62
.................................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
|
قال الكاتب : ولكن كتبنا
المعتبرة عندنا تبين لنا الحقيقة ، إذ تذكر لنا تَذَمُّرَ أهل البيت صلوات الله
عليهم من شيعتهم، وتذكر لنا ما فعله الشيعة الأوائل بأهل البيت، وتذكر لنا مَن
الذي سفك دماء أهل البيت عليهم السلام ومن الذي تسبب في مقتلهم واستباحة
حرماتهم.
وأقول : تذمُّر بعض أئمة أهل البيت عليهم السلام
من بعض شيعتهم أو غيرهم لا يعني نصباً، ولا يدل على عداوة، فإن رسول الله (ص)
تذمَّر من بعض صحابته في وقائع مختلفة، وغضب من أفعال بعضهم، ولم يخرجهم ذلك عن
دينهم، أو يجعلنا نحكم عليهم بنصب أو نفاق.
وأما من تسبب في مقتل أئمة أهل البيت عليهم السلام واستباحة دمائهم فهم
أعداؤهم، لا شيعتهم ومحبّوهم، كما سيتضح ذلك من خلال كلامنا الآتي إن شاء الله
تعالى.

قال الكاتب : قال أمير
المؤمنين عليه السلام : ( لو مَيَّزْتُ شيعتي لما وجدتهم إلا واصفة، ولو
امتحنتُهم لما وجدتهم إلا مرتدين، ولو تَمَحَّصْتُهم لما خلص من الألف واحد ) (
الكافي/ الروضة 8/338 ).
وأقول : إن مدعي الاجتهاد والفقاهة ظن أن أبا
الحسن عليه السلام الذي رُوي عنه هذا الحديث، هو الإمام أمير المؤمنين عليه
السلام ، مع أنه من البديهيات عند طلبة العلم أن أبا الحسن الوارد في
الروايات يُراد به الإمام الكاظم سلام الله عليه، فمرحباً بهذا المجتهد الذي
نال درجة الاجتهاد بتفوق!!
هذا مع أن هذا الحديث ضعيف السند جداً، فإن من جملة رواته محمد بن سليمان، وهو
محمد بن سليمان البصري الديلمي، وهو ضعيف جداً.
قال المحقق السيد الخوئي في ( معجم رجال الحديث
): ولا شك في انصراف
الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت
.................................................................. 63 |
محمد بن سليمان إلى
البصري الديلمي، فإنه المعروف المشهور
(1).
قال النجاشي: محمد بن سليمان بن عبد الله
الديلمي، ضعيف جداً، لا يُعوَّل عليه في شيء
(2).
وقال في ترجمة أبيه: سليمان بن عبد الله الديلمي
أبو محمد... وقيل: كان غالياً كذَّاباً، وكذلك ابنه محمد، لا يُعمل بما انفردا
به من الرواية (3).
وقال الشيخ في رجاله : له كتاب، يُرمى بالغلو
(4).
وقال العلامة في رجاله : ضعيف جداً لا يعوَّل
عليه في شيء (5).
ومن رواة هذا الحديث أيضا ً: إبراهيم بن عبد الله
الصوفي، وهو رجل مجهول، لم يُترجَم في كتب الرجال.
ومن جملة رواته أيضاً : موسى بن بكر الواسطي، وهو
لم يوثَّق في كتب الرجال، بل قال الشيخ الطوسي
قدس سره
في رجاله : موسى بن بكر الواسطي، أصله كوفي، واقفي
(6).
هذا من ناحية السند ، وأما من ناحية متن الحديث
ومعناه فنقول : لقد كان كثير من
المسلمين في زمان الأئمة عليهم السلام يدَّعون أنهم من شيعة علي عليه السلام
خاصة أو أهل البيت عليهم السلام ?عامَّة
(7)،
ولكنهم لم يكونوا كذلك، لأن شيعتهم هم أتباعهم بالقول والفعل، لا بالادِّعاء
فقط.
|
(1) معجم رجال الحديث
16/134.
(2) رجال النجاشي 2/269.
(3) نفس المصدر 1/412. |
(4) رجال الطوسي، ص 343.
(5) رجال العلامة، ص 255.
(6) رجال الطوسي، ص 343. |
|
(7) لقد استمر هذا الادِّعاء حتى إلى ما بعد عصورهم عليهم السلام ، فلا
تعدم من يزعم أن أهل السنة أو المعتزلة أو غيرهم، هم شيعة علي عليه
السلام كما سيأتي نقله عن ابن حجر الهيتمي وابن أبي الحديد المعتزلي |
|
64
.................................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
وعليه فالمراد بالحديث هو أني
(لو ميَّزتُ) أي لو أردت أن أَفْصِل
(شيعتي) أي الذين يزعمون أنهم من شيعتنا وأتباعنا
ـ وهم ليسوا كذلك ـ عن غيرهم ممن شايعنا حقيقة ، (لما
وجدتُهم إلا واصفة) أي لما وجدتُ هؤلاء شيعة لنا، بل
وجدتهم واصفين أنفسهم بمشايعتنا ومُدَّعين لها، مع أنهم ليسوا كذلك، لأنهم لا
يعتقدون بإمامتنا، ولا يقتدون بنا، لا في أقوالنا ولا في أفعالنا.
(ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين) أي لو أني
امتحنتُ هؤلاء الذين يزعمون أنهم لنا شيعة، بأن ذكرتُ لهم مذهب أئمة أهل البيت
عليهم السلام وما يجب عليهم من الاعتقاد والعمل، لما وجدتهم إلا مُنكِرين
علينا مذهبنا، وتاركين ادّعاء التشيع لنا، وراجعين عن القول بموالاتنا
ومحبَّتنا.
(ولو تمحَّصتُهم لما خلص من الألف واحد)، أي لو
أني محَّصتُ هؤلاء بالامتحان، وأمرتُهم ببذل المال من أجلنا، والتضحية بالنفس
في سبيلنا لما خلص منهم أحد، لأنهم يدَّعون التشيع لنا من دون أن يكونوا لنا
شيعة حقيقة.
ويدل على ما
قلناه من معنى الحديث قوله عليه السلام بعد ذلك :
( ولو غربلتُهم غربلة لم يبقَ منهم إلا ما كان لي ، إنهم طالما اتّكوا على
الأرائك ، فقالوا: "نحن شيعة علي"،
إنما شيعة علي من صدق قولَه فعلُه ).
أي لو أني اختبرتهم لوجدتهم يتَّبعون غيرنا ويوالون أعداءنا، ولم يبق مِن هؤلاء
الذين يدَّعون التشيع لنا إلا شيعتنا الذين يوالوننا ويأخذون بقولنا ويقتدون
بنا، وأما المدَّعون الذين يوالون غيرنا فهؤلاء ليسوا
من شيعتنا، لأن شيعة علي عليه السلام هم الذين شايعوا عليًّا وأهل بيته عليهم
السلام بالقول والفعل، لا بالقول دون الفعل.
ومنه يتضح أن كلام الإمام عليه السلام ـ لو صحَّ
الحديث ـ ليس ناظراً للشيعة الذين يعتقدون بإمامتهم ويوالونهم حقيقة، وإنما
أراد عليه السلام أن ينفي تشيع أهل الخلاف
الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت
.................................................................. 65 |
المدَّعين أنهم من
شيعتهم عليهم السلام .
ولو سلمنا أن المراد
بالحديث هو ذَمّ الشيعة فإن الذم المتوجِّه إليهم إنما هو بسبب عدم اقتدائهم
بأئمة أهل البيت عليهم السلام في سلوكهم وأفعالهم من الاستقامة والصلاح والتقوى
والورع، ولا يراد أنهم كانوا منحرفين عن أئمة أهل البيت عليهم السلام قولاً
واعتقاداً.
وحال هذا الكلام حال من يقول: إن المسلمين اليوم
لا يطبقون الإسلام، ولا يعملون بالقرآن، ولو امتحنتهم لوجدتهم كلهم مسلمين
بالاسم فقط، ولما خلص من الألف واحد.
وهو كلام يُراد به ذمّ المسلمين من جهة سلوكهم
وأعمالهم، لا من حيث اعتقادهم وأحكامهم، ولا يراد به أنهم مبطلون وغيرهم محق.

|