الفصل الرابع أدلة ضعف الصحيحين
وسقمهما
الدليل الأول : ضعف السند أول المؤاخذات على ضعف
أحاديث الصحيحين والسبب في عدم الوثوق بهما هو ضعف إسناد ورواة بعض أحاديثهما .
ولما كان البحث في السند ذو علاقة وثيقة بموضوع كتابنا ، ويعد
من البحوث المهمة والرئيسية في علمي الرواية والدراية ، وأنه أفضل وأهم ملاك
ومعيار في بيان صحة الحديث وعدمه ، لزم علينا أن نستوفي البحث فيه بتفصيل أكثر
وتبيين أوفر ، مع المراعاة لحجم الكتاب ، ورعاية الإيجاز ، وأن نخصص صفحات
قليلة من الكتاب للبحث في هذا الموضوع .
علم الرجال ودراية الحديث : من الضروري قبل توثيق
أي خبر أو الحكم بصحته وترتيب الأثر عليه ، الالتفات إلى شخصية الراوي والناقل
وتقييمه من حيث تحليه بصفات الراوي مثل عدم كونه كذابا ومحرفا ومدلسا ، ومدى
التزامه الديني وتعهده
العقائدي ومرتبته الإيمانية والتقوائية ، لأن الراوي إذا كان
مؤمنا ومتعهدا يكون مصونا من الولوج في التدليس والتحريف وارتكاب الكذب .
وهذا الأمر من البديهيات التي تتقبلها الفطرة الإنسانية والغريزة البشرية ،
وهذا ما دلت عليه القرائن والشواهد حيث إن البشرية بأجمعها في كل العصور
والدهور تتلقى الخبر من أي شخص كان تشهد على صحته القرائن والشواهد ، وهذا
الأمر
جار عندهم في كل الأمور خاصة في الأخبار التي تمت إلى القضايا
السياسية والتي تتعلق بشؤون الأنظمة حيث التحريف والتزوير فيها أكثر من سائر
الأمور . وأما لو أن أحدا سلك في هذه المجالات مسلك السذج من الأشخاص ، ونظر
إلى
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 96 |
كل قائل ومقولة بعين الرضا وتقبلها من دون دليل وسند معتد به
لا شك أن مصيره لا يؤول إلا إلى التحير والاضطراب والاعتماد على الأخبار
الواهية التي لا أصل ولا أساس لها سوى الوهم والخيال والركون إلى بيت العنكبوت
الواهن .
وقد حذر القرآن الكريم المسلمين من الاعتماد على قول قائل أو خبر ناقل لا يتحلى
بصفة الإيمان والعدالة .
وحذرهم أيضا عواقب هذه الوثاقة الساذجة الخطيرة ، وأمرهم
بالفحص والتبين في أخبارهم . فقال عز وجل : (
يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن
تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين
) ( 1 ) .
وهذا الأمر بالتثبت والتبين - في الإخبار - والذي يرتكز على الفطرة الإنسانية
والتعاليم الإسلامية كان سببا في تأسيس علمي الرجال والدراية وتاريخ نشأتهما
مواز لتاريخ نشأة علم الحديث .
حيث إن الأول - علم الرجال - يتكفل الفحص عن
أحوال رواة الحديث ودراستها ،
والثاني - علم دراية الحديث -
يتصدى لدراسة الشروط التي يجب تحققها في الرواة وشرائط متن الحديث .
وبرز في هذين العلمين محققون وعلماء بارعون من الشيعة والسنة وتخصصوا فيها
وألفوا كتبا قيمة .
وقد ذكر علماء دراية الحديث شروطا خاصة يجب توفرها في الرواة
، مما يكشف عن أهمية الموضوع الذي نتطرق إليه - صفة الإيمان في راوي الحديث -
ولذلك تراهم يعدون المتهم بالنسيان وضعف الذاكرة من المردودين والضعفاء ولم
يقبلوا حديثه وروايته وإن توفرت فيه صفتا العدالة والوثاقة .
الإيمان شرط قبول الحديث : كما ذكرنا آنفا أن أحد
الشروط الرئيسية في قبول الحديث والاعتماد عليه هو توفر شرط الإيمان في راويه .
والاطمئنان من عدم كذبه وانحرافه .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
الحجرات : 7 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 97 |
بينما نجد - وبالاستناد إلى الأدلة القطعية - أن بعض رواة
أحاديث الصحيحين لم يكونوا مستقيمي الإيمان ، وقد ثبت بالبراهين التاريخية ،
والشواهد القويمة التي لا ريب فيها انحرافهم وعدم وثاقتهم .
وإن بعض رواتهما كانوا مشهورين بالعداء لعلي ( عليه السلام ) وهذا الأمر هو من
أبرز صفاتهم ، وأضف إلى ذلك إنهم كانوا من وضاعي الحديث الذين كذبوا على رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) .
تناقض هذه الصفات مع الإيمان : ومن الواضح إنه لو
كانت واحدة من هذه الصفات المذكورة موجودة في شخص ما لأسقطته من الاعتماد عليه
، ولم تكن لخبره أية قيمة واعتبار ، لأن هذه الصفات لن تجتمع أبدا مع الإيمان
الصحيح في قلب المؤمن .
وحسب ما نراه إن عدم اجتماع وضع الحديث والكذب مع الإيمان من أوضح الواضحات ،
وكذا عدم الوثوق بقول من يتصف بهذه الصفات أمر فطري وحسي .
لذلك لا نرى أنفسنا ملزمين باراءة دليل على هذا ، ونكتفي أولا بذكر بعض
الأحاديث التي تشير إلى التناقض الموجود بين الإيمان وعداوة الإمام علي ( عليه
السلام ) ،
وثم نتطرق إلى دراسة بعض رواة الصحيحين :
1 - قال رسول الله ( صلى
الله عليه وآله ) : آية الإيمان حب الأنصار ، وآية النفاق بغض الأنصار
( 1 ) .
2 - وقال ( صلى الله عليه
وآله ) : سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر ( 2 ) .
3 - وقال أمير المؤمنين (
عليه السلام ) : والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي ( صلى
الله عليه وآله ) إلي : أن لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق
( 3 ) .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
صحيح البخاري 1 : 11 كتاب الإيمان باب علامة
الإيمان حب الأنصار .
( 2 ) صحيح مسلم 1 : 81 كتاب الإيمان باب
( 28 ) باب بيان قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : سباب المسلم فسوق وقتاله
كفر ح 64 ، سنن النسائي 7 : 121 - 122 باب قتال
المسلم وفيه 12 حديث .
( 3 ) صحيح مسلم 1 : 86 كتاب الإيمان باب
( 35 ) باب الدليل على حب الأنصار وعلي ( عليه السلام ) من الإيمان وعلاماته ح
78 .
( * ) |
|