الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت ............................................................. 103

قال الكاتب : كنا نقرأ أصول الكافي مرة مع بعض طلبة الحوزة في النجف على الإمام الخوئي، فرد الإمام الخوئي قائلاً : انظروا إلى هذه المعجزة، نوح سلام الله عليه يخبر بمحمد (ص) ، وبنبوَّته قبل ولادته بألوف السنين.

بقيت كلمات الإمام الخوئي تتردَّد في مسمعي مدة وأنا أقول في نفسي: كيف يمكن أن تكون هذه معجزة وفيها حمار يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآله [ كذا ] : بأبي أنت وأمي؟! وكيف يمكن لأمير المؤمنين سلام الله عليه أن ينقل مثل هذه الرواية؟! لكني سكت كما سكت غيري من السامعين.

وأقول : هذا من أخطائه الفاضحة وسقطاته الواضحة، فإنه ظن أن من ضمن مناهج الحوزة العلمية في النجف دراسة كتب الأحاديث التي من أهمها كتاب (أصول الكافي)، قياساً على ما هو متعارف في المناهج الدينية السُّنّية التي يدرسون فيها كتب الأحاديث المشهورة مثل البخاري ومسلم وغيرهما.
وبهذا يتضح كذب الحادثة من أساسها.

هذا مع أن السيد الخوئي لا يمكن أن يقول ما نسبه إليه اعتماداً على رواية مرسلة لا سند لها، فإن منهجه رحمه الله معروف عند كل طلبة الحوزة، وهو أنه لا يعوِّل على الأحاديث الضعيفة وإن عمل بها المشهور.

ومن سقطاته الطريفة في هذه القصة أنه ذكر الصلاة على النبي (ص) بهذه الكيفية: (صلى الله عليه وسلم وآله)، مع أن هذه الكيفية لا تصدر من شيعي، فضلاً عن عالم قد بلغ هذا العمر المزعوم، ولا تصدر إلا ممن لم يعتَدْ على الكيفية المتعارفة للصلاة عند الشيعة.

104 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

 

قال الكاتب : ونقل الصدوِق عنِ الرضا رضي الله عنه في قوله تعالىِ (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتُخْفِي في نفسك ما الله مبْدِيه) (الأحزاب/37) قال الرضا مفسراً هذه الآية: ( إن رسول الله (ص) قصد دار زيد بن حارثة في أمر أراده، فرأى امرأته زينب تغتسل، فقال لها: سبحان الذي خلقك ) عيون أخبار الرضا ص 113.

فهل ينظر رسول الله (ص) إلى امرأة رجل مسلم، ويشتهيها، ويعجب بها، ثم يقول لها: سبحان الذي خَلقك ؟! أليس هذا طعناً برسول الله (ص) ؟!

وأقول : هذا الخبر ضعيف السند ، فإن من جملة رواته تميم بن عبد الله بن تميم القرشي، فإنه وإن كان من شيوخ الإجازة للصدوق رحمه الله ، وأكثر الصدوق من الترضي عنه، إلا أنه لم يثبت توثيقه في كتب الرجال، بل ضعفه ابن الغضائري والعلاَّمة الحلي وغيرهما.
ومن رواته والد الراوي السابق، وهو مهمل في كتب الرجال.

وراوي هذا الحديث عن الإمام الرضا عليه السلام هو علي بن محمد بن الجهم الذي قال عنه الصدوق بعد أن نقل الحديث المذكور بكامله: هذا الحديث غريب من طريق علي بن محمد بن الجهم مع نصبه وبغضه وعداوته لأهل البيت عليهم السلام (1).

وأما من ناحية متن الحديث فلم يرد فيه أن النبي (ص) اشتهى زوجة زيد بن حارثة، ولا أنه (ص) أُعجِب بها كما قال الكاتب، وإنما قال لما رآها: (سبحان الذي خلقك)، والتسبيح ذِكْر من أذكار الله سبحانه التي يثاب عليها قائلها.

ولا دلالة في الحديث على أن النبي (ص) رآها عارية، بل رآها تغتسل، ومن

 

(1) عيون أخبار الرضا 2/182.

 
 

الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت ............................................................. 105

المستبعد أن تغتسل عاريةً ـ مع شدة صونها وعفافها ـ في مكان تكون عرضة لرؤية كل من يدخل إلى دارها، وإنما كانت تغتسل في مكان لا يراها أحد، ولكن النبي (ص) علم أنها تغتسل، من دون أن يرى شخصها ، فقال: سبحان الله الذي خلقك، وتنزَّه عن أن يكون له ولد يحتاج للاغتسال والتنظف.

وهذا المعنى الذي قلناه قد ورد في الحديث نفسه، فقد جاء فيه: فقال النبي لما رآها تغتسل: سبحان الذي خلقك أن يتَّخذ له ولداً يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال. فلما عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجيء رسول الله (ص) وقوله لها: ( سبحان الذي خلقك! ). فلم يعلم زيد ما أراد بذلك، وظن أنه قال ذلك لما أعجبه من حسنها، فجاء إلى النبي (ص) وقال له: يا رسول الله إن امرأتي في خلقها سوء، وإني أريد طلاقها.

فقال النبي (ص): أمسك عليك زوجك، واتق الله. وقد كان الله عزَّ وجل عرَّفه عدد أزواجه ، وأن تلك المرأة منهن، فأخفى ذلك في نفسه، ولم يبده لزيد، وخشي الناس أن يقولوا: إن محمداً يقول لمولاه: ( إن امرأتك ستكون لي زوجة ) يعيبونه بذلك، فأنزل الله عز وجل: ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ ) يعنى بالإسلام ( وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ) يعنى بالعتق ( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَه وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ واللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) ، ثم إن زيد بن حارثة طلَّقها واعتدَّت منه، فزوَّجها الله عزَّ وجل من نبيّه محمد (ص)، وأنزل بذلك قرآناً، فقال عزَّ وجل: ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولا ) (1).

هذا مع أنه قد ورد في كتب أهل السنة ما هو أصرح من ذلك، كرؤية النبي (ص) لزينب وهي مكشوفة الشعر، وأنها أعجبته فرغب في نكاحها، فتزوجها من غير خطبة ولا شهادة.

فقد أخرج الطبراني في معجمه الكبير، والبيهقي في السنن الكبرى، والهيثمي

 

(1) المصدر السابق 2/181.

 
 

106 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

في مجمع الزوائد، وابن عساكر في تاريخ دمشق عن زينب بنت جحش أنها قالت في حديث: فطلقني فبَتَّ طلاقي، فلما انقضت عدَّتي لم أشعر إلا والنبي (ص) وأنا مكشوفة الشعر، فقلت: هذا أمر من السماء ؟! وقلت: يا رسول الله بلا خطبة ولا شهادة؟ قال: الله المزوِّج ، وجبريل الشاهد (1).

وأخرج الطبراني في الكبير أيضاً بسنده عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن رسول الله (ص) جاء بيت زيد بن حارثة، فاستأذن فأذنت له زينب ولا خمار عليها، فألقت كُمَّ درعها على رأسها، فسألها عن زيد فقالت: ذهب قريباً يا رسول الله. فقام رسول الله (ص) وله همهمة قالت زينب: فاتبعته فسمعته يقول: (تبارك مصرِّف القلوب). فما زال يقولها حتى تغيب (2).

وقال الطبري في تفسيره : يقول تعالى ذكره لنبيه (ص) عتاباً من الله له : ( وَ ) اذكر يا محمد ( إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ ) بالهداية، ( وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ) بالعتق، يعني زيد بن حارثة مولى رسول الله (ص): ( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ )، وذلك أن زينب بنت جحش فيما ذُكر رآها رسول الله (ص) فأعجبته، وهي في حبال مولاه، فأُلقي في نفس زيد كراهتها لما علم الله مما وقع في نفس نبيِّه ما وقع، فأراد فراقها، فذكر ذلك لرسول الله (ص) زيد، فقال له رسول الله (ص): ( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ) وهو (ص) يحب أن تكون قد بانت منه لينكحها، ( وَاتَّقِ اللهَ ) وخَفِ الله في الواجب له عليك في زوجتك، ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ ) يقول: وتخفي في نفسك محبة فراقه إياها لتتزوجها إن هو فارقها، والله مبدٍ ما تخفي في نفسك من ذلك، ( وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) يقول تعالى ذكره: وتخاف أن يقول الناس: أمَرَ رجلاً بطلاق امرأته ونكحها حين طلقها، والله أحق أن تخشاه  من الناس (3).

 

(1) مجمع الزوائد 9/247. المعجم الكبير للطبراني 24/40. السنن الكبرى 7/137. تاريخ مدينة دمشق 50/230، 231.
(2) المعجم الكبير للطبراني 24/44. مجمع الزوائد 9/247.
(3) تفسير الطبري 22/10-11.

 
 

الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت ............................................................. 107

وقال ابن الجوزي في زاد المسير: فلما زوَّجها رسول الله (ص) زيداً مكثتْ عنده حيناً، ثم إن رسول الله (ص) أتى منزل زيد فنظر إليها، وكانت بيضاء جميلة من أتم نساء قريش، فوقعت في قلبه، فقال: (سبحان مقلِّب القلوب). وفطن زيد فقال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها. وقال بعضهم : أتى رسول الله (ص) منزل زيد، فرأى زينب فقال: (سبحان مقلب القلوب). فسمعت ذلك زينب، فلما جاء زيد ذكرت له ذلك، فعلم أنها قد وقعت في نفسه، فأتاه فقال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها. وقال ابن زيد: جاء رسول الله (ص) إلى باب زيد، وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر فرأى زينب، فلما وقعت في قلبه كرهت إلى الآخر، فجاء فقال: يا رسول الله أريد فراقها. فقال له: اتق الله. وقال مقاتل: لما فطن زيد لتسبيح رسول (ص) قال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها، فإن فيها كِبْراً، فهي تَعَظَّم عليَّ وتؤذيني بلسانها. فقال له النبي (ص) : أمسك عليك زوجك واتق الله. ثم إن زيداً طلَّقها بعد ذلك (1).

وقال القرطبي في تفسيره: واختلف الناس في تأويل هذه الآية، فذهب قتادة وابن زيد وجماعة من المفسرين، منهم الطبري وغيره، إلى أن النبي (ص) وقع منه استحسان لزينب بنت جحش، وهي في عصمة زيد، وكان حريصاً على أن يطلِّقها زيد فيتزوجها هو ، ثم إن زيداً لما أخبره بأنه يريد فراقها، ويشكو منها غلظة قول وعصيان أمر، وأذى باللسان وتعظُّماً بالشرف ، قال له: (اتق الله - أي فيما تقول عنها - وأمسك عليك زوجك). وهو يخفي الحرص على طلاق زيد إياها، وهذا الذي كان يخفي في نفسه، ولكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف.

وقال مقاتل : زوَّج النبي (ص) زينب بنت جحش من زيد، فمكثت عنده حيناً، ثم إنه عليه السلام أتى زيداً يوماً يطلبه، فأبصر زينب قائمة، كانت بيضاء جميلة جسيمة من أتم نساء قريش، فهويها وقال: (سبحان الله مقلب القلوب!). فسمعت زينب بالتسبيحة، فذكرتها لزيد ، ففطن زيد فقال: يا رسول الله ، ائذن لي في طلاقها ، فإن

 

(1) زاد المسير 6/209.

 
 

108 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

فيها كِبْراً ، تَعَظَّم عليَّ وتؤذيني بلسانها. فقال عليه السلام: ( أمسك عليك زوجك واتق  الله ). وقيل: إن الله بعث ريحاً، فرفعت الستر وزينب متفضلة(1) في منزلها، فرأى زينب فوقعت في نفسه، ووقع في نفس زينب أنها وقعت في نفس النبي (ص) ، وذلك لما جاء يطلب زيداً، فأخبرته بذلك، فوقع في نفس زيد أن يطلقها. وقال ابن عباس: ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ ) الحب لها، ( وَتَخْشَى النَّاسَ ) أي تستحييهم، وقيل: تخاف وتكره لائمة المسلمين لو قلت: طلِّقْها. ويقولون: أمَرَ رجلاً بطلاق امرأته ثم نكحها حين طلقها. ( وَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) في كل الأحوال.

وقيل: والله أحق أن تستحي منه، ولا تأمر زيداً بإمساك زوجته بعد أن أعلمك الله أنها ستكون زوجتك، فعاتبه الله على جميع هذا (2).

وكأنما شقَّ على ابن كثير نسبة كل ذلك لرسول الله (ص)، فقال في تفسيره: ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير ههنا آثاراً عن بعض السلف رضي الله عنهم ، أحببنا أن نضرب عنها صفحاً، لعدم صحَّتها فلا نوردها (3).

فهل بعد هذا كله يحق للكاتب أن يتَّهم الشيعة بأنهم يطعنون برسول الله (ص)
بعد كل ما رووه وقالوه في هذه القضية؟

 

(1) قال ابن الأثير في كتابه النهاية في غريب الحديث والأثر 3/456: تفضلت المرأة إذا لبست ثياب مهنتها، أو كانت في ثوب واحد. وقال ابن منظور في لسان العرب 11/526: الفضلة: الثياب التي تبتذل للنوم، لأنها فضلت عن ثياب التصرف.
(2) تفسير القرطبي 14/189.
(3) تفسير القرآن العظيم 3/491.

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب