108 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

قال الكاتب : وعن أمير المؤمنين أنه أتى رسول الله (ص) وعنده أبو بكر وعمر قال: ( فجلستُ بينه وبين عائشة، فقالت عائشة: ما وجدتَ إلا فخذي وفخذ رسول

الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت ............................................................. 109

الله ؟ فقال: مه يا عائشة ) البرهان في تفسير القرآن 4/225.

وأقول : هذه الرواية ضعيفة السند جداً ، فإنها مشتملة على مجموعة من المجاهيل: منهم أبو محمد الفحام، وعمّه (وهو عمر بن يحيى)، وإسحاق بن عبدوس، ومحمد بن بهار بن عمار.

وأما متن الحديث فلا دلالة فيه على ما ساقه الكاتب لأجله، وأمير المؤمنين عليه السلام لم يسئ الأدب في حضرة رسول الله (ص)، ولم يفعل ما يشينه أو يشين رسول الله (ص)، وجلوسه بين النبي (ص) وبين عائشة لا يدلّ بأية دلالة على ضيق المكان بينهما وملامسة جسمه لجسم النبي (ص) أو لجسم عائشة، وكلام عائشة لا قيمة له، لأنه ناشئ من غيرتها من أمير المؤمنين عليه السلام ، ومن ضيقها من جلوسه بينها وبين رسول الله (ص)، لا أكثر من ذلك ولا أقل.

ومن الطريف أن الكاتب الذي ساق هذا الحديث للتدليل على أن الشيعة يطعنون في رسول الله (ص)، قد ذكر صدر الحديث، وبتر ذيله ولم يكمله، لأنه قد ساءه ما جاء في ذيله من مدح أمير المؤمنين عليه السلام وذم عائشة، وهو قول النبي (ص): مه يا عائشة، لا تؤذيني في علي، فإنه أخي في الدنيا، وأخي في الآخرة، وهو أمير المؤمنين، يجلسه الله يوم القيامة على الصراط، فيدخل أولياءه الجنة، وأعداءه النار.

فلا ندري بعد هذا كيف استفاد الكاتب اشتمال هذا الحديث على الطعن في رسول الله (ص) ؟!

قال الكاتب: وجاء مرة أخرى فلم يجد مكاناً ، فأشار إليه رسول الله: ههنا - يعني خلفه - وعائشة قائمة خلفه وعليها كساء: فجاء علي رضي الله عنه فقعد بين رسول الله وبين عائشة، فقالت وهي غاضبة: ( ما وجدتَ لإسْتِكَ - دُبُرَكَ أو مُؤَخِّرَتِكَ - مَوْضعاً غير حجري؟ فغضبَ رسولُ الله، وقال: يَا حُميراء، لا تؤذيني في أخي ) كتاب

110 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

سليم بن قيس ص 179.

وأقول : هذا الحديث كسابقه لا يدل على الطعن في رسول الله (ص) بأية دلالة، وكل ما فيه هو ما قالته عائشة لأمير المؤمنين عليه السلام بداعي غيرتها منه عليه السلام كما قلنا في الحديث السابق، وإلا فلا دلالة في الحديث على أن أمير المؤمنين عليه السلام مسَّ عائشة، أو فعل ما يتنافى مع الأدب، وإنما كان ممتثلاً لأمر النبي (ص) في اختيار المكان الذي جلس فيه.

وقد ساء الكاتب هنا أيضاً أن يكمل الحديث ويذكر ما فيه من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا يكشف عن دخيلته السُّنّية التي يسوؤها ذكر أي منقبة لأهل البيت عليهم السلام عامة، ولأمير المؤمنين عليه السلام خاصة.

وتكملة الحديث هي : وقال: مه يا حميراء، لا تؤذيني في أخي علي، فإنه أمير المؤمنين، وسيِّد المسلمين، وصاحب لواء الحمد، وقائد الغُرِّ المحجَّلين يوم القيامة، يجعله الله على الصراط، فيقاسم النار، فيُدخل أولياءه الجنة، ويُدخل أعداءه النار.

والطريف أنه حرف الحديث أي تحريف، فحذف جملة : ( والبيت غاصٌّ بأهله، فيهم الخمسة أصحاب الكتاب، والخمسة أصحاب الشورى)، وحذف دفع عائشة لأمير المؤمنين عليه السلام، وحذف الأوصاف التي وصف بها النبي (ص) عليًّا عليه السلام.

فتأمل رحمك الله في هذه التحريفات المقصودة التي تنم عما في نفس الرجل نحو أمير المؤمنين عليه السلام.

قال الكاتب : وروى المجلسي أن أمير المؤمنين قال: ( سافرت مع رسول الله (ص) ، ليس له خادم غيري ، وكان معه لحاف ليس له غيره، ومعه عائشة، وكان رسول الله ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره، فإذا قام إلى الصلاة - صلاة الليل - يحط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف

الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت ............................................................. 111

الفراش الذي تحتنا ) بحار الأنوار 40/3.

وأقول : هذه الرواية ضعيفة السند ، لأنها مروية في كتاب الاحتجاج مرسلة عن كتاب سليم بن قيس.

وهي كما سبقها لا تدل على طعن في رسول الله (ص) ، فإن الكاتب توهَّم أن الفراش كان ضيِّقاً حتى صار أمير المؤمنين عليه السلام قريباً من عائشة، مع أن الحديث لا يدل على ذلك، ويدل على سعة اللحاف أنه من غير المحتمل أن ينام النبي (ص) في فراش وهو ملتصق بجسم عائشة ومعهما رجل آخر.

ومنه يتضح أن اللحاف كان واسعاً، وأن الفاصلة بين علي عليه السلام وبين عائشة كانت واسعة، وترك النبي (ص) لعلي وعائشة على الحال الموصوفة في الحديث لا محذور فيه ولا غضاضة، فإن أمير المؤمنين عليه السلام لا يُتَّهم باختلاس سمع ولا نظر ، ولا أحد أحرص منه على رعاية جانب رسول الله (ص) وصيانة عرضه، وكل ما يقال بعد هذا فهو من فضول الكلام الذي لا نفع فيه.

على أن أهل السنة قد رووا في كتبهم ما يشبه هذه الحادثة، فقد أخرج الحاكم النيسابوري في مستدركه وصحَّحه، وابن أبي عاصم في كتاب السنة وغيرهما ، بسندهما عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: أرسلني رسول الله (ص) في غداة باردة، فأتيته وهو مع بعض نسائه في لحافه، فأدخلني في اللحاف، فصرنا ثلاثة.
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي
(1).

وأخرج الهيثمي في مجمع الزوائد عن الزبير قال: بعثني رسول الله (ص) في ليلة باردة أو في غداة باردة، فذهبت ثم جئت ورسول الله (ص) معه بعض نسائه في لحاف، فطرح عليَّ طرف ثوبه أو طرف الثوب (2).

 

(١) المستدرك على الصحيحين ٣/ ٤١٠ , ط حيدرآباد ٣/ ٣٦٤ . كتاب السنة ٢/ ٥٩٧ .
(٢) مجمع الزوائد ٩/ ١٥٢ . مسند البزار ٣/ ١٨٣ .

 
 

112 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

قال الكاتب : هل يرضى رسول الله أن يجلس علي في حجر عائشة امرأته ؟ ألا يغار رسول الله (ص) على امرأته وشريكة حياته إذا تركها في فراش واحد مع ابن عمه الذي لا يُعْتَبَرُ من المحارم ؟ ثم كيف يرتضي أمير المؤمنين ذلك لنفسه ؟!

وأقول : إن الأحاديث السابقة لا دلالة فيها على أن عليًّا عليه السلام جلس في حجر عائشة، حتى تأتي غيرة النبي عليه السلام كما قال الكاتب.

وأما تركهما بالحالة المذكورة في الحديث فليس تركاً لهما في فراش واحد، وإنما كان اللحاف واسعاً، وكانت بينهما فاصلة واسعة كما أوضحناه فيما تقدم.

وأمير المؤمنين عليه السلام وإن لم يكن من محارم عائشة إلا أنه لا يُتَّهم معها بسوء، وهذا كاف في تجويز وقوع مثل هذا الفعل من رسول الله (ص)، فإنه (ص) لا يتَّهم عائشة ولا أمير المؤمنين عليه السلام بأية تهمة، فما هو المحذور حينئذ؟

 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب