198 ....................................................................... لله وللحقيقة الجزء الأول

قال الكاتب: جلست مرة عند الإمام الخوئي في مكتبه، فدخل علينا شابان يبدو أنهما اختلفا في مسألة، فاتفقا على سؤال الإمام الخوئي ليدلهما على الجواب.
فسأله أحدهما قائلاً: سيد ما تقول في المتعة، أحلال هي أم حرام؟

ثم نقل الكاتب قصة طويلة فحواها أن الشاب السائل كان سُنيًّا من الموصل، فلما أجابه السيِّد بحليتها، طلب من السيِّد أن يزوجه ابنته متعة، فأجابه السيد بقوله: أنا سيِّد، وهذا حرام على السادة، وحلال عند عوام الشيعة.

فنظر الشاب إلى السيِّد الخوئي وهو مبتسم، ونظرته توحي أنه علم أن الخوئي قد عمل بالتقية.

وفي القصة أن الكاتب لحق بالشابين بعد خروجهما من (مكتب) السيد، فسمع الشاب الشيعي الآخر يسب العلماء ويلعنهم، لأنهم يحلِّلون المتعة لأنفسهم، ويحرِّمونها على غيرهم.

وأقول: هذه القصة من القصص الخرافية التي لا تستند على دليل صحيح، ودليلها هو نقل كاتبها الذي لا يوثق بنقله.

ومن أدلة كذب هذه القصة أن السيد الخوئي قدس سره ليس عنده مكتب في النجف الأشرف لاستقبال الناس فيه كما زعم الكاتب، وإنما كان يستقبل الناس في منزله المعروف في حي العمارة.

والكاتب لم يبيِّن للقرَّاء لماذا لحق بالشابين بعد خروجهما من مجلس السيد؟ فإنه لم يتضح سبب صحيح للحوقه بهما إلا ترتيب القصة بصورة تبدو بها أكثر إثارة.

وأما زعمه أن الخوئي قدس سره قد عمل بالتقية فهو من المضحكات، إذ كيف يتَّقي السيِّد من الشاب الموصلي في مسألة هو يصرِّح بها في كتبه العلمية والفتوائية، ويفتي مقلِّديه بجوازها؟ مع أن المقام مقام إثبات المتعة لا مقام تقية كما هو واضح.

وأما زعمه أن السيَّد الخوئي قدس سره قد قال: ( إن المتعة حرام على السادة وحلال

المتعة وما يتعلق بها .................................................................... 199

على عوام الشيعة ) فهو معلوم البطلان، بل هو فرية بلا مرية، فإن السيد الخوئي قدس سره وكل علماء الشيعة يفتون بحليّة نكاح المتعة مطلقاً من غير هذا التفصيل المزعوم.

ومن المعروف أن بعض أهل السنة دأبوا على الاحتجاج على الشيعة باحتجاج الشاب الموصلي الذي زعمه الكاتب، بظن أنهم يُلزِمون الشيعة بما لا يستطيعون الإجابة عليه، وهو احتجاج قديم ورد في الأخبار.

ففي صحيحة زرارة قال: جاء عبد الله بن عمير الليثي إلى أبي جعفر عليه السلام فقال له: ما تقول في متعة النساء؟ فقال: أحلَّها الله في كتابه وعلى لسان نبيه (ص)، فهي حلال إلى يوم القيامة. فقال: يا أبا جعفر مثلك يقول هذا وقد حرَّمها عمر ونهى عنها؟! فقال: وإن كان فعل. قال: وإني أعيذك بالله من ذلك أن تحل شيئاً حرَّمه عمر. قال: فقال له: فأنت على قول صاحبك، وأنا على قول رسول الله (ص)، فهلم أُلاعِنُك أن القول ما قال رسول الله (ص)، وأن الباطل ما قال صاحبك. قال: فأقبل عبد الله ابن عمير فقال: يسرُّك أن نساءك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن ذلك ؟ قال: فأعرض عنه أبو جعفر عليه السلام حين ذكر نساءه وبنات عمه (1).

وجواب من أشكل بذلك تارة يكون نَقْضِياً، وتارة يكون حَلّيًّا.

أما النقضي فيقال له: هل تزوّجني ابنتك أو أختك مع بعض بنات عمك أو بنات خالك زواجاً دائماً ؟ فإن الزواج الدائم بأربع نسوة جائز عندكم وعندنا، ولا مانع من تزويجي أربعاً من أهلك وأرحامك؟
فإن أجاب: ( بأنا لا نزوِّج رافضيًّا )، أجبناه في المتعة بنفس جوابه بأنا لسنا مضطرين لأن نزوّج سُنّيًّا، سواءاً أكان النكاح دواماً أو متعة. وإن أجاب بـ (نعم) ألزمناه به.

كما يُنْقَض عليه بنقض آخر، وهو أنه هل يرضى بأن يزوِّج ابنته زواجاً دائماً

 

(1) الكافي 5/149. تهذيب الأحكام 7/250. وسائل الشيعة 14/437.

 
 

200 ....................................................................... لله وللحقيقة الجزء الأول

بمهر حقير من رجل مريض فقير بخيل لئيم دميم طاعن في السن عنده ثلاث نسوة؟
فإن أجاب بـ (لا) قلنا له: لمَ لا ترضى بما أحلَّه الله سبحانه؟ وإن قال: (نعم) سعينا في إلزامه به.

وأما الجواب الحَلّي فيقال له : ليس كل من خطب زوَّجناه حتى لو كان مريد الزواج شيعيًّا، وكان النكاح دائماً، وليس كل ما يجوز في الشرع نحبّه لبناتنا وأخواتنا، فالطلاق جائز، لكنا لا نرضاه لبناتنا وأخواتنا، ونكاح أربع نسوة جائز، ولكنا لا نرضاه لهن أيضاً ، وزواج الأم بعد فراق الأب بموت أو طلاق جائز، ولكن الأبناء لا يرتضونه، وتزويج المريض واللئيم والدميم والبخيل وسيئ الأخلاق جائز، ولكن لا يرضاه الرجل لابنته أو لأخته، وهناك صور كثيرة لأنكحة جائزة لا يرتضيها الرجل لبناته ولا لأخواته.

ومما قلناه يتضح أن الرجل قد لا يحب لابنته أن تتزوَّج بنكاح المتعة من رجل ما دام النكاح الدائم ممكناً لها، فإنه بلا ريب خير لها من نكاح المتعة، وذلك لوجوب نفقتها والمبيت عندها على زوجها في النكاح الدائم، كما أنها ترثه لو مات عنها... وغير ذلك، بخلاف نكاح المتعة، فإنه لا يجب فيه شيء من ذلك.

نعم، لو كانت المرأة ذات أولاد صغار، ولا تجد من ينفق عليها وعلى صغارها، أو خشيت على نفسها من الوقوع في الحرام، فلا أعتقد أن أباً يرفض تزويج ابنته من رجل مؤمن تقي ذي خُلُق، يصونها وينفق عليها وعلى أولادها.

 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب