(
إن مذهباً يثبت نفسه من
كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل
والتحوير أحق أن يتجنب عنه )
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 286 |
البراهين القطعية تفند صحة الأحاديث :
فلو رجعت - أيها المطالع البصير - إلى المواضيع التي أسلفنا
ذكرها في أول بحثنا حول الأنبياء عامة ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خاصة
، وبرهنا بالآيات والأحاديث الصحيحة ، على إثبات زيف هذه الأحاديث وجعليتها ،
ولرأيت أن سيرة
الرسول قبل بعثته التي تطرقنا إليها بالأجمال هي الأخرى تدل
على بطلان صحة هذه الأحاديث الموضوعة ، واستنكرت هذه الأباطيل التي نسبت إليه (
صلى الله عليه وآله ) .
ولكي يتجلى اختلاقية هذه الأحاديث التي دلست ونسبت إلى النبي ( صلى الله عليه
وآله ) أكثر وضوحا ، نذكر لك بعض الأحاديث الأخرى التي تشير إلى سيرة الرسول (
صلى الله عليه وآله ) ، وأهمية المساجد في الإسلام ، ونتطرق أيضا إلى
سرد بعض الروايات المروية في حرمة الغناء ، وحرمة النظر إلى
الأجانب والأجنبيات ، في مصادر العامة المعتمدة عليها والمعتبرة عندهم في هذه
المسألة . حول الرسول ( صلى الله عليه وآله ) :
روي في المصادر التاريخية المعتبرة عن محمد بن الحنفية عن أبيه الإمام علي (
عليه السلام قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ما هممت بشئ
مما كان أهل الجاهلية يعملون به غير مرتين ، كل ذلك يحول الله تعالى بيني وبين
ما أريد من ذلك ، ثم ما هممت بسوء حتى أكرمني الله برسالته . قلت ليلة لغلام من
قريش كان يرعى معي بأعلى مكة : لو أبصرت لي غنمي حتى ،
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 287 |
أدخل مكة ، فأسمر بها كما يسمر الشباب ، فخرجت أريد ذلك حتى
إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفا بالدف والمزامير . فقلت : ما هذا ؟ قالوا
: هذا فلان تزوج ابنة فلان . فجلست أنظر إليهم ، فضرب الله على أذني فنمت ، فما
أيقظني إلا مس الشمس ، فرجعت إلى صاحبي فقال : ما فعلت ؟ فقلت
: ما صنعت شيئا ، ثم أخبرته الخبر . ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك ، فقال : افعل
. فخرجت فسمعت حين دخلت مكة مثل ما سمعت حين دخلتها تلك الليلة ، فجلست أنظر
فضرب الله على أذني ، فما أيقظني إلا مس الشمس ، فرجعت إلى
صاحبي فأخبرته الخبر . ثم ما هممت بعدها بسوء حتى أكرمني الله برسالته
( 1 ) .
أقول : إن هذا النبي الذي حضي في صغره بألطاف وعنايات ربانية ، ومنع بالفعل عن
الاشتراك في مجالس اللهو ، ولم يخطر على باله ولو للحظة واحدة أن يشارك أهل
الجاهلية في عملهم ، فكيف به بعد أن نال رتبة النبوة وبعث رسولا وهو
يشرف على الشيب أن يغير سيرته ، فيشترك في حفلات النساء
وتخدمه العروس الشابة ، ويدعو زوجته لمشاهدة الأجانب ؟ أليست هذه الأعمال من
تراث الجاهلية وعاداتها ؟ أليست هذه الأعمال قد منعت شرعا ، وجاء تحريمها في
الإسلام وعلى
لسان النبي الكريم ( صلى الله عليه وآله ) ؟ الغناء في القرآن
: ثمة آيات عديدة ومتظافرة تدل دلالة واضحة على حرمة الغناء والموسيقى ، وقد
أشار إلى ذلك المفسرون ، نذكر منها ثلاث آيات على سبيل التمثيل لا الحصر :
1 - قوله تعالى
: ( ومن الناس من يشتري
لهو الحديث ليضل به عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مبين
) ( 2 ) .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
مستدرك الصحيحين 4 : 245 كتاب
التوبة والانابة ، شرح نهج
البلاغة لابن أبي الحديد 13 : 207 ،
تاريخ الطبري 2 : 279 ،
الكامل في التاريخ لابن أثير 2 : 38 ،
البداية والنهاية 2 : 287 ،
السيرة الحلبية 1 : 122 .
( 2 )
لقمان : 6 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 288 |
سئل ابن مسعود عن قوله تعالى : ( لهو الحديث ) ، فقال :
الغناء والله الذي لا إله إلا هو - يرددها ثلاثا - . وورد أيضا تفسير لهو
الحديث بالغناء عن : ابن عباس ، ابن عمر ، عكرمة ، سعيد بن جبير ، مجاهد ،
مكحول ، ميمون بن مهران ، قتادة ، النخعي ، عطاء والحسن البصري
( 1 ) .
2 - قوله تعالى :
( واستفزز من استطعت منهم
بصوتك ) ( 2 ) . قال ابن عباس ومجاهد :
المراد من صوت الشيطان هو الغناء وآلاته ( 3 ) .
3 - قوله تعالى : (
أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم
سامدون ) ( 4 ) . عن عكرمة ، عن ابن عباس
أنه قال عقيب الآية : أن المراد من سامدون هو الغناء والتغني . وذلك لأن سمد في
لغة بني حمير هو الغناء ، يقولون : سمد لنا أي غنى لنا (
5 ) .
الغناء في السنة : وأما الروايات الدالة على حرمة
الغناء فهي متواترة ومتظافرة أيضا نكتفي بذكر بعضها على سبيل المثال :
|
* ( هامش ) *
( 1 )
تفسير الطبري 21 : 39 - 41 ،
تفسير القرطبي 14 : 51 - 53 ، تفسير القرآن
العظيم لابن كثير 3 : 450 - 451 ،
تفسير الدر المنثور
5 : 159 - 160 ، إرشاد الساري 9 : 171 .
( 2 ) الإسراء : 66 .
( 3 ) تفسير الطبري 15 : 81 ،
تفسير القرطبي 10 : 288 ، تفسير ابن كثير
3 : 49 ، تفسير الآلوسي 15 : 111 .
( 4 ) النجم : 60 .
( 5 ) تفسير الطبري 28 : 48 ،
تفسير القرطبي 17 : 122 ، تفسير ابن كثير
4 : 260 ، تفسير الدر المنثور 6 : 132 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 289 |
1 - عن أبي موسى الأشعري
مرفوعا : من استمع إلى صوت غناء ، لم يؤذن له أن يستمع الروحانيين . فقيل : ومن
الروحانيون يا رسول الله ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : قراء أهل الجنة
( 1 ) .
2 - عن علي ( عليه السلام ) مرفوعا : تمسخ
طائفة من أمتي قردة ، وطائفة خنازير ، ويخسف بطائفة ، ويرسل على طائفة الريح
العقيم ، بأنهم شربوا الخمر ولبسوا الحرير واتخذوا القيان وضربوا بالدفوف
( 2 ) .
3 - عن أنس مرفوعا : بعثني الله رحمة وهدى
للعالمين وبعثني بمحق المعازف والمزامير وأمر الجاهلية (
3 ) .
4 - روى ابن ماجة في سننه عن مجاهد : كنت مع
ابن عمر فسمع صوت طبل ، فأدخل إصبعيه في أذنيه . ثم تنحى . حتى فعل ذلك ثلاث
مرات . ثم قال : هكذا فعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
( 4 ) . وقريب منه رواه أبي داود في سننه
( 5 ) . هذه كانت خلاصة ما ورد في ذم الغناء وحرمته من الآيات والروايات
.
ولكن سؤال يطرح : إن مثل هذا الرسول الذي نزلت
عليه هذه الآيات ، وجاء بسنة تحرم الغناء ، وهو القائل : من يستمع الغناء يحرم
من صوت قراء الجنة ، وإن استماع الغناء والتغني سبب لمسخ الفضائل الإنسانية ،
وتراه يسد أذنيه بإصبعيه
بمجرد أن يطرق أذنه صوت الغناء ، ويتنحى عن ذاك المكان بسرعة
. فهل يعقل لمثل هذا الرسول أن يسمح للفتيات بالغناء ، وضرب الدف في داره ،
بحيث لو أراد أحد أن يصدهن عن ذلك يمنعه ويقول : دعهن وشأنهن ؟
|
* ( هامش ) *
( 1 )
تفسير القرطبي 14 : 54 .
( 2 ) تفسير الدر المنثور 2 : 324 .
( 3 ) المصدر : ص 323 .
( 4 ) سنن ابن ماجة 1 : 613 كتاب النكاح
باب ( 21 ) باب الغناء والدف ح 1901 .
( 5 ) سنن أبي داود 4 : 281 كتاب الأدب
باب كراهية الغناء والزمر ح 4924 . ( * ) |
|
|