الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت ............................................................. 175

قال الكاتب: فإذا كان هذا نصيب رسول الله صلوات الله عليه ونصيب فاطمة، فما نصيب غيرهما؟ لقد شَكُّوا في الإمام محمد القانع هل هو ابن الرِّضا أم أنه ابن (.........). اقرأ معي هذا النص: عن علي بن جعفر الباقر [كذا] أنه قيل للرضا رضي الله عنه: ( ما كان فينا إمام قط حائل اللون - أي تغير واسوَّدَ - فقال لهم الرضا رضي الله عنه:

176 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

هو ابني، قالوا: فإن رسول الله (ص) قد قضى بالقافة - مفردها قائف وهو الذي يعرف الآثار والأشباه ويحكم بالنّسب - فبيننا وبينك القافة، قال ابعثوا أنتم إليه، فأما أنا فلا، ولا تعلموهم: لمَ دعوتُهم وَلْتكَونوا في بيوتكم. فلما جاءوا أقعدونا في البستان، واصطف عمومته واخوته وأخواته ، وأخذوا الرضا رضي الله عنه، وألبسوه جبة صوف، وقلنسوة منها، ووضعوا على عنقه مسحاة، وقالوا له: ادخل البستان كأنك تعمل فيه، ثم جاءوا بأبي جعفر رضي الله عنه، فقالوا: ألحقوا هذا الغلام بأبيه، فقالوا: ليس له ههنا أب، ولكن هذا عم أبيه، وهذا عمه، وهذه عمته، وإن يكن له ههنا أب فهو صاحب البستان، فإن قَدَمَيْه وقدميه واحدة، فلما رجع أبو الحسن قالوا: هذا أبوه) أصول الكافي 1/322.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها زكريا بن يحيى بن النعمان الصيرفي، وهو مجهول، لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

وعليه فهذه الرواية ساقطة، لا يصح الاحتجاج بها في شيء.

على أن في الرواية جهات من الإشكال كثيرة.

قال المحقق الخوئي قدس سره : يرد على الرواية وجوه:

الأول: أنها ضعيفة السند.

الثاني: أنها مخالفة لضرورة المذهب، فإنها اشتملت على عَرْض أخوات الإمام وعمَّاته على القافة، وهو حرام لا يصدر من الإمام عليه السلام .

وتوهم أن ذلك من جهة الاضطرار، وهو يبيح المحظورات، توهم فاسد، إذ لم تتوقف معرفة بنوة الجواد للرضا عليه السلام على إحضار النساء.

الثالث: أن الجماعة الذين بغوا على الرضا عليه السلام لينفوا بنوة الجواد عليه السلام عنه لو كانوا معتقدين بإمامة الرضا عليه السلام لما احتاجوا إلى القافة بعد إخباره بالبُنوة (1).

 

(1) مصباح الفقاهة 2/87.

 
 

الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت ............................................................. 177

قال الكاتب: أي أنهم شكوا في كون محمد القانع سلام الله عليه ابن الرضا رضي الله عنه ، بينما يؤكد الرضا رضي الله عنه أنه ابنه، وأما الباقون فإنهم أنكروا ذلك، ولهذا قالوا: (ما كان فينا إمام قط حائل اللون) ولا شك أن هذا طعن في عرض الرضا رضي الله عنه، واتهام لامرأته ، وشكٌّ في عِفَّتِها، ولهذا ذهبوا فأتوا بالقافة، وحكمَ القافةُ بأن محمداً القانع هو ابن الرضا رضي الله عنه لصلبه، عند ذلك رضوا وسكتوا.

وأقول : لو سلمنا بصحة هذه الرواية فهي لا ترتبط بشيعة الإمام عليه السلام ، ولا تدل على أنهم قد شكّوا في بنوة الإمام الجواد عليه السلام كما مرَّ نقله عن السيد الخوئي قدس سره.

بل ظاهر الرواية أن هؤلاء كانوا من الهاشميين ، ونحن لا نقول بعصمتهم أو بعدالتهم كلهم ، ولا امتناع في أن يصدر من بعضهم مثل هذا الأمر، فإن هذه الشكوك قد تراود بعض من لا يلتفت إلى عوامل الوراثة من الأب والأم، وأن الولد قد يشبه أحد أجداده البعداء من أبيه أو أمّه.

ولا ندري لعل شك هؤلاء القوم كان ناشئاً من غفلة أو تسرّع أو جهل، أو كانوا يريدون دفع التهمة، أو غير ذلك مما يُعذرون فيه.

والحاصل أن هذه الرواية إن صحَّت فلا مطعن فيها على الشيعة، لأن كل ما يصدر من آحاد الناس، أو من الذين لا يعتقدون بالإمامة لا يُدان به الشيعة ولا يُلزَمون به، وهو أمر واضح لا يحتاج إلى بيان أكثر.

وأود أن أنبّه القارئ الكريم إلى أن الشيعة لا يعبِّرون عن الإمام الجواد عليه السلام بالقانع كما صدر من الكاتب في هذا الموضع، وإن كان (القانع) من ألقابه عليه السلام.

قال الكاتب: من الممكن اتهام الآخرين بمثل هذه التهمة، وقد يُصَدِّقُ الناس ذلك، أما اتهام أهل البيت صلوات الله عليهم فهذا من أشنع ما يكون، وللأسف فإن

178 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

مصادرنا التي نزعم أنها نَقَلَتْ عِلمَ أهل البيت مليئة بمثل هذا الباطل، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وأقول: لقد أوضحنا أنه ليس كل حديث في المصادر الشيعية يصح الاحتجاج به أو يعتقد به الشيعة، فإن كتب الشيعة فيها الصحيح وفيها الضعيف، والضعيف لا قيمة له، ولا بد من طرحه وترك العمل به.

ولو صحَّ الإلزام بالضعيف لألزمْنا المخالفين بأمور كثيرة هم لا يلتزمون بها، ولاحتججنا عليهم بما لا يُقرِّون به، فلا أدري لمَ يُصِرُّ مدَّعي الاجتهاد والفقاهة على إلزام الشيعة بكل حديث يراه في كتبهم وإن كان من الروايات الضعيفة أو الأحاديث الموضوعة؟

قال الكاتب: عندما قرأنا هذا النص أيام دراستنا في الحوزة مر عليه علماؤنا ومراجعنا مرور الكرام، وما زِلتُ أذكر تعليل الخوئي عندما عرضتُ عليه هذا النص إذ قال ناقلاً عن السيد [كذا] آل كاشف الغطاء: إنما فعلوا ذلك لحرصهم على بقاء نسلهم نقياً!!

وأقول: هذه سقطة من سقطاته الواضحة كما ألمحنا إلى مثلها فيما مرَّ، فإن الكاتب لكونه سُنّيًّا يظن أن من ضمن مناهج الحوزة دراسة كتب الأحاديث ومنها الكافي للكليني، كما هو متعارف في الدراسة السُّنية التي من ضمنها دراسة كتب الأحاديث المشهورة عندهم، مع أن منهج الحوزة العلمية لا يشتمل على دراسة كتب الأحاديث، لا الكافي ولا غيره.

وطالب العلم من أول دراسته الحوزوية حتى وصوله إلى أعلى المراتب العلمية لا يمر به هذا النص إلا بمطالعاته الخارجية، وكتب الدراسة الحوزوية معروفة كلها،

الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت ............................................................. 179

وهي غير مشتملة على هذا الحديث.

ثم إن الكاتب لكونه يظن أن كاشف الغطاء كان أعلم من الخوئي فإنه من الطبيعي أن ينقل الخوئي كلاماً عن كاشف الغطاء، مع أن الخوئي لم ينقل في كل بحوثه ودروسه رأياً عن الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء قدس سره ولا قولاً من أقواله ، لأنه كان من أنداده لا من تلاميذه.

ولو كان الكاتب طالباً في الحوزة لعلم ذلك، ولكن عذره في ذلك أنه لم يعرف الحوزة إلا سماعاً، ولم يعِشْ فيها فيطَّلع على ما فيها، فصار يخبط خبط عشواء، ويمشي مشْيَ الأعمى في الظلماء.

 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب