الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت
..............................................................
131 |
|
قال الكاتب : وروى الكليني في الفروع أنها سلام الله عليها ما كانت راضية
بزواجها من علي رضي الله عنه إذ دخل عليها أبوها عليه السلام وهي تبكي ، فقال لها: ما يُبكيكِ ؟ فو
الله لو كان في ( أهلي ) خير منه ما زَوَّجْتُكِه ، وما أنا زَوَّجتُكِ ولكنَّ
اللهَ زَوَّجَكِ.
وأقول : هذا الحديث لا يدل على عدم رضا سيّدة النساء
عليها السلام بزواجها من أمير المؤمنين
عليه السلام، ولعل بكاءها سلام الله عليها لفراق بيت والدها رسول الله (ص)، أو لما سيصيبها
من الشدائد والمصائب التي ستشارك فيها أمير المؤمنين عليه السلام.
أو أنها سلام الله عليها بكت ليلة زفافها حياءاً، كما دلَّت على ذلك بعض
الأخبار ، فقد أخرج عبد الرزاق الصنعاني في مصنَّفه بسنده عن ابن عباس في حديث
طويل قال: فأقبلت [ فاطمة
عليها السلام ] فلما رأت عليًّا جالساً إلى جنب النبي (ص) خفرت
(2)
وبكت، فأشفق النبي (ص) أن يكون بكاؤها لأن عليًّا لا مال له، فقال النبي (ص): ما
يبكيك ؟ فما ألوتُك في نفسي،
وقد طلبتُ لك خير أهلي، والذي نفسي بيده لقد زوجتكه
سعيداً في الدنيا، وإنه في الآخرة لمن الصالحين
(3).
|
(2) أي استحيت أشد الحياء. |
(3) المصنف لعبد الرزاق 5/340، ط أخرى
5/488. |
|
|
132
.............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
فهذا الحديث يوضح ما هناك، ولهذا لا نجد في كلماتها سلام الله عليها ما يدل على
أنها كانت كارهة لزواجها من أمير المؤمنين عليه السلام، أو متبرِّمة منه.
وكلمات رسول الله (ص) كانت من أجل التسرية عنها، ببيان أن عليًّا عليه السلام
هو خير الناس بعده، وأن الله سبحانه هو الذي اختاره لها.
وستأتي أحاديث أخر رواها أهل السنة بهذا المضمون، فانتظر.

قال الكاتب : ولما دخل
عليها أبوها صلوات الله عليه ومعه بريده : لمَا أَبصرتْ أباها دمعت عيناها، قال
ما يبكيك يا بنيتي؟ قالت: ( قِلَّةُ الطعم، وكثرةُ الهَمِّ، وشِدَّةُ الغَمِّ
)، وقالت في رواية: ( والله لقد اشتد حزني، واشتدت فاقَتِي، وطال سَقمي )
كشف الغمة 1/149 - 150 .
وأقول: أما الحديث الأول فقد أخرجه أحمد بن حنبل
في فضائل الصحابة ، بسنده عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: قال لي رسول الله
(ص) : قم بنا يا بريدة نعود فاطمة.
قال: فلما أن دخلنا عليها أبصرت أباها ودمعت عيناها.
قال: ما يبكيك يا بنية؟
قالت: قلة الطعم، وكثرة الهم، وشدة السقم.
قال: أما والله لما عند الله خير مما
ترغبين إليه، يا فاطمة أما ترضين أني زوَّجتك أقدمهم سِلْماً، وأكثرهم عِلماً،
وأفضلهم حِلماً؟ والله إن ابنيك لمن شباب أهل الجنة
(1).
وأما الحديث الثاني فقد أخرجه أحمد بن حنبل في المسند، والطبراني في المعجم
الكبير بسندهما عن معقل بن يسار قال: وضأت النبي (ص) ذات يوم فقال: هل لك في
فاطمة نعودها؟
فقلت: نعم. فقام متوكئاً عليَّ،
فقال: أما إنه سيحمل ثقلها غيرك،
ويكون أجرها لك.
قال فكأنه لم يكن عليَّ شيء، حتى دخلنا على فاطمة عليها السلام، فقال:
الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت
.............................................................. 313 |
كيف
نجدك ؟
فقالت: والله لقد اشتد حزني، واشتدت فاقتي، وطال سقمي.
قال عبد الله وجدت
في كتاب أبي بخط يده في هذا الحديث
قال: أما ترضين أن أزوِّجك أقدم أمتي
سِلْماً، وأكثرهم عِلْماً، وأعظمهم حِلْماً
(1).
وأود أن ألفت النظر إلى أن الإربلي أورد هذين الحديثين في كتابه (كشف الغمة)
1/147-148، وصرَّح بنقل الحديث الأول عن مناقب الخوارزمي، والحديث الثاني عن
مسند أحمد.
فلا أدري كيف سوَّغ الكاتب لنفسه أن يكذب على القارئ، ويوهمه بأن هذين الحديثين
من مرويات الشيعة في كتبهم التي طعنوا بها في سيِّدة النساء؟!
هذا مع أن فاطمة سلام الله عليها إنما كانت تشكو لأبيها الفاقة والهم والسقم،
وهذا لا ارتباط له بأمير المؤمنين سلام الله عليه، ولا دلالة في كلامها سلام
الله عليها على عدم رضاها بزواجها منه بأية دلالة.

قال الكاتب: وقد وصفوا علياً
رضي الله عنه وصفاً جامعاً فقالوا: ( كان رضي الله عنه أسمر مربوعاً، وهو
إلى القصر أقرب، عظيم البطن، دقيق الأصابع، غليظ الذراعين، خمش [كذا]
الساقين،
في عينه لين، عظيم اللحية، أصلع، ناتئ الجبهة ) مقاتل الطالبين [كذا] ص 27.
فإذا كانت هذه أوصاف أمير المؤمنين كما يقولون، فكيف يمكن أَن ترضى به ؟
وأقول : لقد قلنا فيما تقدم أن كتاب ( مقاتل الطالبيين ) ليس من كتب الشيعة، كما
أوضحنا فيما مرَّ أن كل تلك الأوصاف ليست عيوباً تقتضي كراهية التزويج، فراجع.
|
(1) مسند
أحمد 5/26. المعجم الكبير
للطبراني 20/229. مجمع الزوائد 9/101، قال الهيثمي: رواه
أحمد والطبراني، وفيه خالد بن طهمان، وثقه أبو حاتم وغيره، وبقية رجاله
ثقات. |
|
|
134
.............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
هذا مع أن أهل السنة قد رووا كل تلك الصفات في كتبهم، وقد مرَّ ذكر بعضها، وقد
أخرج الطبراني وصفاً جامعاً في معجمه الكبير بسنده عن الواقدي، قال: يقال: كان
علي بن أبي
طالب آدم، ربعة، مسمناً، ضخم المنكبين، طويل اللحية، أصلع، عظيم
البطن، غليظ العينين، أبيض الرأس واللحية
(1).
ونحن قد تكلمنا في أوصاف أمير المؤمنين عليه السلام آنفاً، فلا حاجة للإعادة
والتكرار، وأوضحنا فيما مرَّ أن تلك الأوصاف كلها قد رواها أهل السنة في كتبهم،
وأما ما روي من
طريق الشيعة فإما أنه ضعيف السند ، فلا يعول عليه، وإما أنه من المحاسن
المعروفة، فراجع ما قلناه.
ولئن كان أمير المؤمنين عليه السلام متصفاً ببعض تلك الصفات كالصلع وبياض شعر الرأس
واللحية، فإن ذلك إنما كان في أخريات أيّامه عليه السلام، لا في أوان شبابه ووقت تزويجه
بسيِّدة النساء عليها السلام.

|
(1) المعجم
الكبير للطبراني 1/94. |
|
|
|