الخمــس ........................................................................................ 303

الخمس

قال الكاتب: إن الخمس استُغِلَّ هو الآخر استغلالاً بَشعاً من قبَلِ الفقهاء والمجتهدين، وصار مورداً يُدرُّ على السادة والمجتهدين أموالاً طَائلة جداً، مع أن نصوص الشرع تدل على أن عَوام الشيعة في حِل من دَفع الخمس ، بل هو مباح لهم لا يجب عليهم إخراجه ، وإنما يتصرفون فيه كما يتصَرفون في سائر أموالهم ومكاسبهم، بل إن الذي يدفع الخمس للسادة والمجتهدين يعتبر آثماً لأنه خالف النصوص التي وردت عن أمير المؤمنين، وأئمة أهل البيت سلام الله عليهم.

وأقول: لقد بدا واضحاً لأهل السنة أن الخمس له دور بارز في قوة الشيعة واستقلالهم واستقلال علمائهم عن أن يكونوا تابعين لسلاطين الجور كما هو حال علماء أهل السنة منذ عصر الخلفاء الأوائل إلى هذا اليوم.

ولهذا حرص من كتب في نقد عقائد الشيعة على محاولة إبطال مشروعية الخمس، وتحريض الشيعة على الكف عن دفع الخمس إلى العلماء، لمحاولة جر البساط من تحت أقدام علماء الشيعة الذين كانوا وما يزالون يكتسبون القوة المالية من جهة الخمس.

304 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

وما محاولات الكاتب اليائسة إلا واحدة من محاولات عديدة باءت بالفشل الذريع، وانتهت بالخيبة والخسران بحمد الله ونعمته.

وسيلاحظ القارئ العزيز أن الكاتب قد فشلت كل مساعيه مع أنه رمى كل سهم في كنانته، وقذف كل حجر في جُعْبته، فصار يخبط خبط عشواء، ويتخبط في الظلمات على غير هدى.

وسيتضح من خلال ردِّنا على مزاعمه الفاسدة أن الخمس يجب دفعه على سائر المكلفين من أرباح المكاسب وأرباح التجارات وغيرها مما هو مذكور في محلِّه.

قال الكاتب: وحتى يقف القارئ اللبيب على حقيقة هذا الخمس وكيفية التصرف فيه سنستعرض موضوع الخمس، وتطوره تاريخياً وندعم بذلك نصوص الشرع، وأقوال الأئمة وفتاوى المجتهدين الذين يُعْتَدُّ بهم، وَيُعَوَّلُ على كلامهم:

1- عن ضريس الكناني
(1) قال أبو عبد الله رضي الله عنه: من أين دخل على الناس الزنا؟ قلت: لا أدري جُعلْتُ فداك، قال من قبَلِ خُمْسنا أهل البيت إلا شيعتنا الطيبين فإنه مُحَلَّلٌ لهَم لميلادهم. أصولَ الكَافي 2/502 شرح الشيخ مصطفى.

وأقول: قال المازندراني رحمه الله في شرح الحديث:
قوله: ( قال من قبل خمسنا ) لا يجوز لغير الشيعة أن يطأ الأمة التي سباها المقاتل بغير إذن الإمام، ولا أن يشتريها، ولا أن يجعل مهور النساء من منافع أنواع الاكتساب، لدخول حق الإمام في جميع ذلك، بل بعضها بالتمام حقّه، فلو فعل كان غاصباً وزانياً، وجرى في الولد حكم ولد الزنا عند الله تعالى، وجاز جميع ذلك للشيعة قبل إخراج حقه وحق مشاركيه من الهاشميين بإذنه، ليطيب فعلهم، وتزكو

 

(1) بل هو (الكناسي) لا الكناني.

 
 

الخمــس ........................................................................................ 305

ولادتهم (1).

وقال صاحب الجواهر قدس سره:
في عباراتهم نوع اختلاف بالنسبة للمباح، هل هو الأنفال، أو الخمس، أو الأعم، بل وفي أنه المناكح خاصة، أو هي والمتاجر والمساكن؟
(2)

ثم ذكر أقوال جملة من العلماء الماضين قدَّس الله أسرارهم، ثم قال: وفي السرائر بعد أن ذكر الأنفال وأنها للنبي . ثم للقائم مقامه، قال: ( فأما في حال الغيبة وزمانها واستتاره عليه السلام من أعدائه خوفاً على نفسه، فقد رخَّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم مما يتعلق بالأخماس وغيرها مما لا بدَّ لهم منه من المناكح والمتاجر، والمراد بالمتاجر أن يشتري الإنسان مما فيه حقوقهم عليهم السلام ويتَّجر في ذلك، فلا يتوهَّم متوهِّم أنه إذا ربح في ذلك المتجر شيئاً لا يخرج منه الخمس، فليُحصَّل ما قلناه فربما اشتبه. والمساكن، فأما ما عدا الثلاثة الأشياء فلا يجوز التصرف فيه على حال ) إلى آخره. وتبعهم في هذا التعبير وهذا الإجمال جماعة من المتأخرين بل جميعهم (3).

قلت: المناكح إما أن تحصل بملك اليمين أو بالتزويج، وملك اليمين إما أن يحصل بالسبي أو بالشراء، فإن حصل بالسبي بغير إذن الإمام عليه السلام، فالجواري ملك طِلْق للإمام عليه السلام، والإمام لا يبيح لغير الشيعة وطأهنَّ، فمن وطأهن من غيرهم فإن وطأه لهن سفاح.

وإن حصل ملك اليمين بالشراء، فلا ريب في أن خمس المال الذي دُفع ثمناً للجارية هو للإمام عليه السلام، لأنه من أرباح المكاسب، وهذا يستلزم أن تكون الجارية مشتركة بين الإمام عليه السلام وبين المشتري، وحيث إنه لا يجوز لأحد الشريكين أن يطأ

 

(1) شرح أصول الكافي 7/411.

(2) جواهر الكلام 16/145. (3) جواهر الكلام 16/147.  
 

306 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

الجارية المشتركة إلا بإذن الآخر، فإن الإمام عليه السلام لم يأذن لغير شيعته بذلك، فمن وطأها من غير الشيعة فإن وطأه أيضاً سفاح.

وأما إن حصلت المناكح بالتزويج فإن الأموال التي تُدفع منها المهور قد تعلق بها الخمس لا محالة، لأنها من أرباح المكاسب أيضاً، فتكون مشتركة بين الإمام وبين أصحابها، والإمام عليه السلام لا يجيز التصرف فيها لغير شيعته، فتكون المهور المأخوذة منها مغصوبة.

والظاهر أن المراد بالزنا في الحديث هو الزنا المجازي الوارد في بعض الأحاديث الدالة على أن لكل عضو حظاً من الزنا، فالعين زناها النظر، والأذن زناها السمع، واللسان زناه الكلام... وهكذا (1).

وإلا فلا ريب في أن كل أولئك لا يمكن أن يكونوا زناة حقيقة، وذلك لأن نكاحهم إن كان باطلاً فوطؤهم وطء شبهة كما لا يخفى.

ويرشد إلى ما قلناه وصف الشيعة في الحديث بأنهم الأطيبون، فإن فيه إشعاراً بأن غيرهم طيِّب، ولكن الشيعة أطيب.

والحاصل أن الذي يقتضيه الجمع بين أحاديث الإباحة وأحاديث التغليظ في

 

(1) أخرج مسلم في صحيحه 4/2046، 2047 بسنده عن أبي هريرة عن النبي 0 قال: كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مُدْرِكٌ ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخُطَا، والقلب يهوى ويتمنى، ويُصدِّق ذلك الفرجُ ويُكذِّبه.
وروي بألفاظ متقاربة في مصادر كثيرة، فراجع: صحيح البخاري 4/1964، 2068. المستدرك 1/55، 2/470 وصحَّحه الحاكم على شرط البخاري ومسلم، ووافقه الذهبي. سنن أبي داود 2/246، 247. صحيح ابن حبان 10/267-270. مسند أحمد 2/276، 317، 344، 349، 372، 379، 411، 431، 528، 535، 536. السنن الكبرى للبيهقي 7/89. السنن الكبرى للنسائي 6/473. مجمع الزوائد 6/256. شعب الإيمان 4/365-366. الترغيب والترهيب 3/8-9. شرح السنة للبغوي 1/137-138.

 
 

الخمــس ........................................................................................ 307

لزوم دفع الخمس هو أن المراد بإباحتها للشيعة إباحة التصرف لهم فيها ثم إخراج خمسها، لا إسقاط الخمس الواجب عليهم فيها.

قال الكاتب: 2- عن حكيم مؤذن بن عيسى قال: سألتُ أبا عبد الله عن قوله تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنما غنِمْتُم مِن شيْءٍ فَأنَّ لِلهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (الأنفال/41) فثنى أبو عبد الله رضي الله عنه بمرفقيه على ركبتيه ثم أشار بيده فقال: (هي والله الإفادة يوماً بيوم إلا أن أبي جعل شيعته في حِلٍّ ليزكوا). الكافي 2/499.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها محمد بن سنان، وهو ضعيف، وقد مرَّ بيان ضعفه.

ومن جملة رواة الحديث حكيم مؤذن بن عيسى كما في الكافي، أو حكيم مؤذن بني عبس كما في التهذيب والاستبصار، وهو مجهول الحال، لم يوثَّق في كتب الرجال.
وعليه فالرواية لا يعوَّل عليها ولا يؤخذ بها.

ومع الإغماض عن ضعف سندها فهي كسابقتها دالة على أن الإمام الباقر سلام الله عليه قد أباح لشيعته أن يتصرفوا في أموالهم التي تعلق بها الحق الشرعي في مناكحهم قبل إخراج الخمس منها، ويكون تصرفهم حينئذ جائزاً لهم.

قال المازندراني في شرح الحديث:
قوله: (هي والله الإفادة) دلَّ على أن الغنيمة تطلق على ما يستفاد بالاكتساب، وهي بهذا المعنى أعم منها بالمعنى المصطلح، وهو ما حازه المسلمون من أموال أهل الحرب إذا حواها العسكر، والمقصود أن ما استفيد بالاكتساب على أنواعه من التجارة والزراعة والصناعة وغيرها داخل الغنيمة، ويجب فيه الخمس.
إلى أن قال:
وفي قوله عليه السلام : ( إلّا أن أبي جعل شيعته في حل ليزكوا ) دلالة

308 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

واضحة على أنه يجوز للشيعي أن يجعل منافع الاكتساب مهراً للزوجة وثمناً للجارية قبل إخراج الخمس مطلقاً كما هو المشهور بين الأصحاب، والمخالف نادر (1).

قال الكاتب: 3- عن عمر بن يزيد قال: رأيت مسلماً بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي عبد الله تلك السنة مالاً، فَرَدَّهُ أبو عبد الله.. إلى أن قال: يا أبا سيار قد طيبناه لك، وأحللناك منه، فضُمَّ إليك مالك، وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا. أصول الكافي 2/ 268.

وأقول: قال المازندراني في شرح الحديث:
قوله ( يا أبا سيار قد طيَّبناه لك ) دلَّ على أن الإمام لا يجب عليه قبول الخمس، وله الإبراء، كما كان ذلك لكل ذي حق.
إلى أن قال:
قوله: ( وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلَّلون حتى يقوم قائمنا عليه السلام ) أشار هنا بعدما ذكر أن الأرض كلها لهم إلى أن شيعتهم في حِلٍّ من التصرف فيها وفي حاصلها ومن خراجها، حتى يظهر القائم عليه السلام، فيأخذ منهم خراجها ويتركها في أيديهم
(2).

قلت: وبعبارة أوضح : إن الإمام الصادق عليه السلام قد أبرأ أبا سيار من حقّه في أمواله ، والإمام لا يجب عليه أخذ الخمس، بل يجوز له أن يبرئ من شاء مما شاء من حقّه.

وإبراء الإمام عليه السلام  أبا سيار من حقه المعيَّن لا يدل على إبراء غيره من الخمس في كل شيء، ولهذا قال عليه السلام : (قد طيبناه لك) خاصة. ولم يقل: طيبناه لكم.

 

(1) شرح أصول الكافي 7/407.

(2) المصدر السابق 7/37.  
 

الخمــس ........................................................................................ 309

وأما قول الإمام عليه السلام :( وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلَّلون حتى يقوم قائمنا )، فهو مخصوص بالأراضي فقط دون غيرها من الأموال، فأجاز عليه السلام لهم التصرُّف فيها، وأخذ حاصلها وخراجها، لكنه عليه السلام لم يُسقط عنهم خمس حاصلها وخمس أموالهم الأخرى كما هو واضح.

قال الكاتب: 4- عن محمد بن مسلم عن أحدهما رضي الله عنه: قال: إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا رب خمسي، وقد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولاداتهم ولتزكو ولاداتهم. أصول الكافي 2/552.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها محمد بن سنان، وقد مرَّ بيان ضعفه.
ومن جملة الرواة صباح الأزرق، وهو مجهول الحال، لم يوثَّق في كتب الرجال.

وقد مرَّ بيان معنى تطييب الخمس للشيعة لتطيب ولاداتهم وتزكو، وأوضحنا أنه ليس المراد بذلك إسقاط الخمس عنهم بالكلية، فراجع ما قلناه.

قال الكاتب: 5- عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال: ( إن الناس كلهم يعيشون في فضل مظلتنا (1) إلا أَنَّا أحللنا شيعتنا من ذلك) من لا يحضره الفقيه 2/243.

وأقول: هذه الرواية رواها الصدوق في كتابه (من لا يحضره الفقيه) بسنده إلى داود بن كثير الرقي، وطريق الصدوق إليه ضعيف.

قال الأردبيلي في جامع الرواة في بيان طرق كتاب الفقيه: وإلى داود الرقي: فيه

 

(1) كذا في نسخة الكتاب، والصحيح كما في المصدر: مظلمتنا.

 
 

310 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، ولم يوثَّق، وعبد الله بن أحمد الرازي، ولم يذكره غير (صه) (1) بأن عنده فيه توقف، وجرير بن صالح، وهو غير مذكور (2).

وقال الخوئي: وكيف كان فطريق الصدوق إليه: الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، عن أبيه، عن محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد الرازي، عن جرير بن صالح، عن إسماعيل بن مهران، عن زكريا بن آدم، عن داود بن كثير الرقي، والطريق ضعيف، فإن فيه مجاهيل (3).
وعليه، فالرواية ضعيفة السند.

وأما من جهة متن الرواية فقد أوضحنا المراد بتحليل الشيعة، وعدم دلالته على إسقاط الخمس عنهم، فراجعه فيما مرَّ.

قال الكاتب: 6- عن يونس بن يعقوب قال: كنتُ عند أبي عبد الله رضي الله عنه فدخل عليه رجل من القناطين فقال: ( جُعِلُتُ فداك ، تقع في أيدينا الأرباح والأموال والتجارات، ونعرف أن حقكم فيهَا ثابت، وأنّا عن ذلك مقصرون، فقال رضي الله عنه: ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك) من لا يحضره الفقيه 2/23.

وأقول: هذا الحديث رواه الشيخ الصدوق عن يونس بن يعقوب، وهو وإن كان ثقة إلا أن طريق الصدوق إليه ضعيف، فإن فيه الحكم بن مسكين، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

قال الأردبيلي في جامع الرواة في بيان طرق كتاب من لا يحضره الفقيه: وإلى

 

(1) أي العلاّمة الحلي في رجاله المعروف بالخلاصة.
(2) جامع الرواة 2/534.

(3) معجم رجال الحديث 7/126.  
 

الخمــس ........................................................................................ 311

يونس بن يعقوب، فيه الحكم بن مسكين (1).
والنتيجة أن الرواية ضعيفة السند.

ومع الإغماض عن سند الرواية فهي واضحة الدلالة على أن الخمس يجب إخراجه على الشيعة، وذلك لأن القناط قال: تقع في أيدينا الأرباح والأموال والتجارات، ونعرف أن حقكم فيها ثابت، وإنّا عن ذلك مقصِّرون.

وقوله فيه دلالة واضحة على أن وجوب الخمس وإخراجه من أرباح الأموال والتجارات كان مرتكزاً عند الشيعة، متسالماً عليه بينهم.

والإمام عليه السلام لم ينكر عليه قوله، وإنما قال له: ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم.

يعني أنا لو كلَّفناكم بإخراجه فوراً من غير تأخير لما كنا منصفين معكم، إذ قابلناكم بالشدَّة في أخذ حقّنا منكم وعدم الإمهال، مع أنكم كنتم تقابلوننا بالمحبة والمودّة والموالاة.

والحديث بالمعنى الذي أوضحناه لا يدل على إسقاط الخمس عن الشيعة، بل يدل على عكس ذلك كما هو واضح.

ومن خيانات الكاتب أنه أسقط كلمة (اليوم) من ذيل الحديث ، فإن الوارد فيه هو قوله : ( ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم) على ما رواه الصدوق في (من لا يحضره الفقيه)، والشيخ الطوسي في (الاستبصار) (2).

ولكن غرض الكاتب هو بيان تحليل الخمس للشيعة مطلقاً لا ذلك الوقت فقط، ولهذا أسقط كلمة (اليوم) حتى يلتئم الحديث مع مراده، فتأمل في أساليب القوم للوصول إلى أهدافهم غير المشروعة.

 

(1) جامع الرواة 2/542.

(2) من لا يحضره الفقيه 2/28. الاستبصار 2/59. وسائل الشيعة 6/380.  
 

312 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

قال الكاتب: 7- عن علي بن مهزيار أنه قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر رضي الله عنه جاءه رجل يسأله أن يجعله في حِلٍّ من مأكله ومشربه من الخمس، فكتب رضي الله عنه بخطه: (من أعوزه شيء من حقي فهو في حل) من لا يحضره الفقيه 2/23.

وأقول: هذه الرواية تدل أيضاً على وجوب الخمس على الشيعة، وإلا فلا معنى لأن يأتي الرجل ويسأل الأمام عليه السلام أن يجعله في حِلٍّ من الخمس المتعلق بالمأكل والمشرب إذا لم يكن واجباً عليه، ولا وجه للتحليل منه حينئذ.

والإمام عليه السلام لم يُنكر على الرجل وجوب الخمس عليه ، وإنما أباح لمن كان شديد الحاجة من الشيعة بمقدار ما يسدّ حاجته، وهو أمر جائز للإمام عليه السلام كما مرَّ، لأن الإمام عليه السلام له أن يُسقِط حقَّه كلاً أو بعضاً عمن شاء وكيف شاء، وهذا لا يدل بأية دلالة على سقوط الخمس بكامله عن كل الشيعة في كل العصور حتى مع عدم العوز والحاجة.

على أنه لم يظهر من الرواية أن الإمام عليه السلام جعل ذلك الرجل في حِلٍّ من مأكله ومشربه من الخمس، لأن الإمام عليه السلام أحل من كان معوزاً، ولم يظهر أن الرجل كان صاحب عوز وحاجة.

قال الكاتب: 8- جاء رجل إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه، قال: أصبتُ مالاً أَرْمَضْتُ (1) فيه، أفَلِي توبة؟ قال: ( آتني بخمسي (2)، فأتاه بخمسه، فقال رضي الله عنه: هو لك، إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه) 2/22 من لا يحضره الفقيه.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، لأنها مرسلة قد رواها الصدوق من غير

 

(1) كذا في نسخة الكتاب، وفي المصدر: أغمضت.

(2) كذا في نسخة الكتاب، وفي المصدر: بخمسه.  
 

الخمــس ........................................................................................ 313

سند عن أمير المؤمنين عليه السلام.
ومع الإغماض عن سندها فإن معناها أن الرجل قال لأمير المؤمنين عليه السلام : ( أصبتُ مالاً أغمضتُ فيه)، أي أغمضت عينيَّ في جمعه، فجمعته كيفما اتّفق، من حلال أو حرام.

قال الطريحي في مجمع البحرين: أي تساهلتُ في تحصيله، ولم أجتنب فيه الحرام والشبهات، ومحصّله جمعتُه من حرام أو حلال وشبهة، وأصله من إغماض العين (1).

وقال ابن الأثير في النهاية: الإغماض: المسامحة والمساهلة (2).

فأمره الإمام عليه السلام أن يأتيه بخمس هذا المال، فإن إخراج خمسه مطهِّر لباقيه، فلما أتاه بالخمس قال له الإمام عليه السلام: هو لك. أي باقي المال لك حلال لا شبهة فيه، ( إن الرجل إذا تاب )، أي أن الرجل إذا تاب إلى الله من الكسب المشتبه بالحرام فأخرج خمسه، إذ به تتحقق التوبة الصحيحة، (تاب ماله معه) أي رجع إليه باقي ماله، فطهر مما كان فيه من الشبهة، فصحَّ له التصرّف فيه.

وهذا الحديث كما أوضحناه يدل دلالة واضحة على وجوب إخراج الخمس، ولهذا أمره الإمام عليه السلام بالإتيان به، وما زعمه الكاتب من دلالة الحديث على إباحة الخمس غير صحيح، وذلك لأنه أرجع الضمير (هو) إلى الخمس، مع أنه يرجع إلى باقي المال.

ولو سلّمنا برجوع الضمير إلى الخمس فإن دلالة الحديث على المراد باقية، وذلك لأن أمْرَ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام للرجل بالإتيان بالخمس يدل على وجوبه عليه، وإبراء الإمام له أو هبته له كما مرَّ جائز للإمام عليه السلام، وهو واضح لا يحتاج إلى إطالة كلام.

 

(1) مجمع البحرين 4/219.

(2) النهاية في غريب الحديث 3/387.  
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب