112
............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
|
قال الكاتب : قال السيد
[ كذا ] علي غروي أحد أكبر العلماء في الحوزة: ( إن
النبي (ص) لا بد أن يدخل فَرْجُه النار، لأنه وَطِئَ بعضَ المشركات ) يريد بذلك
زواجه من عائشة وحفصة، وهذا كما هو معلوم فيه إساءة إلى النبي
(ص) ، لأنه لو
كان فَرْجُ رسولِ الله يدخل النار فلن يدخل الجنة أحدٌ أبداً.
وأقول : إن الميرزا علي الغروي قدَّس الله نفسه
الزكية لا يصدر منه هذا الهذيان.
وإذا كان الكاتب لا يدري أن الميرزا علي الغروي شيخ أو سيّد فكيف يوثق في
نقله ويؤخذ بشهادته؟ ونحن تشرفنا بالحضور مدّة في درسه الشريف، وكان يخصّنا بأمور كثيرة، ولم
نسمع منه أمثال هذه الأباطيل المفضوحة التي لا يتفوَّه بها جاهل فضلاً عن عالم
الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت
............................................................. 113 |
فاضل، ولو قالها لاشتهرت عنه حال حياته، لما فيها من الجرأة العظيمة على
مقام النبي الأعظم (ص) ، ولما فيها من المخالفات الواضحة لإجماعات المسلمين
كافة، إذ كيف يتحقق دخول الفرج وحده في النار من دون سائر الجسد؟
وكيف يعاقَب خصوص الفرج مع أن الملامسة في النكاح تحصل بالبدن كله؟!
وكيف تستوجب ملامسة الكافرة دخول العضو الملامس لها في النار مع جواز وطء
الكتابيات بنكاح أو ملك يمين؟
مضافاً إلى أن لازم العقاب بإدخال الفرج في النار ـ لو تعقَّلناه ـ هو تحقق
الذنب العظيم من النبي (ص) المنافي لعصمته المسلَّمة بين المسلمين.

قال الكاتب :
أكتَفي بهذه الروايات الست المتعلقة برسول الله صلوات
الله عليه لأنتقلَ إلى غيرها. فقد أوردوا روايات في أمير المؤمنين رضي الله عنه
هذه بعضها:
عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال: ( أتى عمر بامرأة قد تعلقت برجل من الأنصار
كانت تهواه، فأخذت بيضة وصَبَّت البياض على ثيابها وبين فخذيها، فقام علي فنظر
بين فخذيها، فاتَّهَمَها ) بحار الأنوار 4/303.
ونحن نتساءل
: هل ينظر أمير المؤمنين
بين فخذي امرأة أجنبية ؟ وهل يُعْقَلُ أن ينقل الإمام
الصادق هذا الخبر؟ وهل يقول هذا الكلام رجل أحبَّ أهل
البيت؟
وأقول: المذكور في الحديث هو: فنظر أمير المؤمنين
عليه السلام إلى بياض على ثوب المرأة وبين فخذيها، فاتهمها أن تكون احتالت
لذلك، قال: ائتوني بماء حار قد غَلى غلياناً شديداً، ففعلوا، فلما أُتي بالماء أمرهم فصبّوا على موضع البياض،
فاشتوى ذلك البياض، فأخذه أمير المؤمنين عليه السلام فألقاه في فيه، فلما عرف
طعمه ألقاه من فيه، ثم أقبل على المرأة حتى أقرَّت بذلك ، ودفع الله عزَّ وجل
عن الأنصاري
114
............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
عقوبة عمر
(1).
ومعنى الحديث واضح، فإن أمير المؤمنين عليه
السلام نظر إلى البياض الذي كان على ثياب المرأة عند فخذيها، وليس المراد أنه
عليه السلام نظر إلى نفس الفخذين كما زعمه مدَّعي الفقاهة والاجتهاد، وإلا فلا بد أن يقال: إن أمير المؤمنين
عليه السلام قد كشف عن فخذيها فنظر إليهما! أو أنها كانت مكشوفة الفخذين، فنظر
إليهما! وكلا الأمرين لا يدل عليهما الحديث، ولا يصح حمله عليهما.

قال الكاتب : وعن أبي عبد
الله رضي الله عنه قال: قامت امرأة شنيعة إلى أمير المؤمنين وهو على المنبر،
فقالت: هذا قاتِل الأحِبَّةِ، فنظر إليها، وقال لها: ( يا سلفع، يا جريئة، يا
بذية، يا مذكرة، يا التي لا تحيض كما تحيض
النساء، يا التي على هَنِهَا شيء بينٌ مدليَ ) البحار 41/293.
فهل يتلفظ أمير المؤمنين بمثل هذا الكلام البذيء؟ هل
يخاطب امرأة بقوله: يا التي على هنها شيء بين مدلي؟ وهل ينقل الصادق رضي الله
عنه مثل هذا الكلام الباطل؟ لو كانت هذه الروايات في كتب أهل السنة لأقمنا
الدنيا ولم نُقعدها، ولفضحناهم شرَّ فضيحة، ولكن في كتبنا نحن الشيعة!
وأقول : هذه الرواية ضعيفة
السند ، فإن من رواها عن الصادق عليه السلام بكار بن كردم، وهو مهمل في
كتب الرجال، فلم يُذكَر لا بمدح ولا بقدح. وعيسى بن سليمان وهو مجهول الحال.
وروى الخبر عنهما عمر بن عبد العزيز، وهو إمامي
مخلط كما قال النجاشي في
|
(1) الكافي 7/422.
تهذيب الأحكام 6/304.
وسائل الشيعة 18/206.
بحار الأنوار 40/303. |
|
|
الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت
............................................................. 115 |
رجاله
(1)،
وروى الكشي عن الفضل بن شاذان أنه يروي المناكير
(2).
وأما من ناحية متن الرواية فلا يخفى أن أمثال هذه
العبارات الواردة في الحديث لا غضاضة فيها على قائلها، لأنها ليست من الفحش في
شيء، وإنما كنّى أمير المؤمنين عليه السلام عن
الفرج بالهن، وذكر أن عليه شيئاً بَيِّناً مُدَلَّى، والكناية من الأساليب
المتعارفة في الكلام العربي التي لا يُعاب بها البلغاء والمتكلمون وإن كانت
معانيها لا يحسن التصريح بها، وقد ورد في
القرآن كنايات بأجمل الأساليب عن الفرج والجماع واللواط وقضاء الحاجة وغيرها،
كما ورد في السنة النبوية كثير من أمثال هذه الأمور التي لا تخفى على أحد.
هذا مع أن هذه الحادثة مروية في كتاب (شواهد التنزيل) للحاكم الحسكاني، وهو من
حفَّاظ الحديث عند أهل السُّنة ، فقد رواها بسنده عن جابر، عن أبي جعفر قال:
بينما أمير المؤمنين
في مسجد الكوفة إذ أتته امرأة تستعدي على زوجها، فقضى لزوجها عليها ، فغضبت
فقالت: والله ما الحق فيما قضيت، ولا تقضي بالسوية، ولا تعدل في الرعية، ولا
قضيتك عند الله
بالمرضية! فنظر إليها مليًّا، ثم قال: كذبتِ يا بَذِيَّة يا بذية، يا سلقلقة -
أو يا سلقى -. فولَّت هاربة، فلحقها عمرو بن حريث فقال: لقد استقبلتِ عليًّا
بكلام ، ثم إنه نزعك بكلمة فوليتِ
هاربة؟ قالت: إن عليًّا والله أخبرني بالحق وشيء أكتمه من زوجي منذ ولي عصمتي.
فرجع عمرو إلى أمير المؤمنين فأخبره بما قالت، وقال: يا أمير المؤمنين ما نعرفك
بالكهانة. فقال:
ويلك إنها ليست بكهانة مني، ولكن الله أنزل قرآناً (
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ) ، فكان رسول الله هو
المتوسِّم، وأنا من بعده، والأئمة من ذريتي بعدي هم المتوسِّمون، فلما
تأمَّلتُها عرفتُ ما هي بسيماها
(3).
|
(1) رجال النجاشي
2/127. |
(2) اختيار معرفة الرجال 2/748. |
(3) شواهد التنزيل 1/323. |
|
|
116
............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
ولئن استعظم الكاتب رواية مثل ذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام، واعتبره طعناً
فيه، فإنهم رووا عن علي عليه السلام ما هو أفحش من هذا، فقد قال ابن الأثير في
البداية: وفي حديث
علي : عارضه رجل من الموالي، فقال: ( اسكت يا ابن حمراء العِجَان )، أي يا ابن
الأمة، والعِجَان ما بين القُبُل والدبر، وهي كلمة تقولها العرب في السب والذم
(1).
بل إن بعض أحاديث أهل السنة نسبت إلى رسول الله (ص) من
الفحش ما يجب تنزيهه عنه:
منها : ما أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده بسنده عن
أُبَي رضي الله هعنه أن رجلاً اعتزى فأَعَضَّه أُبَي بِهَنِ أبيه
(2)، فقالوا: ما كنت
فحَّاشاً. قال: إنا أُمِرْنا بذلك
(3).
ومنها: ما أخرجه أحمد في المسند أيضاً بسنده عن
أبي بن كعب أن رجلاً اعتزى بعزاء الجاهلية، فأَعَضَّه ولم يُكْنِه، فنظر القوم
إليه، فقال للقوم: إني قد أرى الذي في أنفسكم، إني لم
أستطع إلا أن أقول هذا، إن رسول الله (ص) أمرنا إذا سمعتم من يعتزى بعزاء
الجاهلية فأَعِضُّوه ولا تَكْنُوا.
وعن أبي بن كعب قال: رأيت رجلاً تعزى عند أبي
بعزاء الجاهلية، افتخر بأبيه فأعضه بأبيه ولم يُكْنِه. ثم قال لهم: أما إني قد
أرى الذي في أنفسكم، إني لا أستطيع إلا ذلك، سمعت رسول الله (ص) يقول: مَن
تعزَّى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تَكْنُوا.
وعن الحسن عن عتي أن رجلاً تعزى بعزاء الجاهلية،
فذكر الحديث، قال أبي: كنا نؤمر إذا الرجل تعزى بعزاء الجاهلية فأعضّوه بهن
أبيه ولا تَكْنُوا
(4).
|
(1) النهاية في غريب الحديث
1/440.
(2) أي قال له: اعضض بأَيْر أبيك. ولم يُكَنِّ عن الأير بالهن،
تنكيلاً له وتأديباً.
انظر النهاية في غريب الحديث 3/252، ولسان
العرب 7/188.
(3) مسند أحمد بن حنبل 5/133.
(4) نفس المصدر 5/136. وأخرجه الطبراني في
المعجم الكبير 1/198،
قال الهيثمي في مجمع الزوائد 3/3: رواه
الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. |
|
|
الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت
............................................................. 117 |
فهل يتعقَّل الكاتب أن يأمر النبي (ص) المسلمين
بالتلفظ بالفحش بدون كناية مع إمكان النهي عن المنكر بلفظ لا فحش فيه، أو بفحش
بالكناية؟!

|