الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت ............................................................. 179

قال الكاتب: بل اتهموا الرضا سلام الله عليه بأنه كان يعشق بنت عم المأمون، وهي تعشقه، انظر عيون أخبار الرضا ص 153.

وأقول: يشير الكاتب إلى عبارة وردت في ضمن خبر طويل، ولا بأس بنقل ما أشار إليه الكاتب ليعلم القارئ حقيقة الأمر.

جاء في الخبر: وأظهر ذو الرياستين عداوة شديدة لأبي الحسن الرضا عليه السلام وحسده على ما كان المأمون يفضله به، فأول ما ظهر لذي الرياستين من أبي الحسن عليه السلام أن ابنة عم المأمون كانت تحبه وكان يحبها، وكان ينفتح باب حجرتها إلى مجلس المأمون ، وكانت تميل إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام وتحبه، وتذكر ذا الرياستين وتقع فيه، فقال ذو الرياستين حين بلغه ذكرها له: لا ينبغي أن يكون باب دار النساء مشرعاً إلى مجلسك.

فأمر المأمون بسدِّه، وكان المأمون يأتي الرضا عليه السلام يوماً، والرضا عليه السلام يأتي المأمون يوماً، وكان منزل أبي الحسن عليه السلام بجنب منزل المأمون، فلما دخل أبو الحسن عليه السلام إلى المأمون، ونظر إلى الباب مسدوداً، قال: يا أمير المؤمنين، ما هذا الباب الذي سددته؟ فقال: رأى الفضل ذلك وكرهه. فقال عليه السلام: إنا لله وإنا إليه راجعون. ما

180 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

للفضل والدخول بين أمير المؤمنين وحرمه؟ قال: فما ترى؟ قال: فتحه والدخول إلى ابنة عمك، ولا تقبل قول الفضل فيما لا يحل ولا يسع. فأمر المأمون بهدمه، ودخل على ابنة عمه، فبلغ الفضل ذلك فغمَّه (1).

ومن الواضح أن الضمير في قوله : ( أن ابنة عم المأمون كانت تحبه وكان يحبها ) يعود للمأمون، أي أن المأمون كان يحب ابنة عمه، وكانت هي تحبه، وكانت تميل إلى الرضا وتحبه، أي توده، ولهذا أشار الإمام عليه السلام على المأمون بأن يفتح الباب الذي كان شارعاً على مجلسه، ويتزوج بابنة عمه ويدخل بها، ففتح المأمون الباب ودخل على ابنة عمه.

هذا هو معنى الحديث، إلا أن الكاتب أعاد الضمائر على الإمام الرضا عليه السلام، وأبدل (تحبه ويحبها) بـ (يعشقها وتعشقه)، فتأمل مقدار أمانته!!

ولو سلَّمنا جدلاً بأن الإمام عليه السلام كان يحب ابنة عم المأمون وكانت تحبه، فهذا لا غضاضة فيه على الإمام عليه السلام، لأن رسول الله (ص) كان يحُبّ النساء كما ورد في الأخبار.

فقد أخرج أحمد والنسائي والحاكم والضياء المقدسي والبيهقي وغيرهم بأسانيدهم عن أنس قال: قال رسول الله (ص): حُبِّب إليَّ من دنياكم النساء والطيب، وجُعلتْ قرة عيني في الصلاة (2).

وأهل السنة رووا في كتبهم كما مرَّ أن النبي (ص) أحبَّ زينب بنت جحش مع أنها كانت على عصمة زيد بن حارثة، ولم يروا في ذلك ما يتنافى مع مقام النبوة، فكيف

 

(1) عيون أخبار الرضا 1/165.
(2) سنن النسائي 7/72، 74. صحيح سنن النسائي 3/827. المستدرك 2/174. ط حيدرآباد 2/160. وصحَّحه ووافقه الذهبي. الأحاديث المختارة 4/428، 5/112، 113. مسند أحمد 3/128، 199، 285. السنن الكبرى للبيهقي 7/78. السنن الكبرى للنسائي 5/280.مسند أبي يعلى 3/235، 249. مشكاة المصابيح 3/1448. الجامع الصغير 1/567.

 
 

الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت ............................................................. 181

يتنافى ما هو دونه مع مقام الإمامة؟!

قال الكاتب: ولقبوا جعفراً بجعفر الكذاب، فسبوه وشتموه مع أنه أخو الحسن العسكري فقال الكليني: (هو معلن الفسق فاجر، ماجن شريب للخمور، أقل ما رأيته من الرجال، وأهتكهم لنفسه، خفيف قليل في نفسه) أصول الكافي 1/504.
فهل في أهل البيت سلام الله عليهم شريب خمر ؟! أو فاسق ؟ أو فاجر ؟

وأقول: هذا كلام أحمد بن عبيد الله بن خاقان أحد وزراء الخليفة العباسي آنذاك، وليس هو من كلام واحد من أئمة أهل البيت عليهم السلام أو واحد من شيعتهم، غاية ما في الباب أن الكليني ذكره من رواية الحسين بن محمد الأشعري ومحمد بن يحيى.

ولا ريب في أنا لا نرى وثاقة كل واحد من بني هاشم، أو كل واحد من أبناء وأحفاد الأئمة عليهم السلام أو أبناء عمومتهم، فإن الوثاقة إنما تثبت بالدليل لا بالنسَب، فكل من ثبتت وثاقته قلنا بها، وإلا فلا ولا كرامة.

وكتاب الله العزيز قد نصَّ بأتم دلالة على انحراف ابن نوح عليه السلام، وأنه هلك فيمن هلك، ولم يمنع قربه من نبي من أولي العزم من الحكم عليه بما يستحقه، والكلام هو الكلام في أبناء الأئمة عليهم السلام، فإنا لا نقول بعصمتهم ولا وثاقتهم بالجملة.

وأما جعفر بن الإمام الهادي عليه السلام فلم تثبت وثاقته عندنا، وأما ما نسبه إليه أحمد بن عبيد الله بن خاقان من كونه شرّيباً للخمر فالله أعلم به، ونحن لا ندين الله بشيء لا نعلمه.

 

182 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

قال الكاتب: إذا أردنا أن نعرف تفاصيل أكثر فعلينا أن نقرأ المصادر المعتبرة عندنا لنعرف ماذا قيل في حق الباقين منهم عليهم السلام، ولنعرف كيف قُتِلَتْ ذرياتهم الطاهرة وأين قُتلِوُا؟ ومَن الذين قتلوهم؟
لقد قُتِلَ عدد كبير منهم في ضواحي بلاد فارس بأيدي أناس من تلك المناطق، ولولا أني أخشى الإطالة أكثر مما ذكرت، لذكرت أسماء من أحصيته منهم وأسماء من قتلهم، ولكن أُحيل القارئ الكريم إلى كتاب مقاتل الطالبيين للأصفهاني فإنه كفيل ببيان ذلك.

وأقول: لقد اتضح للقارئ العزيز بطلان كل ما ادّعاه الكاتب، فإنه اعتمد على الأحاديث المرسلة والضعيفة، وفسَّرها على حسب ما يحب.

وأما ما قاله من قتل الذرّية الطاهرة فمن البديهيات أن قتَلَتَهم هم الأمويون والعباسيون وأعوانهم ، ولم يكونوا من الشيعة، وضواحي فارس لم يكونوا شيعة إلا في العصور المتأخرة، وأما في زمان الدولة العباسية والأموية فلم يكونوا كذلك، وقد كانت أصفهان وقزوين والري وقم وخوارزم وغيرها بلاداً ناصبية، وعلى الكاتب أن يثبت بالأدلة الصحيحة أن من قتل الذرية الطاهرة هم الشيعة، وأنى له بذلك، وأما الادّعاءات فلا قيمة لها.

قال الكاتب: واعلم أن أكثر من تَعَرَّضَ للطعن وللغمز واللمز الإمامان محمد الباقر وابنه جعفر الصادق عليهما السلام وعلى آبائهما، فقد نُسِبَتْ إليهم أغلب المسائل كالقول بالتقية، والمتعة، واللواطة بالنساء، وإعارة الفرج و.... و.... الخ. وهما سلام الله عليهما بريئان من هذا كله.

وأقول: بما أن الكاتب سيتعرض لهذه المسائل في الصفحات التالية، فإنا نوكل

 

الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت ............................................................. 183

الخوض في إثبات التقية والمتعة والكلام في إعارة الفروج وغيرها إلى محله.

وأما اعتباره نسبة المتعة والتقية للإمامين الباقر والصادق عليهما السلام من الطعون فيهما فلا يخفى ما فيه، لأن الشيعة رووا بالأسانيد الصحيحة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام الحكم بحلّية نكاح المتعة، فلا يهمُّهم ما روى غيرهم عن غيرهم، وما شنَّع غيرهم عليهم، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.

وأود أن أنبّه القارئ العزيز على أن لفظ (اللواط) لا يصح إطلاقه على إتيان النساء في أدبارهن، وإنما يطلق على فعل قوم لوط، وهو إتيان الرجال للرجال، مع أن اللفظ الصحيح هو (اللواط)، وتعبير الكاتب بـ (اللواطة) خطأ لغوي ثانٍ.

هذا مع أن فقهاء الشيعة الإمامية لا يطلقون اللواط على إتيان النساء من أدبارهن، فلا أدري لمَ خرج مدَّعي الفقاهة والاجتهاد عن تعابير الفقهاء الصحيحة إلى تعابير عوام أهل السنة الخاطئة؟

 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب