المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 291

قال الكاتب: كنا أحد الأيام في الحوزة فوردت الأخبار بأن سماحة السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي قد وصل بغداد، وسيصل إلى الحوزة ليلتقي سماحة الإمام آل كاشف الغطاء، وكان السيد شرف الدين قد سطع نجمه عند عوام الشيعة وخواصهم، خاصة بعد أن صدر بعض مؤلفاته كالمراجعات والنص والاجتهاد.

وأقول: لقد توهَّم الكاتب ـ لبعده عن الحوزة وأهلها ـ أن الحوزة مبنى خاص في النجف الأشرف، ولهذا قال: (كنا أحد الأيام في الحوزة)، وقال: (وسيصل إلى الحوزة)، وسيأتي قريباً قوله: (ولما وصل النجف زار الحوزة)، وهو توهُّم يعرف فساده كل من عاش في النجف ولو أياماً قلائل، فكيف بمن يدَّعي أنه عاش في النجف ودرس في الحوزة العلمية، فإن الحوزة هي نظام الدرس في النجف، فمن يقول: (درستُ في الحوزة)، يريد درستُ العلوم الدينية المتعارفة، سواءاً أكانت

292 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

دراسته في مسجد أو في منزل أو مدرسة.

قال الكاتب: ولما وصل النجف زار الحوزة، فكان الاحتفاء به عظيماً من قبَلِ الكادر الحوزي علماءً [كذا] وطُلاَّباً، وفي جلسة له في مكتب السيد [كذا] آل كاشف الغطَاء ضمت عدداً من السادة، وبعض طلاب الحوزة، وكنت أحد الحاضرين.

وأقول: لقد كرَّر الكاتب نفس أغلاطه السابقة، فوصف الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء قدس سره في كل كلامه بأنه (سيِّد)، بل غلَّط السائل أيضاً في ذلك، فجعله يخاطب الشيخ بـ (سيّد) كما سيأتي قريباً.

كما أنه وقع في سقطة أخرى كبيرة، فزعم أن الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله كان له مكتب في النجف الأشرف، مع أن الأمر ليس كذلك كما نبَّهنا عليه فيما تقدّم.

ولا بأس أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى أن الكاتب في كل كتابه لم يصف (النجف) بالأشرف، مع أن علماء الشيعة حتى صغار طلبة العلم يلتزمون بوصف النجف بهذا الوصف في كتاباتهم.

فلا ندري لمَ تنكَّر الكاتب لمدينة أمير المؤمنين عليه السلام التي يدَّعي أنه تلقى فيها كل علومه؟!

قال الكاتب: وفي أثناء هذه الجلسة دخل شاب في عنفوان شبابه، فسلم فَرَدَّ الحاضرون السلام، فقال للسيد [كذا] آل كاشف الغطاء: سيد، عندي سؤال. فقال له السيد: وجه سؤالك إلى السيد شرف الدين.
فأحاله إلى ضيفه السيد شرف الدين تقديراً وإكراماً له.

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 293

قال السائل: سيد، أنا أدرس في لندن للحصول على الدكتوراه، وأنا ما زلت أعزب غير متزوج، وأريد امرأة تعينني هناك - لم يُفْصحْ عن قصده أول الأمر -.
قال له السيد شرف الدين: تَزَوَّجْ ثم خُذ زوجتك معك.
فقال الرجل: صعب علي أن تسكن امرأة من بلادي معي هناك.
فعرف السيد شرف الدين قصده، فقال له: تريد أن تتزوج امرأة بريطانية إذن؟ قال الرجل: نعم. فقال له شرف الدين: هذا لا يجوز، فالزواج باليهودية أو النصرانية حرام.

وأقول: هذا من الأكاذيب المفضوحة، فإن السيد شرف الدين قدس سره يفتي بجواز نكاح الكتابية، وقد نصَّ على ذلك في كتابيه (مسائل فقهية)، و(أجوبة مسائل جار الله)، حيث قال: نكاح المتعة وفيه فصول:

 1- حقيقة هذا النكاح: إنما حقيقته أن تزوِّجك المرأةُ الحرة الكاملة المسلمة أو الكتابية نفسَها، حيث لا يكون لك مانع في دين الإسلام عن نكاحها، مِن نَسَبٍ أو سبب أو رضاع أو إحصان أو عدَّة أو غير ذلك من الموانع الشرعية، ككونها معقوداً عليها لأحد آبائك، وإن كان قد طلَّقها أو مات عنها قبل الدخول بها، وككونها أختاً لزوجتك مثلاً، أو نحو ذلك (1).

وهذه العبارة فيها تصريح بجواز نكاح الكتابية متعة، فهل يصدِّق منصف بعد ذلك هذه الحكاية الملفَّقة؟!

قال الكاتب: فقال الرجل: كيف أصنع إذن؟
فقال له السيد شرف الدين: ابحث عن مسلمة مقيمة هناك عربية أو هندية أو

 

(1) مسائل فقهية، ص 72. ونحو هذه العبارة في أجوبة مسائل جار الله، ص 85.

 
 

294 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

أي جنسية أخرى بشرط أن تكون مسلمة.

فقال الرجل: بحثت كثيراً فلم أجد مسلمات مقيمات هناك تصلح إحداهن زوجة لي ، وحتى أردت أن أتمتع فلم أجد، وليس أمامي خيار إما الزنا وإما الزواج وكلاهما متعذر علي. أما الزنا فإني مبتعد عنه لأنه حرام، وأما الزواج فمتعذر علي كما ترى وأنا أبقى هناك سنة كاملة أو أكثر ثم أعود إجازة لمدة شهر، وهذا كما تعلم سفر طويل فماذا أفعل؟

وأقول: لقد قلنا آنفاً: إن السيد رحمه الله يفتي بجواز التمتع بالكتابية ، وحينئذ فإن كان هذا الشاب مقلِّداً للسيد شرف الدين فيجوز له أن يتمتع بكتابية، وإن كان مقلّداً للشيخ كاشف الغطاء فيجوز له أن يتزوج بكتابية دواماً أو متعة كما أفتى بذلك في كتابه (تحرير المجلة) حيث قال: أما الكتابية ـ يهودية أو نصرانية بل ومجوسية ـ فإن أسلم دونها فهي على نكاحه قبل الدخول وبعده، دائماً ومنقطعاً، كتابياً أو غيره. وأما في الابتداء فقيل بالحرمة، وقيل: يجوز منقطعاً لا دائماً. وقيل: يجوز مطلقاً. وهو مقتضى ظاهر قوله تعالى في سورة المائدة التي لا نسخ فيها ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ) إلى قوله عز شأنه ( وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ )، ويمكن حمل النواهي في السنة المطهرة على التنزيه (1).
وبذلك تنحل القضية من رأس.

إلا أن الكاتب لما وضع هذه القصة لم يلتفت إلى فتاوى هذين العلَمين، وأن المسألة محلولة عندهم، فافتعل القصة بالصورة التي يظن أنه يستطيع بها أن يموِّه على العوام، ولكن لله كشف زيفه وكذبه.

ولو سلَّمنا أن هذا الشاب لا يستطيع أن يتزوج هناك بامرأة مسلمة أو كتابية،

 

(1) تحرير المجلة 5/24.

 
 

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 295

لا دواماً ولا متعة، فيجب عليه حينئذ أن يمنع نفسه من الوقوع في الحرام ، فيكفّ نفسه عن الزنا واللواط وغيرهما من المحرَّمات، وإلا فيجب عليه ترك المكث والدراسة في تلك البلاد، والرجوع إلى بلده.

ومثل هذه المسألة البسيطة لا تخفى على السيد شرف الدين والشيخ كاشف الغطاء قدِّس سرُّهما.

قال الكاتب: سكت (1) السيد شرف الدين قليلاً ثم قال: إن وَضْعَكَ هذا مُحْرِجٌ فِعلاً.. على أية حال أذكرُ أني قرأت رواية للإمام جعفر الصادق رضي الله عنه، إذ جاءه رجل يسافر كثيراً ويتعذر عليه اصطحاب امرأته أو التمتع في البلد الذي يسافر إليه بحيث إنه يعاني مثلما تعاني أنت، فقال له أبو عبد الله رضي الله عنه : ( إذا طال بك السفر فعليك بنَكْحِ الذكر ) (2)!! هذا جواب سؤالك.

وأقول: هذا من أكاذيبه الواضحة، فإن مثل هذه الرواية لا توجد في كتب الشيعة، فكيف يمكن للسيد شرف الدين قدس سره أن يفتي على طبقها من غير أن ينظر في سندها ويتأكد من صحَّتها؟‍

إن الكاتب يظن أن الفقيه يمكنه استنباط الأحكام الشرعية بمجرد وجود رواية من غير النظر إلى سندها وما يعارضها من أخبار كما صنع هو في كل كتابه، ولهذا لفَّق مثل هذه القضية على السيد شرف الدين.

وهذه الفتوى في الأصل منقولة عن بعض المفتين من أهل السنة، وقد نقلها صاحب كتاب مطالع الأنوار كما في كتاب الأربعين للشيخ محمد طاهر القمي

 

(1) هنا حاشية للكاتب سيأتي الجواب عنها قريباً.

(2) هنا حاشية له أخرى سيأتي الجواب عنها كذلك.  
 

296 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

الشيرازي عن أبي حنيفة، حيث قال: وأعظم من هذا قوله [يعني أبا حنيفة]: إن نكاح الأم وإن علَتْ، والبنت وإن نزلتْ، والأخت وبنت الأخت والعمة والخالة، جائز بشرط لف الحريرة. وإذا اشترى الرجل أُمَّه وأخته وقرابته جاز له نكاحهن، والأجير إذا استأجره جاز له أن يلوط به بلف الخرقة، وقال في المشتري بأنه لا يجوز له ذلك إلا بشرط كونه غير محصن، وقال ناظمهم:

وجائزٌ نَيْكُ الغُلامِ الأَمْرَدِ   مُجَوَّزٌ لِلرَّجُلِ المجرَّدِ
هذا إذا كانَ وحيداً في السَّفَرْ   ولم يَجِدْ أنثى تَفِي إلا الذكَر
ْ (1)

ولا ندري هل كان أبو حنيفة يفتي بذلك، أو أن ذلك مما هو منقول عنه من غير تثبُّت وتحقيق.

قال الكاتب: خرج الرجل وعليه علامات الارتياب من هذا الجواب، وأما الحاضرون ومنهم السيد [كذا] زعيم الحوزة فلم يلفظ أحد منهم ببنت شَفَه.

وأقول: لا ريب في أن علامات الارتياب ترتسم على كل من يسمع هذه القصة الخرافية.

وكل من عرف فتاوى علماء الشيعة ولا سيما فتاوى السيد شرف الدين والشيخ كاشف الغطاء في هذه المسألة يجزم باختلاق هذه القصة من أساسها، لما فيها من تحليل الحرام المجمع على حرمته عند علماء الإمامية.

وعذر الكاتب المفلس وغيره ممن يسلك هذا المنهج في الطعن في مذهب وعلماء الإمامية هو أنهم لم يجدوا مطعناً صحيحاً يتشبثون به، فلجأوا إلى ترويج

 

(1) كتاب الأربعين في إمامة الأئمة الطاهرين، ص 647.

 
 

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 297

الأكاذيب المفضوحة واختلاق القصص الخرافية للوصول إلى غاياتهم الدنيئة.

قال الكاتب: في حاشية له في هذا الموضع: يبدو أنه احتار في جواب السائل، ولما سنحت لي فرصة الانفراد بالسيد [كذا] آل كاشف الغطاء سألته عن هذه الرواية التي ذكرها السيد شرف الدين، فقال لي: لم أقف عليها فيما قرأت.
ومنذ ذلك الوقت وأنا أحاول أن أجد مصدر تلك الرواية في كل ما قرأت وكلما وقع بيدي من كتب الأخبار فلم أعثر على مصدر لها، وأظن أنه ارتجلها لئلا يحرج بالجواب أمام الحاضرين.

وأقول: إن مثل هذه المسألة البسيطة لا يحتار في الجواب عنها واحد من صغار طلبة العلم فضلاً عمن هو مثل السيد شرف الدين قدس سره.

والسيد رحمه الله لا يمكن أن يكذب على الإمام الصادق عليه السلام بافتراء رواية بهذا النحو من السخف والبذاءة، لمجرد التخلص من الإحراج المزعوم.

والكاتب قد اعترف بأن هذه الرواية لا وجود لها في كتب الشيعة، وأنها مختلقة عليهم، ونحن نعرف من اختلقها، ومع ذلك فسيأتي قريباً تصريحه في بعض حواشيه بأنه قرأ في بعض (المنظومات) التي كان يقرؤها نصاً لا شبهة فيه، وهو قول الناظم : ( وجائز نكاح الغلام الأمرد )، فالحمد لله الذي كشف تهافت كلامه وتضارب أقواله.

وقال الكاتب: في حاشية أخرى له في هذا الموضع أيضاً: أخبرني بعض تلاميذ السيد شرف الدين أنه في زيارته لأوروبا كان يتمتع بالأوروبيات كثيراً وبخاصة الجميلات منهن، فكان يستأجر كل يوم واحدة، وكان متزوجاً من شابة مسيحية

298 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

مارونية اسمها نهار كتابيات أيضاً [كذا]، فلماذا يحل لنفسه ما يحرِّمه على غيره؟

وأقول: الظاهر أن مراد الكاتب أن السيِّد شرف الدين نفسه هو الذي ذهب إلى أوروبا وكان يتمتَّع بالأوروبيات كما هو ظاهر قوله: (فلماذا يحل لنفسه ما يحرِّمه على غيره؟).

ولا ريب في وضوح هذه الفرية، وذلك لأن السيد شرف الدين قدس سره لم يسافر إلى أوروبا، وترجمته موجودة في أكثر كتبه، وأسفاره رحمه الله معروفة، وهي لا تتعدى مصر والحجاز وفلسطين والشام والعراق وإيران، فمتى سافر السيِّد إلى أوروبا ؟ ومتى تمتع بالأوروبيات ؟
ثم من هو راوي هذه القصة الذي وصفه الكاتب بأنه أحد تلامذة السيد؟ ولماذا لم يصرِّح الكاتب باسمه حتى يُعرف سند هذه الرواية؟

ومن الواضح أن الكاتب لم يذكر اسم هذا الراوي لأنه لا يمكنه أن يذكر اسماً يفتضح بذكره، فجعل اسم الراوي مبهماً هكذا، وهذا دأبه في أكثر قصصه الخرافية في هذا الكتاب، فتأملها تجدها منقولة عن شخصيات مجهولة لم تذكر أسماؤها.

 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب