340
............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
|
قال الكاتب: ولنأخذ فَتوَيَيْنِ لِعَلَمَيْنِ من أعلام المنهج الشيعي هما:
الشيخ المفيد والشيخ الطوسي، قال الشيخ المفيد: قد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك - أي الخمس - عند الغيبة، وقد ذهب كل فريق منهم
إلى مقال (ثم يذكر عدد المقالات) منها قوله: منهم من يسقط قول إخراجه لغيبة الإمام
(1)، وما تقدم من الرخص فيه من الأخبار،
وبعضهم يوجب كنزه - أي دفنه - ويتأول خبراً ورد: ( أن الأرض تظهر كنوزها عند
ظهور الإمام ، وأنه إذا قام دلَّه الله على الكنوز فيأخذها من كل مكان ) ثم يختار
قولاً منها فيقول:
يُعْزَلُ الخمس لصاحب الأمر - يعني المهدي - فإن خشي إدراك الموت قبل ظهوره
وَصَّى به إلى مَن يثق به في عقله وديانته حتى يسلم إلى الإمام إن أدرك قيامه،
وإلا وَصَّى به إلى من
يقوم مقامه بالثقة والديانة، ثم على هذا الشرط إلى أن
يقوم الإمام، قال: وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم، لأن الخمس حق لغائب
لم يرسم فيه قبل غيبة
(2) رسماً يجب الانتهاء إليه.
|
(1) يعني إذا كان الإمام غائباً
فلمن يعطيه؟ (حاشية من الكاتب).
|
(2) كذا في نسخة الكتاب، وفي المصدر: غيبته. |
|
|
الخمــس ........................................................................................
341 |
ثم قال: ويجري ذلك مجرى الزكاة التي يقدم
(1)
عند حلولها مستحقّها، فلا يجب عند
ذلك سقوطها، وقال: إذا ذهب ذاهب الى ما ذكرناه من شطر الخمس الذي هو خالص
للإمام، وجعل الشطر الآخر لأيتام آل محمد وأبناء سبيلهم ومساكينهم على ما جاء
في القرآن.
قال: من فعل هذا لم تبعد إصابته الحق في ذلك بل كان على صواب، وإنما اختلف
أصحابنا في هذا الباب. انظر المقنعة ص 46.
وأقول: ما نقله عن الشيخ المفيد صحيح
(1)، وهذا هو مذهبه في الخمس، وهو على نحو
الإجمال أنه يجب على المكلَّف أن يخرج خمس مكاسبه وفاضل مؤونته، ويدفع نصف
الخمس
إلى الأصناف الثلاثة من اليتامى والمساكين وأبناء السبيل، وأما النصف
الآخر الخاص بالإمام عليه السلام فيجب عليه حفظه إلى حين خروجه، فإذا قرب موت المكلف أوصى
به إلى رجل مأمون يدفعه للإمام عليه السلام إذا أدرك خروجه، وهكذا.
وهو دالٌّ بوضوح على القول بوجوب دفع الخمس في زمان الغيبة وعدم العفو عنه، وقد
صرَّح قدس سره بذلك قبل هذا الكلام، فإنه بعد أن نقل الأخبار الدالة على التحليل
والإباحة والأخبار
الدالة على لزوم دفعه، قال: واعلم أرشدك الله أن ما قدَّمتُه
في هذا الباب من الرخصة في تناول الخمس والتصرف فيه إنما ورد في المناكح خاصّة،
للعلّة التي سلف ذكرها في الآثار عن
الأئمة عليهم السلام، لتطيب ولادة شيعتهم، ولم يَرِد
في الأموال، وما أخَّرته (3)
عن المتقدِّم مما جاء في التشديد في الخمس
والاستبداد به فهو يختص بالأموال
(4).
|
(1) كذا في نسخة الكتاب، وفي
المصدر: يُعْدَم.
(2) تجد كلامه مفصّلاً في المقنعة، ص 285.
(3) أي وأخبار وجوب دفع الخمس التي أخَّرتُ ذكرها عن أخبار الإباحة هي
كلها واردة في الأموال لا في المناكح.
(4) المقنعة، ص 285. |
|
|
342
............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
هذا هو رأي المفيد قدس سره ، وهو على الكاتب لا له.

قال الكاتب: وقال الشيخ الطوسي المتوفي 460 هـ مؤسس الحوزة النجفية وأول زعيم
لها: بعد أن ذكر أحكام الخمس قال: هذا في حال ظهور الإمام
(1).
ثم قال: فأما في حال الغيبة فقد رَخَّصُوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم من المناكح
والمتاجر والمساكن. فأما ما عدا ذلك فلا يجوز التصرف فيه على حال، وما يستحقونه
من الأخماس في
الكنوز وغيرها في حال الغيبة، فقد اختلف قول أصحابنا فيه، وليس
نص معين
(2)
إلا أن كل واحد منهم ـ أي فقهاء الشيعة ـ قال قولاً يقتضيه
الاحتياط.
وأقول: مع أن الكاتب لم يذكر مصدر كلام الشيخ الطوسي
قدس سره إلا أن هذا الكلام قاله
الشيخ في كتابيه (المبسوط) و(النهاية)، وهذا نص كلامه قدس سره :
وأما حال الغيبة فقد رخَّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم فيما يتعلق بالأخماس
وغيرها مما لا بدّ له من المناكح والمتاجر والمساكن، فأما ما عدا ذلك فلا يجوز
التصرّف فيه على حال، وما يستحقّونه من الأخماس في الكنوز والمعادن وغيرهما
|
(1) للكاتب حاشية في هذا الموضع هي: يعني ذلك أن الخمس في حال ظهور
الإمام له حكم، وفي حال غيبة الإمام أو عدم تمكنه فله حكم آخر.
وأقول: كلام الشيخ في كتابه
المبسوط 1/263 إنما هو في الأنفال، لا في
الخمس، فراجعه. ثم إنه لا فرق في وجوب الخمس بين حال ظهور الإمام
عليه السلام
وحال غيبته، وإنما اختلاف الحكم إنما هو في كيفية التصرف في الخمس في
حال الغيبة.
(2) للكاتب حاشية في هذا الموضع، وهي: قوله: (لعدم وجود نص معين) فيه
نظر، ذلك أن هناك نصوصاً كثيرة في إباحة الخمس للشيعة في زمن الغيبة،
وقد أسلفنا بعضها.
وأقول: مراد الشيخ الطوسي هو أنه لا نص في كيفية التصرف في سهم الإمام
عليه السلام
في زمن الغيبة، لا أنه لا نصَّ في وجوب الخمس في زمان الغيبة. |
|
|
الخمــس ........................................................................................
343 |
في
حال الغيبة فقد اختلف أقوال الشيعة في ذلك، وليس فيه نصٌّ معيَّن، فقال بعضهم:
إنه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر، وهذا لا يجوز
العمل عليه، لأنه ضد الاحتياط، وتصرّف في مال الغير بغير إذن قاطع.
وقال قوم: إنه يجب حفظه ما دام الإنسان حيًّا، فإذا حضرته
الوفاة وصَّى به إلى من يثق به من إخوانه، ليُسلَّم إلى صاحب الأمر عليه السلام إذا ظهر، ويوصي به كما وُصِّي إليه، إلى
أن يصل إلى صاحب الأمر.
وقال قوم: يجب دفنه، لأن الأرضين تخرج كنوزها عند قيام
القايم. وقال قوم: يجب أن يقسَّم الخمس ستة أقسام، فثلاثة أقسام للإمام، يُدفَن
أو يودَع عند من يوثق بأمانته، والثلاثة أقسام الأخر تُفرَّق على أيتام آل محمد
ومساكينهم وأبناء سبيلهم، لأنهم المستحقون لها وهم ظاهرون.
وعلى هذا يجب أن
يكون العمل، لأن مستحقها ظاهر، وإنما المتولي لقبضها أو تفرّقها [وهو الإمام
عليه السلام]
ليس بظاهر، فهو مثل الزكاة في أنه يجوز تفرّقها، وأنه يجوز تفرقة الخمس مثل
الزكاة إذا كان المتولي عليه السلام لقبضها ليس بظاهر بلا خلاف، وقد تقدم في بحث الزكاة،
وإن كان الذي يجيء
(1)
حمل الصدقات إليه ليس بظاهر، وإن عمل عامل
على واحد من
القسمين الأولين من الدفن أو الوصاية لم يكن به بأس. فأما القول الأول فلا يجوز
العمل به على حال
(2).
هذا تمام كلامه قدس سره، وقد نقلناه بطوله ليرى القارئ العزيز
أن الكاتب قد حرَّف
كلام الشيخ الطوسي، ونسب إليه ما لم يقله، وسيأتي قريباً مزيد بيان، فانتظر.

قال الكاتب: ثم حصر الطوسي هذه الأقوال في أربعة:
1- قال بعضهم إنه جار في حال الاستتار مجرى ما أُبيح لنا من المناكح والمتاجر -
يعني طالما كان الإمام غائباً أو مستتراً فكل شيء مباح - وهذا هو أصح الأقوال
لأنه
|
(1) كذا في المطبوعة، والظاهر هو:
وإن كان الذي يُجْبَى حمل الصدقات إليه... الخ.
(2) المبسوط 1/263.
النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، ص 200. |
|
|
344
............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
موافق للنصوص الواردة عن الأئمة، وبه قال كثير من الفقهاء.
2- وقال قوم أنه يجب الاحتفاظ به أو حفظه ما دام الإنسان حياً، فإذا حضرته
الوفاة وَصَّى به إلى مَن يثق به من إخوانه المؤمنين ليسلمه إلى صاحب الأمر إذا
حضر، أو يوصى به حسبما وصى به إلى أن يوصله إلى صاحب الأمر.
3- وقال قوم: يجب دفنه لأن الأَرَضِينَ تُخِرجُ كنوزها عند خروج القائم.
4- وقال قوم: يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام: ثلاثة أقسام للإمام تُدْفَنُ أو
تُوَدع عند مَن يُوثَق به، وهذا القول قد اختاره الطوسي.
والأقسام الثلاثة الأخرى توزع على مستحقيها من أيتام آل محمد . ومساكينهم
وأبناء سبيلهم، وهذا مما ينبغي العمل عليه.
وهذا القول مطابق لفتوى المفيد في قياس الخمس على الزكاة.
ثم يقول: (ولو أن الإنسان استعمل الاحتياط، وعمل على أحد الأقوال المقدم ذكرها
من إجزاء الدفن، أو الوصاة لم يكن مأثوماً) انتهى بتصرف يسير.
وأقول: لقد اتضح من كلام الشيخ الطوسي قدس سره أنه لا يرتضي القول الأول وهو القول
بإباحة الخمس للشيعة، حيث قال : ( وهذا لا يجوز العمل عليه، لأنه ضد الاحتياط،
وتصرّف في مال الغير بغير إذن قاطع ).
مع أن الكاتب زعم النقل عن الشيخ أو أوهم القارئ أن الشيخ قال: ( وهذا هو أصح
الأقوال، لأنه موافق للنصوص الواردة عن الأئمة، وبه قال كثير من الفقهاء ).
وهذا دليل واضح يضاف إلى ما سبق من أن الكاتب ليس أميناً في نقله، وليس صادقاً
في نفسه، لأنه اعتمد تزوير النصوص وتحريف الكلام والكذب والافتراء، وليس هذا
دأب طالب الحق.

الخمــس ........................................................................................
345 |
قال الكاتب:
لقد حصر الشيخ الطوسي التصرف في الخمس حال الغيبة في هذه الأقوال
الأربعة المتقدمة، واختار هو القول الرابع منها
(1) ، وبين أن الإنسان إذا اختار
أي قول من هذه الأقوال وعمل به لم يكن آثماً.
وأقول: إن الشيخ الطوسي قدس سره لم يجوِّز العمل بالقول الأول كما مرَّ ، حيث قال بعد
اختيار القول الرابع: ( وإن عمل عامل على واحد من القسمين الأولين من الدفن أو
الوصاية
لم يكن به بأس، فأما القول الأول فلا يجوز العمل به على حال )، ومع ذلك
فإن الكاتب حرَّف كلام الشيخ، ونسب إليه جواز العمل بالأقوال الأربعة التي من
ضمنها القول الأول، وهو القول بإباحة الخمس للشيعة في حال الحضور والغيبة.
فمرحباً بهذا الكاتب الذي اعتمد في انقلابه إلى مذهب أهل السنة ـ بزعمه ـ على
اختلاق الأكاذيب والافتراءات وتحريف النصوص، وهنيئاً لأهل السنة بهكذا قوم لا
يتسنَّنون ـ بزعمهم ـ إلا بسلوك المعاصي الكبيرة والرذائل العظيمة.

قال الكاتب: ونحن نلاحظ هذه الأقوال الأربعة، فهي وإن اختلف بينها في بعض
التفاصيل لكنها أجمعت على شيء واحد نحن بصدد بيانه وهو أن هذه الأموال - أي
الخمس - التي هي حق الإمام الغائب، أو حق غيره لا تُصْرَفُ للسادة، ولا
المجتهدين.
رغم أن الأقوال الأربعة المتقدمة اختلفت من جهة صرف أموال الخمس إلا أنها ليس
فيها تلميح فضلاً عن التصريح بوجوب وإباحة إعطاء الخمس أو جزء منه للسادة
والمجتهدين.
وأقول: إنَّ صَرْف نصف الخمس على يتامى آل محمد ومساكينهم وأبناء
|
(1) وهو قول كثير من الفقهاء.
(حاشية من الكاتب). |
|
|
346
............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
سبيلهم هو
صَرْف على السَّادة ، لأن السَّادة هم المنتسبون للنبي (ص) ، وهؤلاء لهم شطر الخمس
كما مرَّ، فهل يريد الكاتب تصريحاً أكثر من هذا التصريح؟!
إلا أن عذر الكاتب الذي يزعم كذباً وزوراً أنه
سيِّد هو أنه لا يعرف المعنى الصحيح لهذه الكلمة، فهو يظن كما ألمحنا إليه فيما
تقدَّم أن الشيعة يريدون بالسيِّد: (العالِم الديني)، ولهذا نراه يطلق على العلماء سادة، وكل عالم عنده سيِّد، فصار يخبط
خبط عشواء، ويصف كل شيخ بأنه سيّد، حتى رفع وصف (الشيخ) من قاموسه المليء
بالأغلاط الفاضحة والأخطاء المكشوفة، وهذا واضح في كل كلماته التي مرَّت ويأتي غيرها،
إلا أن كلمته هنا صريحة في الدلالة على هذا المعنى.
فهل يعقل من رجل يزعم أنه ينتسب للنبي (ص) ويطلق على نفسه اسم (السيد حسين
الموسوي) ولا يعرف معنى كلمة (سيّد)، ولا يعرف أن السَّادة هم المنتسبون للنبي
(ص) ؟
والحاصل أن الشيخ وغيره صرَّحوا في كلماتهم المزبورة أن نصف الخمس لأيتام
السَّادة ومساكينهم وأبناء سبيلهم، وقد نقلنا فيما مرَّ بعض كلماتهم الدالّة
على ذلك فراجعها.
ولا بأس بالتذكير بما قاله الشيخ صاحب الجواهر قدس سره في هذه المسألة، فإنه قال: (و)
أما ما (قيل) من أنه (يُصرَف النصف إلى مستحقِّيه
(1)، ويُحفَظ ما يختص به
(2)
بالوصاية أو
الدفن) فهو جيد جداً بالنسبة للشق الأول منه
(2)، موافق للمشهور بين
الأصحاب قديماً وحديثاً نقلاً وتحصيلاً إن لم يكن المجمع عليه، وللأصول والكتاب
والسُّنة التي قد علمت قصور أخبار
التحليل عن مقاومتها، بل يجب تنزيلها على ما
ذكره غير واحد ناقلاً له عن الأصحاب من إباحة المناكح أو هي والقسمين
|
(1) وهم الأصناف الثلاثة: اليتامى
والمساكين وأبناء السبيل من السَّادة الكرام.
(2) أي بالإمام المعصوم عليه السلام.
(3) وهو صرف نصف الخمس إلى الأصناف الثلاثة من السادة الكرام.
|
|
|
الخمــس ........................................................................................
347 |
الآخرين
معها
(2).
وكلامه قدس سره صريح في أن صرف نصف الخمس للسَّادة الكرام هو المشهور عند العلماء
قديماً وحديثاً إن لم يكن مجمعاً عليه.
فكيف يزعم الكاتب إجماع العلماء على أن الخمس لا يدفع إلى السَّادة؟!
وأما دفعه للمجتهدين فيمكن إيضاحه بأمور:
1- أنه قد مرَّ نقل أقوال علماء الطائفة وتصريحهم بأنه يجب دفع حق الإمام عليه
السلام
للفقيه العدل المأمون الجامع لشرائط الفتوى، فراجعها.
وعلة ذلك أن العلماء ـ رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين ـ هم المأمونون
عليه، العارفون بصرفه في مصارفه الصحيحة، دون غيرهم.
2- أن التصرُّف في سهم الإمام عليه السلام في زمن الغيبة مسألة اجتهادية، وكانت وما زالت
مسرحاً لآراء الفقهاء والمجتهدين.
ولئن كانت الأقوال في زمن الشيخ الطوسي أربعة فلا يمنع ذلك من تجدّد آراء أخر
في العصور اللاحقة لزمان الشيخ قدّس الله نفسه.
وقد نقلنا ما قاله صاحب الجواهر قدس سره من أنه يجب التصرف فيه بما يُحرَز به
رضا الإمام الغائب عجَّل الله فرجه الشريف، وذلك لأن دفنه إتلاف له، والوصاية
به تعريض له
للتلف، وكلاهما غير جائزين، فتعين التصرف فيه بالنحو المذكور، وهذا القول هو
القول الذي استقرَّت عليه آراء المتأخرين، لأنه أسد الآراء وأصوبها.
قال المحقق الخوئي قدس سره: الأقوال في تعيين الوظيفة بالإضافة إلى سهم الإمام
عليه السلام
كثيرة، وأكثرها واضحة الضعف، بل غير قابلة للتعرّض، كالقول بوجوب دفنه إلى أن
يظهر
الحجة عجل الله تعالى فرجه ويستخرجه، أو القول بوجوب عزله وإيداعه
والإيصاء به عند ظهور أمارات الموت، أو القول بإلقائه في البحر، ونحو
348
............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
ذلك مما
يستلزم ضياع المال وإتلافه والتفريط فيه، ولا سيما بالنسبة إلى الأوراق النقدية
مما ليست بذهب ولا فضة، إذ كيف يمكن إيداعها والاحتفاظ عليها ، ولربما تبلغ من
الكثرة الملايين، إلا أن تُودَع في المصارف الحكومية التي هي تحت
سيطرة الأيادي الجائرة، فتكون وقتئذ إلى الضياع أقرب وبالوبال أنسب، وليس من
بين تلك الوجوه والأقوال ـ بعد البناء على عدم السقوط والإباحة فإن ذلك أمر آخر سيأتي التعرّض له في
خاتمة بحوث الخمس إن شاء الله تعالى ـ ما يستأهل البحث إلا وجهين.
وبعد أن ذكر الوجه الأول قال:
ثانيهما: أن يُصرف في موارد يُحرَز فيها رضا الإمام عليه
السلام قطعاً أو اطميناناً ، بحيث
كان الصرف في تلك الجهة مرضيًّا عنده، كالمصالح العامّة، وما فيه تشييد قوائم
الدين ودعائم الشرع المبين، وبث الأحكام، ونشر راية الإسلام التي مِن أبرز
مصاديقها في العصر الحاضر إدارة شؤون الحوزات العلمية ومؤونة طلبة العلوم
الدينية، وهذا هو الصحيح
(1).
3- أن كثيراً من العلماء وطلبة العلم المنتسبين للذرية الطاهرة ينطبق عليهم أحد
الأوصاف الثلاثة التي بها يستحقون قبض الخمس والتصرف فيه، وهو كونهم فقراء
محتاجين، فإنهم نذروا أنفسهم لطلب العلم، وصرفوا أعمارهم في تعلّم وتعليم فقه
آل محمد، وليست لهم صنعة يتكسبون بها، أو أموال يتعيشون بها.
فإذا كانوا كذلك جاز للمكلف أن يسلِّمها لهم، وجاز لهم صرفها في مصارفهم
الخاصة.
ولقد علمتُ أن بعض مراجع الدين وحفظة شريعة سيِّد المرسلين تمر عليه الأيام
الكثيرة التي لا يملك فيها قوت يومه، فيتملك لنفسه بعضاً من الحقوق الشرعية
التي في حوزته باعتبار أنه أحد مصارف الخمس، ثم يهبها إلى طلبة العلم
|
(1) مستند العروة الوثقى (كتاب
الخمس)، ص 325. |
|
|
الخمــس ........................................................................................
349 |
الذين لا
ينتسبون للذرية الطاهرة.

قال الكاتب: إن القول الرابع والذي اختاره الشيخ الطوسي هو الذي كان عليه
الشيعة والطوسي كما لا يخفى هو مؤسس الحوزة العلمية وهو شيخ الطائفة.
ترى أكان الشيخ وجماهير الشيعة في عصره وقبله وبعده مخطئين؟
وأقول: إذا كان القول الرابع هو الذي عليه الشيعة فلمَ زعم الكاتب فيما تقدَّم
أن علماء الشيعة كلهم أو جلّهم قالوا بإباحة الخمس للشيعة في حال الحضور
والغيبة؟
فإنهم إذا كانوا يقولون بلزوم الوصاية بالخمس لتسليمه لصاحب الزمان عليه السلام فلازمه
أنهم لا يرون إباحته، ويرون وجوب دفعه، فالحمد لله الذي كشف زيفه، وأوضح للقارئ
الكريم تهافت كلامه.
وأما قوله: ( ترى أكان الشيخ وجماهير الشيعة في عصره وقبله وبعده مخطئين ؟ ).
فيردّه أن ذهاب المتأخرين في مسألة إلى خلاف ما كان يقوله المتقدّمون لا يعني
أن المتقدّمين كانوا مخطئين فيها، فإن الفقيه يلزمه اتباع الدليل الصحيح وكفى ،
ولعلَّ الدليل الصحيح قد وصل إلى المتقدمين ولم يصل إلى من جاء بعدهم، والواجب
هو العمل بالدليل الواصل وبما هو حجة معتبرة، والشهرة عند المتقدمين ليستْ
دليلاً صحيحاً يجب اتباعه، ما لم تكن تلك الشهرة مستلزمة للعلم بالحكم الشرعي،
كأن تكون متصلة بعصور الأئمة عليهم السلام، بحيث يُعلم أن العلماء المتقدمين قد أخذوا
الحكم المشهور عندهم عن الأئمة عليهم السلام يداً بيد وطبقة بعد طبقة.
ولو سلَّمنا بأن مخالفة المتقدِّمين تستلزم تخطئتهم، فإن تخطئتهم في المسائل
الاجتهادية والفتاوى الفقهية لا محذور فيها، ولهذا خالف المتأخرون المتقدّمين
في
350
............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الأول |
مسائل كثيرة رأوا أن الدليل على ما ذهب إليه المتقدّمون غير تام عندهم، وهذا
لا يستلزم تضليلاً ولا جرحاً كما هو واضح، وذلك لأن علماء المسلمين كلهم
سُنَّةً وشيعة قد اختلفوا في أكثر المسائل الفقهية، ولم يحكموا بتضليل المخالف
لهم كما لا يخفى.

|