الفصل الأول سير الحديث أهميته ،
وتدوينه
حول الحديث ما هو الحديث ؟
الحديث لغة هو الشئ الجديد ، ويطلق على مطلق القول والكلام
( 1 ) ، وفي اصطلاح المحدثين عبارة عن أقوال
المعصوم وأفعاله وتقديره .
والمعصوم عند أهل السنة هو النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله
) ، وعند الشيعة هم النبي والأئمة من أهل بيته ( عليهم السلام ) .
قال ابن حجر : لما كان يطلق على القرآن الكريم في صدر الإسلام
بالقديم ، أطلق لفظ الحديث في مقابل ذلك على كل ما نسب إلى النبي ( صلى الله
عليه وآله ) ، وهذا التعبير جار إلى عصرنا ( 2 )
.
نص الحديث : هو قول المعصوم
وتقريره .
السند : يطلق على سلسلة رواة
الحديث الذين بلغنا الحديث عن طريقهم .
السنة : هي في اللغة عبارة عن
السيرة والطريقة المتبعة عند الناس ، وفي الاصطلاح سنة
| |
* ( هامش ) *
( 1 ) لولا قومك
حديثو عهد بالإسلام . حديث نبوي . (
إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا
) ، الكهف : 6 .
( 2 ) هدى الساري مقدمة فتح الباري . ( *
) |
|
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 36 |
الرسول ( صلى الله عليه وآله ) هي مجموعة الأحكام والتعاليم
العملية من العبادات وغيرها التي وردت بسند قطعي وصحيح (
1 ) . وللملازمة الموجودة بين السنة والحديث أطلق لفظ السنة على الحديث
كذلك ، واستعملت فيما بعد غالبا في هذا المورد .
أهمية الحديث في الكتاب : الكتاب والسنة هما
الدعامتان الأساسيتان لأحكام الدين والتعاليم الإسلامية
( 2 ) ، ولكن حاجة المسلمين إلى السنة بدت أكثر من حاجتهم إلى القرآن ،
لأن آيات الأحكام الواردة في القرآن معدودة ومحدودة ،
وقيل : إنها خمسمائة آية حسب المشهور ، بحيث لا يمكن الاقتصار
عليها ، والاكتفاء بها دون السنة والحديث ، وذلك لأن :
أولا : هذه الآيات تحتوي
على الأجمال والأطلاق ، والسنة هي الكفيلة بتفسيرها وبيانها .
ثانيا : إن هذا المقدار
المحدود من الآيات لم يكن يفي ببيان جميع الأحكام والقوانين الدينية ، وعلى هذا
أجمع علماء الفريقين ، بأن الحديث الصحيح الذي ثبت صدوره عن المعصوم ( عليه
السلام ) بنحو القطع حجة على المسلمين ، فهو كالقرآن من
حيث حجيته ولزوم اتباعه والأخذ به . وقد أشار القرآن الكريم
ضمن آيات عديدة إلى هذه الحقيقة ونبه المسلمين على أهمية السنة والحديث . فقال
تعالى : ( ما آتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ( 3 ) .
| |
* ( هامش ) *
( 1 )
نهاية ابن الأثير ، مادة حدث . بتصرف .
( 2 ) اعتبرت الشيعة أن أحاديث الأئمة من آل الرسول ( عليهم السلام ) ،
والإجماع ، ودليل العقل ، من أدلة استنباط الأحكام الشرعية . .
( 3 ) الحشر : 7 . ( * ) |
|
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 37 |
وقرن طاعة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بطاعة الله عز وجل
وفرضها على المسلمين ( 1 ) ، واعتبر طاعته
واتباعه
( صلى الله عليه وآله ) طاعة الله واتباعه ( 2 )
، فنهاهم عن مخالفة أوامر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأحكامه
( 3 )
، واعتبر الانقياد والالتزام بأوامر الرسول ( صلى الله عليه
وآله ) علامة الإيمان ، ومعصيته ومخالفته دليل الضلالة والشقاء
( 4 ) .
هذه نبذة من آيات الذكر الحكيم التي أوجبت على المسلمين طاعة
النبي ( صلى الله عليه وآله ) والانقياد له ، وتأكد هذا الوجوب في القرآن
بأساليب مختلفة وعبارات شتى ، وأكدت أيضا أن الاستنان والالتزام بالرسول ( صلى
الله عليه وآله ) لا يتم إلا عن طريق العمل بأوامره والأخذ بأقواله .
أهمية الحديث في السنة : وردت روايات جمة وأحاديث
متواترة عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة من أهل بيته
( عليهم السلام ) تؤكد أهمية الحديث من جهات مختلفة ، تارة من حيث السنة نفسها
.
وتارة أخرى من جهة ضرورة حفظها وتدوينها وتبليغها إلى الآخرين
( 5 ) .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في خطبة حجة الوداع : (
معاشر الناس ، كل حلال وما يكون فيه سبب سعادتكم قد دللتكم عليه ، أو حرام وما
يكون فيه سبب شقاوتكم قد نهيتكم
| |
* ( هامش ) *
( 1 ) قوله تعالى
: ( أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول واحذروا فإن توليتم ) المائدة : 92
.
( 2 ) قوله تعالى
: ( من يطع الرسول فقد
أطاع الله ومن تولى . . . . ) النساء : 80
.
( 3 ) قوله تعالى
: ( فلا وربك لا يؤمنون
حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما
. . . النساء : 65 .
( 4 ) قوله تعالى
: ( ومن يعص الله ورسوله
فقد ضل ضلالا بعيدا ) الأحزاب : 36 .
( 5 )
أصول الكافي 1 : 51 كتاب فضل العلم باب ( 17 )
باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة ،
وسائل الشيعة 18 : 52 كتاب القضاء باب ( 8 ) من
أبواب صفات القاضي ،
مجمع الزوائد 1 : 173 كتاب العلم باب سماع الحديث
وتبليغه ،
سنن ابن ماجة 1 : 84 المقدمة باب ( 18 ) باب من
بلغ علما ح 230 - 236 ،
جامع بيان العلم وفضله 1 : 38 باب دعاء رسول الله
( صلى الله عليه وآله ) لمستمع العلم وحافظه ومبلغه . ( * ) |
|
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 38 |
عنه ، فإني لم أرجع عن ذلك ولم أبدل )
( 1 ) .
وفي مواقف عديدة حث النبي ( صلى الله عليه وآله ) حفاظ الحديث
على حفظه ودعا لهم ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) :
( نظر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ) ( 2 ) .
ودعا لمن يروي الحديث عنه ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : (
نظر الله عبدا سمع مقالتي فبلغها ) ( 3 ) .
وكم تكرر في أقواله ( صلى الله عليه وآله ) وخاصة في أواخر
خطاباته ، قوله : ( فليبلغ الشاهد الغائب ) .
هذه الكلمات توضح أهمية الحديث والسنة ، وتوحي بأن الرسول (
صلى الله عليه وآله ) قد بين جميع الأحكام الدينية وجزئياتها من الحلال والحرام
، وفرض تبليغ ذلك على جميع المسلمين ، وخص بذلك المخاطبين والمشافهين منهم .
ووصف مبلغي أحاديثه ورواتها بأنهم خلفاؤه ( 4 ) .
الفرق بين الكتاب والسنة لا فرق بين القرآن
والسنة من جهة صدورهما من منبع الوحي ، وأنهما نوران انبثقا من نور واحد ، إلا
أنه يمكن حصر الفرق بينهما في الوجوه التالية :
الأول : إن القرآن نزل
معجزة يتحدى بخلاف السنة إذ أنها فاقدة لصفتي الأعجاز والتحدي .
الثاني : إن ألفاظ القرآن
الكريم كمعانيه نزلت من لدن الحكيم العليم ، بينما السنة
| |
* ( هامش ) *
( 1 )
الاحتجاج للطبرسي 1 : 65 باب احتجاج النبي ( صلى
الله عليه وآله ) يوم الغدير على الخلق كلهم . . . .
( 2 و 3 )
سنن ابن ماجة 1 : 84 المقدمة باب ( 18 ) باب من
بلغ علما ح 230 - 236 ، و ج 2 : 1015 كتاب المناسك باب ( 76 ) باب الخطبة يوم
النحر ح 3056 ،
سنن الترمذي 5 : 33 كتاب العلم باب ( 7 ) باب ما
جاء في الحث على تبليغ السماع ح 2656 - 2658 .
( 4 )
من لا يحضره الفقيه 4 : 240 باب النوادر ح 5919 ،
صحيح البخاري 1 : 37 كتاب العلم باب ليبلغ العلم
الشاهد الغائب ، جامع بيان العلم وفضله 1 : 38 باب دعاء الرسول ( صلى الله عليه
وآله ) لمستمع العلم . ( * ) |
|
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 39 |
بعكس ذلك إذ أن ألفاظها من الرسول ( صلى الله عليه وآله )
ولكنها تحمل معاني الوحي الإلهي .
الثالث : لا ريب في أن
نزول القرآن من عند الله عز وجل قطعي ، وأما صدور كل الأحاديث التي وردت في
السنة عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) فظني ويصطلح عليه ظني الصدور .
الرابع : إن القرآن غالبا
ما يذكر الأحكام الكلية والتعاليم العامة بينما جزئياتها وفروعها ذكرتها السنة
، وبتعبير آخر : إن الأحكام الواردة في القرآن هي كليات وجعل بيانها وشرحها من
مهام الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وذلك بإلهام من الوحي ، قال تعالى :
( وأنزلنا إليك الذكر
لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) ( 1 )
.
ومن ناحية أخرى إن القرآن فرض على المسلمين أن لا يفرقوا بين ما نزل في القرآن
وبين ما جاء به الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ( 2 )
، وذلك لأن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كما أخبر عنه القرآن :
( لا ينطق عن الهوى إن هو
إلا وحي يوحى ) ( 3 ) .
فعلى هذا فالسنة مبينة لمجملات القرآن ، ومقيدة لإطلاقاته ، ومخصصة لعموماته .
ملخص القول : إن الأحاديث والسنة تبين ما لم يفصله القرآن ، فمثلا : جاء في
القرآن وجوب إقامة الصلاة ، ولكنه لم يفصل أركانها وعدد ركعاتها ، بينما نلاحظ
النبي ( صلى الله عليه وآله ) فصل جزئيات أحكام الصلاة بإقامته لها وتعليمها
للناس ( 4 ) .
وهكذا مسألة الحج ، فقد ورد تشريعه في القرآن الكريم مؤكدا ، وأما مناسكه
وأحكامه الفرعية والجزئية فإنها لم تذكر فيه عدا القليل ، بينما بين الرسول (
صلى الله عليه وآله ) تلك
| |
* ( هامش ) *
( 1 ) النحل : 44
.
( 2 ) قوله تعالى : (
وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
) الحشر : 7 .
( 3 ) النجم : 3 - 4 .
( 4 ) قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) -
صحيح البخاري 1 : 162 كتاب الصلاة باب الأذان
للمسافر إذا كانوا جماعة . ( * ) |
|
|
- أضواء على الصحيحين - الشيخ محمد
صادق النجمي ص 40 |
المناسك للناس عند أدائه لها ، فقال : خذوا عني مناسككم
( 1 ) .
وهكذا بالنسبة إلى الفرائض والأرث ، فإن بعض أحكامها وأصولها
مبينة في القرآن ، وأما الجزئيات والفروع - نحو ، حرمان القاتل من الإرث - فقد
وردت في السنة ( 2 ) .
وكذلك أحكام الزكاة والجهاد وآلاف مثلها من الأحكام التي لم
نجد إليها سبيلا سوى عن طريق السنة .
| |
* ( هامش ) *
( 1 )
السنن الكبرى للبيهقي 5 : 125 باب الايضاع في
وادي محسر ،
وفي صحيح مسلم 2 : 943 كتاب الحج باب ( 51 ) باب
استحباب رمي الجمرة . . . . . ح 310 ورد : لتأخذوا مناسككم .
( 2 )
سنن الترمذي 4 : 370 كتاب الفرائض باب ( 17 ) ما
جاء في إبطال ميراث القاتل ح 2109 . ( * ) |
|