57
............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
|
الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت
قال الكاتب : إن من الشائع
عندنا معاشر الشيعة ، اختصاصنا بأهل البيت ، فالمذهب الشيعي كله قائم على محبة
أهل البيت - حسب رأينا - إذ الولاء والبراء مع العامة - وهم أهل السنة- بسبب أهل البيت ، والبراءة من الصحابة وفي مقدمتهم
الخلفاء الثلاثة وعائشة بنت أبي بكر بسبب الموقف من أهل البيت، والراسخ في عقول
الشيعة جميعاً صغيرهم وكبيرهم، عالمهم وجاهلهم، ذكرهم وأنثاهم، أن الصحابة ظلموا أهل البيت،
وسفكوا دماءهم، واستباحوا حُرُماِتِهم.
وأقول: لا ريب في أن الولاء والبراء من الشعائر
الثابتة في الإسلام التي دلَّت عليها آيات القرآن الكريم .
فإن الآيات الشريفة دلَّت على أن الله سبحانه ولي المؤمنين، فقال جل شأنه
( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ
الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )
(1).
|
(1) سورة البقرة
الآية 257. |
|
|
58
............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
وقال سبحانه
( إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى
الصَّالِحِينَ ) (1).
وقال عزَّ مِن قائل
( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ
اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللهُ وَلِيُّ
المُؤْمِنِينَ ) (2).
ونصَّت آيات أخر على أن المؤمنين
بعضهم أولياء بعض، فقال سبحانه ( وَالمُؤْمِنُونَ
وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )
(3).
وجاء النهي في آيات أُخر عن اتخاذ
أعداء الدين أولياء، فقال سبحانه ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ
تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ
الحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ
) (4).
وقال عزَّ من قائل
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ
آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى
الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )
(5).
وقال جلَّ شأنه
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ
الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ
الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُواْ اللهَ إِن
كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )
(6).
وقال عزَّ اسمه
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن
يَتَوَلَّهم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ ) (7).
وقال تعالى
( لاَّ يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُوْنِ
المُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ
أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ
المَصِيرُ ) (8).
|
(1) سورة الأعراف،
الآية 196.
(2) سورة آل عمران، الآية 68.
(3) سورة التوبة، الآية 71.
(4) سورة الممتحنة، الآية 1. |
(5) سورة التوبة، الآية 22.
(6) سورة المائدة، الآية 57.
(7) سورة المائدة، الآية 51.
(8) سورة آل عمران، الآية 28. |
|
|
الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت
............................................................. 59 |
وأما آيات البراءة :
فمنها :
ما دلَّ على أن الله ورسوله بريئان من المشركين.
قال سبحانه ( وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى
النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ
وَرَسُولُهُ ) (1).
ومنها : ما دلَّ على لزوم البراءة من المشركين
وما يعبدون من دون الله سبحانه.
قال تعالى (
قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ
إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن
دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ
وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ )
(2).
وقال تعالى ( قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ
وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ )
(3).
غاية ما في الباب أن تشخيص كون هذا الرجل مؤمناً نتولاه، أو كافراً أو منافقاً
نتبرّأ منه، لا يخرج عن كونه من المسائل الاجتهادية التي ربما يقع فيها الخطأ
والاشتباه، ولا يقدح الخطأ فيها في إيمان المؤمن بقادح.
ولهذا تبرّأ أهل السنة من رجال يرونهم كفاراً أو
مرتدين، مثل أبي طالب عليه السلام ، ومالك بن نويرة رضوان الله عليه، بينما
يراهما الشيعة من أجلاء المسلمين وخيار المؤمنين.
وبالمقابل حكم الشيعة على رجال بأنهم منافقون، بينما يعتقد أهل السنة فيهم أنهم
من أجلاء الصحابة ومن أهل الجنة.
|
(1) سورة التوبة، الآية 3. |
(2) سورة الممتحنة، الآية 4. |
(3) سورة الأنعام، الآية 19. |
|
|
60
............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
فإذا جاز
لأهل السنة أن يجتهدوا في هذه المسألة، ويكونوا مأجورين في اجتهادهم
فالشيعة كذلك ، وإلا فالكل مأزور وآثم، وأما قصر الاجتهاد على أهل السنة
وتخصيصهم بالأجر دون غيرهم فهذا لا مستند له ولا حجة تعضده غير اتباع الهوى
والعصبية بغير حق.
وأما ما قاله الكاتب من أن مذهب الشيعة قائم على محبة أهل البيت والبراءة من
أهل السنة، فهو غير صحيح، لأن الواجب الذي أمرنا الله به هو البراءة من الكفار
والمنافقين وأعداء الدين، لا عموم المسلمين الذين يشهدون الشهادتين كأهل السنة
وغيرهم.
وأما قوله :
( إن الراسخ في عقول الشيعة
جميعاً أن الصحابة ظلموا أهل البيت ، وسفكوا دماءهم
، واستباحوا حُرُماِتِهم ) فهو غير
صحيح أيضاً ، لأن الشيعة وإن كانوا لا يرون عدالة كل الصحابة،
إلا أنهم يعتقدون بعدالة الصحابة الذين مدحهم الله سبحانه وتعالى في كتابه
، من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وغيرهم ممن نصروا الدين
، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، حتى انتشر الإسلام وارتفع
لواؤه.
فهؤلاء نحبّهم،
ونتولاهم في الدنيا والآخرة، ونترحم عليهم.
وأما المنافقون والطلقاء الذين كانوا يؤذون النبي
(ص) ، ويكيدون للإسلام، ويتربصون به الدوائر، فلا نحبّهم ولا قيمة لهم عندنا،
ونحن نتبرأ منهم، وإن تسمَّوا بالصحبة وتظاهروا للنبي (ص) بالنصرة والمحبة.
ومنه يتبين أن ما يُتَّهم به الشيعة من بغض كل الصحابة ولعنهم والبراءة منهم
كله غير صحيح ، ومن الواضح أن الداعي إليه هو إيجاد ذريعة لتضليل الشيعة
وتكفيرهم واستباحة دمائهم ، والله المستعان على ما يصفون.

الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت
............................................................. 61 |
قال الكاتب : وأن أهل
السنة ناصبوا أهل البيت العداء ، ولذلك لا يتردد أحدنا في تسميتهم بالنواصب ،
ونستذكر دائماً دم الحسين الشهيد عليه السلام .
وأقول : النواصب هم الذين تجاهروا ببغض أهل البيت
عليهم السلام وعداوتهم ، دون من أبغضوهم من غير تجاهر ومعاداة.
وهم عندنا
كفار أنجاس ، لا حرمة لهم ولا كرامة .
لكن
الكلام في أن أهل السنة قاطبة هل هم نواصب أم لا ؟
والقول المختصر في هذه المسألة هو أن كل من تجاهر
بعداوة أهل البيت عليهم السلام بثلبهم وسبِّهم وإيذائهم وحربهم وقتلهم وجحد
مناقبهم، وإزاحتهم عن مناصبهم ونحو ذلك، فهو ناصبي كائناً من كان، وسواءاً أكان
صحابياً أم كان تابعياً، أم كان من علماء أهل السنة أم من عوامّهم.
وأما الحكم على أهل السنة قاطبة بأنهم نواصب فلا
نقول به، والمشهور على خلافه، لأن ما جرى على أهل البيت عليهم السلام من الظلم
والجور لم يشترك فيه كل الماضين من أهل السنة والمعاصرين.
بل إنّا نعلم علماً قطعياً أن كثيراً من أهل السنة يحبّون أهل البيت عليهم
السلام ويودُّونهم، فكيف يصح الحكم على من يحبّهم بأنه ناصبي؟!
وأما تشخيص نصب شخص منهم أو من غيرهم فيحتاج إلى دراسة أحواله وسبر أقواله
الدالة بالقطع واليقين على نصبه، لا بمجرد الأوهام والخيالات والظنون، فمن ثبت
نصبه حكمنا به، وإلا فلا يجوز لأحد أن يتَّهم مسلماً بهذا الذنب العظيم من غير
بيِّنة شرعية صحيحة.

|