الخمــس ........................................................................................
335 |
|
قال الكاتب:
وهكذا نرى أن القول بإباحة الخمس للشيعة ، وإعفائهم من
دفعه هو قول مشتهر عند كل المجتهدين المتقدمين منهم والمتأخرين، وقد جرى العمل
عليه إلى أوائل القرن الرابع عشر فضلاً عن كونه مما وردت النصوص
بإباحته، فكيف يمكن والحال هذه دفع الخمس إلى الفقهاء والمجتهدين؟ مع أن الأئمة
سلام الله عليهم رفضوا الخمس، وأرجعوه إلى أصحابه، وأعفوهم من دفعه، أيكون
الفقهاء والمجتهدون أفضل من الأئمة سلام الله عليهم؟
وأقول: لقد اتَّضح من كل ما تقدَّم نقله من كلمات الأعلام
أن الكاتب لم يكن
أميناً في نقله، ولا مصيباً في زعمه، ولهذا بتر بعضاً من كلمات الأعلام، فلم
ينقلها كاملة على وجهها الصحيح، وحرَّف بعضاً آخر، فنقلها على خلاف المراد،
وأشار إلى المصادر في أكثر الأحيان دون أن ينقل نصوص كلامهم قدَّس الله
أسرارهم، ولكنا لما رجعنا إلى المصادر المذكورة رأينا خلاف زعم الكاتب كما
أوضحناه مفصَّلاً للقارئ الكريم.
فما نقول في رجل لفَّق على الأعلام ما لم يقولوه، وزوَّر عليهم ما لم يذهبوا
إليه؟ هل هو أهل لأن يوثق به في نقل، أو يُعتمد عليه في قول؟
وأما زعمه أن المشهور عند الشيعة هو إباحة الخمس للشيعة فهو غير صحيح،
336
............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
وحسبه
أنه لم ينقل هذه الشهرة عن واحد من علماء الطائفة، وقد نقلنا للقارئ العزيز
بعضاً من كلمات علماء الشيعة الإمامية الدالة على أن المشهور عندهم هو القول
بعدم الإباحة إلا في المناكح والمساكن والمتاجر بالمعاني التي أوضحناها.
ولا بأس أن ننقل للقارئ ما يدل على صحة ما قلناه مضافاً إلى ما نقلناه فيما
تقدَّم:
1- قال السيد المرتضى (ت 436هـ) في كتابه (الانتصار):
ومما انفردتْ به الإمامية القول بأن الخمس واجب في جميع المغانم والمكاسب ومما
استخرج من المعادن والغوص والكنوز ومما فضل من أرباح التجارات والزراعات
والصناعات بعد المؤنة والكفاية في طول السنَة على اقتصاد
(1).
2- قال الشيخ الطوسي (ت 460هـ) في كتابه الخلاف:
يجب الخمس في جميع المستفاد من أرباح التجارات والغلات والثمار على اختلاف
أجناسها، بعد إخراج حقوقها ومؤنتها، وإخراج مؤنة الرجل لنفسه ومؤنة عياله سنة،
ولم يوافقنا على ذلك أحد من الفقهاء
(2).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارها، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك، لأنه إذا أخرج
الخمس عما ذكرناه كانت ذمّته بريئة بيقين، وإن لم يخرج ففي براءة ذمّته خلاف
(3).
3- قال ابن زهرة الحلبي (ت 585هـ) في كتابه (غنية النزوع):
ويجب الخمس أيضاً في الفاضل عن مؤونة الحول على الاقتصاد من كل مستفاد بتجارة
أو زراعة أو صناعة أو غير ذلك من وجوه الاستفادة أي وجه كان، بدليل الإجماع
المشار إليه وطريقة الاحتياط
(4).
|
(1)
الانتصار، ص 86.
(2) يعني فقهاء أهل السنة. |
(3) كتاب الخلاف 2/118.
(4) غنية النزوع، ص 129. |
|
|
الخمــس ........................................................................................
337 |
4- قال العلاّمة الحلي (ت 726هـ) في كتابه (منتهى المطلب):
الصنف الخامس: أرباح التجارات والزراعات والصنائع وجميع أنواع الاكتسابات فواضل
الأقوات من الغلات والزراعات عن مؤونة السنة على الاقتصاد، وهو قول علمائنا
أجمع، وقد خالف فيه الجمهور كافة. لنا: قوله تعالى
( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا
غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ ) الآية، ووجه الاستدلال أنه تعالى
أوجب الخمس في كل ما يُغنم، وهو يتناول غنيمة دار الحرب ويتناول غيرها،
فالتخصيص من غير دليل باطل
(1).
وقال في تذكرة الفقهاء : الخامس أرباح التجارات والزراعات وساير الصنايع وساير
الاكتسابات بعد إخراج مؤونة السنَة له ولعياله على الاقتصاد من غير إسراف ولا
تقتير عند علمائنا كافة، خلافاً للجمهور كافة، لعموم ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا
غَنِمْتُم ) وقوله ( أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا
أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ )، والمتواتر المستفاد من الأئمة
عليهم السلام
(2).
5- قال الشهيد الأول (ت سنة 786 هـ) في كتابه (البيان):
وظاهر ابن الجنيد وابن أبي عقيل العفو عن هذا النوع، وأنه لا خمس فيه، والأكثر
على وجوبه، وهو المعتمد، لانعقاد الإجماع عليه في الأزمنة السابقة لزمانهما،
واشتهار الروايات فيه
(3).
6- قال السيد محمد علي الموسوي العاملي (ت سنة 1009هـ) في كتابه (مدارك
الأحكام):
البحث في هذه المسألة يقع في مواضع: الأول: في وجوب الخمس في هذا
|
(1) منتهى المطلب 1/548. |
(2) تذكرة الفقهاء 1/253 ط حجرية. |
(3) عن كتاب مدارك الأحكام 5/378.
|
|
|
338
............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
النوع، وهو
مقطوع به في كلام أكثر الأصحاب، بل ادّعى عليه العلاّمة في التذكرة والمنتهى
الإجماع وتواتر الأخبار
(1).
7- وقال الميرزا القمي في غنائم الأيام (ت سنة 1231هـ):
السادس: أرباح التجارات والزراعات والصنائع وجميع أنواع الاكتسابات وفواضل
الأقوات من الغوت والزراعات عن مؤونة السنة على الاقتصاد، وهو قول علمائنا
أجمع، وقد خالف فيه الجمهور كافة
(2).
8- وقال السيد علي الطباطبائي في رياض المسائل (ت سنة 1231هـ):
(و) زادوا أيضاً كما فيها (أرباح التجارات) والزراعات والصنايع وجميع أنواع
الاكتسابات وفواضل الأقوات من الغلات والزراعات عن مؤنة السنة على
الاقتصاد، وفي الانتصار والغنية والخلاف وظاهر المنتهى وعن التذكرة والشهيد:
عليه الإجماع. ولعله كذلك، لعدم وجود مخالف فيه ظاهر ولا محكي، إلا العماني والإسكافي حيث حُكي
عنهما القول بالعفو عن هذا النوع، وفي استفادته من كلاميهما المحكي إشكال. نعم
ربما يستفاد منهما التوقف فيه، ولا وجه له، لاستفاضة الروايات بل تواترها كما عن التذكرة والمنتهى
بالوجوب، ولذا لم يتأمل في أصل الوجوب أحد من المتأخرين ولا متأخريهم
(3).
9- قال الشيخ محمد حسن النجفي صاحب الجواهر قدس
سره (ت سنة 1266هـ):
(الخامس) مما يجب فيه الخمس (ما يفضل عن مؤونة السنة) على الاقتصاد (له ولعياله
من أرباح التجارات والصناعات والزراعات) بلا خلاف معتد به أجده
فيه، بل في الخلاف والغنية والتذكرة والمنتهى الإجماع عليه، بل في ظاهر
الانتصار والسرائر
|
(1)
مدارك الأحكام 5/378. |
(2) غنائم الأيام 4/314. |
(3) رياض المسائل 3/291. |
|
|
الخمــس ........................................................................................
339 |
أو صريحهما ذلك، بل أرسله في الرياض عن الشهيد الثاني أيضاً، بل في الأخيرين من
الأربعة دعوى تواتر الأخبار به، وهو الذي استقر عليه المذهب والعمل في زماننا
هذا، بل وغيره من الأزمنة السابقة التي يمكن دعوى اتصالها بزمان أهل العصمة
عليهم السلام
(1).
10- وقال الشيخ مرتضى الأنصاري في كتاب الخمس (ت سنة 1281هـ):
(و) يجب الخمس أيضاً (فيما يفضل عن مؤونة السنة) على الاقتصاد (له) فيما يحتاج
إليه
شرعاً أو عُرفاً، بحسب حاله (ولعياله) الواجبي النفقة وغيرهم، سواء كان
الفاضل (من أرباح التجارات عموم الحكم لأنواع الاستفادات والصناعات والزراعات)
كما هو الغالب، ولذا اقتصر
عليها، أم كان من غيرها من أنواع الاكتسابات
والاستفادات على المعروف بين الأصحاب، بل عن صريح الانتصار والخلاف والغنية
وظاهر المنتهى والتذكرة ومجمع البيان وكنز العرفان ومجمع البحرين: الإجماع
عليه
(1).
وغير هؤلاء كثير، وكلماتهم كلها صادحة بأن إخراج الخمس من أرباح المكاسب وفاضل
المؤونة مما انعقد عليه الإجماع أو هو المشهور شهرة عظيمة كما رأيت في كلماتهم.

قال الكاتب: إن فتاوى إباحة الخمس للشيعة لا تقتصر على هؤلاء الذين ذكرنا من
الفقهاء والمجتهدين لا وإنما هناك أضعاف هذا العدد الذي ذكرنا وعلى مر هذه
القرون ولكننا اخترنا من كل قرن واحداً من الفقهاء القائلين بعدم دفع الخمس لكي
يتضح لنا أن القول بعدم وجوب الخمس قد قال به كثير من الفقهاء وعلى مر الزمان
|
(1)
جواهر الكلام 16/45. |
(2) كتاب الخمس، ص 71. |
|
|
340
............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
لأنه هو القول الراجح في المسألة، ولموافقته للنصوص وعمل الأئمة
عليهم السلام.
وأقول: لقد اتضح مما نقلناه إجماع العلماء على
وجوب إخراج الخمس من أرباح المكاسب ومن فاضل المؤونة، وقد نقلنا كلمات الأعلام
وإجماعاتهم، وهي كافية في معرفة الحق وبيان أن مزاعم الكاتب كلها أكاذيب وافتراءات لم تستند على النقل
الصحيح من أقوال وكلمات العلماء، وإنما هي دعاوى مجردة عن كل ما يُثبِتها، ونحن
بحمد الله وفضله قد أثبتنا كذبها كلها كما مرَّ مفصَّلاً.

|