( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 280

  3 - اشتراك النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الحفلات النسائية

يظهر من أحاديث أخرى وردت في الصحيحين متظافرة بأن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كان يشترك في الأعراس والحفلات النسائية ، ويستمع إلى أغاني الفتيات اللاتي كن يمتعن المستمعين الحاضرين بصوتهن العذب .

وتارة كان يشترك في الأعراس التي تقوم العروس بخدمة الرجال واستقبالهم وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يحظى بخدمة العروس له .
 

وإليك النصوص في ذلك :

 1 - خالد بن ذكوان قال : قالت الربيع بنت معوذ بن عفراء ، جاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) فدخل حين بنى على ، فجلس على فراشي كمجلسك مني ، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 281

ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر . إذ قالت إحداهن : وفينا نبي يعلم ما في غد . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين . . . . ( 1 ) أخرجه البخاري في موضعين من صحيحه ونقله المؤرخون وأصحاب التراجم عن البخاري في ترجمة الربيع بنت معوذ بن عفراء ( 2 ) .


تبريرات سخيفة : ولما شوهد الحديث محفوف بالتفاهة والركاكة وتباينه لمقام النبوة والنبي ( صلى الله عليه وآله ) ما لا يقبله العقل بدا القوم في تبرير هذه الحكايات التافهة ، وذلك لأنه لا يعقل أن يشترك مؤمن ملتزم أو عالم ديني حتى لو كان في

أدنى درجة من العلم والدين في الأعراس ، ويجالس النساء اللاتي تزين بوسائل التجميل من الملابس وغيرها - الماكياج - ، وهن يعزفن ويرقصن أمامه وهو يراهن ويستمع إلى ما يغنين ويبدي رأيه في ما عزفن . نعم ، إن الإنسان العادي الذي لم

يملك تلك المعنوية العالية والغيرة الدينية الشديدة يمتنع من هذا المشهد فكيف بنبي ورسول ؟ ولذا ترى ابن حجر يخيط أعذارا هي أقبح من الذنب نقلها عن الكرماني .


تبريرا وتوجيها لهذا الحديث فقال : قال الكرماني للحديث احتمالات ووجوه عديدة منها أن هذه القصة محمولة على أن ذلك كان من وراء حجاب ، أو كان قبل نزول آية الحجاب ، أو جاز النظر للحاجة أو الأمن من الفتنة ، انتهى . وأضاف ابن حجر : والأخير هو المعتمد والذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائص النبي ( صلى الله عليه وآله ) جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها ( 3 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري 5 : 105 كتاب الفضائل باب في ذيل باب شهود الملائكة بدرا ،
       و ج 7 : 20 كتاب النكاح باب ضرب الدف في النكاح والوليمة .

( 2 ) الطبقات الكبرى 8 : 447 قسم ذكر نساء بني مالك بن النجار ترجمة الربيع بنت معوذ
       الإستيعاب
4 : 1837 ترجمة الربيع بنت معوذ بن عفراء الأنصارية رقم 3336 .

( 3 ) فتح الباري 9 : 166 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 282

أقول : أما الاحتمال الأول الذي أورده ابن حجر - أي اشتراك النبي ( صلى الله عليه وآله ) في تلك الحفلات من وراء حجاب - ففي غاية البطلان ، وأن منطوق الحديث ( فجلس على فراشي كمجلسك هذا ) يكشف زيف هذا الاحتمال .


وأما الاحتمال الثاني : أن القصة وقعت قبل نزول آية الحجاب ، ويدل كلام ابن حجر هذا على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يكن متورعا من الأعمال المشينة والقبائح التي كانت متداولة في أيام الجاهلية .


وهذه السخافة مردودة بالأدلة والشواهد التاريخية وغيرها مما ذكرناها في ما سبق ، وسنورد عليك شواهدا أخرى فيما يأتي بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى في أيام طفولته وقبل البعثة كان يتبرأ من أعمال وعادات العرب في الجاهلية فكيف بعد أن بعث نبيا وفي أواخر حياته ؟


 وأضف إلى هذا فإنه لم نستكشف من كلام الربيع أن القصة وقعت قبل نزول آية الحجاب أو بعده . وأما الاحتمال الأخير الذي احتمله وقواه ابن حجر ( بأنه من خصائص النبي ( صلى الله عليه وآله ) جواز الخلوة بالمرأة الأجنبية والنظر إليها
فهو مرفوض وغير مقبول خاصة على رأي الشيعة الذين أنكروا ذلك عليهم ، وفندوا هذه الأفكار .


وهذه الفكرة من الناحية الاجتماعية أصبحت ذريعة وحربة بيد أعداء الدين للإغارة على الإسلام وشخصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) .


قال سهل بن سعد : دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في عرسه ، وكانت امرأته يومئذ خادمهم
وهي العروس ، قال سهل : تدرون ما سقت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، انقعت له تمرات من الليل فلما أكل سقته إياه ( 1 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري 7 : 32 كتاب النكاح باب حق إجابة الوليمة والدعوة ،
       وص 33 باب النقيع والشراب الذي لا يسكر في العرس ،
      وص 138 كتاب الأشربة باب الانتباز في الأوعية والتور ،
      وص 139 باب نقيع التمر ما لم يسكر ،
      صحيح مسلم 3 : 1590 كتاب الأشربة باب ( 9 ) باب إباحة النبيذ الذي لم يشتد ولم يعد مسكرا ح 86 . ( * )

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 283

وأخرج البخاري أيضا عن أبي حازم ، عن سهل قال : لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه ، فما صنع لهم طعاما ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد ، بلت تمرات في تور من حجارة من الليل فلما فرغ النبي من الطعام أماثته له فسقته تتحفه بذلك ( 1 ) .

 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري 7 : 33 كتاب النكاح باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس . . ( * )

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب