![]() |
![]() |
![]() |
الحكم المذكور (أي الجلد)، أمّا الإِماء اللاتي لم يتعرضن للضغط والإِجبار، ويمكنهنّ أن يعشن عفيفات نقيات، فإِنهنّ إِذا أتين بالفاحشة عوقبن كما تعاقب الحرائر وإِن كانت عقوبة هذا النوع من الإِماء على النصف من حدّ الحرائر في الزنا.
ثمّ قال سبحانه معقباً على الحكم السابق: (ذلك لمن خشي العنت منكم)و«العنت» (على وزن سند) يقال في الأصل للعظم المجبور ـ بعد الكسر ـ إِذا أصابه ألم وكسر آخر فهضّه قد أعنته، لأن هذا النوع من الكسر مؤلم جدّاً، ولهذا يستعمل في المشاكل الباهظة والأعمال المؤلمة.
ويقصد الكتاب العزيز من العبارة الحاضرة أنّ الزواج بالإِماء إِنّما يجوز لمن يعاني من ضغط شديد بسبب شدّة غلبة الغريزة الجنسية عليه ولم يكن قادراً على التزوج بالحرائر من النساء، وعلى هذا الأساس لا يجوز الزواج بالإِماء لغير هذه الطائفة.
ويمكن أن تكون فلسفة هذا الحكم في أنّ الإِماء خاصّة في تلك العهود لم يحظين بتربية جيدة، ولهذا كن يعانين من نواقص خلقية ونفسية وعاطفية، ومن الطبيعي أن يتّخذ الأطفال المتولدون من هذا الزواج صفة الأُمهات ويكتسبوا خصوصياتهنّ الخلقية، ولهذا السبب طرح الإِسلام طريقة دقيقة لتحرير العبيد تدريجاً حتى لا يبتلوا بهذا المصير السيء، وفي نفس الوقت فسح للأرقاء أنفسهم أن يتزوجوا فيما بينهم.
نعم، هذا الموضوع لا يتنافى مع وضع بعض الإِماء اللائي حظين بوضع استثنائي وخاص من الناحية الخلقية والتربوية، فالحكم المذكور أعلاه يرتبط بأغلبية الإِماء، وكون بعض أُمهات الأئمّة، من أهل البيت النبوي(عليهم السلام) من الإِماء هو من هذه الجهة، ولكن لابدّ من الإِنتباه إِلى أنّ ما قيل في مجال الإِماء من
«المنع في غير الضرورة» هو الزواج بهنّ، لا نكاحهنّ بسبب الملك، فإِنّه لا مانع منه حتى في غير الضرورة.
ثمّ عقب سبحانه على ذلك بقوله: (وإِن تصبروا خير لكم) أي إِن صبركم عن التزوج بالإماء ما استطعتم وما لم تقعوا في الزنا خير لكم ومن مصلحتكم: (والله غفور رحيم) أي يغفر الله لكم ما تقدم منكم بجهل أو غفلة فهو رحيم بكم.
* * *
يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(26) وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيماً(27)يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الاِْنسَـنُ ضَعِيفاً(28)
بعد أن بيّن الله سبحانه في الآيات السابقة ما هناك من شروط وقيود وأحكام مختلفة في مجال الزواج، يمكن أن ينقدح سؤال في ذهن البعض وهو: ما المقصود من كلّ هذه القيود ولماذا الحدود القانونية؟ ألم يكن من الأفضل أن تترك للأفراد الحرية الكاملة في هذه المسائل، ليتاح لهم أن يستفيدوا من هذا الأمر وليتعرفوا في هذا المجال كما يفعل عبدة الدنيا حيث يتوسلون بكل وسيلة في طريق اللّذة؟
إِنّ الآيات الحاضرة هي في الحقيقة إِجابة على هذه التساؤلات إِذ يقول سبحانه: (يريد الله ليبيّن لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم)أي أنّ الله يبيّن لكم الحقائق بواسطة هذه القوانين ويهديكم إِلى ما فيه مصالحكم،
مع العلم بأن هذه الأحكام لا تختص بكم، فقد سار عليها من سبقكم من أهل الحق من الأمم الصالحة، هذا مضافاً إِلى أنّ الله تعالى يريد أن يغفر لكم ويعيد عليكم نعمه التي قطعت عنكم بسبب إنحرافكم عن جادة الحقّ، وكل هذا إِنّما يكون إِذا عُدتم عن طريق الإِنحراف الذي سلكتموه في عهد الجاهلية وقبل الإِسلام.
(والله عليم حكيم) يعلم بأسرار الأحكام، ويشرعها لكم عن حكمة.
ثمّ إِن لله سبحانه أكّد ما مرّ بقوله: (والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشّهوات أن تميلوا ميلا عظيماً) أي أنّ الله يريد بتشريع هذه الأحكام لكم أن يعيد عليكم نعمه التي قطعت ومنعت عنكم بسبب ذنوبكم، وارتكابكم للشّهوات، ولكن الذين يريدون الإِنسياق وراء الشّهوات الغارقين في الآثام والذنوب يريدون لكم أن تنحرفوا عن طريق السعادة، إِنّهم يريدون أن تسايروهم في اتّباع الشّهوات وأن تنغمسوا في الآثار انغماساً كاملا، فهل ترون ـ والحال هذه ـ إِنّ هذه القيود والحدود الكفيلة بضمان سعادتكم وخيركم ومصلحتكم أفضل لكم، أو الحرية المنفلتة المقرونة بالإِنحطاط الخلقي، والفساد والسقوط؟
إِنّ هذه الآيات في الحقيقة تجيب على تساؤل أُولئك الأفراد الذين يعيشون في عصرنا الحاضر أيضاً والذين يعترضون على القيود والحدود المفروضة في مجال القضايا الجنسية، وتقول لهم: إنّ الحريات المطلقة المنفلتة ليست أكثر من سراب، وهي لا تنتج سوى الإِنحراف الكبير عن مسير السعادة والتكامل الإِنساني، وكما توجب التورط في المتاهات والمجاهل، وتستلزم العواقب الشريرة التي يتجسد بعضها في ما نراه بأُم أعيننا من تبعثر العوائل، ووقوع أنواع الجريمة الجنسية البشعة، وظهور الأمراض التناسلية والآلام الروحية والنفسية المقيتة، ونشوء الأولاد غير الشرعيين حيث يكثر فيهم المجرمون القساة الجناة.
ثمّ إنّه سبحانه يقول بعد كل هذا: (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإِنسان
ضعيفاً) وهذه الآية إِشارة إِلى أنّ النقطة التالية وهي أنّ الحكم السابق في مجال حرية التزوج بالإِماء بشروط معينة ما هو ـ في الحقيقة ـ إِلاّ تخفيف وتوسعة، ذلك لأنّ الإِنسان خلق ضعيفاً، فلابدّ وهو يواجه طوفان الغرائز المتنوعة الجامحة التي تحاصره وتهجم عليه من كل صوب وحدب أن تطرح عليه طرق ووسائل مشروعة لإِرضاء غرائزه، ليتمكن من حفظ نفسه من الإِنحراف والسقوط.
* * *
يَـأيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَلَكُم بَيْنَكُم بِالْبَـطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَـرَةً عَن تَرَاض مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً(29) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً(30)
الآية الأُولى من هاتين الآيتين تشكل ـ في الحقيقة ـ القاعدة الأساسية للقوانين الإِسلامية في مجال المسائل المتعلقة «بالمعاملات والمبادلات المالية» ولهذا يستدلّ بها فقهاء الإِسلام في جميع أبواب المعاملات والمبادلات المالية.
إِنّ هذه الآية تخاطب المؤمنين بقولها: (يا أيّها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وهذا يعني أنّ أي تصرف في أموال الغير بدون حق أو بدون أي مبرر منطقي ومعقول، ممنوع ومحرم من وجهة نظر الإِسلام، فقد أدرج الإِسلام كل هذه الأمور تحت عنوان «الباطل» الذي له مفهوم واسع وكبير.
والباطل كما نعلم يقابل «الحقّ» وهو شامل لكل ما ليس بحقّ وكلّ ما لا هدف له ولا أساس.
وفي آيات أُخرى من القرآن الكريم أكّد هذا المعنى بعبارات شبيهة بالعبارة المذكورة في الآية الحاضرة، فعندما يشنع على اليهود ويذكر أعمالهم القبيحة يقول: (وأكلهم أموال الناس بالباطل)(1) ويقول في الآية (188) من سورة البقرة (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) كمقدمة للنهي عن جر الناس إِلى المحاكم وأكل أموالهم بحجج واهية غير منطقية.
وعلى هذا الأساس يندرج تحت هذا العنوان الكلي كل لون من ألوان العدوان، والغش، وجميع المعاملات الرّبوية، والمعاملات المجهولة الخصوصيات تماماً، وتعاطي البضائع التي لا فائدة فيها بحكم العقلاء، والتجارة بأدوات اللهو والفساد والمعصية وما شاكل ذلك.
وتفسير بعض الروايات كلمة «الباطل» بالقمار والرّبا وما شابه ذلك إِنّما هو في الحقيقة من باب ذكر المصاديق الواضحة لهذا المفهوم، وليس من باب الحصر والقصر.
ولعلّنا لا نحتاج إِلى التذكير بأنّ التعبير بـ «الأكل» كناية عن كل تصرف، سواء تمّ بصورة الأكل المتعارف أو اللبس، أو السكنى أو غير ذلك، تعبير رائج في اللغة العربية وغير العربية، غير غريب على الإِستعمال.
ثمّ إِنّ الله سبحانه يقول معقباً على العبارات السابقة: (إِلاّ أن تكون تجارة عن تراض).
وهذه العبارة استثناء من القانون الكلي، وهو بحسب الإِصطلاح «استثناء منقطع»(2) وهو يعني إِن ما جاء في هذا العبارة لم يكن مشمولا للحكم السابق من الأساس، بل قد ذكر تأكيداً وتذكيراً، فهو في حدّ ذاته قانون كلي، وضابطة عامّة
1 ـ النساء، 161.
2 ـ الإِستثناء المنقطع يأتي ـ غالباً ـ لتأكيد عمومية الحكم العام، وهو أمر صادق في المقام، هذا مضافاً إِلى أنه يكشف عن هذه الحقيقة، وهي أن تحريم التصرفات الباطلة لا يقفل عليكم أبواب الرزق والحياة، بل في إمكانكم أن تحققوا أهدافكم عن طريق التجارة المشروعة والكسب المباح شرعاً.
برأسها، لأنّه يقول: إِلاّ أن يكون التصرف في أموال الآخرين بسبب التجارة الحاصلة في ما بينكم، والتي تكون عن رضا الطرفين.
فبناء على هذا تكون جميع أنواع المعاملات المالية والتبادل التجاري الرائج بين الناس ـ في ما إذا تمّ برضا الطرفين وكان له وجه معقول ـ أمراً جائزاً من وجهة نظر الإِسلام (إِلاّ الموارد التي ورد فيها نهي صريح لمصالح خاصّة).
ثمّ أنّه تعالى ينهى في ذيل هذه الآية عن قتل الإِنسان لنفسه إِذ يقول: (ولا تقتلوا أنفسكم) وظاهر هذه الجملة بقرينة قوله: (إِنّ الله كان بكم رحيماً) النهي عن الإِنتحار، يعني أنّ الله الرحيم كما لا يرضى بأن تقتلوا أحداً، كذلك لا يسمح لكم ولا يرضى بأن تقتلوا أنفسكم بأيديكم، وقد فسّرت الآية الحاضرة في روايات أهل البيت(عليهم السلام) بالانتحار أيضاً(1).
وهنا يطرح سؤال وهو: أي ارتباط بين مسألة قتل الإِنسان لنفسه، و«التصرف الباطل في أموال الناس»؟
إنّ الجواب على هذا السؤال واضح تماماً، وفي الحقيقة يشير القرآن بذكر هذين الحكمين بصورة متتالية إِلى نكتة إجتماعية مهمّة، وهي أنّ العلاقات الإِقتصادية في المجتمع إِذا لم تكن قائمة على أساس صحيح، ولم يتقدم الإِقتصاد الإِجتماعي في الطريق السليم، ووقع الظلم والتصرف العدواني في أموال الغير أصيب المجتمع بنوع من الإِنتحار، وآل الأمر إِلى تصاعد حالات الإِنتحار الفردي مضافاً إِلى الإِنتحار الجماعي الذي هو من آثار الإِنتحار الفردي ضمناً.
إِنّ الحوادث والثورات التي تقع في المجتمعات العالمية المعاصرة خير شاهد وأفضل دليل على هذه الحقيقة، وحيث أنّ الله لطيف بعباده رحيم بخلقه فقد أنذرهم وحذرهم من مغبة الأمر، وحثّهم على تجنب المبادلات الإِقتصادية
1 ـ راجع تفسير مجمع البيان، ذيل الآية، وتفسير نور الثقلين، ج 1، ص 472.
المالية الغير الصحيحة، وأخطرهم بأن الإِقتصاد المريض يؤدي بالمجتمع إِلى السقوط والإِنهيار، والفناء والإِندحار.
كما حذر قائلا: (ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه(1) ناراً) أي أن من يعصي هذه الأحكام ويتجاهل هذا التحذير، ويأكل أموال الآخرين بالباطل ودون استحقاق، أو ينتحر بيديه لم يصبه العذاب الإليم في الدنيا فحسب، بل ستصيبه نار الغضب الإِلهي، وهذا أمر هين على الله: (وكان ذلك على الله يسيراً).
* * *
1 ـ «الصلي» يعني في الأصل الإِقتراب إِلى النار، ويطلق على التدفؤ والإِحتراق والإِكتواء بالنار أيضاً، وقد استعملت في الآية الحاضرة في معنى الإِحتراق بالنار إحتراقاً.
إِن تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلا كَرِيماً(31)
هذه الآية تقول بصراحة: (إِن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيئاتكم وندخلكم مُدخلا كريماً).
ومن هذا التعبير يستفاد أنّ المعاصي والذنوب على قسمين:
القسم الأوّل: هو ما يسمّيه القرآن الكريم بالمعصية الكبيرة.
والقسم الثّاني وهو ما يسمّيه القرآن الكريم بالسّيئة.
وقد عبّر في الآية (32) من سورة النجم «باللمم»(1) بدلا عن السيئة، وفي الآية (49) من سورة الكهف ذلك لفظة «الصّغيرة» في مقابل الكبيرة عندما يقول: (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها).
ومن التعابير المذكورة يثبت ـ بوضوح ـ أنّ الذنوب والمعاصي على صنفين محددين، يعبر عنهما تارةً بالكبيرة والصغيرة، وتارةً أُخرى بالكبيرة والسيئة،
1 ـ «اللمم» (على وزن القسم) تعني الأعمال الصغيرة غير الهامة.
وثالثة بالكبيرة و«اللمم».
والآن يجب أن نعرف ما هو الملاك والضابطة في تحديد الصّغيرة والكبيرة.
يذهب البعض إِلى أنّ هذين الوصفين من الأُمور النسبية، تكون كل معصية بالنسبة إِلى ما هو أكبر منها صغيرة، وبالنسبة إِلى ما هو أصغر منها كبيرة(1).
ولكن من الواضح أنّ هذا المعنى لا ينسجم مع ظاهر الآية الحاضرة، لأنّ الآية الحاضرة تقسم الذنوب إِلى صنفين مستقلين، وتعتبرهما نوعين متقابلين، وتعتبر الإِجتناب عن صنف موجباً للعفو والتكفير عن الصنف الآخر.
ولكننا إِذا راجعنا المعنى اللغوي للكبيرة وجدنا أنّ الكبيرة هي كل معصية بالغة الأهميّة من وجهة نظر الإِسلام، ويمكن أن تكون علامة تلك الأهمية أن القرآن لم يكتف بالنهي عنها فقط، بل أردف ذلك بالتهديد بعذاب جهنم، مثل قتل النفس والزنا وأكل الربا وأمثال ذلك، ولهذا جاء في روايات أهل البيت(عليهم السلام): «الكبائر التي أوجب الله عز وجل عليها النار»، وقد روي مضمون هذا الحديث عن الإِمام الباقر(عليه السلام) والإِمام الصادق(عليه السلام)، والإِمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)(2).
وعلى هذا الأساس تسهل معرفة المعاصي الكبيرة إِذا أخذنا بنظر الإِعتبار الضابطة المذكورة، وما قد ذكر في بعض الروايات من أنّ عدد الكبائر سبع وفي بعضها عشرون وفي بعضها سبعون لا ينافي ما ذكرناه قبل قليل، إِذ أن ّبعض هذه الروايات يشير ـ في الحقيقة ـ إِلى المعاصي الكبيرة من الدرجة الأُولى، وبعضها الآخر يشير إِلى المعاصي الكبيرة من الدرجة الثّانية، وبعضها الثالث يشير إِلى جميع الذّنوب الكبيرة.
1 ـ وقد نسب العلاّمة الطبرسي(رحمه الله) في مجمع البيان هذا الإِعتقاد إلى علماء الشيعة في حين أنّ الأمر ليس كذلك، فلكثير من علماء الشيعة رأي آخر سنأتي على ذكره بالتفصيل.
2 ـ نور الثقلين، ج 1، ص 473.
إشكال:
يمكن أن يقال أنّ هذه الآية تشجع الناس على ارتكاب المعاصي والذنوب الصغيرة إذاً، كأنّها تقول: لا بأس بارتكاب المعاصي الصغيرة شريطة ترك الكبائر من الذنوب.
الجواب:
إِنّ الجواب على هذا الإِشكال يتّضح من التعبير المذكور في الآية الحاضرة، إِذ يقول القرآن الكريم: (نكفّر عنكم سيئاتكم) يعني إنّ الإِجتناب عن الذنوب الكبار، خصوصاً مع توفر أرضية ارتكابها، يوجد حالة من التقوى الروحية لدى الإِنسان يمكنها أن تطهره من آثار الذنوب والمعاصي الصغيرة.
وفي الحقيقة أنّ الآية الحاضرة تشبه الآية (114) من سورة هود التي تقول: (إِنّ الحسنات يذهبن السيئات) فهي إِشارة إِلى أحد الآثار الواقعية للأعمال الصالحة وهو يشبه ما إِذا قلن:، إِذا اجتنب الإِنسان المواد السّامة الخطيرة وتوفرت له صحة جيدة ومناعة قوية أمكنه أن يتخلص من الآثار السيئة لبعض الأطعمة غير المناسبة لسلامة مزاجه، وبسبب مناعته الجسمية.
وبتعبير آخر إنّ التكفير عن الذنوب الصغيرة وغفرانها يعد نوعاً من «الأجر المعنوي» لتاركي المعاصي والذنوب الكبيرة، ولهذا ـ في الحقيقة ـ أثر تشجيعي قوي على ترك الكبائر، محفز على إجتنابها.
إِلاّ أنّ هاهنا نقطة مهمّة لابدّ من الإِلتفات إِليها، وهي أنّ المعاصي الصغيرة تبقى صغيرة ما لم تتكرر، هذا مضافاً إِلى كونها لا تصدر عن استكبار أو غرور وطغيان، لأنّ الصغائر ـ كما يستفاد من الكتاب العزيز والأحاديث الشريفة ـ تتبدل إِلى الكبيرة في عدّة موارد هي:
1 ـ إِذا «تكررت الصغيرة»، قال الإِمام الصّادق(عليه السلام): «لا صغيرة مع الإِصرار».
2 ـ إِذا استصغر صاحب المعصية معصيته واستحقرها، فقد جاء في نهج البلاغة: «أشدّ الذّنوب ما استهان به صاحبه».
3 ـ إِذا ارتكبها مرتكبها عن عناد واستكبار وطغيان وتمرد على أوامر الله تعالى، وهذا هو ما يستفاد من آيات قرآنية متنوعة إِجمالا، من ذلك قوله تعالى: (فأمّا من طغى وآثر الحياة الدنيا، فإِن الجحيم هي المأوى)(1).
4 ـ إِن صدرت المعصية ممن لهم مكانة إِجتماعية خاصّة بين الناس وممن لا تحسب معصيتهم كمعصية الآخرين، فقد جاء في القرآن الكريم حول نساء النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في سورة الإحزاب الآية (30): (يا نساء النّبي من يأتِ منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذلب ضعفين)، وقد روي عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: (من سن سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئاً).
5 ـ أن يفرح مرتكب المعصية بما إقترفه من المعصية، ويفتخر بذلك كما روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «من أذنب ذنباً وهو ضاحك دخل النّار وهو باك».
6 ـ أن يعتبر تأخير العذاب العاجل عنه على المعصية دليلا على رضاه تعالى، ويرى العبد نفسه محصناً من العقوبة آمناً من العذاب، أو يرى لنفسه مكانة عند الله لا يعاقبه الله على معصية لأجلها، كما جاء في سورة المجادلة الآية (8) حاكياً عن لسان بعض العصاة المغرورين الذين يقولون في أنفسهم: (لولا يعذبنا الله بما نقول)، ثمّ يرد عليهم القرآن الكريم قائلا: (حسبهم جهنّم)(2).
* * *
1 ـ النازعات، 37 ـ 39.
2 ـ المحجة البيضاء، ج 7، ص 61.
وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْض لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْء عَلِيماً(32)
قال المفسّر الشّهير الطّبرسي(رحمه الله) في «مجمع البيان»: قيل أن أُم سلمة (وهي من أزواج النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)) قالت: يا رسول الله يغزو الرجال ولا تغزو النساء، وإِنّما لنا نصف الميراث؟ فليتنا رجال ونغزو ونبلغ ما يبلغ الرجال، فنزلت الآية تجيب على جميع هذه التساؤلات.
ونقرأ في تفسير المنار: إِنّ جماعة من الرجال المسلمين قالوا: نرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهنّ في الميراث فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء، وقالت جماعة من النساء المسلمات: إِنا نرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا، فنزلت الآية.
وقد ذكر سبب النّزول هذا بعينه في تفسير «في ظلال القرآن» وتفسير «روح المعاني» مع فارق بسيط.
لقد أوجب التفاوت في سهم الرجال والنساء من الإِرث ـ كما قرأت في سبب النزول ـ تساؤلا لدى البعض، ويبدو أنّهم لم يلتفتوا إِلى أنّ هذا التفاوت إِنّما هو لأجل أن النفقة بكاملها على الرجل، وليس على النساء شيء من نفقات العائلة، بل نفقة المرأة هي الاُخرى مفروضة على الرجل، ولهذا يكون ما تصيبه المرأة ضعف ما يصيبه الرجل من الثروة، ولهذا قال الله تعالى في هذه الآية: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض)، لأنّ لكل نوع من أنواع هذا التفضيل والتفاوت أسرار خفيّة عنكم غير ظاهرة لكم، سواء كان التفاوت من جهة الخلقة والجنسية وبقية الصفات الجسمية والروحية التي تشكل أساس النظام الإِجتماعي فيكم، أو التفاوت من الناحية الحقوقية بسبب اختلاف الموقع والمكانة كالتفاوت في سهم الإِرث، إِنّ جميع أنواع هذا التفاوت قائم على أساس العدل والقانون الإِلهي الحكيم، ولو كانت مصلحتكم في غير ذلك لسنّه وبيّنه لكم.
وعلى هذا فإِن تمنّى تغيير هذا الوضع نوع من المخالفة للمشيئة الرّبانية التي هي عين الحق والعدالة.
على أنّه يجب أن لا نتصور خطأً أنّ الآية الحاضرة تشير إِلى التفاوت المصطنع الذي برز نتيجة الإِستعمار والإِستغلال الطبقي، بل تشير إِلى الفروق الطبيعية الواقعية، لأنّ الفروق المصطنعة لا هي من المشيئة الإِلهية في شيء، ولا أن تمني تغييرها مرفوض وغير صحيح، بل هي فروق ظالمة وغير منطقية يجب السعي في رفعها وإزالتها وتفنيدها، فللمثال: لا يمكن للنساء أن يتمنين أن يكُنّ رجالا، كما لا يمكن للرجال أن يتمنوا أن يكونوا نساء، لأنّ وجود هذين الجنسين أمر ضروري للنظام الإِجتماعي الإِنساني، ولكن هذا التفاوت الجنسي يجب أن لا يتّخذ ذريعة، لأن يسحق أحد الجنسين حقوق الجنس الآخر، ومن هنا فإنّ الذين اتّخذوا هذة الآية ذريعة لإِثبات التمييز الإِجتماعي الظالم أو
يتصوروها حجّة على هذا التمييز قد أخطاوا خطأً كبيراً.
ولذا عقب الله سبحانه على الجملة السابقة فوراً بقوله: (للرّجال نصيب ممّا اكتسبوا وللنساء نصيب ممّا اكتسبن) أي لكلّ من الرجال والنساء نصيب من سعيه وجهده ومكانته سواء كانت مكانة طبيعية (كالتفاوت والفرق بين جنسي الرجل والمرأة) أو غير طبيعية ناشئة عن التفاوت بسبب الجهود الإِختيارية.
إنّ الجدير بالإِلتفات هنا هو: إنّ لكلمة «الإكتساب» التي هي بمعنى التحصيل مفهوماً واسعاً يشمل الجهود الإِختيارية، كما يشمل ما يحصل عليه الإِنسان بواسطة بنيانه الطبيعي.
ثمّ يقول: (واسألوا الله من فضله) أي بدل أن تتمنوا هذا التفضيل والتفاوت اطلبوا من فضل الله واسألوا من لطفه وكرمه أن يتفضل عليكم من نعمه المتنوعة وتوفيقاته ومثوباته الطيبة، لتكونوا ـ بنتيجة ذلك ـ سعداء رجالا ونساء، ومن أي عنصر كنتم، وعلى كل حال اطلبوا واسألوا ما هو خيركم وسعادتكم واقعاً، ولا تتمنوا ما هو خيال أو ما تتخيلونه (ولعلّ التعبير بلفظة «من فضله» إِشارة إِلى المعنى الأخير).
على أنّه من الواضح جدّاً أن طلب الفضل والعناية الرّبانية ليس بمعنى أن لا يسعى الإِنسان في الأخذ بأسباب كلّ شيء وعوامله، بل لابدّ من البحث عن فضل اللّه ورحمته من خلال الأسباب التي قرّرها وأرساها في الكون.
(إِنّ الله كان بكل شيء عليماً) أي يعلم ما يحتاج إِليه نظام المجتمع وما يلزمه من الفروق سواء من الناحية الطبيعية أو الحقوقية، ولهذا لا وجود للظلم والحيف ولا لأي شيء من التفاوت الظالم والتمييز غير العادل في أفعاله، كما أنّه تعالى خبير بما في بواطن الناس من الأسرار والخفايا والنوايا ويعلم من الذي يتمنى الأماني الخاطئة في قلبه، ومن يتمنى الأماني الإِيجابية الصحيحة البناءة.
إِنّ ثمّة كثيرين يطرحون على أنفسهم السّؤال التالي: لماذا خلق البعض بمواهب وقابليات أكثر، وآخرون بمواهب وقابليات أقل، والبعض متحلين بالجمال، وآخرون خُلوٌ منه، أو بجمال قليل، والبعض بامتيازات جسمية عالية وقوية متفوقة، وآخرون عاديين، هل يتلاءم هذا التفاوت مع العدل الإِلهي؟؟.
في الإِجابة على هذه التساؤلات لابدّ من الإِلتفات إِلى النقاط التالية:
1 ـ إِنّ بعض الفروق الجسمية والروحية بين الناس ناشئة عن الإِختلافات الطبقية والمظالم الإِجتماعية، أو التفريط الفردي الذي لا علاقة له بنظام الخلق وجهاز الإِيجاد أبداً، فمثلا كثير من أبناء الأغنياء أقوى من أبناء الفقراء وأكثر جمالا وتقدماً من ناحية المواهب والقابليات بسبب أن الفريق الأوّل (أولاد الأغنياء) يحظى بإمكانيات أكبر من حيث الغذاء والجوانب الصحية، في حين يعاني الفريق الثاني من حرمان ونقصان من هذه الجهة. أو أن هناك من يخسر الكثير من طاقاته الجسمية والروحية بسبب التواني، والبطالة، والتفريط والتقصير.
إِنّنا يجب أن نعتبر هذه الفروق وهذا التفاوت تفاوتاً ومصطنعاً ومزيفاً، وغير مبرر، ويتحقق القضاء عليها من خلال القضاء على النظام الطبقي، وتعميم العدالة الإِجتماعية في الحياة البشرية، والقرآن الكريم والإِسلام لا يقرّ أي شيء من هذه الفروق، وأي لون من ألوان هذا التفاوت والتمييز أبداً.
2 ـ إِنّ القسم الآخر من الفروق وألوان التفاوت أمر طبيعي، وشيء لازم من لوازم الجبلة البشرية، بل وضرورة من ضرورات الحياة الإِنسانية، يعني أنّ مجتمعاً من المجتمعات حتى إِذا كان يحظى بالعدالة الإِجتماعية الكاملة لا يمكن أن يكون جميع أفراده متساوين وعلى نمط واحد وصورة واحدة مثل منتجات معمل. بل لابدّ أن يكون هناك بعض التفاوت، ولكن يجب أن نعلم أنّ المواهب
الإِلهية والقابليات الجسمية والروحية قد قسمت ـ في الأغلب ـ تقسيماً يصيب فيه كل واحد قسطاً من تلك المواهب والقابليات. لا أن يحظى بعض بجميع المواهب، ويحرم آخرون من أي شيء منها، وبمعنى أنّه قل أن يوجد هناك من تجتمع فيه كل المواهب جملة واحدة، بل هناك من يحظى بالمقدرة البدنية الكافية، وآخر يحظى بموهبة رياضية جيدة، ومن يحظى بذوق شعري رفيع، وآخر يحظى برغبة كبيرة في التجارة، ومن يتمتع بذكاء وافر في مجال الزراعة، وآخر بمواهب وقابليات خاصّة أُخرى.
المهم أن يكتشف المجتمع أو الأفراد أنفسهم تلك المواهب والقابليات، وأن يقوموا بتربيتها وتنميته في بيئة سليمة، حتى يتمكن كل إنسان إظهار ما ينطوي عليه من نقطة ضعف ويستفيد منها.
3 ـ يجب أن نذكر القارىء أيضاً بأنّ المجتمع مثل الجسد الإِنساني بحاجة إِلى الأنسجة والعضلات والخلايا المختلفة، يعني كما أنّ البدن لو تألف جميعه من خلايا دقيقة ورقيقة مثل خلايا العين والمخ لم يدم طويلا، ولو تألف جميعه من خلايا غليظة وخشنة لا تعرف انعطافاً مثل خلايا العظام، فقدت القدرة الكافية على القيام بوظائفها، بل لابدّ أن تكون الخلايا المكونة للجسم متنوعة، ليصلح بعضها للقيام بوظيفة التفكير، وبعضها للمشاهدة والنظر، وآخر على الإِستماع ورابع على التحدث، هكذا لابدّ لوجود «المجتمع الكامل» من وجود عناصر ذات مواهب وقابليات وأذواق، وتراكيب مختلفة متنوعة، بدنية وفكرية، لكن لا يعني هذا أن يعاني بعض أعضاء الجسد الإِجتماعي من حرمان، أو تستصغر خدماته أو يستحقر دوره، تماماً كما تستفيد كل خلايا البدن الواحد رغم ما بينها من تفاوت وفروق من الغذاء والهواء وغيرها من الحاجات بالمقدار اللازم لكل واحد.
وبعبارة أُخرى: إِنّ الفروق وأشكال التفاوت في البنية الروحية والجسميةفي الجوانب الطبيعة (التي لا هي ظالمة ولا هي مفروضة) إنّما هي في الحقيقة مقتضى «الحكمة الرّبانية»، والعدل لا يمكنه بحال أن ينفصل عن الحكمة.
فعلى سبيل المثال إِذا كانت خلايا الجسم البشري مخلوقة في شكل واحد كان ذلك بعيداً عن الحكمة كما أنّه خال عن العدل الذي يعني وضع كل شيء في محله وموضعه المناسب، وكذلك إذا تشابه الناس في يوم من الأيّام في التفكير أو تشابهوا في القابلية والموهبة لتهافت بنيان المجتمع برمته في ذلك اليوم.
إِذن فما ورد في هذه الآية في مجال التفضيل والتفاوت في جبلة الرجل والمرأة وخلقتهما إِنّما هو في الواقع إِشارة إِلى هذا الموضوع، لأنه من البديهي إِذا كان البشر جميعاً رجالا، أو كانوا جميعاً نساء لإنقرض النوع البشري عاجلا، هذا مضافاً إِلى إنتفاء قسم من ملاذ البشر المشروعة.
فإذا اعترض جماعة قائلين لماذا خلق البشر صنفين رجالا ونساء، وزعموا بأنّ هذا الأمر لا يتلاءم مع العدالة الإِلهية. لم يكن هذا الإِعتراض منطقياً، لأنهم لم يلتفتوا إِلى حكمة هذا التفاوت، ولم يتدبروا فيها.
* * *
وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَلِىَ مِمَّا تَرَكَ الْوَلِدَانِ وَالاَْقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَـنُكُمْ فَأَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىْء شَهِيداً(33)
يعود القرآن مرّة أُخرى إِلى مسألة الإِرث إِذ يقول: (ولكلّ جعلنا موالي(1)ممّا ترك الوالدان والأقربون) أي لكل رجل أو امرأة جعلنا ورثة يرثون ممّا ترك الوالدان والأقربون الذي يجب أن يقسّم بينهم طبق برنامج خاص.
إنّ هذه العبارة هي ـ في الحقيقة ـ خلاصة أحكام الإرث التي مرّ ذكرها في الآيات السابقة في مجال الأقرباء، وهي مقدمة لحكم سيأتي بيانه في ما بعد.
ثمّ إنّ الله تعالى يضيف قائلا: (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) أي ادفعوا إِلى الذين عقدتم معهم عقداً نصيبهم من الإِرث.
والتعبير عن الميثاق بعقد اليمين (وهو العقد باليد اليمنى) لأجل أنّ الإِنسان
1 ـ «الموالي» جمع مولى، وهي في الأصل من مادة الولاية بمعنى الإِتصال والإِرتباط، وتطلق على جميع الأفراد الذين يرتبط بعضهم ببعض بنوع من الإِرتباط، غاية ما هناك أنّها تكون في بعض الموارد بمعنى إرتباط الولي، مع أتباعه، وأمّا في الآية الحاضرة فتكون بمعنى الورثة.
غالباً ما يستفيد من يده اليمنى للقيام بأعماله، كما أنّ الميثاق يشبه نوعاً من العقد (في مقابل الحل).
والآن لننظر من هم الذين عقد معهم الميثاق، الذين لابدّ أن يعطوا نصيبهم من الإِرث؟
يحتمل بعض المفسّرين أنّ المراد هو الزوج والزوجة لأنّهما عقدا في ما بينهما رابطة الزوجية.
ولكن هذا الإِحتمال يبدو مستبعداً، لأنّ التعبير عن الزواج بعقد اليمين ونظيره في القرآن الكريم قليل جداً، هذا مضافاً إِلى أنّه يعد تكراراً للمواضيع السابقة.
إنّ ما هو أقرب إِلى مفهوم الآية هو عقد «ضمان الجريرة» الذي كان رائجاً قبل الإِسلام، وقد عدله الإِسلام بعد أن أقرّه لما فيه من ناحية إِيجابية وهو: «أن يتعاقد شخصان فيما بينهما على أن يتعاونا فيما بينهما بشكل أخوي أن يعين أحدهما الآخر عند المشكلات، وإِذا مات أحدهما قبل الآخر ورثه الباقي» ولقد أقر الإِسلام هذا النوع من التعاقد الأخوي الودي، ولكنّه أكد على أنّ التوارث بسبب هذا الميثاق إنّما يمكن إِذا لم يكن هناك ورثة من طبقات الأقرباء، يعني إِذا لم يبق أحد من الأقرباء ورث ضامن الجريرة الذي وقع بينه وبين الآخر مثل هذا العقد (لمعرفة التفاصيل أكثر راجع بحث الإِرث في الكتب الفقهية)(1).
ثمّ ختم سبحانه الآية بقوله: (إنّ الله كان على كل شيء شهيداً) أي إِذا قصرتم في إعطاء نصيب الورثة ولم تعطوهم حقوقهم كاملة، علم الله بذلك ولم يخف عليه ما فعلتم، لأنّه على كل شيء شهيد وبكل شيء عليم.
* * *
1 ـ صورة عقد ضمان الجريرة هكذا «عاقدتك على أن تنصرني وأنصرك وتعقل عني وأعقل عنك وترثني وأرثك» فيقول الآخر: «قبلت».
الرِّجَالُ قَوَّمُونَ عَلَى النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض وَبِمَآ أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَلِهِمْ فَالصَّـلِحَـتُ قَـنِتَـتٌ حَـفِظَـتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَالَّـتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيّاً كَبِيراً(34)
![]() |
![]() |
![]() |