![]() |
![]() |
![]() |
(الفحشاء) تعني كلّ عمل قبيح وشنيع، ويكون المراد به في سياق معنى الآية البخل وترك الإنفاق في كثير من الموارد حيث يكون نوعٌ من المعصية والإثم
(رغم أنّ مفرده الفحشاء تعني عادةً الأعمال المنافية للعفّة ولكنّنا نعلم أنّ هذا المعنى لا يناسب السياق).
حتّى أنّ بعض المفسّرين صرّح بأنّ العرب يسمّون الشخص البخيل (فاحش)(1).
ويحتمل أيضاً أنّ الفحشاء هنا بمعنى إختيار الأموال الرديئة وغير القابلة للمصرف والتصدّق بها، وقيل أيضاً : أنّ المراد بها كلّ معصية، لأنّ الشيطان يحمل الإنسان من خلال تخويفه من الفقر على إكتساب الأموال من الطرق غير المشروعة.
والتعبير عن وسوسة الشيطان بالأمر (ويأمركم) إشارة لنفس الوسوسة أيضاً، وأساساً فكلّ فكرة سلبيّة وضيّقة ومانعة للخير فإنّ مصدرها هو التسليم مقابل وساوس الشيطان، وفي المقابل فإنّ كلّ فكرة إيجابيّة وبنّاءة وذات بعد عقلي فإنّ مصدرها هو الإلهامات الإلهيّة والفطرة السليمة.
ولتوضيح هذا المعنى ينبغي أن نقول : إنّ النظرة الاُولى إلى الإنفاق وبذل المال توحي أنه يؤدي إلى نقص المال، وهذه هي النظرة الشيطانية الضيّقة، ولكنّنا بتدقيق النظر ندرك أن الإنفاق هو ضمان بقاء المجتمع، وتحكيم العدل الإجتماعي، وتقليل الفواصل الطبقية، والتقدّم العام.
وبديهيّ أنّ تقدّم المجتمع يعني أنّ الأفراد الذين يعيشون فيه يكونون في رخاء ورفاه، وهذه هي النظرة الواقعية الإلهيّة.
يريد القرآن بهذا أن يعلم الناس أنّ الإنفاق وإن بدأ في الظاهرأنّه أخذ، ولكنّه في الواقع عطاء لرؤوس أموالهم مادّياً ومعنوياً.
في عالمنا اليوم حيث نشاهد نتائج الإختلافات الطبقية والمآسي الناتجة عن
1 ـ تفسير روح البيان : ج 1 ص 431 ذيل الآية المبحوثة.
الظلم واحتكار الثروة، نستطيع أن نفهم معنى هذه الآية بوضوح.
كما أنّ الآية تفيد أيضاً أنّ هناك نوعاً من الإرتباط بين ترك الإنفاق والفحشاء. فإذا كانت الفحشاء تعني البخل، فتكون علاقتها بترك الإنفاق هو أنّ هذا الترك يكرّس صفة البخل الذميمة في الإنسان شيئاً فشيئاً. وإذا كانت تعني الإثم مطلقاً أو الفحشاء في الاُمور الجنسية فإن علامة ذلك بترك الإنفاق لا تخفى، إذ أنّ منشأ كثير من المعاصي والإنحرافات الجنسية هو الفقر والحاجة. يضاف إلى ذلك أن للإنفاق آثاراً ونتائج معنوية مباركة لا يمكن إنكارها.
(والله يعِدُكم مغفرةً منه وفضلاً).
جاء في تفسير «مجمع البيان» عن الإمام الصادق (عليه السلام) : أنّ في الإنفاق شيئين من الله وشيئين من الشيطان، فاللذان من الله هما غفران الذنوب والسعة في المال، واللذان من الشيطان هما الفقر والأمر بالفحشاء».
وعليه فإنّ المقصود بالمغفرة هو غفران الذنوب، والمقصود بالفضل هو ازدياد رؤوس الأموال بالإنفاق، كما رواه ابن عبّاس.
وقد جاء عن الإمام علي أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنّه قال : «اذا أملقتم فتاجروا الله بالصدقة»(1).
(والله واسعٌ عليم).
في هذا إشارة إلى أنّ لله قدرة واسعة وعلماً غير محدود، فهو قادر على أن يفي بما يعد، ولا شكّ أنّ المرء يطمئّن إلى هذا الوعد، لا كالوعد الذي يعده الشيطان المخادع الضعيف الذي يجرّ المرء إلى العصيان، فالشيطان ضعيف وجاهل بالمستقبل، ولذلك ليس وعده سوى الضلال والتحريض على الإثم.
* * *
1 ـ نهج البلاغة : الكلمات القصار : رقم 258 .
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِي خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُواْ الاَْلْبَـابِ (269)
مع الإلتفات إلى ما تقدّم في الآية السابقة التي تحدّثت عن تخويف الشيطان من الفقر ووعد الرحمن بالمغفرة والفضل الإلهى، ففي هذه الآية مورد البحث دار الحديث عن الحكمة والمعرفة والعلم لأنّ الحكمة فقط هي التي يمكنّها التفريق والتمييز بين هذين الدافعين الرحماني والشيطاني وتدعوا الإنسان إلى ساحل المغفرة والرحمة الإلهيّة وترك الوساوس الشيطانيّة وعدم الإعتناء بالتخويف من الفقر.
وبعبارة اُخرى، أنّنا نلاحظ في بعض الأشخاص نوعٌ من العلم والمعرفة بسبب الطهارة القلبيّة ورياضة النفس حيث تترتّب عليها آثار وفوائد جمّة، منها أن يدرك الشخص فوائد الإنفاق ودوره المهم والحيوي في المجتمع ويميّز بينه وبين ما تدعوه إليه وساوس الشيطان فتقول الآية :
(يؤتي الحكمة من يشاء).
وقد ذكر لكلمة (الحكمة) معان كثيرة منها (المعرفة والعلم بأسرار العالم) ومنها (العلم بحقائق القرآن) و (الوصول إلى الحقّ بالقول والعمل) و (معرفة الله تعالى) و (أنّها النور الإلهي الذي يميّز بين وساوس الشيطان وإلهامات الرحمان).
والظاهر هو أنّ الحكمة تأتي بالمعنى الواسع حيث تشمل جميع هذه الاُمور بما فيها النبوّة التي هي نوعٌ من العلم والأطّلاع والإدراك، فهي في الأصل أخذت من مادة (حكم) ـ على وزن حرف ـ بمعنى المنع، وبما أنّ العلم والمعرفة والتدبير تمنع الإنسان من إرتباك الأعمال الممنوعة والمحرّمة، فلذا يقال عنها أنّها حكمة.
بديهيّ أنّ القصد من (مَن يشاء) ليس إسباغ الحكمة على كلّ من هبّ ودبّ بغير حساب، بل أنّ مشيئة الله هي دائماً منبعثة عن حكمة، أي أنّه يمنحها لمن يستحقّها، ويرويه من سلسبيل هذه العين الزلال.
(ومَن يؤتَ الحكمة فقد أُوتي خيراً كثيراً).
رغم أنّ واهب الحكمة هو الله فإنّ اسمه لم يرد في هذه الآية وإنما بني الفعل للمجهول (ومن يؤتَ الحكمة).
ولعلّ المقصود هو أنّ الحكمة أمر حسن بذاته بصرف النظر عن مصدرها ومنشئها.
من الملاحظ أنّ الآية تقول : إذا نزلت الحكمة بساحة أحد فقد نزلت بساحته البركة والخير الكثير لا الخير المطلق، لأنّ السعادة والخير المطلق ليسا في العلم وحده، بل العلم أهمّ عامل لهما.
(وما يذّكّر إلاَّ اُولوا الألباب).
«التذكّر» هو حفظ العلوم والعارف في داخل الروح. والألباب جمع لب وهو قلب كلّ شيء ومركزه، ولهذا قيل العقل اللب.
تقول هذه الفقرة من الآية إنّ أصحاب العقول هم الذين يحفظون هذه الحقائق ويتذكّرونها. رغم أنّ جميع الناس ذو عقل ـ عدا المجانين ـ فلا يوصفون جميعاً بأُولي الألباب، بل هؤلاء هم الذين يستخدمون عقولهم فيشقّون طريقهم على ضوء نورها الساطع.
ونختم هذا البحث بكلام لأحد علماء الإسلام (ويحتمل أنّه مقتبس من كلام الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)) حيث يقول : قد يريد الله تعالى أحياناً تعذيب أمّة على الأرض ولكنّه يرى معلّماً يعلّم الأولاد الحكمة فيرفع عن تلك الأُمّة العذاب بسبب ذلك(1).
* * *
1 ـ تفسير القرطبي : ج 2 ص 1138.
وَمَآ أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَة أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْر فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّـالِمِينَ مِنْ أَنصَار (270) إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَـاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفَّرُ عَنكُم مِّن سَيّئاتِكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(271)
تحدّثت الآيات السابقة عن الإنفاق وبذل المال في سبيل الله، وأن ينفق الشخص ذلك المال من الطيّب دون الخبيث، وأن يكون مشفوعاً بالمحبّة والإخلاص وحسن الخلق، أمّا في هاتين الآيتين أعلاه فيدور الحديث عن كيفيّة الإنفاق وعلم الله تعالى بذلك.
فيقول الله تعالى في الآية الاُولى : (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإنّ الله يعلمه).
تقول الآية : إنّ كلّ ما تنفقونه في سبيل الله سواءً كان قليلاً أو كثيراً، جيّداً أم رديئاً، من حلال إكتسب أم من حرام، مخلصاً كان في نيّته أم مرائياً، إتّبعه المن
والأذى أم لم يتبعه، أكان الإنفاق ممّا أوجب الله تعالى عليه أم ممّا أوجبه الإنسان على نفسه بنذر وشبهه، فإنّ الله تعالى يعلم تفاصيله ويثيب عليه أو يعاقب.
وفي ختام الآية تقول : (وما للظالمين من أنصار)
(الظالمين) هنا إشارة إلى المحتكرين والبخلاء والمرائين والّذين ينفقون بالمنّ والأذى، فإنّ الله تعالى لا ينصرهم، وسوف لا ينفعهم ما أنفقوا لا في الدنيا ولا في الآخرة.
أو أنّ المراد هم الأشخاص الّذين إمتنعوا من الإنفاق إلى المحرومين والمعوزين، فإنّهم بذلك قد ظلموهم وظلموا كذلك أنفسهم ومجتمعهم.
أو أنّهم الأشخاص الّذين لا ينفقون في موارد الإنفاق، لأنّ مفهوم الظلم واسعٌ يشمل كلّ عمل يأتي به الإنسان في غير مورده، وبما أنّه لا منافاة بين هذه المعاني الثلاثة لذلك يمكن أن تدخل هذه المعاني في مفهوم الآية بأجمعها.
أجل فهؤلاء ليس لهم ناصر في الدنيا ولا شفيع في الآخرة، وهذه النتيجة من الخصائص المترتّبة على الظلم والجور بأيّ صورة كان.
ويستفاد من هذه الآية ضمناً مشروعيّة النذر ووجوب العمل بمؤدّاه، وهو من الاُمور التي كانت موجودة قبل الإسلام وقد أمضاها الإسلام وأيدّها.
في الآية الثانية إشارة إلى كيفيّة الإنفاق من حيث السرّ والعلن فتقول : (إن تبدوا الصدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم).
وسوف يعفوالله عنكم بذلك (ويكفّرعنكم من سيئاتكم والله بماتعملون خبير).
* * *
1 ـ لاشكّ أنّ لكلّ من الإنفاق العلني والإنفاق الخفيّ في سبيل الله آثاراً نافعة، فإذا كان الإنفاق واجباً فالإعلان عنه يشجع الآخرين على القيام بمثله، كما
يرفع عن المنفق تهمة إهماله لواجبه.
أمّا إذا كان الإنفاق مستحبّاً، فإنّه يكون في الواقع أشبه بالدعاية والإعلان العملي لحثّ الناس على فعل الخير، ومساعدة المحتاجين، والقيام بالأعمال الخيرية الإجتماعية العامّة.
أمّا الإنفاق الخفيّ البعيد عن الأنظار فلا شكّ أنه أبعد عن الرياء وحبّ الظهور وخلوص النيّة فيه أكثر، خاصّة وأن مدّ يد العون إلى المحتاجين في الخفاء يحفظ لهم ماء وجههم وكرامتهم، ولذلك تثني الآية على كلا الأسلوبين.
وذهب بعض المفسرين إلى أنّ الإخفاء يقتصر على الإنفاق المستحب، وأمّا الإنفاق الواجب كالزكاة وغيره فيفضّل في حالة الجهر، وليست هذه بقاعدة عامّة، بل تختلف باختلاف حالات الإنفاق.
ففي الحالات التي يكون فيها الجانب التشجيعي أكثر ولايصادر فيها الإخلاص فالإظهار أولى،وفي الحالات التي يكون فيها المحتاجون من ذوي العزّة والكرامة فإن حفظ ماء وجوههم يقتضي إخفاء الإنفاق، كما أنّه إذا خشي الرياء وعدم الإخلاص فالإخفاء أولى.
وقد جاء في بعض الأحاديث أنّ الإنفاق الواجب يفضّل فيه الإظهار، والمستحبّ يفضّل فيه الإخفاء.
وقد نقل عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : الزكاة المفروضة تخرج علانية وتدفع علانية، وغير الزكاة إن دفعه سرّاً فهو أفضل(1).
إلاّ أنّ هذه الأحاديث لا تتعارض مع ما قلناه آنفاً، لأنّ أداء الواجب يكون أقلّ امتزاجاً بالرياء، فهو واجب لابدّ أن يؤدّيه كلّ مسلم في محيط الاسلامي كالضريبة اللازمة التي يدفعها الجميع، وعليه فإنّ إظهار الإنفاق أفضل، أمّا الإنفاق
1 ـ تفسير مجمع البيان : ج 1 ص 384 نقلاً عن علي بن إبراهيم : ج 1 ص 93.
المستحبّ فليس إلزامياً لذلك، فإنّ إظهار إنفاقه قد يشوبه شيء من الرياء وعدم خلوص النيّة، فيكون الأجدر إخفاؤه.
2 ـ قوله : (ويكفّر عنكم من سيّئاتكم) يُوضّح أنّ للإنفاق في سبيل الله أثراً في غفران الذنوب، فالتكفير عن السيئات ـ أي تطغية الذنوب ـ كناية عن ذلك.
بديهيّ أنّ هذا لا يعني أنّ إنفاق بعض المال يذهب بكلّ ذنوب الإنسان، ولذلك لابدّ من ملاحظة استعمال «من» التبعيضية، أي أنّ الغفران يشمل قسماً من ذنوب الإنسان، وأنّ هذا القسم يتناسب مع مقدار الإنفاق وميزان الإخلاص.
هنالك أحاديث كثيره بشأن غفران الذنوب بالإنفاق وردت عن أهل البيت (عليهم السلام)وفي كتب أهل السنّة.
من ذلك : «صدقة السرّ تطفيء غضب الربّ وتطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار»(1).
كما جاء أيضاً : «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاَّ ظلُّه : الإمام العدل، والشابّ الذي نشأ في عبادة الله تعالى، ورجل قلبه يتعلّق بالمساجد حتّى يعود إليها، ورجلان تحابّا في الله واجتمعا عليه وافترقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنّي أخاف الله تعالى، ورجل تصدّق فأخفاه حتّى لم تعلم يمينه ما تنفق شماله، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه»(2).
3 ـ يستفاد من جملة (والله بما تعلون خبير). هو أنّ الله عالم بما تنفقون سواء أكان علانيهً أم سرّاً، كما أنّه عالم بنيّاتكم وأغراضكم من إعلان إنفاقكم ومن إخفائه. على كلّ حال أنّ الذي له تأثير في الإنفاق هو النيّة الطاهرة والخلوص في العمل لله وحده، لأنّه هو الذي يجزي أعمال العبد،وهو عالم بما يخفي ويعلن.
* * *
1 ـ مجمع البيان : ج 1 ص 385.
2 ـ المصدر السابق.
لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَيهُمْ وَلَـكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْر فَلاَِنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إلاَّ ابْتِغَآءَ وَجْهِ اللهِ وَ مَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْر يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُون (272)
جاء في تفسير مجمع البيان عن ابن عبّاس أنّ المسلمين لم يرضوا بالإنفاق على غير المسلمين، فنزلت هذه الآية تجيز لهم ذلك عند الضرورة.
وهناك سبب نزول آخر لهذه الآية قريب من سبب النزول السابق. فقد جاء أنّ أمرأة مسلمة تدعى «أسماء» كانت في رحلة عمرة القضاء مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجاءتها أمّها وجدّتها تطلبان بعض العون منها، ولكن لمّا كانتا من المشركين وعبدة الأصنام.، فقد امتنعت أسماء عن مدّ يد المساعدة إليهما، وقالت : لابدّ أن أستجيز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك لأنكما لستما على ديني. وأقبلت إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)تستجيزه، فنزلت الآية المذكورة.
تحدّثت الآيات السابقة عن مسألة الإنفاق في سبيل الله بشكل عام، ولكن
في هذه الآية الحديث عن جواز الإنفاق على غير المسلمين، بمعنى أنّه لا ينبغي ترك الإنفاق على المساكين والمحتاجين من غير المسلمين حتّى تشتدّ بهم الأزمة والحاجة فيعتنقوا الإسلام بسبب ذلك.
تقول الآية (ليس عليك هداهم) فلا يصحّ أن تجبرهم على الإيمان، وترك الإنفاق عليهم نوعٌ من الإجبار على دخولهم إلى الإسلام، وهذا الاُسلوب مرفوض، ورغم أنّ المخاطب في هذه الآية الشريفة هو النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ أنّه في الواقع يستوعب كلّ المسلمين.
ثمّ تضيف الآية(ولكنّ الله يهدي من يشاء) ومن تكون له اللياقة للهداية.
فبعد هذا التذكّر تستمر الآية في بحث فوائد الإنفاق في سبيل الله فتقول : (وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلاّ إبتغاء وجه الله).
هذا في صورة ما إذا قلنا أنّ جملة (وما تنفقون) قد أخذت هنا بمعنى النهي، فيكون معناها أنّ إنفاقكم لا ينفعكم شيئاً إلاّ إذا كان في سبيل
الله تعالى.
ويحتمل أيضاً أن تكون هذه الجملة خبريّة، أي أنكم أيّها المسلمون لا تنفقون شيئاً إلاّ في سبيل الله تعالى وكسب رضاه.
وفي آخر عبارة من هذه الآية الكريمة نلاحظ تأكيداً أكثر على مقدار الإنفاق وكيفيّته حيث تقول الآية (وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون).
يعني أنّكم لا ينبغي أن تتصوروا أنّ إنفاقكم سيعود عليكم بربح قليل، بل أنّ جميع ما أنفقتم وتنفقون سيعود إليكم كاملاً، وذلك في اليوم الذي تحتاجون إليه بشدّة، فعلى هذا لا تتردّدوا في الإنفاق أبداً.
ويستفاد من ظاهر هذه الجملة أنّ نفس المال المنفق سيعود على صاحبه (لاثوابه) فيمكن أن تكون الآية دليلاً على تجسّم الأعمال الذي سيأتي بحثه
مفصّلاً في الآيات اللاحقة(1).
* * *
1 ـ الآية أعلاه تقول أنّ نعم الله وآلاءه في هذا العالم كما أنّها تشمل الجميع بغضّ النظر عن العقيدة والدين، كذلك ينبغي أن يشمل إنفاق المؤمنين المستحبّ رفع حاجات الناس غير المسلمين أيضاً إذا إقتضت الضرورة.
ومن الواضح أنّ الإنفاق على غير المسلمين يجب أن يكون ذا طابع إنساني ففي هذه الصورة يكون جائزاً، لا ما إذا كان موجباً لتقوية الكفر ودعم خطط الأعداء المشؤومة.
2 ـ للهداية أنواع مختلفة : من الواضح أنّ المقصود من عدم وجوب هداية الناس على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يعني أنّه غير مكلّف بإرشاد الناس وهدايتهم لأنّ الإرشاد والدعوة من أهم جوانب مسؤوليات النبي، وإنّما المقصود أنّه غير مكلّف بممارسة الضغط وعوامل الإكراه لحمل الناس على إعتناق الإسلام.
وهل أنّ المقصود من هذه الهداية هو الهداية التكوينيّة أو التشريعيّة ؟ لأن الهداية لها عدّة أنواع :
أ ـ الهداية التكوينية : وتعني أنّ الله تعالى خلق مجموعة من عوامل التقدّم والتكامل في مختلف كائنات هذا العالم، يشمل ذلك الإنسان وجميع الكائنات الحيّة، بل حتّى الجمادات، وهذه العوامل تدفع الموجودات نحو تكاملها.
إنّ نموّ الجنين في رحم أُمّه ورشده، ونموَّّ البذرة في باطن الأرض ورشدها،
1 ـ سوف تأتي هذه المسألة مفصلاً في ذيل الآية (30) من سورة آل عمران وفي هذا المجلد بالذات.
وحركة السيارات والمنظومات الشمسية في مداراتها، وأمثال ذلك نماذج مختلفة من الهداية التكوينية. وهذا النوع من الهداية خاصّ بالله تعالى، ووسائلها عوامل وأسباب طبيعية وما وراء الطبيعية. يقول القرآن المجيد : (الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى)(1).
ب ـ الهداية التشريعية : وتعني هداية الناس عن طريق التعليم والتربية، والقوانين، والحكومات العادلة، والموعظة والنصيحة. وهذه الهداية يقوم بها الأنبياء والأئمّة والصالحون والمربّون المخلصون. وقد أشار القرآن إلى هذا بقوله : (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين)(2).
ج ـ الهداية التوفيقية : وهي الهداية إلى تهيئة الوسائل ووضعها في متناول الأفراد لكي يستفيدوا منها حسبما يشاؤون في مضان التقدّم، كبناء المدارس والمساجد ومعاهد التربية، وإعداد الكتب ووضع الخطط وتدريب المربّين والمعلّمين المؤهّلين، وهذا النوع من الهداية يقع بين الهدايتين التكوينية والتشريعية. يقول القرآن : (والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا)(3).
د ـ الهداية نحو النعمة والمثوبة : وهذه تعني هداية الأفراد اللائقين للإنتفاع بنتائج أعمالهم الصالحة في العالم الآخر، وهي هداية تختصّ بالمؤمنين الصالحين. يقول القرآن : (سيهديهم ويصلح بالهم)(4).
هذه الآية جاءت بعد ذكر تضحية الشهداء في سبيل الله. واضح أنّ هذا النوع من الهداية ترتبط بتمتّع هؤلاء بثمار أعمالهم في الآخرة.
الواقع أنّ هذه الأنواع الأربعة من الهداية تشكّل مراحل مختلفة متوالية
1 ـ طه : 50.
2 ـ البقرة : 2.
3 ـ العنكبوت : 69.
4 ـ محمّد : 5.
لحقيقة واحدة. ففي البداية تكون الهداية التكوينية التي يهدي بها الله مخلوقاته ومنها الإنسان الذي أودع فيه العقل والفكر والقوى الاُخرى.
يلي تلك الهداية هداية الأنبياء والرسل الذين يهدون الناس إلى طريق الحقّ. والهداية هنا بمعنى الإرشاد والتبليغ.
ثمّ تأتي مرحلة العمل فيشمل الله مخلوقاته بتوفيقه فتتمهّد لهم سبل وطرائق تسير عليها نحو التكامل. وهذه هي هداية التوفيق.
وفي العالم الآخر ينالون جزاء أعمالهم الصالحات.
هداية الإرشاد والدعوة التي تشكّل واحداً من أنواع الهداية الأربعة هي من واجبات الأنبياء والأئمّة، وقسم منها ممّا يتناول تمهيد الطرق، يدخل معظمه ضمن واجبات الحكومات الإلهية للأنبياء والأئمّة، والباقي يختصّ بالله تعالى.
وعليه حيثما نجد في القرآن سلب الهداية عن أنبياء، فذلك لا يخصّ النوعين الأوّلين.
(ولكنَّ الله يهدي من يشاء).
وهي هدايه لا تأتي اتباطاً بدون حكمة ولا حساب، أي أنّه لا يمكن أن يهدى يهذا ويحرم ذاك بغير سبب، فعلى الإنسان أن يكون جدير بالهداية لكي ينالها ويستفيد منها.
نستخلص من هذه الآية حقيقة أُخرى، وهي أنّه يخاطب نبيّه قائلاً : إذا ظهر بين المسلمين ـ بعد كلّ ذلك التحذير من الإنفاق المصحوب بالرياء والمنّ والأذى ـ أفراد ما يزالون يلوّثون إنفاقهم بهذه الأُمور، فلا يسؤك ذلك، إنّ واجبك هو بيان الأحكام وتهيئة المناخ الإجتماعي السليم، وليس من واجبك أبداً أن تجبرهم على تجنّب هذه الأُمور. وهذا التفسير لايتنافى مع التفسير السابق، فكلاهما محتملان.
نلاحظ في جملة (وما تنفقوا من خير فلأنفسكم) أنّ فوائد الإنفاق تعود على المنفقين أنفسهم، وبهذا تدفعهم نحو هذا العمل الإنساني، وطبيعي أنّ الإنسان يزداد حماساً لممارسة علمه حين يعلم أنّ منافع هذا العمل تعود إليه.
قد يبدو للوهلة الأُولى أنّ المنافع التي تعود على المنفق من إنفاقه هي ما يناله من ثواب في الآخرة، هذا بالطبع صحيح، ولكن لاينبغي أن يتصوّر أنّ نتائج الإنفاق أُخروية فحسب، بل أنّ له منافع في هذه الدنيا أيضاً مادّية ومعنوية. ففائدته المعنوية هي أنّ روح البذل والإنسانية والتضحية والأخوّة تتربّى في المنفق. وهذه في الواقع وسيلة مؤثّره في تكامل شخصية الإنسان وتربيته.
أمّا فائدته المادّية فإنّ وجود أُناس معدمين فقراء في مجتمع ما يكون سبباً في أزمات اجتماعية خطرة قد تبتلع مبدأ الملكية نفسه في ثورتها، فلا تبقي ولا تذر.
الإنفاق يقلّل من الفواصل الطبقيّة ويزل هذا الخطر الذي يهدّد الأفراد الأثرياء في المجتمع، فالإنفاق يطفيء لهيب غضب الطبقات المحرومة ويقضي على روح الإنتقام في نفوسهم.
من هنا فالإنفاق لصالح المنفقين من حيث الأهميّة الإجتماعية والسلامة الإقتصادية والجوانب المختلفة المادّية والمعنوية.
«وجه» بالإضافة إلى معناها المعروف قد تستعمل بمعنى ذات، وعندئذ (وجه الله) تعني ذات الله التي يجب أن يتوجّه إليها المنفقون في إنفاقهم، وعليه فإنّ ورود كلمة «وجه» في هذه الآية وفي غيرها إنّما يقصد به التوكيد، فمن
الواضح أنّ قولنا «لوجه الله» أو «لذات الله» أكثر تأكيداً من قولنا «لله». فيكون المعنى أنّ الإنفاق لله حتماً لا لغير الله.
ثمَّ إنَّ الوجه أشرف جزء من أجزاء الجسم الظاهرة، ففيه أهمّ أعضاء الإنسان كالبصر والسمع والنطق. ولهذا حيثما استعملت كلمة «الوجه» كان القصد إيصال معاني الشرف والأهميّة، واستعمالها هنا استعمال كناية يفهم منه الإحترام والأهميّة، وإلاَّ فإنّ الله منزّه عن الصورة الجسدية.
* * *
لِلْفُقَرَآء الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الاَْرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تُعْرِفُهُم بِسِيمَـاهُمْ لاَ يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْر فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)
نقل عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال : إنّ هذه الآية نزلت في أصحاب «الصفّة». وهم جمع نحو أربعمائة شخص من مسلمي مكّة وأطراف المدينة ممّن لم يكن لهم مأوى يأوون إليه في المدينة، ولا قريب يؤويهم في منزله، فاتّخذوا من مسجد النبيّ منزلاً معلنين استعدادهم للذهاب إلى ميادين الجهاد دائماً، ولكن بما أنّ بقاءهم في المسجد لم يكن ينسجم مع شؤونه فقد أُمروا بالإنتقال إلى «صفّة» دكّة عريضة كانت خارج المسجد. ونزلت الآية تحثّ المسلمين أن يغدقوا مساعداتهم على إخوتهم هؤلاء فأعانوهم(1).
1 ـ مجمع البيان، أبو الفتوح الرازي، البحر المحيط، القرطبي، روح المعاني، وتفاسير اُخرى ومع تفاوت في العبارات.
صرّح بعض المفسّرين : «لقد كان هذا الوصف الموحي ينطبق على جماعة من المهاجرين، تركوا وراءهم أموالهم وأهليهم; وأقاموا في المدينة ووقفوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله، وحراسة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كأهل الصفة الذين كانوا بالمسجد حرساً لبيوت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يخلص إليها من دونهم عدو...»(1)
يبيّن الله في هذه الآية أفضل مواضع الإنفاق، وهي التي تتّصف بالصفات التالية :
1 ـ (للفقراء الذين أُحصروا في سبيل الله) أي الذين شغلتهم الأعمال الهامّة كالجهاد ومحاربة العدو، وتعليم فنون الحرب، وتحصيل العلوم الأُخرى، عن العمل في سبيل الحصول على لقمة العيش كأصحاب الصفّة الذين كانوا خير مصداق لهذا الوصف(2).
ثمّ للتأكيد تضيف الآية : (لا يستطيعون ضرباً في الأرض) أي الذين لا يقدرون على الترحال لكسب العيش بالسفر إلى القرى والمدن الاُخرى حيث تتوفر نِعم الله تعالى. وعليه فإنّ القادرين على كسب معيشتهم يجب أن يتحمّلوا عناء السفر في سبيل ذلك وأن لا يستفيدوا من ثمار أتعاب الآخرين إلاَّ إذا كانوا منشغلين بعمل أهمّ من كسب العيش كالجهاد في سبيل الله.
2 ـ الذين (يحسبُهم الجاهل أغنياء من التعفّف) هؤلاء الذين لا يعرف الآخرون شيئاً عن بواطن أُمورهم، ولكنهم ـ لما فيهم من عفّة النفس والكرامة ـ
1 ـ في ظلال القرآن : ذيل الآية المبحوثة.
2 ـ «حصر» بمعنى الحبس والمنع والتضييق وجاءت هنا بمعنى جميع الاُمور التي تمنع الإنسان من تأمين معاشه.
يظنّون أنهم من الأغنياء.
ولكن هذا لايعني أنهم غير معروفين. لذا تضيف الآية (تعرفهم بسيماهم).
السيماء : العلامة(1). فهؤلاء وإن لم يفصحوا بشيء عن حالهم، فإنّ على وجوههم علامات تنطق بما يعانون يدركها العارفون، فلون وجناتهم ينبيء عمّا خفي من أسرارهم.
3 ـ والثالث من صفات هؤلاء أنهم لايصرّون في الطلب والسؤال : (لا يسألون الناس إلحافاً)(2) أي أنّهم لا يشبهون الفقراء الشحّاذين الذين يلحّون في الطلب من الناس، فهم يمتنعون عن السؤال فضلاً عن الإلحاف، فالإلحاح في السؤال شيمة ذوي الحاجات العاديّين، وهؤلاء ليسوا عاديّين. وقول القرآن إنّهم لا يلحفون في السؤال لا يعني أنّهم يسألون بدون إلحاف، بل يعني أنّهم ليسوا من الفقراء العاديّين حتّى يسألوا، ولذلك لا تتعارض هذه الفقرة من الآية مع قوله تعالى : (تعرفهم بسيماهم)لأنّهم لا يُعرفون بالسؤال.
ثمّة احتمال آخر في تفسير الآية، وهو أنّهم إذا اضطرّتهم الحالة إلى إظهار عوزهم فإنّهم لا يلحفون في السؤال أبداً، بل يكشفون عن حاجتهم باسلوب مؤدّب أمام إخوانهم المسلمين.
(وما تنفقون من خير فإنّ الله به عليم).
في هذه الآية حثّ على الإنفاق، وعلى الأخصّ الإنفاق على ذوي النفوس العزيزة الأبية، لأنّ المنفقين إذا علموا أنّ الله عالم بما ينفقون حتّى وإن كان سرّاً وأنّه سوف يثيبهم على ذلك، فستزداد رغبتهم في هذا العمل الكبير.
* * *
1 ـ قيل أنها من مادة «وسم»، وقيل أنها من مادة «سوم».
2 ـ «الحاف» من مادة «لِحاف» بمعنى الغطاء المعروف، واُطلق على الاصرار في السؤال لأنّه يغطي قلب الشخص المقابل.
إنّ أحد الذنوب الكبيرة هو السؤال والاستجداء والطلب من الناس من دون حاجة، لذلك وقد ورد في روايات متعدّدة النهي عن هذا العمل بشدّة، ففي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : «لا تحل الصدقة لغني».
وورد في حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال : «من سأل وعنده ما يغنيه فإنّما يستكثر من جمرة جهنّم»(1) وكذلك ورد في الأحاديث الشريفة «أنّه لا تقبل شهادة من يسأل الناس بكفّه»(2).
* * *
1 ـ تفسير المراغي : ج 3 ص 50.
2 ـ وسائل الشيعة : ج 8 ص 281 كتاب الشهادات ب 35.
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون (274)
ورد في أحاديث كثيرة أنّ هذه الآية الشريفة نزلت في عليٍّ (عليه السلام) لأنّه كان لديه أربعة دراهم فأنفق منها درهماً في الليل وآخر في النهار وثالث علانيّة ورابع(1)خفيةً، فنزلت هذه الآية، ولكن من الواضح أنّ نزول الآية في مورد خاصّ لا يحدّد مفهوم تلك الآية ولا ينفي شموليّة الحكم لغيره من الموارد.
في هذه الآية يدور الحديث أيضاً عن مسألة اُخرى ممّا يرتبط بالإنفاق في
1 ـ نور الثقلين : ج 1 ص 290 و 291 . ورد مضمون هذا الحديث في كتب تفسير أهل السنّة أيضاً، وينقله صاحب (الدر المنثور) عن ابن عساكر والطبراني وأبي حاتم وابن جرير وغيرهم. ويرى البعض أن علماء الشيعة بالاتفاق وأكثر علماء السنّة ذهبوا إلى أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفي علماء السنّة، الواحدي، ثعلبي، الخوارزمي، السدّي، العكبي، الزمخشري، الكافي، القشيري، الحاوردي، ابن المغازلي، ابن أبي الحديد، وغيرهم، وراجع تفسير البرهان.
سبيل الله وهي الكيفيّات المتنوّعة والمخلفة للإنفاق فتقول الآية : (الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنهار سرّاً وعلانية فلهم أُجرهم عند ربهم).
ومن الواضح أنّ إنتخاب أحد هذه الطرق المختلفة يتمّ مع رعاية الشرائط الأفضل للإنفاق، يعني أنّ المنفق يجب عليه مراعاة الجوانب الأخلاقية والإجتماعية في إنفاقه اللّيلي أو النهاري العلني أو السرّي، فحين لا يكون ثمّة مبرّر لإظهار الإنفاق على المحتاجين فينبغي أن يكون في الخفاء لحفظ كرامة المحتاجين وتركيزاً لإخلاص النيّة.
وإذا تطلّبت المصلحة إعلان الإنفاق كتعظيم الشعائر الدينيّة والترغيب والحثّ على الإنفاق دون أن يؤدّي ذلك إلى هتك حرمة أحد من المسلمين، فليعلن عنه (كالإنفاق في الجهاد والمراكز الخيريّة وأمثال ذلك).
![]() |
![]() |
![]() |