|
|
الصلاة على المنافقين : رويت في الصحيحين موافقة أخرى من موافقات عمر وهي قصة تحريم الصلاة على المنافقين ، وذلك عندما لبى النبي ( صلى الله عليه وآله ) دعوة ابن عبد الله بن أبي للصلاة على جنازة أبيه - عبد الله بن أبي رأس المنافقين في المدينة - فمنع عمر بن الخطاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن
ذلك ، ولكن النبي أبى ولم يعتن بقوله واتجه للصلاة ، فأنزل الله آية تؤيد رأي عمر وتمنع الرسول من الصلاة على المنافقين . قال تعالى : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ) ( 1 ) .
فرغت فآذنا ، فلما فرغ آذنه . فجاء ليصلي عليه فجذبه عمر ،
فقال : أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين ؟ فقال
وآله ) ، وثبت إليه فقلت : يا رسول الله أتصلي على ابن أبي ، وقد قال يوم كذا وكذا كذا وكذا - اعدد عليه قوله - ؟ فتبسم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه ، قال : إني خيرت فاخترت ، لو أعلم أني زدت على السبعين فغفر له لزدت عليها ، قال : فصلى عليه رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم انصرف ، فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان
من براءة ( ولا تصل على
أحد منهم مات أبدا - إلى - وهم فاسقون
) .
قال : فعجبت بعد ، من جرأتي على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يومئذ . والله ورسوله أعلم ( 1 ) . يستفاد من هذين الحديثين : 1 - إن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) صلى على جنازة عبد الله بن أبي ، فقال له عمر بن الخطاب : يا رسول الله إنك منعت من الصلاة على المنافقين . 2 - كان جواب النبي لقول عمر هو : إن الله قد خيرني في الاستغفار للمنافقين وإني قد اخترت الجانب الإيجابي منهما .
1 - منافاته للعقل : وذلك لأن قبوله يستلزم أن يكون هناك من هو أعلم من النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالأحكام والتعاليم السماوية ، وأدرى منه في معرفة فلسفة الأحكام الإلهية وأسرارها وأعرف بالمصالح والمفاسد المترتبة على التعاليم الإسلامية . لأننا نشاهد في الحديث إن الله عز وجل قد أنزل آية تؤيد فكرة فرد ما غير النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وتفند عمل رسول الله وتنهاه وتمنعه . فعلى هذا ، ألم يكن من الأفضل أن ينزل الوحي على هذا الرجل بدلا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟
ومسلم من طريق النقل ، فعلى هذا فليس للآية أي ارتباط وعلاقة بموت ابن أبي واقتراح الخليفة عمر في ذلك .
1 - ورد فيه أنه لما أراد النبي أن يصلي على جنازة عبد الله بن أبي قال له عمر : أتصلي عليه وقد قال كذا وكذا ؟ أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين ؟ ويدل مضمون الحديث على أن النهي عن الصلاة على المنافقين الذي ورد في ( ولا تصل على أحد منهم مات ) نزل بعد هذه القصة التي دارت بين النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعمر .
للمنافقين شيئا ، لو أن الله لن يغفر لهم أبدا ، وأن الآية
تشير إلى حالة اليأس التام عند المنافقين وأن ليس للاستغفار أي أثر كثرة الاستغفار للمنافقين وتعدده . فكيف يتصور أن يحمل رسول الله الآية على التخيير ويقول : إن الله قد خيرني ؟ وكذا العبارات الأخيرة في الآية ( إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم
ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين ) ( 1 ) تشير إلى أنه ليس في الآية أي دلالة على التخيير ، وهذه العبارات نزلت لبيان فلسفة الحكم ، حيث إن المنافقين كانوا كافرين وفاسقين وإن الله لا يهدي الفاسقين الكافرين إلى الفلاح ، فعلى هذا إن التعليل والبيان يناسب عدم تأثير الاستغفار بحق المنافقين ، ولا مناسبة بينها وبين التخيير .
قال القاضي أبو بكر الباقلاني منكرا لصحة الحديث : لا يجوز أن
يقبل هذا ولا يصح أن الرسول قاله ، أي فهم منه التخيير
وقال إمام الحرمين في البرهان ، لا يصححه - الحديث المذكور - أهل الحديث ( 3 ) . وقال الغزالي : الأظهر أن هذا الخبر غير صحيح ( 4 ) . وقال الداودي : هذا الحديث غير محفوظ ( 5 ) . هذه هي الأحاديث التي رواها البخاري ومسلم في صحيحيهما - اللذين يعتبران أهم مصدر ومرجع عند أهل السنة بعد القرآن - حول الأنبياء ( عليهم السلام ) عامة ، وحول نبينا ( صلى الله عليه وآله ) خاصة . ومن خلال مراجعة هذه المسائل يمكن للباحث المحقق أن يعرف
حقيقة إيمان تابعي الصحيحين وعقيدتهم في الأنبياء ( عليهم السلام ) وبالنبي (
صلى الله عليه وآله ) ومسألة النبوة .
|
|