أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 589

قال الكاتب: والآن نريد أن نُعَرِّجَ على لَونٍ آخر من آثار العناصر الأجنبية في التشيع.
إنها قضية الإمام الثاني عشر، وهي قضية خطيرة جداً.
لقد تناول الأخ الفاضل السيد
[كذا] أحمد الكاتب هذا الموضوع فبين أن الإمام الثاني عشر لا حقيقة له، ولا وجود لشخصه، وقد كفانا الفاضل المذكور مهمة البحث في هذا الموضوع،
ولكني أقول: كيف يكون له وجود وقد نصت كتبنا المعتبرة على أن الحسن العسكري - الإمام الحادي عشر - توفي ولم يكن له ولد، وقد نظروا في نسائه وجواريه عند موته فلم يجدوا واحدة منهن حاملاً أو ذات ولد، راجع لذلك كتاب

590 .................................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

الغيبة للطوسي ص 74، الإرشاد للمفيد ص 354، أعلام الورى للفضل الطبرسي ص 380، المقالات والفرق للأشعري القمي ص 102.

وأقول: هذا من غرائب الأكاذيب، فإن الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب الغيبة قد أثبت ولادة الإمام المهدي بأدلة كثيرة، ولهذا قال في الصفحة المذكورة، ص 74: والخبر بولادة ابن الحسن عليه السلام وارد من جهات أكثر مما يثبت به الأنساب في الشرع، ونحن نذكر طرفاً من ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وأما إنكار جعفر بن علي -عم صاحب الزمان عليه السلام- شهادة الإمامية بولد لأخيه الحسن بن علي وُلِد في حياته، ودفعه بذلك وجوده بعده، وأخذه تركته وحوزه ميراثه، وما كان منه في حمل سلطان الوقت على حبس جواري الحسن عليه السلام واستبدالهن بالاستبراء لهن من الحمل ليتأكد نفيه لولد أخيه، وإباحته دماء شيعتهم بدعواهم خلفاً له بعده كان أحق بمقامه، فليس بشبهة يعتمد على مثلها أحد من المحصِّلين، لاتفاق الكل على أن جعفراً لم يكن له عصمة كعصمة الأنبياء، فيمتنع عليه لذلك إنكار حق ودعوى باطل، بل الخطأ جائز عليه، والغلط غير ممتنع منه.

انتهى كلامه قدس سره، وهو واضح في أنه كان في صدد إثبات ولادة المهدي عليه السلام، والظاهر أن الكاتب قد نسب إنكار جعفر بن علي ولادة الإمام المهدي عليه السلام للشيخ الطوسي رحمه الله، وهذا غير بعيد منه.

وأما الشيخ المفيد قدس الله نفسه فإنه نصَّ في كتابه الإرشاد على إمامة الإمام المهدي عليه السلام بعد أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام، فقال: وكان الإمام بعد أبي محمد عليه السلام ابنه المسمَّى باسم رسول الله (ص) ، المكنَّى بكنيته ، ولم يخلف أبوه ولداً ظاهراً ولا باطناً غيره، وخلفه غائباً مستتراً على ما قدَّمنا ذكره، وكان مولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وأمّه أم ولد يقال لها نرجس، وكان سنّه عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة وفصل

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 591

الخطاب ، وجعله آية للعالمين ، وآتاه الحكمة كما آتاها يحيى صبيًّا ، وجعله إماماً في حال الطفولية الظاهرة كما جعل عيسى بن مريم في المهد نبيًّا (1).

ثم ذكر أن الأخبار بغيبته مستفيضة قبل ولادته، وأن له غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، وعقد باباً في ذكر طرف من الدلائل على إمامته، وباباً في ما جاء من النص على إمامته، وباباً في ذكر من رآه، وباباً في كراماته ومعجزاته... إلى آخر ما ذكره، وكله صريح في نفي ما نسبه الكاتب إليه من القول بعدم ولادته.

وأما الشيخ الطبرسي في إعلام الورى فإنه عقد فصولاً في ترجمة الإمام المهدي عليه السلام، فعقد فصلاً في ذكر اسمه وكنيته ولقبه، وفصلاً آخر في ذكر مولده واسم أمّه، وفصلاً ثالثاً في ذكر من رآه، وفصلاً آخر في ذكر الدلائل على إثبات غيبته وصحَّة إمامته، وفصلاً آخر في ذكر أسماء الذين شاهدوه ورأوا دلائله وخرج إليهم من توقيعاته... إلى آخر ما ذكره من الفصول الدالة على بطلان ما نسبه إليه الكاتب من نفي ولادته.

وبقول مختصر فإن كل من نسب إلى واحد من علمائنا المعروفين أنه يقول بعدم ولادة الإمام المهدي عليه السلام فهو كاذب مفتر، لا يستحيي ولا يخجل، وذلك لأن أقوالهم معروفة، وكتبهم مشهورة.

قال الكاتب: وقد حقق الأخ الفاضل السيد [كذا] أحمد الكاتب في مسألة نُوَّاب الإمام الثاني عشر فأثبت أنهم قوم من الدَّجَلَة ادَّعُوا النيابة من أجل الاستحواذ على ما يُراد من أموال الخُمس، وما يُلْقَى في المرقد [كذا]، أو عند السرداب من تبرعات.

 

(1) الإرشاد، ص 346.

 
 

592 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

وأقول: لا شأن لنا بما قاله أحمد الكاتب، لأنا لا نكتب ردًّا على أقواله، وإنما كلامنا مع كاتب (لله ثم للتاريخ)، وكلام أحمد الكاتب كله مردود عليه، فراجع إن شئت كتاب (دفاع عن التشيع) للسيد نذير الحسني، وكتاب (متاهات في مدينة الضباب)، وهو مجموعة حوارات وقعت بينه وبين بعض المحاورين الشيعة في شبكة هجر الثقافية.

وأما ما يرتبط بموضوع النواب الأربعة فإن أحمد الكاتب لم يأتِ بأي دليل ينفي نيابتهم، وإنما أنكر أن يكون عنده دليل على وثاقة السفراء الأربعة، فقال: إذن فلا يمكننا أن نصدق بدعوى أولئك النواب بالنيابة عن الإمام المهدي، ونعتبر قولهم دليلاً على وجود الإمام، استناداً إلى دعاوى المعاجز أو العلم بالغيب، ولا يمكننا أن نميز دعواهم عن دعوى أدعياء النيابة الكاذبين الذين كانوا يتجاوزون الأربعة والعشرين (1).

وزعم أن هؤلاء السفراء مستفيدون من ادعاء السفارة، وقد ادعى السفارة كثيرون، فلا بد من الحكم بكذب الكل ، فقال : وإذا كنا نتَّهم أدعياء النيابة الكاذبين بجر النار إلى قرصهم ، وبالحرص على الأموال والارتباط بالسلطة العباسية القائمة يومذاك، فإن التهمة تتوجَّه أيضاً إلى أولئك النواب الأربعة الذين لم يكونوا بعيدين عنها (2).

وهذا كلام لا يخفى فساده، لأنه على هذا المنهج لا بد أن ينكر نبوة نبيِّنا (ص) ، لأن هناك من ادعى النبوة في عصره (ص) ، وكان مستفيداً من هذا الادعاء، والتهمة حينئذ تتوجَّه إلى الكل، ولنفس السبب يلزمه أيضاً أن ينكر إمامة كل الأئمة من غير استثناء.

وأما اتهام النواب الأربعة بالكذب والدجَل فهو سهل من أمثال أحمد الكاتب،

 

(1) تطور الفكر السياسي الشيعي.

(2) نفس المصدر.

 

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 593

ولكن من الصعب عليه إثباته، والإمام المهدي عليه السلام قد جعل له سفراء أربعة معروفين بالقداسة والتقوى والورع، بشهادة المؤالف والمخالف، ولم ينقل عنهم دجل ولا تكالب على جمع الأموال ولا حب الرئاسة، وقد كان أول السفراء ـ وهو أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رحمه الله ـ وكيلاً للإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام، وكان ثقة جليلاً ممدوحاً منهما عليهما السلام، ومنه تسلسلت النيابة إلى بقية النواب، وكانت التواقيع تصدر من الإمام عليه السلام منبِّهة الشيعة ومحذِّرة لهم من كل من سوَّلت له نفسه أن يدَّعي النيابة عن الإمام عليه السلام في حال غيبته، وقد ذكر ذلك كله الشيخ الطوسي قدس سره في كتابه الغيبة ، فراجعه، فإن فيه فوائد مهمة وكثيرة (1).

قال الكاتب: وَلْنَرَ ما يصنعُه الإمام الثاني عشر المعروف بالقائم أو المنتظر عند خروجه:
1- يضع السيف في العرب: ( روى المجلسي أن المنتظر يسير في العرب بما في الجفر الأحمر وهو قَتَلُهم ) بحار الأنوار 52/318.

وأقول: هذا الحديث نقله المجلسي عن بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار، وسنده هو: أحمد بن محمد، عن ابن سنان، عن رفيد مولى أبي هبيرة.

وهو حديث ضعيف، وذلك لأن أحمد بن محمد الذي يروي عنه الصفار هو أحمد بن محمد بن عيسى، فيكون ابن سنان المذكور في السند هو محمد بن سنان، لأن أحمد بن محمد لا يروي عن عبد الله بن سنان الثقة، ومحمد هذا ضعيف، قد مرَّ بيان حاله فيما سبق.

هذا مضافاً إلى أن رفيداً مولى ابن (أو أبي) هبيرة لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

 

(1) راجع كتاب الغيبة للشيخ الطوسي، ص 214 وما بعدها.

 
 

594 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

ومع الإغماض عن سند الرواية فيحتمل أن السبب في أن المهدي عليه السلام سيسير في العرب بالذبح هو أنه عليه السلام سيظهر في بلاد العرب، والعرب لن يسلِّموا له الأمر طواعية، بل سيحاربونه ويحاربهم، وسيقتل منهم من حاربه.

ولا ريب في أن كل من كفَّ يده ، وترك مقاتلة الإمام عليه السلام عند خروجه ، ودان له بالطاعة، فلن يصيبه أي مكروه منه، ولن يقصده الإمام بالحرب، سواء أكان من العرب أم من العجم.

فالحديث يشير إلى أن طوائف من العرب ستحارب الإمام المهدي عليه السلام عند ظهوره، وأن الإمام سيحاربهم حتى يخضعهم أو يقتلهم.

وهذا المعنى قد ورد في بعض أحاديث أهل السنة، فقد أخرج الحاكم في المستدرك بسنده عن نافع بن عتبة، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: تقاتلون جزيرة العرب، فيفتحهم الله ، ثم تقاتلون الروم، فيفتحهم الله، ثم تقاتلون فارس، فيفتحهم الله، ثم تقاتلون الدجال، فيفتحه الله (1).

قال الكاتب: وروى أيضاً: ( ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح ) بحار الأنوار 52/349.

وأقول: الظاهر أن المراد بهذا الحديث هو أنه لم يبق بين أهل البيت عليهم السلام وبين العرب إلا قتل العرب لهم، فإنهم قد أولغوا في دماء أهل البيت وبني هاشم، فقتلوهم شر تقتيل، وسفكوا من دمائهم الكثير، وذلك بقرينة قوله عليه السلام : (ما بقي)، فكأنه

 

(1) المستدرك 4/426 ط حيدرآباد، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

 
 

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 595

قال: ما بقي لنا شيء من الحقوق عليهم، إلا أنهم عَدَوا علينا بالقتل والذبح، وكلامه عليه السلام هذا إشارة إلى الحالة التي كانت في زمان الصادق عليه السلام، لأن أبا جعفر المنصور قد قتل من بني هاشم العدد الكثير كما هو مذكور في التاريخ.

قال الكاتب: وروى أيضاً: ( اتَّقِ العرب، فإن لهم خبرُ سوءٍ، أما إنه لم يخرج مع القائم منهم واحد ) بحار الانوار 52/333.

وأقول: روى المجلسي هذه الرواية عن كتاب الغيبة للشيخ، وسند هذه الرواية هو: الفضل، عن علي بن أسباط، عن أبيه أسباط بن سالم، عن موسى الأبار.

وهذه الرواية ضعيفة السند، فإن راوي الرواية موسى الأبار مجهول الحال، لم يثبت توثيقه في كتب الرجال، والراوي عنه أسباط بن سالم، وهو لم يُوثَّق.

ومع الإغماض عن سند هذه الرواية فإنها معارضة بأخبار أخر دلَّت على أن بعض أنصاره من العرب.

منها: ما رواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بسنده عن جابر الجعفي، قال: قال أبو جعفر عليه السلام : يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدّة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم (1).

 

(1) كتاب الغيبة للطوسي، ص 284. بحار الأنوار 52/334.

 
 
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب