تأليف الامام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن
النعمان
ابن المنعم ابي عبد الله ، العكبري ، البغدادي ( 336 - 413 ه )
تحقيق
علاء الدين جعفر
الفرق بين الائمة وصاحب الزمان في ظهورهم عليهم السلام وغيبته عليه
السلام
بسم الله الرحمن الرحيم يأتي موضوع هذه الرسالة في الرتبة بعد الرسالتين
السابقتين ، فبعد أن ثبت لزوم وجود الامام ، وثبت بالدليل وجود صاحب الزمان
عليه السلام و غيبته .
عرض السائل في هذه الرسالة : سؤال الفرق بين الامام عليه
السلام وبين الائمة من آبائه عليه السلام ، حيث ظهروا سلام الله عليهم ، وغاب
هو عليه السلام ، وكانه سمع أن علة النيبة ير " الخوف من الظالمين " فانبرى
للاعتراض ، وقد وجه بعض السائلين بهذا الاعتراض إلى الشيخ قائلا : " سألتك أدام
الله على الجواب عن ذلك " .
وحاصل السؤال : إذا كان السبب في الغيبة - التي
طالت مدتها ، و امتدت بها الايام - هو كثرة الاعداء والخوف على نفسه منهم ، فقد
كان الزمن الاول على الائمة من أبائه أصعب ، وكان اعداؤهم أكثر ، والخوف على
أنفسهم أشد واكثر ، ومع ذلك
فانهم كانوا ظاهرين ، ولم يستتروا ، ولا غابوا عن
شيعتهم ، حتى أتاهم اليقين فهذا يبطل هذه العلة في الغيبة .
وأجاب الشيخ :
باختلاف الحالتين ، حالة صاحب الزمان عليه السلام ، و
حالة الائمة من آبائه عليهم السلام .
إن الذي يظهر من أحوال الائمة الماضين عليهم السلام أنهم
ابيحت لهم التقية من الاعداء ، ولم يكتفوا بالقيام بالسيف مع الظهور ، لعدم
مصلحة في ذلك ، ولم يكونوا ملزمين بالدعوة ، بل كانت المصلحة تقتضي الحضور في
مجالس الاعداء ، والخالطة لهم ، ولهذا أذاعوا تحريم إشهار السيوف عنهم ، ووحظر
الدعوة إليها ، لئلا يزاحم الاعداء ظهورهم وتواجدهم بين الناس .
وقد أشاروا إلى مجئ منتظر يكون في أخر الزمان ، إمام منهم ، يكشف
الله به الغمة ، ويحيي به السنة ، يهدي به الاقة ، لا تسعه التقية عند ظهوره .
و قد ذكر الشيخ في هذا المورد عدة من علامات الظهور .
فلما ظهر ذلك من السلف من
آباء صاحب الزمان عليهم السلام ، وتحقق عند سلطان كل زمان وملك كل أو ان ،
علموا من الائمة الماضين عليهم السلام انهم لا يتدينون بالقيام بالسيف ، و لا
يرون الدعاء إلى أنفسهم ، وأنهم ملتزمون بالتقية ، وكف اليد ، وحفظ اللسان ،
والتوفر على العبادات ، والانقطاع إلى الله بالاعمال الصالحات .
لما عرف
الظالمون من الائمة هنه الحالات : أمنوهم على أنفسهم ، مطمثنين بذلك إلى ما
يدبرونه من شؤون أنفسهم ، ويحققوه من دياناتهم ، وكفهم ذلك عن الظهور والانتشار
، واستغنوا به عن الغيبة والاستتار .
لكن إمام هذا الزمان عليه السلام لما كان
هو المشار إليه بسل السيف ، والجهاد لاعدائه ، وأنه هو المهدي الذي يظهر الله
به الحق ، ويبيد بسيفه الضلال ، كان الاعداء يترصدونه ، ويبغون قتله ، ويطلبون
قتله وسفك دمه .
وحيث لم يكن أنصاره متهيئين إلى وقت ظهوره ، لزمته التقية ،
وفرضت عليه الغيبة ، إذ لو ظهر بغير أعوان لالقى نفسه بيده إلى التهلكة ، ولو
أظهر
نفسه في غير وقته لم بأل الاعداء جهدا في استئصاله وجميع شيعته وإراقة
دمائهم على الاستحلال . ولما ثبتت عصمته بأدلتها وجب استتاره من أعدائه حتى
يعلم - يقينا لا شك فيه - حضور الاعوان واجتماع الانصار وتكون المصلحة العامة
في ظهوره بالسيف . فافترقت حاله عن حال آبائه الائمة عليهم السلام .
ثم إن الشيخ عارض الخصوم ببيان أحوال النبي صلى الله عليه وأله و سيرته الشريفة
حيث أقام في مكة ثلاثة عشر سنة ، لا يرى سل السيف ولا الجهاد ، وتصبر على
التكذيب ، وصنوف الاذى ، وتعذيب أصحابه بأنواع العذاب وكان المسلمون
يسالونه الاذن لهم في سل السيف ومباينة الاعداء فيمنعهم
ويامرهم بالصبر ، ولم يزل كذلك حتى طلب من النجاشي ملك الحبشة أن يخفر أصحابه
من قريش ، ثم أخرجهم إليه واستتر خائفا على دمه في شعب أبي طالب ، ثلاث سنين ،
ثم هرب من مكة بعد موت عمه أبي طالب مستخفيا ، وأقام في الغار ثلاثة أيام ، ثم
هاجر إلى المدينة .
وهناك رأى القيام بالسيف
واستنفر أصحابه ، وهم يومئذ ثلاثمائة و بضعة عشر رجلا ، ولقي بهم ألف رجل من
أهل بدر ورفع التقية عن نفسه ، إذ ذلك .
وسرد الشيخ حوادث عديدة من السيرة
الشريفة ، ثم قال : فلم لم يقاتل في مكة ؟ . وماله صبر على الاذى ؟ ولم منع
أصحابه من الجهاد وقد بذلوا انفسهم في نصرة الاسلام ؟ وما الذى اضطره إلى
الاستجارة بالنجاشي ؟ لم وما الذي دعاه إلى القتال باصحابه مع قلة عددهم وتثاقل
بعضهم ؟ وما
وجه اختلاف أحواله وأعماله في هذه المواضع ؟ فما كان في ذلك جوابكم
فهو جوابنا ! في الفرق بين الائمة عليهم السلام وبين صاحب الزمان عليه السلام
في الظهور والغيبة .
والوجه عندنا واضح ، وهو التعبد - في كل الاحوال - بما
أمرهم الله تعالى ، وما قرره عليهم من العمل والسيرة ، طبقا للمصالح التي هي
لعامة الخلق ، والمعصومون عليهم السلام عباده المكرب ن لا يسبقونه بالقول وهم
بامره يعملون . وقد ورد مثل هذه المعارضة في كلمات السابقين ، فلاحظها في إكمال
الدين للصدوق .
والله الموفق للصواب .
وكتب السيد محمد رضا الحسيني الجلالى
صفحة 7 / الصفحة الاولى من النسخة " م "
صفحة 8 / الصفحة الاخيرة من النسخة " م "
الرسالة الثالثة في الغيبة