( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 196

رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في القرآن والسنة مؤهلاته في نظر القرآن :

يظهر من آيات القرآن الكريم أن محمدا ( صلى الله عليه وآله ) - قبل أن يبعث نبيا ورسولا - كان متفوقا على الآخرين وممتازا عليهم من الجهات الإيمانية والأخلاقية والعقائدية ، وكان ذا استعداد خاص وكفاءة مميزة ، وإن آباءه وأجداده كانوا من الأنبياء والموحدين المؤمنين ، الذين لا يشوبهم الشرك والوثنية ، ولم يسجدوا لغير الله قط .


ويدل على ذلك الآيات التالية :
 1 - قال تعالى : ( الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ) ( 1 ) . عن ابن عباس في قوله تعالى : ( وتقلبك في الساجدين ) قال : من نبي إلى نبي ومن نبي إلى نبي حتى أخرجك نبيا ( 2 ) .

يستفاد من هذه الآية وتفسيرها بأن نطفة النبي ( صلى الله عليه وآله ) كانت منذ عهد آدم ( عليه السلام ) حتى أبيه عبد الله
( عليه السلام ) تنتقل من صلب الأنبياء والمطهرين إلى أصلاب مثلهم من الأنبياء والساجدين ، وهذا دليل على أن استعداد النبي لتلقي الوحي لم يختص به منذ طفولته بل كان قبلها ومن عهد آدم ( عليه السلام ) .


 2 - ومن الآيات التي تدل على هذه الحقيقة أيضا ، وتكشف عن أن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كان محظوظا بهذا الاستعداد قبل بعثته ، هي الآية التي نزلت في أواسط البعثة في مكة وذلك عندما انتقد زعماء ورؤساء قريش الرسول وقالوا : ( لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) الشعراء : 217 - 218 .
( 2 )
الطبقات الكبرى لابن سعد 1 - 25 ، تفسير ابن كثير 3 : 365 . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 197

 أوتي رسل الله ) ( 1 ) . فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) في جوابهم : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) ( 2 ) .

تشير الآية إلى الحكمة والفلسفة التي من أجلها اصطفى الله عز وجل الأنبياء ( عليهم السلام ) عامة ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خاصة ، وتحكي بأن منصب تلقي الوحي والرسالة ليس من نوع المناصب التي تنال للجميع من دون مقدمة ،

ومن دون مؤهلات ، وإنه منصب لا يعطى إلا لمن توفرت فيه مقدمات الكمال وشروطه ، ويكون مؤهلا لذلك ، وإن الله أعلم بهم ، وبمن توفرت فيهم الكفاءات .


 3 - قال تعالى : ( إنك لعلى خلق عظيم ) ( 3 ) . أجمع جل المفسرين على أنها نزلت في الأيام الأولى من البعثة النبوية
( 4 ) تكشف عن الحالة النفسية والروحية التي امتاز بها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وتبين أخلاق رسول الله ( صلى

الله عليه وآله ) وكفاءته واستعداده الروحي عموما ، وتوضح أن هذا الخلق العظيم نتيجة تلك المواهب والكفاءات التي كان يتحلى بها النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن يبعث نبيا ، ويصطفيه الله لتبليغ رسالته إذا أخذنا تاريخ نزول الآية بعين الاعتبار .


ولا ريب أنه لا بيان وتعبير أوسع نطاقا وأجمع معنى من هذه الآية ، ولا مدح وثناء أعلى وأشمل مما جاء في مفهوم هذه الآية ، لأن الخلق يشمل الأعمال الفاضلة والعادات الحسنة ، وكاشف لجميع صفات النبي ( صلى الله عليه وآله ) النفسانية

الشخصية والاجتماعية والإنسانية والعائلية والدينية ، بحيث أثنى الله عليه بتلك الصفة المثالية - الخلق - ووصفها بالعظمة وأكد ذلك الله عز وجل بقوله : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ، 2 ) الأنعام : 124 .
( 3 )
القلم : 4 .
( 4 )
الإتقان 1 : 17 ، تاريخ الخميس 1 : 10 وقال فيه : ثاني سورة نزلت بمكة ن والقلم ،
وهذا الرأي اختاره الطباطبائي أيضا في الميزان 13 : 233 - 234 وأخرجه عن البيهقي عن ابن عباس و مجاهد . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 198

ومما يؤيد صحة هذا المعنى قول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إن الله عز وجل أدب نبيه فأحسن أدبه ، فلما أكمل له الأدب قال : ( إنك لعلى خلق عظيم ) ( 1 )


 4 - قال تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ( 2 ) . نزلت هذه الآية بحق رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) . . . . وتدل على طهارتهم من الشرك والكفر ، ومن كل رذيلة ،

وتنص على طهارتهم وبراءتهم من الذنوب ، صغيرها وكبيرها ، لأنها أرجاس ورذائل وهم منزهون عنها ، كما نصت الآية على ذلك .


أخرج الطبري في تفسيره عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : نزلت هذه الآية في خمسة : في وفي علي وحسن وحسين وفاطمة ( عليهم السلام ) . ( 3 ) وكذا أخرجه محب الدين الطبري في ذخائر العقبى ( 4 ) وجلال الدين السيوطي

في تفسير الدر المنثور ( 5 ) عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . وقال الراغب الأصفهاني في معنى أراده فمتى قيل :
أراد الله كذا فمعناه حكم فيه إنه كذا وليس كذا نحو ( إن أراد الله بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ) ( 6 ) ( 7 ) .

وقال أيضا الرجس : الشئ القذر ، والرجس يكون على أربعة أوجه : إما من حيث الطبع ، وإما من جهة العقل ، وإما من جهة الشرع ، وإما من كل ذلك كالميتة والميسر والشرك ( 8 ) .
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) تفسير نور الثقلين 5 : 389 - 390 ح 14 .
( 2 )
الأحزاب : 33 .
( 3 )
جامع البيان في تفسير القرآن 22 : 5 .
( 4 )
ذخائر العقبى : 24 .
( 5 )
تفسير الدر المنثور 5 : 198 .
( 6 )
الأحزاب 17 .
( 7 )
مفردات ألفاظ القرآن : 207 مادة رود .
( 8 )
مفردات ألفاظ القرآن : 188 مادة رجس . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 199

ونستلهم من هذه الآية أن النبي وعترته ( عليهم السلام ) مطهرون ومنزهون عن كل الرذائل والصفات الذميمة .

لأنها من الصفات التي تكون رجسا ، ومبغوضة عند الله ، واتصاف أولئك الذين هم مطهرون بإذن الله وإرادته بمثل هذه الصفات محال . .
 

ويستفاد أيضا من الآية أن العترة النبوية منزهون عن ارتكاب الحرام حتى ولو كان سهوا وخطأ ، لأن المحرمات - كما تراه الشيعة والمعتزلة - تتبعها المفاسد التي هي السبب في النهي عنها . وأن السهو وإن كان رافعا لشرط القدرة والإرادة عن التكليف إلا إنه غير رافع للقبح والأثر الوضعي التابع للمحرم والرجس والقذارة الذاتية .


 5 - قال تعالى : ( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) ( 1 ) . ترى في الآية مدحا وثناء لرسول الله وتقريعا وذما لذاك الطاغي المغرور ( 2 ) الذي ظل مراقبا لكي يمنع الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عن العبادة والصلاة . نشير في هذه الآية إلى نقطتين :


 1 - أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان قبل البعثة والرسالة موحدا وكان يعبد الله عز وجل وذلك ما دلت عليه هذه الآيات من سورة العلق وهي أول سورة نزلت على الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ( 3 ) كما
 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) العلق : 10 .

( 2 ) وردت في الروايات الصحيحة التي رويت عن النبي وأهل بيته ( عليهم السلام ) وأخرجها الحفاظ والمفسرون والمؤرخون في
مؤلفاتهم أن هذا الطاغي المغرور الذي قرعه الله تعالى وذمه في كتابه الكريم هو أبو جهل ، حيث كان يراقب النبي ( صلى الله عليه وآله )

عند دخوله وخروجه المسجد حتى إذا قام النبي للصلاة قال أبو جهل لجلسائه من قريش : هل يعفر محمد ( صلى الله عليه وآله ) وجهه بين أظهركم ؟ قالوا : نعم . قال : فبالذي يحلف به لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته . فقيل له : ها هو ذلك يصلي فانطلق ليطا على رقبته

فما فجاهم إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه . فقالوا : مالك يا أبا الحكم ؟ قال : إن بيني وبينه خندقا من نار وهؤلاء وأجنحة . وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : والذي نفسي بيده لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ، فأنزل الله سبحانه ( أرأيت الذي ينهى ) . . . المعرب .

( 3 ) راجع الأحاديث المستخرجة والتي أجمع عليها المفسرون من الفريقين استندوا عليها في إثبات نظريتهم مثل تفسير نور الثقلين ، البرهان في تفسير القرآن ، التبيان ، مجمع البيان ، الدر المنثور ، والميزان ، الخازن ومحاسن التأويل ، وغيره . وقد فصل العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان البحث وأيد هذه النظرية . ( * )

 

 

- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد صادق النجمي ص 200

تدل عليها الأحاديث المتواترة والمتضافرة عن الأئمة ( عليهم السلام ) وأقوال أكثر المفسرين .

 2 - إن عبادته ( صلى الله عليه وآله ) كانت على خلاف عبادة الناس في الجزيرة العربية آنذاك ، ومخالفة لطريقتهم والطقوس المتخذة في العبادة عندهم ، وهذا أحد الأسباب التي سببت مخالفة الناس ومنعهم إياه ( صلى الله عليه وآله ) عن إقامة الصلاة .


يمكن استنباط هاتين النقطتين من الروايات التي تفصل كيفية عبادة النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل البعثة ، حيث تروى لنا أنه كان ( صلى الله عليه وآله ) يصلي أحيانا في الخفاء وتارة أخرى في الملأ والعلن .


ونكتفي هنا بذكر حديث واحد مما روي بهذه المناسبة : نقل صاحب السرائر من جامع البزنطي عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر وأبا عبد الله ( عليهما السلام ) يقولان : حج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عشرين حجة مستسرا ، منها عشر حجج أو قال : تسع - الوهم من الراوي - قبل النبوة ، وقد كان صلى قبل ذلك وهو ابن أربع سنين ، وهو مع أبي طالب في أرض بصرى ( 1 ) .


 

 

* ( هامش ) *
( 1 ) بحار الأنوار 15 : 361 كتاب تاريخ نبينا باب ( 4 ) باب منشأه ورضاعه وما ظهر من إعجازه عند ذلك . . . ح 17 . ( * )

 

 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب