( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 114

 الدليل الثالث : الفترة الزمنية بين صدور الحديث وتدوينه وإليك الدليل الثالث على سقم أحاديث الصحيحين ووهنها ، فقد ذكرنا في المقدمة خلاصة تاريخ وكيفية تدوين الحديث وجهاته ، فتارة من حيث حظر النقل والتدوين ، وأخرى من حيث

أسباب وضع الحديث وجعله منذ زمن وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى خلافة عمر بن عبد العزيز . وهنا نطرح سؤالا على الصحيحين والقائلين بصحة جميع ما ورد فيهما ، وهو :

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 115

في الفترة التي ناهزت المائة عام حيث كانت كتابة الحديث ممنوعة ، ونقله محظور ، ومن جانب آخر كانت دواعي وضع الحديث عند الوضاعين متوفرة ، وقد استخدمت كل الأسباب والوسائل عند أصحاب القدرة ودعاة الوضع في سبيل جعل


الحديث ، فيا ترى في مثل هذه الأوضاع ما يمكن أن يجري للحديث ؟ وإلى م سيؤول أمر الحديث ؟ وما التغييرات والتحريفات التي سوف تحدث في نصوص الأحاديث ومتونها ؟ وما أكثر الحقائق التي دفنت ولم يبق لها أثر في السنة النبوية


التي تعد أهم مصدر في الإسلام وحلت مكانها الأحاديث المزورة والقضايا المحرفة ؟ ففي هذه الفترة الطويلة التي أخذ فيها الخلف عن السلف ، والأبناء عن الآباء والأجداد ، مسائل كثيرة وعنونوها باسم الحديث ، ومن ثم شكلت الأساس والجذر


الاعتقادي وأصول الأحكام الدينية وفروعها عندهم دون أن يتعرفوا على مصدرها وصحتها وسقمها . هذا هو السؤال الذي يواجهه الصحيحان وأولئك الذين ينادون بصحة كل ما ورد فيهما ، وما زال هذا السؤال باقيا بدون جواب مقبول وقانع . وقد عالج بعض كتاب أهل السنة مسألة الفترة الزمنية فطرح مسألة الذاكرة بدلا عن الكتابة والتأليف ( 1 ) .


ولكن هذا الجواب مردود :

 أولا : إنه لا ريب أن الذاكرة مهما كانت قوية لا يمكن الاعتماد عليها للحلول محل الكتابة والتقييد .

 ثانيا : لو كانت الوسائط والإسناد بين النقل والكتابة قصيرة وقليلة لكان للركون إلى الحافظة في الجواب على السؤال وجه مقبول ، ولكن ما نستنتجه ونراه بعد التحقيق في الصحيحين أن الأحاديث خرجت بوسائط متعددة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهذا التعدد
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) مقدمة صحيح البخاري المطبوع في مكة عام 1376 بقلم أبو كمال عبد الغني عبد الخالق . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 116

في الوسائط ما يقتضيه وجود الفترة الزمنية الطويلة التي فصلت بين صدور الحديث وكتابته . ومن الطبيعي أنه لا مفر من وقوع النقل بالمعنى في تخريج الأحاديث ، وحدوث الزيادة والنقصان في الأخبار ، هذا إن كانت نوايا المحدثين والحفاظ


سليمة ، وأما لو تكررت الوسائط في نقل الخبر وكل منهم روى الخبر بالمعنى - خاصة إذا كانت الأهداف غير سليمة - فحينئذ فعلى الخبر الصحيح السلام .


 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب