242
.................................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
|
قال الكاتب: إن المتعة التي أباحها فقهاؤنا تعطي الحق للرجل في أن يتمتع بعدد
لا حصر له من النسوة، ولو بألف امرأة وفي وقت واحد.
وأقول : إن المتعة التي أباحها رسول الله (ص) وتبعه عليها أئمة أهل البيت
عليهم السلام ،
وأخذها شيعتهم منهم، لم تُحَد بعدد من النسوة، وحالها كحال ملك اليمين، وقد
مرَّ علينا آنفاً بيان أن رواية (التمتع بألف امرأة) ضعيفة السند، فلا تغفل عما
قلناه.
ثم إن الدليل الذي حصر الزوجات بأربع إنما هو مخصوص بالنكاح الدائم، وأما ما
عدا ذلك من صنوف النكاح كالتسرِّي بالإماء ونكاح المتعة فالأدلة فيهما مطلقة،
غير مخصَّصة بأربع نسوة، ولهذا كانوا لا يرون تحديد التسري بأربع إماء.
قال ابن كثير في تفسير القرآن العظيم : وقوله تعالى
( أَن تَبْتَغُواْ
بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ) أي تحصلوا بأموالكم من
الزوجات إلى أربع أو السراري ما شئتم بالطريق الشرعي، ولهذا قال:
( مُحْصِنِينَ
غَيْرَ مُسَافِحِينَ )
(1).
وأخرج عبد الرزاق في مصنَّفه عن ابن جريج قال: سألت عطاء: أيستمتع الرجل بأكثر
من أربع جميعاً؟ وهل الاستمتاع إحصان؟ وهل يحل استمتاع المرأة لزوجها إن كان
بتَّها؟ فقال: ما سمعت فيهن بشيء، وما راجعت فيهن أصحابي.
قلت: ولو كانت أحكام النكاح الدائم جارية على نكاح المتعة لكان الجواب معلوم
عنده، ولا يحتاج لمراجعة أصحابه.
ولا بأس أن ألفت نظر القارئ العزيز إلى أن ابن جريج كان يرى حلِّية المتعة،
وقيل: إنه تمتع بستين أو بتسعين امرأة
(2).
|
(1) تفسير القرآن العظيم 1/474.
(2) قال الذهبي في تذكرة الحفاظ 1/170:
وقال جرير: كان ابن جريج يرى المتعة، تزوج ستين امرأة. وقال: قال ابن
عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: استمتع ابن جريج بتسعين امرأة، حتى إنه
كان يحتقن في الليلة بأوقية شيرج طلباً للجماع. |
|
|
المتعة وما يتعلق بها ........................................................................................
243 |
قال الكاتب: وكم من مُتَمَتِّع جمع بين المرأة وأمها، وبين المرأة وأُختها،
وبين المرأة وعمّتها أو خالتها وهو لا يدْري.
جاءتني امرأة تستفسر مني عن حادثة حصلت معها، إذ أخبرتني أن أحد السادة وهو
السيد حسين الصدر كان قد تمتع بها قبل أكثر من عشرين سنة، فحملت منه، فلما أشبع
رغبته منها فارقها، وبعد مدة رُزِقَتْ ببنت، وأقسمت أنها حملت منه هو إذ لم
يتمتع بها وقتذاك أحد غيره.
وبعد أن كبرت البنت وصارت شابة جميلة متأهلة للزواج، اكتشفت الأم أن ابنتها
حبلى، فلما سألتها عن سبب حملها، أخبرتها البنت أن السيد المذكور استمتع بها
فحملت منه، فدهشت الأم وفقدت صوابها، إذ أخبرت ابنتها أن هذا السيد هو أبوها،
وأخبرتها القصة، فكيف يتمتع بالأم، واليوم يأتي ليتمتع بابنتها التي هي ابنته
هو؟ ثم جاءتني مستفسرة عن موقف السيد المذكور منها ومن ابنتها التي ولدتها منه.
وأقول: هذه قصة من القصص الخرافية التي لا يُعوَّل عليها ولا يُعتنى بها،
ودليلها هو نقل كاتبها الذي لا يوثق بنقله.
مع أن هذه القصة تحوطها كثير من علامات الاستفهام، وإلا فلماذا أخبرت تلك
المرأة مدَّعي الاجتهاد والفقاهة بالذات؟ هل كانت ترجو منه حلاً لهذه المعضلة؟
أو أنها كانت تريد منه أن يسجِّل قصّتها الخرافية في كتابه ( لله ثم للتاريخ ) ؟
أو أنها كانت تريد فقط أن تشنِّع بالسيد المذكور؟
ولماذا لم يحتمل الكاتب أن تلك المرأة كانت مستأجرة لتشويه سمعة السيِّد حسين
الصدر، لا أكثر ولا أقل؟
ولماذا صدَّق الكاتب كلامها وهو لا يعرفها ، فجعل
كلامها دليلاً، مع أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالتثبت في نقل الأخبار
والتبيّن من صحّتها لئلا نصيب قوماً بجهالة فنصبح على ما فعلنا نادمين ؟ وأي جهالة أعظم من نسبة مثل هذه القبائح
244
.................................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
لرجل بريء من كل ذلك؟
ثم إن السيد حسين الصدر رجل عقيم لا يُنجب كما هو معروف عنه، ويعرف ذلك عنه
كثير من أهل الكاظمية في العراق، كما حدَّثني بذلك بعض الثقات الصادقين.
ثم هل من المتوقّع أن تنجب تلك المرأة فتاة من السيد حسين الصدر ولا تخبر
ابنتها بذلك، وتتكتم في أمر ابنتها لهذه الدرجة، مع أن تلك الفتاة يشرِّفها أن
يكون السيِّد والدها؟
ثم لو سلّمنا بوقوع مثل هذه القضية الخرافية فليس على المرء غضاضة أن ينكح
امرأة من محارمه وهو لا يعلم، فإن ذلك ليس محرَّماً عليه ولا على الفتاة التي
تمتع بها إذا وقع ذلك منهما من غير علمهما.
وإذا كانت هذه الحادثة لا يستحيل وقوعها، فكذلك لا يستحيل وقوع مثلها في النكاح
الدائم.
ولا ينقضي العجب من ادعاء الكاتب كثرة وقوع أمثال هذه الحوادث من غير دليل عنده
إلا هذه القصة الخرافية التي ساقها، ودليل كذبها معها، مع أنا نجزم بأن أمثال
هذه الوقائع إما أنها لا تقع عادة، وإما أنها نادرة الوقوع ندرة عظيمة كما هو
الحال في النكاح الدائم.

قال الكاتب: إن الحوادث من هذا النوع كثيرة جداً، فقد تمتع أحدهم بفتاة تبين له
فيما بعد أنها أخته من المتعة، ومنهم من تمتع بامرأة أبيه. وفي إيران الحوادث
من هذا القبيل لا يستطيع أحد حصرها.
وأقول: هذه مجرد دعاوى فارغة وأكاذيب واضحة، ودليل كذبها أن الكاتب لم
المتعة وما يتعلق بها ........................................................................................
245 |
يسندها لمصدر صحيح، وكان على الكاتب أن يستدل على صحَّة
كلامه بإسناده لمصدر واحد على الأقل، أو أن يوثَّق قضية واحدة من القضايا التي
يزعم أنها كثيرة، أما نثر الدعاوى هكذا مجردة عن الدليل فلا قيمة لها في مقام
البحث والإثبات

قال الكاتب: وقد رأينا ذلك بقوله تعالى:
( ولْيَسْتَعْفِفِ الذينَ لا يَجِدونَ
نِكَاحاً حتى يُغْنِيَهُم اللهُ من فضلِه ) (النور 23) [كذا]
فمن لم يتمكن من الزواج الشرعي بسبب قلة ذات اليد فعليه بالاستعفاف ريثما يرزقه الله من فضله كي يستطيع
الزواج. فلو كانت المتعة حلالاً لما أمره بالاستعفاف والانتظار ريثما تتيسر
أمور الزواج، بل لأَرْشَدَهُ إلى المتعة كي يقضي وَطَرَهُ بدلاً من المكوث
والتحرق بنار الشهوة.
وأقول: إن نكاح المتعة نكاح، فقوله تعالى
( الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا )
شامل لمن لم يجد النكاح الدائم ونكاح المتعة، فكما أن النكاح الدائم يحتاج إلى
بذل مال، فكذلك نكاح المتعة.
ومنه يتضح أن من تمكن من نكاح المتعة فهو ممن يجدون نكاحاً، فلا وجه لأمره
بالصبر والاستعفاف.
ولو سلّمنا جدلاً بأن المراد بالنكاح في الآية هو النكاح الدائم فقط، فحينئذ
يكون المراد بالاستعفاف في الآية هو الاستعفاف بالحلال، لا بالصبر عن النكاح،
فيكون المعنى: وليستعفف الذين لا يتمكنون من النكاح الدائم لما فيه من المهر
والنفقة بنكاح المتعة الذي يكون المهر فيه أقل، ولا تجب فيه نفقة.
وقد ورد هذا المعنى في بعض الأخبار ، ففي خبر حريز عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قرأ:
( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا - بالمتعة -
حَتَّى
يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ )
(1).
|
(1) مستدرك الوسائل 14/448. |
|
|
246
.................................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
وعن الفتح بن يزيد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتعة، فقال: هي حلال مباح مطلق
لمن لم يغنه الله بالتزويج فليستعفف بالمتعة...
(1)
وعن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزَّ وجل
( وَلْيَسْتَعْفِفِ
الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ )،
قال: يتزوَّجوا حتى يغنيهم الله من فضله
(2).
قلت : فالمعنى هو أن من لم تكن عنده امرأة ينحكها فليستعفف ، أي فليطلب العفة
بالتزويج ، ليغنيه الله من فضله فإن من تزوَّج وسَّع الله عليه من فضله كما
دلَّت على ذلك الأخبار الكثيرة
ويشبه هذا المعنى الذي قلناه من أن المراد بالاستعفاف هو الاستعفاف بالحلال، ما
جاء في تفسير ابن كثير، حيث قال: قال عكرمة في قوله تعالى
( وَلْيَسْتَعْفِفِ
الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا ) قال: هو الرجل يرى المرأة فكأنه
يشتهي، فإن كانت له امرأة فليذهب إليها وليقضِ حاجته
منه(3).
وما أخرجه السيوطي في الدر المنثور عن ابن أبي حاتم، عن أبي روق:
( وَلْيَسْتَعْفِف ) يقول: عما حرَّم الله عليهم حتى يرزقهم الله.
وعن ابن عباس في قوله ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا
)
الآية، قال: ليتزوج من لا يجد، فإن ذلك سيغنيه
(4).
ومن كل ذلك يتضح أن الأمر بالاستعفاف لا ينافي حلّية نكاح المتعة كما زعمه
الكاتب.

|
(1) الكافي 5/452.
(2) المصدر السابق 5/331. |
(3) تفسير القرآن العظيم 3/287. ونقلها السيوطي في
الدر المنثور 6/189.
(4) الدر المنثور 6/189. |
|
|
المتعة وما يتعلق بها ........................................................................................
247 |
قال الكاتب: وقال الله تعالى:
( وَمَن لم يستطع منكم طَوْلاً أن ينكحَ المحصناتِ
المؤمناتِ فَمِن مَّا ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) إلى قوله تعالى: ( ذلك
من خشي العنتَ منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم ) (النساء 25).
فأرشد الذين لا يستطيعون الزواج لقلة ذات اليد أن يتزوجوا ما ملكت أيمانهم، ومن
عجز حتى عن ملك اليمين، أمره بالصبر، ولو كانت المتعة حلالاً لأرشده إليها.
وأقول: هذه الآية إنما جاءت في كتاب الله بعد آية المتعة، وهي الآية 24 من سورة
النساء.
قال تعالى ( وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن
تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا
اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ
اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ! وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن
يَنكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن
فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن
بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
بِالمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ
فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى
المُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن
تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
(1).
فبعد أن ذكر سبحانه وتعالى أنه يجب المهر بنكاح المتعة، ذكر أن من لم يستطع
لضيق ذات يده أن ينكح امرأة دواماً أو متعةً ويبذل لها مهرها ونفقتها، فلينكح
أَمَةً من إماء المؤمنين، وذلك لأن مهر الأمة دون مهر الحرّة، ومؤونتها دون
مؤونة الحرّة عادة.
ومنه يتضح أن الآية فيها دلالة على أن نكاح الإماء إنما هو لمن لم يتمكّن من
نكاح الحرائر متعةً أو دواماً، ولم يكن عنده مهر يبذله لهن، فإن لم يتمكن من
نكاح الإماء فليصبر حتى يرزقه الله ما يتمكن به من نكاح غيرهن.

|
(1) سورة النساء، الآيتان 24، 25. |
|
|
|