![]() |
![]() |
![]() |
وفي الجواب نقول: ما روي بشأن جمع القرآن على يد الامام عليّ(عليه السلام) بعد
1 ـ تاريخ القرآن، أبو عبد الله الزنجاني، ص 44.
2 ـ مجمع البيان، ج 1، ص 15.
3 ـ منتخب كنز العمال، ج 2، ص 52.
4 ـ صحيح البخاري، ج 6، ص 102.
عصر الرّسول، لم يكن القرآن وحده، بل مجموعة تتضمّن القرآن وتفسيره وأسباب نزول الآيات، وما شابه ذلك ممّا يحتاجه الفرد لفهم كلام الله العزيز.
وأمّا ما فعله عثمان في هذا الصدد، فتدلّ القرائن أنّه أقدم على كتابة قرآن واحد عليه علامات التلاوة والإِعجام، منعاً للإِختلاف في القراءات، إذ لم يكن التنقيط معمولا به حتى ذلك الوقت.
وما نراه من إصرار لدى جماعة على عدم جمع القرآن في عصر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى نسبة هذا الأمر للخليفة عثمان أو للخليفة الأول أو الثاني، فإنّما يعود إلى ظروف وملابسات وعصبيات تأريخية لسنا بصددها الآن.
وإذا رجعنا إلى استقصاء طبيعة الأشياء في مجال جمع القرآن، ألفينا أنّه من غير المعقول أن يترك النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) هذه المهمّة الكبيرة، بينما نجده يهتمّ بدقائق الأُمور المرتبطة بالرسالة.
أليس القرآن دستور الإِسلام، وكتاب هداية البشرية، وأساس عقائد الإِسلام وأحكامه؟
أليس من الممكن أن يتعرّض القرآن ـ إن لم يجمع ـ في عصر الرّسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)إلى الضياع، وإلى الإِختلاف فيه بين المسلمين؟!
(حديث الثقلين) المروي في المصادر الشيعية والسنّية، حيث أوصى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بوديعته: كتاب الله وعترته، يؤكّد أيضاً أن القرآن كان قد جمع في مجموعة واحدة في عصر الرّسول الأعظم.
أمّا اختلاف الرّوايات في عدد الصحابة الذين جمعوا القرآن خلال عصر النّبي فلا يشكّل عقبة في البحث، ومن الممكن أنّ تتّجه كلّ رواية إلى ذكر عدد منهم.
* * *
الْحَمْدُ ِللهِ رَبِّ الْعَـلَمِينَ (1) الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ (2) مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ(3) إِيّـاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) اهْدِنَا الصِّرَ طَ الْمُستَقِيمَ(5) صِرَ طَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّآلِّينَ(6)
دأبت الأمم والشّعوب على أن تبدأ كل عمل هام ذي قيمة باسم كبير من رجالها. والحجر الأساس لكل مؤسسة هامّة يوضع باسم شخصية مرموقة في نظر أصحابها، أي أن أصحاب المؤسسة يبدأون العمل باسم تلك الشّخصية.
ولكن، أليس من الأفضل أن يبدأ العمل في اُطروحة اُريد لها البقاء والخلود باسم وجود خالد قائم لا يعتريه الفناء؟ فكلّ ما في الكون يتجه إلى الزّوال والفناء، إلا ما كان مرتبطاً بالذات الأبدية الخالدة ... ذات الله سبحانه.
إنّ خلود ذكر الأنبياء سببه إرتباطهم بالله وبالقيم الإنسانية الإِلهية الخالدة كالعدالة وطلب الحقيقة، وخلود اسم رجل في التّاريخ مثل (حاتم الطّائي)، يعود إلى إرتباطه بواحدة من تلك القيم هي (السّخاء).
صفة الخلود والأبدية يختص بها الله تعالى من بين سائر الموجودات، ومن هنا ينبغي أن يبدأ كلّ شيء باسمه وتحت ظلّه وبالاستمداد منه. ولذلك كانت البسملة أوّل آية في القرآن الكريم.
والبسملة لا ينبغي أن تنحصر في اللفظ والصورة، بل لابدّ أن تتعدّى ذلك إلى الإِرتباط الواقعي بمعناها، وهذا الإِرتباط يخلق الإِتجاه الصحيح ويصون من الإنحراف، ويؤدي حتماً إلى نتيجة مطلوبة مباركة. لذلك جاء في الحديث النّبوي الشريف: «كُلُّ أمْر ذِي بَال لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ اسْمُ اللهِ فَهُوَ أَبْتَرُ»(1).
وأميرالمؤمنين(عليه السلام) بعد نقله لهذا الحديث الشريف قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ أَوْ يَعْمَلَ عَمَلا فَيَقُولُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فَإِنَّهُ يُبَارَكَ فيهِ»(2).
ويقول الإِمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام):
«... وَيَنْبَغي الإِتْيَانُ بِهِ عِنْدَ افْتِتَاحِ كُلِّ أَمْر عَظِيم أَوْ صَغِير لِيُبَارَكَ فيهِ»(3).
بعبارة موجزة: بقاء العمل وخلوده يتوقف على ارتباطه بالله.
من هنا كانت الآية الاُولى التي أنزلها الله على نبيّه الكريم تحمل أمراً لصاحب الرسالة أن يبدأ مهمته الكبرى باسم الله: (إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ...)(4).
ولذلك أيضاً فإنّ نوحاً(عليه السلام) ـ حين يركب السفينة في ذلك الطوفان العجيب، ويمخر عباب الأمواج الهادرة، ويواجه ألوان الأخطار على طريق تحقيق هدفه ـ يطلب من أتباعه أن يردّدوا البسملة في حركات السفينة وسكناتها. (وَقَالَ ارْكَبُوا فيهَا بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا ومُرْسَاهَا)(5). وانتهت هذه السفرة المليئة بالأخطار بسلام وبركة كما يذكر القرآن الكريم: (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَم مِنَّا وَبَرَكَات
1 ـ بحار الأنوار، ج 16، باب 58. نقلا عن تفسير البيان، ج 1، ص 461.
2 ـ بحار الأنوار، مجلد 92، باب 29، ص 242.
3 ـ الميزان، ج 1، ص 21.
4 ـ العلق، 1.
5 ـ هود، 41.
عَلَيْكَ وَعَلى أُمم مِمَّنْ مَعَكَ)(1).
وسليمان(عليه السلام) يبدأ رسالته إلى ملكة سبأ بالبسملة: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيَْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ...)(2).
وانطلاقاً من هذا المبدأ تبدأ كلّ سور القرآن بالبسملة، كي يتحقّق هدفها الأصل المتمثل بهداية البشرية نحو السعادة، ويحالفها التوفيق من البداية إلى ختام المسيرة.
وتنفرد سورة التوبة بعدم بدئها بالبسملة، لأنّها تبدأ بإعلان الحرب على مشركي مكة وناكثي الأيمان، وإِعلان الحرب لا ينسجم مع وصف الله بالرحمن الرحيم.
* * *
تجدر الإِشارة إلى أنّ البسملة تقتصر على صيغة «بسم الله» ولا تقول فيها: باسم الخالق أو باسم الرزاق وما شابهها من الصيغ. والسبب يعود إلى أنّ كلمة (الله) ـ كما سيأتي ـ جامعة لكلّ أسماء الله وصفاته. أمّا الأسماء الاُخرى لله فتشير إلى قسم من كمالاته كالرحمة والخالقية.
اتضح ممّا سبق أيضاً أنّ قولنا: «بِاسْمِ اللهِ» في بداية كلّ عمل يعني «الاستعانة» بالله، ويعني أيضاً «البدء» باسم الله. وهذان المعنيان يعودان إلى أصل واحد، وإن عمد بعض المفسّرين إلى التفكيك بينهما وتقدير كل واحد منهما في الكلام. فالمعنيان متلازمان، أي: أبدأ باسم الله وأستعين بذاته المقدّسة.
وطبيعي أنّ البدء باسم الله الذي تفوق قدرته كل قدرة، يبعث فينا القوة، والعزم، والثقة، والإِندفاع، والصمود والأمل أمام الصعاب والمشاكل، والإِخلاص والنزاهة في الحركة.
1 ـ هود، 48.
2 ـ النمل، 30.
وهذا رمز آخر للنجاح، حين تبدأ الأعمال باسم الله.
مهما أطلنا الحديث في تفسير هذه الآية فهو قليل، فالمعروف عن عليّ(عليه السلام)أنّه بدأ يفسّر لابن عباس آية البسملة في أول الليل، فأسفر الصبح وهو لم يتجاوز تفسير الباء منها، غير أنّنا ننهي البحث بحديث عنه(عليه السلام)، وستكون لنا بحوث اُخرى في هذا الصدد خلال بحوثنا القادمة.
دَخَلَ عَبْدُ الله بنُ يَحْيى عَلى أَمِير الْمُؤْمِنينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ كُرْسِيٌّ فَأَمَرَهُ بالْجُلُوسِ عَلَيْهِ فَجَلَسَ عَلَيْهِ فَمَالَ بِهِ حَتّى سَقَطَ عَلى رَأْسِهِ فَأَوْضَحَ عَنْ عَظْمِ رَأْسِهِ وَسَالَ الدَّمُ، فَأَمَرَ أَميرُ الْمُؤْمِنينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِمَاء فَغَسَلَ عَنْهُ ذَلِكَ الدَّمَ ثُمَّ قَالَ: أُدْنُ مِنّي، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلى مَوْضِحَتِهِ «... أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ حَدَّثَني عَن اللهِ جَلَّ وَعَزَّ: كُلُّ أَمْر ذِي بَال لَمْ يَذْكَر فِيهِ بِسْمِ اللهِ فَهُوَ أَبْتَرُ؟» فَقُلْتُ: بَلى بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي لاَ أَتْرُكُهَا بَعْدَهَا، قَالَ: «إِذاً تحْظى بِذَلِكَ وَتسْعَدُ»(1).
وَقَالَ الصَّادِقُ(عليه السلام): «وَلَرُبَّمَا تَرَكَ فِي افْتِتَاحِ أَمْر بَعْضُ شِيعَتِنَا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فَيَمْتَحِنُهُ اللهُ بِمَكْرُوه لِيُنَبِّهَهُ عَلى شُكْرِ اللهِ تَعَالى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَيَمْحُو فِيهِ عَنْهُ وَصمَةَ تَقْصِيرِهِ عِنْدِ تَرْكِهِ قَوْلَ بِسْمِ اللهِ»(2).
* * *
أجمع علماء الشيعة على أنّ البسملة جزء من سورة الحمد وكلّ سور القرآن، وكتابتها في مطالع السور أفضل شاهد على ذلك، لأنّنا نعلم أن النصّ القرآني مصون عن أيّة اضافة، وذكر البسملة معمول به منذ زمن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم).
1 ـ بحار الأنوار، ج 92، الباب 29، ص 241 و 242.
2 ـ نفس المصدر، ص 240.
أمّا علماء السنّة فاختلفوا في ذلك، وصاحب المنار يجمع أقوالهم فيما يلي:
«أجمع المسلمون على أن البسملة من القرآن وأنها جزء آية من سورة النمل. واختلفوا في مكانها من سائر السور، فذهب إلى أنّها آية من كل سورة علماء السلف من أهل مكة ـ فقهاؤهم وقراؤهم ـ ومنهم: ابن كثير. وأهل الكوفة ومنهم عاصم والكسائي من القراء، وبعض الصحابة والتابعين من أهل المدينة، والشافعي في الجديد وأتباعه، والثوري وأحمد في أحد قوليه، والإِمامية، ومن المروي عنهم ذلك من علماء الصحابة عليّ وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة، ومن علماء التابعين سعيد بن جبير وعطاء والزهري وابن المبارك. وأقوى حججهم في ذلك إجماع الصحابة ومن بعدهم على إثباتها في المصحف أول كل سورة سوى سورة البراءة (التوبة) مع الأمر بتجريد القرآن عن كل ما ليس منه. ولذلك لم يكتبوا (آمين) في آخر الفاتحة ...».
ثم ينقل عن مالك والحنفية وآخرين، أنّهم ذهبوا إلى أنّ البسملة آية مستقلّة نزلت لبيان رؤوس السور والفصل بينها.
وعن حمزة من قرّاء الكوفة وأحمد «الفقيه السنّي المعروف» أنّها من الفاتحة دون غيرها من سور القرآن(1).
ومن مجموع ما ذكر يستفاد أنّ الأكثرية الساحقة من أهل السنة يرون أنّ البسملة جزء من السّورة كذلك.
ننقل هنا طائفة من الروايات المنقولة في هذا الصدد بطرق الشيعة والسنة، وبالقدر الذي يتناسب مع هذا البحث التّفسيري:
1 ـ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّار قَالَ: قُلْتُ لاَِبي عَبْدِ اللهِ(عليه السلام): إذا قُمْتُ لِلصَّلاَةِ أقْرَأُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فِي فاتِحَةِ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: فَإِذا قَرَأْتُ فَاتِحَةَ الْقُرْآنِ أَقْرَأُ بِسْمِ اللهِ
1 ـ تفسير المنار، ج 1، ص 39 ـ 40.
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مَعَ السُّورَةِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»(1).
2 ـ ما أخرجه الدارقطني بسند صحيح عن علي(عليه السلام): «أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ السَّبْعِ الْمَثَانِي، فَقَالَ: اَلْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّمَا هِيَ سِتُّ آيَات فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ آية»(2).
3 ـ روى البيهقي بسنده عن ابن جبير، عن ابن عباس، قال: «إِسْتَرَقَ الشَّيطانُ مِنَ النَّاسِ أَعْظَمَ آيَة مِنَ الْقُرْآنِ: بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيم: (إشارة إلى شيوع عدم قراءتها في مطالع السور)(3).
أضف إلى ذلك، أنّ سيرة المسلمين جرت دوماً على قراءة البسملة في مطالع السور لدى تلاوة القرآن، وثبت بالتواتر قراءة النّبي لها. وكيف يمكن أن تكون أجنبية عن القرآن والنّبي والمسلمون يواظبون على قراءتها لدى تلاوتهم القرآن؟!
وأمّا ما ذهب إليه بعضهم من احتمال أنّ البسملة آية مستقلّة وليست جزءً من سور القرآن، فهو احتمال واه ضعيف، لأن مفهوم البسملة يشعر ببداية العمل، ولا يفصح عن معنى منفصل مستقل.
وفي اعتقادنا أنّ الإِصرار على فصل البسملة عن السور تعصّب لا مبرر له، ولا ينهض عليه دليل، في حين أنّ مضمونها مسفر عن أنّها بداية لما بعدها من الأبحاث.
يبقى إيراد واحد، هو أنّ البسملة لا تحتسب في عدّ آيات سور القرآن (عدا بسملة سورة الحمد)، بل يبدأ العدّ من الآية التالية للبسملة.
والجواب على ذلك ما ذكره (الفخر الرازي) في تفسيره الكبير، إذ قال: لا
1 ـ الكافي، ج 3، ص 312.
2 ـ الإِتقان، مجلد 1، ص 136. نقلا عن البيان، ص 441.
3 ـ البيهقي، ج 2، ص 50.
يمنع أن تكون البسملة لوحدها آية في سورة الحمد، وأن تكون جزءً من الآية الاُولى في سائر سور القرآن (أي أنّ مطلع سورة الكوثر مثلا: بسم الله الرحمن الرحيم إنّا أعطيناك الكوثر) يعتبر كلّه آية واحدة.
والمسألة ـ على أيّ حال ـ واضحة إلى درجة كبيرة حتى روي: أنَّ مُعَاوِيَةَ صَلّى بِالنّاسِ في فَتْرَةِ حُكُومَتِهِ فَلَمْ يَقْرَأْ اَلْبسْمَلَةَ، فَصَاحَ جَمْعٌ مِنَ الْمُهاجِرينَ وَالاَْنْصَارِ بَعْدَ الصَّلاَةِ: أَسَرَقْتَ أَمْ نسِيتَ؟(1).
* * *
كلمة (اسم) أول ما تطالعنا في البسملة من كلمات، وهو في رأي علماء اللغة من (السموّ) على وزن (العُلوّ)، ومعناه الإِرتفاع، ويفهم أن الشيء بعد التسمية يخرج من مرحلة الخفاء إلى مرحلة البروز والظهور والرقي، أو إنّه يرتفع بالتسمية عن مرحلة الإِهمال ويكتسب المعنى والعلو(2).
بعد كلمة الاسم نلتقي بكلمة (الله) وهي أشمل أسماء ربّ العالمين فكل اسم ورد لله في القرآن الكريم وسائر المصادر الإِسلامية يشير إلى جانب معين من صفات الله. والاسم الوحيد الجامع لكل الصفات والكمالات الإِلهية أو الجامع لكل صفات الجلال والجمال هو (الله).
ولذلك اعتبرت بقية الإسماء صفات لكلمة (الله) مثل: (الغفور) و(الرحيم) و(السميع) و(العليم) و(البصير) و(الرزاق) و(ذو القوة) و(المتين) و(الخالق)
1 ـ البيهقي، ج 2، ص 49. والحاكم في المستدرك، ج 1، ص 233.
2 ـ ذهب بعضهم إلى أنّ (الاسم) من (السمة) على وزن (الهبة) من مادة (وسم) أي وضع علامة. لأن الاسم علامة المعنى. ولكن أكثر علماء اللغة رفضوا هذا الإِشتقاق، لأنه من الواضح أن الجذور الاصلية للكلمة تظهر عند الجمع والتصغير فالواو لا تظهر في الجمع والتصغير (كما تظهر في المثال الواوي عادة) فنقول في الجمع أسماء، في التصغير، سميّ، وسميّة فهو إذن ناقص واوي لا مثال واوي.
و(الباري) و(المصوّر).
كلمة (الله) هي وحدها الجامعة، ومن هنا اتّخذت هذه الكلمة صفات عديدة في آية كريمة واحدة، حيث يقول تعالى: (هُوَ اللّهُ الَّذِي لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الّقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزيرُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ)(1)
أحد شواهد جامعية هذا الاسم أنّ الإِيمان والتوحيد لا يمكن إعلانه إلاّ بعبارة (لا إله اِلاّ الله)، وعبارة (لاَ إِلهَ إلاَّ القَادِر... أو إِلاَّ الخالِق ... أو إِلاَّ الرَّزَّاق) لا تفي بالغرض. ولهذا السبب يشار في الأديان الاُخرى إلى معبود المسلمين باسم (الله) فهذه التسمية الشاملة خاصة بالمسلمين.
* * *
المشهور بين جماعة من المفسّرين أنّ صفة (الرحمن) تشير إلى الرحمة الإِلهية العامة، وهي تشمل الأولياء والأعداء، والمؤمنين والكافرين، والمحسنين والمسيئين، فرحمته تعمّ المخلوقات، وخوان فضله ممدود أمام جميع الموجودات، وكلّ العباد يتمتعون بموهبة الحياة، وينالون حظهم من مائدة نعمه اللامتناهية. وهذه هي رحمته العامة الشاملة لعالم الوجود كافة وما تسبّح فيه من كائنات.
وصفة (الرحيم) إشارة إلى رحمته الخاصة بعباده الصالحين المطيعين، قد استحقوها بإيمانهم وعملهم الصالح، وَحَرُمَ منها المنحرفون والمجرمون.
الأمر الذي يشير إلى هذا المعنى أنّ صفة (الرحمن) ذكرت بصورة مطلقة في القرآن الكريم ممّا يدل على عموميتها، لكنّ صفة (الرحيم) ذكرت أحياناً مقيّدة، لدلالتها الخاصة، كقوله تعالى: (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنينَ رَحِيماً)(2) وأحياناً اُخرى مطلقة1 ـ الحشر، 23.
2 ـ الأحزاب، 43.
كما في هذه السّورة.
وفي رواية عن الإِمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) قَالَ: «وَالله إلهُ كُلِّ شَيْء الرَّحْمنُ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ، الرَّحِيمُ بِالْمُؤْمِنينَ خَاصَّةً»(1).
من جهة اُخرى، كلمة (الرحمن) اعتبروها صيغة مبالغة، ولذلك كانت دليلا آخر على عمومية رحمته. واعتبروا (الرحيم) صفة مشبّهة تدلّ على الدوام والثبات، وهي خاصة بالمؤمنين.
وثمّة دليل آخر، هو إنّ (الرحمن) من الأسماء الخاصة بالله، ولا تستعمل لغيره، بينما (الرحيم) صفة تنسب لله ولعباده. فالقرآن وصف بها الرّسول الكريم، حيث قال: (عَزِيزٌ عليه مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ بِالْمُؤْمِنينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)(2).
وإلى هذا المعنى أشار الإِمام الصادق(عليه السلام)، فيما روي عنه: (اَلرَّحْمنُ إِسْمٌ خَاصٌّ بصِفَة عَامَّة، وَالرَّحيمُ عَامٌّ بِصِفَة خَاصَّة»(3).
ومع كل هذا، نجد كلمة (الرحيم) تستعمل أحياناً كوصف عام. وهذا يعني أن التمييز المذكور بين الكلمتين إنما هو في جذور كل منهما، ولا يخلو من استثناء.
في دعاء عرفة ـ المنقول عن الحسين بن علي(عليه السلام) ـ وردت عبارة: «يَا رَحْمنَ الدُّنْيِا وَالاْخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا».
نختتم هذا الموضوع بحديث عميق المعنى، عن رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم) قَالَ: «إِنَّ للهِ عَزَّ وَجَلّ مائَةَ رَحْمَة، وَإِنَّهُ أَنْزَلَ مِنْهَا واحِدَةً إِلَى الأَرْضِ، فَقَسَّمَهَا بَيْنَ خَلْقِهِ، بِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَيَتَرَاحَمُونَ، وَأَخَّرَ تِسْعاً وَتِسْعِينَ لِنَفْسِهِ يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(4).
* * *
1 ـ الكافي، وتوحيد الصدوق، ومعاني الأخبار (نقلا عن الميزان).
2 ـ التوبة، 128.
3 ـ مجمع البيان، ج 1، ص 21.
4 ـ نفس المصدر.
في البسملة ذكرت صفتان لله فقط هما: الرحمانية والرحيمية، فما هو السبب؟
الجواب يتضح لو عرفنا أنّ كل عمل ينبغي أن يبدأ بالاستمداد من صفة تعم آثارها جميع الكون وتشمل كلّ الموجودات، وتنقذ المستغيثين في اللحظات الحساسة.
هذه حقيقة يوضّحها القرآن إذ يقول: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيء)(1)، ويقول على لسان حملة العرش: (رَبَّنَا وسِعْتَ كُلَّ شَيْء رَحْمَةً)(2).
ومن جانب آخر نرى الأنبياء وأتباعهم يتوسّلون برحمة الله في المواقف الشديدة الحاسمة. فقوم موسى تضرّعوا إلى الله أن ينقذهم من تجبّر فرعون وظلمه، وتوسّلوا إليه برحمته فقالوا: (وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ)(3).
وبشأن هود وقومه، يقول القرآن: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحمَة منَّا)(4).
من الطبيعي أنّنا ـ حين نتضرّع إلى الله ـ نناديه بصفات تتناسب مع تلك الحاجة، فعيسى(عليه السلام) حين يطلب من الله مائدة من السماء، يقول: (اللّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائدَةً مِنَ السَّمَاءِ ... وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(5).
ونوح(عليه السلام) يدعو الله في حطّ رحاله: (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلا مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ)(6).
وزكريا نادى ربّه لدى طلب الولد الوارث قال: (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ)(7).
1 ـ الأعراف، 156.
2 ـ المؤمن، 7.
3 ـ يونس، 86.
4 ـ الأعراف، 72.
5 ـ المائدة، 114.
6 ـ المؤمنون، 29.
7 ـ الأنبياء، 89.
للبدء بأيّ عمل ينبغي ـ إذن ـ أن نتوسّل برحمة الله الواسعة، رحمته العامة ورحمتة الخاصة. وهل هناك أنسب من هذه الصفة لتحقّق النجاح في الأعمال، وللتغلب على المشاكل والصعاب؟!
والقوة التي تستطيع أن تجذب القلوب نحو الله وتربطها به هي صفة الرحمة، إذ لها طابعها العام مثل قانون الجاذبية، ينبغي الإِستفادة من صفة الرحمة هذه لتوثيق العرى بين المخلوقين والخالق.
المؤمنون الحقيقيون يطهّرون قلوبهم بذكر البسملة في بداية كلّ عمل من كل علقة وإرتباط، ويرتبطون بالله وحده ويستمدّون منه العون، ويتوسلون إليه برحمته التي وسعت كلّ شيء.
والبسملة أيضاً تعلّمنا أنّ أفعال الله تقوم أساساً على الرحمة، والعقاب له طابع استثنائي لا ينزل إلاّ في ظروف خاصة، كما نقرأ في الأدعية المروية عن آل بيت رسول الله: «يَا مَنْ سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ»(1).
المجموعة البشرية السائرة على طريق الله ينبغي أن تقيم نظام حياتها على هذا الأساس أيضاً، وأن تقرن مواقفها بالرحمة والمحبة، وأن تترك العنف إلى المواضع الضرورية، «113» سورة من مجموع «114» سورة قرآنية تبدأ بالتأكيد على رحمة الله، وسورة التوبة وحدها تبدأ بإعلان الحرب والعنف بدل البسملة.
* * *
1 ـ دعاء الجوشن الكبير، الفقرة، 20.
الْحَمْدُ ِللهِ رَبِّ الْعَـلَمِينَ(1)
بعد البسملة، أول واجبات العباد أن يستحضروا دوماً مبدأ عالم الوجود، ونِعَمه اللامتناهية، هذه النعم التي تحيطنا وتغمر وجودنا، وتهدينا إلى معرفة الله من جهة، وتدفعنا على طريق العبودية من جهة اُخرى.
وعند ما نقول أن النعم تشكّل دافعاً ومحرّكاً على طريق العبودية، لأنّ الإِنسان مفطور على البحث عن صاحب النعمة حينما تصله النعمة، ومفطور على أن يشكر المنعم على أنعامه.
من هنا فان علماء الكلام (علماء العقائد) يتطرقون في بحوثهم الأولية لهذا العلم إلى «وجوب شكر المنعم» باعتباره أمراً فطرياً وعقلياً دافعاً إلى معرفة الله سبحانه.
وإنما قلنا إن النعم تهدينا إلى معرفة الله، لأن أفضل طريق وأشمل سبيل لمعرفته سبحانه، دراسة أسرار الخليقة، وخاصة ما يرتبط بوجود النعم في حياة الإنسان.
ممّا تقدم ابتدأت سورة الحمد بعبارة (اَلْحَمدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
ولفهم عمق هذه العبارة وعظمتها يلزمنا توضيح الفرق بين «الحمد» و «المدح» و«الشكر» والنتائج المترتبة على ذلك:
1 ـ «الحمد» في اللغة: الثناء على عمل أو صفة طيبة مكتسبة عن اختيار، أي حينما يؤدي شخص عملا طيّباً عن وعي، أو يكتسب عن اختيار صفة تؤهله لأعمال الخير فإنّنا نحمده ونثني عليه.
و«المدح» هو الثناء بشكل عام، سواء كان لأمر إختياري أو غير إختياري، كمدحنا جوهرة ثمينة جميلة. ومفهوم المدح عام، بينما مفهوم الحمد خاص.
أمّا مفهوم «الشكر» فأخصّ من الاثنين، ويقتصر على ما نبديه تجاه نعمة تغدق علينا من منعم عن إختيار(1).
ولو علمنا أنّ الألف واللام في (الحمد) هي لاستغراق الجنس، لعلمنا أنّ كل حمد وثناء يختص بالله سبحانه دون سواه.
ثناؤنا على الآخرين ينطلق من ثنائنا عليه تعالى، لأنّ مواهب الواهبين كالأنبياء في هدايتهم للبشر، والمعلمين في تعليمهم، والكرماء في بذلهم وعطائهم، والأطباء في علاجهم للمرضى وتطبيبهم للمصابين، إنّما هي في الأصل من ذاته المقدسة. وبعبارة اُخرى: حمد هؤلاء هو حمد لله، والثناء عليهم ثناء على الله تعالى.
وهكذا الشمس حين تغدق علينا بأشعتها، والسحب بأمطارها، والأرض ببركاتها، كلّ ذلك منه سبحانه، ولذلك فكلّ الحمد له.
وبكلمة أُخرى: جملة (اَلْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) إشارة إلى توحيد الذات، والصفات، والأفعال (تأمّل بدقة).
1 ـ «الشكر»، من وجهة نظر اُخرى أوسع إطاراً، لأنّ الشكر يؤدي بالقول أحياناً وبالعمل اُخرى. أمّا الحمد والمدح فبالقول غالباً.
2 ـ وصف (الله) بأنه (رَبّ الْعَالَميِن) هو من قبيل ذكر الدليل بعد ذكر الادعاء، وكأنّ سائلا يقول: لم كان حمد لله؟ فيأتي الجواب: لأنه (رب العالمين).
وفي موقع آخر يقول القرآن عن الباري سبحانه: (الَّذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْء خَلَقَهُ ...)(1).
ويقول أيضاً: (وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا)(2).
3 ـ يستفاد من (الحمد) أن الله سبحانه واهب النعم عن إرادة وإختيار، خلافاً لأولئك القائلين إنّ اللّه تعالى مجبر على أن يفيض بالعطاء كالشمس!!
4 ـ جدير بالذكر أن الحمد ليس بداية كل عمل فحسب، بل هو نهاية كل عمل أيضاً كما يعلمنا القرآن.
يقول سبحانه عن أهل الجنة: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهِا سَلامٌ، وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(3).
5 ـ أما كلمة «ربّ» ففي الأصل بمعنى مالك وصاحب الشيء الذي يهتم بتربيته وأصلاحه. وكلمة «ربيبة» وهي بنت الزوجة، ومأخوذة من هذا المفهوم للكلمة. لأن الربيبة تعيش تحت رعاية زوج أُمّها.
والكلمة بلفظها المطلق تعني ربّ العالمين، وإذا أطلقت على غير الله لزم أن تضاف، كأن نقول: ربّ الدار، وربّ السفينة(4).
وذكر صاحب تفسير (مجمع البيان) معنىً آخر للرب، وهو السيد المطاع، ولكن لا يبعد أن يعود المعنيان إلى أصل واحد(5).
6 ـ كلمة «عالمين» جمع «عالم»، والعالم: مجموعة من الموجودات
1 ـ السجدة، 7.
2 ـ هود، 6.
3 ـ يونس، 10.
4 ـ قاموس اللغة، ومفردات الراغب، وتفسير مجمع البيان، وتفسير البيان.
5 ـ لابدّ من الإِلتفات إلى أن (رب) من مادة (ربب)، لا من (ربو)، أي إنه مضاعف لا ناقص.
المختلفة ذات صفات مشتركة، أو ذات زمان ومكان مشتركين، كأن نقول: عالم الإِنسان، وعالم الحيوان، وعالم النبات. أو نقول عالم الشرق وعالم الغرب، وعالم اليوم، وعالم الأمس. فكلمة العالم وحدها تتضمن معنى الجمع، وحين تجمع بصيغة «عالمين»، فيقصد منها كل مجموعات هذا العالم.
ويلفت النظر هنا أن كلمة عالم جُمعت هنا جمعاً مذكراً سالماً، ونعرف أن جمع المذكر السالم يستعمل في العاقل عادة، ومن هنا ذهب بعض المفسرين إلى أن كلمة «عالمين» إشارة إلى المجموعات العاقلة في الكون كالبشر، والملائكة، والجن، ولكن قد يكون هذا الاستعمال للتغليب، أي لتغليب المجموعات العاقلة على غير العاقلة.
7 ـ يقول صاحب المنار: (ويؤثر عن جدنا الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) أن المراد بــ(العالمين) النّاس فقط)(1).
ثم يضيف: وقد وردت كلمة (العالمين) في القرآن الكريم أيضاً بهذا المعنى كقوله: (ليكون للعالمين نذيراً)(2).
ولكن، لو استعرضنا مواضع استعمال (عالمين) في القرآن، لرأينا أن هذه الكلمة وردت في كثير من الآيات بمعنى بني الإنسان، بينما وردت في مواضع اُخرى بمعنى أوسع يشمل البشر وسائر موجودات الكون الاُخرى، كقوله تعالى: (فَللهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(3) وكقوله سبحانه: (قال فرعون: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: رَبُّ الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا)(4).
وعن الإِمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) في تفسير (ربّ العالمين) قال: «رَبُّ الْعَالَمِينَ هُمُ الْجَمَاعَاتُ مِنْ كُلِّ مَخْلُوق مِنَ الْجَمَادَاتِ وَالْحَيْوَانَاتِ»(5).
1 ـ المنار، ج 1، ص 51.
2 ـ الفرقان، 1.
3 ـ الجاثية، 36.
4 ـ الشعراء، 23 و 24.
5 ـ تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 17.
كلمة عالمين يمكن فهمها في إطارها الكوني الأوسع، ويمكن فهمها في إطار عالم (الإِنسان) ـ كما ورد في رواية الإمام زين العابدين(عليه السلام)، لأن الكائن البشري أشرف المخلوقات، ولأن الإِنسان هو الهدف الأساس من هذه المجموعة الكبرى وليس بين الفهمين أي تناقض.
8 ـ جدير بالذكر أن هناك من قسّم العالم إلى: عالم صغير وعالم كبير، والمقصود من العالم الصغير هو الإِنسان، لأنه لوحده ينطوي على مجموعة من نفس القوى المتحكمة في هذا الكون الفسيح. والإنسان ـ في الواقع ـ عينيّة مصغرة لكل هذا العالم.
الذي دعانا إلى التوسّع في مفهوم كلمة (العالم) هو أن عبارة «ربّ العالمين» جاءت وكأنها دليل على عبارة (الحمد لله)، أي أننا نقول في سورة الفاتحة: إن الحمد مختص بالله تعالى لأنه صاحب كل كمال ونعمة وموهبة في العالم.
* * *
شهد التاريخ البشري ألوان الإنحرافات عن خط التوحيد، والصفة البارزة في هذه الإنحرافات هو الاعتقاد بوجود آلهة متعددة لهذا العالم. وفكرة التعدّد انطلقت من ضيق نظرة أصحابها الذين راحوا يعيّنون لكل جانب من جوانب الكون والحياة إلهاً، وكأنّ ربوبيّة العالمين لا يمكن إناطتها لمصدر واحد!! وراحت بعض الأمم تصنع الآلهة لأُمور جزئية كالحب والعقل والتجارة والحرب والصيد.
اليونانيّون مثلا كانوا يعبدون اثنتي عشرة أَلهةً وضعوها على قمة (أولمپ)
وكل واحدة منها تمثل جانباً من صفات البشر!!(1).
والكلدانيّون اعتقدوا بإله الماء وإله القمر وإله الشمس وإله الزهرة، وأطلقوا على كل واحد منها اسماً معيناً، واتخذوا فوق ذلك «مردوخ» إلهاً أكبر لهم.
والروم تعددت آلهتهم أيضاً، وراج سوق الشرك عندهم أكثر من أية أمّة اُخرى. فقد قسموا الآلهة إلى مجموعتين: آلهة الأسرة وآلهة الحكومة. ولم يكونوا يكنون ولاء لآلهة الحكومة، (لعدم إرتياحهم من حكومتهم!).
وقد ورد في التاريخ أن الروم اتخذوا لهم ثلاثين ألف إلهاً حتى قال أحد رجالهم مازحاً: إن عدد الهتنا من الكثرة إلى درجة أنها اكثر من المارّة في الأزقة والطرقات، وكلّ واحد منها مظهر من مظاهر الكون المشهودة، إله مثل إله الزراعة، وإله المطبخ، وإله مستودع الطعام، وإله البيت، وإله النار، وإله الفاكهة، وإله الحصاد، وإله شجرة العنب، وإله الغابة، وإله الحريق، وإله بوابة روما، وإله بيت النار(2).
![]() |
![]() |
![]() |