(
إن مذهباً يثبت نفسه من
كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل
والتحوير أحق أن يتجنب عنه )
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 145
|
رؤية
الله في المنام !
لقد اطلع القارئ المنصف على ما ذكرناه من عقيدة أرباب
الصحيحين وأتباعهما في مسألة رؤية الله عز وجل ، ومن الجدير بهذه المناسبة أن
نذكر أيضا عقيدة علماء أهل السنة بما تختص بمسألة أخرى تتناسب مع هذه المسألة
وهي رؤية الله في المنام - في عالم الرؤيا - .
وإنهم ذكروا لإثبات هذه العقيدة أحاديث كثيرة تحكي بأن الرسول ( صلى الله عليه
وآله ) قد أعطي هذه الموهبة ، وأنه
( صلى الله عليه وآله ) رأى الله تعالى في عالم الرؤيا . وتأييدا لهذه الفكرة
وتثبيتها أوسعوا نطاق المسألة بحيث استدعت تحجيم مقام النبوة ، وتجاوزوه وتعدوه
زاعمين بأن بعض العلماء رأوا الله في عالم الرؤيا والتقوا به وجالسوه وأسمعوه
شجون أنفسهم وهمومهم .
ومن ثم قاموا بتفسير وتعبير هذه الرؤى بتعابير شيقة وعذبة نقلوها عن أشهر مفسري
الأحلام وقد أرشد دعاة هذه العقيدة مشتاقي رؤية الله في المنام ، وعلموهم صلاة
ذات ركعتين وبكيفية خاصة يصليها المشتاق حتى ينال تلك الموهبة .
حتى أن المؤرخ المشهور السهيلي صاحب كتاب ( روض الأنف ) المتوفى عام 581 من
الهجرة تصدى لهذه المسألة ووضع كتابه ( مسألة رؤية الله في المنام والنبي ( صلى
الله عليه وآله ) ( 1 ) بحث فيه موضوع الرؤية في
عالم الرؤيا بحثا موسعا وأجاب فيه على التساؤلات التي ربما تطرح حول الموضوع .
وسوف نطلع القارئ على بيان هذه المسألة اطلاعا وافيا ،
وندع الحكم له . الرسول ( صلى الله عليه وآله ) يرى الله في المنام :
أخرج الترمذي في سننه روايات عديدة تحكي بأن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) رأى
الله عز وجل في عالم الرؤيا بأحسن صورة ، فجالسه وتحدث معه ،
وإليك النص : عن معاذ بن جبل ، قال : احتبس عنا رسول الله (
صلى الله عليه وآله ) ذات غداة من صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس ، فخرج
سريعا فثوب بالصلاة فصلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
|
* ( هامش ) *
( 1 )
سيرة ابن هشام بقلم طه عبدا لرؤوف ، طبعة 1391 .
( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 146
|
وتجوز في صلاته ، فلما سلم دعا بصوته ، فقال لنا : على مصافكم
كما أنتم ، ثم انفتل إلينا ، ثم قال : أما إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة ،
إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي حتى استثقلت ، فإذا
أنا بربي
تبارك وتعالى في أحسن صورة ، فقال : يا محمد ، قلت : لبيك رب
، قال : فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : لا أدري - قالها ثلاثا - قال : فرأيته
وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي ) ( 1 )
.
البخاري يصحح هذا الحديث : قال الترمذي بعد إخراجه لهذا الحديث : سألت عن صحته
محمد بن إسماعيل البخاري ، فقال : هذا حديث حسن صحيح ( 2
) .
علماء السنة يرون الله في المنام : يقول الحافظ ابن العربي المالكي - 543 ه -
عند شرحه هذا الحديث وتوثيقه : وقد كان الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني شيخ
العلماء والزهاد رأى الباري في المنام ، فقال له : رب أسألك التوبة ثلاثين سنة
أو
أربعين سنة ولم تستجب لي بعد ! فقال له : يا أبا إسحاق ، إنك سألت في عظيم ،
إنما سألت حبنا ( 3 ) .
ونقل الشعراني ( 4 ) وابن الجوزي
( 5 ) والشبلنجي ( 6 )
عن أحمد بن حنبل أنه قال : رأيت رب العزة في المنام فقلت : يا رب ، ما أفضل ما
يتقرب به المتقربون إليك ؟ فقال : بكلامي يا أحمد ، فقلت : بفهم أو بغير فهم ؟
قال : بفهم وبغير فهم .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
سنن
الترمذي 5 : 343 كتاب تفسير القرآن باب ( 39 ) باب تفسير سورة ص ح 3235 .
( 2 ) المصدر : 344 .
( 3 ) عارضة الأحوذي 12 : 117 .
( 4 ) طبقات الشعراني 1 : 44 .
( 5 ) مناقب أحمد بن حنبل : 434 .
( 6 ) نور الأبصار : 248 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 147
|
وقال الآلوسي صاحب تفسير روح المعاني - 1270 ه - : فأنا ولله
تعالى الحمد قد رأيت ربي مناما ثلاث مرات ، وكانت المرة الثالثة في السنة 1246
بعد الهجرة ، رأيته جل شأنه وله من النور ما له ، متوجها جهة المشرق فكلمني
بكلمات أنسيتها حتى استيقظت ( 1 ) .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
روح المعاني 9 : 52 . |
|
|