الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت ............................................................. 171

قال الكاتب: إذا أردنا أن نستقصي ما قيل في أهل البيت جميعاً فإن الكلام يطول بنا إِذْ لم يسلم واحد منهم من كلمة نابية، أو عبارة قبيحة، أو عمل شنيع، فقد نُسبَتْ إليهم أعمال شنيعة كثيرة، وفي أُمهات مصادرنا، وسيأتيك شيء من ذلك في فصل قادم.

وأقول: قد اتضح للقارئ الكريم وسيتضح أن كل ما يذكره الكاتب لا يخلو من أحد ثلاثة أمور: إما أنه مروي برواية ضعيفة لا يعوَّل عليها، ولا يُحتَج بها.

وإما أن الكاتب فسَّره بغير المراد منه، وحمَّله من معنى لا يحتمله اللفظ.

وإما أنه يعتبر ما لا طعن فيه طعناً، كالقول بالمتعة والتقية.

وسيأتي مزيد بيان في ذلك إن شاء الله تعالى.

172 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

قال الكاتب : اقرأ معي هذه الرواية : عن أبي عبد الله رضي الله عنه: ( كان رسول الله (ص) لا ينام حتى يُقَبِّلَ عرض وجه فاطمة ) بحار الأنوار 43/44.
( وكان يَضعُ وجهَه بين ثَدْيَيْها ) بحار الأنوار 43/78.

وأقول : الروايات المشار إليها روايات ضعيفة مرسلة ، ذكرها المجلسي في البحار من غير أسانيد.

ولو سلَّمنا بصحَّتها فهي لا تنافي الآداب، فإن النبي (ص) إنما كان يقبّلها تقبيل أبوَّة ومحبَّة وإجلال، وليس تقبيل شهوة ولذة، وهذا لا محذور فيه.

وأما المراد بوضع الوجه بين الثديين فهو وضعه على الصدر فوق الثديين وأسفل العنق، لا على نفس الثديين.

هذا مع أن أكثر علماء أهل السنة يجوِّزون تقبيل الولد والبنت في أي موضع منهما ما عدا العورة.

قال ابن حجر: قال ابن بطال: يجوز تقبيل الولد الصغير في كل عضو منه، وكذا الكبير عند أكثر العلماء ما لم يكن عورة، وتقدم في مناقب فاطمة عليها السلام أنه (ص) كان يقبِّلها، وكذا كان أبو بكر يقبِّل ابنته عائشة (1).

قال الكاتب: إن فاطمة سلام الله عليها امرأة بالغة فهل يعقل أن يضع رسول الله وجهه بين ثدييها؟!

وأقول: لقد أوضحنا المراد بوضع الوجه بين الثديين، ولا محذور أن يضع الوالد الرحيم الشفيق وجهه على صدر ابنته محبَّة ورحمة وإجلالاً.

 

(1) فتح الباري 10/350.

 
 

الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت ............................................................. 173

ولا ندري هل اطّلع الكاتب على الروايات التي رواها أهل السنة في تقبيل النبي (ص) لابنته الزهراء عليها السلام أم لا؟! فإنها لا تقل في مضمونها عن هذه الروايات، بل ربما زادت.

فقد روى محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى) روايات مختلفة في هذا الباب، فقال:
ذكر ما جاء أنه (ص) كان يقبِّلها في فيها ويمصها لسانه: عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله مالك إذا قبَّلت فاطمة جعلتَ لسانك في فيها كأنك تريد أن تلعقها عسلاً؟ فقال (ص): إنه لما أُسري بي أدخلني جبريل الجنة، فناولني تفاحة فأكلتها، فصارت نطفة في ظهري، فلما نزلت من السماء واقعت خديجة، ففاطمة من تلك النطفة، كلما اشتقت إلى تلك التفاحة قبَّلتها. خرجه أبو سعد في شرف النبوة.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي (ص) يكثر القبل لفاطمة، فقالت له عائشة: إنك تكثر تقبيل فاطمة! فقال (ص): إن جبريل ليلة أسرى بي أدخلني الجنة، فأطعمني من جميع ثمارها، فصار ماءاً في صلبي، فحملت خديجة بفاطمة، فإذا اشتقت لتلك الثمار قبَّلت فاطمة، فأصبت من رائحتها جميع تلك الثمار التي أكلتها. خرجه أبو الفضل بن خيرون.

وعنه أن النبي (ص) كان إذا جاء من مغزاه قبَّل فاطمة، خرجه ابن السرى.

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي (ص) قبَّل يوماً نحر فاطمة. خرجه الحربي، وخرجه الملا في سيرته، وزاد: فقلت له: يا رسول الله فعلت شيئاً لم تفعله؟ فقال: يا عائشة إني إذا اشتقتُ إلى الجنة قبَّلتُ نحر فاطمة (1). انتهى.

وأخرج الحاكم في المستدرك عن سعد بن مالك، قال: قال رسول الله (ص) :

 

(1) ذخائر العقبى، ص 36.

 
 

174 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام بسفرجلة من الجنة، فأكلتها ليلة أُسري بي، فعلقتْ خديجة بفاطمة، فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممتُ رقبة فاطمة (1).

وفي حديث آخر رواه الحاكم بسنده عن أبي ثعلبة جاء فيه: كان رسول الله (ص) إذا رجع من غزاة أو سفر أتى المسجد ، فصلى فيه ركعتين ، ثم ثنى بفاطمة رضي الله عنها ، ثم يأتي أزواجه، فلما رجع خرج من المسجد تلقَّتْه فاطمة عند باب البيت تلثم فاه... (2).

قال المناوي في فيض القدير: وكانت فاطمة من فضلاء الصحابة وبلغاء الشعراء، وكانت أحب أولاده إليه، وإذا قدمت عليه قام إليها وقبَّلها في فمها (3).

وقال أيضاً: (كان ـ يعني النبي (ص) ـ كثيراً ما يقبِّل عُرْف) ابنته (فاطمة) الزهراء، وكان كثيراً ما يقبلها في فمها أيضاً. زاد أبو داود بسند ضعيف: ويمص لسانها (4).

فما يقول الكاتب في مص اللسان وتقبيل النحر وشمِّه ولثم الفم، هل هو جائز عنده أم أنه لا يجوز؟!

هذا مع أن أهل السنة رووا في كتبهم عن عائشة أموراً منكرة لا أدري لماذا تعامى الكاتب عنها.

منها: ما أخرجه أبو داود في سننه، وأحمد في مسنده، والبيهقي في سننه الكبرى عن عائشة: أن رسول الله (ص) كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها (5).

وقال الزرقاني: وللبيهقي عنها ـ أي عن عائشة ـ أنه (ص) كان يقبِّلها وهو

 

(1) المستدرك 3/156 ط حيدرآباد، 3/169 ط محققة. الدر المنثور 5/218.
(2) المستدرك 3/156 ط حيدرآباد، 3/169 ط محققة.
(3) فيض القدير 1/105.
(4) المصدر السابق 5/174.
(5) سنن أبي داود 2/312. السنن الكبرى للبيهقي 4/234. مسند أحمد 6/123، 234.

 
 

الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت ............................................................. 175

صائم ويمص لسانها. وفيه جواز الإخبار عن مثل هذا مما يجري بين الزوجين على الجملة للضرورة، وأما في حال غير الضرورة فمنهي عنه (1).

بل إنهم رووا ما هو أعظم من ذلك، فقد أخرج الطبراني في معجمه الكبير، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة وغيرهما عن ابن عباس أنه قال: رأيتُ رسول الله (ص) فرَّج فخذي الحسين وقَبَّلَ زُبَيْبته (2).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني، وإسناده حسن (3).

وأخرج البيهقي في سننه الكبرى بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كنا عند النبي (ص)، فجاء الحسن، فأقبل يتمرَّغ عليه، فرفع عن قميصه، وقبَّل زُبَيْبته (4).

فماذا يقول الكاتب في أمثال هذه الروايات التي رووها في كتبهم؟!

 

(1) شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 2/219.
(2) الأحاديث المختارة 9/555. المعجم الكبير 3/45، 12/108. الإصابة 1/611.
ذخائر العقبى
، ص 221. سير أعلام النبلاء 3/253. إلا أن فيه الحسن بدل الحسين.

(3) مجمع الزوائد 9/186.
(4) السنن الكبرى للبيهقي 1/137.
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب