350 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

قال الكاتب: فهذه فتوى أول زعيم للحوزة العلمية النجفية.
وَلْنَرَ فتوى آخر زعيم للحوزة نفسها مولانا الإمام الراحل أبي القاسم الخوئي لِتَتَّضحَ لنا الفتوى بين أول زعيم للحوزة، وفتوى آخر زعيم لها.
قال الإمام الخوئي في بيان مستحق الخمس ومصرفه: يقسم الخمس في زماننا زمان الغيبة نصفين: نصف لإمام العصر الحجة المنتظر (عج) وجعل أرواحنا فداه. ونصف لبني هاشم أيتامهم ومساكينهم وأبناء السبيل..
إلى أن قال: النصف الذي يرجع للإمام عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام يرجع فيه في زمان الغيبة إلى نائبه وهو الفقيه المأمون العارف بمصارفه، إما بالدفع إليه، أو الاستئذان منه.. إلخ. انظر كتاب ضياء
[كذا] الصالحين مسألة 1259 ص 347.

وأقول: يَرِد على ما قاله الكاتب أمور:
1- أن الشيخ الطوسي والسيد الخوئي قد اتفقا في بيان مستحقي الخمس، وأنه يقسَّم إلى قسمين، إلا أنهما اختلفا في التصرّف في سهم الإمام عليه السلام في عصر الغيبة كيف يكون؟ وبما أن التصرف في سهم الإمام عليه السلام مسألة لا نص فيها كما أفاده الشيخ الطوسي والشيخ المفيد وغيرهم، فإن الخلاف فيها أمر متوقَّع ولا محذور فيه.

الخمــس ........................................................................................ 351

2- أن اختلاف العلماء في فتاواهم غير قابل للإنكار، ولا محذور فيه كما قلنا آنفاً، ولهذا اختلف أئمة المذاهب الأربعة فيما بينهم في أكثر المسائل الفقهية، فهل يرى الكاتب في ذلك غضاضة على فقيه خالف غيره ممن تقدَّمه؟

3- أنا أوضحنا فيما مرَّ فتوى صاحب الجواهر المتوفى سنة 1266هـ، وهي بعينها فتوى السيِّد الخوئي قدّس الله نفسه، ولعلَّ هناك من سبق صاحب الجواهر في هذه الفتوى، والله العالم.

4- لقد أجاب الشيخ الأنصاري قدس سره عن هذا الإيراد بقوله:

قد عرفت اعتراف المفيد ومن تبعه قدَّس الله أسرارهم بعدم النص في المسألة، وعرفت أن العبرة عندنا في الصرف برضائه عليه السلام بشاهد الحال، فيجب مراعاته، ولا يجوز التخطّي عنه، وليس الحكم تعبدياً (1).

ولا بأس أن نلفت النظر إلى أن مدَّعي الاجتهاد والفقاهة لم يميِّز بين كتاب (منهاج الصالحين) للسيد الخوئي، وكتاب (ضياء الصالحين) للحاج محمد صالح الجواهرجي، فنسب الكتاب الثاني للسيد الخوئي مع أنه كتاب أدعية وزيارات، لا كتاب فتاوى وأحكام كما هو حال الكتاب الأول.

وهذه السقطة العظيمة لا يقع فيها عوام الشيعة فضلاً عن طلبة العلم، فضلاً عن عالم من العلماء أو فقيه من الفقهاء.
فهل يعقل أن يخلط فقيه غير مصاب بالاختلاط بين هذين الكتابين؟!

قال الكاتب: إن فتوى الإمام الخوئي تختلف عن فتوى الشيخ الطوسي، فالشيخ الطوسي لا يقول بإعطاء الخمس أو شيء منه إلى الفقيه المجتهد وقد عمل

 

(1) كتاب الطهارة، ص 522. كتاب الخمس، ص 339.

 
 

352 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

بنص فتواه جماهير الشيعة المعاصرون له.
بينما نرى فتوى مولانا الراحل الإمام الخوئي تنص على إعطاء الخمس أو جزء منه للفقيه والمجتهد.

وأقول: إن كثيراً من علماء الشيعة كانوا يرون إعطاء الخمس للفقيه المأمون الجامع لشرائط الفتوى، لصرفه في موارده وعلى مستحِقِّيه، وإليك بعض فتاواهم:
1- قال أبو الصلاح الحلبي
(374 - 447هـ) في كتابه (الكافي):
يجب على كل من تعين عليه فرض زكاة أو فطرة أو خمس أو أنفال أن يخرج ما وجب عليه من ذلك إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبله سبحانه، أو إلى من ينصبه لقبض ذلك من شيعته ليضعه مواضعه، فإن تعذر الأمران فإلى الفقيه المأمون، فإن تعذر أو آثر المكلف تولَّى ذلك نفسه
(1).

قلت: أبو الصلاح الحلبي من أعاظم علماء الإمامية، وقد وُلد بعد عصر الغيبة الصغرى بحوالي خمس وأربعين سنة (2).

قال ابن داود في رجاله: تقي بن نجم الدين الحلبي أبو الصلاح، عظيم القدر، من علماء مشايخ الشيعة (لم) (جخ) (3). قال الشيخ: قرأ علينا وعلى المرتضى، وحاله شهير (4).

وقال الخونساري في روضات الجنات: تقي الدين بن نجم بن عبيد الله الحلبي الثقة العين الفاضل الإمامي، كان من مشاهير فقهاء حلب، ومنعوتاً بخليفة المرتضى في علومه، لكونه منصوباً في البلاد الحلبية من قبل أستاذه السيد المرتضى رضي الله عنه ... أو

 

(1) الكافي في الفقه، ص 172.
(2) قال السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة: أبو الصلاح تقي أو تقي الدين بن نجم أو نجم الدين ابن عبيد الله بن عبد الله بن محمد الحلبي ولد بحلب 374، وتوفي بها سنة 447.
(3) يعني ذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يروِ عنهم عليهم السلام.
(4) رجال ابن داود، ص 58.

 
 

الخمــس ........................................................................................ 353

لنيابته عنه في التدريس... وناهيك له بذلك منزلة ومقاماً (1).

وقال المحدِّث النوري في خاتمة المستدرك: تقي الدين نجم بن عبيد الله الحلبي، الفقيه النبيه المعروف، خليفة شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي في البلاد الشامية، صاحب كتاب (الكافي في الفقه)، المنقول فتاواه في الكتب المبسوطة، و(شرح الذخيرة)، وكتاب (تقريب المعارف) الذي قد أكثر المجلسي في فتن البحار النقل عنه، وغيرها، وهو المراد بالحلبي إذا أطلق في كلمات الفقهاء (1).

2- وقال القاضي ابن البراج (ت 481 هـ) في كتابه (المهذب البارع):
وأما ما يختص به [عليه السلام] من غير ذلك فلا يجوز لأحد من الناس كافة التصرف في شيء منه، ويجب على من وجب عليه حمله إلى الإمام عليه السلام ليفعل فيه ما يراه، فإن كان عليه السلام غائباً فينبغي لمن لزمه إخراج الخمس أن يقسِّمه ستة أسهم على ما بيّناه، ويدفع منها ثلاثة إلى من يستحقه من الأصناف المذكورة فيما سلف ، والثلاثة الأخر للإمام عليه السلام، ويجب عليه أن يحتفظ بها أيام حياته، فإن أدرك ظهور الإمام عليه السلام دفعها إليه، وإن لم يدرك ذلك دفعها إلى من يوثق بدينه وأمانته من فقهاء المذهب، ووصَّى بدفع ذلك إلى الإمام عليه السلام إن أدرك ظهوره، وإن لم يدرك ظهوره وصَّى إلى غيره بذلك
(3).

وابن البراج هو الشيخ عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج، كنيته أبو القاسم، كان من تلامذة السيد المرتضى والشيخ الطوسي، وهو من كبار فقهاء الإمامية، بل هو خليفة الشيخ الطوسي في البلاد الشامية، لُقِّب بالقاضي لتولّيه قضاء طرابلس مدة عشرين أو ثلاثين سنة(4)

 

(1) روضات الجنات 2/109.

(2) خاتمة المستدرك 3/35. (3) المهذب البارع 1/180.  

(4) ترجم في: فهرست منتجب الدين، ص 74. معالم العلماء، ص 115. جامع الرواة 1/460. الفوائد الرجالية 3/60. لؤلؤة البحرين، ص 331. تنقيح المقال 2/156. أعيان الشيعة 8/18. خاتمة المستدرك 3/36. الأعلام 4/15. الكنى والألقاب 1/224.

 

354 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

قال الحر العاملي في أمل الآمل: وجه الأصحاب وفقيههم، وكان قاضياً بطرابلس، وله مصنفات، منها (المهذب)، (المعتمد)، (الروضة)، (المقرب)... (1).

وقال التفرشي في نقد الرجال: عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز المعروف بابن البراج، أبو القاسم، من غلمان المرتضى رضي الله عنه، له كتب في الأصول والفروع (معالم العلماء)، فقيه الشيعة الملقب بالقاضي، وكان قاضياً بطرابلس (2).

وقال الخونساري في روضات الجنات: وفي رياض العلماء نقلاً عن بعض الفضلاء: إن ابن البراج قرأ على المرتضى في شهور سنة تسع وعشرين وأربعمائة، إلى أن مات المرتضى، وكل قراءته على الشيخ الطوسي، وعاد إلى طرابلس في سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة، وأقام بها إلى أن مات ليلة الجمعة لتسع خلون من شعبان سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وقد نيف على الثمانين، وكان مولده بمصر وبها منشؤه (3).

3- وقال المحقق الحلي (ت سنة 676هـ) في كتابه (المعتبر):
وقال المفيد رحمه الله في الرسالة الغرية: ومتى فُقِد إمام الحق ووصل إلى إنسان ما يجب فيه الخمس، فليخرجه إلى يتامى آل محمد ومساكينهم وأبناء سبيلهم، وليوفر قسط ولد أبي طالب، لعدول الجمهور عن صلتهم، ولمجيء الرواية عن أئمة الهدى بتوفر ما يستحقونه من الخمس في هذا الوقت على فقراء أهلهم وأيتامهم وأبناء سبيلهم.

وما ذكره المفيد رحمه الله حسن، لما أسلفناه من وجوب إتمام ما يحتاجون إليه من حصته عند وجوده، وإذا كان هذا لازماً له في حضوره كان لازماً في غيبته، لأن ما

 

(1) أمل الآمل 2/152.

(2) نقد الرجال 3/67. (3) روضات الجنات 4/199.  
 

الخمــس ........................................................................................ 355

وجب بحق الله مطلقاً لا يسقط بغيبة من يلزمه ذلك، لكن يجب أن يتولَّى صرف ما يحتاجون إليه مِن حصته مَنْ له النيابة عنه في الأحكام، وهو (الفقيه المأمون) من فقهاء أهل البيت عليهم السلام على وجه التتمَّة لمن يقصر حاصله من مستحقه عما يضطر إليه لا غير (1).

4- وقال العلاّمة الحلي في كتابه (مختلف الشيعة):
إن الواجب من الحقوق لا يسقط بغيبة من عليه الحق خصوصاً إذا كان الحق لله تعالى. إذا ثبت هذا فإن المتولِّي لتفريق ما يخصه عليه السلام في محاويج الذرّية مَن إليه الحكم عن الغائب، لأنه قضاء حق عليه، كما يقضى عن الغائب، وهو الفقيه المأمون الجامع لشرائط الفتوى والحكم، فإن تولى ذلك غيره كان ضامناً
(2).

5- وقال الشهيد الأول (734 - 786هـ) في كتابه (البيان):
يجوز للمالك دفع الزكاة بنفسه، والأفضل صرفها إلى الإمام وخصوصاً في الأموال الظاهرة، وقال المفيد وأبو الصلاح: (يجب حملها إلى الإمام أو نائبه، ومع الغيبة إلى الفقيه المأمون). وطرد أبو الصلاح الحكم في الخمس، والأصح الاستحباب في الجميع
(3).

6- وقال السيد محمد علي العاملي (ت 1009هـ) في (مدارك الأحكام):
والذي جزم به المصنف ومَن تأخَّر عنه صرْف الجميع إلى الأصناف الموجودين مع احتياجهم إليه، أما النصف المستحق لهم فظاهر، وأما ما يختص به عليه السلام فلِما ذكره المصنف من وجوب إتمام ما يحتاجون إليه من حصّته مع ظهوره عليه السلام، وإذا كان هذا لازماً له في حال حضوره كان لازماً له في غيبته، لأن الحق الواجب لا يسقط بغيبة من يلزمه ذلك، ويتولاّه المأذون له على سبيل العموم، وهو الفقيه المأمون من فقهاء أهل

 

(1) المعتبر 2/641.

(2) مختلف الشيعة 3/354. (3) البيان، ص 200.  
 

356 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

البيت عليهم السلام (1).
إلى غير ذلك من كلماتهم الدالة على لزوم دفع الخمس للفقيه المأمون الجامع لشرائط الفتوى، لصرفه في موارده الصحيحة، لأنه أعرف بها من غيره.

وأما أقوالهم الدالة على وجوب دفع الزكاة للفقيه المأمون لصرفها على مستحقّيها فهي كثيرة جداً، ولا حاجة لاستقصائها بعدما عرفنا ما قالوه في الخمس.

ومنه يتّضح أن ما ذهب إليه السيّد الخوئي قدس سره من وجوب دفع الخمس للفقيه الجامع لشرائط الفتوى قد سبقه إليه غيره من الفقهاء قديماً وحديثاً.

 

(1) مدارك الأحكام 5/426.

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب