![]() |
![]() |
![]() |
14 ـ وإذا كان الشاهدان من الرجال، فلكلّ منهما أن يشهد منفرداً. أمّا إذا كانوا رجلاً واحداً وامرأتين، فعلى المرأتين أن تدليا بشهادتهما معاً لكي تذكّر إحداهما الاُخرى إذا نسيت شيئاً أو أخطأت فيه.
أمّا سبب اعتبار شهادة أمرأتين تعدل شهادة رجل واحد، فهو لأنّ المرأة كائن عاطفي وقد تقع تحت مؤثّرات خارجية، لذلك فوجود امرأة أُخرى معها يحول بينها وبين التأثير العاطفي وغيره : (أن تَضِلّ إحداهما فتُذكّر إحداهما الأُخرى).
15 ـ ويجب على الشهود إذا دُعوا إلى الشهادة أن يحضروا من غير تأخير
1 ـ قال بعض ان التفاوت بين «شاهد» و «شهيد» هو أن الشاهد يقال لمن حضر الواقعة حتّى يمكنه أن يشهد عليها والشهيد هو الذي يؤدي الشهادة.
ولا عُذر كما قال : (ولا يأب الشهداء إذا ما دُعوا).
وهذا من أهم الأحكام الإسلامية ولا يقوم القسط والعدل إلاَّ به.
16 ـ تجب كتابة الدين سواء أكان الدَين صغيراً أو كبيراً، لأنّ الإسلام يريد أن لا يقع أيّ نزاع في الشؤون التجارية، حتّى في العقود الصغيرة التي قد تجرّ إلى مشاكل كبيرة (ولا تسأموا أن تَكْتُبُوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله)(1) والسأم هو الملل من أمر لكثرة لبثه.
وتشير الآية هنا إلى فلسفة هذه الأحكام، فتقول إنّ الدقّة في تنظيم العقود والمستندات تضمن من جهة تحقيق العدالة، كما أنّها تطمئن الشهود من جهة أُخرى عند أداء الشهادة، وتحول من جهة ثالثة دون ظهور سوء الظنّ بين أفراد المجتمع (ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألاَّ ترتابوا).
17 ـ إذا كان التعاقد نقداً فلا ضرورة للكتابة (إلاَّ أن تكون تجارةً حاضرةً تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألاَّ تكتبوها).
«التجارة الحاضرة» تعني التعامل النقدي، و «تديرونها» تعني الجارية في التداول لتوضيح معنى التجارة الحاضرة. وتعبير (فليس عليكم جناح) يعني : ليس هناك ما يمنع من كتابة العقود النقدية أيضاً، وهو خير، لأنّه يزيل كلّ خطأ أو اعتراض محتملين فيما بعد.
18 ـ في المعاملات النقدية وإن لم تحتج إلى كتابة عقد، لابدّ من شهود : (وأشهِدوا إذا تبايعتم).
19 ـ وآخر حكم تذكره الآية هو أنّه ينبغي ألاَّ يصيب كاتب العقد ولا الشهود
1 ـ تقديم «الصغير» على «الكبير» من أجل أن الناس عادة يهملون المعاملات الصغيرة أو لا يلتزمون بكتابتها وهذا يؤدي إلى التنازع أو أنه يحتمل أن الناس يظنون أن كتابة المعاملات الصغيرة دليل على البخل، ولذلك تعرض القرآن لنفيه.
أيّ ضرر بسبب تأييدهم الحقّ والعدالة : (ولا يضارّ كاتب ولا شهيد).
والفعل «يضارّ» يعني ـ كما فسّرناه ـ أن لا يصيب الكتاب والشهود ضرر، أي أنّه مجهول. ولا حاجة إلى تفسيره بأنّه يعني أن لا يصدر من الكاتب والشهود ضرر في الكتابة والشهادة، بعبارة أُخرى لا حاجة إلى اعتباره فعلاً معلوماً، لأنّ هذا التأكيد ورد في فقرة سابقة من الآية.
ثمّ تقول الآية إنّه إذا آذى أحد شاهداً أو كاتباً لقوله الحق فهو إثم وفسوق يخرج المرء من مسيرة العبادة لله : (وإن تفعلوا فإنّه فُسُوق بكم).
وفي الختام، وبعد كلّ تلك الأحكام، تدعو الآية الناس إلى التقوى وامتثال أمر الله : (واتقوا الله) ثمّ تقول إنّ الله يعلّمكم كلّ ما تحتاجونه في حياتكم المادّية والمعنوية : (ويعلّمكم الله) وهو يعلم كلّ مصالح الناس ومفاسدهم ويقرّر ما هو الصالح لهم : (والله بكلّ شيء عليم).
* * *
1 ـ إنّ الأحكام الدقيقة المذكورة في هذه الآية لتنظيم الأسناد والمعاملات وذكر الجزئيّات أيضاً في جميع المراحل في أطول آية من القرآن الكريم يبيّن الأهتمام الكبير الذي يليه القرآن الكريم بالنسبة للاُمور الاقتصادية بين المسلمين وتنظيمها، وخاصّةً مع الإلتفات إلى أنّ هذا الكتاب قد نزل في مجتمع متخلّف إلى درجة أنّ القراءة والكتابة كانتا سلعة نادرة جدّاً، وحتّى أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو صاحب القرآن لم يكن قد درس شيئاً ولم يذهب إلى مدرسة أو مكتب، وهذا بنفسه
دليل على عظمة القرآن من جهة، وأهميّة النظام الاقتصادي للمسلمين من
جهة اُخرى.
يقول (علي بن إبراهيم) في تفسيره المعروف : جاء في الخبر أنّ في سورة البقرة خمسمائة حكم إسلامي وفي هذه الآية ورد خمسة عشر حكماً(1).
وكما رأينا أنّ عدد أحكام هذه الآية يصل إلى تسعة عشر حكماً، بل أنّنا إذا أخذنا بنظر الإعتبار الأحكام الضمنيّة لها فسيكون عدد الأحكام أكثر إلى حدٍّ أنّ الفاضل المقداد إستفاد منها في كتابه (كنز العرفان) واحداً وعشرين حكماً بالإضافة إلى الفروع المتعدّدة الاُخرى، فعلى هذا يكون قوله بأنّ عدد أحكام هذه الآية خمسة عشر حكماً إنّما هو بسبب إدغام بعض أحكام هذه الآية بالبعض الآخر.
2 ـ إنّ جملة (واتقوا الله) وجملة (ويعلّمكم الله) رغم أنّهما ذكرتا في الآية بصوره مستقلّة وقد عطفت إحداهما على الاُخرى، ولكنّ إقترانهما معاً إشارة إلى الإرتباط الوثيق بينهما، ومفهوم ذلك هو أنّ التقوى والورع وخشية الله لها أثر عميق في معرفة الإنسان وزيادة علمه وإطّلاعه.
أجل عندما يتطّهر قلب الإنسان من الشوائب بوسيلة التقوى فسيغدوا كالمرآة الصافية تعكس الحقائق الإلهيّة، وهذا المعنى لا شكّ فيه ولا إشكال من جانبه المنطقي، لأنّ الصفات الخبيثة والأعمال الذميمة تشكّل حجباً على فكر الإنسان ولا تدعه يرى وجه الحقيقة كما هي عليه، وعندما يقوم الإنسان بإزاحة هذه الحجب بوسيلة التقوى فإنّ وجه الحقّ سيظهر ويتجلّى.
ولكنّ بعض الصوفيّين الجهلاء أساءوا الإستفادة من هذا المعنى وجعلوه دليلاً على ترك تحصيل العلوم الرسميّة في حين أنّ هذا الكلام يخالف الكثير من آيات القرآن والروايات الإسلامية الشريفة.
1 ـ تفسير القمي : ج 1 ص 94.
والحقّ أنّ بعض العلوم يجب إكتسابها عن طريق العلم والتعلّم بالشكل السائد والمتعارف، وقسمٌ آخر من العلوم الإلهيّة لا تتحصّل للإنسان إلاّ بوسيلة تزكية القلب وتصفية الباطن بماء المعرفة والتقوى، وهذا هو النور الذي ورد في الروايات أنّ الله يقذفه في قلب من يليق بهذه الكرامة «العلم نورٌ يقذفه الله في قلب من يشاء».
* * *
وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَر وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَـانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِن بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَـانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَـادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ ءَاثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)
هذه الآية تكمل البحث في الآية السابقة وتشتمل على احكام اُخرى :
1 ـ عند التعامل إذا لم يكن هناك من يكتب لكم عقودكم، كأن يقع ذلك في سفر، عندئذ على المدين أن يضع شيئاً عند الدائن باسم الرهن لكي يطمئّن الدائن (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة).
قد يبدو من ظاهر الآية لأول وهلة أنّ تشريع «قانون الرهن» يختصّ بالسفر، ولكن بالنظر إلى الجملة التالية وهي (ولم تجدوا كاتباً) يتبيّن أنّ القصد هو بيان نموذج لحاله لا يمكن الوصول فيها إلى كاتب، وعليه فللطرفين أن يكتفيا بالرهن حتّى في موطنهما. وكذلك وردت الأحاديث عن أهل البيت (عليهم السلام). وفي المصادر
الشيعية والسنّيّة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رهن درعه في المدينة عند شخص غير مسلم واقترض منه مبلغاً من المال(1).
2 ـ يجب أن يبقى الرهن عند الدائن حتّى يطمئن (فرهان مقبوضة).
جاء في تفسير العيّاشي أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) قال : «لا رهن إلاَّ مقبوضة»(2).
3 ـ جميع هذه الأحكام ـ من كتابة العقد، واستشهاد الشهود، وأخذ الرهن ـ تكون في حالة عدم وجود ثقة تامّة بين الجانبين، وإلاَّ فلا حاجة إلى كتابة عقد، وعلى المدين أن يحترم ثقة الدائن به، فيسدّد دَينه في الوقت المعيّن، وأن لا ينسى تقوى الله (فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤدّ الذي اؤتمن أمانته وليتّق الله ربّه).
4 ـ على الذين لهم علم بما للآخرين من حقوق في المعاملات أو في غيرها، إذا دعوا للإدلاء بشهادتهم أن لا يكتموها، لأنّ كتمان الشهادة من الذنوب الكبيرة (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنّه آثم قلبُه).
طبيعيّ أنّ الشهادة تجب علينا إذا لم يستطع الآخرون إثبات الحقّ بشهادتهم، أمّا إذا ثبت الحقّ فيسقط وجوب الإدلاء بالشهادة عن الآخرين، أي أنّ أداء الشهادة واجب كفائي.
وبما أنّ كتمان الشهادة والإمتناع عن الإدلاء بها يكون من أعمال القلب، فقد نسب هذا الإثم إلى القلب(3)، فقال : (فإنه آثم قلبه) ومرّة اُخرى يؤكّد في ختام الآية ضرورة ملاحظة الأمانة وحقوق الآخرين : (والله بما تعملون عليم).
* * *
1 ـ تفسير أبو الفتوح الرازي : ج 2 ص 420، وتفسير المراغي ذيل الآية المبحوثة.
2 ـ نور الثقلين : ج 1 ص 301.
3 ـ لتوضيح معنى القلب انظر الجزء الأوّل ص 72. (المراد من القلب في القرآن هو الروح والعقل).
للهِ مَا فِي السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكمُ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَاللهُ عَلَى كُلّ ِ شَىْء قَدِيرٌ (284)
هذه في الحقيقة تكملة للجملة الأخيرة في الآية السابقة وتقول : (لله ما في السموات وما في الأرض) ولهذا السبب فهو يعلم جميع أفعال الإنسان الظاهريّة منها والباطنيّة (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله).
يعني لاينبغي لكم أن تتصوروا أعمالكم الباطنيّة مثل كتمان الشهادة والذنوب القلبيّة الاُخرى سوف تخفى على الله تعالى الحاكم على الكون بأجمعه والمالك للسموات والأرض، فإنّه لا يخفى عليه شيء، فلا عجب إذا قيل أنّ الله تعالى يحاسبكم على ذنوبكم القلبيّة ويجازيكم عليها (فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء).
ويحتمل أيضاً أنّ الآية أعلاه تشير إلى جميع الأحكام المذكورة في الآيات
السابقة من قبيل الإنفاق الخالص والإنفاق المشوب بالرياء أو المنّة والأذى وكذلك الصلاه والصوم وسائر الأحكام الشرعيّة والعقائد القلبيّة.
في ختام الآية تقول.: (والله على كلّ شيء قدر) فهو عالمٌ بكل شيء يجري في هذا العالم، وقادرٌ أيضاً على تشخيص اللّياقات والملكات، وقادرٌ أيضاً على مجازات المتخلّفين.
* * *
ملاحظتان
1 ـ قد يتصوّر أنّ هذه الآية مخالفة للأحاديث الكثيرة التي تؤكّد على النيّة المجرّدة، ولكنّ الجواب واضح، حيث إنّ تلك الأحاديث تتعلق بالذنوب التي لها تطبيقات خارجيّة وعمليّة بحيث تكون النيّة مقدّمة لها من قبيل الظلم والكذب وغصب حقوق الآخرين وأمثال ذلك، لا من قبيل الذنوب التي لها جنبة نفسيّة ذاتاً وتعتبر من الأعمال القلبيّة مثل (الشرك والرياء وكتمان الشهادة).
وهناك تفسير آخر لهذه الآية، وهو أنّه يمكن أن يكون لعمل واحد صور مختلفة، مثلاً الإنفاق تارةً يكون في سبيل الله، واُخرى يكون للرياء وطلب الشهرة، فالآية تقول : أنّكم إذا أعلنتم نيّتكم أو أخفيتموها فإنّ الله تعالى أعلم بها وسيجازيكم عليها، فهي في الحقيقة إشارة إلى مضمون الحديث الشريف «لا عمل إلاّ بنيّة»(1).
2 ـ من الواضح أنّ قوله تعالى (فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء) أنّ إرادته لا تكون بدون دليل، بل أنّ عفوه أيضاً يرتكز على دليل ومبرّر، وهو لياقة الشخص للعفو الإلهي، وهكذا في عقابه وعدم عفوه.
* * *
1 ـ وسائل الشيعة : ج 1 ص 33.
ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِاللهِ وَمَلائَكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَد مِن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعَنا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)
لقد شرعت سورة البقرة ببيان بعض المعارف الإسلامية والاعتقادات الحقّة واختتمت بهذه المواضيع أيضاً كما في الآية أعلاه والآية التي بعدها، وبهذا تكون بدايتها ونهايتها متوافقة ومنسجمة.
وقد ذكر بعض المفسّرين في سبب نزول هذه الآية أنّه حين نزلت الآية السابقة وأنّ الله تعالى يعلم ما في أنفسكم ويحاسبكم بما أظهرتم وأخفيتم في قلوبكم، خاف بعض الصحابة وقالوا : ليس أحدٌ منّا إلاّ وفي قلبه خطرات ووساوس شيطانيّة، فعرضوا الأمر على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت الآية أعلاه، وبيّنت طريق الحقّ والإيمان، ومنهج التضرّع والمناجاة والتسليم لأوامر الله تعالى(1).
1 ـ اقتباس من (البحر المحيط) : ج 2 ص 363.
في البداية تقول (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربّه) فهذا المعنى وهذه الخصيصة تعتبر من إمتيازات الأنبياء الإلهيين جميعاً بأنّهم مؤمنون بما جاءوا به إيماناً قاطعاً، فلا شكّ ولا شبهة في قلوبهم عن معتقداتهم، فقد آمنوا بها قبل الآخرين واستقاموا وصبروا عليها قبل الآخرين.
ونقرأ في الآية 158 من سورة الأعراف أنّ هذه الخصيصة تعتبر من صفات الرسول الأكرم ومن إمتيازاته حيث تقول : (فآمنوا بالله ورسوله النبيّ الأميّ الذي يؤمن بالله وكلماته).
ثمّ تضيف الآية الكريمة : (والمؤمنون كلٌّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله)(1) وهذه الجملة الأخيرة من كلام المؤمنين أنفسهم، حيث يؤمنون بجميع الأنبياء والمرسلين وشرائعهم بخلاف البعض من الناس الذين تقول عنهم الآية 150 من سورة النساء (ويريدون أن يفرّقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض)(2).
المؤمنون لا يرون تفاوتاً بين رسل الله من جهة أنّهم مرسلون من قبل الله تعالى، ويحترمونهم ويقدّسونهم جميعاً. ومعلوم أنّ هذا الموضوع لاينافي مقولة نسخ الشرائع السابقة بواسطة الشريعة البعديّة، لأنّه كما سبقت الإشارة إليه أنّ تعليمات الأنبياء وشرائعهم من قبيل المراحل الدراسيّة المختلفة من الإبتدائية والمتوسطة والاعدادية والجامعة، فبالرغم من أنّها تشترك جميعاً في الاُصول والمباديء الأساسيّة، إلاَّ أنّها تختلف في السطوح والتطبيقات المختلفة، فعندما يرتقي الإنسان إلى مرحلة أسمى فإنّه يترك البرامج المعدّة للمرحلة السابقة ويأخذ
1 ـ جملة «والمؤمنون» يمكن أن تكون جملة مستأنفة كما ذكر في التفسير أعلاه ويمكن أن تكون معطوفة على (الرسول) ولا يختلف المعنى كثيراً وإن كان المعنى الأول أنسب.
2 ـ النساء : 150.
بالبرامج المعدّة لهذه المرحلة، ومع ذلك يبقى إحترامه وتقديسه للمرحلة السابقة في محلّه.
ثمّ تضيف الآية أنّ المؤمنين مضافاً إلى إيمانهم الراسخ والجامع فإنّهم في مقام العمل أيضاً كذلك (وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير).
(سمعنا) وردت في بعض الموارد بمعنى فهمنا وصدّقنا من قبيل هذه الآية، أي أنّنا قبلنا دعوة أنبيائك بجميع وجودنا وعلى إستعداد تام للإطاعة والإتّباع.
ولكن يا إلهنا وربّنا نحن بشر وقد تتسلط علينا الغرائز والأهواء وتجرّنا إلى المعصية أحياناً، ولهذا ننتظر عفوك ونتوقع منك المغفرة لأنّ مصيرنا إليك(1).
وبهذا يتناغم الإيمان بالمبدأ والمعاد مع الإلتزام العملي بجميع الأحكام الشرعيّة والدساتير الإلهيّة.
* * *
1 ـ ذهب كثير من المفسّرين إلى أن في الجملة الأخيرة فعل محذوف وتقديره (نسألك) أو (نريد غفرانك).
لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَااكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِدْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَـنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَـافِرِينَ (286)
كما تقدّم في تفسير الآية السابقة أنّ هاتين الآيتين تتعلّقان بالأشخاص الّذين إستوحشوا من تعبير الآية السابقة في أنّ الله تعالى مطّلع على نيّاتهم وسيحاسبهم ويجازيهم عليها فقالوا : لا أحد منّا يصفو قلبه عن الوسوسة والخاطرات القلبيّة.
فالآية الحاضرة تقول : (لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها).
(الوسع) لغة تعني القدرة والإستيعاب، وعليه فإنّ الآية تؤيّد الحقيقة المنطقيّة القائلة أنّ التكاليف والفرائض الإلهيّة لا تتجاوز طاقة الأفراد وميزان تحملّهم
إطلاقاً، لذلك يمكن القول بأنّ كلّ الأحكام يمكن تقييدها وتفسيرها بهذه الآية حيث تتحدّد في إطار قدرة الإنسان، ومن البديهي أنّ المشرّع الحكيم والعادل لا يمكن أن يضع قانوناً على نحو آخر.
كما أنّ الآية تؤكّد أنّ الأحكام الشرعيّة لا تنفصل أبداً عن أحكام العقل والحكمة، بل هي متواكبة معها في كلّ المراحل.
ثمّ تضيف الآية (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت).
أجل فإنّ كلّ شخص يحصد ما جنته يداه حسناً كان أم سيئاً، وسيواجه في هذا العالم أو في العالم الآخر نتائج وعواقب هذه الأعمال، فالآية تنبّه الناس إلى مسؤولياتهم وعواقب أعمالهم، وتفنّد الأساطير التي تبريء بعض الناس من عواقب أعمالهم، أو تجعلهم مسؤولين عن أعمال الآخرين دون دليل.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الآية تطلق على الأعمال الصالحة اسم «الكسب» وعلى الأعمال السيّئة اسم «الإكتساب». ولعلّ السبب هو أنّ «الكسب» يستعمل بالنسبة إلى الأُمور التي يحقّقها المرء برغبة داخلية وبلا تكليف وهي تناسب فطرته، بينما «الإكتساب» هو النقطة المقابلة للكسب، أي الأعمال التي تنافي الفطرة وطبيعة الإنسان. يُفهم من هذا أنّ الأعمال الصالحة مطابقة لمسيرة الفطرة وطبيعة الإنسان، بينما أعمال الشرّ تخالف الفطرة والطبيعة.
أمّا الراغب الإصفهاني في «مفرداته» فيرى رأياً غير هذا وجدير بالملاحظة يقول : الكسب ما يتحرّاه الإنسان ممّا فيه اجتلاب نفع وتحصيل حظّ ككسب المال، ويقال فيما أخذه لنفسه ولغيره (كأعمال الخير التي لاتقتصر فائدتها على الفاعل وحده، بل قد تعمَّ الأقارب وغيرهم) في حين أنّ الإكتساب لا يقال إلاَّ فيما تعود نتائجه على الفاعل نفسه، وهو الذنب. هذه الإختلافات في المعنى تصلح طبعاً عندما تستعمل الواحدة في قبال الاُخرى.
(ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا).
لمّا كان المؤمنون يعرفون أنّ مصيرهم يتحدّد بما كسبت أيديهم من أعمال صالحة أو سيئة بموجب قانون «لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت» لذلك يتضرّعون ويخاطبون الله بلفظ «الرب» الذي يوحي بمعاني اللطف في النشأة والتربية قائلين : إذا كنّا قد أذنبنا بسبب النسيان أو الخطأ، فاغفر لنا ذنوبنا برحمتك الواسعة وجنّبنا العقاب.
لماذا الدعاء لأن يغفر الله الذنوب المرتكبة نسياناً أو خطأً ؟
فهل الله يعاقب على مثل هذه الذنوب ؟
في الجواب لابدّ من القول بأنّ النسيان يكون أحياناً من باب التماهل والتساهل من جانب الإنسان نفسه. بديهيّ أنّ هذا النوع من النسيان لا يضع المسؤولية عن الإنسان، كما جاء في القرآن.
(فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا)(1) وعليه فإنّ النسيان الناشيء عن التساهل يوجب العقاب.
ثمّ لابدّ من ملاحظة أنّ هناك فرقاً بين النسيان والخطأ. فالخطأ يقال عادة في الاُمور التي تقع لغفلة من الإنسان وعدم انتباه منه، كأن يطلق رصاصة ليصيد صيداً فتصيب رصاصته إنساناً فتجرحه. أمّا النسيان فهو أن يتّجه الإنسان للقيام بعمل ما ولكنّه ينسى كيف يقوم بذلك، كأن يعاقب المرء إنساناً بريئاً ظنّاً منه أنّه المذنب، لنسيانه مميّزات المذنب الحقيقي.
1 ـ السجدة : 14.
(ربّنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا).
«الإصر» عقد الشيء وحبسه. وتطلق على الحمل الثقيل الذي يمنع المرء من الحركة. وكذلك العهد المؤكّد الذي يقيّد الإنسان. ولهذا تطلق هذه الكلمة على العقاب أيضاً.
وفي هذا المقطع من الآية يطلب المؤمنون من الله تعالى طلبين : الأوّل أن يرفع عنهم الفروض الثقيلة التي قد تمنع الإنسان من إطاعة الله، وهذا هو ما ورد على لسان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)بشأن التعاليم الإسلامية، إذ قال «بعثت بالشريعة السهلة السمحة»(1).
هنا قد يسأل سائل : إذا كانت السهولة والسماحة في الدين جيّدة، فلماذا لم يكن للأقوام السابقة مثلها ؟
في الجواب نقول : تفيد آيات في القرآن أنّ التكاليف الشاقّة لم تكن موجودة في أصل شرائع الأديان السابقة، بل فرضت كعقوبات على أثر عصيان تلك الأقوام وعدم إطاعتها، كحرمان بني إسرائيل من أكل بعض اللحوم المحلّلة بسبب عصيانهم المتكرّر(2).
وفي الطلب الثاني يريدون منه أن يعفيهم من الإمتحانات الصعبة والعقوبات التي لا تطاق (ولاتحملّنا ما لا طاقة لنا به). ونرى في الفقرة السابقة صيغة (لاتحمل)، وهنا نرى عبارة (لا تحمّل)، فالأُولى تستعمل عادة في الاُمور الصعبة، والثانية فيما لا يطاق.
(فاعفُ عنّا واغفر لنا وارحمنا).
«عفا» بمعنى أزال آثار الشيء، وأكثر استعمالها مع الذنب بمعنى محو آثار
1 ـ بحار الأنوار : ج 65 ص 319 ط بيروت، وورد مثله في فروع الكافي : ج 5 ص 494 باب كراهة الرهبانية.
2 ـ الأنعام : 146، النساء : 160.
الإثم، وتشمل الآثار الطبيعية والآثار الجزائية والعقوبات.
أمَّا «الغفران» فتعني أن يصون الله العبد من أن يمسّه العذاب عقوبة على ذنبه.
وعليه، فإنّ استعمال الكلمتين يفيد أنّ المؤمنين طلبوا من الله أن يزيل الآثار التكوينية والطبيعية لزللهم عن أرواحهم ونفوسهم، لكي لا تصيبهم عواقبها السيّئة. كما أنّهم طلبوا منه أن لا يقعوا تحت طائلة عقابها. وفي المرحلة الثالثة يطلبون «رحمته الواسعة» التي تشمل كلّ شيء.
(أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين).
وفي آخر دعواهم يخاطبون الله على أنّه مولاهم الذي يتعهّدهم بالرعاية والتربية ويطلبون منه أنّ يمنحهم الفوز والإنتصار على الأعداء.
في هاتين الآيتين خلاصة لسورة البقرة كلّها، وهما تهدياننا إلى روح التسليم أمام ربّ العالمين، وتشيران إلى أن المؤمنين إذا أرادوا من الله أن يغفر لهم زلاَّتهم وأن ينصرهم على الأعداء كافّة، فلابدّ لهم أن ينفذوا برنامج «سمعنا وأطعنا» أن يقولوا : إنَّنا سمعنا دعوات الداعين وقبلناها بكلّ جوارحنا وإنّنا متّبعوها، ولن ندخّر وسعاً في حثّ السير على هذا السبيل. وعندئذ لهم أن يطلبوا الإنتصار على الموانع والأعداء.
إنّ تكرار كلمة «ربّ» أي الذي يلطف بعباده ويربّيهم يكمل هذه الحقيقة. ولهذا حثَّنا أئمة الدين في أحاديثهم على قراءة هاتين الآيتين، وبيّنوا ما فيهما من أبواب الثواب. فإذا تناغم اللسان والقلب في تلاوتهما ولم تكن التلاوة مجرّد ألفاظ تجري على اللسان، تغدو حينئذ برنامجاً حياتياً، فإنّ تلاوتهما تربط بين القلب وخالق الكون، وتضفي الصفاء على الروح وتكون عاملاً على التحرّك والنشاط.
يستفاد جيّداً من هذه الآية أنّ (التكليف بما لايطاق) لا يوجد في الشريعة المقدّسة، لا في الإسلام ولا في الأديان الاُخرى، والأصل هو حريّة الإنسان
وإرادته لأنّ الآية تقول : أنّ كلّ إنسان يلاقي جزاء أعماله الحسنة والسيئة، فما عمله من حسنات فسيعود إليه، وما ارتكبه من سيئات فعليه، ومن هذا المنطلق يكون طلب العفو والمغفرة والصفح.
وهذا المعنى يتطابق تماماً مع منطق العقل ومسألة الحسن والقبح، لأنّ الله تعالى حكيم ولا يمكن أن يكلّف العباد بما لا طاقة لهم به، وهذا بنفسه دليل على نفي مسألة الجبر، فكيف يحتمل أنّ الله تعالى يجبر العباد على إرتكاب الذنب والإثم وفي نفس الوقت ينهاهم عنه ؟ !
ولكنّ التكاليف الشاقّة والصعبة ليست بالأمر المحال كما قرأنا عن تكاليف بني إسرائيل الشاقّة، وهذه التكاليف أيضاً ناشئة من أعمالهم وعبارة عن عقوبة لما ارتكبوه من آثام.
* * *
مدنية
وعدد آياتِها مئتين آية
ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله : «من قرأ سورة آل عمران أعطي بكلّ آية منها أماناً على جسر جهنم»(1).
ونقرأ في حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله : «من قرأ البقرة وآل عمران جاء يوم القيامة يظلاّنه على رأسه مثل الغمامتين»(2).
محتوى السورة :
ذهب بعض المفسّرين المعروفين أنّ هذه السورة نزلت بين السنة الثانية والثالثة للهجرة أي بين غزوة بدر واُحد فهي تعكس في طيّاتها فترة من أشد الفترات حساسيّة في صدر الإسلام(3).
وعلى كلّ حال، فإنّ المحاور الأصلية في أبحاث هذه السورة عبارة عن :
1 ـ إنّ قسماً مهمّاً من هذه السورة يرتبط بمسألة التوحيد وصفات الله والمعاد والمعارف الإسلامية الاُخرى.
1 ـ مجمع البيان : ج 1 ص 405.
2 ـ نور الثقلين : ج 1 ص 309.
3 ـ تشير الآية (13) إلى «غزوة بدر» ومن آية (121) إلى (128) تشير إلى غزوة بدر واُحد، ثمّ تعقب في الآيات (139) إلى (144) إلى نفس المسألة وكذلك الآيات الاُخرى.
2 ـ وقسم آخر منها يتعلّق بمسألة الجهاد وأحكامه المهمّة والدقيقة، وكذلك الدروس المستفادة من غزوتي بدر واُحد، وبيان الإمداد الإلهي للمؤمنين، والحياة الخالدة الآخرويّة للشهداء في سبيل الله.
3 ـ وفي قسم من هذه السورة يدور الحديث حول سلسلة من الأحكام الإسلامية في ضرورة وحدة صفوف المسلمين وفريضة الحجّ وبيت الله الحرام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتولّي والتبرّي ومسألة الأمانة والإنفاق في سبيل الله وترك الكذب وضرورة الإستقامة والصبر في مقابل الأعداء والمشكلات والامتحانات الإلهيّة المختلفة وذكر الله على كلّ حال.
4 ـ وتطرّقت هذه السورة إلى تكملة للأبحاث التي تتحدّث عن تاريخ الأنبياء (عليهم السلام) ومنهم آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وسائر الأنبياء وقصّة مريم وكرامتها ومنزلتها عند الله، وكذلك المؤامرات التي كان يحوكها أتباع الديانة اليهوديّة والمسيحيّة ضدّ الإسلام والمسلمين.
إنّ مواضيع هذه السورة منسجمة ومتناغمة بشكل كأنّها نزلت في وقت واحد.
* * *
الآيـات
الم (1) اللهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَـابَ بِالْحَقّ ِ مُصَدِّقاً لِمّاَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالاِْنجِيلَ (3) مِن قَبْلُ هُدىً لِلّنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَـاتِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَام (4)
يقول بعض المفسّرين : إنّ ثمانين آية ونيفاً من هذه السورة قد نزلت في وفد مسيحيّي نجران(1) الذي قدم المدينة للتحقيق في أمر الإسلام.
كان الوفد يتألّف من ستّين شخصاً، فيهم أربعة عشر شخصاً من أشراف نجران
وشخصيّاتها. ثلاثة من هؤلاء الأربعة عشر كانت لهم صفة الرئاسة، وإليهم يرجع المسيحيّون لحلّ مشاكلهم. أحدهم يدعى «عاقب» ويسمّى «عبدالمسيح» أيضاً،
1 ـ «نجران» منطقة في جبال اليمن الشمالية على بعد نحو عشرة منازل من صنعاء، وتسكنها قبائل همدان التي كان لها في الجاهلية صنم باسم «يعوق». ويقول ياقوت الحموي في معجم البلدان : نجران اسم لعدد من المواضع.
كان زعيم قومه المطاع بينهم. والثاني يدعى «السيّد» ويسمّونه «ايهم» أيضاً، وهو المسؤول عن تنظيم برنامج الرحلة ومعتمد المسيحيّين. والثالث «أبو حارثة» وكان عالماً وصاحب نفوذ، وبنيت كنائس عديدة باسمه. وحفظ عن ظهر قلب جميع كتب المسيحيّين الدينية.
دخل هؤلاء المدينة وهم بملابس قبيلة بني كعب، وجاؤوا إلى مسجد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم). كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد انتهى من صلاة العصر مع المسلمين. وأثار هؤلاء إنتباه المسلمين بملابسهم اللامعة الملوّنة الزاهية حتّى قال بعض صحابة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما رأينا مبعوثين بهذا الجمال !
وعندما وصلوا إلى المسجد كان موعد صلاتهم قد أزف، فقرعوا نواقيسهم بحسب طقوسهم واتّجهوا نحو الشرق وشرعوا يصلّون، فحاول بعض أصحاب النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يمنعهم، إلاَّ أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طلب من الصحابة أن يتركوهم وشأنهم.
وبعدالصلاة أقبل «عاقب» و «السيّد» على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبدءا يحادثانه، فدعاهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الدخول في الإسلام والإستسلام لله.
قالا : قد أسلمنا قبلك.
قال : كذبتما يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولداً، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير.
![]() |
![]() |
![]() |