(
إن مذهباً يثبت نفسه من
كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل
والتحوير أحق أن يتجنب عنه )
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 354
|
الإمامة والعلم بالأحكام الصفة
الثانية من الصفات التي تلزم توفرها في الإمام هي الإحاطة
التامة بالأحكام ، والإلمام الكامل بالتعاليم الدينية ، فالذي لم
يعرف جزئيات الأحكام الدينية ، ولم يعلم أطراف المسائل ، لا بد أنه يرجع إلى
الآخرين ويأخذ منهم حين تداهمه الحوادث
والقضايا وهذا الفرد لا يليق له أن يتقلد الإمامة والقيادة ،
لأنه قد يفتي بأحكام مضادة ومتناقضة مع الواقع ، ويسوق الناس إلى التيه
والضلالة أو التحير والترديد .
ولو تفحصنا التاريخ وكتب الحديث بمنظار التحقيق والبحث ، لوجدنا أن الخلفاء
ومتقلدي الخلافة الإسلامية ، لم تكن لديهم المعرفة الكاملة بأحكام الدين
كلياتها وجزئياتها ، وكانوا يلتمسون حل المسائل والأحكام من سائر المسلمين
وصحابة الرسول
( صلى الله عليه وآله ) ، وما أكثر ما أفتوا بفتاو متضادة ومناقضة ومخالفة
للواقع وأصدروا أحكاما غريبة حتى قال عنهم أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ، ثم ترد تلك
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 355
|
القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ، ثم يجتمع
القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا
، وإلههم واحد ونبيهم واحد ، وكتابهم واحد ، أفأمرهم الله تعالى بالاختلاف
فأطاعوه ، أم نهاهم عنه فعصوه ، أم أنزل الله
دينا ناقصا ، فاستعان بهم على إتمامه ، أم كانوا شركاء فلهم
أن يقولوا وعليه أن يرضى ، أم أنزل الله تعالى دينا تاما فقصر الرسول عن تبليغه
وأدائه ، والله سبحانه يقول : (
ما فرطنا في الكتاب من شئ
) ( 1 ) و ( فيه
تبيان كل شئ ) ( 2 ) ؟
( 3 )
ولكي نقوم بإثبات هذه المسألة - وأنهم كيف أفتوا الناس بفتاو
مناقضة بعضها بعضا ، ومباينة للواقع ولماذا انتقد أمير المؤمنين ( عليه السلام
) سيرتهم في الإفتاء واستنكرها عليهم - نشير إلى أحد عشر فتوى مخالفة للنص
القرآني الصريح من الموارد المذكورة في الصحيحين ، وأما ما في كتب الحديث
والتاريخ وغيرها فهي كثيرة ومتضافرة :
1 - التيمم : نصت الآيات
القرآنية ( 4 ) والأحاديث على أن الإنسان إذا
أجنب ، ولم يجد ماءا ، أو أن الغسل بالماء فيه ضرر عليه يجب عليه أداء الفرائض
بالتيمم حتى يرتفع العذر . . . . يروى أنه طرحت مسألة الجنابة وفقد الماء في
مجلس الخليفة عمر بن الخطاب ، ولكنه جهل الحكم المنصوص في القرآن والسنة ،
فأفتى بترك الصلاة وتعطيلها .
فاعترض الصحابي عمار بن ياسر على حكم الخليفة ، وذكره بالحكم
: التيمم وأداء الصلاة ، لكن الخليفة عمر بن الخطاب لم يقنع بجواب عمار ، وهدده
، فقال عمار : إن شاء الخليفة لم أحدث بهذا بعد .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
الأنعام 38 . ( 2 )
النحل : 289 .
( 3 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1
: 288 ، نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح خطبة 18 .
( 4 ) النساء : 43 والمائدة
: 6 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 356
|
وإليك نص حديثين وردا بهذه المناسبة :
1 - عن سعيد بن عبد
الرحمن ، عن أبيه : أن رجلا أتى عمر فقال : إني أجنبت ، فلم أجد ماء ؟ فقال :
لا تصل . فقال
عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية ، فأجنبنا ، فلم نجد ماء
فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في
التراب وصليت فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إنما يكفيك
أن تضرب بيديك الأرض ، ثم تنفخ ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك . فقال عمر : اتق
الله . يا عمار . فقال : إن شئت لم أحدث به ( 1 )
.
هذه الرواية أخرجها البخاري ومسلم عن سعيد بن عبد الرحمن .
ولكن البخاري خان الأمانة وأسقط جواب الخليفة عمر ( لا تصل ) من الحديث وأشرنا
في الجزء الأول أن هذا هو دأب البخاري في تقطيع الحديث وتعصبه
( 2 ) .
2 - عن شقيق بن سلمة قال : كنت عند عبد
الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري . فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن إذا
أجنب المكلف فلم يجد ماء ، كيف يصنع ؟ قال عبد الله : لا يصلي حتى يجد الماء .
فقال أبو موسى : فكيف تصنع بقول
عمار ، حين قال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : كان يكفيك
. . . ؟ قال : ألم تر عمر لم يقنع بذلك ؟ فقال أبو موسى :
دعنا من قول عمار فما تصنع بهذه الآية - وتلا عليه آية المائدة -
( 3 ) ؟ قال : فما درى عبد الله ما يقول . . . .
( 4 ) .
أخرج هذا الحديث البخاري ومسلم ، ولكن بعض علماء أهل السنة بادر إلى ،
|
* ( هامش ) *
( 1 )
صحيح البخاري 1 : 92 باب التيمم باب المتيمم هل
ينفخ فيهما ،
صحيح مسلم 1 : 280
كتاب الحيض باب ( 28 ) باب التيمم ح 112 .
( 2 ) راجع ص 109 .
( 3 ) المائدة : 6 .
( 4 ) صحيح البخاري 1 : 95 كتاب التيمم
باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت . . . ،
صحيح مسلم 1 : 280
كتاب الحيض باب ( 28 ) باب التيمم ح 110 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 357
|
تعديل هذه الرواية والدفاع عن المرتبة العلمية للخليفة ، فبرر
قول عمر : ( لا تصل ) بأنه نوع من الاجتهادات الخاصة لعمر ، وبرر آخرون بأن
فتوى عمر كانت على حساب السهو والنسيان .
قال ابن حجر : لا تصل حتى تجد الماء مقصور على رأي عمر ، وهذا
مذهب مشهور عن عمر . ويستفاد من هذا الحديث وقوع اجتهاد الصحابة في زمن النبي (
صلى الله عليه وآله ) ( 1 ) .
وأما ابن رشد الفيلسوف والفقيه المعروف - في كتابه الاستدلالي
بداية المجتهد بعد أن برر حكم عمر بالسهو والنسيان - ، فيحسم القضية بقوله :
لكن الجمهور رأوا أن ذلك - وجوب التيمم والصلاة على المجنب - يثبت من حديث عمار
وعمران بن حصين ، أخرجهما البخاري ، وإن نسيان عمر ليس مؤثرا في وجوب العمل
بحديث عمار ( 2 ) .
2 - حد شرب الخمر : عن قتادة يحدث عن أنس
بن مالك : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أتي برجل قد شرب الخمر ، فجلده
بجريدتين ، نحو أربعين قال : وفعله أبو بكر ، فلما كان عمر استشار الناس . فقال
عبد الرحمن : أخف الحدود ثمانين . فأمر به عمر ( 3 )
.
رواه مسلم في صحيحه بهذا المضمون بعدة أسانيد ، والبخاري أيضا
أخرجه في موردين ولكنه أسقط آخر الحديث : فاستشار الناس
( 4 ) . وطبقا للأسلوب المتخذ في هذا الكتاب نقلنا الرواية عن البخاري
وإلا فالحق : إن حد شرب الخمر في عهد
الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كان ثمانين جلدة وليس أربعين ،
ولما كان المسلمون الأوائل ملتزمين بالعمل بأحكام الدين ، ومنشغلين بالحروب
والفتوحات
|
* ( هامش ) *
( 1 )
فتح الباري 1 : 352 .
( 2 ) بداية المجتهد 1 : 66 .
( 3 ) صحيح مسلم 3 : 1330 كتاب الحدود باب
( 8 ) باب حد الخمر ح 35 - 37 .
( 4 ) صحيح البخاري 8 : 196 كتاب الحدود
باب ما جاء في ضرب شارب الخمر وباب الضرب بالجريد والنعال . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 358
|
فقليلا ما أجري حد الخمر في ذاك الزمان ، ولذلك ترى إن
النسيان بالحكم قد اعترض الخليفة عمر .
ولكن في عهد الخليفة عمر حيث انفصل الناس عن المعنويات ،
وغمروا بالماديات وظل شرب الخمر يشيع شيئا فشيئا ، فأصبح الحكم فيه من الموارد
الكثيرة الابتلاء .
وقد ذكرنا آنفا أن أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام )
هو الذي أشار على عمر بحد الشارب خمرا ثمانين جلدة وليس عبد الرحمن بن عوف .
فابن رشد الأندلسي يذكر الاختلاف الحاصل عند فقهاء أهل السنة في حد شارب الخمر
وبعده يذكر
الرأي المشهور على أنه هو ثمانين جلدة ثم يقول : فعمدة
الجمهور تشاور عمر والصحابة لما كثر في زمانه شرب الخمر ، وأشار علي ( عليه
السلام ) عليه بأن يجعل الحد ثمانين قيادا على حد الفرية
( 1 ) .
وعلى أي حال ، فالمستفاد من مجموع ما ذكرناه هو - سواء كان الذي أشار عليه بذلك
الإمام علي ( عليه السلام ) أو عبد الرحمن بن عوف - أن الخليفة عمر بن الخطاب
عرف الحكم في حد شارب الخمر بعد المشورة والاستشارة مع الآخرين .
3 - دية الجنين : عن المسور بن مخرمة قال :
استشار عمر بن الخطاب الناس في إملاص المرأة . فقال المغيرة بن شعبة : شهدت
النبي ( صلى الله عليه وآله ) قضى فيه بغرة عبد أو أمة . قال : فقال عمر :
ائتني بمن يشهد معك . قال : فشهد له محمد بن مسلمة ( 2 )
.
أقول : هذا الحكم كما يشهد به الصحيحان - أصح كتب أهل السنة - هو من الأحكام
التي أفتى بها الخليفة عمر بن الخطاب باستناد الاستشارة ، وفي الحديث إن
|
* ( هامش ) *
( 1 )
بداية المجتهد 2 : 482 .
( 2 ) صحيح البخاري 9 : 14 كتاب الديات
باب جنين المرأة ،
صحيح مسلم 3 : 1311
كتاب الديات باب ( 11 ) باب دية الجنين ح 39 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 359
|
الخليفة قد أخذ برأي المغيرة بن شعبة الجاني الزاني وشهادة
رجل آخر .
4 - الاستئذان : أبا سعيد الخدري يقول :
كنت جالسا بالمدينة في مجلس الأنصار ، فأتانا أبو موسى فزعا أو مذعورا .
قلنا : ما شأنك ؟ قال : إن عمر أرسل إلي أن آتيه ، فأتيت بابه فسلمت ثلاثا فلم
يرد علي ، فرجعت . فقال : ما منعك أن
تأتينا ؟ فقلت : إني أتيتك فسلمت على بابك ثلاثا فلم يردوا
علي ، فرجعت وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا استأذن أحدكم
ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع . فقال عمر : أقم عليه البينة وإلا أوجعتك . فقال أبي
بن كعب : لا يقوم معه إلا أصغر القوم . قال أبو سعيد : قلت : أنا أصغر القوم .
قال : فاذهب به ( 1 ) .
أخرج مسلم هذه المسألة في صحيحه فمن تسعة أحاديث بأسانيد ومتون مختلفة ، ورد
عقيب واحدة منها تبرير الخليفة عمر لجهله بهذا الحكم البسيط قال : خفي علي هذا
من أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ألهاني عنه الصفق بالأسواق
( 2 ) . وجاء في حديث آخر إن
أبي بن كعب هو الذي شهد لأبي موسى ، وقال بعدها مستنكرا عمل الخليفة : فلا تكن
يا بن الخطاب عذابا على أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
( 3 ) .
أقول : إن مسألة الاستئذان التي أخرجها الشيخان في صحيحيهما ، والتي كانت تعتبر
مشكلة ومعضلة واجهت الخليفة عمر ، حتى استدعت أن يشهد عليها الآخرون ويغلظ
عليهم ، هي من المسائل الأخلاقية والإنسانية الفطرية وكل من كان ملتزما بمثل
هذه الأخلاقيات يدرك حكمها بالفطرة والوجدان .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
صحيح البخاري 8 : 67 كتاب الاستئذان باب التسليم
والاستئذان ثلاثا ،
صحيح مسلم 3 : 1694
كتاب الآداب باب ( 7 ) باب الاستئذان ح 33 .
( 2 ) صحيح مسلم 3 : 1696 كتاب الآداب باب
( 7 ) باب الاستئذان ح 36 .
( 3 ) المصدر ح 37 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 360
|
وهذا الحكم فضلا عن أن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) قاله
وبينه للمسلمين ، فقد ورد في القرآن أيضا ، على نحو أمر إرشادي قال تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا لا
تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم
تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم
) ( 1 ) .
وأما قول أبي بن كعب : لا يقوم معه إلا أصغر القوم فيه تعريض وتقريع للخليفة ،
ومعناه أن حديث الاستئذان مشهور ومعروف يعرفه الكبار والصغار ، وهو غير خفي على
أحد من المسلمين . ولكن الصفق بالأسواق كما اعترف بذلك الخليفة بنفسه ألهاه عن
معرفة أبسط الأحكام ، ومن هذا الحديث يمكننا أن نعرف مرتبة الخليفة العلمية
وحله للمعضلات .
5 - الكلالة : عن سالم بن أبي الجعد ، عن
معدان بن أبي طلحة : أن عمر بن الخطاب خطب يوم الجمعة ، فذكر نبي الله
( صلى الله عليه وآله ) وذكر أبا بكر . ثم قال : إني لا أدع بعدي شيئا أهم عندي
من الكلالة ، وما راجعت رسول الله
( صلى الله عليه وآله ) في شئ ما راجعته في الكلالة ، وما
أغلظ لي في شئ ما أغلظ لي فيه ، حتى طعن باصبعه في صدري ، وقال : يا عمر ألا
تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء ؟ وإني إن أعش أقض فيها بقضية ، يقضي
بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن ( 2 ) .
آية الصيف التي أشير إليها في هذا الحديث هي آخر آية من سورة النساء ، وتبين
إرث الكلالة . قال تعالى : (
يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرء هلك ليس له
ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين
فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساءا فللذكر مثل حظ الأنثيين
يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شئ عليم )
( 3 ) .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
النور : 27 - 28 .
( 2 ) صحيح مسلم 3 : 1236 كتاب الفرائض
باب ( 2 ) باب ميراث الكلالة ح 9 .
( 3 ) النساء : 176 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 361
|
ولما كانت هذه الآية قد نزلت في الصيف سميت بآية الصيف .
قال العلامة الأميني قدس سره عقيب هذا الحديث : ما أعضلت
الكلالة على الخليفة وما أبهمها وأبهم حكمها ؟ وهي شريعة مطردة سمحة سهلة ، حتى
يعلن على منبره ( إني لا أدع بعدي شيئا أهم عندي من الكلالة ) ،
وهل هو حين أكثر السؤال عنها ، أجاب عنه الرسول ( صلى الله
عليه وآله ) أم لا ؟
فإذا أجاب عنه الرسول ، فلماذا لم يحفظه الخليفة ؟ أو قصر
فهمه عن معرفته ؟
وإذا لم يجبه الرسول وأبقى المسألة مبهمة عليه وحاشاه أن يؤخر
البيان عن وقت الحاجة ؟
وزد فكيف تخفى على أحد معنى الكلالة وهي بين يديه وفيها قوله
تعالى : ( يبين الله لكم أن تضلوا ) ؟
فكيف يتصور أن الله بين حكم المسألة ، والخليفة يقول لم تبين
؟
وكيف يرى النبي آية الصيف كافية في البيان لمن جهل الكلالة
وتبقى هذه المسألة معضلة بدون حل للخليفة ( 1 ) .
أقول : بعد بيان كل هذه المسائل فماذا هو مراد الخليفة عمر من قوله : وإن أعش
أقض فيها بقضية ، يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لم يقرأ القرآن ؟ فهل هناك قضاء
ورأي فوق القرآن ؟ أفليس هذا يعني أن الخليفة يريد أن يجتهد في مقابل النص
القرآني ؟
6 - رجم المجنونة : عن ابن عباس قال : أتي
عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناسا ، فأمر بها أن ترجم ، فمر بها علي ( رضي
الله عنه ) فقال : ما شأن هذه ؟ فقالوا : مجنونة بني فلان زنت فأمر بها عمر -
أن ترجم . فقال : ارجعوا بها .
ثم أتاه . فقال : يا أمير المؤمنين ، أما علمت أن رسول الله
قال : رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن
المعتوه حتى يبرأ ؟ قال : بلى : قال : وإن هذه معتوهة بني فلان لعل الذي أتاها
أتاها وهي في بلائها ،
فخلى سبيلها ، وجعل عمر يكبر ( 2 )
. أخرج البخاري هذه الرواية في موضعين من صحيحه ، وحفظا لرتبة عمر العلمية
|
* ( هامش ) *
( 1 )
الغدير للعلامة الأميني 6 : 130 بتلخيص واختصار .
( 2 ) صحيح البخاري 7 : 59 كتاب الطلاق
باب الطلاق في الإغلاق والكره ،
و ج 8 : 205 كتاب المحاربين باب لا يرجم المجنون
والمجنونة . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 360
|
أسقط من الحديث مقدمته ومؤخرته وأبقى هذا الوسط منه ، قال علي
لعمر : أما علمت أن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق
وعن الصبي حتى يدرك ، وعن النائم حتى يستيقظ . وقد رويت هذه القصة بكاملها في
مختلف كتب الحديث والتراجم ( 1 ) وقال ابن عبد
البر بعد أن أخرج هذه الحكاية : إن عمر قال : لولا علي لهلك عمر
( 2 ) .
7 - القراءة في صلاة العيد : عن عبيد الله
بن عبد الله : أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي : ما كان يقرأ به رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) في الأضحى والفطر ؟ فقال : كان يقرأ فيهما
( ق والقرآن المجيد
) ، و ( اقتربت
الساعة وانشق القمر ) ( 3 ) .
أخرجه كل من مسلم في صحيحه ، ومالك في الموطأ ، والترمذي وأبو داود في سننهما ،
وأما ابن ماجة أخرجه في سننه بنحو آخر : عن عبيد الله قال : خرج عمر ( رضي الله
عنه ) يوم عيد ، فأرسل إلى أبي واقد الليثي : بأي شئ كان النبي
( صلى الله عليه وآله ) يقرأ في مثل هذا اليوم ؟ فقال : بقاف واقتربت
( 4 ) .
قال العلامة الأميني ( قدس سره ) تعقيبا على هذه الرواية : فهلم معي نسائل
الخليفة عن أنه لماذا عزب عنه العلم بما كان يقرأه رسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) في صلاة العيدين ؟ أو كان ناسيا له فأراد أن يستثبت كما اعتذر به
السيوطي في
تنوير الحالك ج 1 ص 147 ؟ أو أنه ألهاه عنه الصفق في الأسواق
؟ كما اعتذر به هو في غير هذا المورد . . . . ويبعد النسيان إن حكما مطردا كهذا
يكرر في كل عام مرتين على رؤوس الأشهاد ومزدحم الجماهير لا ينسى عادة
( 5 ) .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
سنن أبي داود 4 : 140 كتاب الحدود باب في المجنون
يسرق أو يصيب حدا ح 4399 .
( 2 ) الإستيعاب 3 : 1103 ترجمة علي بن
أبي طالب ( عليه السلام ) رقم 1855 .
( 3 ) صحيح مسلم 2 : 607 كتاب صلاة
العيدين باب ( 3 ) باب ما يقرأ به في صلاة العيدين ح 14 .
( 4 ) سنن ابن ماجة 1 : 408 كتاب إقامة
الصلاة والسنة فيها باب ( 157 ) باب ما جاء في القراءة في صلاة العيدين ح 1282
.
( 5 ) الغدير 6 : 320 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 363
|
أقول : فالقضية نفسها وبما هي هي ، تومي إلى أن الخليفة كان
في حالة اضطراب هائل لجهله بالسورة التي تقرأ في صلاة العيد وهو في تلك الحالة
قاصدا للذهاب إلى صلاة العيد ، إذ يرسل نفرا إلى دار أبي واقد الليثي يسأله عن
كيفية المسألة وما يقرأ في صلاة العيد .
8 - حلي الكعبة : أخرج البخاري حديثا في
صحيحه في موردين وباختلاف يسير في ألفاظهما : عن أبي وائل قال : جلست إلى شيبة
في هذا المسجد قال : جلس إلي عمر في مجلسك هذا . فقال : هممت أن لا أدع فيها
صفراء ولا بيضاء ، إلا قسمتها بين المسلمين . قلت : ما أنت بفاعل . قال : لم ؟
قلت : لم يفعله صاحباك . قال : هما المرآن يقتدى بهما (
1 ) .
ولكن يبدو للمحقق المدقق أن هذه القضية لم تحدث للخليفة مرة واحدة في عهده
وخلافته فقط بل وقعت له مرات وقصد الكعبة كرات ، وفي كل مرة كان يواجه مخالفة
كبار الصحابة إياه ، ومن ثم يرتدع ويتراجع عن قصده ، فمرة يخالفه شيبة
ويتراجع وأخرى يشاور أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام
) فينكر عليه ذلك ، ويردعه بالأدلة والبراهين القاطعة ، وإليك نص كلام أمير
المؤمنين ( عليه السلام ) : روي أنه ذكر عند عمر بن الخطاب في أيامه حلي الكعبة
وكثرته فقال
قوم : لو أخذته فجهزت به جيوش المسلمين ، كان أعظم للأجر وما
تصنع الكعبة بالحلي ؟ فهم عمر بذلك ، فسأل عنه أمير المؤمنين ( عليه السلام )
فقال : إن هذا القرآن أنزل على محمد ( صلى الله عليه وآله ) والأموال أربعة :
أموال المسلمين
فقسمها بين الورثة في الفرائض ، والفئ فقسمه على مستحقيه ،
والخمس فوضعه الله حيث وضعه ، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها ، وكان
|
* ( هامش ) *
( 1 )
صحيح البخاري 9 : 114 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب الاقتداء بسنن
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ،
و ج 3 : 183 كتاب الحج باب كسوة الكعبة . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 364
|
حلي الكعبة فيها يومئذ ، فتركه الله على حاله ، ولم يتركه
نسيانا ولم يخف عنه مكانا ، فأقره حيث أقره الله ورسوله ، فقال له عمر : لولاك
لافتضحنا ، وترك الحلي بحاله .
قال ابن أبي الحديد بعد أن نقل الخطبة : هذا استدلال صحيح
ويمكن أن يورد على وجهين :
أحدهما : أن يقال : أصل
الأشياء الحظر والتحريم ، كما هو مذهب كثير من أصحابنا ، فلا يجوز التصرف في شئ
من الأموال والمنافع إلا بإذن شرعي ، ولم يوجد إذن شرعي في حلي الكعبة ، فبقينا
فيه على حكم الأصل .
والوجه الثاني : أن يقال : حلي الكعبة مال مختص
بالكعبة ، وهو جار مجرى ستور الكعبة ، فكما لا يجوز التصرف في ستور الكعبة
وبابها إلا بنص ، فكذلك حلي الكعبة . والجامع بينهما الاختصاص الجاعل كل واحد
من ذلك كالجزء من الكعبة ، فعلى هذا الوجه ينبغي أن يكون الاستدلال
( 1 ) .
أقول : ونقل الزمخشري هذه الخطبة في كتابه ربيع الأبرار في الباب الخامس
والسبعون ( 2 ) .
9 - معنى أبا : أخرج البخاري في صحيحه : أن
رجلا سأل عمر بن الخطاب عن قوله : (
فاكهة وأبا ) ( 3 )
ما الأب ؟ قال : نهينا عن التعمق والتكلف ( 4 ) .
فقد أشرنا فيما سلف ، أن البخاري قد أسقط الشق الأول من الحديث واكتفى بالشق
الأخير منه من قوله : نهينا عن . . . . ولكن ما أخفاه البخاري
أظهره غيره في كتب الحديث والتفسير ، وكذا شروح صحيح البخاري فذكروا القصة
بالتفصيل حتى أن بعض
|
* ( هامش ) *
( 1 )
شرح نهج البلاغة 19 : 158 - 159 .
( 2 ) ربيع الأبرار 4 : 26 باب اللباس
والحلي من القلائد والأسورة . . .
( 3 ) عبس : 31 .
( 4 ) صحيح البخاري 9 : 118 كتاب الاعتصام
باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 365
|
شراح صحيح البخاري أذعنوا واعترفوا بما قام به البخاري من
التقطيع والإسقاط ( 1 ) .
10 - فتوى عثمان في الجنابة : وفقا لما نصت
عليه الآيات القرآنية والأحاديث المتظافرة المتواترة في الصحاح الستة بأن
الجنابة تتحقق بأحد الطريقين :
1 - خروج المني .
2 - التقاء الختانين ، سواء خرج المني أم لا وهذا هو المقصود في حد
الزنا والنكاح .
قال الإمام الشافعي : فأوجب الله عز وجل الغسل من الجنابة ، فكان معروفا في
لسان العرب أن الجنابة الجماع ، وإن لم
يكن مع الجماع ماء دافق ، وكذلك ذلك في حد الزنا وإيجاب المهر وغيره ، وكل من
خوطب بأن فلانا أجنب من فلانة عقل
أنه أصابها وإن لم يكن مقترفا ، ودلت السنة على أن الجنابة أن
يفضي الرجل من المرأة حتى يغيب فرجه في فرجها إلى أن يواري حشفته ، أو أن يرمي
الماء الدافق وإن لم يكن جماعا ( 2 ) .
وورد في الصحيحين البخاري ومسلم وسائر مصادر أهل السنة أحاديث متظافرة على وجوب
الغسل بمجرد التقاء الختانين وأفرد مسلم لهذه المسألة بابا وعنونه نسخ الماء من
الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين ( 3 ) .
وترى الخليفة عثمان لما سئل عن الرجل يجامع زوجته ولا يمني ؟
يقول : لا يجب الغسل ويكفي الوضوء وغسل الفرج .
|
* ( هامش ) *
( 1 ) راجع
فتح الباري 13 : 229 ،
إرشاد الساري 10 : 311 ، عمدة القاري 25 :
35 ،
وراجع أيضا التفاسير وكتب الحديث واللغة ، نحو :
النهاية لابن أثير 1 : 13 مادة أب ،
الدر المنثور 6 : 317 ،
الكشاف 4 : 705 ،
ابن كثير 4 : 504 ، الخازن 4 : 354 ،
البغوي 4 : 449 ،
مستدرك الحاكم 2 :
514 كتاب التفسير باب تفسير سورة عبس وتولى . وغيرهم في تفسير سورة عبس .
( 2 ) الأم 1 : 36 .
( 3 ) صحيح مسلم 1 : 271 كتاب الحيض باب (
22 ) باب نسخ الماء . . . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 366
|
وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما بإسنادهما عن ، أبي سلمة أن
عطاء ابن يسار أخبره إن زيد بن خالد الجهني أخبره
أنه سأل عثمان بن عفان فقال : أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمن . قال عثمان
: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره
قال عثمان : سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فسألت
عن ذلك علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله
وأبي بن كعب ، فأمروه بذلك ( 1 ) .
هذا هو فتوى الخليفة عثمان في الجنابة . وقول الخليفة أنه سمع هذا الحكم من
النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، والإمام علي
( عليه السلام ) وطلحة والزبير وأبي بن كعب أيدوا ما سمعه من الرسول ( صلى الله
عليه وآله ) ، إما أن تكون هذه فرية لا أصل لها وموضوعة على لسان الخليفة حفظا
لسمعة الخليفة .
كما نرى أمثاله ونظائره بكثير . وإما أن تكون - الرواية على فرض صحتها - مما
ترتبط بالسنوات الأولى من البعثة النبوية حيث قال الرسول ( صلى الله عليه وآله
) : الماء من الماء ( 2 ) .
وهذا إن سلم قبول الرواية ، فإن ابن عباس ينكر ذلك ويقول بأن
المسألة الماء من الماء تتعلق بالاحتلام ، وعلى كل حال فإن هذه المسألة من
المسائل التي كثر الابتلاء بها ولا تمت بالجماع والمقاربة
( 3 ) .
وورد فيها أحاديث كثيرة نحو عن عمرو ابنه وعائشة قالوا : إذا جاوز الختان وجب
الغسل ، فكيف تخفى على الخليفة ويفتي بخلافها ويقول : لا يجب الغسل ما لم يمن .
ولعل الخليفة حفظ هذا الحكم منذ أول ما سمعه عندما أسلم ، حتى أيام خلافته ،
وفي هذه المدة الطويلة لم يكن يعلم أنها نسخت فأفتى وفقا للحكم المنسوخ الذي
كان في ذهنه .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
صحيح البخاري 1 : 80 كتاب الغسل باب غسل ما يصيب
من فرج المرأة ،
وص 56 كتاب الوضوء باب من لم ير الوضوء إلا من
المزجين ،
صحيح مسلم 1 : 270
كتاب الحيض باب ( 21 ) باب إنما الماء من الماء ح 86 .
( 2 ) صحيح مسلم 1 : 269 كتاب الحيض باب (
21 ) باب إنما الماء من الماء ح 80 .
( 3 ) فتح الباري 1 : 316 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 367
|
11 - المصاحف الشريفة :
روى البخاري بإسناده عن أنس بن مالك قال : إن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان
وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وآذربيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفة
اختلافهم في القراءة . فقال حذيفة لعثمان : يا أمير
المؤمنين ! أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف
اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ، ننسخها في
المصاحف ، ثم نردها إليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان . فأمر زيد بن ثابت وعبد
الله بن الزبير
وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في
المصاحف ، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت
في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ، ففعلوا حتى إذا نسخوا
الصحف في
المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كل أفق بمصحف
مما نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق
( 1 ) .
قال أحد العلماء المعاصرين : أما أن عثمان جمع المسلمين على قراءة واحدة وهي
القراءة التي كانت متعارفة بين المسلمين ، والتي تلقوها بالتواتر عن النبي (
صلى الله عليه وآله ) ، وإنه منع عن القراءات الأخرى ، أما هذا العمل من عثمان
فلم
ينتقده أحد من المسلمين وذلك لأن الاختلاف في القراءة كان
يؤدي إلى الاختلاف بين المسلمين ، وتمزيق صفوفهم ، وتفريق وحدتهم ، بل كان يؤدي
إلى تكفير بعضهم بعضا ، وقد منع النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن الاختلاف في
القرآن ،
ولكن الأمر الذي انتقد عليه هو إحراقه لبقية المصاحف ، وأمره
أهالي الأمصار بإحراق ما عندهم من المصاحف ، وقد اعترض على عثمان في ذلك جماعة
من المسلمين حتى سموه بحراق المصاحف ( 2 ) .
أقول : إن للقرآن في الإسلام الحرمة الفائقة والمكانة العظيمة ، وورد في تكريمه
|
* ( هامش ) *
( 1 )
صحيح البخاري 6 : 225 كتاب فضائل القرآن باب جمع
القرآن ترى القصة كاملة .
( 2 ) البيان في تفسير القرآن للسيد
الخوئي : 227 . ( * ) |
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 368
|
واحترامه أحكام كثيرة كحرمة مسه من دون طهور ، وحرمة قراءة
العزائم للجنب والحائض في رأي الشيعة وأما أهل السنة فإنهم يقولون بحرمة قراءة
أي سورة من القرآن لهما ، وحرمة تنجيسه .
وملخص القول : قد تظافرت الأحاديث بحرمة كل عمل
يكون موجبا لتوهين القرآن عرفا . قال الترمذي في سننه بعد أن أخرج حديث ( لا
تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن ) : المنقول عن النبي ( صلى الله عليه
وآله ) ما نصه ،
وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله
) و التابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري ، وابن مبارك ، والشافعي ، وأحمد ،
وإسحاق قالوا : لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئا إلا طرف الآية والحرف
ونحو ذلك ، ورخصوا للجنب والحائض في التسبيح والتهليل (
1 ) .
نعم ، إن هذه التأكيدات والأوامر والنواهي لم تصدر إلا لبيان حرمة القرآن
ورعاية شأنه وأهميته فكيف جاز للخليفة عثمان أن يأمر بإحراق هذه المصاحف ؟
وبأي دليل ومستند شرعي استساغ لنفسه أن يشعل النار في كثير من
الآيات القرآنية ، سواء التي كانت في المدينة أو سائر البلاد الأخرى ؟
وكيف يمكن الجمع والتطبيع بين هذه الفتوى والحكم الخليفي وبين
عظمة القرآن والأحكام التي جاءت فيها ؟
فلو كان الخليفة عثمان بن عفان قد قصد بإحراق المصاحف الشريفة ليتقي الاختلاف
المحتمل ، فإن هناك طرقا أخرى غير الإحراق يمكنه أن يدفع الاختلاف بها ، ولا
توجب الإهانة بكرامة القرآن والإساءة إلى قدسيته ، فمثلا كان بإمكانه أن يضع
المصاحف في بئر أو بحر ويحفظ قداسته . والإجابة على هذه الأسئلة نحيلها إلى
القارئ النبيه ليجيب عليها .
|
* ( هامش ) *
( 1 )
سنن الترمذي 1 : 236 كتاب الطهارة باب ( 98 ) باب
من أبواب الطهارة ح 131 . ( * ) |
|
|