280 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

قال الكاتب: ثم بيّن الله تعالى بعد ذلك من أَين يأتي الرجل امرأته فقال تعالى: ( فإذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ من حيثُ أَمرَكُمُ اللهُ ) (البقرة / 222).
والله تعالى أمر بإتيان الفروج فقال: ( نِساؤكم حَرْث لكم فأتوا حرثكم أَنَّى شِئْتُم )  (البقرة / 223) والحرث هو موضع طلب الولد.

وأقول: إن الأمر بإتيان الزوجة من حيث أمر الله سبحانه وتعالى، أو في موضع الحرث وهو الفرج، لا يدل على حرمة الإتيان في غيره كما مرَّ عن الشافعي في مناظرته مع محمد بن الحسن الشيباني، فإنه يجوز للرجل أن يأتي أهله بين فخذيها وفي أعكانها وغير ذلك، فإن الأمر بالشيء لا يدل على النهي عما عداه كما قرَّره علماء الأصول.

وهكذا الحال بالنسبة إلى الوطء في الدبر، فإنه لا دلالة في الآيتين المباركتين على النهي عنه كما هو واضح لمن كان عنده حظ من معرفة استنباط الأحكام الشرعية وفهم آيات الكتاب العزيز والسنة المطهَّرة.

هذا مضافاً إلى وقوع الخلاف بين المفسِّرين في تفسير قوله تعالى ( أَنَّى شِئْتُمْ ) على أقوال متعددة، فذهب قوم إلى أن المراد: (كيف شئتم) أي فأتوا نساءكم بأية كيفية شئتم: مُقْبِلات أو مُدْبِرات أو مضطجعات أو قائمات أو منحرفات إذا كان في الفرج خاصة.

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 281

وذهب آخرون إلى أن المراد (متى شئتم) من الليل والنهار.

وقال آخرون: المعنى (أين شئتم وحيث شئتم) أي في القبُل أو الدبر، وقد مرَّ بنا ذكر الآثار المنقولة عن ابن عمر في ذلك، فراجعها.

قال الكاتب: إن رواية أبي اليعفور [كذا] عن أبي عبد الله مفهومها أن طلب الولد يكون في الفروج لقوله في قوله تعالى: ( نساؤكم حرث لكم ) هذا في طلب الولد، فمفهوم الرواية تخصيص الفروج لطلب الولد، وأما قضاء الوطر والشهوة فهو في الأدبار، وسياق الرواية واضح في إعطاء هذا المفهوم.
وهذا غلط لأن الفروج ليست مخصصة لطلب الولد فقط بل لقضاء الوطر والشهوة أيضاً، وهذا واقع العشرة بين الأزواج من لدن آدم عليه السلام وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، وأبو عبد الله أجل وأرفع من أن يقول هذا القول الباطل.

وأقول: إن معنى الرواية واضح جداً، فإن ابن أبي يعفور، سأل الإمام عليه السلام عن إتيان المرأة في دبرها ، فأجابه الإمام بأنه جائز إن رضيتْ به المرأة. فقال له: فأين قول الله تعالى: ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) ؟ وذلك لأنه توهَّم أن المكان الذي أمر الله أن يُؤتَى منه هو الفرج فقط، وما عداه وهو ـ الدبر ـ فهو محرَّم. فقال عليه السلام : هذا في طلب الولد، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله، وهو الفرج المباح لكم.

ثم أوضح له الإمام عليه السلام دليل حلِّية الإتيان في الدبر، فقال: إن الله تعالى يقول ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) أي في أيِّ مكان شئتم، في القبُل أو في الدبر.

وهذا المعنى هو عين ما قاله عبد الله بن عمر وغيره في تفسير الآية وسبب نزولها كما مرَّ.

282 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

وبهذا الذي قلناه يتبيَّن فساد ما زعمه الكاتب من أن الرواية تدل بمفهومها على أن موضع اللذة هو الدبر، وأن الفرج موضع الولد فقط.

قال الكاتب: ولو افترضنا جواز إتيان الدبر لما كان هناك معنى للآية الكريمة: ( فإذا تَطَهّرْنَ فأتوهُنَّ من حيثُ أمرَكمُ اللهُ ) ، لأنه قد علم - على الافتراض المذكور - أن الإتيان يكون في القُبُلِ والدُّبُر وليس هناك موضع ثالث يمكن إتيانه ، فلم يبق أي معنى للآية ولا للأمر الوارد فيها.

وأقول: بل يكون للآية معنى صحيح واضح، وهو أنه وإن جاز وطء الزوجة من دبرها، إلا أنه مكروه كراهة شديدة لا تصل إلى حد الحرمة، فإذا تطهَّرت المرأة من حيضها جاز إتيانها في الموضع الذي أمر الله سبحانه، وهو الفرج، وأما الدبر فهو وإن جاز إتيان الزوجة فيه، إلا أن الله لم يأمر به، ولكن أباحه على كراهة شديدة.

قال الكاتب: ولكن لمَاَّ كان أحد الموضعين مُحَرَّماً لا يجوز إتيانه، والآخر حلالاً احتيج إلى بيان الموضع الذي يجب أن يُؤْتَى، فكان أمر الله تعالى بإتيان الحرث، والحرث هو موضع طلب الولد، وهذا الموضع يُؤْتَى لطلب الولد، ولقضاء الوَطَرِ أيضاً.

وأقول: لقد قلنا فيما مرَّ: إن الأمر بالإتيان في موضع الحرث وهو الفرج، لا يدل على تحريم غيره، وإلا لحرم التفخيذ وغيره مما وقع الإجماع على جوازه.

ولا يلزم من عدم الأمر بإتيان الزوجة في دبرها أن يكون إتيانها فيه محرَّماً، بل قد يكون مكروهاً، فإن الله سبحانه وتعالى كما لا يأمر بمحرَّم كالوطء

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 283

في حال الحيض، كذلك لا يأمر بمكروه كالوطء في الدبر، وهذا واضح لا يحتاج إلى إطالة.

قال الكاتب: أما الرواية المنسوبة إلى الرضا رضي الله عنه في إباحة اللواطة [كذا] بالنساء واستدلاله بقول لوط عليه السلام (1). أقول: إن تفسير آية قول الله تعالى: ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) (هود/ 78) قد ورد في آية أخرى في قوله تعالى:( ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها أحد من العالمين، إئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل )(العنكبوت/28).

وأقول: إن الآية الثانية لم تفسِّر الآية الأولى كما هو واضح، وذلك لأن الآية الأولى ظاهرة في عَرْض لوط عليه السلام تزويج بناته للقوم، ولا يخفى أنهم كانوا يريدون اللواط بأضيافه عليه السلام، فرأى لوط عليه السلام أن يزوِّجهم بناته اضطراراً لدفع الأفسد بالفاسد، وهذا الفعل منه عليه السلام فيه إشارة واضحة إلى حلّية الوطء في الدبر، لأنه علم أن القوم لا يريدون الفرج.

وأما الآية الثانية فهي ظاهرة في توبيخ لوط عليه السلام للقوم على إتيان الرجال شهوة من دون النساء.

ومن الواضح أن موضوع الآية الأولى هو وطء الزوجة في دبرها، وموضوع الآية الثانية هو اللواط المحرَّم بالرجال، فكيف تكون الآية الثانية مفسِّرة للآية الأولى وموضوعهما مختلف ومتغاير؟!

قال الكاتب: وقطع السبيل لا يعني ما يفعله قطَّاع الطرق وحدهم.. لا،

 

(1) هذه الجملة غير تامة، فإنها اشتملت على مبتدأ من دون خبر.

 
 

284 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

وإنما معناه أيضاً قطع النسل في الإتيان في غير موضع طلب الولد، أي في الأدبار، فلو استمر الناس في إتيان الأدبار - أدبار الرجال والنساء - وتركوا أيضاً طلب الولد لانقرضت البشرية، وانقطع النسل.

وأقول: إن تفسير الكاتب قطع السبيل بقطع النسل في الإتيان في غير موضع طلب الولد وإن كان معقولاً إلا أنه خلاف ما قاله بعض مفسِّري أهل السنة.

قال ابن كثير في تفسير الآية: يقول تعالى مخبراً عن نبيّه لوط عليه السلام إنه أنكر على قومه سوء صنيعهم، وما كانوا يفعلونه من قبيح الأعمال في إتيانهم الذكران من العالمين، ولم يسبقهم إلى هذه الفعلة أحد من بني آدم قبلهم، وكانوا مع هذا يكفرون بالله، ويكذّبون رسوله ويخالفون، ويقطعون السبيل، أي يَقِفُون في طريق الناس يقتلونهم ويأخذون أموالهم (1).

وقال القرطبي في تفسيره: ( وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ ) قيل: كانوا قُطَّاع الطريق. قاله ابن زيد، وقيل: كانوا يأخذون الناس من الطرق لقضاء الفاحشة. حكاه ابن شجرة، و قيل: إنه قطع النسل بالعدول عن النساء إلى الرجال. قاله وهب بن منبه، أي استغنوا بالرجال عن النساء.
قلت ـ والقائل القرطبي ـ: ولعل الجميع كان فيهم، فكانوا يقطعون الطريق لأخذ الأموال والفاحشة، ويستغنون عن النساء بذلك
(2).

وقال الطبري: يقول تعالى ذكره مخبراً عن قيل لوط لقومه: ( أَئِنَّكُمْ ) أيها القوم ( لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ ) في أدبارهم، ( وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ ) يقول: وتقطعون المسافرين عليكم بفعلكم الخبيث، وذلك أنهم فيما ذكر عنهم كانوا يفعلون ذلك بمن مرَّ عليهم من المسافرين ومن وَرَدَ بلادهم من الغرباء.
ذِكْر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ( وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ ) قال:

 

(1) تفسير القرآن العظيم 3/411.

(2) الجامع لأحكام القرآن 13/341.  
 

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 285

السبيل: الطريق . المسافر إذا مرَّ بهم، وهو ابن السبيل قطعوا به، وعملوا به ذلك العمل الخبيث (1).

ومن كل ما مرَّ يتضح أن الكاتب فسَّر الآية بما فسَّره وهب بن منبّه دون غيره من المفسِّرين، وتفسير وهب ليس حجة على غيره، ولو سلّمنا به فمراد وهب هو أن قوم لوط عليه السلام استغنوا بالرجال عن النساء فهجروهن بتاتاً، فقطعوا نسلهم بذلك، ونحن لا نتكلم في فرض كهذا، وإنما نتكلم في جواز إتيان النساء في أدبارهن، لا في إتيان الرجال، وبما لا قطع فيه للنسل، أي في بعض الأحايين التي لا ينقطع بها النسل. فأين هذا مما نحن فيه؟

قال الكاتب: فالآية الكريمة تعطي هذا المعنى أيضاً وبخاصة إذا لاحظنا سياق الآية مما قبلها. ولا مرية أن هذا لا يخفى على الإمام الرضا رضي الله عنه ، فثبت بذلك كذب نسبة تلك الرواية إليه.

وأقول: ما زعمه الكاتب من السياق كله هراء من القول، لأن الآية الأولى جاءت في سياق قوله تعالى ( وَلمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ * قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ * قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا

 

(1) جامع البيان في تفسير القرآن 20/93.

 
 

286 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ) (1).

والآية الثانية جاءت بعد قوله تعالى ( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ ) (2).

فأين السياق الذي يدل على أن إتيان النساء في أدبارهن يقطع النسل؟!

وعليه فلا محالة يثبت أن تكذيب نسبة الرواية إلى الإمام الرضا عليه السلام لم يستند إلى دليل صحيح، لأن الكاتب اعتمد على سياق لا وجود له، وعلى قول واحد من المفسِّرين لم يفهمه على وجهه الصحيح.

 

(1) سورة هود، الآيات 77-83.

(2) سورة العنكبوت، الآية 28.  
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب