134
.............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
|
قال الكاتب: ونكتفي بهذه النصوص حرصاً على عدم الإطالة، وكانت الرغبة أن ننقل
ما ورد من نصوص بحق كل واحد من الأئمة عليه السلام، ثم عَدلْنا عن ذلك إلى الاكتفاء بخمس
روايات وردت بحق كل واحد، ثم رأينا أن الأمر أيضاً يطول إذ نقلنا خمس روايات
وردت بحق النبي صلوات الله عليه، وخمساً أخرى بحق أمير المؤمنين، وخمساً أخرى
بحق فاطمة
سلام الله عليها، فاستغرق ذلك صفحات عديدة، لذلك سنحاول أن نختصر
أكثر حتى نَطَّلعَ على خفايا أكثر.
نقل الكليني في الأصول من الكافي: أن جبريل نزل على محمد
(ص) فقال له: يا
الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت
.............................................................. 135 |
محمد،
إن الله يبشرك بمولود يُولَد من فاطمة، تقتله أُمَّتُكَ من بعدك فقال: "يا
جبريل ، وعلى ربي السلام، لا حاجة لي في مولود يُولَدُ من فاطمة تقتله أمتي من
بعدي"، فعرج ثم هبط فقال
مثل ذلك: "يا جبريل وعلى ربي السلام، لا حاجة لي في
مولود تقتله أمتي من بعدي"، فعرج جبريل إلى السماء، ثم هبط فقال: يا محمد إن
ربك يُقرِئُكَ السلام ، ويبشرك بأنه جاعل في
ذريته الإمامة والولاية والوصية،
فقال: إني رضيت . ثم أرسل إلى فاطمة أن الله يبشرني بمولود يُولَدُ لك تقتلُه
أمتي من بعدي، فأرسلتْ إليه أن لا حاجة لي في مولود تقتله أُمَّتُك من
بعدك،
وأرسل إليها أن الله عز وجل جعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية، فأرسلت
إليه: إني رضيت. فحملته كُرْهاً.. ووضعَتْه كرهاً، ولم يرضع الحسين من فاطمة
عليها السلام
ولا من أنثى، كان يُؤْتَى
(1)
بالنبي (ص) فيضع إبهامه في فيه فيمص ما يكفيه
اليومين والثلاث.
أقول: هذا الحديث ضعيف السند بالإرسال، فإن الكليني
رحمه الله رواه عن محمد بن يحيى، عن
علي بن إسماعيل، عن محمد بن عمرو الزيات، عن رجل من أصحابنا، عن أبي عبد الله
عليه السلام.
فهل يُتوقَّع من فقيه حاز رتبة الاجتهاد ألا يلتفت لضعف هذا الحديث مع وضوح
إرساله حتى لصغار طلبة العلم؟!

قال الكاتب: ولست أدري هل كان رسول الله
(ص) يَرُدُّ أمراً بَشَّرَهُ الله به؟
وهل كانت الزهراء سلام الله عليها ترد أمراً قد قضاه الله وأراد تبشيرها به ،
فتقول ( لا حاجة لي به ) ؟ وهل حملت بالحسين وهي كارهة له، ووضعته وهي كارهة له؟
وهل امتنعت عن إرضاعه حتى كان يُؤْتَى بالنبي [كذا]
صلوات الله عليه ليرضعه من إبهامه ما يكفيه اليومين
والثلاثة؟
|
(1) في المصدر: يؤتى به النبي (ص). |
|
|
136
.............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
وأقول: بعد أن تبين ضعف الحديث فالكلام فيه كله
فضول، ولكنا مع ذلك نجيبه على سؤاله الأول بأن الحديث لا دلالة فيه على أن
النبي (ص) ردَّ أمراً قضاه الله وقدَّره، ولعل النبي
(ص) فهم أن الأمر لم يكن حتمياً، أو أنه (ص) أحبَّ أن تتدخل القدرة الإلهية
لمنع ولادة ذلك المولود، أو أراد (ص) بيان عظم ألَمِه بما سيجري على الحسين
عليه السلام، أو أنه (ص)
أراد إيضاح أن مولوداً يقتله الناس لا حاجة له فيه، فلما أُخبر بأن الأئمة
عليهم السلام سيكونون من ذرّيته رضي، وعلم أنه مولود مبارك.
قال المجلسي قدس سره: والظاهر أن الإرسال
والتبشير من الله والرسول (ص) كانا على وجه التخيير لا الحتم، حتى يكون ردّهما
ردًّا على الله
(1).
وكل ما قلناه في قول النبي (ص) يأتي بعينه في قول الزهراء عليها السلام حرفاً
بحرف.
وجواب سؤاله الثاني هو أن سيّدة النساء سلام الله
عليها حملت بالحسين عليه السلام ووضعته وهي كارهة ما سيجري عليه من القتل، لا
أنها كانت كارهة له سلام الله عليه، فبين الأمرين فرق واضح.
ولعل المراد بأن فاطمة سلام الله عليها حملت بالحسين عليه السلام كرهاً ووضعته
كرهاً هو عين ما يصيب النساء من مشقة الحمل والوضع.
قال ابن كثير في تفسيره: (
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا ) أي قاست بسببه في حال حمله مشقة وتعباً من
وحم وغثيان وثقل وكرب إلى غير ذلك مما تنال الحوامل من التعب والمشقة،
( وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ) أي بمشقة أيضاً من
الطلق وشدَّته
(2).
وأما السبب الذي من أجله لم ترضع فاطمة الزهراء سلام الله عليها ولدها الحسين
عليه السلام فهو أمر لم نحط به ولا نعرفه، ولعل هناك حكمة اقتضت ذلك نحن لا
نعلم بها، فليس كل خبر وصل إلينا.
ولعل الحكمة في ذلك هو أن الله سبحانه أراد أن ينبت لحم الحسين عليه السلام
ويشتد عظمه
|
(1) مرآة
العقول 5/364. |
(2) تفسير القرآن العظيم 4/157. |
|
|
الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت
.............................................................. 137 |
من بركة رسول الله (ص).
هذا مع أن أهل السنة رووا أن التي أرضعت الحسن أو
الحسين عليهما السلام هي أم الفضل، فقد أخرج ابن ماجة وأحمد والحاكم وغيرهم
بأسانيدهم عن قابوس، قال: قالت أم الفضل:
يا رسول الله رأيت كأن في بيتي عضواً من أعضائك. قال: خيراً رأيتِ، تلد فاطمة
غلاماً فترضعيه. فولدت حسيناً أو حسناً، فأرضعته بلبن قُثَم...
(1).
وأخرج الحاكم بسنده عن ابن عباس عن أم الفضل رضي
الله عنها ، قالت: دخل عليَّ رسول الله (ص) وأنا أرضع الحسين بن علي بلبن ابنٍ
كان يقال له قُثَم. قالت: فتناوله رسول الله
(ص) ، فناولته إياه فبال عليه، قالت: فأهويتُ بيدي إليه، فقال رسول الله (ص):
لا تزرمي ابني. قالت: فرشَّه بالماء
(2).
وأما إعطاء النبي (ص) إصبعه للحسين عليه السلام ليرضع منه فإن ذلك ـ لو سلَّمنا
بصحة الحديث ـ إنما وقع بنحو الإعجاز والكرامة للحسين عليه السلام لينبت لحمه
من رسول الله
(ص)، وهذا لا محذور فيه، ولا سيما أن أهل السنة جوَّزوا نبوع الماء من بين
أصابع النبي (ص) حتى سقى جيشاً يبلغ ألفاً وخمسمائة رجل.
فقد أخرج البخاري في صحيحه وغيره بسنده عن جابر
بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال: عطش الناس يوم الحديبية، والنبي (ص) بين
يديه ركوة فتوضأ، فجهش الناس نحوه، فقال:
ما لكم؟ قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك. فوضع يده في
الركوة، فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا. قلت: كم
كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة
(3).
|
(1) سنن
ابن ماجة 2/1293. مسند أحمد
6/339، 340. المعجم الكبير للطبراني 3/5،
9. 25/25-27.
وراجع المستدرك 3/194، ط حيدرآباد 3/176.
مسند أبي يعلى 6/140.
الطبقات الكبرى لابن سعد 8/278، 279.
(2) المستدرك 3/194.
(3) صحيح البخاري 3/1105.
صحيح ابن خزيمة 1/66.
صحيح ابن حبان 14/480. |
|
|
138
.............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما ـ واللفظ لمسلم
ـ بسندهما عن أنس بن مالك، أن نبي الله (ص) وأصحابه بالزوراء ( قال: والزوراء
بالمدينة عند السوق والمسجد فيما ثمة )، دعا
بقدح فيه ماء، فوضع كفَّه فيه، فجعل ينبع من بين أصابعه، فتوضأ جميع أصحابه،
قال: قلت: كم كانوا يا أبا حمزة؟ قال: كانوا زهاء الثلاثمائة
(1).
وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن أنس، أن النبي
(ص) دعا بإناء من ماء، فأُتِيَ بقدح رَحْرَاح
(2)
فيه شيء من ماء، فوضع أصابعه فيه، قال أنس: فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من بين
أصابعه. قال أنس: فحَزَرْتُ مَن توضَّأ ما بين السبعين إلى الثمانين
(3).
والأحاديث في ذلك كثيرة جداً رواها أصحاب الصحاح
والسنن والمسانيد وغيرهم، ولا حاجة لنقلها بعد رواية البخاري ومسلم لها
(4).
بل إن القوم رووا أن الناس أكلوا من بين أصابعه
الشريفة، فقد أخرج الطبراني في الكبير وأبو عوانة في سننه وغيرهما، عن أنس في
حديث طويل قال: فقال [ص]:
|
(1) صحيح
البخاري 3/1104. صحيح مسلم
4/1783.
(2) هو القدح الواسع القصير الجدار.
(3) صحيح البخاري 1/88.
(4) راجع سنن الترمذي 5/596، 597.
مسند أحمد 1/460، 3/106، 132، 139، 147،
215، 289، 329، 353، 365. سنن النسائي 1/64، 65. ط أخرى 1/60، 61.
سنن الدارمي 1/18-20.
صحيح ابن حبان 14/476-484.
الموطأ، ص 24. الطبقات الكبرى لابن سعد 1/178-179، 182،
2/98. صحيح ابن خزيمة 1/65، 74، 102.
مسند أبي عوانة 4/428، 5/137.
السنن الصغرى للبيهقي 1/34.
مجمع الزوائد 8/299-302، 9/9.
السنن الكبرى للبيهقي 1/30، 43.
سنن الدارقطني 1/71.
السنن الكبرى للنسائي 1/80، 81. المعجم
الأوسط للطبراني 2/121. مسند الطيالسي،
ص 239. وغيرها كثير. |
|
|
الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت
.............................................................. 139 |
اجمعوا ما عندكم، ثم قرِّبوه. وجلس مَن معه بالسدة ، فقربنا ما كان عندنا من
خبز وتمر، فجعلناه على حصيرنا، فدعا فيه بالبركة ، ثم قال: أَدخِل عليَّ
ثمانية. فأدخلنا عليه ثمانية ،
وجعل كفَّه فوق الطعام وقال: كلوا وسمُّوا الله. فأكلوا من بين أصابعه حتى
شبعوا، ثم أمرني أن أُدخِل عليه ثمانية، وقام الأولون ففعلت، ودخلوا عليه
فأكلوا حتى شبعوا... الحديث
(1).
فإذا جاز كل ذلك وتكرَّر منه (ص) كثيراً ونحن لا نمنعه، فما المحذور في أن
يتفجَّر من بين أصابعه (ص) ما يغتذي به ولده الحسين عليه السلام؟

قال الكاتب: إن سيِّدنا
ومولانا الحسين الشهيد سلام الله عليه أجل وأعظم من أن يقال بحقه مثل هذا
الكلام، وهو أجل وأعظم من أن تكره أُمه حملَه ووضعَه. إن نساء الدنيا يتمنين أن
تلد كل
واحدة منهن عشرات
الأولاد مثل الإمام الحسين سلام ربي عليه، فكيف يمكن للزهراء الطاهرة العفيفة
أن تكره حمل الحسين، وتكره وَضْعَه، وتمتنع عن إرضاعه؟؟
وأقول: لقد أجبنا على ذلك بما فيه الكفاية، فلا
حاجة للتكرار، ولكن أحب أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى أن لفظة ( سيِّدنا
الحسين ) ليست من الألفاظ المتعارفة عند الشيعة، بل هي من
الألفاظ المتعارفة عند أهل السنة، وصدق مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حيث
قال: ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه.
ولا ينقضي العجب من هذا الكاتب الذي يُحمِّل
النصوص ما لا تحتمل من المعاني السيِّئة والمحامل الباطلة، فلا أدري من أي
عبارة في الحديث فهم أن الزهراء سلام الله عليها امتنعت من إرضاع ولدها الحسين
عليه السلام ؟ فإن الحديث ظاهر في أن
|
(1) المعجم الكبير 25/110.
مسند أبي عوانة 5/181. |
|
|
140
.............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
الحسين عليه السلام لم يرضع من فاطمة عليها السلام ولا من أية أنثى، ولا يدل
على امتناع الزهراء سلام الله عليها عن إرضاعه عليه السلام كما هو واضح.

قال الكاتب: في جلسة ضمت
عدداً من السادة وطلاب الحوزة العلمية تحدث الإمام الخوئي فيها عن موضوعات شتى
ثم ختم كلامه بقوله: قاتل الله الكفرة، قلنا: مَن هم؟ قال: النواصب - أهل السنة
- يسبون الحسين صلوات الله عليه بل يسبون أهل البيت!!
ماذا أقول للإمام الخوئي؟!
وأقول: مع ثبوت عدم وثاقة الناقل فإن كل القضايا
التي لا مصدر لها إلا مجرد ادِّعاء المشاهدة لا قيمة لها عندنا.
هذا مع أن ما نقله عن السيد الخوئي قدَّس الله نفسه الشريفة بعيد عن أسلوبه
وطريقة بحثه، بل هو بعيد عن صريح فتاواه بأن أهل السنة مسلمون، وهذا يعرفه كل
تلامذته وكل من اطلع على آثاره وفتاواه.
فهل نترك ما نعلمه باليقين لمثل هذه النقولات التي لا يُعرف هوية ناقلها؟!
ثم إن السيد الخوئي لم تجر له عادة بأن يعقد أية جلسة خاصة بالسادة وطلاب
الحوزة، وهذا أمر معروف عند كل من درس في الحوزة العلمية النجفية، إلا أن مدعي
الفقاهة والاجتهاد ظن
أن السيد الخوئي ـ باعتبار أنه زعيم الحوزة ـ لا بد أن يعقد مثل هذه الجلسات
ليعطي تعليماته لتلاميذه وطلاب الحوزة، وهو وهم فاحش وخطأ فادح.
ثم ما علاقة هذه الحادثة وما تقوَّله على السيِّد الخوئي بالموضوع الذي يتحدَّث
فيه الكاتب، وهو طعن الشيعة في النبي (ص) وأهل البيت عليهم السلام، ليسوغ له أن
يحشر هذه الحادثة المكذوبة في البَيْن؟!

|