أن حدود المتعة وشروطها قد ذكرت بالتفصيل وببيان واضح في الكتب الفقهية الشيعية ، مع هذا نرى أن بعض علماء أهل السنة ومؤلفيها تشبثوا بكل حشيش ،

كالغريق ، وما وسعهم إلا أن يكتبوا ما توهموه من الأباطيل ، ورشحتها خزعبلاتهم الفكرية حول المتعة أو لما نجم من جمودهم الفكري وتعصبهم المفرط ، فاتهموا الشيعة بأراجيف موهومة ونسبوا إليهم الافتراءات والأكاذيب .

ونذكر للقراء أربعة من تلك الأقوال :

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 415

 1 - كلمة الشيخ محمد عبدة : قال في مكافحته للمتعة : فإن المتمتع بالنكاح المؤقت لا يقصد الإحصان دون المسافحة ، بل يكون قصده الأول المسافحة ، فإن كان هناك نوع ما من إحصان نفسه ومنعها من التنقل في دمن الزنا ، فإنه لا يكون فيه شئ ما من إحصان المرأة التي تؤجر نفسها كل طائفة من الزمن لرجل ، فتكون كما قيل : كرة حذفت بصوالجة * فتلقفها رجل رجل ( 1 )


أقول : يظهر من توهم صاحب المنار إن بين الزواج المؤقت ( المتعة ) والعفة والزواج الشرعي منافاة وتباين حيث ادعى أن الزوجة المؤقتة ( بالتمتع ) ليست زوجة شرعية ولذا عبر عن الزواج المؤقت بالسفاح والزنا . وقد أوضحنا فيما سبق أن المتعة شبيهة بالزواج الدائم من حيث الشروط والعدة .

وأما تشبيه صاحب المنار المرأة في المتعة بالمرأة التي تؤجر ، والكرة التي يتلقفها الرجال واحد بعد آخر ، فيه :

 أولا : لو كان هذا الادعاء صحيحا فإن الإيراد يرد أولا وبالذات على أصل تشريعه في عهد الرسول لأنه لا يمكن تصور
هذا التشبيه والتقبيح بأنه منحصر بزمان دون زمان ، ولا يشك أحد أن المسلمين الأوائل كانوا يتمتعون على عهد الرسول

( صلى الله عليه وآله ) ، ثم نستثني القبح عن هذا الزمان من بقية الأزمنة ، لأن الشئ القبيح يظل قبيحا إلى الأبد ولا يزول القبح عنه .


وثانيا : لو فرضنا صحة هذا التوهم والأشكال فإنه يرد أيضا على الزوجة الدائمة فإنه لا يحق لها أن تتزوج رجلا آخر بعد ما حصل لها الطلاق من الزوج الأول ، وهكذا لما تطلق من الزوج الثاني لا يجوز لها الزواج بالثالث ، لأنها حينئذ تكون لعبة وكرة - حسب تعبير الشيخ محمد عبدة - بأيدي الرجال والأزواج ، وعلى هذا فلا يكون فرق بين الزواج الدائم والمؤقت من هذه الناحية .


وما يثير العجب أن صاحب المنار بعد أن أطال الكلام في هذا الموضوع يختتم

 

* ( هامش ) *
( 1 ) المنار 5 : 13 - 17 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 416

كلامه قائلا : أخشى أن أكون خرجت بهذا البحث عن منهاجي فيه وهو الأعراض عن مسائل الخلاف التي لا علاقة لها بفهم القرآن والاهتداء به ، وعن الترجيح بين المذاهب الذي هو مثار تفرق المسلمين وتعاديهم ، على أنني أبرأ إلى الله من التعصب والتحيز إلى غير ما يظهر لي أنه الحق والله عليم بذات الصدور ( 1 ) .

ومع هذا الكلام تراه ينحاز ويتعصب حتى ينجر إلى أن يسخر ويستهزئ بأصل أصيل ثابت حكمه في القرآن والسنة وإجماع المسلمين .


 2 - كلمة موسى جار الله : أرى أن المتعة من بقايا الأنكحة في الجاهلية كانت أمرا تاريخيا لا حكما شرعيا بقيت في صدر الإسلام بقاء العوائد التي لا تستأصل إلا بزمن ، فالعرب قبل الإسلام كان لها أنكحة دامت حتى صارت عادة أبطلها الإسلام

يمكن أن البعض كان يرتكب - المتعة - في صدر الإسلام جريا على العادة مستحلا أو جاهلا ، ويمكن أن الشارع أقرها لبعض في بعض الأحوال من باب ما نزل فيها ما قد سلف ، وقد نزل في أشد المحرمات ونسخت وحرمت تحريم أبد ولم

يكن نسخها نسخ حكم شرعي بل نسخ أمر جاهلي ، ولم يكن في الإسلام نكاح متعة ، ليس بيد أحد دليل لإباحتها في زمن من صدر الإسلام ولم تقع من صحابي في الإسلام ولو وقعت فلا يتمكن أحد أن يثبت أنها كانت بإذن من الشارع بل دوام عمل كان في الجاهلية وعادة معروفة . . . . ( 2 )


أقول : فلو أمعنت النظر أيها القارئ الكريم في الصفحات السابقة وكررت مطالعتك فيها يظهر لك جواب ادعاء موسى جار الله وعلمت أن حكم المتعة ثبت في القرآن والسنة ثبوتا قطعيا وقد اتفقت أقوال المحدثين والمفسرين بأن المسلمين في صدر

الإسلام قد عملوا بالمتعة . وما قول جار الله النابع عن العصبية إلا تحكم وتخرص واستهزاء وتفكه لما ورد في الكتب الحديثية والتفسيرية والتاريخية . . .

 

* ( هامش ) *
( 1 ) المنار 5 : 17 . ( 2 ) الوشيعة : تلخيص من ص 121 - 132 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 415

( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) ( 1 ) .


 3 - فرية الآلوسي : لفق محمود شكري الآلوسي البغدادي بهتانا وإفكا واضحا فاضحا على الشيعة فقال : إن عند الشيعة
متعة أخرى يسمونها المتعة الدورية ، ويروون في فضلها ما يروون ، وهي أن يتمتع جماعة بامرأة واحدة فتقول لهم من

الصبح إلى الضحى في متعة هذا ، ومن الضحى إلى الظهر في متعة هذا ، ومن الظهر إلى العصر في متعة هذا ، ومن العصر إلى المغرب في متعة هذا ، ومن المغرب إلى العشاء في متعة هذا ، ومن العشاء إلى منتصف الليل في متعة هذا ، ومن منتصف الليل إلى الصبح في متعة هذا . . . . ( 2 )


لقد أسلفنا البحث حول موضوع المتعة وبيان حقيقتها وماهيتها في بداية هذا الفصل وآن لنا أن نقول أن ما نسبه الآلوسي إلى الشيعة ما هو إلا بهتان واضح وافتراء فاضح .

أليس من سائل يسأل هذا الآلوسي : أي شيعي هذا الذي يقول بهذا الرأي وهذا النوع من المتعة ؟

وأي رواية عثر عليها الآلوسي تروي لنا هذا النوع من المتعة ؟

ومن هو الراوي الذي ذكر فضائل لهذه المتعة الآلوسية ؟

وفي أي كتاب نقلت هذه الروايات التي أفرزتها خيالات وتوهمات الآلوسي ؟

وما هي الكتب الحديثية والتفسيرية الشيعية التي رويت فيها هذه التخرصات الآلوسية ؟

وأي عالم أو جاهل شيعي يفتي بصحة هذا النوع من المتعة الآلوسية ؟

 

* ( هامش ) *
( 1 ) البقرة : 79 . ( 2 ) الفصول المهمة : 65 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 418

( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) ( 1 ) .


 4 - عصبية الشيخ محمود شلتوت : هو الرئيس السابق لجامعة الأزهر بمصر وأحد العلماء المتفتحين علميا والواعين والمعروف عنه أنه لا تأخذه العصبية . فتراه لما يأتي على ذكر المتعة يتعصب ويبرز شنشنته فيقول : زواج المتعة -

ومنه الزواج إلى أجل - هو أن يتفق رجل مع امرأة خالية من الأزواج على أن تقيم معه مدة ما معينة أو غير معينة
في مقابلة مال معلوم .


وأضاف قائلا : إن القرآن قد ربط بعنوان الزوجية أحكاما كثيرة كالتوارث وثبوت النسب والنفقة والطلاق والعدة وليس شئ من هذه الأحكام بثابت فيما يعرف بزواج المتعة ( 2 ) .


لقد ذكرنا آنفا أن أحد شروط المتعة هو تعيين المدة وهكذا العدة بأقسامها والتناسب والتوارث فإنها من شروط المتعة وأما ادعاء أن الزواج المؤقت نوع من المتعة فإنه ناشئ عن . . . . ، وليس بصحيح ولا معنى له . ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ) ( 3 ) .


 7 - صلاة التراويح : وهي صلاة نافلة تقام في ليالي شهر رمضان بنحو الجماعة . وهذه الصلاة ما سنها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا كانت على عهده ، وحتى أنها لم تكن على عهد أبي بكر ، وفترة من عهد عمر بن الخطاب ، ولا شرع في الإسلام إقامة النوافل جماعة إلا صلاة الاستسقاء ، وإقامة الصلاة جماعة إنما هي في الصلوات الواجبة فقط .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) الكهف : 5 . ( 2 ) الفتاوي 1 : 273 . ( 3 ) الجاثية : 23 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 419

وفي العام أربع عشر من الهجرة ابتدع الخليفة هذه الصلاة ، وألزم المسلمين أن يقيموا النوافل في ليالي شهر رمضان جماعة ، وكتب بذلك إلى البلدان والولاة ونصب في المدينة إمامين يصليان بالناس وهما : أبي بن كعب إماما للرجال ، وتميم الداري إماما للنساء .


وحسبك أيها القارئ الكريم ما روي بهذا الصدد في الصحيحين وبعض المصادر المعتبرة الأخرى .

 1 - روى البخاري بإسناده عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط . فقال عمر : إني أرى لو اجتمع

هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم . قال عمر : نعم البدعة هذه . . . . ( 1 ) .


 2 - وأخرج هو ومسلم معا بإسنادهما عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمان ، عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى
الله عليه وآله ) قال : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه . قال ابن شهاب : فتوفي رسول الله ( صلى

الله عليه وآله ) والأمر على ذلك - عدم الجماعة في النوافل - ، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر ، وصدرا من خلافة عمر رضي الله عنهما ( 2 ) . قال ابن سعد : وهو - أي عمر - أول من سن قيام شهر رمضان ، وجمع الناس على ذلك وكتب إلى البلدان ، وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة وجعل للناس بالمدينة
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري 3 : 58 كتاب الصوم باب فضل من قام رمضان .
( 2 )
صحيح البخاري 3 : 58 كتاب الصوم باب فضل من قام رمضان ،
      صحيح مسلم 1 : 523 كتاب الصلاة باب ( 25 ) باب الترغيب في قيام رمضان ، ح 174 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 420

قارئين قارئا يصلي بالرجال ، وقارئا يصلي بالنساء ( 1 ) . ذكر اليعقوبي في حوادث سنة أربع عشرة : وفي هذه السنة سن عمر قيام شهر رمضان ، وكتب بذلك إلى البلدان ، وأمر أبي بن كعب وتميم الداري أن يصليا بالناس .

فقيل له في ذلك : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يفعله ، وإن أبا بكر لم يفعله . فقال : إن تكن بدعة فما أحسنها من بدعة . . . . ( 2 ) وقال السيوطي : وفي سنة أربع عشرة جمع عمر الناس على صلاة التراويح ( 3 ) .


 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) الطبقات الكبرى لابن سعد 3 : 281 ، وفي إرشاد الساري 3 : 425 رواه بلفظ آخر .
( 2 )
تاريخ اليعقوبي 2 : 140 .
( 3 )
تاريخ الخلفاء : 131 . ( * )

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب