( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 200

مؤهلات النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الأحاديث :

وردت أحاديث كثيرة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) في المصادر المعتمدة - لدى الفريقين - ، تؤيد مقولتنا الآنفة ، وتثبت كفاءة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتأهله ، وتروي لنا كيفية صلاته وعبادته قبل أن يبعث نبيا ،


وإليك بعض هذه الأحاديث : 1 - أخرج ابن سعد بإسناده عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح ( 2 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 2 ) الطبقات الكبرى لابن سعد 1 : 61 ذكر أمهات النبي . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 201

 2 - قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) في خطبته القاصعة وهي من أفصح خطب نهج البلاغة وأبلغها وأطولها ، يذكر فيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ولقد قرن الله به من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق

المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ، ليله ونهاره ، ولقد كنت معه أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه ، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ، ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ، ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وخديجة وأنا ثالثهما ( 1 ) .


 3 - روي أن بعض أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) سأله : عن قول الله عز وجل : ( إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ) ( 2 ) . فقال ( عليه السلام ) : يوكل الله تعالى بأنبيائه ملائكة

يحصون أعمالهم ويودون إليه تبليغهم الرسالة ، ووكل بمحمد ( صلى الله عليه وآله ) ملكا عظيما منذ فصل عن الرضاع ، يرشده إلى الخيرات ، ومكارم الأخلاق ، ويصده عن الشر ومساوئ الأخلاق ، وهو الذي كان يناديه : السلام عليك يا محمد يا رسول الله ، وهو شاب لم يبلغ درجة الرسالة بعد ، فيظن أن ذلك من الحجر والأرض ، فيتأمل فلا يرى شيئا ( 3 ) .


 4 - وفي رواية أخرجها ابن ماجة في سننه ( 4 ) وأحمد بن حنبل في مسنده ( 5 ) والطبري في تاريخه ( 6 ) بإسنادهم عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : أنا عبد الله ، وأخو رسوله ، وأنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر ، صليت قبل الناس بسبع سنين .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) نهج البلاغة خطبة رقم 192 ، د . صبحي الصالح .
( 2 )
الجن : 27 .
( 3 )
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13 : 207 .
( 4 )
سنن ابن ماجة 1 : 44 المقدمة باب ( 11 ) باب فضائل أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
      فضل علي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) ح 120 .
( 5 )
مسند أحمد 1 : 99 .
( 6 )
تاريخ الطبري 2 : 310 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 202

وأخرج النسائي قوله ( عليه السلام ) : عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة تسع سنين ( 1 ) .

وقال ابن أبي الحديد : وإن كان قد ورد في كلامه إنه صلى سبع سنين قبل الناس كلهم ، فإنما يعني ما بين الثمان والخمس عشرة . ولم يكن حينئذ دعوة ، ولا رسالة ، ولا ادعاء نبوة ، وإنما كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يتعبد على ملة

إبراهيم ( عليه السلام ) ودين الحنيفية ، ويتحنث ، ويجانب الناس ، ويعتزل ويطلب الخلوة ، وينقطع في جبل حراء ، وكان علي ( عليه السلام ) معه كالتابع والتلميذ ( 2 ) .


أقول : إن تفسير ابن أبي الحديد وبيانه كلام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) صحيح بشكل عام ، ولكن ادعائه بأن النبي
( صلى الله عليه وآله ) كان قبل بعثته يتعبد على دين إبراهيم ( عليه السلام ) مردود من وجهة نظر علماء الشيعة الذين

يعتقدون أن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كان يتعبد على دين الإسلام ، الذي جاء به فيما بعد ، إلا إنه لم يؤمر بتبليغ تلك الأحكام إلى الناس حتى بلغ الأربعين من عمره .


أخلاق النبي ( صلى الله عليه وآله ) : كل ما تقدم ، كان البحث في مؤهلات النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكفاءته لتلقي الوحي والرسالة ، منذ أن كان طفلا ، ونبحث هنا في المؤهلات الأكثر أرضية لذلك ، والتي هيأت الرسول ( صلى الله

عليه وآله ) لكسب الفضائل والصفات ، والمراتب العالية من الخلق الإنسانية . ونذكر نبذا من أخلاق النبي العظيمة على نحو الإجمال حتى تتجلى لك عظمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وشخصيته أكثر ،

وتكون - أيها القارئ - مستعدا للمباحث التي نوافيك بها فيما يأتي : آيات عديدة في القرآن تبين الحالة الأخلاقية للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وكيفية معاشرته وتعامله مع الآخرين ننتخب لك من تلك الآيات ثلاث :
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : 3 ح 6 ، أسد الغابة 4 : 17 ترجمة علي بن أبي طالب .
( 2 )
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13 : 248 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 203

 1 - قال تعالى : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) ( 1 ) . هذه الآية توضح مدى علاقة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعطفه وحنانه على المسلمين ، وتؤكد أيضا أن هذه العلاقة وهذا العطف كان تثقل على قلبه ثقلا كبيرا لما كان المسلمون يعانون من المصاعب .


 2 - قال تعالى : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم )
( 2 )
. تحكي هذه الآية عن أخلاق النبي الحميدة ، وطبعه الحسن ، ولين عريكته ، ومداراته الرفيعة ، التي هي صورة مصغرة لرحمة رب العالمين ، وكلمة ( لو ) التي وردت في الجملة الثانية من الآية ( ولو كنت فظا ) تبين أن الخشونة والشدة بعيدة عنه ، لأن كلمة لو تستعمل غالبا في الأمور التي يستحيل وقوعها وتنفي ما بعدها .


 3 - قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إنيه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق ) ( 3 ) .

وهذه أيضا كاشفة عن خصلة أخرى من خصال النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتبين خصلة الحياء عند النبي ، حيث كان يستحي من أصحابه ، وأن بعض أصحابه كان يدخل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) من دون إذنه ، وكان يحب مجالسته

قبل الطعام وبعده ، والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يحتمل ذلك ويصبر على هذه المشقة من عامة أصحابه معه ، فكان يتأذى منها ولم يخبرهم بذلك ، حتى لا يجرح عواطفهم . وهذا الصبر الذي هو أنبل وأعلى صفة أخلاقية ، لا تجده إلا في الأنبياء والرسل ( عليهم السلام ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) التوبة : 128 . ( 2 ) آل عمران : 159 . ( 3 ) الأحزاب : 53 . ( * )

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب