160 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

قال الكاتب: وأما العباس وابنه عبد الله، وابنه الآخر عبيد الله، وعقيل عليهم السلام جميعاً فلم يسلموا من الطعن والغمز واللَّمز، اقرأ معي هذه النصوص: روى الكشي أن قوله تعالى ( فَلَبِئْسَ المولى وَلَبِئْسَ العَشِير )، نزلت فيه - أي في العباس - رجال الكشي ص 54.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها: أبو محمد بن عبد الله ابن محمد اليماني، والظاهر أنه أبو محمد عبد الله بن محمد اليماني بقرينة رواية حمدان بن سليمان عنه، فإنه يروي عن عبد الله بن محمد اليماني (1)، وهو مجهول الحال، لم يُذكر في كتب الرجال بمدح ولا ذم.

ومن جملة رواة هذا الخبر: الحسين بن أبي الخطاب، وهو مجهول الحال أيضاً، لم يوثَّق في كتب الرجال.

قال المامقاني: لم أقف فيه على توثيق أو مدح (2).

ومن جملة رواة هذا الخبر: طاووس، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

وعليه فهذه الرواية ساقطة سنداً، فلا يصح الاحتجاج بها في شيء.

قال الكاتب : وقوله تعالى: ( ومَن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى

 

(1) راجع معجم رجال الحديث 10/319.

(2) تنقيح المقال 1/317.  
 

الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت ............................................................. 161

وأضل سبيلا ) وقوله تعالى ( ولا ينفعُكم نُصْحِي إن أردتُ أَنْ أنصح لكم ) نزلتا فيه ص 52 - 53.

وأقول: هذه الرواية أيضاً ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها جعفر بن معروف، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

قال الخوئي في معجم رجال الحديث: إن من ترجمه الشيخ ويروي عنه الكشي كثيراً لم تثبت وثاقته، فإن الوكالة لا تلازم الوثاقة على ما تقدم في المدخل، واعتماد الكشي عليه لا يثبت الوثاقة أيضاً... (1).

وعليه فهذه الرواية ساقطة أيضاً.

قال الكاتب: وروى الكشي أيضاً أن أمير المؤمنين رضي الله عنه دعا على عبد الله بن العباس وأخيه عُبَيْد الله فقال: (اللهم العن ابنَيّ فلان - يعني عبد الله وعبيد الله - واعم أبصارَهُمَا كما عَميَتْ قلوبُهما الاجلين في رقبتي، واجعل عَمَى أبصارهما دَليلاً على عَمَى قلوبهَما) ص 52.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها محمد بن سنان، وهو ضعيف على المشهور.

فقد ضعفه النجاشي في رجاله حيث قال: وهو رجل ضعيف جداً، لا يعوَّل عليه، ولا يُلتفَت إلى ما تفرَّد به.

وقال الشيخ: محمد بن سنان مطعون عليه، ضعيف جداً، وما يستبد بروايته ولا يشركه فيه غيره لا يُعمل عليه.

وقال المفيد في رسالته العددية: ومحمد بن سنان مطعون فيه، لا تختلف العصابة

 

(1) معجم رجال الحديث 4/132.

 
 

162 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

في تهمته وضعفه، وما كان هذا سبيله لا يُعمل عليه في الدين.

وقال المحقق الخوئي: ولولا أن ابن عقدة والنجاشي والشيخ والشيخ المفيد وابن الغضائري ضعَّفوه وأن الفضل بن شاذان عدَّه من الكذابين، لتعيّن العمل برواياته، ولكن تضعيف هؤلاء الأعلام يصدّنا عن الاعتماد عليه والعمل برواياته (1).

هذا مضافاً إلى أن الرواية لم يرد فيها ( يعني عبد الله وعبيد الله )، وإنما هي استظهار من الكاتب، ولعل اللعن لغيرهما، وإدراج الكشي للرواية تحت عنوان عبد الله بن عباس اجتهاد منه، ولعل المراد غير ابني العباس.

هذا مع أن الرواية اشتملت على عبارة مشوشة وهي قوله (الأجلين في رقبتي)، وهي كلمة لا يُعرف لها معنى، وهو تشويش يوهن الرواية ويمنعنا من العمل بها.

وعلى كل حال فإنا لو سلَّمنا بصحة كل تلك الروايات القادحة في عبد الله بن عباس، فإن دواوين أهل السنة وصحاحهم مملوءة بذكر ما شجر بين الصحابة من سُباب وشتم وحرب مما لا يخفى على أحد.

فما بالهم لم يعتبروا رواية تلكم الأحاديث في كتبهم طعناً في أهل السنة، واعتبروا نقل أمثال هذه الروايات في الكتب الشيعية طعناً في الشيعة، مع أن بعض تلك الروايات مروية عن طاووس الذي هو من رواة أهل السنة.

هذا مع أن الكاتب لو كان مجتهداً وكان منصفاً كما يزعم لعلم أن منهج الكشي رحمه الله في رجاله هو ذِكْر الأخبار المادحة والقادحة المنقولة في رواة الأحاديث، وأما الترجيح بينها أو قبول بعضها وطرح بعضها الآخر فهو وظيفة الفقيه، ولا يلزم من رواية أمثال هذه الأخبار الطعن في الكشي خاصة أو في الشيعة عامة، وهو معلوم لا يحتاج إلى مزيد بيان.

 

(1) معجم رجال الحديث 16/160.

 
 

الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت ............................................................. 163

ولو كان عند الكاتب أدنى معرفة بتمييز الأخبار ومعرفة الغث منها والسمين لعلم أن الأخبار المروية في ابن عباس كلها من الأحاديث الواهية الضعيفة كما أوضحنا بعضها، وكما نص عليه بعض أعلام المذهب.

فقد قال السيد أحمد بن طاووس: وقد روى صاحب الكتاب [يعني الكشي] أخباراً شاذة ضعيفة تقتضي قدحاً أو جرحاً، ومثل الحَبْر [يعني ابن عباس] رضوان الله عليه موضع أن يحسده الناس وينافسوه ويقولوا فيه ويباهتوه:

حسَدُوا الفتَى إذْ لم يَنالوا فضلَه   فالناسُ أعداءٌ له وخصومُ
كضرائرِ الحسناءِ قُلْنَ لوجْهِها   حسَداً وبَغْياً: إنَّه لدميمُ

ثم ذَكَر تلك الأحاديث وبيَّن ضعفها ثم قال: هذا الذي رأيت، ولو ورد في مثله ألف حديث يُنقل أمكن أن يعرض للتهمة، فكيف مثل هذه الروايات الواهية الضعيفة الركيكة (1).

وقال التفرشي في نقد الرجال: وما ذكره الكشي من الطعن فيه ـ أي في ابن عباس ـ ضعيف السند (2).

وقال المحقق الخوئي بعد أن ضعف جملة من الروايات القادحة فيه: هذه الرواية وما قبلها من طرق العامة، وولاء ابن عباس لأمير المؤمنين وملازمته له عليه السلام هو السبب الوحيد في وضع هذه الأخبار الكاذبة وتوجيه التُّهَم والطعون عليه (3).

ثم ما بال القوم كفَّروا والدي النبي (ص) وأجداده الطاهرين، كما كفَّروا أبا طالب عليه السلام، وهو عم النبي (ص) وكافله وحاميه وناصره، ولم يروا في ذلك بأساً ولا غضاضة مع وضوح الدلائل على إيمانهم، وطعنوا في الشيعة من أجل روايات ضعيفة

 

(1) التحرير الطاووسي، ص 159، 163.

(2) نقد الرجال 3/118. (3) معجم رجال الحديث 10/238.  
 

164 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

ظاهرها الطعن بما لا يستوجب كفراً في العباس بن عبد المطلب، أو في ابنه عبد الله؟!
ولعمري إنهم إذا أرادوا أن يراعوا حرمة النبي (ص) في عمِّه العباس وابنه فمراعاته في والديه وأجداده وعمِّه أبي طالب عليهم السلام أولى.

قال الكاتب: وروى ثقة الإسلام أبو جعفر الكليني في الفروع عن الإمام الباقر قال في أمير المؤمنين: ( وبقي معه رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالإسلام، عباس وعقيل ).

وأقول: أما أنهما ضعيفان فهو معلوم من حالهما، فلم يُعرف لهما موقف في حرب أو في سلم يدل على قوة أو شجاعة، لا في الجاهلية ولا في الإسلام، وأهل السنة قد رووا أنهما أُخرجا مع المشركين إلى بدر مُكرَهين (1)، وحسبك هذا دليلاً على ضعفهما.

وأما أنهما ذليلان فلعل المراد بذلك هو ذلّهما لما أُسِرا يوم بدر مع من أُسِر من المشركين (2).
وأما أنهما حديثا عهد بالإسلام فقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أن العباس أسلم قبل فتح خيبر وأظهر إسلامه يوم فتح مكة
(3)، وذكر أن إسلام عقيل كان قبل الحديبية (4).
 

 

(1) أما خروج العباس مكرهاً فذُكر في أسد الغابة 3/163، والإصابة 3/511، والاستيعاب 2/812، وسير أعلام النبلاء 2/96. وأما خروج عقيل فراجعه في سير أعلام النبلاء 1/218، 3/99. وأسد الغابة 4/61. والاستيعاب 3/1078. والمنتظم 5/236.

 
(2) أسد الغابة 3/165. الاستيعاب 2/811. (3) الاستيعاب 2/812. (4) نفس المصدر 3/1078.
 

الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت ............................................................. 165

وقال ابن حجر: تأخَّر إسلامه [ يعني عقيلاً ] إلى عام الفتح.
وجعل إسلامه بعد الحديبية قولاً
(1).

قال الكاتب: إن الآيات الثلاث التي زعم الكشي أنها نزلت في العباس معناها الحكم عليه بالكُفر والخلود في النار يوم القيامة، وإلا فقل لي بالله عليك ما معنى قوله: ? فهو في الآخرة أعمى وأَضَلُّ سبيلا ?؟

وأقول: لقد أوضحنا فيما تقدَّم ضعف الحديث سنداً، وأنه لا يصح الاحتجاج به، وإطالة الكلام فيه مضيعة للوقت.

ثم إن الكشي لم يقل: ( إن الآيات نزلت في العباس وابنيه)  كما زعم الكاتب، وإنما روى ذلك بسنده عن طاووس والزهري والشعبي وغيرهم، فلعل الزاعم هو هؤلاء الذين هم من أهل السنة!! أو غيرهم... من يدري؟؟

قال الكاتب: وأما أَنّ أمير المؤمنين رضي الله عنه دعا على ولدي العباس عبد الله وعبيد الله باللعن وعمى البصر وعَمَى القلب فهذا تكفير لهما.

وأقول: لقد أوضحنا فيما تقدَّم أن الرواية ضعيفة السند، فالكلام فيها هدر للوقت بلا فائدة، وأوضحنا أنه لم يرد في الحديث ذكر للعباس وابنيه، فلو سلَّمنا بصحة الحديث فلعل المراد غيرهما ممن يستحق اللعن، والله العالم.

 

(1) الإصابة 4/438.

 
 

166 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

قال الكاتب: إن عبد الله بن العباس تلَقِّبُه العامة - أهل السنة - بترجمان القرآن وحَبْرُ الأُمة، فكيف نلعنه نحن، ونَدَّعِي محبةَ أهلِ البيتِ عليهم السلام ؟!!

وأقول: ومن قال لمدَّعي الاجتهاد والفقاهة أن الشيعة يلعنون عبد الله بن عباس؟

ولا أدري لمَ نسب للشيعة قاطبة لعن ابن عباس بسبب وجود روايات ضعيفة السند في أحد كتبهم، مع أن كلمات علماء الشيعة في مدح ابن عباس لا تخفى على من يرى في نفسه الاجتهاد، وهي أشهر من أن تذكر، وإليك بعضاً منها:

1- قال العلامة الحلي في رجاله: عبد الله بن العباس من أصحاب رسول الله (ص)، كان محبًّا لعلي عليه السلام وتلميذه، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام أشهر من أن يخفى، وقد ذكر الكشي أحاديث تتضمن قدحاً فيه، وهو أجل من ذلك، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير، وأجبنا عنها، رضي الله تعالى عنه (1).

2- وقال ابن داود في رجاله: عبد الله بن العباس (ل ي)(2) رضي الله عنه، حاله أعظم من أن يشار إليه في الفضل والجلالة ومحبة أمير المؤمنين عليه السلام وانقياده إلى قوله (3).

3- وقال السيد أحمد بن طاووس في كتابه حل الإشكال: عبد الله بن العباس رضوان الله عليه حاله في المحبة والإخلاص لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام والموالاة والنصرة له والذب عنه والخصام في رضاه والموازرة مما لا شبهة فيه (4).

4- وقال السيد علي خان الشيرازي في الدرجات الرفيعة: الذي أعتقده في ابن عباس رضي الله عنه أنه كان من أعظم المخلصين لأمير المؤمنين وأولاده، ولا شك في

 

(1) رجال العلامة، ص 103.
(2) يعني من أصحاب رسول الله (ص) وأصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.

(3) رجال ابن داود، ص 121.
(4) التحرير الطاووسي، ص 159.
 
 

الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت ............................................................. 167

تشيّعه وإيمانه، وستقف على ما نذكره من أخباره على ما تحقق معه ذلك إن شاء الله تعالى(1)

5- وقال الحر العاملي في خاتمة وسائل الشيعة: عبد الله بن العباس، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام أشهر من أن يخفى، وقد روي فيه قدح، وهو أجل من ذلك (2).

6- وقال المحقق الخوئي في معجم رجال الحديث: والمتحصل مما ذكرنا أن عبد الله بن عباس كان جليل القدر مدافعاً عن أمير المؤمنين والحسنين عليهم السلام كما ذكره العلاّمة وابن داود (3).

إلى غير ذلك مما لا يسعنا ذكره من كلمات أعلام الشيعة الإمامية قدَّس الله أسرارهم، التي تصدح بمدح عبد الله بن عباس والثناء عليه، وتبطل ما قاله الكاتب من تكفير الشيعة له ولعنهم إياه.

قال الكاتب: وأما عقيل رضي الله عنه فهو أخو أمير المؤمنين رضي الله عنه، فهل هو ذليل، وحديث عهد بالإسلام ؟!

وأقول: أما أخوّته لأمير المؤمنين عليه السلام فلا يشك فيها أحد، وأما كونه ذليلاً وحديث عهد بالإسلام فلعله لما قلناه فيما تقدم، فلا حاجة لإعادته.

ثم إن أهل السنة رووا من الطعن في عقيل ما هو أكثر من ذلك، فقد أخرج ابن عبد البر في (الاستيعاب) حديثاً عن ابن عباس جاء فيه قوله: كان عقيل أكثرهم ذِكْراً

 

(1) الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، ص 101.
(2) وسائل الشيعة 20/239.

(3) معجم رجال الحديث 10/239.  
 

168 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

لمثالب قريش، فعادَوه لذلك، وقالوا فيه بالباطل، ونسبوه إلى الحمق، واختلقوا عليه أحاديث مزوَّرة، وكان مما أعانهم على ذلك مغاضبته لأخيه عليّ، وخروجه إلى معاوية، وإقامته معه، ويزعمون أن معاوية قال يوماً بحضرته: هذا لولا علمه بأني خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه. فقال عقيل: أخي خير لي في ديني، وأنت خير لي في دنياي، وقد آثرتُ دنياي، وأسأل الله تعالى خاتمة الخير (1).

ولا ريب في أن إقراره بأنه آثر دنياه على آخرته أشد في الطعن فيه من وصفه بأنه ضعيف أو ذليل أو حديث عهد بالإسلام.

 

(1) الاستيعاب 3/1079. سير أعلام النبلاء 3/100.

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب