![]() |
![]() |
![]() |
1 ـ مجمع البيان : ج 1 ص 326 في ذيل الآية المبحوثة.
2 ـ «بعولة» جمع «بعل» بمعنى الزوج ويقول الراغب في مفرداته بأن البعض يرى اطلاقها على الزوج والزوجة. (تفسير الكبير : ج 6 ص 93) وقيل أن هذه المفردة تعطي معنى العلو والأفضلية.
الجاهلي من أنّ الزّوج يستخدم هذا الحق لغرض الإضرار بالزّوجة حيث يتركها في حالة معلّقة بين الزّواج والطّلاق.
فهذا الحقّ يكون للزّوج في حالة إذا كان نادماً واقعاً وأراد أن يستأنف علاقته الزّوجيّة بجديّة، ولم يكن هدفه الإضرار بالزّوجة.
ضمناً يُستفاد ممّا ورد في ذيل الآية من مسألة الرّجوع هو أنّ حكم العدّة والإهتمام بحساب أيّامها يتعلّق بهذه الطائفة من النساء، وبعبارة اُخرى أنّ الآية تتحدّث بشكل عام عن الطّلاق الرّجعي ولهذا فلا مانع من أن تكون بعض أقسام الطّلاق بدون عدّة أصلاً.
ثمّ تبيّن الآية حكماً رابعاً وتقول : (ولهنّ مثل الّذي عليهنَّ بالمعروف وللرّجال عليهنّ درجة).
يقول الطبرسي في مجمع البيان أنّه يستفاد من هذه العبارة العجيبة والجامعة فوائد كثيرة جدّاً(1)، فهي قد جرّت البحث إلى مسائل أهم بكثير من الطّلاق والعدّة، وقرّرت مجموعة من الحقوق المتبادلة بين الرّجال والنساء فتقول : كما أنّ للرّجال حقوقاً على النساء، فكذلك للنساء حقوق على الرّجال أيضاً، فيجب عليهم مراعاتها، لأنّ الإسلام اهتمّ بالحقوق بصورة متعادلة ومتقابلة ولم يتحيّز إلى أحد الطّرفين.
وكلمة (بالمعروف) التي تأتي بمعنى الأعمال الحسنة المعقولة والمنطقيّة تكرّرت في هذه السلسلة من الآيات اثنا عشر مرّة (من الآية مورد البحث إلى الآية 241) كيما تحذّر النساء والرّجال من عاقبة سوء الاستفادة من حقوق الطّرف المقابل، وعليهم إحترام هذه الحقوق والإستفادة منها في تحكيم العلاقة
1 ـ مجمع البيان : ج 1 327.
الزوجيّة وتحصيل رضا الله تعالى.
جملة (وللرّجال عليهنّ درجة) تكمّل القاعدة السابقة في الحقوق المتقابلة بين الرّجل والمرأة، وفي الواقع أنّ مفهومها هو أنّ مسألة العدالة بين الرّجل والمرأة لا تكون بالضّرورة بمعنى التساوي في الحقوق وأن يكونا في عرض واحد، فهل يلزم أن يكون الجنسان متساويين تماماً في الواجبات والحقوق ؟
لو أخذنا بنظر الإعتبار الإختلافات الكبيرة بين الجنسين على صعيد القوى الجسميّة والروحيّة لاتّضح الجواب عن السؤال.
المرأة بطبيعة مسؤوليتها الحسّاسة في إنجاب الأبناء وتربيتهم تتمتّع بمقدار أوفر من العواطف والمشاعر والإحساسات، في حين أنّ الرجل وطبقاً لهذا القانون اُنيطت به مسؤولية الواجبات الإجتماعيّة التي تستلزم قوّة الفكر والإبتعاد عن العواطف والأحاسيس الشخصيّة أكثر، ولو أردنا إقامة العدالة فيجب أن نضع الوظائف الإجتماعيّة التي تحتاج إلى تفكّر وتحمّل أكثر بعهدة الرّجال، والوظائف والمسؤوليّات التي تحتاج إلى عواطف وإحساسات أكثر بعهدة النّساء، ولهذا السبب كانت إدارة الاُسرة بعهدة الرّجل ومقام المعاونة بعهدة المرأة، وعلى أيّ حال فلا يكون هذا مانعاً من تصدّي المرأة للمسؤوليّات الإجتماعيّة المتوائمة مع قدراتها الجسميّة وملكاتها البيولوجيّة فتؤدّي تلك الوظائف والمسؤوليّات إلى جانب أداء وظيفة الاُمومة في الاُسرة.
وكذلك لايكون هذا التفاوت مانعاً من تفوّق بعض النّساء من الجهات المعنويّة والعلميّة والتقوائيّة على كثير من الرّجال.
فما نرى من إصرار بعض المثقّفين على مقولة التساوي بين الجنسين في جميع الاُمور هو إصرار لا تؤيّده الحقائق على أرض الواقع حيث ينكرون في
دعواهم هذه الثّوابت العلميّة في هذا المجال، فحتّى في المجتمعات التي تنادي بالمساواة بين الجنسين في مختلف المجالات نشاهد عملاً بوناً شاسعاً مع نداءاتهم، فمثلاً الإدارة السياسيّة والعسكريّة لجميع المجتمعات البشريّة هي في عهدة الرّجال (إلاّ في موارد استثنائيّة) حيث يُرى هذا المعنى أيضاً في المجتمعات الغربيّة التي ترفع شعار المساواة دائماً.
وعلى كلّ حال، فالحقوق التي يختّص بها الرّجال مثل حقّ الطّلاق أو الرّجوع في العدّة أو القضاء (إلاّ في موارد خاصّة اُعطي فيها حقّ الطّلاق للزّوجة أو حاكم الشرع) ترتكز على هذا الأساس ونتيجة مباشرة لهذه الحقائق العمليّة.
وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ جملة : (للرّجال عليهنّ درجة) ناظرة إلى مسألة الرّجوع في عدّة الطّلاق فقط(1)، ولكن من الواضح إنّ هذا التفسير لا يتوائم وظاهر الآية، لأنّ الآية ذكرت قبل ذلك قانوناً كليّاً حول حقوق المرأة ووجوب رعاية العدالة بجملة (ولهنّ مثل الّذي عليهنَّ بالمعروف) ثمّ أوردت العبارة مورد البحث بشكل قانون كلّي آخر بعد ذلك.
وأخيراً تقول الآية : (والله عزيز حكيم) وهذا إشارة إلى ما يرد في هذا المجال من إشكالات وتساؤلات وأنّ الحكمة الإلهيّة والتدبير الرّباني يستوجبان أن يكون لكلّ شخص في المجتمع وظائف وحقوق معيّنة من قبل قانون الخلقة ويتناسب مع قدراته وقابليّاته الجسميّة والرّوحيّة، وبذلك فإنّ الحكمة الإلهيّة تستوجب أن تكون للمرأة في مقابل الوظائف والمسؤوليّات الملقاة على عاتقها حقوقاً مسلّمة كيما يكون هناك تعادل بين الوظيفة والحقّ.
* * *
1 ـ تفسير في ظلال القرآن : ج 1 ص 360.
أحياناً ينشأ في مناخ الاُسرة وبسبب عوامل مختلفة بعض الإختلافات الجزئيّة وتتهيّأ الأرضيّة النفسيّة لكلٍّ من الزّوجين بشكل يشتد فيه حس الانتقام وتنطفأ فيه أنوار العقل والوجدان. وفي الغالب تكون حالات الفرقة وتشتّت العائلة ناشئة من هذه الموارد والحالات، ولكن يُشاهد في كثير من الحالات أنّ كلّ من الزّوجة والزّوج بعد حصول النّزاع والفُرقة بفترة قليلة من الزّمان يصيبهم النّدم وخاصّة بعد مشاهدة إنهدام الاُسرة وتلاشي المحيط العائلي الدّافيء لتصبَّ حياتهم في بحر المشاكل المختلفة.
وهنا تقول الآية مورد البحث : أنّ على النّساء العدّة والصبر ريثما تهدأ تلك الأمواج النفسيّة وتنقشع سحب النّزاع والعداوة عن سماء الحياة المشتركة، وخاصّة إذا أخذنا بنظر الإعتبار حكم الإسلام في وجوب بقاء المرأة وعدم خروجها من بيت زوجها طيلة مدّة العادة حيث يبعث ذلك على حُسن التفكّر وإعادة النّظر في قرار الطّلاق ممّا يؤثّر ذلك كثيراً في رسم وصياغة علاقاتها مع زوجها، ولذلك نقرأ في سورة الطّلاق آية (1) (لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ... لا تدري لعلّ الله يُحدث بعد ذلك أمرا).
وفي الغالب نلحظ أنّه يكفي لإستعادة المناخ الملائم والأجواء الدّافئة للاُسرة قبل الطّلاق قليل من تقوية المحبّة وإعادة المياه إلى مجاريها.
إنّ إحدى الأغراض المهمّة للعدّة هو إتّضاح حالة المرأة بالنّسبة إلى الحمل،
فصحيح أنّ رؤية المرأة لدم الحيض مرّة واحدة دليل على عدم الحمل، ولكن أحياناً ترى المرأة دم العادة حين الحمل أيضاً وفي بدايته، فمن أجل رعاية هذا الموضوع والحكم بشكل كامل كان على المرأة أن تصبر لترى العدّة ثلاث مرّات وتطهر منها حتّى تقطع تماماً بعدم حملها من زوجها السّابق فيمكنها بعد ذلك الزّواج المجدّد، وطبعاً هناك فوائد اُخرى للعدّة سنشير إليها في مواردها.
هنا يشير القرآن الكريم إلى أصل أساس، وهو أنه كلّما كانت هناك وظيفة ومسؤوليّة كان هناك حقّ إلى جانبها، يعني أنّ الوظيفة والحقّ لاينفصلان أبداً، فمثلاً أنّ على الوالدين وظائف بالنّسبة للأولاد، وهذه الوظائف تسبّب إيجاد حقوق في عهدة الأولاد، أو أنّ القاضي موظّف في تحقيق العدالة في المجتمع ما أمكنه ذلك، وفي مقابل هذه الوظيفة والمسؤوليّة له حقوق كثيرة في عهدة الآخرين، وهكذا بالنّسبة إلى الأنبياء (عليهم السلام) وأقوامهم.
وفي الآية مورد البحث إشارة إلى هذه الحقيقة حيث تقول أنّ النساء لهنّ من الحقوق بمقدار ما عليهنّ من الواجبات والوظائف، وهذا التّساوي بين الحقوق والواجبات يسهّل عمليّاً إجراء العدالة في حقّهن، وكذلك يثبت عكس هذا المطلب أيضاً فمن جُعل له حقّاً ففي مقابله عليه واجبات ومسؤوليّات لابدّ من أدائها، ولذلك لانجد أحداً له حقّ من الحقوق في أحد الموارد وليست في ذمتّه وظيفة ومسؤوليّة.
عانت المرأة خلال العصور التاريخيّة المختلفة ألواناً من الظلم والإضطهاد
والتعسّف، ويشكّل هذا التاريخ المؤلم المرّ جزءً هامّاً من الدراسات الإجتماعية بشكل عامّ يمكن تقسيم تاريخ حياة المرأة إلى مرحلتين :
المرحلة الاُولى : مرحلة ما قبل التاريخ، وليس لنا معلومات صحيحة عن وضع المرأة في هذه المرحلة، ومن الممكن أن تكون قد تمتّعت آنذاك بحقوقها الإنسانية الطبيعيّة.
والمرحلة الثانية : مرحلة التاريخ، والمرأة كانت خلالها في كثير من المجتمعات شخصيّة غير مستقلة في جميع الحقوق الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، واستمرّ هذا الوضع في قسم من المجتمعات حتّى القرون الأخيرة.
هذا اللون من التفكير بشأن المرأة مشهود حتّى في القانون المدنيّ الفرنسيّ المشهور بتقدّميته، على سبيل المثال نشير إلى بعض فقراته المتعلّقة بالشؤون المالية للزوجين :
يستفاد من المادّتين 215 و 217 أنّ المرأة المتزوجة لا تستطيع بدون إذن زوجها وتوقيعه أن تؤدّي أيّ عمل حقوقي، وتحتاج في كلّ معاملة إلى إذن الزوج. هذا إذا لم يرد الرجل أن يستغلّ قدرته وأن يمتنع عن الإذن دون مبرّر.
وحسب المادّة 1242 يحقّ للرجل أن يتصرّف لوحده بالثروة المشتركة بين المرأة والرجل بأيّ شكل من الأشكال، ولا يلزمه استئذان المرأة بشرط أن يكون التصرّف في إطار الإدارة، وإلاَّ لزمت موافقة المرأة وتوقيعها.
وأكثر من ذلك ورد في المادة 1428.: إنّ حقّ إدارة جميع الأموال الخاصّة بالمرأة موكول إلى الرجل ـ على أنّ المعاملة الخارجة عن حدود الإدارة تتطلّب موافقة المرأة وتوقيعها ـ .
وفي أرض الرسالة الإسلامية ـ أي الحجاز ـ كانت المرأة تعامل معاملة الكائن غير المستقل، وكانوا يستثمرونها بشكل فظيع قريب من حالة التوحّش.
وبلغ وضع المرأة من الإنحطاط بحيث إن صاحبها كان يستفيد منها للإرتزاق أحياناً، فيعرضها للإيجار.
ما كان يعانيه هؤلاء من فقر حضاري وفقر مادّي جعل منهم قساة لا يتورّعون عن إرتكاب جريمة «الوأد» بحقّ الاُنثى.
مع ظهور الإسلام وانتشار تعاليمه السامية، دخلت حياة المرأة مرحلة جديدة بعيدة كلّ البعد عمّا سبقها. في هذه المرحلة أصبحت المرأة مستقلّة ومتمتّعة بكلّ حقوقها الفردية والإجتماعية والإنسانية.
تقوم تعاليم الإسلام بشأن المرأة على أساس الآيات التي ندرسها في هذا المبحث حيث يقول تعالى : (ولهنَّ مثلُ الذي عليهنَّ بالمعروف)، فالمرأة بموجب هذه الآية تتمتّع بحقوق تعادل ما عليها من واجبات ثقيلة في المجتمع.
الإسلام اعتبر الرجل كالمرأة كائناً ذا روح إنسانيّة كاملة، وذا إرادة وإختيار، ويطوي طريقه على طريق تكامله الذي هو هدف الخلقة، ولذلك خاطب الرجل والمرأة معاً في بيان واحد حين قال : (يا أيّها النَّاس... ويا أيّها الذين آمنوا). وضع لهما منهجاً تربوياً وأخلاقياً وعلمياً ووعدهما معاً بالسعادة الأبدية الكاملة في الآخرة، كما جاء في قوله تعالى : (وَ مَنْ عَمِلَ صالحاً من ذكر أو أُنثى وهو مؤمنٌ فأُولئك يدخلون الجنّة)(1).
وأكّد أنّ الجنسين قادران على إنتهاج طريق الإسلام للوصول إلى الكمال المعنويّ والماديّ ولبلوغ الحياة الطيّبة المفعمة بالطمأنينة، نظير ما جاء في قوله
1 ـ غافر : 40.
تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً من ذكر أو أُنثى وَهوَ مؤمنٌ فَلَنُحيِيَنّه حياهً طيّبة ولَنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)(1).
الإسلام يرى المرأة كالرجل إنساناً مستقلاًّ حرّاً، وهذا المفهوم جاء في مواضع عديدة من القرآن الكريم، كقوله تعالى : (كلّ نفس بما كسبت رهينة)(2). و (مَن عَمِلَ صالحاً فلنفسه وَ مَنْ أساء فعليها)(3).
هذه الحريّة قرّرها الإسلام للمرأة والرجل، ولذلك فهما متساويان أمام قوانين الجزاء : (الزانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة)(4).
لمّا كان الاستقلال يستلزم الإرادة والإختيار، فقد قرّر الإسلام هذا الاستقلال في جميع الحقوق الإقتصادية، وأباح للمرأة كلّ ألوان الممارسات المالية، وجعلها مالكة عائدها وأموالها، يقول سبحانه في سورة النساء : (للرجالِ نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنساءِ نصيبٌ ممّا اكتسبن)(5).
كلمة «اكتساب» ـ خلافاً لكلمة «كسب» ـ لا تستعمل إلاَّ فيما يعود نتيجته على الإنسان نفسه(6).
ولو أضفنا إلى هذا المفهوم القاعدة العامّة القائلة : «الناس مسلّطون على أموالهم» لفهمنا مدى الإحترام الذي أقرّه الإسلام للمرأة بمنحها الاستقلال الإقتصادي، ومدى التساوي الذي قرّره بين الجنسين في هذا المجال.
فالمرأة ـ في مفهوم الإسلام ـ ركن المجتمع الأساسي، ولايجوز التعامل معها
1 ـ النحل : 95.
2 ـ المدّثر : 28.
3 ـ فصّلت : 46.
4 ـ النور : 2.
5 ـ النساء : 32.
6 ـ راجع مفردات الراغب، هذا طبعاً حين تتقابل كلمتي : كسب واكتساب.
على أنّها موجود تابع عديم الإرادة يحتاج إلى قيّم.
وهنا ينبغي الإلتفات إلى مسألة الإختلافات الروحية والجسمية بين المرأة والرجل، وهي مسألة التفت إليها الإسلام بشكل خاصّ وأنكرها بعضهم منطلقين من تطرّف في أحاسيسهم.
إن أنكرنا كلّ شيء فلا نستطيع أن ننكر الإختلافات الصارخة بين الجنسين في الناحية الجسمية والناحية الروحية، وهذه مسألة تناولتها تأليفات مستقلّة ملخّصها :
إنّ المرأة قاعدة إنبثاق الإنسان، وفي أحضانها يتربّى الجيل ويترعرع، وهي لذلك خلقت لتكون مؤهلة جسمياً لتربية الأجيال، كما أنّ لها من الناحية الروحية سهماً أوفى من العواطف والمشاعر.
وهل يمكن مع هذا الإختلاف الكبير أن ندّعي تساوي الجنسين في جميع الأعمال واشتراكهما المتساوي في كلّ الاُمور ؟ !
أليست العدالة أن يؤدّي كلّ كائن واجبه مستفيداً من مواهبه وكفاءاته الخاصّة ؟ !
أليس خلافاً للعدالة أن تقوم المرأة بأعمال لا تتناسب مع تكوينها الجسمي والروحي ؟ !
من هنا نرى الإسلام ـ مع تأكيده على العدالة ـ يجعل الرجل مقدّماً في بعض الأُمور مثل الإشراف على الأُسرة و... ويدع للمرأة مكانه المساعد فيها.
العائلة والمجتمع يحتاج كلّ منهما إلى مدير، ومسألة الإدارة في آخر
مراحلها يجب أن تنتهي بشخص واحد، وإلاَّ ساد الهرج والمرج.
فهل من الأفضل أن يتولّى هذه المسؤولية المرأة أم الرجل ؟ كلّ المحاسبات البعيدة عن التعصّب تقول : إنّ الوضع التكويني للرجل يفرض أن تكون مسؤولية إدارة الأُسرة بيد الرجل، والمرأة تعاونه.
مع إصرار المصرّين ولجاج المتعصّبين على إنكار الواقع، فإنّ وضع الحياة الواقعية في عالمنا المعاصر وحتّى في البلدان التي منحت المرأة الحرّية والمساواة بالشكل الكامل ـ على زعمهم ـ يدلّ على أنّ المسألة على الصعيد العملي هي كما ذكرناه وإن كانت المزاعم خلاف ذلك.
* * *
الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكُ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِيحُ بِإِحْسَـان وَلاَيَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيَما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيَما حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيَما افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَئكَ هُمُ الظَّـالِمُونَ (229)
جاءت إمرأة إلى إحدى زوجات النبيّ وشكت لها من زوجها الّذي يطلّقها مراراً ثمّ يعود إليها للإضرار بها، وكان للزّوج في تقاليد الجهاليّة الحقّ في أن يطلّق زوجته ألف مرّة ثمّ يعود إليها وهكذا، فلم يكن للطّلاق حدٌّ حين ذاك، وحينما اطّلع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على شكوى هذه الإمرأة نزلت الآيات أعلاه وبيّنت حدّ الطّلاق(1).
1 ـ مجمع البيان : ج 1 و 2 ص 329. وورد هذا السبب في تفسير الكبير، والقرطبي وروح المعاني أيضاً في ذيل الآية المبحوثة.
ذكرنا في تفسير الآية السابقة إنّ الإسلام قرّر قانون (العدّة) و (الرّجوع) لإصلاح وضع الاُسرة ومنع تشتتّها وتمزّقها، لكنّ بعض المسلمين الجدد استغلّوا هذا القانون كما كانوا عليه في الجاهليّة، وعمدوا إلى التضييق على الزّوجة بتطليقها المرّة بعد الاُخرى والرّجوع إليها قبل انتهاء العدّة، وبهذه الوسيلة ضيّقوا الخناق على النساء.
هذه الآية تحول بين هذا السّلوك المنحط وتقرّر أنّ الطّلاق والرّجوع مشروعان لمرّتين، أمّا إذا تكرّر الطّلاق للمرّة الثالثة فلا رجوع، والطّلاق الأخير هو الثالث، والمراد من عبارة (الطّلاق مرّتان) هو أنّ الطّلاق الّذي يُمكن معه الرّجوع مرّتان والطّلاق الثالث لا رجوع بعده، وتضيف الآية (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).
فعلى هذا يكون الطّلاق الثالث هو الأخير لا رجعة فيه، وبعبارة اُخرى أنّ المحبّة والحنان المتقابل بين الزّوجين يمكن إعادتهما في المرّتين السابقتين وتعود المياه إلى مجاريها، وفي غير هذه الصّورة إذا تكرّر منه الطّلاق في المرّة الثالثة فلا يحقّ له الرّجوع إلاّ بشرائط معيّنة تأتي في الآية التالية.
ويجب الإلتفات إلى أنّ (إمساك) يعني الحفظ و (تسريح) بمعنى إطلاق السّراح ومجيء جملة (تسريح بإحسان) بعد جملة (الطّلاق مرّتان) إشارة إلى الطّلاق الثالث الّذي يفصل بين الزّوجين لابدّ أن يكون مع مراعاة موازين الحقّ والإنصاف والقيم الأخلاقيّة (جاء في أحاديث متعدّدة أنّ المراد من قوله (تسريح بإحسان) هو الطّلاق الثالث)(1).
1 ـ تفسير العياشي : ج 1 ص 116.
فعلى هذا يكون المراد من التسريح بإحسان أن يؤدّي للمرأة حقوقها بعد الإنفصال النهائي، ولايسعى الإضرار بها عملاً وقولاً بأن يعيبها في غيابها أو يتّهمها بكلمات رخيصة ويُسقط شخصيّتها وسمعتها أمام الناس، وبذلك يحرمها من إمكانيّة الزّواج المجدّد، فكما أنّ الصّلح والرّجوع إلى الزّوجة يجب أن يكون بالمعروف والإحسان والمودّة، فكذلك الإنفصال النهائي يجب أن يكون مشفوعاً بالإحسان أيضاً، ولهذا تضيف الآية الشريفة (ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً).
فعلى هذا الأساس لا يستطيع الزّوج عند الإنفصال النهائي أن يأخذ ما أعطاها من مهرها شيئاً، وهذا المعنى أحد مصاديق التسريح بإحسان.
وقد ذُكرهذاالحكم بالتفصيل في سورة النّساء الآيات 20و21 حيث يأتي ذكره.
وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ مفهوم هذه الجملة أوسع من (المهر) وقالوا أنّه يشمل كلّما أعطاه الزوج من الهدايا لزوجته أيضاً(1).
وممّا يستجلب النظر في مورد الرّجوع والصّلح هو التعبير بـ (المعروف) ولكن في مورد الفرقة والإنفصال ورد التعبير (بإحسان) الّذي يفهم منه ما هو أعلى وأسمى من المعروف، وذلك من أجل جبران ما يتخلّف من المرارة والكآبة لدى المرأة بسبب الإنفصال والطّلاق(2).
وتستطرق الآية إلى ذكر مسألة (طلاق الخلع) وتقرّر أنّه في حالة واحدة تجوز استعادة المهر وذلك عند رغبة المرأة نفسها بالطّلاق(3) حيث تقول الآية (إلاّ1 ـ تفسير الكبير : ج 9 ص 99.
2 ـ الميزان : ج 2 ص 234 ذيل الآية.
3 ـ وهو الطلاق الخلعي المشروح في كتب الفقه.
أن يخافا ألاّ يُقيما حدود الله) ثمّ تضيف (فإن خفتم ألاّ يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به).
أي الفدية أو التعويض الّذي تدفعه المرأة للتّخلّص من الرّابطة الزّوجية، هذه الحالة تختلف عن الاُولى في أنّ الطّالب للفرقة هي المرأة نفسها ويجب عليها دفع الغرامة والتعويض للرّجل الّذي يريد ويطلب بقاء العُلقة الزوجيّة، وبذلك يتمكّن الزّوج بهذه الغرامة والفدية أن يتزوّج مرّة اُخرى ويختار له زوجة ثانية.
والجدير بالذكر أنّ الضّمير في جملة (ألاّ يُقيما) الوارد بصورة التثنية إشارة إلى الزّوجين، ولكنّ في جملة (فإن خفتم) ورد بصيغة الجمع للمخاطب، وهذا التفاوت يمكن أن يكون إشارة إلى لزوم نظارة حكّام الشرع على هذا اللّون من الطّلاق، أو إشارة إلى أنّ تشخيص عدم إمكانيّة استمرار الحياة الزوجيّة مع رعاية حدود الإلهيّة لايمكن أن تكون بعهدة الزّوجين، لأنّه في كثير من الحالات يظنّ الزوجين ولأسباب نفسيّة وحالات عصبيّة عدم إمكانيّة إدامة الحياة الزّوجيّة لأسباب تافهة، ولهذا يجب أن تُطرح المسألة على العرف ومن له علاقة بهذين الزّوجين يثبت بهذه الصورة جواز الطّلاق الخلعي.
وفي ختام الآية تشير إلى مُجمل الأحكام الواردة فيها وتقول : (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود الله فأولئك هم الظّالمون).
* * *
يُستفاد من جملة (الطّلاق مرّتان) أنّ تعدّد الطّلاق لايصحّ أن يكون في مجلس واحد، بل يجب أن يقع الطّلاق في مجالس متعدّدة، وخاصّةً إذا عرفنا بأنّ
الغاية هو إعطاء فرصة أكثر للرّجوع واحتمال عودة المؤدة بعد النّزاع الأوّل.
فإن لم يتحقق الصلح في المرحلة الاُولى فسيتحقّق في الثانية ولكنّ وقوع عدّة طلقات مرّة واحدة يوصد هذا الباب كليّاً وينفصل الزّوجان بعد ذلك نهائيّاً فلا أثر لتعدّد الطّلاق عملاً.
وهذا الحكم المذكور آنفاً مقبول لدى فقهاء الشيعة، ولكن هناك اختلاف بين أهل السّنة بالرّغم من أنّ أكثرهم يرى جواز تعدّد الطّلاق في
مجلس واحد.
أمّا كاتب تفسير المنار فينقل عن مسند أحمد بن حنبل وصحيح مسلم أنّ حكم ثلاث طلقات في مجلس واحد لا يُحسب إلاّ طلاق واحد، وهذا ما كانت السّنة جارية عليه منذ حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحتّى سنتين من خلافة عمر حيث يتّفق على ذلك جميع الصّحابة، ولكنّ الخليفة الثاني بعد ذلك حكم بأنّ الطّلاق ثلاثاً في مجلس واحد صحيح ويقع ثلاثاً.
مع حكم الخليفة الثاني بوقوع الطّلاقات الثلاثة في مجلس واحد ذهب جماعة من أهل السّنة إلى عدم وقوعها، ومنهم الشيخ الأزهر الأكبر (الشيخ محمود شلتوت) حيث كتب في مجلّة «رسالة الإسلام» وفي مقارنة بين آراء المذاهب الإسلاميّة وأخذ في كثير من الأحايين بآراء الشيعة، لأنّها كما يقول أقوى دليلاً ومن ذلك مسألة تعدّد الطّلاق وأفتى (رحمه الله) بأنّ الطلاقات الثلاثة في مجلس واحد هي بمثابة الطّلاق الواحد(1).
1 ـ رسالة الإسلام : العدد الأول السنة 11 ص 108، نقلاً عن هامش كنز العرفان : ج 2 ص 271.
في هذه الآية وآيات كثيرة اُخرى عبّرت عن القوانين الإلهيّة بكلمة (حد) وبهذا فإن المعصية ومخالفة هذه القوانين تُعدّ تجاوزاً للحد، وفي الواقع فأنّ بين الأعمال التي يؤدّيها الإنسان توجد مجموعة مناطق ممنوعة، أي يكون الدخول فيها خطراً وترسم القوانين والأحكام الإلهيّة حدود هذه المناطق الممنوعة كالعلامات المنصوبة على تلك المناطق، ولهذا نقرأ في سورة البقرة النهي عن الإقتراب من هذه الحدود (تلك حدود الله فلا تقربوها)(1) لأنّ الإقتراب منها يُعرّض الإنسان إلى خطر السقوط في الهاوية، وكذلك ورد النهي في روايات أهل البيت (عليهم السلام) عن مواضع الشبهة، لأنّه بحكم الإقتراب من شفا الهاوية الذي قد يستتبعه السقوط بأدنى غفلة (من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه).
* * *
1 ـ البقرة : 187.
فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِما أَن يَتَرَاجَعَآ إن ظَنَّآ أَن يُقِيَما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْم يَعْلَمُونَ (230)
جاءت امرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالت.: كنتُ عند ابن عمّي (رفاعة) فطلّقني ثلاثاً، فتزوّجت بعده عبدالرحمن بن الزبير، ولكنّه أيضاً طلّقني قبل أن يمسّني، فهل لي أن أعود إلى زوجي الأول ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا، حتّى يذوق عسيلتك، وتذوقي عسيلته» أي حتّى يتمّ النكاح مع الزوج الثاني(1).
جاء في الآية السابقة إجمالاً أنّ للمرأة وللرجل بعد الطلاق الثاني أحد
1 ـ مجمع البيان : ج 1 و 2 ص 330، مع التلخيص من سبب النّزول الوارد في تفسير روح المعاني، والقرطبي، والمراغي.
أمرين : إمّا أن يتصالحا ويرجعا إلى الحياة الزوجية، وإمّا أن ينفصلا إنفصالاً نهائياً.
هذه الآية حكمها حكم الفقرة التابعة لمادّة قانونية.
فهذه الآية تقول إن حكم الإنفصال حكم دائمي، إلاَّ إذا اتخذت المرأة زوجاً آخر، وطلّقها بعد الدخول بها، فعندئذ لها أن ترجع إلى زوجها الأوّل إذا رأيا أنهما قادران على أن يعيشا معاً ضمن حدود الله.
ويستفاد من الرّوايات عن أئمّة الدّين أنّ لهذا الزّواج الثاني شرطين، أوّلاً : أن يكون هذا الزّواج دائميّاً، والثاني : أن يتبع عقد الزّواج الإتّصال الجنسي، ويمكن استفادة هذين الشرطين من مفهوم الآية أيضاً، أمّا الأوّل وهو أن يكون العقد دائميّاً فلجملة (فإن طلّقها) الشاهدة على هذا المعنى، لأنّ الطّلاق لايكون إلاّ في العقد الدائمي، وأمّا الوطىء فيمكن أن يُستفاد من جملة (حتّى تنكح زوجاً غيره) لأنّ المستعمل في سيرة اُدباء العرب أنّهم حينما يقولون (نكح فلاناً فلانة) فيُمكن أن يراد منه مجرّد العقد، أمّا لو قيل (نكح زوجته) فهذا يدلّ على الوطىء (لأنّه حسب الفرض أنّها زوجته فعندما يقال (نكح) في مورد الزوجة فلا يعني سوى العمليّة الجنسيّة)(1) مضافاً إلى أنّ المطلّق ينصرف إلى الفرد الغالب والغالب في عقد الزواج هو إقترانه بالوطىء، ومضافاً إلى ما تقدّم فإنّ لهذا الحكم فلسفة خاصّة لا تتحقّق بمجرّد إجراء العقد كما سنشير إلى ذلك لاحقاً.
* * *
المعمول بين الفقهاء أنّهم يطلقون على الزّوج الثاني في هذه الموارد قسم
1 ـ تفسير الكبير : ج 6 ص 104.
(المحلّل) لأنّه يؤدّي إلى أن تكون هذه المرأة حلال لزوجها السّابق (طبعاً بعد الطّلاق والعدّة) والظّاهر أنّ مراد الشارع المقدّس من ذلك هو منع تعدّد الطّلقات.
توضيح ذلك : كما أنّ الزّواج أمر ضروريٌّ وحياتيٌّ بالنّسبة للإنسان، فكذلك الطّلاق تحت شرائط خاصّة يكون ضروريّاً أيضاً، ولذلك نجد أنّ الإسلام (وخلافاً للمسيحيّة المحرّفة) يُبيح الطّلاق، ولكن بما أنّه يؤدّي إلى تشتيت العائلة وإلى إنزال ضربات موجعة بالفرد والمجتمع، فقد وضعت شروط متنوعة للحيلولة دون وقوع الطّلاق قدر إمكان.
إنّ موضوع الزواج المجدّد أو «المحلّل» واحد من تلك الشروط، إذ أنّ زواج المرأة من رجل جديد بعد طلاقها من زوجها الأول ثلاثاً يعتبر عائقاً كبيراً بوجه استمرار الطلاق أو التمادي فيه. فالذي يريد أن يطلّق زوجته الطلاق الثالث، يشعر أنّه إن فعل ذلك فلن تعود إليه وتكون من نصيب غيره، وهذا الشعور يجرح كرامته، ولذلك فهو لن يقدم على هذا العمل عادةً إلاَّ مضطرّاً.
في الحقيقة أنّ قضية «المحلّل» أو الأصحّ زواج المرأة برجل آخر زواجاً دائمياً يعتبر مانعاً يقف بوجه الرجال من ذوي الأهواء المتقلّبة والمخادعين لكي لا يجعلوا من النساء ألاعيب بين أيديهم وغرضاً لخدمة أهوائهم، وأن لا يمارسوا ـ بلا حدود ـ قانون الطلاق والعودة.
إنّ شروط هذا الزواج (كأن يكون دائمياً) تدلّ على أنّ هذا الزواج ليس هدفه إيجاد وسيلة لإيصال الزوجة إلى زوجها الأول، لأنه يحتمل أن لا يطلقها الزوج الثاني، لذلك فلا يمكن استغلال هذا القانون ورفع العائق عن طريق زواج مؤقّت.
ومع الإلتفات إلى ما ذُكر أعلاه يمكن القول أنّ هدف الزّواج الثاني بعد ثلاث طلقات والسّماح لكلّ من الزوجين في تشكيل حياة زوجيّة جديدة من أجل أن لا يصبح الزّواج هذا الرّباط المقدّس مدعاة للتّغالب وفق أهواء الزوج الأوّل
ومشتهياته الشّيطانية، وفي نفس الوقت إذا طلّقها الزوج الثاني فإنّ طريق العودة والرّجوع سيكون مفتوحاً أمامهما فيجوز للزّوج الأوّل نكاحها من جديد، ولذلك اُطلق على الزوج الثاني (المحلّل).
ومن هنا يتّضح أنّ البحث يخص الزّواج الواقعي الجاد بالنّسبة إلى المحلّل، أمّا إذا قصد شخص منذ البداية أن يتوسّل بزواج مؤقّت، واعتبر القضية مجرّد شكليّات يحلّها (المحلّل) فإنّ زواجاً هذا شأنه لا يُؤخذ به ويكون باطلاً، كما أنّ المرأة لا تحلّ لزوجها الأوّل، ولعلّ الحديث المذكور (لعن الله المحلّل والمحلّل له)(1) يشير إلى هذا النوع من المحلّلين، وهذا الأُسلوب من الزّواج الظّاهري والشكلي.
وذهب البعض إلى أنّ الزوج الثاني إذا قصد الزّواج الدائمي الجدّي، ولكن كانت نيّته أن يفتح طريق عودة المرأة ورجوعها إلى الزّوج الأوّل، فإن هذا الزّواج يُعتبر باطلاً أيضاً، وذهب البعض أيضاً إلى أنّه في هذه الحالة يقع الزّواج صحيحاً رغم أن نيّته هي إرجاع المرأة إلى زوجها الأوّل، ولكنّه مكروهاً بشرط أن لا يُذكر هذا المعنى كالجزء من شرائط العقد.
ومن هنا يتتضح أيضاً الضجّة المفتعلة للمغرضين الّذين اتّخذوا من (المحلّل) ذريعة لِشن حملاتهم الظّالمة على أحكام الإسلام ومقدّساته، فهذه الضجّة المفتعلة دليل على جهلهم وحقدهم على الإسلام، وإلاّ فإنّ هذا الحكم الإلهي بالشّرائط المذكورة عامل على منع الطّلاق المتكرّر والحدّ من التصرّفات الهوجاء لبعض الأزواج، ودافعٌ على إصلاح الوضع العائلي وإصلاح الحياة الزوجيّة.
* * *
1 ـ مجمع البيان : ج 2 ص 331، ونقل هذا الحديث تفسير القرطبي والمنار والمراغي في ذيل الآية المبحوثة أيضاً.
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ الِنّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوف أَو سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوف وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُوا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُواْ ءَايَـاتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنَزلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَـابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ (231)
![]() |
![]() |
![]() |