626 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

قال الكاتب: ومن أعظم آثار العناصر الأجنبية في حَرْف التشيع عن ركب الأمة الإسلامية هو القول بترك صلاة الجمعة، وعدم جوازها إلا وراء إمام معصوم. لقد صدرت في الآونة الأخيرة فتاوى بجواز إقامة صلاة الجمعة في الحسينيات، وهذا عمل عظيم، ولي والحمد لله جهود كبيرة في حث المراجع العليا على هذا العمل، وإني احتسب أجري عند الله تعالى.

وأقول: لم يكشف لنا مدَّعي الاجتهاد والفقاهة عن علاقة العناصر الأجنبية بهذه المسألة، وما هي أهمية ترك هذه الصلاة عند تلك العناصر‍؟

والعجيب زعمه صدور فتاوى في الآونة الأخيرة بجواز إقامة صلاة الجمعة في الحسينيات، مع أنه كان من الملائم جداً أن يذكر فتوى واحدة من هذه الفتاوى المزعومة التي كان له دور بارز في صدورها كما يدَّعي.

والمضحك في الأمر هو زعمه أن الفتاوى حثّت على إقامة صلاة الجمعة في الحسينيات، وهذا دليل يضاف إلى ما سبق من الأدلة على أن الكاتب بعيد كل البعد عن ساحة العلماء وعن جو الحوزة العلمية، بل هو خارج عن الوسط الشيعي بتمامه،

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................. 627

فإن الشيعة لا يقيمون صلواتهم اليومية في الحسينيات فضلاً عن صلاة الجمعة، وإنما يقيمونها في المساجد العامة كما هو معروف عند الكل.

والغريب أن مدعي الاجتهاد والفقاهة زعم أن الشيعة لا يجوِّزون إقامة صلاة الجمعة إلا خلف الإمام المعصوم، مع أن جملة من فقهاء الإمامية قد صرَّحوا في كتبهم بوجوبها العيني في زمان الغيبة، وذهب المشهور إلى وجوبها التخييري بينها وبين صلاة الظهر.

قال الشيخ يوسف البحراني قدس سره في كتابه الحدائق الناضرة:
ولا خلاف بين أصحابنا في وجوبها عيناً مع حضوره عليه السلام أو نائبه الخاص ، وإنما الخلاف في زمن الغيبة وعدم وجود الإذن على الخصوص، على أقوال: الأول: القول بالوجوب العيني، وهو المختار المعتضد بالآية والأخبار، وبه صرَّح جملة من مشاهير علمائنا الأبرار رضوان الله عليهم، متقدميهم ومتأخريهم، أحدهم الشيخ المفيد قدس سره ...
(1).

ثم نقل القول بالوجوب العيني لصلاة الجمعة عن أبي الصلاح الحلبي في كتاب (الكافي في الفقه)، والشيخ أبي الفتح الكراجكي في كتابه (تهذيب المسترشدين)، والشيخ عماد الدين الطبرسي في كتابه (نهج العرفان إلى هداية الإيمان)، والشيخ الكليني في كتاب الكافي، والشيخ محمد بن علي بن بابويه القمي المعروف بالصدوق في كتاب (الفقيه).

ثم قال: هذا ما وقفت عليه من كلام المتقدمين، وأما المتأخرون عن عصر شيخنا الشهيد الثاني ممن قال بهذا القول فهم أكثر من أن يأتي عليهم قلم الإحصاء وأن يدخلوا في حيز الاستقصاء، إلا أنه لا بأس بذكر جملة من مشاهيرهم ونقل عبائرهم في المقام تتمة لما قدمناه من متقدمي علمائنا الأعلام (2).

 

(1) الحدائق الناضرة 9/378.

(2) نفس المصدر 9/385.

 

628 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

ثم عدَّ من جملة القائلين بالوجوب العيني لصلاة الجمعة في عصر الغيبة: الشهيد الثاني في رسالته المشهورة في صلاة الجمعة، والسيد محمد في كتاب (المدارك)، والشيخ حسين بن عبد الصمد تلميذ الشهيد الثاني ووالد الشيخ البهائي في رسالته المعروفة بالعقد الطهماسي، والشيخ حسن ابن الشهيد الثاني في رسالته الموسومة بالاثني عشرية، وابنه الشيخ محمد، والشيخ فخر الدين بن طريح النجفي في شرح الرسالة المتقدمة ، والشيخ محمد باقر المجلسي في بحار الأنوار، ووالده الشيخ محمد تقي في رسالة ألفها في تحقيق هذه المسألة ، والمولى محمد باقر السبزواري في رسالة ألفها في الوجوب العيني في هذه المسألة، والمحدِّث الفيض الكاشاني في رسالة اختار فيها الوجوب العيني، ومحمد باقر الداماد، والسيد ماجد البحراني وغيرهم.
ثم قال:
وبالجملة فجملة من تأخر عن شيخنا الشهيد الثاني ووقفت على رسالته من الفضلاء المحققين فكلهم على الوجوب العيني إلا الشاذ النادر ممن قال بالتحريم أو الوجوب التخييري كما لا يخفى على من له أنس واطلاع على العلماء وسيرهم وأحوالهم
(1).

وقال السيد محمد جواد العاملي قدس سره في كتابه (مفتاح الكرامة):
وأما القول الأول وهو الوجوب عيناً في زمن الغيبة، فقد عرفت أنه خيرة الشهيد الثاني في رسالته، وولده في رسالته، وسبطه، والشيخ نجيب الدين، والمولى الخراساني في كتابيه، والكاشاني في المفاتيح والشهاب الثاقب والوافي، والشيخ سليمان في رسالتيه، والسيد عبد العظيم، والشيخ أحمد الخطي، ومولانا الحر في الوسائل، ومولانا الشيخ أحمد الجزائري في الشافية، وصاحب الحدائق، والسيد علي الصايغ ، واحتمله احتمالاً في الذكرى، ونسبوه إلى المفيد في المقنعة وكتاب الأشراف، وإلى أبي الفتح الكراجكي، وإلى أبي الصلاح التقي، وإلى ظاهر الصدوق في المقنع والأمالي،

 

(1) نفس المصدر 9/397.

 
 

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................. 629

وإلى الشيخ في التهذيب، وإلى الشيخ عماد الدين الطبرسي... (1).

وأما القائلون بالوجوب التخييري في زمان غيبة الإمام عليه السلام فهم كثيرون، بل لعل هذا القول هو المشهور عندهم.

قال الجواد العاملي في مفتاح الكرامة : وأما القول الرابع ، وهو الوجوب تخييراً من دون اشتراط الفقيه، ويعبَّر عنه بالجواز تارة، وبالاستحباب أخرى، فهو المشهور كما في التذكرة وغاية المراد، ومذهب المعظم كما في الذكرى، والأكثر كما في الروض والمقاصد العلية والماحوزية ورياض المسائل، وفي غاية المراد أيضاً أنه فتوى النهاية والخلاف والأتباع وأبي الصلاح، والمحقق في المعتبر، والمصنف في المختلف. انتهى.

وفي المقاصد العلية أيضاً أن الوجوب في حال الغيبة مع المنصوب العام وغيره تخييري لا عيني كما أجمع عليه الأصحاب. انتهى، فتأمل.

وهو خيرة النهاية والمبسوط والمصباح وجامع الشرائع والنافع والمعتبر والتلخيص وحواشي الشهيد والبيان وغاية المراد كما سمعت، والموجز الحاوي، والمقتصر، وتعليق الإرشاد، والميسية، والروض، والروضة، والمقاصد العلية، وتمهيد القواعد، والذكرى، وقد سمعت عبارتها، وفيها عبارة أخرى يأتي نقلها، وظاهر كشف الالتباس، وغاية المرام، أو صريحهما، وهو المنقول عن القاضي، وكذا المفيد، والتقي، على ما عرفت... إلى آخر كلامه (2).

قلت: فإذا كان كل هؤلاء الأساطين قد ذهبوا إلى وجوب إقامة صلاة الجمعة تعييناً أو تخييراً بينها وبين صلاة الظهر ، فهل يسوغ لمنصف أن يزعم أن الشيعة الإمامية لا يرون إقامة صلاة الجمعة إلا بحضور الإمام المعصوم؟! ولا سيما أن استحباب اختيار إقامة الجمعة هو القول المشهور عندهم؟!

فقد قال العلاَّمة الحلي في كتابه تذكرة الفقهاء: وهل للفقهاء المؤمنين حال الغيبة والتمكن من الاجتماع والخطبتين صلاة الجمعة؟ أطبق علماؤنا على عدم

 

(1) مفتاح الكرامة 3/57.

(2) نفس المصدر 3/62.

 

630 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

الوجوب، واختلفوا في استحباب إقامتها، فالمشهور ذلك (1).

قال الكاتب: ولكني أتساءل: من الذي تسبب في حرمان كل تلك الأجيال وعلى مدى ألف سنة تقريباً من صلاة الجمعة ؟ فأية يد خفية هذه التي استطاعت بدهائها وسيطرتها أن تحرم الشيعة من صلاة الجمعة مع وجود النص القرآني الصريح في وجوب إقامة الجمعة ؟؟!!.

وأقول: الذي تسبَّب في حرمان الشيعة من إقامة صلاة الجمعة هم سلاطين الجور الذين منعوا الشيعة من إقامتها في جميع الأمصار والأعصار، وهذا يعرفه كل من أحاط خبراً بالحوادث الجارية في السنين الماضية، ولولا أنَّي أخشى غائلة المؤاخذة من قبلهم لسجَّلتُ للقارئ العزيز حوادث كثيرة تدل على ما قلته، ولكني أقول كما قال الشاعر:

قَالَتِ الضِّفْدعُ قَولاً   صَدَّقتْه الحُكَمَاءُ
في فَمِي مَاءٌ وهَلْ يَنْـ  ـطِقُ مَنْ في فِيْهِ مَاءُ

 بل إن كل من أمعن النظر وتبصَّر في الأمور يجد أن سلاطين الجور قد حرموا حتى أهل السنة من فوائد صلاة الجمعة وعوائدها، لأنهم وظَّفوا لها من يمشي في ركابهم، ويسير على منهاجهم، فلا يقول إلا ما يملونه عليه، ولا يتفوَّه إلا بما يوحونه إليه، حتى إنه قد بلغني من مصادر مؤكَّدة أن خُطَب صلاة الجمعة تُجاز من قبل بعض أجهزة الدولة قبل أن يقوم الإمام بإلقائها على الناس، فأية فائدة تُرتجى من مثل هذه الخُطَب، وأي منفعة تُتوقَّع من مثل هذه الصلوات؟!

 

(1) جواهر الكلام 11/179.

 
 
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب