![]() |
![]() |
![]() |
وقد بلغ خبر العودة هذه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولولا شهامته البالغة، وقدرته المكتسبة من الوحي على الأخذ بزمام المبادرة لإنتهى تاريخ الإسلام وحياته عند تلك النقطة.
في هذه المرحلة الحساسة بالذات نزلت الآيات الحاضرة لتقوي روحية المسلمين وتصعد من معنوياتهم، وفي أعقاب ذلك صدر أمر من النبي إلى المسلمين بالتهيؤ لمقابلة المشركين، فاستعد جميع المسلمين حتّى المجروحين (ومنهم الإمام علي (عليه السلام) الذي كان يحمل في جسمه أكثر من ستين جراحة) لمقابلة المشركين، وخرجوا بأجمعهم من المدينة لذلك.
فبلغ هذا الخبر مسامع زعماء قريش فأرعبتهم هذه المعنوية العالية التي يتمتع بها المسلمون وظنوا أن عناصر جديدة التحقت بالمسلمين وإن هذا يمكن أن يغير نتائج المواجهة الجديدة لصالح المسلمين، ولذلك فكروا في العدول عن قرارهم بمهاجمة المدينة، حفاظاً على قواهم، وهكذا قفلوا راجعين إلى مكة بسرعة، وانتهت القضية عند هذا الحدّ.
وإليك شرحاً للآيات التي نزلت لتقوّي روحية المسلمين، وتجبر ما نزل بهم من هزيمة في هذه المعركة.
فقد بدأت هذه الآيات بتذكير المسلمين بما تحقق لهم من نصر ساحق بتأييد الله لهم في «بدر»(1) إذ قال سبحانه (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) وقد كان الهدف من هذا التذكير هو شد عزائم المسلمين وزرع الثقة في نفوسهم والإطمئنان إلى قدراتهم، والأمل بالمستقبل، فقد نصرهم الله وهم على درجة كبيرة من الضعف، وقلة العدد وضآلة العدة (حيث كان عددهم 313 مع امكانيات بسيطة قليلة، وكان عدد المشركين يفوق ألف مقاتل مع امكانيات كبيرة).
فإذا كان الأمر كذلك فليتقوا الله، وليجتنبوا مخالفة أوامر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكونوا بذلك قد أدوا شكر المواهب الإلهية (فاتقوا الله لعلكم تشكرون).
ثمّ تتعرض الآية اللاحقة لذكر بعض التفاصيل حول ما جرى في «بدر» إذ قالت : (إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين)أي اذكروا واذكر أيّها النبي يوم كنت تقول للمسلمين الضعفاء آنذاك اخرجوا وسيمدكم الله بالملائكة ألا يكفيكم ذلك لتحقيق النصر الساحق على جحافل المشركين المدججين بالسلاح ؟
نعم أيها المسلمون لقد تحقّق لكم ذلك في «بدر» نتيجة صبركم واستقامتكم، واليوم يتحقّق لكم ذلك أيضاً إذا أطعتم أوامر النبي، وسرتم وفق تعليماته وصبرتم : (بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم(2) هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين).
على أن نزول الملائكة هذا لن يكون هو العامل الأساسي لتحقيق هذا الإنتصار لكم بل النصر من عند الله، وليس نزول الملائكة إلاَّ لتطمئن قلوبكم (وما جعله الله إلاَّ بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلاّ من عند الله العزيز
1 ـ «بدر» سميت بدر لأن الماء كان لرجل من جهينة اسمه بدر (مجمع البحرين).
وبدر من حيث اللغة يعني الممتلى الكامل. ولهذا سمي القمر إذا امتلأ : بدراً.2 ـ «الفور» السرعة التي تقلب المعادلات كما يفور القدر وتتقلب محتوياتها بسرعة.
الحكيم) فهو العالم بسبل النصر ومفاتيح الظفر، وهو القادر على تحقيقه.
ثمّ إنه سبحانه عقب هذه الآيات بقوله : (ليقطع طرفاً من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين).
وهذه الآية وإن ذهب المفسّرون في تفسيرها مذاهب مختلفة، إلاّ أنها ـ في ضوء ما ذكرناه في تفسير الآيات السابقة بمعونة الآيات نفسها وبمعونة الشواهد التاريخية ـ واضحة المراد بيّنة المقصود كذلك. فهي تقصد أن تأييد الله للمسلمين بإنزال الملائكة عليهم إنما هو لأجل القضاء على جانب من قوّة العدو العسكرية، وإلحاق الذلة بهم.
يبقى أن نعرف أن «طرف» الشيء يعني جانبه وقطعة منه. وأمّا «يكبتهم» فيعني الرد بعنف وإذلال.
ثمّ إن هاهنا أسئلة تطرح نفسها حول كيفية نصرة الملائكة للمسلمين ومساعدتهم على تحقيق الإنتصار فسنجيب عليها ـ بإذن الله ـ لدى تفسير الآيات 7 ـ 12 من سورة الأنفال.
* * *
لَيْسَ لَكَ مِنَ الاَْمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فإِنَّهُمْ ظَـالِمُونَ (128)
وقع بين المفسّرين في تفسير هذه الآية كلام كثير، إلاّ أن ما هو مسلّم تقريباً هو أن الآية الحاضرة نزلت بعد «معركة أُحد» وهي ترتبط بأحداث تلك المعركة، والآيات السابقة تؤيد هذه الحقيقة أيضاً.
ثمّ إنّ هناك معنيين يلفتان النظر من بين المعاني المذكورة في تفسير هذه الآية وهما :
أولاً : إن هذه الآية تشكل جملة مستقلة، وعلى هذا تكون جملة (أو يتوب عليهم) بمعنى «إلاّ أن يتوب عليهم» ويكون معنى مجموع الآية كالتالي : ليس لك حول مصيرهم شيء، فإنهم قد استحقوا العذاب بما فعلوه، بل ذلك إلى الله، يعفو عنهم إن شاء أو يأخذهم بظلمهم، والمراد بالضمير «هم» إمّا الكفّار الذين ألحقوا بالمسلمين ضربات مؤلمة، حتّى أنهم كسروا رباعية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشجوا جبينه
المبارك، وأما المسلمين الذين فروا من ساحة المعركة، ثمّ ندموا على ذلك بعد أن وضعت الحرب أوزارها واعتذروا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وطلبوا منه العفو.
فالآية تقول : إن العفو عنهم، أو معاقبتهم على ما فعلوا، أمر يعود إلى الله تعالى، وأن النبي لن يفعل شيئاً بدون إذنه سبحانه.
وهناك تفسير آخر، وهو أن يعتبر قوله (ليس لك من الأمر شيء) جملة إعتراضية، وتكون جملة (أو يتوب عليهم) جملة معطوفة على (أو يكبتهم)وتعتبر هذه الآية متصلة بالآية السابقة.
وعلى هذا يكون المراد من مجموع الآيتين، السابقة والحاضرة هو : إن الله سيمكنكم من وسائل النصر ويصيب الكفّار بإحدى اُمور أربعة : إما أن يقطع طرفاً من جيش المشركين، أو يردهم على أعقابهم خائبين مخزيين، أو يتوب عليهم إذا أصلحوا، أو يعذبهم بظلمهم، وعلى كلّ حال فإنه سيعامل كلّ طائفة وفق ما تقتضيه الحكمة والعدالة، وليس لك أن تتخذ أي موقف من عندك إذ كلّ ذلك إلى الله تعالى.
ولقد نقلت في سبب نزول هذه الآية روايات عديدة منها أنه لما كان من المشركين يوم «أحد» ما كان من كسر رباعية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وشجه حتّى جرى الدم على وجهه الشريف، ولحق بالمسلمين ما لحق من الخسائر في الأرواح والإصابات في الأبدان قلق النبي على مصير اُولئك القوم، وفكر في نفسه، كيف يمكن أن تهتدي تلك الجماعة المتمادية في غيها وعنادها وقال : «كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم» ؟ فنزلت الآية وأخبره تعالى فيها أنه ليس إليه إلاّ ما اُمر به من تبليغ الرسالة ودعائهم إلى الهدى، فهو ليس مسؤولاً عن هدايتهم إن لم يهتدوا ولم يستجيبوا لندائه.
لابدّ هنا من الإنتباه إلى نقطتين :
1 ـ إن المفسّر المعروف صاحب تفسير «المنار» يعتقد أن هذه الآية تُعلم المسلمين درساً كبيراً في مجال الإستفادة من الوسائل والأسباب الطبيعية للنصر، وإن وعد الله لهم بإنزال النصر عليهم، ليس بمعنى أن للمسلمين أن يتجاهلوا الوسائل الحربية، والتخطيط العسكري، وما شاكل ذلك من الأسباب المادية اللازمة للقتال ولتحقيق الإنتصار، وإنتظار أن يدعو لهم النبي لينزل عليهم النصر الالهي، دون الأخذ بالأسباب القتالية المتعارفة، ولهذا جاءت الآية تخاطب النبي قائلة (ليس لك من الأمر شيء) بمعنى أن أمر النصر لم يوكل إليك، بل هو إلى الله، وقد جعل الله لتحقيقه سننا ً ونواميس يجب أن يستخدمها الناس حتّى يتحقّق لهم النصر والغلبة (وبالتالي فإن دعاء النبي وإن كان مؤثراً ومفيداً، إلاّ أن له موارد استثنائية خاصّة).
وهذا الكلام وإن كان منطقياً في حد ذاته، إلاّ أنه لا يلائم ما جاء في ذيل الآية إذ يقول سبحانه : (أو يتوب عليهم، أو يعذبهم) ولهذا لا يمكن تفسير الآية بما قاله هذا الكاتب.
2 ـ إن هذه الآية وإن كانت تنفي أن يكون للنبي الحقّ في أن يغفر للكفار والمشركين أو يعذبهم، إلاّ أنها لا تتعارض مع ما يستفاد من الآيات الاُخرى من تأثير دعائه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعفوه وشفاعته، لأن المقصود في الآية الحاضرة هو نفي أن يكون للنبي كلّ ذلك على نحو الإستقلال، وعلى هذا لاينافي أن يكون له كلّ ذلك (من العفو أو المجازاة) بإذن الله سبحانه.
فله بالتالي أن يعفو ـ بإذن الله ـ لمن أراد، أو يجازي حيث تصح المجازاة، كما أن له أن يهيىء عوامل النصر وأسباب الظفر، بل وله ـ بإذن الله ـ أن يحيي الموتى كما كان يفعل المسيح (عليه السلام) بإذنه سبحانه.
إن الذين تمسكوا بقوله تعالى : (ليس لك من الأمر شيء) لنفي وإنكار قدرة
الرسول على هذا الأمر نسوا ـ في الحقيقة ـ الآيات القرآنية الأُخرى في هذا المجال.
فالقرآن الكريم يقول في سورة النساء الآية 64 (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً).
فاستغفار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عُد ـ طبق هذه الآية ـ من العوامل المؤثرة لمغفرة الذنوب، وسوف نوضح هذه الحقيقة في أبحاثنا القادمة عند تفسير الآيات المناسبة إن شاء الله.
* * *
وَللهِ مَا فِي السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (129)
هذه الآية ـ في الحقيقة ـ تأكيد لمفاد الآية السابقة، فيكون المعنى هو : أن العفو أو المجازاة ليس بيد النبي، بل هو لله الذي بيده كلّ ما في السماوات وكلّ ما في الأرض، فهو الحاكم المطلق لأنه هو الخالق، فله الملك وله التدبير، وعلى هذا الأساس فإن له أن يغفر لمن يشاء من المذنبين، أو يعذّب، حسب ما تقتضيه الحكمة، لأن مشيئته تطابق الحكمة : (ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء).
ثمّ إنه سبحانه يختم الآية بقوله : (والله غفور رحيم) تنبيهاً إلى أنه وإن كان شديد العذاب، إلاّ أن رحمته سبقت غضبه، فهو غفور رحيم قبل أن يكون شديد العقاب والعذاب.
وهنا يحسن بنا أن نشير إلى ما ذكره أحد كبار العلماء المفسّرين الإسلاميين
وهو العلاّمة الطبرسي من سؤال وجواب حول هذه الآية، لكونه على إختصاره في غاية الأهمية من الناحية الإعتقادية، فقد ذكر في ذيل هذه الآية أنه : سُئل بعض العلماء : كيف يعذب الله عباده بذنوبهم مع سعة رحمته ؟
فقال : «رحمته لا تغلب حكمته، إذ لا تكون رحمته برقة القلب كما تكون الرحمة منا».
بمعنى أن الرحمة الإلهية لا تكون على أساس عاطفي كما هو الحال فينا، بل إن رحمته ممتزجة دائماً مع حكمته، وحكمته توجب عقوبة المذنبين (إلاّ في موارد خاصّة).
* * *
يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَواْ أَضْعَـافاً مُّضَـاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتىِ أُعِدَّتْ لِلْكَـافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)
الآيات السابقة ـ كما عرفت ـ تحدثت حول معركة «أُحد» وحوادثها ووقائعها، والدروس والعبر المختلفة التي تعلمها منها المسلمون، غير أن هذه الآيات الثلاث، والآيات الست اللاحقة بها تحتوي على سلسلة من البرامج الإقتصادية، والإجتماعية، والتربوية، ثمّ يستأنف القرآن بعد هذه الآيات التسع، حديثه حول معركة «أُحد» ووقائعها.
ويمكن أن يكون هذا النوع من الحديث والبيان مبعث إستغراب ودهشة للبعض، إلاّ أن الإنتباه إلى مبدأ أساسي يوضح حقيقة هذا الأمر، ويكشف الغطاء عن سر هذا الأُسلوب. وذلك المبدأ هو :
إن القرآن ليس كتاباً كبقية الكتب ذات النمط الكلاسيكي الذي يعتمد نظام الفصول والأبواب الخاصة، بل هو كتاب نزل «نجوماً» وبصورة تدريجية طوال ثلاثة وعشرين عاماً، وذلك طبقاً للإحتياجات التربوية المختلفة، وفي أماكن وأزمنة مختلفة، فيوم حدثت معركة أُحد ووقائعها نزلت الآيات التي تتحدث عمّا يرتبط بهذه المعركة من برامج وقضايا حربية، ويوم كانت الحاجة تتطلب بيان بعض البرامج والتعاليم الإقتصادية كالموقف من الربا، أو بعض المسائل الحقوقية كأحكام الزوجية أو بعض القضايا التربوية والأخلاقية كالتوبة كانت تنزل الآيات التي تتناول هذه الأُمور.
فيستنتج من هذا أنه قد لايوجد أي إرتباط خاص بين بعض الآيات وبين ما قبلها أو ما بعدها، وليس من الضروري أن نبحث عن مثل هذا الإرتباط ـ كما يحاول بعض المفسّرين ذلك ـ أو أن نتكلف إفتعال ذلك بين قضايا لم يرد الله سبحانه الإتصال والإرتباط بينها، لأن مثل هذا العمل لا يتفق مع روح القرآن وكيفية نزوله في الحوادث المختلفة، والمناسبات المتنوعة وحسب الإحتياجات والظروف المنفصلة.
على أنه لا ريب في أن جميع السور والآيات القرآنية مرتبطة ومترابطة ـ على وجه ـ وهو أن جميعها تؤلف برنامجاً كاملاً ومنهاجاً متكاملاً مترابطاً لصنع الإنسان وصياغته، وتربيته بأفضل تربية وصياغة وأسماها، كما أنها بمجموعها نزلت لإيجاد مجتمع فاضل، واع متقدم في جميع الأبعاد والجوانب المادية والمعنوية.
وبما قلناه يعلل عدم إرتباط الآيات التسع التي أشرنا إليها مع ما تقدمها أو يلحقها من الآيات في هذه السورة المباركة.
كلنا يعرف أن أُسلوب القرآن في مكافحة الإنحرافات الإجتماعية المتجذرة في حياة الناس يعتمد معالجة الأُمور خطوة فخطوة، فهو أولاً يهيىء الأرضية المناسبة، ويُطلع الرأي العام على مفاسد ما يطلب محاربته ومكافحته، ثمّ بعد أن تتهيأ النفوس لتقبل التحريم النهائي يعلن عن التحريم في صيغته القانونية النهائية (ويتبع هذا الأُسلوب خاصة إذا كان ذلك الأمر الفاسد ممّا استشرى في المجتمع، وكانت رقعة إنتشاره واسعة).
كما أننا نعلم أيضاً أن المجتمع العربي في العهد الجاهلي كان مصاباً ـ بشدة ـ بداء الربا، حيث كانت الساحة العربية (وخاصة مكة) مسرحاً للمرابين. و قد كان هذا الأمر مبعثاً للكثير من المآسي الإجتماعية، ولهذا استخدم القرآن في تحريم هذه الفعلة النكراء أُسلوب المراحل، فحرم الربا في مراحل أربع :
1 ـ يكتفي في الآية 39 من سورة الروم بتوجيه نصح أخلاقي حول الربا إذ قال سبحانه وتعالى : (وما أتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما أتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأُولئك هم المضعِفون).
بهذا يكشف عن خطأ الذين يتصورون أن الربا يزيد من ثروتهم، في حين أن إعطاء الزكاة والإنفاق في سبيل الله هو الذي يضاعف الثروة.
2 ـ يشير ـ ضمن إنتقاد عادات اليهود وتقاليدهم الخاطئة الفاسدة ـ إلى الربا كعادة سيئة من تلك العادات، إذ يقول في الآية 161 من سورة النساء : (وأخذهم الربا وقد نهوا عنه).
3 ـ يذكر في الآية الحاضرة ـ كما سيأتي تفسيرها المفصل ـ حكم التحريم بصراحة، ولكنه يشير إلى نوع واحد من أنواع الربا، وهو النوع الشديد والفاحش منه فقط.
4 ـ وأخيراً أعلن في الآيات 275 إلى 279 من سورة البقرة عن المنع الشامل والشديد عن جميع أنواع الربا، وإعتباره بمنزلة إعلان الحرب على الله سبحانه.
قلنا إن الآية الحاضرة إشارة إلى الربا الفاحش معبرة عن ذلك بقوله (اضعافاً مضاعفة).
والمراد من «الربا الفاحش» هو أن تكون الزيادة الربوية تصاعدية، بمعنى أن تُضم الزيادة المفروضة أولاً على رأس المال ثمّ يصبح المجموع مورداً للربا، بمعنى أن الزيادة ثانياً تقاس بمجموع المبلغ (الذي هو عبارة عن رأس المال والزيادة المفروضة في المرة الأُولى) ثمّ تضم الزيادة المفروضة ثانياً إلى ذلك المبلغ، وتفرض زيادة ثالثة بالنسبة إلى المجموع(1).
وهكذا يصبح مجموع رأس المال والزيادة في كلّ مرّة رأس مال جديد تضاف عليه زيادة جديدة بالنسبة، وبهذا يبلغ الدين أضعاف المبلغ الأصلي المدفوع إلى المديون حتّى يستغرق كلّ ماله.
ولهذا قال القرآن الكريم : (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة).
ويستفاد من الأخبار والروايات أن الرجل ـ في الجاهلية ـ إذا كان يتخلف عن أداء دينه عند الموعد المقرر طلب من الدائن أن يضيف الزيادة على المبلغ ثمّ يؤخره إلى أجل آخر، وهكذا حتّى يستغرق بالشيء الطفيف مال المديون.
1 ـ فإذا كان أصل المبلغ المدفوع إلى المديون أول مرّة هو (100) والزيادة المفروضة (10) فإذا تخلف عن الأداء ضمت الزيادة (10) إلى المبلغ (100) فيكون رأس المال (110) وأضيفت إلى المجموع زيادة بنسبة (11%) فإذا تخلف عن الأداء ثانياً، ضمت الزيادة(11) إلى (110) فكان المجموع (121) وهكذا فصاعداً.
وهذا هو السائد بعينه في عصرنا الحاضر ويفعله المرابون الكبار دون رحمة.
ولاشكّ أن مثل هذا الفعل يدر على أصحاب الأموال مبالغ ضخمة دون عناء، فلا يمكن الإرتداع عنه الإّ بتقوى الله، ولهذا عقب سبحانه نهيه عن مثل هذا الربا الظالم بقوله : (واتقوا الله لعلكم تفلحون).
ولكن هل يكفي الأمر بتقوى الله والترغيب في الفلاح في صورة ترك الربا ؟ أم لابدّ من التلويح بالعذاب الأخروي للمرابين ؟ ولهذا قال سبحانه في الآية الثانية (واتقوا النار التي أعدت للكافرين) فهذه الآية تأكيد لحكم التقوى الذي مرّ في الآية السابقة.
ويوحي التعبير بـ «الكافرين» أن أخذ الربا لا يتفق أساساً مع روح الإيمان، ولهذا ينتظر المرابين ما ينتظر الكافرين من النار والعذاب.
كما يستفاد من ذلك أن النار أعدت أساساً للكافرين، وينال العصاة والمذنبون من هذه النار بقدر شباهتهم بالكفار، وتعاونهم معهم.
ثم إنه سبحانه يمزج ذلك التهديد بشيء من التشجيع والترغيب للمطيعين والممتثلين لأوامره تعالى إذ يقول : (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون).
* * *
وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَة مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّة عَرْضُها السَّمَـاوَاتُ وَالاَْرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَالضَّرَّآءِ وَالْكَـاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الُْمحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّـاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَـارُ خَـالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَـامِلِينَ (136)
بعد أن هددت الآيات السابقة العصاة وتوعدتهم بالعذاب والجحيم، وبشرت الأبرار المطيعين بالرحمة الإلهية وشوقتهم إليها جاءت الآية الأُولى من هذه الآيات تشبه سعي المطيعين واجتهادهم بالسباق، والمسابقة المعنوية التي تهدف
الوصول إلى الرحمة الإلهية، والنعم والعطايا الربانية الخالدة (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم).
(وسارعوا) تعني تسابق اثنين أو أكثر للوصول إلى هدف معين فيحاول كلّ واحد ـ باستخدام المزيد من السرعة ـ أن يسبق صاحبه ومنافسه وهو أمر مندوب في الأعمال والأخلاق الصالحة، ومقبوح مذموم في الأفعال السيئة والأخلاق القبيحة.
إن القرآن الكريم يستفيد هنا ـ في الحقيقة ـ من نقطة نفسية هي أن الإنسان لا يؤدي عمله بسرعة فائقة إذا كان بمفرده، وكان العمل من النوع الروتيني، أما إذا اتخذ العمل طابع المسابقة والتنافس الذي يستعقب جائزة قيمة ومكافأة ثمينة نجده يستخدم كلّ طاقاته، ويزيد من سرعته لبلوغ ذلك الهدف، ونيل تلك الجائزة.
ثمّ إذا كان الهدف المجعول في هذه الآية هو «المغفرة» في الدرجة الأُولى فلأن الوصول إلى أي مقام معنوي لا يتأتى بدون المغفرة والتطهر من أدران الذنوب، فلابدّ إذن من تطهير النفس من الذنوب أولاً، ثمّ الدخول في رحاب القرب الإلهي، ونيل الزلفى لديه.
هذا هو الهدف أول.
وأما الهدف الثاني لهذا السباق المعنوي العظيم فهو «الجنة» التي يصرح القرآن الكريم أن سعتها سعة السماوات والأرض (وجنة عرضها السماوات والأرض).
ثمّ إن هناك تفاوتاً قليلاً بين هذه الآية وبين الآية 21 من سورة الحديد (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض).
ففي هذه الآية ذكرت لفظة «المسابقة» مكان «المسارعة» كما ذكرت السماء
بصورة المفرد المصدّر بألف ولام الجنس الذي يفيد العموم.
كما استعمل هنا كاف التشبيه فيكون معنى هذه الآية هو أن سعة الجنة مثل سعة السماء والأرض، ومعنى الآية المبحوثة هنا هو أن سعة الجنة هي سعة السماوات والأرض فيكون المعنيان سواء.
ثم إنه سبحانه يختم الآية الحاضرة بقوله (أعدت للمتقين) فهذه الجنة العظيمة الموصوفة بتلك السعة قد هيئت للذين يتقون الله ويخشونه ويجتنبون معاصيه ويمتثلون أوامره.
وينبغي أن نعلم أن المراد بالعرض هنا ليس هو الطول والعرض الهندسي بل المراد ـ كما عليه اهل اللغة ـ هو السعة.
وهنا سؤالان :
أولاً : هل الجنة والنار مخلوقتان وموجودتان بالفعل، أم أنهما توجدان فيما بعد على أثر أعمال الناس ؟
ثانياً : إذا كانت الجنة والنار موجودتين فعلاً فأين تقعان، وقد قال سبحانه بأن عرض الجنة عرض السماوات والأرض.
يعتقد أكثر العلماء المسلمين أن للجنة والنار وجوداً خارجياً وفعلياً، وأن ظواهر الآيات القرآنية تؤيد هذه النظرية نذكر من باب النموذج ما يلي :
1 ـ ذكرت في الآية الحاضرة وآيات قرآنية اُخرى لفظة «أعدت» وما شابه ذلك من مادة هذه اللفظة، وقد استعملت تارة بشأن الجنة وتارة بشأن النار(1).
1 ـ راجع الآيات التالية : التوبة : 89 ، التوبة : 100، الفتح : 6، البقرة : 24، آل عمران : 131، آل عمران : 133، الحديد : 21.
فيستفاد من هذه الآيات أن الجنة والنار معدتان فعلاً، وإن كانتا تتوسعان فيما بعد على أثر أعمال الناس. (تأمل).
2 ـ نقرأ في الآيات 13 و 14 و 15 المرتبطة بالمعراج في سورة «والنجم» قوله سبحانه : (ولقد رآه نزلة أخرى * عن سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى)وهذا يشهد مرّة أُخرى بأن الجنة موجودة فعلاً.
3 ـ يقول سبحانه في سورة «التكاثر» الآية 5 و 6 و 7 (كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثمّ لترونها عين اليقين).
أي لو كان لديكم علم يقيني لشاهدتم الجحيم، بل لرأيتموها رأى العين.
ثمّ إن هناك روايات ترتبط بالمعراج، وروايات اُخرى تحمل شواهد على هذه المسألة(1).
إذا ثبت أن الجنة والنار موجودتان بالفعل يُطرح سؤال ا خر هو : أين تقعان إذن ؟
ويمكن الإجابة على هذا السؤال على نحوين :
الأول : إن الجنة والنار تقعان في باطن هذا العالم ولا غرابة في هذا، فإننا نرى السماء والأرض والكواكب بأعيننا، ولكننا لا نرى العوالم التي توجد في باطن هذا العالم، ولو أننا ملكنا وسيلة اُخرى للإدراك والعلم لأدركنا تلك العوالم أيضاً، ولوقفنا على موجودات اُخرى لا تخضع أمواجها لرؤية البصر، ولا تدخل ضمن نطاق حواسنا الفعلية.
1 ـ لابدّ من الإنتباه إلى أن الجنة المبحوث عنها هنا والتي ترتبط بالعالم الآخر هي غير الجنة التي أسكن آدم وحواء فيها وكانت قبل خلقهما.
والآية المنقولة عن سورة «التكاثر» وهي قوله سبحانه : (كلا لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم) هي الاُخرى شاهدة على هذه الحقيقة ومؤيدة لهذا الرأي.
كما ويستفاد من بعض الأحاديث أيضاً أنه كان بين الأتقياء والأولياء من قد زودوا ببصيرة ثاقبة، ورؤية نفاذة استطاعوا بها أن يشاهدوا الجنة والنار مشاهدة حقيقية.
ويمكن التمثيل لهذا الموضوع بالمثال الآتي :
لنفترض أن هناك في مكان ما من الأرض جهازاً قوياً للإرسال الإذاعي يبث في العالم ـ وبمعونة الأقمار الفضائية والأمواج الصوتية ـ تلاوات شيقة لآيات القرآن الكريم. بينما يقوم جهاز قوي إذاعي آخر ببث أصوات مزعجة وصاخبة بنفس القوّة.
لا شكّ أننا لا نملك القدرة على إدراك هذين النوعين من البث بحواسنا العادية، ولا أن نعلم بوجودهما إلاّ إذا استعنا بجهاز استقبال فإننا حينما ندير المؤشر على الموج المختص بكل واحد من هذين البثين نستطيع فوراً أن نلتقط ما بثته كلّ واحدة من تينك الإذاعتين ونستطيع أن نميز بينهما بجلاء، ودون عناء.
وهذا المثال وإن لم يكن كاملاً من جميع الجهات إلاّ أنه يصور لنا حقيقة هامة، وهي أنه قد توجد الجنة والنار في باطن هذا العالم غير أننا لا نملك إدراكها بحواسنا، بينما يدركها من يملك الحاسة النفاذة المناسبة.
الثاني : إن عالم الآخرة والجنة والنار عالم محيط بهذا الكون، وبعبارة اُخرى : إن كوننا هذا يقع في دائرة ذلك العالم، تماماً كما يقع عالم الجنين ضمن عالم الدنيا، إذ كلنا يعلم أن عالم الجنين عالم مستقل له قوانينه وأوضاعه ولكنه مع ذلك غير منفصل عن هذا العالم الذي نحن فيه، بل يقع في ضمنه وفي محيطه ونطاقه، وهكذا الحال في عالم الدنيا بالنسبة إلى عالم الآخرة.
وإذا وجدنا القرآن يقول : بأن سعة الجنة سعة السماوات والأرض فإنما هو لأجل أن الإنسان لا يعرف شيئاً أوسع من السماوات والأرض ليقيس به سعة الجنة، ولهذا يصور القرآن عظمة الجنة وسعتها وعرضها بأنها كعرض السماوات والأرض، ولم يكن بد من هذا، فكما لو أننا أردنا أن نصور للجنين ـ فيما لو عقل ـ حجم الدنيا التي سينزل إليها، لم يكن لنا مناص من التحدث إليه بالمنطق الذي يدركه وهو في ذلك المحيط.
ثمّ إنه تبين من ما مرّ الجواب على السؤال الآخر، وهو إذا كانت الجنة عرضها السماوات والأرض فأين تكون النار ؟
لأنه حسب الجواب الأول يتضح أن النار هي الأُخرى تقع في باطن هذا العالم، ولا ينافي وجودها فيه وجود الجنة فيه أيضاً (كما تبين من مثال جهازي الإرسال).
وأما حسب الجواب الثاني (وهو كون عالم الجنة والنار محيطاً بهذا العالم الذي نعيش فيه) فيكون الجواب على هذا السؤال أوضح لأنه يمكن أن تكون النار محيطة بهذا العالم، وتكون الجنة محيطة بها فتكون النتيجة أن تكون الجنة أوسع من النار.
لما صرّح في الآية السابقة بأن الجنة أُعدت للمتقين، تعرضت الآية التالية لذكر مواصفات المتقين فذكرت خمساً من صفاتهم الإنسانية السامية هي :
1 ـ إنّهم ينفقون أموالهم في جميع الأحوال، في الشدّة والرخاء، في السرّاء والضرّاء (الذين ينفقون في السرّاء والضرّاء).
وهم بهذا العمل يثبتون روح التعاطف مع الآخرين، وحب الخير الذي تغلغل
في نفوسهم، ولهذا فهم يقدمون على هذا العمل الصالح والخطوة الإنسانية في جميع الظروف والأحوال.
ولاشكّ أن الإنفاق في حال الرخاء فقط لا يدلّ على التغلغل الكامل للصفات الإنسانية في أعماق الروح وإنما يدلّ على ذلك إذا أقدم الإنسان على الإنفاق والبذل في مختلف الظروف وفي جميع الأحوال، فإن ذلك ممّا يدلّ على تجذر تلك الصفة في النفوس.
يمكن أن يقال : وكيف يمكن للإنسان أن ينفق عندما يكون فقيراً ؟
والجواب واضح تمام الوضوح :
أولاً : لأن الفقراء يمكنهم إنفاق ما يستطيعون عليه، فليس للإنفاق حدّ معين لا في القلة ولا في الكثرة.
وثانياً : لأن الإنفاق لا ينحصر في بذل المال والثروة فحسب، إذ للإنسان أن ينفق من كلّ ما وهبه الله، ثروة كان أو علماً أو جاهاً أو غير ذلك من المواهب الإلهية الاُخرى.
وبهذا يريد الله سبحانه أن يركز روح التضحية والعطاء، والبذل والسخاء حتّى في نفوس الفقراء والمقلين حتّى يبقوا ـ بذلك ـ في منأى عن الرذائل الأخلاقية التي تنشأ من «البخل».
إن الذين يستصغرون الإنفاقات القليلة في سبيل الله ويحتقرونها إنما يذهبون هذا المذهب، لأنهم حسبوا لكلّ واحد منها حساباً مستقلاً وخاصاً، ولو أنهم ضموا هذه الإنفاقات الجزئية بعضها إلى بعض، ودرسوها مجتمعة لتغيرت نظرتهم هذه.
فلو أن كلّ واحد من أهل قطر من الأقطار ـ فقراء وأغنياء ـ قدم مبلغاً صغيراً لمساعدة الآخرين من عباد الله، ولتقدم الأهداف والمشاريع الإجتماعية، لاستطاعوا أن يقوموا بأعمال ضخمة وكبيرة، مضافاً إلى ما يجنونه من هذا العمل
من آثار معنوية لا ترتبط بحجم الإنفاق، وتعود إلى المنفق في كلّ حال.
والملفت للنظر هو أن أول صفة ذكرت للمتقين هنا هو «الإنفاق» لأن هذه الآيات تذكر ـ في الحقيقة ـ ما يقابل الصفات التي ذكرت للمرابين والمستغلّين في الآيات السابقة. هذا مضافاً إلى أن غض النظر عن المال والثروة في السرّاء والضراء من أبرز علائم التقوى.
2 ـ أنهم قادرون على السيطرة على غضبهم : (والكاظمين الغيظ).
ولفظة «الكظم» تعني في اللغة شد رأس القربة عند ملئها، فيقول كظمت القربة إذا ملأتها ماء ثمّ شددت رأسها، وقد استعملت كناية عمن يمتلىء غضباً ولكنه لا ينتقم.
وأما لفظة «الغيظ» فتكون بمعنى شدة الغضب والتوتر والهيجان الروحي الشديد الحاصل للإنسان عندما يرى ما يكره.
وحالات الغيظ والغضب من أخطر الحالات التي تعتري الإنسان، ولو تركت وشأنها دون كبح لتحولت إلى نوع من الجنون الذي يفقد الإنسان معه السيطرة على أعصابه وتصرفاته وردود فعله.
ولهذا فإن أكثر ما يقترفه الإنسان من جرائم وأخطاء وأخطرها على حياته هي التي تحصل في هذه الحالة، ولهذا تجعل الآية «كظم الغيظ» و «كبح جماح الغضب» الصفة البارزة الثانية من صفات المتقين.
قال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) «من كظم غيظاً وهو قادر على إنفاذه ملأه الله أمناً وإيماناً».
وهذا الحديث يفيد أن كظم الغيظ له أثر كبير في تكامل الإنسان معنوياً، وفي تقوية روح الإيمان لديه.
![]() |
![]() |
![]() |