( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 341

 5 - علي ( عليه السلام ) أقضى الناس : أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال : إن عمر بن الخطاب كان يقول : أقضانا علي ( عليه السلام ) ( 1 ) .
 

أقول : هذه الكلمة التي أقر بها الخليفة الثاني واعترف بها ، اقتبسها من كلمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) التي طالما كان يكررها في مواقف عديدة ، فمرة قال ( صلى الله عليه وآله ) : أقضاهم علي ( 2 ) . . . - أي أقضى الأصحاب -

وأخرى قال ( صلى الله عليه وآله ) : أقضاها علي ( 3 ) - الأمة جمعاء - . ولا يخفى أن مسألة القضاء وإن كانت تستلزم التقوى والورع ، فإنها تحتاج ضرورة إلى العلم الكافي والمعرفة التامة بالمسائل ، بحيث لو لم تحصل تلك العلوم لاستحال

القضاء الصحيح . وبناءا على هذا إن معرفة الإمام علي ( عليه السلام ) التامة بعلم القضاء ، الذي أمضاه الرسول وهو في الواقع إشارة إلى أن الإمام علي له المعرفة التامة بجميع العلوم ، وكأن كلمة الرسول ( أقضاهم علي ) حلت محل ( علي أعلمهم وأتقاهم و . . . . و . . . ) .



 6 - الحب المتبادل بين الله ورسوله وعلي : عن سهل بن سعد قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم خيبر : لأعطين الراية غدا رجلا يفتح على يديه يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، فبات الناس ليلتهم ، أيهم يعطى ، فغدوا كلهم

يرجوه . فقال : أين علي ؟ فقيل : يشتكي عينيه ، فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه . فقال : أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) : أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري 6 : 23 كتاب التفسير باب قوله تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها ) .
( 2 )
مسند أحمد 5 : 113 .
( 3 )
الإستيعاب 1 : 16 المقدمة . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 342

بما يجب عليهم ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم ( 1 ) .

أخرجه الشيخان البخاري ومسلم . وروى مسلم الحديث بلفظ آخر عن أبي هريرة : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
قال يوم خيبر : لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه . قال عمر بن الخطاب :

ما أحببت الإمارة إلا يومئذ ، فتساورت ( 2 ) لها رجاء أن أدعى لها . قال : فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فأعطاه إياها . وقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( إمش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك ) .

قال : فسار شيئا ثم وقف ، ولم يلتفت ، فصرخ : يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ( 3 ) .



 7 - علي هارون الأمة : عن مصعب بن سعد ، عن أبيه : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خرج إلى تبوك واستخلف عليا . فقال ( عليه السلام ) : أتخلفني في الصبيان والنساء ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي ( 4 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري 4 : 73 كتاب الجهاد والسير باب فضل من أسلم على يديه رجل
      وص 64 باب ما قيل في لواء النبي ( صلى الله عليه وآله ) ،
      و ج 5 : 22 كتاب فضائل أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) باب مناقب علي ابن أبي طالب ( عليه السلام )
      وص 171 باب غزوة خيبر ،
      صحيح مسلم 3 : 1441 كتاب الجهاد والسير باب ( 45 ) باب غزوة ذي قرد وغيرها ذيل ح 132
      و ج 4 : 1872 كتاب فضائل الصحابة باب ( 4 ) باب من فضائل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ح 33 - 34 - 35 .

( 2 ) قول عمر : ( فتساورت لها ) معناه : تطاولت لها ، أي حرصت عليها ، أي أظهرت وجهي وتصديت لذلك ليتذكرني .
( 3 )
صحيح مسلم 4 : 1870 كتاب فضائل الصحابة باب ( 4 ) باب من فضائل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ح 33 .
( 4 )
صحيح البخاري 5 : 24 كتاب فضائل أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) باب من فضائل علي بن أبي طالب
      صحيح مسلم 4 : 1870 كتاب فضائل الصحابة باب ( 4 ) باب فضائل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ح 31 .( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 343

أقول : هذا الحديث أجمع على صحته أهل السنة والشيعة ، وحتى أن ألد أعداء علي ( عليه السلام ) - أي معاوية بن أبي سفيان - لم يستطع أن ينكره ( 1 ) . وفيه أن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) شبه ومثل خلافة علي ( عليه السلام ) وولايته بهارون ، واستثنى منه فقط مسألة النبوة .


وهذا التشبيه والتمثيل من الرسول ( صلى الله عليه وآله ) هو تثبيت لجميع ما تحلى به هارون من المقام والمنزلة ، لأمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) .

وأما المنازل التي كانت لهارون وهي كما يلي :

 1 - الوزارة : أن موسى ( عليه السلام ) كما حكى عنه القرآن ، دعا الله أن يهب هارون منزلة الوزارة قال تعالى :
( واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزرى وأشركه في أمري ) ( 2 ) .


 2 - الأخوة : كان هارون أخا لموسى ( عليه السلام ) ( هارون أخي ) وعلي ( عليه السلام ) كان مثل هارون أخا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .


 3 - الخلافة : عندما أراد موسى أن يذهب لميقات ربه جعل هارون خليفة لنفسه ، قال تعالى : ( وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي ) ( 3 ) وكان هارون نائبا وخليفة لموسى ( عليه السلام ) ، وقد فرض موسى طاعته على بني إسرائيل ، وأوصاه أن يبلغ دعوته ويوطد رسالته . . . . وبناء على مضمون هذا الحديث فإن أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) هو خليفة الرسول والقائم مقامه ونائبه .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) راجع ص : 331 . ( 2 ) طه : 30 . ( 3 ) الأعراف : 142 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 344

 4 - الوصاية : كما أشرنا إليه أن هارون كان خليفة موسى ووصيه في حياته وعند غيابه ، ولو كان هارون حيا بعد وفاة موسى ( عليه السلام ) لكان أولى بالتصدي لمقام النيابة والخلافة والوصاية ، ولكن هارون توفي قبل موسى ( عليه السلام ) . وبهذا الدليل تثبت أحقية أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) لمقام وصاية الرسول ( صلى الله عليه وآله ) .



 5 - النيابة والمؤازرة : أشرنا فيما سبق أن أحد مناصب هارون هي مؤازرته واشتراكه مع موسى في أمره . وقد نص القرآن على طلب موسى هذه المنزلة لهارون من الله حيث قال تعالى : ( اشدد به أزري وأشركه في أمري ) ( 1 )

وكان جوابه تعالى لموسى : ( قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ) ( 2 ) . فعلي ( عليه السلام ) بحكم هذا النص الصريح كهارون خليفة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ووزيره وشريكه في أمره على سبيل الخلافة عنه لا على سبيل النبوة .


ويستفاد من الحديث أيضا : أن أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) كان أولى الناس برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حيا وميتا ، وأفضلهم وأقربهم إليه ( صلى الله عليه وآله ) ، وله ( عليه السلام ) على الأمة من فرض الطاعة في حياة النبي

وبعد وفاته ، كما كان لهارون على أمة موسى في حياته ، وإنه ( عليه السلام ) أفضل الناس جميعا والناصر والحامي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وخليفته في غيبته وبعد وفاته .


لفتة نظر : يلزم أن نذكر للقراء الكرام أن بعض علماء أهل السنة توهم أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يقل لعلي :
( أنت مني بمنزلة هارون من موسى . . . ) إلا مرة واحدة ، وذلك عند خروجه في غزوة تبوك ، ولذلك قام بالتأويل

والتوجيه بأن الخلافة هنا منحصرة بمورد خاص . بينما نلاحظ في طيات الكتب وثنايا المجاميع ، وثبت بالأدلة القطعية أن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كرر هذه الكلمة ست مرات ولم تنحصر بغزوة تبوك ( 3 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) طه : 31 - 32 . ( 2 ) طه : 36 . ( 3 ) راجع في ذلك المراجعات للعلامة شرف الدين وكفاية الطالب للگنجي . ( * )

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب