208 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

قال الكاتب: وهنا نقف بين أخبار منقولة وصريحة في تحريم المتعة، وبين أخبار منسوبة إلى الأئمة في الحث عليها وعلى العمل بها.
وهذه مشكلة يحتار المسلم إزاءها أيتمتع أم لا ؟

وأقول: إن وظيفة الفقيه هي أن ينظر في الأخبار المتعارضة المنقولة عن النبي

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 209

(ص) وعن الأئمة الأطهار عليهم السلام ، فيرجِّح منها ما هو الصحيح بالمرجِّحات السندية والدلالية، فيأخذ به ويعمل على طبقه، لا أن يتمسك ببعضها ويترك بعضها الآخر هكذا من غير حجَّة ولا دليل.

ومن الواضح أن الكاتب طرح الروايات الصحيحة المتواترة الدالة على حلّية نكاح المتعة، وتمسّك بحديث ضعيف، لا لشيء إلا لأنه موافق لما عليه أهل السنة.

فشتان بين معالجتنا للمسألة ومعالجة مدَّعي الاجتهاد ، فإنّا قد استدللنا عليهم بالأحاديث الصحيحة التي رواها أهل السنة في كتبهم والتي تدل على حلّية نكاح المتعة ، وقد نقلنا لك بعضاً منه، والكاتب استدل على مطلوبه بحديث واحد ضعيف عندنا، رواته إما سُنِّيون أو زيديون!!

وأما زَعْمه أن الأخبار المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام الدالة على حلّية نكاح المتعة كلها منسوبة إليهم، أي مختلقة ومكذوبة، فهو زعم باطل لم يستند إلى دليل، وكان عليه أن يثبت كلامه بالدليل الصحيح، لا بالدعاوى الجوفاء، ونحن قد أثبتنا في كتابنا (مسائل خلافية) بالأدلة الواضحة الصحيحة أن الشيعة هم أتباع أهل البيت عليهم السلام ، الذين تمسَّكوا بحبلهم، واتّبعوهم، ونقلوا عنهم بالأسانيد الصحيحة العلم الكثير في المعتقدات والفتاوى والأحكام، فمن أراد الاطلاع على تلك الأدلة فعليه بمراجعتها هناك.

قال الكاتب: إن الصواب هو ترك المتعة لأنها حرام كما ثبت نقله عن أمير المؤمنين رضي الله عنه . وأما الأخبار التي نُسبَت إلى الأئمة، فلا شك أن نسبتها إليهم غير صحيحة ، بل هي أخبار مفتراة عليهم، إذ ما كان للأئمة عليهم السلام أن يخالفوا أمراً حرمه رسول الله، وسار عليه أمير المؤمنين من بعده، وهم - أي الأئمة - الذين تلقوا هذا العلم كابراً عن كابرٍ لأنهم ذرّية بعضها من بعض.

210 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

وأقول: لقد أثبتنا ضعف هذا الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام، الذي رواه رجال مختلف في وثاقتهم من الزيدية وأهل السنة، فلا يمكن ترك ما رواه الثقات عن أمير المؤمنين عليه السلام خاصة، وعن أئمة أهل البيت عليهم السلام عامة من أجل هذا الحديث الضعيف.

ولو ثبت أن أمير المؤمنين عليه السلام قد روى النهي عن رسول الله (ص) من غير معارضة بأحاديث أخرى لكان علينا التسليم بما يقوله عليه السلام، ولكن الشأن في ثبوت ذلك عنه عليه السلام، فإنه لم يثبت، بل الثابت عنه خلافه كما يعلمه كل من اطلع على أخبار الأئمة المعصومين عليهم السلام.

وأما رد الأحاديث الصحيحة بالجملة، ووصفها بأنها مفتراة على الأئمة عليهم السلام من دون معالجة سندية ودلالية لها فهو بعيد عن الطريقة العلمية المعروفة المتفق عليها بين العامة والخاصة في نقد الأحاديث وتمحيص الصحيح منها والسقيم.

والكاتب لم يذكر دليلاً واحداً صحيحاً يدل على كذب تلك الأحاديث، اللهم إلا زعمه بأنها مخالفة لما حرَّمه رسول الله (ص)، وسار عليه أمير المؤمنين عليه السلام من بعده، وهذا الزعم كما هو واضح مصادرة على المطلوب، فإن عليه أولاً أن يثبت أن المتعة حرَّمها رسول الله (ص)، وأن أمير المؤمنين عليه السلام قد روى التحريم عنه، ليتم له مطلوبه، لا أن يجعل النتيجة المتنازع فيها مقدمة مسلَّمة، وهذا أدل دليل على أن الكاتب بعيد عن روح الاستدلال الصحيح والاستنباط على طبق القواعد الثابتة.

قال الكاتب: لما سُئلَ أبو عبد الله رضي الله عنه : ( كان المسلمون على عهد رسول الله (ص) يتزوجون بغير بينة؟ قال: لا ) فلولا علمه بتحريم المتعة لما قال: لا، خصوصاً وأن الخبر صحيح (1) في أن السؤال كان عن المتعة، وأن أبا جعفر الطوسي راوي الخبر أورده

 

(1) الظاهر أنه خطأ مطبعي، وأنه يريد: (صريح) كما هو ظاهر السياق، وإلا فالكاتب بعيد كل البعد عن معرفة الحديث الصحيح والضعيف كما يلاحظه كل من يقرأ كتابه.

 
 

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 211

في باب المتعة كما أسلفنا.
وما كان لأبي عبد الله والأئمة من قبله ومن بعده أن يخالفوا أمر رسول الله صلوات الله عليه أو أن يُحلُّوا أمراً حرمه أو أن يبتدعوا شيئاً ما كان معروفاً في عهده عليه السلام.

وأقول: لقد أوضحنا المراد بالحديث فيما تقدَّم، وأن الحديث يدل على حلّية نكاح المتعة، وأن الصحابة كانوا يمارسونها عمليًّا، وأنهم كانوا يُشهِدون عليها، لما قلناه من الدواعي، فأين الدليل على حرمة المتعة وكونها منسوخة؟!

قال الكاتب: وبذلك يتبين أن الأخبار التي تحث على التمتع ما قال الأئمة منها حرفاً واحداً، بل افتراها وَتَقوَّلَها عليهم أُناس زنادقة أرادوا الطعن بأهل البيت الكرام والإساءة إليهم، وإلا بِمَ تفسر إباحتهم التمتع بالهاشمية، وتكفيرهم لمن لا يتمتع؟

وأقول: لقد تبيَّن بما قلناه أن الكاتب قد أخذ برواية واحدة فقط لمجرد كونها موافقة لمطلوبه، واعتبرها حجة بهذا اللحاظ، وأعرض عن الأحاديث الكثيرة المتواترة الدالة على أن أئمة أهل البيت عليهم السلام قد أباحوا نكاح المتعة.

وأما مسألة الاستدلال على كذب الروايات المبيحة للمتعة بأنها تجوِّز التمتع بالهاشمية فهو استدلال عجيب، وذلك لأن الأحكام الشرعية عامَّة لكل الناس، ولا خصوصية للهاشمية من هذه الجهة، فحالها حال غيرها من النساء.

وأما زعمه تكفير من لا يتمتَّع فهو افتراء واضح، لأن المتعة ليست بأعظم من الصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها من أركان الإسلام التي لا يحُكم على من تركها تهاوناً بكفر ولا زندقة

212 ....................................................................... لله وللحقيقة الجزء الأول

كما أنها ليست من الأصول التي يلزم من إنكارها المروق من الدين، بل هي من السنن الثابتة عن رسول الله (ص) التي رحم الله بها أمة محمد (ص)، ومن جحد سُنّة لشبهة عروض تحريمها لا يمكن تكفيره بحال من الأحوال.

قال الكاتب: مع أن الأئمة عليهم السلام لم يُنْقَلْ عن واحد منهم نقلاً ثابتاً أنه تمتع مرة، أو قال بِحِليَّةِ المتعة، أيكونون قد دانوا بغير دين الإسلام؟

وأقول: هذا الكلام واضح البطلان من عدة جهات:
أولاً: أن الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام الدالة على حلّية نكاح المتعة بلغت حد التواتر كما صرَّح به جمع من العلماء ، وقد نقلنا للقارئ كلمة الشيخ الطوسي في هذه المسألة.
من تلكم الروايات صحيحة زرارة التي نقلناها فيما مرَّ.

ومنها: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يستحب للرجل أن يتزوج المتعة، وما أحب للرجل منكم أن يخرج من الدنيا حتى يتزوج المتعة ولو مرة (1).

ومنها: صحيحة أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن متعة النساء، قال: حلال، وإنه يجزي فيه الدرهم فما فوقه (2).

ومنها: صحيحة علي السائي قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: جُعلت فداك، إني كنت أتزوج المتعة، فكرهتها وتشأمت بها، فأعطيت الله عهداً بين الركن والمقام، وجعلت عليَّ في ذلك نذراً وصياماً ألا أتزوّجها، ثم إن ذلك شقَّ عليَّ، وندمت على يميني، ولم يكن بيدي من القوة ما أتزوج علانية. قال: فقال لي: عاهدتَ الله أن لا

 

(1) وسائل الشيعة 14/443.

(2) الكافي 5/457. وسائل الشيعة 14/470.  
 

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 213

تطيعه، والله لئن لم تطعه لتعصينّه (1).
والأخبار الصحيحة كثيرة، لا حاجة لاستقصائها وذكرها كلها.
ومع ثبوت هذه الأخبار فلا مناص من الحكم بحلّية نكاح المتعة، ولا نحتاج إلى دليل عَمَلي مع ثبوت الدليل القولي.

ثانياً: لو ثبت أن الأئمة عليهم السلام لم يتزوّجوا متعة فلعل ذلك من أجل خشيتهم من مؤاخذة سلاطين عصرهم، أو لكون نكاح المتعة يستلزم الشنعة عليهم عند أهل السنة، فتركوه تجنباً لذلك، لا لكونه محرَّماً في الشريعة.

ثالثاً: أن أهل السنة أجمعوا على أن النبي (ص) قد أحلَّ نكاح المتعة في بعض مغازيه ثم حرَّمه، ولم ينقلوا عن النبي (ص) أنه تزوج متعة، وهذا لا يخل بكونه حلالاً في تلك الفترة.
وعليه فنقول: لما ثبت عن الأئمة عليهم السلام أنهم أحلوا نكاح المتعة فلا يخل بحلّيته عدم ثبوت فعلهم له.

رابعاً: أنه قد ورد في الأخبار أن رسول الله (ص) وأمير المؤمنين عليه السلام قد تزوَّجا متعة.
فقد روى الصدوق في كتابه ( من لا يحضره الفقيه ) عن الصادق عليه السلام أنه قال: إني لأكره للرجل أن يموت وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله (ص) لم يأتها. فقلت له: فهل تمتَّع رسول الله (ص) ؟ قال: نعم. وقرأ هذه الآية ( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا ) إلى قوله تعالى ( ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا )
(2).

وروى الشيخ المفيد في ( رسالة المتعة ) عن الفضل الشيباني بإسناده إلى الباقر عليه السلام أن عبد الله بن عطاء المكي سأله عن قوله تعالى ( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ ) الآية، فقال:

 

(1) الكافي 5/450. وسائل الشيعة 14/444.

(2) من لا يحضره الفقيه 3/304. وسائل الشيعة 14/442.  
 

214 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

إن رسول الله (ص) تزوَّج بالحرة متعة، فاطلع عليه بعض نسائه... (1).

وعن ابن بابويه بإسناده أن عليًّا عليه السلام نكح امرأة بالكوفة من بني نهشل متعة (2).

قال الكاتب: فإذا توضح لنا هذا ندرك أن الذين وضعوا تلك الأخبار هم قوم زنادقة أرادوا الطعن بأهل البيت والأئمة عليهم السلام، لأن العمل بتلك الأخبار فيه تكفير للأئمة.. فتنبه.

وأقول: إن أخبار المتعة متواترة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام كما مرَّ، وقد رواها عنهم ثقات الرواة المعروفين بالتقوى والورع والإخلاص للأئمة عليهم السلام، والموصوفين بالضبط والعناية بنقل الأخبار عن الصادقين عليهم السلام، فكيف يكونون زنادقة يريدون الطعن بأئمة أهل البيت عليهم السلام؟ وما الدليل على ذلك؟ وهل مخالفة أهل السنة هو الدليل؟

وإذا كان من نقل حلّية المتعة عن الأئمة عليهم السلام قد أراد الطعن بهم عليهم السلام وتكفيرهم، فما يقول الكاتب فيمن نقل أحاديث حلّية المتعة من الصحابة والتابعين وغيرهم عن النبي (ص)؟ فهل أراد هؤلاء الطعن في رسول الله (ص)؟

وما يقول في ابن عباس وغيره من الصحابة الذين كانوا يقولون بحلّية المتعة؟ فهل يقول الكاتب بكفرهم أيضاً؟ أو أنهم زنادقة؟!

أو أن مقياس الطعن والتكفير هو بيد الكاتب يصرفه حيث شاء وإلى من يشاء؟!

 

(1) وسائل الشيعة 14/440.

(2) نفس المصدر.  
 

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 215

قال الكاتب: روى الكليني عن أبي عبد الله رضي الله عنه أن امرأة جاءت إلى عمر بن الخطاب فقالت: إني زنيت، فأمر أن تُرْجَمَ، فأخبر أمير المؤمنين رضي الله عنه فقال: كيف زنيتِ؟ فقالت: مررتُ بالبادية، فأصابني عطش شديد فاستسقيت أعرابياً فأبى إلا أن مَكَّنْتُه من نفسي، فلما أجهدني العطش، وخفتُ على نفسي سقاني فأمكنتُه من نفسي، فقال أمير المؤمنين رضي الله عنه : تزويجٌ وَرَبِّ الكعبة ) الفروع 2/198.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند منكَرة المتن.
أما سندها
فمن ضمن رجاله عبد الرحمن بن كثير، وهو ضعيف، ضعَّفه النجاشي وغيره.
قال النجاشي: عبد الرحمن بن كثير الهاشمي، مولى عباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، كان ضعيفاً، غمز عليه أصحابنا، وقالوا: كان يضع الحديث
(1).

ومن جملة الرواة علي بن حسان، وهو ضعيف، قد ضعّفه النجاشي أيضاً وابن الغضائري.

قال النجاشي في رجاله: علي بن حسان بن كثير الهاشمي، مولى عباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، ضعيف جداً، ذكره بعض أصحابنا في الغلاة، فاسد الاعتقاد، له كتاب تفسير الباطن، تخليط كله (2).

وقال ابن الغضائري: علي بن حسان بن كثير مولى أبي جعفر الباقر عليه السلام، روى عن عمِّه عبد الرحمن، غالٍ ضعيف، رأيت له كتاباً سماه (تفسير الباطن) لا يتعلق من الإسلام بسبب، ولا يروي إلا عن عمّه (3).

 

(1) رجال النجاشي، ص 163 ط حجرية.
(2) نفس المصدر، ص 176 ط حجرية.

(3) رجال ابن الغضائري، ص 77.  
 

216 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

وروى الكشي عن محمد بن مسعود قال: سألت علي بن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن حسان، فقال: عن أيهما سألت؟ أما الواسطي فهو ثقة، وأما الذي عندنا ـ يشير إلى علي بن حسان الهاشمي ـ فإنه يروي عن عمّه عبد الرحمن بن كثير، فهو كذاب، وهو واقفي أيضاً، لم يدرك أبا الحسن موسى عليه السلام (1).

ومن جملة رواة هذا الخبر نوح بن شعيب، وهو الخراساني أو النيسابوري، وهو مجهول الحال، لم يوثَّق في كتب الرجال.
وعليه فهذه الرواية شديدة الضعف، فلا يعوَّل عليها.

وأما نكارة متنها فهو واضح، فإن المرأة لم تكن راضية وإنما كانت مُكرَهَة، ومن شرط النكاح وقوع التراضي من الطرفين، مع أن الحديث لم يذكر أن الرجل أجرى صيغة عقد النكاح معها، فكيف حُكم بأن ما وقع كان تزويجاً مع أن الظاهر أنها كانت محصنة، بدليل أن عمر أراد رجمها، ولو لم تكن محصنة لأمر بجلدها.

قال الكاتب: إن المتعة كما هو معروف تكون عن تراض بين الطرفين وعن رغبة منهما . أما في هذه الرواية فإن المرأة المذكورة مضطرة ومجبورة، فساومها على نفسها مقابل شربة ماء، وليست هي في حكم الزانية حتى تطلب من عمر أن يطهرها ، وفوق ذلك - وهذا مهم - أن أمير المؤمنين رضي الله عنه هو الذي روى تحريم المتعة في نقله عن النبي (ص) يوم خيبر، فكيف يفتي هنا بأن هذا نكاح متعة؟! وفتواه على سبيل الحِلِّ والإقرار والرضا منه بفعل الرجل والمرأة؟!!
إن هذه الفتوى لو قالها أحد طلاب العلم لَعُدَّتْ سقطة بل غلطة يُعاب عليه بسببها، فكيف تُنْسَبُ لأمير المؤمنين عليه السلام، وهو مَن هو في العلم والفتيا ؟ إن الذي

 

(1) اختيار معرفة الرجال 2/748 رقم 851.

 
 

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 217

نسب هذه الفتوى لأمير المؤمنين إما حاقداً [كذا] أراد الطعن به، وإما ذو غرض وهوى اخترع هذه القصة، فنسبها لأمير المؤمنين، ليُضْفي الشرعية على المتعة كي يسوغ لنفسه ولأمثاله استباحة الفروج باسم الدين حتى وإن أدَّى ذلك إلى الكذب على الأئمة عليهم السلام، بل على النبي صلوات الله عليه.

وأقول: كل ما قاله الكاتب لا قيمة له بعدما علمنا أن الرواية ضعيفة سنداً ومنكرة متناً، وقد أوضحنا ذلك فيما تقدَّم.
ونضيف هنا أن إيراد هذه الرواية في باب النوادر من أبواب المتعة كما صنع الكليني لا وجه له، فإن الرواية لم تنصّ على أن ما وقع كان تزويج دوام أو متعة.

ولهذا ورد في حاشية المطبوعة: والظاهر أن الكليني حمَله على أنها زوَّجت نفسها متعة بشربة من ماء، فذكره في هذا الباب، وهو بعيد، لأنها كانت مزوَّجة، وإلا لم تستحق الرجم بزعم عمر، إلا أن يقال: إن هذا أيضاً كان من خطئه (1).

وقد يقال: إن إطلاق التزويج في الخبر على ما حدث يجعل الوطء فيه مردَّداً بين كونه نكاحاً دائماً أو متعة، وكونه متعة أقرب من كونه دواماً، باعتبار أنه مجرد استمتاع في وقت قصير لم يعقبه طلاق، ولعله لأجل ذلك ذكره الكليني رحمه الله في الباب المذكور، والله العالم.

وعلى كل حال ، فإنا لو سلَّمنا بصحة الرواية فيمكن حملها على أن المرأة ظنّت بسبب جهلها لما وطأها الرجل أنها زنت، فأرادت من عمر أن يطهِّرها من معصيتها، لكن أمير المؤمنين عليه السلام لما علم بأنها كانت مكرهة على الزنا، حكم بأن حالها حال من كانت مزوَّجة، وأنها لا يترتب عليها رجم ولا إثم، فأطلق على الزنا بالإكراه زواجاً إطلاقاً مجازياً لوجود نوع مشابهة بينهما في عدم ترتب الحد والإثم على الوطء.

وبهذا الذي قلناه يندفع كل ما قاله الكاتب من الإشكالات بحمد الله وفضله.

 

(1) الكافي 5/467.

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب