218 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

قال الكاتب: إن المفاسد المترتبة على المتعة كبيرة ومتعددة الجوانب:
1- فهي مخالفة للنصوص الشرعية لأنها تحليل لما حَرَّمَ الله.

وأقول: لقد روى الشيعة وأهل السنّة في كتبهم أحاديث صحيحة كثيرة دالة على حلّية نكاح المتعة، وذكروا أن آية من القرآن دلّت عليها، وهي قوله تعالى ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) (1)، ولا أحد ينكر ذلك منهم، غاية ما في الأمر أن أهل السنة يدَّعون تحريم نكاح المتعة بعد ذلك، ويدَّعون نسخ الآية المحكمة بالأحاديث المتعارضة.

ومنه يتضح أن القول بحلّية المتعة هو تحليل لما أحلّه الله سبحانه، وأما تحريمها فهو صادر من عمر بن الخطاب كما دلّت على ذلك الآثار المروية في كتب أهل السنة التي نقلنا للقارئ الكريم بعضها فيما تقدم.

قال الكاتب: 2- لقد ترتب على هذا اختلاق الروايات الكاذبة، ونسبتها إلى الأئمة عليهم السلام مع ما في تلك الروايات من مطاعن قاسية لا يرضاها لهم مَن كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان.

وأقول : إن الكاتب لم يُقِم ولا دليلاً واحداً على أن تلك الأحاديث المروية عن الأئمة عليهم السلام كانت مختلَقة، بل ليس عنده على اختلاقها إلا دليل واحد، وهو أن أحاديث المتعة مخالفة لما عليه أهل السنة، ومخالفة لحديث ضعيف مروي في كتب الشيعة رواته ما بين زيدي وسُنّي، وقد أوضحنا ذلك فيما تقدم.

ثم إن الروايات الصحيحة الدالة على حلّية نكاح المتعة مروية أيضاً في كتب

 

(1) سورة النساء، الآية 24.

 
 

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 219

أهل السنة، وجملة منها في صحيح مسلم، وقد نقلنا بعضاً منها فيما مرَّ.

فهل يرى الكاتب أن تلك الروايات الصحيحة مختلقة على رسول الله (ص)، وأن فيها مطاعن قاسية لا يرضاها للنبي (ص) مَن كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان؟ أم أن الأمر يختلف ههنا، لأن باءهم تجر وباء غيرهم لا تجر؟

قال الكاتب: 3- ومن مفاسدها إباحة التمتع بالمرأة المحصَنَة - أي المتزوجة - رغم أنها في عِصمة رجل دون علمِ زوجها، وفي هذه الحالة لا يأمن الأزواج على زوجاتهم فقد تتزوج المرأة مُتْعَةً دون علم زوجها الشرعي، ودون رِضاه، وهذه مَفْسَدَةٌ ما بعدها مفسدة، انظر فروع الكافي 5/463، تهذيب الأحكام 7/554، الاستبصار 3/145 وليت شعري ما رأي الرجل وما شعوره إذا اكتشف أن امرأته التي في عصمته متزوجة من رجل آخر غيره زواج متعة؟!

وأقول: إن التمتع بالمحصَنة لا يجوز بأي حال من الأحوال، بل هو من المحرمات المعروفة، وهو زنا واضح لا كلام فيه.

وأما الممارسات الخاطئة التي قد تمارسها بعض البغايا باسم المتعة، بأن تتزوج متعة بزعمها وهي بغي تتنقل من رجل لآخر، أو ما تفعله بعض المحصنات المتزوجات من الزنا باسم المتعة، فهذا كله لا علاقة له بالمتعة في تشريعها الصحيح، لا من قريب ولا من بعيد، وذلك لأنه زنا سُمِّي متعة، والتسمية لا تبدِّل حقيقته فتصيِّره متعة بعد أن كان زنا واضحاً.

وهذا بعينه قد يلحق النكاح الدائم، فكم من امرأة تزوَّجت دواماً من رجل، ثم اتضح بعد ذلك أنها على عصمة رجل آخر؟ فهل يرى مدّعي الاجتهاد والفقاهة لزوم الحكم بتحريم النكاح الدائم، لأنه لا يأمن فيه المسلم أن تتزوج امرأته برجل

220 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

آخر دواماً؟
ثم ما بال نكاح المتعة كان حلالاً في زمان النبي (ص) ولم يلزم منه أمثال هذه المحاذير؟
فهل حصلت هذه المحاذير في زمان رسول الله (ص) أو بعد زمانه؟ فإن حصلت في زمانه (ص) فهذا كاشف عن عدم مانعيتها لحلّية نكاح المتعة.

وإن حصلت بعد زمان رسول الله (ص) فهذا دليل على أن هذه الممارسات الخاطئة خارجة عن أصل تشريع نكاح المتعة، فلا تضر به، ولا تقتضي حرمته.

وأغلب الظن أن مدَّعي الاجتهاد كان يظن أنه يجوز للمرأة المحصنة أن تتزوج متعة برجل آخر، ولهذا ذكر ذلك في مفاسد نكاح المتعة، مع أن هذا الوهم لا يحصل حتى لصغار طلبة العلم، فضلاً عمن يدَّعي الفقاهة والاجتهاد.

قال الكاتب: 4- والآباء أيضاً لا يأمنون على بناتهم الباكرات إذ قد يتزوجن متعة دون علم آبائهن، وقد يفاجأ الأب أن ابنته الباكر قد حملت... لِمَ؟ كيف؟ لا يدري.. ممن؟ لا يدري أيضاً، فقد تزوجت من واحد فمن هو؟ لا يدري لأنه تركها وذهب.

وأقول: إن حلّية نكاح المتعة لا تستلزم صحَّته بدون إذن الولي، فإن النكاح الدائم لا نزاع في حلّيته، ولكنه لا يصح من دون إذن ولي الفتاة البكر، فلا ملازمة بين الحلية وبين صحَّته من دون إذن الولي.

ولهذا جاءت الأخبار المروية عن أئمة الهدى عليهم السلام بضرورة استئذان ولي الفتاة البكر في الزواج منها:
من ذلك صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السلام، قال: البِكر لا تتزوج متعة إلا

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 221

بإذن أبيها (1).

وصحيحة أبي مريم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: العذراء التي لها أب لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها (2).

ولهذا قال المحقق الخوئي قدس سره : ومن هنا يكون حكم المتعة حكم الزواج الدائم في اعتبار رضا الأب (3).

ومما قلناه يتضح أنه لا يصح للفتاة أن تتزوج متعة أو دواماً من دون إذن أبيها، فلا يَرِد كل ما قاله الكاتب من المحاذير.

ثم إن ما ذكره الكاتب من المحاذير وارد على فتاوى بعض أئمة مذاهب أهل السنة، فإن بعضهم لا يشترط الولي في صحة نكاح الفتاة البكر والثيب.

قال ابن رشد في بداية المجتهد:
اختلف العلماء هل الولاية شرط من شروط صحة النكاح أم ليست بشرط، فذهب مالك إلى أنه لا يكون النكاح إلا بولي، وأنها شرط في الصحة في رواية أشهب عنه، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة وزُفر والشعبي والزهري: إذا عقدت المرأة نكاحها بغير ولي وكان كفؤاً جاز. وفرّق داود بين البكر والثيب، فقال باشتراط الولي في البكر، وعدم اشتراطه في الثيب.
ويتخرج على رواية ابن قاسم عن مالك في الولاية قول رابع: أن اشتراطها سُنّة لا فرض، وذلك أنه روي عنه أنه كان يرى الميراث بين الزوجين بغير ولي، وأنه يجوز للمرأة غير الشريفة أن تستخلف رجلاً من الناس على إنكاحها، وكان يستحب أن تقدم الثيب وليها، ليعقد عليها، فكأنه عنده من شروط التمام، لا من شروط الصحة
(4).

 

(1) وسائل الشيعة 14/458.
(2) المصدر السابق 14/459.

(3) مباني العروة الوثقى (كتاب النكاح) 2/263.
(4) بداية المجتهد 3/44.
 
 

222 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

قلت: فعلى قول أبي حنيفة وزُفَر والشعبي والزهري ومالك برواية ابن القاسم يجوز للمرأة البكر أن تزوج نفسها بغير إذن وليّها، فترد كل المحاذير التي ذكرها الكاتب، فعليه أن يفتي بحرمة النكاح الدائم لما تترتب عليه من المفاسد العظيمة والآثار الخطيرة التي ذكرها.

قال الكاتب: 5- إن أغلب الذين يتمتعون، يُبيحون لأنفسهم التمتع ببنات الناس، ولكن إذا تقدم أحدٌ لخطبة بناتهم، أو قريباتهم فأراد أن يتزوجها متعة، لما وافق ولما رَضِيَ، لأنه يرى هذا الزواج أشبه بالزنا، وأن هذا عار عليه، وهو يشعر بهذا من خلال تمتعه ببنات الناس، فلا شك أنه يمتنع عن تزويج بناته للآخرين متعة، أي أنه يبيح لنفسه التمتع ببنات الناس، وفي المقابل يُحَرِّمُ على الناس أن يتمتعوا ببناته.
إذا كانت المتعة مشروعة، أو أمراً مباحاً، فَلِمَ هذا التحرج في إباحة تمتع الغرباء ببناته أو قريباته؟!!

وأقول: أما أن أغلب الذين يتمتعون هكذا يصنعون فهو رجم بالغيب، وذلك لأنه لا توجد إحصائية موثّقة عند الكاتب تدل على صحة زَعْمه.

ولو سلَّمنا بوقوع مثل ذلك فهذا لا يصلح دليلاً على حرمة هذا النكاح، وذلك لأن أموراً كثيرة محلَّلة لا يرتضيها الرجل لبناته وأخواته كما تقدَّم الكلام فيه:
منها:
تعدد الزوجات، فإن الرجل يود أن يتزوج الاثنتين والثلاث والأربع، ولكنه لا يرتضي ذلك لبناته ولا لأخواته.

ومنها: الطلاق، فإن الرجل قد يطلِّق أهله، ولا يرتضي ذلك لبناته وأخواته.

ومنها: أن الرجل قد يلاعن أهله، ولكنه لا يرتضي ذلك لبناته وأخواته.

ومنها: أن الرجل ربما يُصِرّ على رؤية من يريد التزويج بها، ولكنه قد لا يرتضي

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 223

ذلك لبناته وأخواته.

ومنها: أن الرجل قد يتزوَّج وهو مريض أو فقير مُعْدَم، ولكنه لا يرتضي لبناته وأخواته أن يزوِّجهن من مريض أو فقير مُعْدَم.

ومنها: أن الرجل قد يرغب في أن يتزوج الزواج المسمَّى في السعودية بزواج المِسْيار (1)، ولكنه قد لا يرتضيه لبناته ولا لأخواته.

ومنها: خدمة النساء، فإن الموسِر قد يستجلب خادمة تخدم في بيته، ولكنه لا يرتضي ذلك لبناته ولا لأخواته.

ومنها: توظيف النساء، فإن صاحب العمل قد يوظِّف بعض النساء للعمل عنده، ولكنه قد لا يرتضي ذلك لبناته وأخواته.

ومنها: أن الرجل قد يسترق بعض الإماء ويستمتع بهن، ولكنه لا يرتضي ذلك لبناته وأخواته.

ومنها كثير غير ذلك، فهل يرى مدَّعي الاجتهاد والفقاهة أن كل تلك الأمور تصبح محرَّمة، لأن الرجل يرتضيها لنفسه، ولا يرتضيها لبناته ولا لأخواته؟

ولو سلَّمنا أيضاً أن بعض الذين يتزوَّجون متعةً يأبَون أن يزوِّجوا بناتهم متعةً، فلعل ذلك من أجل أنهم يودّون تزويج بناتهم وأخواتهم زواجاً دائماً، فإنه خير لهن من زواج المتعة لما مرَّ بيانه، أو لعل السبب هو الخشية من المؤاخذات القانونية والشنعة التي قد تحصل للفتاة بسبب ذلك، أو لعدم تقدّم الكفء بنظر الولي، أو لعدم حاجتهن لمثل هذا النكاح، أو لغير ذلك، وليس شرطاً أن يكون الرفض بداعي عدم الاعتقاد بحلّية نكاح المتعة كما زعم الكاتب.

 

(1) زواج المسيار هو أن يتزوج الرجل المرأة بصداق وبيِّنة وموافقة الولي، ولكن الزوجة قد تبقى في بيت أهلها، وتُسقِط كافة حقوقها من نفقة ومبيت وقسم وغيرها، إلا أن الزوج (يُسيِّر عليها) أي يطوف بها كل فترة، ليقضي وطره منها.

 
 

224 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

قال الكاتب: 6- إن المتعة ليس فيها إشهاد، ولا إعلان، ولا رضَى ولي أمر المخطوبة، ولا يقع شيء من ميراث المتَمَتِّع للمُتَمَتَّع بها، إنما هي مستأجَرة كما نُسِب ذلك القول إلى أبي عبد الله رضي الله عنه، فكيف يمكن إباحتها وإشاعتها بين الناس؟

وأقول: إن كل ما شُرط في النكاح الدائم فهو مشترط في نكاح المتعة، من الإيجاب والقبول، وبذل المهر، وتعيين الزوجين، وتحقق رضاهما، واعتبار إذن الولي إن كانت الفتاة بكراً، وألا تكون المرأة ذات بعل أو في عدة من بعل آخر، فلا فرق من هذه النواحي بين نكاح المتعة والنكاح الدائم، وهذه الأمور هي المحقِّقة لماهية النكاح.

وأما الإشهاد والإعلان فهو مستحب فيه، لا مقوِّم لحقيقته، ولهذا وقع الاختلاف في اشتراط الشهادة على النكاح الدائم وإعلانه.

قال صاحب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة: ولا يصح النكاح إلا بشهادة عند الثلاثة، وقال مالك: يصح من غير شهادة، إلا أنه اعتبر الإشاعة وترْك التراضي بالكتمان، حتى لو عقد في السِّر واشترط كتمان النكاح فُسِخ عند مالك، وعند أبي حنيفة والشافعي وأحمد: لا يضر كتمانهم مع حضور شاهدين (1).

قلت: إن الثلاثة اعتبروا شهادة شاهدين وإن كان النكاح سِرًّا، وأما مالك فاعتبر الإعلان فيه وإن كان من غير شهود، فلم يرَ مالك أن الشهادة شرط صحّة، ولم يرَ الثلاثة أن الإعلان شرط صحّة.

وقال ابن رشد في بداية المجتهد: وقال أبو ثور وجماعة: ليس الشهود من شرط النكاح، لا شرط صحّة ولا شرط تمام، وفعل ذلك الحسن بن علي، رُوي عنه أنه تزوّج بغير شهادة، ثم أعلن النكاح (2).

 

(1) رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص 393.

(2) بداية المجتهد 3/53.  
 

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 225

وقال ابن قدامة في المغني: وعن أحمد أنه يصح بغير شهود، وفعله ابن عمر والحسن بن علي وابن الزبير وسالم وحمزة ابنا ابن عمر، وبه قال عبد الله بن إدريس وعبد الرحمن بن مهدي ويزيد بن هارون والعنبري وأبو ثور وابن المنذر ، وهو قول الزهري ومالك إذا أعلنوه.
قال ابن المنذر: لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر.

وقال ابن عبد البر: قد روي عن النبي (ص): ( لا نكاح إلا بولي وشاهدين عدلين ) من حديث ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر، إلا أن في نقله ذلك ضعيفاً، فلم أذكره. قال ابن المنذر: وقد أعتق النبي (ص) صفية ابنة حيي فتزوجها بغير شهود. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: اشترى رسول الله جارية بسبعة قروش، فقال الناس: ما ندري أتزوجها رسول الله (ص) أم جعلها أم ولد ؟ فلما أن أراد أن يركب حَجَبَها، فعلموا أنه تزوَّجها. متفق عليه. قال: فاستدلوا على تزويجها بالحجاب (1).

وقال الشوكاني في نيل الأوطار: وحكى في البحر عن ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن مهدي وداود أنه لا يعتبر الإشهاد (2).

وقال ابن رشد: واختلفوا إذا أشهد شاهدين، ووُصِّيا بالكتمان، هل هو سِرّ أو ليس بِسِرّ؟ فقال مالك: هو سِر ويفسخ. وقال أبو حنيفة والشافعي: ليس بِسِر (3).

قلت: لا ريب في أن النكاح في هذه الحالة لا إعلان فيه مع أنه جائز وصحيح على رأي أبي حنيفة والشافعي وغيرهما ممن لا يرى وجوب الإشهاد في النكاح.

وما نقلناه من أقوال أئمة المذاهب وغيرهم كافٍ في التحقق من أن الإشهاد والإعلان ليسا مقوِّمين لحقيقة النكاح، وأن القول باشتراطهما مرتبط بتمامية الدليل الدال عليهما، لا لكون الإشهاد مقوِّماً لماهية النكاح.

وأما ما يرتبط برضا الولي فقد قلنا فيما مرَّ إنه لا يحل التزويج بالبكر من دون

 

(1) المغني 7/339.

(2) نيل الأوطار 6/127. (3) بداية المجتهد 3/53.  
 

226 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

إذن وليها، سواءاً أكان النكاح دواماً أم متعة، وأما المرأة الثيب فهي تملك نفسها في النكاحين من غير فرق.

وصحة النكاح من غير ولي مسألة اختلف فيها أئمة أهل السُّنة على أقوال.

قال صاحب رحمة الأمة: ولا يصح النكاح عند الشافعي وأحمد إلا بولي، فإن عقدت المرأة النكاح لم يصح.

وقال أبو حنيفة: للمرأة أن تزوِّج نفسها، وأن توكِّل في نكاحها إذا كانت من أهل التصرف في مالها، ولا اعتراض عليها إلا أن تضع نفسها في غير كفء، فيعترض الولي عليها.

وقال مالك: إن كانت ذات شرف وجمال ومال يُرغَب في مثلها لم يصح نكاحها إلا بولي، وإن كانت بخلاف ذلك جاز أن يتولى نكاحها أجنبي برضاها.

وقال داود: إن كانت بكراً لم يصح نكاحها إلا بولي، وإن كانت ثيباً صح (1).

قلت: فعلى قول أبي حنيفة في المرأة الرشيدة، وداود في المرأة الثيب، ومالك في غير المرأة ذات الشرف والمال والجمال، يصح عقد النكاح من غير ولي، وهذا الاختلاف دليل على أن رضا الولي ليس مقوماً لحقيقة النكاح.

وأما التوارث فلا يدخل أيضاً في حقيقة النكاح، لحكمهم بصحة النكاح من غير توارث فيه، ولهذا جوَّزوا التزويج بالكافرة الكتابية، مع أنهم لم يجوزوا التوارث بين المسلم والكافر، فلا المسلم يرث الكافر عندهم، ولا الكافر يرث المسلم.

أما جواز التزويج بالكتابية فقد أجمعوا عليه.

قال ابن قدامة في المغني: وليس بين أهل العلم بحمد الله اختلاف في حِل حرائر نساء أهل الكتاب. قال ابن المنذر: ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرَّم ذلك.

وروى الخلال بإسناده أن حذيفة وطلحة والجارود بن المعلى وأذينة العبدي تزوَّجوا نساء من أهل الكتاب، وبه قال سائر أهل العلم (2).

 

(1) رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص 388.

(2) المغني 7/500.  
 

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 227

قلت: ويدل عليه قوله تعالى ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهمْ وَالمحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالمحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ) (1).

وأما عدم التوارث بين المسلم والكافر فقد أوضحه ابن قدامة بقوله: أجمع أهل العلم على أن الكافر لا يرث المسلم، وقال جمهور الصحابة والفقهاء: لا يرث المسلمُ الكافر.

يُروى هذا عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأسامة بن زيد وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم، وبه قال عمرو بن عثمان وعروة والزهري وعطاء وطاووس والحسن وعمر بن عبد العزيز وعمرو بن دينار والثوري وأبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي وعامة الفقهاء وعليه العمل (2).

قلت: ومما مرَّ يتّضح أن الزوجة الكافرة لا ترث زوجها المسلم، وهو لا يرثها أيضاً عندهم، وأما عندنا فهو يرثها وإن كانت لا ترثه.

وكذلك الحال فيما لو كان الزوجان مملوكين، فإنهما أيضاً لا يتوارثان، وذلك لأن المملوك لا يَمْلِك، فلا يَرث ولا يُورَث.

قال ابن قدامة: لا نعلم خلافاً في أن العبد لا يرث، إلا ما روي عن ابن مسعود في رجل مات وترك أباً مملوكاً، يُشترى من ماله، ثم يُعتَق فيَرِث... ولنا أن فيه نقصاً مَنَعَ كونه موروثاً، فمَنَعَ كونه وارثاً كالمرتد... إلى أن قال : وأجمعوا على أن المملوك لا يُورَث ، وذلك لأنه لا مال له فيورث ، فإنه لا يَمْلِك (1).

هذا كله مضافاً إلى أن نكاح المتعة قد يكون مشتملاً على كل تلك الأمور،

 

(1) سورة المائدة، الآية 5.

(2) المصدر السابق 7/166. (3) المصدر السابق 7/131.  
 

228 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

فيكون فيه إشهاد وإعلان، ويكون فيه توارث ونفقة ومبيت ومباضعة إذا اشترط الزوجان ذلك في العقد، فيكون حاله حال النكاح الدائم من هذه الجهات، إلا أنه ينقضي بالمُدة، والنكاح الدائم ينقضي بالطلاق. وانقضاء المدة ووقوع الطلاق مزيلان للنكاح لا مقوِّمان له كما هو واضح.

وبالنتيجة فإن الزوجين دواماً أو متعةً قد يكون بينهما توارث وقد لا يكون، وهذا لا ينافي الزوجية، لأنها غير مبتنية عليه كما هو واضح.

وأما ما قاله الكاتب من أن المرأة المتمتَّع بها مستأجرة كما ورد في الحديث المروي في الكافي والاستبصار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكرت له المتعة، أهي من الأربع؟ فقال: تزوَّجْ منهن ألفاً، فإنهن مستأجرات (1).

فتفصيل الجواب فيه أن نقول: إن الكلام في هذه الرواية تارة يكون من ناحية السند وتارة أخرى من ناحية الدلالة:
أما من ناحية السند فالرواية ضعيفة،
فإن من جملة رواتها سعدان بن مسلم، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال
(2).
وأما من ناحية الدلالة فلا إشكال فيها إلا في وصف النساء المتمتعات بأنهن (مستأجرات).

وهذا الإشكال يندفع بأدنى تأمل، لأنه لا مانع من إطلاق ( المستأجرة ) على المرأة المنكوحة بالنكاح الدائم والمنقطع على حد سواء، ولا سيما بعد التصريح في كتاب الله بإطلاق الأجر على المهر.

قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ ) (3).

وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (4).

 

(1) الكافي 5/452. الاستبصار 3/147.
(2) راجع معجم رجال الحديث للخوئي 8/98، 99.

(3) سورة الأحزاب، الآية 50.
(4) سورة الممتحنة الآية 9 .
 
 

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 229

وقال تعالى ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) (1).

وقال تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ واللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ) (2).

وقال تعالى ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهمْ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ) (3).
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن المهر يُسمَّى أجراً.
وبهذا الذي قلناه صرَّح المفسِّرون من أهل السنة في تفاسيرهم.

فقال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) الاستمتاع التلذذ، والأجور المهور، وسُمِّي المهر أجراً لأنه أجر الاستمتاع، وهذا نص على أن المهر يُسمَّى أجراً، وذلك دليل على أنه في مقابلة البضع،

 

(1) سورة النساء، الآية 24.
(2) سورة النساء، الآية 25.

(3) سورة المائدة، الآية 5.  
 

230 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

لأن ما يقابل المنفعة يُسمَّى أجراً (1).

وقال الطبري في تفسيره: ( وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) وأعطوهن مهورهن كما حدثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: وآتوهن أجورهن: الصداق (2).

وقال أيضاً: وأما قوله ( إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) فإن الأجر العوض الذي يبذله الزوج للمرأة للاستمتاع بها ، وهو المهر كما حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح... عن ابن عباس في قوله ( آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) يعني مهورهن (3).

وقال: في تفسير قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ): يعني اللاتي تزوجتهن بصداق مسمى، كما حدثني محمد بن عمرو... عن مجاهد قوله: ( أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) قال: صدقاتهن (4).

وقال ابن كثير في تفسيره: وقوله تعالى ( وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالمَعْرُوفِ ) أي وادفعوا مهورهن بالمعروف (5).

وقال أيضاً: وقوله تعالى ( إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) أي مهورهن (6).

وقال الإمام الشافعي: فأمر الله عز وجل الأزواج بأن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن، والأجر هو الصداق، والصداق هو الأجر والمهر، وهي كلمة عربية تسمى بعدة أسماء (7)

وقال البخاري في صحيحه: أجورهن: مهورهن (8).

 

(1) الجامع لأحكام القرآن 5/129.
(2) تفسير الطبري 5/19.
(3) المصدر السابق 6/69.
(4) المصدر السابق 22/20.

(5) تفسير القرآن العظيم 1/476.
(6) المصدر السابق 2/22.
(7) أحكام القرآن 1/196.
(8) صحيح البخاري 3/1403.
 
 

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 231

وكلماتهم التي صرَّحوا فيها بأن الأجر هو الصداق والمهر لا تكاد تحصى.

ومن المناسب للمقام أن ننقل للقارئ الكريم فتاوى بعض أعلام أهل السنة المتعلقة بالإجارة في النكاح.

1- قال القرطبي في تفسيره: وقال أبو الحسن الكرخي: إنّ عقد النكاح بلفظ الإجارة جائز، لقوله تعالى ( فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ )... وقال أبو القاسم: ينفسخ قبل البناء، ويثبت بعده (1).
ومراده أنه إذا دخل بالمرأة صحَّ العقد وثبت النكاح، وإن لم يدخل بها انفسخ.

2- وقال أيضاً: استدل أصحاب الشافعي بقوله ( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ ) على أن النكاح موقوف على لفظ التزويج والإنكاح... وقال علماؤنا في المشهور: ينعقد النكاح بكل لفظ. وقال أبو حنيفة: ينعقد بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد (2).

قلت: معنى انعقاد النكاح بكل لفظ أنه ينعقد بلفظ الإجارة أو بالهبة أو بالتمليك أو بغيرها، وعلماء الشيعة لا يصحِّحون هذه الأنكحة، لأنهم قصروا الصحة على لفظي: زوَّجتُ وأنكحتُ.

3- أفتى أبو حنيفة بأن الرجل إذا استأجر المرأة للوطء، ولم يكن بينهما عقد نكاح، فليس ذلك بزنا، ولا حدَّ فيه، والزنا عنده ما كان مطارفة [أي عن رغبة وميل]، وأما ما فيه عطاء فليس بزنا (3).

4- قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: إذا آجر الرجل الدار لأجل بيع الخمر واتخاذها كنيسة أو بيعة، لم يجز قولاً واحداً، وبه قال الشافعي، كما لا يجوز أن يُكْري أمته أو عبده للفجور، وقال أبو حنيفة: يجوز أن يؤاجرها لذلك (4).

 

(1) الجامع لأحكام القرآن 13/273.
(2) المصدر السابق.

(3) المحلى 12/196.
(4) اقتضاء الصراط المستقيم، ص 236.
 
 

232 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

وكيف كان فقد اتضح من كل ما قلناه أن المهر يسمَّى أجراً، فيكون معنى (مستأجرات) في الحديث المزبور: مَمْهُورات، أي دُفِعتْ لهنَّ المهور التي يُستحَل بها نكاحهن.

وبهذا يتضح أنه لا إشكال في الحديث أصلاً مع أنه ضعيف السند كما قلنا فيما تقدم.

قال الكاتب: 7- إن المتعة فتحت المجال أمام الساقطين والساقطات من الشباب والشابات في لصق ما عندهم من فجور بالدين، وأدى ذلك إلى تشويه صورة الدين والمتدينين.

وأقول: هذه دعاوى مجردة عن الدليل لا قيمة لها، وإلا فالساقطون والساقطات لا يحتاجون للمتعة لتبرير ممارستهم للرذيلة، وكانوا ولا يزالون بعيدين عن تعاليم الدين وأحكامه، فأي شيء يلصقونه بالدين.

وإذا كان الساقطون والساقطات من الشيعة هكذا يصنعون، فما يصنع أمثالهم من أهل السنة وغيرهم ؟ هل احتاجوا لحكم شرعي لتبرير فعلهم للرذيلة ؟ أم أن التبريرات الدينية خاصة بفسقة الشيعة، وأما فسقة أهل السنة فهم لا يبالون بتبرير فجورهم؟

ولو سلَّمنا بأن الفسقة من الشيعة يتزوجون المتعة التي يعتقدون بحلِّيتها، فإنهم بلا ريب خير من الساقطين من أهل السنة الذين يُقْدِمون على ارتكاب الزنا المجمع على تحريمه.

واتخاذ نكاح المتعة وسيلة للفجور لا يحرِّم هذا النكاح، وإلا لحرم النكاح الدائم أيضاً، وذلك لأن الفسقة وأصحاب المآرب الدنيئة قد اتخذوا النكاح الدائم

المتعة وما يتعلق بها .............................................................................. 233

وسيلة للفجور أيضاً، فإن بعض النساء قد اتخذنه غطاءاً للزنا والإنجاب المحرَّم، ومن الناس من اتخذه وسيلة للتكسب بالبغاء... أو لغير ذلك مما هو معروف.

فهل يرى مدَّعي الاجتهاد والفقاهة تحريم النكاح الدائم للسبب نفسه الذي حرَّم من أجله نكاح المتعة؟!

 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب