248 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

قال الكاتب: ولا بد لنا أن ننقل نصوصاً أخرى عن الأئمة عليهم السلام في إثبات تحريم المتعة: عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله رضي الله عنه عن المتعة فقال: (لا تُدَنِّسْ نفسَك بها) بحار الأنوار 100/318.
وهذا صريح في قول أبي عبد الله رضي الله عنه أَن المتعةَ تُدَنِّسُ النفْسَ، ولو كانت حلالاً لما صارت في هذا الحكم.

وأقول: إنما تدنّس النفس إذا كانت مع الفواجر والفواحش، وأما إذا كانت مع المصونات والعفائف فلا تدنيس فيها.

فلا أدري كيف يدنِّس الرجل نفسه إذا تزوَّج امرأة مؤمنة عفيفة، يعف بها نفسه، ويحصن بها فرجه؟ ولعل المتعة كان لا يفعلها في المدينة في زمن الإمام الصادق عليه السلام إلا الفواجر، فلهذا صارت مُدَنِّسة لمن يفعلها آنذاك، لأن الفواجر مدنَّسات بفجورهن، ومدنِّسات لمن يتزوَّج بهن.

فقد روى أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري في نوادره عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما تفعلها عندنا إلا الفواجر (1).
أو لعل تدنيسها للرجل بسبب ما يلحقه من الشنعة أو اللوم أو المؤاخذة بسببها.

ولا ينقضي العجب ممن يطعن في المتعة بهذا الطعن أو بأنها زنا أو ما شابههما من

 

(1) النوادر لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، ص 87.

 
 

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 249

الطعون التي تستلزم الطعن في أصل تشريعها المجمع عليه، بل في مشرِّعها سبحانه وتعالى.

لأن لازم وصف نكاح المتعة بذلك هو أن الله سبحانه يجوز عليه أن يبيح للناس الفواحش والرذائل الخلقية التي تدنّس النفوس والأعراض.

كما أن لازم ذلك هو اعتقاد أن النبي (ص) قد رخَّص للمسلمين في فترات مختلفة بعض المساوئ القبيحة التي يستنكف منها كل مؤمن غيور، واعتقاد أن الصحابة كانوا يعملون هذه الفاحشة في غزواتهم وأسفارهم.

قال الكاتب: ولم يكتف الصادق رضي الله عنه بذلك بل صرح بتحريمها: عن عمار قال: قال أبو عبد الله رضي الله عنه لي ولسليمان بن خالد: ( قد حُرِّمَتْ عليكما المتعة ) فروع الكافي 2/48، وسائل الشيعة 14/450.

وأقول: لقد بتر الكاتب ذيل الرواية وحرَّف بعض ألفاظها، فجاءت مشعرة بتحريم المتعة، ولكنها ليست كذلك.

وإلى القارئ الكريم نص الرواية ليعلم أن الكاتب ليس بمؤتَمن في نقله، وليس صادقاً مع قارئه.
فقد روى الكليني عليه الرحمة في الكافي عن عدة من أصحابه، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، ومحمد بن الحسين جميعاً، عن الحكم بن مسكين، عن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام لي ولسليمان بن خالد: قد حرَّمتُ عليكما المتعة من قِبَلي ما دمتما بالمدينة، لأنكما تكثران الدخول عليَّ، فأخاف أن تؤخذا، فيقال: هؤلاء أصحاب جعفر
(1).

 

(1) الكافي 5/467.

 
 

250 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

والرواية واضحة الدلالة، فإن الإمام عليه السلام إنما حرَّمها عليهما مِنْ قِبَله ـ أي منعهما منها من جهته ـ لأنهما من شيعته عليه السلام ، وكانا يتردَّدان عليه كثيراً ، فخشي الإمام عليه السلام أن يؤخذا فيُنكَّل بهما، ويُشَنَّع عليه بأن أصحابه عليه السلام يعملون المحرَّمات بزعمهم، فنهاهما عنها ما داما في المدينة.

ومما قلناه يتضح أن الرواية ـ على العكس ـ تدل على حلّية المتعة لا حرمتها ، وذلك لأن أصحاب الإمام عليه السلام كانوا يمارسونها بعلم من الإمام عليه السلام، وإنما نهى هذين الرجلين ما داما في المدينة تجنباً لبعض المحاذير فقط.

هذا مضافاً إلى أن الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها سهل بن زياد، وقد مرَّ بيان حاله. ومنهم الحكم بن مسكين، وهو مجهول الحال، لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.
فأين التحريم الصريح الذي زعمه مدَّعي الفقاهة والاجتهاد؟!

قال الكاتب: وكان رضي الله يُوَبِّخُ أصحابه ويُحَذِّرُهُمْ من المتعة، فقال: أما يستحي أحدُكم أن يُرى في موضع فيحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه؟ الفروع 2/44، وسائل الشيعة 14/450.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها صالح بن أبي حماد.

قال النجاشي في رجاله: صالح بن أبي حماد أبو الخير الرازي، واسم أبي الخير (زاذويه)، لقي أبا الحسن العسكري عليه السلام، وكان أمره ملبساً، يعرف وينكر (1).

وقال ابن الغضائري: صالح بن أبي حماد الرازي أبو الخير، ضعيف (2).

 

(1) رجال النجاشي 1/441.

(2) رجال ابن الغضائري، ص 70.  
 

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 251

ومن جملة الرواة ابن سنان، وهو محمد بن سنان، بقرينة رواية صالح بن أبي حماد عنه في غير موضع (1)، وليست له رواية عن عبد الله بن سنان.

ومحمد بن سنان ضعيف على المشهور المنصور، فقد قال فيه النجاشي: وهو رجل ضعيف جداً لا يُعوَّل عليه، ولا يُلتفت إلى ما تفرد به، وقد ذكر أبو عمرو في رجاله، قال: أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري، قال: قال أبو محمد الفضل ابن شاذان: لا أحل لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان (2).

وقال الشيخ الطوسي في الفهرست: محمد بن سنان، له كتب، وقد طُعن عليه وضُعِّف (3).

وقال ابن الغضائري: ضعيف غالٍ، يضع الحديث، لا يُلتَفَت إليه (4).

وعليه، فالحديث ضعيف السند، لا يُحتج به في شيء.

ومع الإغماض عن سند الحديث فليس المراد به تحريم المتعة، وإنما المراد به هو الحث على الكف عنها إذا كانت بمرأى ومسمع ممن يرى تحريمها ويعيبها، فيكون فعلها سبباً للعيب على فاعلها وعلى إخوانه الشيعة المعتقدين لحلّيتها.

ولهذا قال في الحاشية نقلاً عن كتاب مرآة العقول: أي يراه الناس في موضع يعيب من يجدونه فيه، لكراهتهم للمتعة، فيصير ذلك سبباً للضرر عليه وعلى إخوانه وأصحابه الموافقين له في المذهب.

قال الكاتب: ولما سأل علي بن يقطين أبا الحسن رضي الله عنه عن المتعة أجابه: ( ما

 

(1) راجع الكافي 5/153 ، 305. الاستبصار 3/70.
(2) رجال النجاشي 2/208.

(3) الفهرست، ص 219.
(4) رجال ابن الغضائري، ص 92.
 
 

252 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

أنت وذاك ؟ قد أغناك الله عنها) الفروع 2/43، الوسائل 14/449.
نعم إن الله تعالى أغنى الناس عن المتعة بالزواج الشرعي الدائم.

وأقول: لقد بَتَر الكاتب هذه الرواية كعادته، ليوهم القارئ بأن الرواية تدل على مطلوبه.

ونص الرواية هو: عن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن المتعة، فقال: وما أنت وذاك فقد أغناك الله عنها. قلت: إنما أردتُ أن أَعْلَمها. فقال: هي في كتاب علي عليه السلام. فقلت: نزيدها وتزداد؟ فقال: وهل يطيبه إلا ذاك.

وفي هامش المطبوعة بيان معنى الحديث منقولاً عن مرآة العقول، قال: (وهل يطيبه) الضمير راجع إلى عقد المتعة ، ومراد السائل أنه يجوز لنا بعد انقضاء المدة أن نزيدها في المهر وتزداد المرأة في المدة ؟ أي تزويجها بمهر آخر مدة أخرى من غير عدة وتربُّص؟ فقال عليه السلام: العمدة في طيب المتعة وحسنها هو ذلك، فإنه ليس مثل الدائم بحيث يكون لازماً له... بل يتمتعها مدة، فإن وافقه يزيدها وإلا يتركها، وعلى هذا يحتمل أن يكون ضمير (يطيبه) راجعاً إلى الرجل، أي هذا سبب لطيب نفس الرجل وسروره بهذا العقد، ويحتمل أن يكون المعنى: لا يحل ولا يطيّب ذلك العقد إلا ذكْرُ هذا الشرط فيه كما ورد في خبر الأحول في شروطها: (فإن بدا لي زدتك وزدتني)، ويكون محمولاً على استحباب ذكره في ذلك العقد.

وفي بعض النسخ (نريدها ونزداد)، أي نريد المتعة ونحبّها ونزداد منها، فقال عليه السلام : طيبه والتذاذه في إكثاره (1).

قلت: ومنه يتضح أن الإمام عليه السلام نهى علي بن يقطين عن نكاح المتعة، لأن الله سبحانه وتعالى قد أغناه عنها، ولعلَّ السبب في نهيه عنها هو أن علي بن يقطين كان وزيراً لهارون الرشيد، فخشي الإمام عليه السلام أن يكون ذلك سبباً لانكشاف أمره ومعرفة هارون أنه واحد من الشيعة، فيصيبه البلاء بسبب ذلك. فلما أخبر الإمام عليه السلام بأنه إنما يريد أن يعرف حكمها فقط، أخبره بأنها في كتاب علي عليه السلام، وأنها مباحة، فسأل ابن

 

(1) عن هامش الكافي 5/452.

 
 

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 253

يقطين: هل نزيدها فتزداد؟ فأجابه الإمام عليه السلام : وهل يطيبه إلا ذاك؟ وقد تقدم آنفاً بيان معنى هذا السؤال وجوابه.

والنتيجة أن الحديث يدل بوضوح على حلّية نكاح المتعة كما أوضحناه، ولا يدل على حرمتها كما أراد الكاتب أن يوهم قُرَّاءه بذلك.

قال الكاتب: ولهذا لم يُنْقَلْ أَن أحداً تمتع بامرأة من أهل البيت عليهم السلام، فلو كان حلالاً لفعلن، ويؤيد ذلك أن عبد الله بن عمير قال لأبي جعفر رضي الله عنه: ( يسرك أنَّ نساءَك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن ؟ - أي يتمتعن - فأعرض عنه أبو جعفر رضي الله عنه حين ذكر نساءه وبنات عمه ) الفروع 2/42، التهذيب 2/186.

وأقول: إن حلّية المتعة وغيرها من المحلَّلات إنما تُعرف من النصوص الصحيحة ، وليس شرطاً أن يمارسها النبي (ص) أو تصدر من امرأة من أهل البيت عليهم السلام، فإن اشتراط ذلك لم يقل به أحد، وقد مرَّ بيان ذلك فيما سبق.

وأكثر أحكام الشريعة لا يوجد دليل على أن النبي (ص) فعلها، ولهذا أجمع أهل السُّنة على أن النبي (ص) أباح نكاح المتعة ثم حرَّمها، ولم يرووا أنه تمتَّع في وقت حلّيتها بامرأة قط، ورووا ذلك عن بعض الصحابة.

وأجمعوا على أن الزانية يحل نكاحها ، بشرط توبتها عند أحمد بن حنبل (1) ، مع أن النبي (ص) لم يتزوج من زانية قط.

وأجمعوا على أن من طلَّق زوجته قبل الدخول رجع عليها بنصف المهر، ولم يرووا أن النبي (ص) طلق ورجع بنصف المهر.

 

(1) راجع كتاب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص 396.

 
 

254 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

وأجمعوا على أن نكاح التفويض جائز، وهو أن يعقد النكاح دون صداق (1) ، مع أنهم لم يرووا أن النبي (ص) فعله.

بل إنهم اتفقوا على حلّية أمور نصّوا على أن النبي (ص) لم يفعلها، بل كرهها.

منها: حكمهم بحلّية أكل لحم الضب مع أن النبي (ص) لم يأكله، فقد أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن ابن عمر قال: سأل رجلٌ رسولَ الله (ص) وهو على المنبر عن أكل الضب، فقال: لا آكله ولا أحرِّمه (2).

وعن توبة العنبري سمع الشعبي، سمع ابن عمر أن النبي (ص) كان معه ناس من أصحابه فيهم سعد، وأتُوا بلحم ضبٍّ، فنادت امرأة من نساء النبي (ص): إنه لحم ضب. فقال رسول الله (ص): كُلُوا، فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي (3).

وعن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أُتِيَ رسول الله (ص) بضب، فأبى أن يأكل منه، وقال: لا أدري لعلَّه من القرون التي مُسِختْ (4).

والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً لا حاجة لاستقصائها، وهي دالة بأوضح دلالة على أن النبي (ص) حلَّل لهم الضب مع أنه لم يأكله.

ولهذا أفتى الأئمة الأربعة بحلّية أكل لحم الضب، على كراهة عند مالك فقط (5).

ومنها: أنهم أجمعوا على حلّية أكل الثوم، ومع ذلك رووا أن النبي (ص) لم يكن يأكل منه، لأنه كان ينزل عليه الوحي.

ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه بسنده عن أبي أيوب الأنصاري قال: كان رسول الله (ص) إذا أُتِيَ بطعام أكل منه، وبعث بفضلِهِ إلي، وإنه بعث إليَّ يوماً بفضلةٍ لم

 

(1) راجع بداية المجتهد 3/61.
(2) صحيح مسلم 3/1542.
(3) نفس المصدر.

(4) نفس المصدر 3/1545.
(5) راجع كتاب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص 251.
 
 

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 255

يأكل منها، لأن فيها ثوماً، فسألته: أحرام هو؟ قال: لا، ولكني أكرهه من أجل ريحه (1).

وفي حديث آخر قال: أحرام هو؟ فقال النبي (ص): لا ولكني أكرهه. قال: فإني أكره ما تكره أو ما كرهت. قال: وكان النبي (ص) يُؤتى (2).

ومن كل ذلك يتضح أنه لا يلزم للحكم بحلّية شيء أن يفعله النبي (ص) أو أحد من أهل بيته.
هذا مع أنا ذكرنا فيما تقدَّم بعض الأحاديث التي جاء فيها أن النبي (ص) وأمير المؤمنين عليه السلام قد تزوجا متعة، فراجع.

وأما إعراض الإمام الباقر عليه السلام عن عبد الله بن عمير فلعله بسبب جهله، عملاً بقوله تعالى ( وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ )، أو لعله أعرض عنه لما تبين له عناده ومجادلته بالباطل، والله العالم.

قال الكاتب: وبهذا يتأكد لكل مسلم عاقل أن المتعة حرام، لمخالفتها لنصوص القرآن الكريم وللسنة ولأقوال الأئمة عليهم السلام.
والناظر للآيات القرآنية الكريمة والنصوص المتقدمة في تحريم المتعة - إن كان طالباً للحق مُحبَّا له - لا يملك إلا أن يحكم ببطلان تلك الروايات التي تحث على المتعة لمعَارضتها لصريح القرآن وصريح السنة المنقولة عن أهل البيت عليهم السلام، ولما يترتب عليها من مفاسد لا حصر لها بَيَّنَا شيئاً منها فيما مضى.

وأقول: لقد تقدَّم أن القرآن الكريم قد نصَّ على حلّية نكاح المتعة بقوله تعالى

 

(1) صحيح مسلم 3/1623.

(2) نفس المصدر. و(يؤتى) أي تأتيه الملائكة وينزل عليه الوحي.  
 

256 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ).

وقد اعترف جمع من علماء أهل السنة بأن المراد بالاستمتاع في الآية نكاح المتعة.

قال القرطبي: وقال الجمهور: المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام. وقرأ ابن عباس وأُبَيّ وابن جبير: ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن )، ثم نهى عنها النبي (ص) (1).

وقال الطبري: وقال آخرون: بل معنى ذلك: فما تمتّعتم به منهن بأجرٍ تمتُّعَ اللذة، لا بنكاح مطلق على وجه النكاح الذي يكون بوليٍّ وشهود ومهر. ذِكْر من قال ذلك: حدثنا محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن مفضل قال: ثنا أسباط عن السدي: ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة )، فهذه المتعة، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمَّى، ويُشهد شاهدين، وينكح بإذن وليِّها، وإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل، وهي منه بريَّة، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها، وليس بينهما ميراث، ليس يرث واحد منهما صاحبه.

حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ ) قال: يعني نكاح المتعة.

حدثنا أبو كريب قال: ثنا يحيى بن عيسى قال: ثنا نصير بن أبي الأشعث قال: ثني حبيب بن أبي ثابت عن أبيه قال: أعطاني ابن عباس مصحفاً، فقال: هذا على قراءة أُبَيّ. قال أبو بكر: قال يحيى: فرأيت المصحف عند نصير، فيه: ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ).

 

(1) الجامع لأحكام القرآن 5/129.

 
 

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 257

حدثنا حميد بن مسعدة قال: ثنا بشر بن المفضل قال: ثنا داود عن أبي نضرة قال: سألتُ ابن عباس عن متعة النساء، قال: أما تقرأ سورة النساء؟ قال: قلت: بلى. قال: فما تقرأ فيها ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمَّى )؟ قلت: لا، لو قرأتُها هكذا ما سألتك. قال: فإنها كذا...

حدثنا ابن المثنى قال: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة عن أبي سلمة عن أبي نضرة قال: قرأتُ هذه الآية على ابن عباس (فما استمتعتم به منهن)، قال ابن عباس: (إلى أجل مسمَّى). قال: قلت: ما أقرؤها كذلك. قال: والله لأنزلها الله كذلك (ثلاث مرات)...

حدثنا ابن بشار قال: ثنا عبد الأعلى قال: ثنا سعيد عن قتادة قال: في قراءة أُبَي ابن كعب (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى).

حدثنا محمد بن المثنى قال: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة عن الحكم قال: سألته عن هذه الآية ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ) إلى هذا الموضع (فما استمتعتم به منهن) أمنسوخة هي؟ قال: لا. قال الحكم: قال علي رضي الله عنه : لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي.

حدثني المثنى قال: ثنا أبو نعيم قال: ثنا عيسى بن عمر القارئ الأسدي عن عمرو بن مرة أنه سمع سعيد بن جبير يقرأ ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن ) (1).

قلت: يتضح من هذا كله أن المراد بهذه الآية هي نكاح المتعة، وادِّعاء نسخها بالسنة غير تام، وذلك لتعارض الأخبار بين مُثبِتٍ ونافٍ لهذا النكاح، فلا يصح نسخ الآية المحكمة بأخبار متعارضة.

وأما ما قاله الكاتب من ثبوت تحريم المتعة بالسنة فقد ذكرنا فيما تقدَّم

 

(1) تفسير الطبري 5/9-10.

 
 

258 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

الأحاديث الصحيحة التي رواها أهل السنة الدالة على حلّيتها، فراجع.

وأما ما نقله الكاتب عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، واستدل به على حرمة نكاح المتعة، فإنه نقل رواية واحدة ضعيفة السند معارضة بروايات متواترة صحيحة، فكيف يصح طرح المتواتر من أجل رواية ضعيفة؟!

وأما الروايات الأخرى التي بترها الكاتب ليوهم القارئ أنها تدل على تحريم المتعة، فقد ذكرناها كاملة وأوضحنا المراد منها، وبيَّنَّا أنها دالَّة على حلّية نكاح المتعة لا على حرمته.

وبهذا يتضح عدم تمامية كل ما تمسَّك به الكاتب في الاستدلال على حرمة المتعة مع خياناته الكثيرة بتقطيع الأحاديث بما يخل بمعناها، ويغيِّر المراد منها.

قال الكاتب : إن من المعلوم أن دين الإسلام جاء ليحث على الفضائل وينهي عن الرذائل ، وجاء ليحقق للعباد المصالح التي تستقيم بها حياتهم ، ولا شك أن المتعة مما لا تستقيم بها الحياة، إن حققت للفرد مصلحة واحدة ـ افتراضاً ـ فإنها تسبب له مفاسد جمة أجملناها في النقاط الماضية.

وأقول: لا ريب في أن نكاح المتعة ليس من الرذائل الخُلُقية، وذلك لأنه نكاح جامع لشرائط النكاح الصحيح، بمهر وعقد وعِدَّة وتراضٍ من الرجل والمرأة، مع لزوم كونه بإذن الولي إن كانت المرأة بكراً، واستحبابه إن كانت ثيباً، ومع لحوق الأنساب به، وإمكان النفقة والتوارث مع الشرط فيه.

فكل خصائص النكاح الدائم متوفرة في نكاح المتعة، اللهم إلا أن النكاح الدائم ينقضي بالطلاق، ونكاح المتعة ينتهي بانقضاء المدّة المسمّاة، وأن النكاح الدائم يجب فيه الإنفاق على الزوجة، ويترتب عليه التوارث بين الزوجين، بخلاف نكاح

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 259

المتعة، وهذه الفروق لا تجعل نكاح المتعة رذيلة أو سفاحاً، وقد مرَّ الكلام في ذلك مفصلاً، فراجعه.

ولو كان نكاح المتعة رذيلة لما أباحها الإسلام مراراً كما أثبتوه في كتبهم وأقرُّوا به، ولما فعلها أجلاء صحابة رسول الله (ص) أمثال جابر بن عبد الله الأنصاري وغيره.

ثم إن نكاح المتعة لو لم تكن فيه مصالح مهمة لما أباحه الإسلام مراراً بزعمهم، وحسبك أنه يحد من تفشّي الزنا وانتشاره في البلاد الإسلامية، كما مرَّ في كلام أمير المؤمنين عليه السلام وابن عباس من أنه لولا نهي عمر عن المتعة لما زنا إلا شقي. وذلك لأنه لولا تحريم المتعة لما كانت هناك أسباب داعية للزنا والفساد، ولو كانت المتعة محلَّلة عندهم لما زنا منهم إلا أراذلهم، وهو واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.

وأما المفاسد التي زعمها الكاتب فقد أجبنا عليها مفصلاً وأوضحنا فسادها فيما تقدم، فراجعها.

 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب