الخمــس ........................................................................................ 319

قال الكاتب: فتاوى الفقهاء المعتمدين في إعفاء الشيعة من دفع الخمس بناء على النصوص المتقدمة وعلى غيرها كثير المصرحة بإعفاء الشيعة من دفع الخمس صدرت فتاوى من كبار الفقهاء والمجتهدين ممن لهم باع في العلم واحتلوا مكانة رفيعة بين العلماء، في إباحة الخمس للشيعة، وعدم دفعه لأي شخص كان حتى يقوم قائم أهل البيت:
1- المحقق الحلي نجم الدين جعفر بن الحسن المتوفي 676هـ:
أكد ثبوت إباحة المنافع والمساكن والمتجر حال الغيبة وقال: لا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منها. انظر كتاب شرائع الإسلام ص 182- 183 كتاب الخمس.

وأقول: لقد بتر الكاتب عبارة المحقق الحلي رحمه الله التي صرَّح فيها بأن الإباحة إنما هي في المناكح والمتاجر والمساكن فقط، دون باقي ما يجب فيه الخمس.

قال المحقق الحلي في شرائع الإسلام: الثالثة: ثبت إباحة المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة، وإن كان ذلك بأجمعه للإمام أو بعضه، ولا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منه (1).

 

(1) شرائع الإسلام 1/184.

 
 

320 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

وكلامه صريح في أن الإباحة إنما هي في الأمور الثلاثة المذكورة فقط دون غيرها.
ولهذا ذكر في المسألة اللاحقة مجمل الأقوال في التصرّف في الخمس في زمن الغيبة، واختار وجوب إخراجه وصرفه كله على السادة الكرام.

قال قدس سره : الرابعة: ما يجب من الخمس يجب صرفه إليه مع وجوده. ومع عدمه، قيل: يكون مباحاً. وقيل: يجب حفظه ثم يُوصَى به عند ظهور أمارة الموت. وقيل: يُدفن. وقيل: يُصرف النصف إلى مستحقيه، ويحُفظ ما يختص به بالوصاة أو الدفن. وقيل: بل تُصرف حصّته إلى الأصناف الموجودين أيضاً، لأن عليه الإتمام عند عدم الكفاية، وكما يجب ذلك مع وجوده فهو واجب عليه عند غيبته، وهو الأشبه (1).

وكلامه قدس سره صريح في عدم القول بإباحة الخمس للشيعة كما نسبه الكاتب إليه.

قال الكاتب: 2- يحيى بن سعيد الحلي المتوفى 690هـ:
مال إلى نظرية إباحة الخمس وغيره للشيعة كرما من الأئمة وفضلاً كما في كتابه الجامع للشرائع ص 151.

وأقول: نصُّ عبارة يحيى بن سعيد الحلي قدس سره في الجامع للشرائع وفي الصفحة التي ذكرها الكاتب هي: (ولا يجوز لأحد التصرف في ذلك إلا بإذن الإمام حال حضوره، فأما حال الغيبة فقد أحلّوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم من الأخماس وغيرها من المناكح والمتاجر والمساكن).

 

(1) نفس المصدر.

 
 

الخمــس ........................................................................................ 321

وعبارته واضحة في أن الأئمة عليهم السلام قد أباحوا لشيعتهم أن يتصرفوا في حقوقهم في المناكح والمتاجر والمساكن، وقد أوضحنا ذلك فيما تقدم.

قال الكاتب: 3- الحسن بن المطهر الحلي الذي عاش في القرن الثامن أفتى بإباحة الخمس للشيعة، بإعفائهم من دفعه كما في كتاب تحرير الأحكام ص 75.

وأقول: قال العلامة الحلي قدس سره في كتابه (تحرير الأحكام): السابع: اختلف علماؤنا في الخمس في حال غيبة الإمام، فأسقطه قوم، ومنهم من أوجب دفنه، ومنهم من يرى صلة الذرية وفقراء الشيعة على وجه الاستحباب، ومنهم من يرى عزله ، فإن خشي من الموت وصَّى به إلى من يثق بدينه وعقله ليسلمه إلى الإمام إن أدركه، وإلا وصَّى به كذلك إلى أن يظهر، ومنهم من يرى صرف حصته إلى الأصناف الموجودين أيضاً، لأن عليه الإتمام عند عدم الكفاية، وهو حكم يجب مع الحضور والغيبة، وهو أقوى (1).

وعبارته قدس سره واضحة في أنه يرى وجوب إخراج الخمس وصرفه بكامله في زمن الغيبة على السادة الفقراء.

قال الكاتب: 4- الشهيد الثاني المتوفى 966هـ قال في مجمع الفائدة والبرهان 4/355 - 358 ذهب الى إباحة الخمس بشكل مطلق وقال: أن الأصح هو ذلك كما في كتاب مسالك الافهام ص 68.

وأقول: لا يوجد في مجمع الفائدة والبرهان نقل رأي الشهيد الثاني بإباحة

 

(1) تحرير الأحكام 1/444.

 
 

322 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

الخمس بشكل مطلق، كما أن الشهيد الثاني لم يذهب إلى هذا القول في كتابه مسالك الأفهام، بل اكتفى بشرح عبارة شرائع الإسلام المتقدمة في إباحة المناكح والمتاجر والمساكن، ولم يعلق عليها بشيء (1).

بل صرَّح في شرح اللمعة وهو كتاب كتبه بعد مسالك الأفهام أن الخمس في عصر الغيبة يُعطى للفقيه الجامع للشرائط، فقال: (ويقسَّم) الخمس (ستة أقسام) على المشهور، عملاً بظاهر الآية وصريح الرواية، (ثلاثة) منها (للإمام عليه السلام) وهي سهم الله ورسوله وذي القربى، وهذا السهم وهو نصف الخمس (يُصرف إليه إن كان حاضراً، أو إلى نوَّابه) وهم الفقهاء العدول الإماميون الجامعون لشرائط الفتوى، لأنهم وكلاؤه، ثم يجب عليهم فيه ما يقتضيه مذهبهم (2)، فمن يذهب منهم إلى جواز صرفه إلى الأصناف (3) على سبيل التتمة كما هو المشهور بين المتأخرين منهم يصرفه على حسب ما يراه، من بَسْطٍ وغيره، ومن لا يرى ذلك يجب عليه أن يستودعه له إلى ظهوره... واستثنى المناكح وغيرها، فقال: والمشهور بين الأصحاب ومنهم المصنف في باقي كتبه وفتاواه استثناء المناكح والمساكن والمتاجر من ذلك، فتباح هذه الثلاثة مطلقاً (4)، والمراد من الأول الأمة المسبية حال الغيبة وثمنها، ومهر الزوجة من الأرباح، ومن الثاني ثمن المسْكن منها أيضاً، ومن الثالث الشراء ممن لا يعتقد الخمس، أو ممن لا يخمّس، ونحو ذلك. وتركه هنا إما اختصاراً، أو اختياراً، لأنه قول لجماعة من الأصحاب، والظاهر الأول (5)، لأنه ادعى في البيان إطباق الإمامية عليه،

 

(1) راجع مسالك الأفهام 1/475.
(2) أي على حسب آرائهم في كيفية التصرف في الخمس في غيبة الإمام عليه السلام.
(3) وهم اليتامى والمساكين وابن السبيل من الذرية الطاهرة.
(4) أي في حال حضور الإمام وفي حال غيبته.
(5) أي أنه تركه اختصاراً مع ذهابه إلى استثناء هذه الثلاثة، لأن الشهيد رحمه الله ادّعى إجماع الإمامية عليه في كتابه (البيان).

 
 

الخمــس ........................................................................................ 323

نظراً إلى شذوذ المخالف (1).

قلت: هذا ما صرح به الشهيد الثاني في الروضة البهيّة، وقد أفصح فيه عن رأيه، وما نسبه الكاتب إلى الشهيد في المسالك غير صحيح كما أوضحنا.

قال الكاتب: 5- المقدس الأردبيلي المتوفى 993هـ وهو أفقه فقهاء عصره حتى لقبوه بالمقدس قال بإباحة مطلق التصرف في أموال الغائب للشيعة خصوصاً مع الاحتياج، وقال: إن عموم الأخبار تدل على السقوط بالكلية في زمان الغيبة والحضور بمعنى عدم الوجوب والحتم لعدم وجود دليل قوي على الأرباح والمكاسب ولعدم وجود الغنيمة.

قلت: وقوله هذا مستنبط من قوله تعالى: ( واعلموا أنما غنمتم من شيء ) (الأنفال /41) ثم بين أن هناك روايات عن المهدي تقول أبحنا الخمس للشيعة.

وأقول: نص عبارة المقدَّس الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان هي: واعلم أن عموم الأخبار الأُوَل يدل على السقوط بالكلية زمان الغيبة والحضور بمعنى عدم الوجوب الحتمي، فكأنهم عليهم السلام أخبروا بذلك، فعُلم عدم الوجوب الحتمي.
إلى أن قال بعد ذلك: وهذه الأخبار هي التي دلَّت على السقوط حال الغيبة، وكون الإيصال مستحبًّا كما هو مذهب البعض، مع ما مرَّ من عدم تحقق محل الوجوب إلا قليلاً، لعدم دليل قوي على الأرباح والمكاسب وعدم الغنيمة
(2).

قلت: لقد كان المقدَّس الأردبيلي قدس سره يتحدَّث عن دلالة الأخبار التي ذكرها أولاً، لا عن حاصل رأيه في المسألة، لكن الكاتب بتر الكلام، فألصق أول الكلام بآخره، وحذف كلمة (الأُوَل) ليشعر القارئ بأن هذا هو دلالة الأخبار كلها، لا دلالة

 

(1) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 3/107-116.

(2) مجمع الفائدة والبرهان 4/355.  
 

324 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

أخبار مخصوصة كما صرَّح الأردبيلي قدَّس الله نفسه.

مع أن الأردبيلي قدس سره ذكر حاصل رأيه في المسألة فقال: هذا ولكن ينبغي الاحتياط التام وعدم التقصير في إخراج الحقوق، خصوصاً حصة الأصناف الثلاثة من كل غنيمة عدّوه (1) ، لاحتمال الآية على الظاهر، وبعض الروايات، وأصل عدم السقوط (2)، وبُعْد سقوط حقهم، مع تحريم الزكاة عليهم وكون ذلك عوضها (3) ، وبُعْد إسقاطهم عليهم السلام ذلك مع عدم كونه مخصوصاً بهم عليهم السلام بظاهر الآية والأخبار (4) ، وعدم صحة كل الأخبار وصراحتها بذلك (5)، واحتمال الحمل على العاجز كما مرَّ (6)، والتقية في البعض (7)، والتخصيص بحقوقهم بعد التصرف، وعدم إمكان الإيصال (8) وغير ذلك. وكذا من باقي الأقسام مع الشرائط المذكورة، من غير نظر إلى ما ذكرناه من الشبهة المحتملة، والعمل بالأمر الثابت حتى يعلم المسقط (9).

 

(1) يعني حتى من أرباح المكاسب، فإنهم عدّوها غنيمة بمعناها اللغوي.
(2) أي أن الأصل عدم سقوط الخمس بعد العلم بثبوته بالدليل القطعي.
(3) يعني يجب دفع الخمس ولا سيما بعد الحكم بتحريم الزكاة عليهم، وأن الخمس عوض لها، ولو قلنا بسقوط الخمس لسقط حقهم كلية، وهذا لا يمكن المصير إليه.
(4) يعني أن الأئمة إذا أسقطوا حقّهم لا يسقط حق غيرهم من الأصناف المستحقة للخمس وهم اليتامى والمساكين وأبناء السبيل.
(5) أي وأن الأخبار التي دلّت على إباحة الخمس ليست كلها صحيحة، والصحيح منها ليس صريحاً في المطلوب.
(6) أي ويحتمل حمل أخبار إباحة الخمس على إباحته للعاجزين من الشيعة، لا مطلقاً لكل أحد.
(7) أي ويُحمل بعض الأخبار المبيحة للخمس على التقية، ولعله لتجنب سخط الخلفاء الذين كانوا يستاؤون من جمع الأموال للأئمة (ع)، فإذا صدر من الأئمة ما يدل على أنهم قد أباحوا الخمس لشيعتهم، فإن ذلك يحول دون وقوع السوء عليهم من خلفاء عصرهم.
(8) أي يحتمل أن يكون إباحة الخمس إنما هو مخصوص بمن تصرف بحقوقهم ولا يستطيع الآن إيصاله لهم، فهم قد جعلوه في حل منها، لا أنه لا يجب على من يستطيع إيصال الحق إليهم.
(9) أي يجب العمل بالأمر الثابت وهو وجوب الخمس حتى يُعلم المسقط له، وهو الإباحة.

 
 

الخمــس ........................................................................................ 325

إلى أن قال: وبالجملة أظن كون صرفه في الذرية المحتاجين أولى من باقي الاحتمالات ، لما فُهم من الأخبار من عدم المؤاخذة بالتقصير مطلقاً في ذلك والصرف في نفسه، فكيف يُتصور المؤاخذة بالصرف فيهم، مع ما مرَّ من ثواب صلة الذرية والمؤمن المحتاج، وأن صلة المؤمن صلتهم عليهم السلام. .

ثم قال: وأظن عدم المؤاخذة وإن فعل ذلك المالك بنفسه من غير إذن الحاكم لما مرَّ ، لكن إن أمكن الإيصال إلى الفقيه العدل المأمون فهو الأولى، لما قال في المنتهى: إذا قلنا بصرف حصَّته عليه السلام في الأصناف: إنما يتولاه مَن إليه النيابة عنه عليه السلام في الأحكام، وهو الفقيه المأمون المحتاط الجامع لشرائط الفتوى والحكم - على ما يأتي تفصيله - من فقهاء أهل البيت عليهم السلام... (1).

وكلامه قدس سره صريح في أن مقتضى الاحتياط هو دفع الخمس للذرية الطاهرة، وتسليمه إلى الفقيه الإمامي العدل المأمون الجامع لشرائط الفتوى.

قال الكاتب: 6- العلامة سلار قال: إن الأئمة قد أحلّوا الخمس في زمان الغيبة فضلاً وكرماً للشيعة خاصة. انظر كتاب المراسيم (2) ص 633.

وأقول: لم يقل سلاّر في (المراسم) ما نقله الكاتب عنه، وإنما قال: والأنفال له [أي للإمام] أيضاً خاصّة ، وهي كل أرض فُتحتْ من غير أن يُوجَف عليها بخيل ولا ركاب، والأرض الموات، وميراث الحربي، والآجام والمفاوز والمعادن و القطائع، ليس لأحد أن يتصرَّف في شيء من ذلك إلا بإذنه ، فمن تصرَّف فيه بإذنه فله أربعة أخماس المستفاد، وللإمام الخمس. وفي هذا الزمان قد أحلّونا فيما

 

(1) مجمع الفائدة والبرهان 4/357.
(2) الاسم الصحيح للكتاب هو (المراسم)، وهذا دليل آخر يضاف إلى ما سبق من الأدلة الدالة على أن الكاتب قد حصل على درجة الاجتهاد (بتفوق).

 
 

326 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

نتصرف فيه من ذلك كرماً وفضلاً لنا خاصة (1).
وهذه العبارة واضحة في بيان مراده، وهو أن الأئمة عليهم السلام قد أباحوا لشيعتهم التصرف في الأنفال المذكورة دون غيرهم.

ولكن الكاتب حرَّف العبارة ونقلها على غير وجهها المراد، وهذا دأبه فيما ينقله من كلمات العلماء كما مرَّ ويأتي.

فإذا كانت هذه طريقته في نقل العبارات من كتب موجودة يمكن مراجعتها، فكيف يمكن تصديقه في حوادث يدّعي فيها المشاهدة؟

وأما رأي سلار الديلمي رحمه الله في الخمس فقد أوضحه بقوله: المأثور عن آل الرسول (ص) أنه واجب في كل ما غُنم بالحرب وغيرها من الأموال والسلاح والرقيق والمعادن والكنوز والغوص والعنبر، وفاضل أرباح التجارات والزراعات والصناعات عن المؤونة وكفاية طول عامه إذا اقتصد.
إلى أن قال:
فأما بيان القسمة فيقسِّمه الإمام عليه السلام ستة أسهم، منها ثلاثة: له سهمان وراثة عن رسول الله (ص)، وسهم حقه. وثلاثة أسهم: سهم لأيتامهم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم. ويقسم على قدر كفايتهم في السنة، فما فضل أخذه الإمام عليه السلام، وما نقص تممه من حقه
(2).

فأين ما زعمه الكاتب من أن سلار يرى إباحته للشيعة في عصر الغيبة؟!

قال الكاتب: 7- السيد محمد علي طباطبائي المتوفى أول القرن الحادي عشر قال: إن الأصح هو الإباحة. مدارك الأفهام ص 344.

 

(1) المراسم، ص 140.

(2) المراسم، ص 139-140.  
 

الخمــس ............................................................................................. 327

وأقول: ما نقله الكاتب عن صاحب المدارك ـ الموسوي، لا الطباطبائي ـ فيه من التزوير ما فيه، فإنه بعد أن ذكر أدلّة مَنْ أوجب الخمس في أرباح المكاسب ومن قال بإباحته، صرَّح بالاحتياط في هذه المسألة بدفع الخمس، حيث قال: وبالجملة فالأخبار الواردة بثبوت الخمس في هذا النوع مستفيضة جداً، بل الظاهر أنها متواترة كما ادَّعاه في المنتهى، وإنما الإشكال في مستحقِّه، وفي العفو عنه في زمن الغيبة وعدمه، فإن في بعض الروايات دلالة على أن مستحقّه مستحقّ خمس الغنائم، وفي بعض آخر إشعاراً باختصاص الإمام عليه السلام بذلك، ورواية علي بن مهزيار مفصّلة كما بينّاه، ومقتضى صحيحة الحارث بن المغيرة النضري، وصحيحة الفضلاء وما في معناهما العفو عن هذا النوع كما اختاره ابن الجنيد، والمسألة قوية الإشكال، والاحتياط فيها مما لا ينبغي تركه بحال، والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه (1).

نعم، بعد أن ذكر صاحب المدارك قدس سره ما قاله العلاّمة الحلي والشهيد والشيخ الطوسي وابن إدريس من إباحة المناكح والمساكن والمتاجر قال: والأصح إباحة ما يتعلق بالإمام عليه السلام من ذلك خاصَّة، للأخبار الكثيرة الدالة عليه، كصحيحة علي بن مهزيار... إلى آخر كلامه (2).

وكلامه واضح جداً في أن الإباحة إنما هي في حقه عليه السلام في الأمور الثلاثة المذكورة لا في كل ما يجب فيه الخمس من أرباح المكاسب وغيرها، فإنها يجب الاحتياط فيها بدفع خمسها في زمان الغيبة.

قال الكاتب: 8- محمد باقر السبزواري المتوفى أواخر القرن الحادي عشر قال: المستفاد من الأخبار الكثيرة في بحث الأرباح كصحيحة الحارث بن المغيرة وصحيحة

 

(1) مدارك الأحكام 5/383.

(2) المصدر السابق 5/421.  
 

328 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

الفضلاء، ورواية محمد بن مسلم ورواية داودي [كذا] بن كثير برواية إسحق بن يعقوب ورواية عبد الله بن سنان وصحيحة زرارة وصحيحة علي بن مهزيار وصحيحة كريب: إباحة الخمس للشيعة.
وتصدى للرد على بعض الإشكالات الواردة على هذا الرأي وقال: إن أخبار الإباحة أصح وأصرح فلا يسوغ العدول عنها بالأخبار المذكورة.
وبالجملة فإن القول بإباحة الخمس في زمان الغيبة لا يخلو من قوة. انظر كتاب ذخيرة المعاد ص 292.

وأقول: ما نقله الكاتب صحيح، لكنه ـ خلافاً للأمانة العلمية ـ لم يكمل العبارة الأخيرة، فإن السبزواري قدس سره قال: وبالجملة القول بإباحة الخمس مطلقاً في زمان الغيبة لا يخلو عن قوة، ولكن الأحوط عندي صرف الجميع في الأصناف الموجودين (1) بتولية الفقيه العدل الجامع لشرايط الإفتاء.

وينبغي أن يُراعَى في ذلك البَسْط بحسب الإمكان، ويُكتفى بمقدار الحاجة من المأكول والملبوس والمسكن والأشياء الضرورية ، بل المنكح أيضاً على تقدير الحاجة ، ولا يزيد على مؤونة السنة، وينبغي أن يُراعَى تقديم الأعجز والأحوج والأرامل والضعفاء، وينبغي أن يُقسَّم النصف أقساماً ثلاثة، يُصرف ثلثه في المساكين، وثلثه في الأيتام، وثلثه في أبناء السبيل، ويراعى في النصف الآخر الحاجة أيضاً، والاعتبارات العقلية والشواهد النقلية مطابقان على حسن هذا القول ورجحانه.

إلى أن قال: وبالجملة ظني أن هذا الوجه أولى وأحوط. (ولو فرَّقه) أي النصف المختص بالإمام (غيرُ الحاكم) وهو الفقيه الإمامي العدل الجامع لشرائط الإفتاء، (ضَمِنَ) لأنه منصوب من قِبَل الإمام عليه السلام، فيكون له تولّي ذلك دون غيره،

 

(1) أي صرف جميع الخمس في اليتامى والمساكين وابن السبيل من السادة الكرام.

 
 

الخمــس ........................................................................................ 329

ونقل الشهيد الثاني إجماع القائلين بوجوب صرفه في الأصناف على ذلك، ويلوح من كلام المفيد في الرسالة الغرية جواز تولي المالك بنفسه، والأول أحوط، وعلى القول بوجوب الصرف أقرب (1).

هذا كلامه قدس سره ، وهو وإن كان يرجِّح القول بإباحة الخمس مطلقاً في عصر الغيبة، إلا أنه يحتاط بلزوم دفعه وصرفه على الأصناف الثلاثة المذكورة، بتسليمه إلى الفقيه الإمامي الجامع لشرائط الفتوى.

قال الكاتب: 9- محمد حسن الفيض الكاشاني في كتابه مفاتيح الشريعة [كذا] ص 229 مفتاح رقم 260 اختار القول بسقوط ما يختص بالمهدي، قال: لتحليل الأئمة ذلك للشيعة.

وأقول: قال الفيض الكاشاني في كتابه مفاتيح الشرائع في المورد المشار إليه بعد أن ذكر اختلاف الآراء في وجوب الخمس في زمان الغيبة: الأصح عندي سقوط ما يختص به عليه السلام، لتحليلهم ذلك لشيعتهم، ووجوب صرف حصص الباقين إلى أهلها لعدم مانع عنه، ولو صرف الكل إليهم لكان أحوط وأحسن، ولكن يتولَّى ذلك الفقيه المأمون بحق النيابة، كما يتولى عن الغائب (2).

وينبغي التنبيه على أن الكاتب أدرج الفيض الكاشاني في القائلين بسقوط الخمس، مع أن كلمته المزبورة واضحة الدلالة في وجوب دفع حق السادة إليهم، بل الأحسن والأحوط صرف الخمس كله إليهم، ولكن يتولَّى ذلك الفقهاء المأمونون، وقد دلَّس الكاتب على القارئ فقال: (اختار القول بسقوط ما يختص بالمهدي)،

 

(1) ذخيرة المعاد، ص 492 ط حجرية.

(2) مفاتيح الشرائع 1/229.  
 

330 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

ليوهم القارئ أن الفيض الكاشاني يرى سقوط الخمس كله، وإن كانت عبارته مع التدقيق لا تدل على ذلك.

قال الكاتب: 10- جعفر كاشف الغطاء المتوفى 1227 هـ في كشف الغطاء ص 364: ذكر إباحة الأئمة للخمس وعدم وجوب دفعه إليهم.

وأقول: ما ذكره الشيخ جعفر الكبير من آل كاشف الغطاء قدس سره في الصفحة المشار إليها هو قوله: وكل شيء يكون بيد الإمام مما اختصَّ أو اشترك بين المسلمين يجوز أخذه من يد حاكم الجور بشراء أو غيره من الهبات والمعاوضات والإجارات ، لأنهم أحلّوا ذلك للإمامية من شيعتهم (1).

وكلامه قدس سره ظاهر في أن المباح هو ما يأخذونه من يد السلطان الجائر بنحو الهبة أو الشراء أو الإجارة أو أية معاوضة أخرى.

وعباراته رحمه الله في كتابه كشف الغطاء تدل بوضوح على وجوب الخمس عنده في زمن الغيبة ولزوم تسليمه إلى المجتهد الجامع للشرائط.

قال قدس سره: وسهم الإمام يُوصَل إليه مع حضوره وإمكان الوصول إليه، ومع عدم الإمكان لتقية ونحوها أو غيبته يُعطى للأصناف الثلاثة على الأقوى، ويتولى أمره المجتهد، والأحوط تخصيص الأفضل، ويتولى إيصاله إلى مصرفه، وإذا تعذر الوصول إليه ولم يمكن حفظ المال حتى يصل الخبر تولاه عدول المسلمين، ولو دفع أحد إلى غيره وغير وكيله أو مأذونه مع الإمكان وجبت الإعادة، وللمجتهد الإجازة، والأحوط البناء على الإعادة، ولو دفع إلى من ظنَّه مجتهداً فظهر خلافه، فإن بقيت

 

(1) كشف الغطاء 2/364 ط حجرية.

 
 

الخمــس ........................................................................................ 331

العين استُرجعت منه، وإن تلفت وكان عالماً بأنه حق الصاحب ضمن، وإن تعذر إرجاعها وكان الدافع معذوراً فلا ضمان عليه، وإلا ضمن (1).

ومنه يتضح أن ما نسبه الكاتب للشيخ كاشف الغطاء أيضاً غير صحيح.

قال الكاتب: 11- محمد حسن النجفي المتوفى 1266 في جواهر الكلام 16/141 قطع بإباحة الخمس للشيعة في زمن الغيبة بل والحضور الذي هو كالغيبة، وبين أن الأخبار تكاد تكون متواترة.

وأقول: قد صرَّح صاحب الجواهر قدس سره في مواضع من كتابه أنه لا يقول بإباحة الخمس، فإنه بعد أن استجود ما ذهب إليه المحقق الحلي من أن نصف الخمس يُصرَف إلى مستحقِّيه، وهم اليتامى والمساكين وابن السبيل ، قال: وأما حقه عليه السلام فالذي يجول في الذهن أن حسن الظن برأفة مولانا صاحب الزمان روحي لروحه الفداء يقضي بعدم مؤاخذتنا في صرفه على المهم من مصارف الأصناف الثلاثة الذين هم عياله في الحقيقة ، بل ولا في صرفه في غير ذلك من مصارف غيرهم مما يرجح على بعضها، وإن كانوا هم أولى وأولى عند التساوي، أو عدم وضوح الرجحان، بل لا يبعد في النظر تعيُّن صرفه فيما سمعت بعد البناء على عدم سقوطه، إذ غيره من الوصية به أو دفنه أو نحوهما تعريض لتلفه وإذهابه من غير فائدة قطعاً، بل هو إتلاف له (2).

وكلماته قدس سره واضحة في أنه إنما يرى تحليل الأنفال المختصة بالإمام عليه السلام فقط دون الخمس، حيث قال: إطلاق كثير من الأخبار تحليل حقّهم عليهم السلام الشامل للأرض وغيرها من الأنفال كصحيحة الحرث النضري عن الصادق عليه السلام ... وبعد أن ذكر بعض الأخبار الدالة على تحليل الأنفال للشيعة قال: إلى غير ذلك

 

(1) كشف الغطاء، ص 363.

(2) جواهر الكلام 16/177.  
 

332 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

من الأخبار التي لا يقدح في الاستدلال بما فيها من التعليل والتعميم لسائر حقوقهم اشتمال بعضها على تحليل تمام الخمس الذي لا نقول به.

وقال: على أنه قد يُدَّعى ظهوره في إرادة الأموال التي في أيدي مخالفينا مما لم يخرجوا منها الخمس ولا غيره من حقوقهم عليه السلام، بمعنى إباحة سائر التصرفات لنا فيها من مأكل ومشرب ولباس وبيع وغيره وإن كان محرَّماً عليهم، لا إرادة إباحة الخمس المتعلِّق في أموال الشيعة بسبب اكتساب أو عثور على كنز أو نحو ذلك من أسبابه المتقدمة. وكيف وقد أكدوا صلوات الله عليهم وجوبه (1) وشدَّدوا النكير على من ترك إخراجه ، بل في بعض الأخبار لعنه كما سيأتي إن شاء الله ذكر جملة منها، وبذلك حينئذ يُجمع بين أخبار الإباحة وأخبار الحث على إخراجه وإيصاله إلى أهله (2)، وإن أشكل ذلك على كثير من الأصحاب حتى وقعوا من جهته في كمال الاضطراب على ما ستعرف إن شاء الله .

وقال: وكيف كان فسبر هذه الأخبار المعتبرة الكثيرة التي كادت تكون متواترة المشتملة على التعليل العجيب والسر الغريب يشرف الفقيه على القطع بإباحتهم عليهم السلام شيعتهم زمن الغيبة، بل والحضور الذي هو كالغيبة في قصور اليد وعدم بسطِها سائرَ حقوقهم عليهم السلام في الأنفال، بل وغيرها مما كان في أيديهم وأمره راجع إليهم مما هو مشترك بين المسلمين، ثم صار في أيدي غيرهم من أعدائهم (3) كما نصَّ عليه الأستاذ في كشفه (4)، ولقد أجاد حيث قال بعد تعداده الأنفال: ( وكل شيء يكون بيد الإمام

 

(1) أي كيف نقول بالإباحة وهم عليهم السلام قد أكدوا وجوب الخمس المتعلق في أموال الشيعة.
(2) يريد بأن تحمل أخبار الإباحة على الأراضي والأنفال، وأخبار الحث على إخراجه على سائر أموال الأخرى.
(3) أي أن الأخبار المتواترة تجعل الفقيه يقطع بأن الأئمة عليهم السلام أباحوا لشيعتهم حقوقهم من الأنفال وغير الأنفال مما هو مشترك بين المسلمين مما كان في أيدي الأئمة، ثم صار في أيدي أعدائهم، فيجوز للشيعة شراؤه والمعاوضة عليه واستئجاره وقبوله هدية ممن هو في يده.
(4) أي الشيخ جعفر الكبير كاشف الغطاء في كتابه (كشف الغطاء).

 
 

الخمــس ........................................................................................ 333

عليه السلام مما اختصَّ أو اشترك بين المسلمين يجوز أخذه من يد حاكم الجور بشراء أوغيره من الهبات والمعاوضات والإجارات، لأنهم أحلّوا ذلك للإمامية من شيعتهم ) إلى آخره (1).

إلى غير ذلك من كلماته الكثيرة قدس سره الدالّة بوضوح على أنه كان يرى أن الأئمة عليهم السلام أباحوا لشيعتهم التصرف في الأراضي والأنفال دون خمس الأموال والمكاسب وغيرها.

قال الكاتب: 12- وأختم بالشيخ رضا الهمداني المتوفى 1310هـ في كتابه مصباح الفقيه ص 155: فقد أباح الخمس حال الغيبة، والشيخ الهمداني هذا متأخر جداً قبل حوالي قرن من الزمان أو أكثر.

وأقول: لقد أفتى الفقيه الهمداني في كتابه المذكور بوجوب الخمس على الشيعة في عصر الغيبة، فإنه قدس سره بعد أن ذكر الروايات التي ظاهرها وجوب الخمس، وأتبعها بالروايات الظاهرة في إباحة الخمس، قال: ولا يخفى عليك أن هذه الروايات وإن كثرت ولكن لا يصلح شيء منها ما عدا الخبر الأخير أي التوقيع المروي عن صاحب الأمر عجَّل الله فرجه لمعارضة الأخبار المتقدمة النافية لها، فإن ظاهر جلّها إباحة مطلق الخمس، وهذا مما يمتنع إرادته إلى آخر الأبد، لمخالفته للحكمة المقتضية لشرعه من استغناء بني هاشم به عن وجوه الصدقات، فالمراد بها (2) إما تحليل قسم خاص منه، وهو ما يتعلق بطيب الولادة كأمهات الأولاد ونحوهما كما يشعر بذلك التعليل الواقع في جملة منها،

 

(1) جواهر الكلام 16/138-140.

(2) أي بالأخبار التي ظاهرها تحليل الخمس للشيعة.  
 

334 ............................................................................ لله وللحقيقة الجزء الأول

ويومي إليه قول أبي عبد الله عليه السلام في رواية الفضيل: إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم، لتطيبوا. أو تحليل مطلقه (1) في عصر صدور الروايات لحكمة مقتضية له، وهي شدة التقية، فإن أخبار التحليل جلّها لولا كلها صدرت عن الصادقَين عليهما السلام، وقد كانت التقية في زمانهما مقتضية لإخفاء أمر الخمس وإغماض مستحقيه عن حقِّهم، وإلا لم يكونوا مأمونين على أنفسهم ولا على شيعتهم الذين يؤدّون إليهم حقوقهم، فأباحوه لهم كي لا يقيموا على حرام، ويطيب مأكلهم ومشربهم ومولودهم.

ومن هنا يظهر قصور تلك الأخبار في حد ذاتها عن إفادة إباحته على الإطلاق حتى بالنسبة إلى مثل هذه الأعصار التي لا مانع عن إيصاله إلى مستحقيه ولا مقتضي لإخفاء أمره كما لا يخفى، بل بعضها ظاهر في إرادة العفو عنه في خصوص تلك الأزمنة لبعض العوارض المقتضية له وراء الجهة المزبورة، كقوله عليه السلام في خبر يونس: ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم.

والحاصل أن من تدبَّر في تلك الأخبار، والتفت إلى العوارض المقتضية للعفو عن الخمس الموجودة في عصر صدورها، لرأى قصوراً عليها عن إفادة الإباحة المطلقة.

نعم بعضها كرواية أبي خديجة نصٌّ في ذلك، ولكن لا عموم لها من حيث المورد ، بل هي واردة في المناكح والمتاجر والمواريث والعطايا، وستعرف استثناء هذه الأمور عما يجب فيه الخمس، كما أن جملة من الأخبار الواردة في تحليل أمهات الأولاد أيضاً ظاهرة في ذلك، وهو مما نلتزم به كما ستعرف.

ثم لو سلم ظهور الأخبار في العفو عن مطلق الخمس أو خصوص الأرباح مطلقاً لوجب رفع اليد عنه بالأخبار المتقدمة الصادرة عن أبي الحسن الرضا ومَن بعده من الأئمة المعصومين صلوات عليهم أجمعين، الصريحة في عدم رضاهم بالمسامحة في أمر الخمس، ووجوب إيصاله إلى مستحقيه، مضافاً إلى ما عُلم مِن حالهم مِن نَصْب الوكلاء لقبض حقوقهم من الأخماس وغيرها (2).

 

(1) أي تحليل مطلق الخمس في وقت صدور الرواية.

(2) مصباح الفقيه 3/126.  
 

الخمــس ........................................................................................ 335

وقال في موضع آخر: قد عرفت في مبحث خمس الأرباح أنه لا بد من حمل عمومات أخبار التحليل إما على حقوقهم المغصوبة في أيدي المخالفين كما هو منصرَف أغلبها، أو غير ذلك من المحامل الغير المنافية لوجوب الخمس بالفعل على الشيعة فيما يستفيدونه من أرباح التجارات وغيرها مما يتعلق به الخمس، فراجع (1).

 

(1) المصدر السابق 3/156.

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب