612 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

قال الكاتب: لقد كان ظَنُّنَا أن القائم سيُعيد المسجد الحرام بعد هدمه إلى ما كان عليه زمن النبي .، وقبل التوسعة، ولكن تبين لي فيما بعد أن المراد من قوله ( يُرْجِعُه إلى أساسه ) أي يهدمه، ويُسَوِّيهِ بالأرض، لأن قِبلَة الصلاة ستتحول إلى الكوفة.

روى الفيض الكاشاني: ( يا أهل الكوفة لقد حباكم الله عز وجل بما لم يَحْبُ أحداً من فضل، مُصَلاكم بيتُ آدم وبيت نوح، وبيت إدريس ومصلى إبراهيم.. ولا تذهب الأيام حتى يُنْصَبَ الحجر الأسود فيه ) الوافي 1/215.

وأقول: لقد تكلمنا في هدم المسجدين إلى أساسهما ، وذكرنا أن الرواية الواردة في ذلك ضعيفة السند ، ومع الإغماض عن سند الرواية وتسليم وقوع ذلك من الإمام عليه السلام فلا ريب في أنه عليه السلام سيعيد بناءهما على التقوى بعد أن يزيل كل حجر وضعه سلاطين الجور وأتباعهم.

وأما ما قاله الكاتب من أن الإمام المهدي عليه السلام سيهدم المسجد الحرام، ولن

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................. 613

يعيد بناءه ، لأنه سيحوِّل القبلة إلى مسجد الكوفة فهذا من الأباطيل الواهية التي نتعجب صدورها من عاقل !! ولا سيما أن الحديث الذي احتج به على ذلك لا يدل على ما قاله ، فإن وضع الحجر الأسود في مسجد الكوفة لا يعني صيرورته قبلة للناس، وذلك لأن الكعبة المشرفة تبقى قبلة للمسلمين حتى لو أزيل منها الحجر الأسود.

ثم إن الحديث لم ينص على أن من ينصب الحجر الأسود فيه هو الإمام المهدي عليه السلام ، ولا دلالة فيه على أن مسجد الكوفة بعد نصب الحجر فيه يصير قبلة للناس.

ولعل إخبار الإمام عليه السلام بنصب الحجر الأسود فيه إنما كان للتدليل على أهميته وعظم مكانته عند الناس، لا من أجل بيان مشروعية هذا الفعل ومحبوبيته.

ونضيف إلى هذا كله أن هذه الرواية ضعيفة السند، فإن الشيخ الصدوق رواها بسنده إلى الأصبغ بن نباتة (1)، وطريق الصدوق إلى الأصبغ بن نباتة ضعيف.
فإن في طريقه محمد بن علي ماجيلويه، وهو لم يثبت توثيقه وإن كان من مشايخ الرواية للصدوق.

وفي طريقه الحسين بن علوان الكلبي، وعبارة النجاشي في رجاله موهمة (2)، تحتمل عود التوثيق فيها إليه أو إلى أخيه الحسن، والظاهر أنها تعود إلى أخيه، بقرينة الفصل بينها وبين قوله فيه: (عامي)، لأن الوصف بـ (ثقة) لو كان عائداً إليه لقال: (عامي ثقة)، ولقوله بعدُ: (وللحسين كتاب تختلف رواياته)، وهذا قد يشعر بعدم وثاقته، لاحتمال أن اختلاف رواياته كان ناشئاً من التخليط أو قلة الضبط، والله أعلم.

وفي طريق الصدوق للأصبغ أيضاً عمرو بن ثابت، وهو عمرو بن أبي المقدام،

 

(1) من لا يحضره الفقيه 1/165. وسائل الشيعة 3/526.
(2) قال النجاشي في رجاله 1/161: الحسين بن علوان الكلبي، مولاهم كوفي، عامي، وأخوه الحسن يكنّى أبا محمد، ثقة، رويا عن أبي عبد الله عليه السلام، وليس للحسن كتاب، والحسن أخص بنا وأولى، روى الحسين عن الأعمش وهشام بن عروة، وللحسين كتاب تختلف رواياته.

 
 

614 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

ولم يثبت توثيقه.
وعليه فالرواية ضعيفة السند، لا يصح الاحتجاج بها في شيء.

قال الكاتب: إذاً نَقْلُ الحجر الأسود من مكة إلى الكوفة، وجَعْلُ الكوفةِ مُصَلَّى بيت آدم ونوح وإدريس وإبراهيم دليل على اتخاذ الكوفة قبلة للصلاة بعد هدم المسجد الحرام، إذ بعد هذا لا معنى لإرجاعه إلى ما كان عليه قبل التوسعة، ولا تبقى له فائدة، فلا بد له من الإزالة والهدم ـ حسبما ورد في الروايات ـ وتكون القبلة والحجر الأسود في الكوفة، وقد علمنا فيما سبق أن الكعبة ليست بذات أهمية عند فقهائنا، فلا بد إذن من هدمها.

وأقول: إن الرواية قد نصَّت على أن مسجد الكوفة كان بيت آدم وبيت نوح، وبيت إدريس، ومصلَّى إبراهيم... الخ.
لا أنه سيُجعل مصلَّى بيت [كذا] آدم ونوح وإدريس وإبراهيم كما زعم الكاتب.
وما معنى جعله مصلَّى بيت آدم ونوح؟! ثم ما هو التلازم بين كون مسجد الكوفة بيتاً لآدم ونوح ومصلَّى لإبراهيم، وبين جعله قبلة للناس بدلاً من الكعبة المشرفة؟!
وأما ما قاله من نقل الحجر الأسود إلى مسجد الكوفة، وعدم أهمية الكعبة عند فقهاء الشيعة، فقد أوضحنا جوابه فيما مرَّ، فراجعه.

قال الكاتب: ونعود لنسأل مرة أخرى: ما هو الأمر الجديد الذي يقوم به

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................. 615

القائم؟ وما هو الكتاب الجديد والقضاء الجديد؟
إن كان الأمر الذي يقوم به من صلب حكم آل محمد، فليس هو إذن بجديد. وإن كان الكتاب من الكتب التي استأثر بها أمير المؤمنين حسبما تَدَّعِيه الروايات الواردة في كتبنا فليس هو بكتاب جديد.
وإن كان القضاء من أقضية محمد وآله، والكتاب من غير كتبهم والقضاء من غير أقضيتهم فهو فعلاً أمر جديد، وكتاب جديد وقضاء جديد، وكيف لا يكون جديداً والقائم سيحكم بحكم آل داودَ كما مر؟
إنه أمر من حكم آل داود، وكتاب من كتبهم، وقضاء من قضاء شريعتهم، ولهذا كان جديداً، ولذلك ورد في الرواية: (لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد) كما مر بيانه.

وأقول: لقد أجبنا على كل هذه التساؤلات فيما مرَّ بالتفصيل، ولا حاجة لإعادة الكلام فيها مرة ثانية، ولم يرد في الأخبار المشار إليها أن القائم عليه السلام سيحكم بحكم آل داود، بل بحكم داود نفسه، أي يحكم مثل حكمه في أنه يحكم بعلمه، ولا يسأل عن البيِّنة، لا أنه عليه السلام سيترك أحكام الإسلام ويحكم بأحكام شريعة النبي داود المنسوخة.

قال الكاتب: بقي أن تعلم أن ما يصنعه القائم حسبما جاء في الرواية المروعة، فإنه سَيُثِخنُ في القتل بحيث يتمنى الناس ألا يروه لكثرة ما يقتل من الناس وبصورة بشعة لا رحمة فيها ولا شفقة ، حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد ، ولو كان من آل محمد لرحم !!
وبدورنا نسأل: بمن سيفتك القائم ؟ ودماء من هذه التي سيجريها بهذه

616 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

الصورة البشعة؟.
إنها دماء المسلمين كما نصَّت عليه الروايات، وكما بين السيد الصدر.

وأقول: هذا الكلام كله اجترار وتكرار لما سبق، ونحن قد أجبنا عليه مفصلاً، وأوضحنا الذين سيقتلهم الإمام عليه السلام ، فلا وجه لتكرار الجواب مرة ثانية.

قال الكاتب: إذن ظهور القائم سيكون نقمة على المسلمين لا رحمة لهم، ولهم الحق إن قالوا إنه ليس من آل محمد، نعم، لأن آل محمد يرحمون ويشفقون على المسلمين، أما القائم فإنه لا يرحم، ولا يشفق، فليس هو إذن من آل محمد، ثم أليس هو ـ أي القائم ـ سيملأ الأرض عدلاً وقِسْطاً بعد أن مُلِئَتْ جوراً وظُلماً؟
فأين العدل إذن إذا كان سيقتل تسعة أعشار الناس وخاصة المسلمين؟ وهذا لم يفعله في تاريخ البشرية أحد ولا حتى الشيوعيون الذين كانوا حريصين على تطبيق نظريتهم على حساب الناس، فتأمل!!

وأقول: إن الإمام المهدي عليه السلام رحمة مهداة لهذه الأمة خاصة، وللإنسانية عامة، وهذا لا يمنع أن يكون عليه السلام في نفس الوقت نقمة على أعداء الدين وعلى الطواغيت والمرَدَة وسلاطين الجور وأعوانهم، فإن سلاطين الجور وأعوانهم لا بد أن ينالوا جزاءهم العادل في الدنيا قبل عقابهم الدائم في الآخرة، وهذا هو مقتضى العدل والإنصاف الذي سيطبقه الإمام المهدي عليه السلام في دولة العدل التي سيقيمها.

ونحن قد أوضحنا فيما تقدم أنه لا دلالة في الأحاديث السابقة التي احتج بها الكاتب على أن الإمام المهدي يقتل أعداداً كثيرة من الناس ومن غير شفقة ولا رحمة، فراجع.

وأما ذهاب تسعة أعشار الناس فقد أوضحناه مفصَّلاً وذكرنا محتملات هذا

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................. 617

الحديث، وقلنا: إنه ظاهر في الإخبار عن بعض الحوادث التي تقع قبل ظهوره عليه السلام، وليس في الحديث أية دلالة على أنه عليه السلام يقتل تسعة أعشار الناس، فلا حاجة للإعادة والتكرار.

قال الكاتب: لقد أسلفنا أن القائم لا حقيقة له، وأنه غير موجود، ولكنه إذا قام فسيحكم بحكم آل داود، وسيقضي على العرب والمسلمين ويقتلهم قتلاً لا رحمة فيه، ولا شفقة، ويهدم المسجد الحرام، ومسجد النبي (ص) ، ويأخذ الحجر الأسود، ويأتي بأمر جديد، وكتاب جديد، ويقضي بقضاء جديد، فمن هو هذا القائم؟ وما المقصود به؟

وأقول: كل ما قاله الكاتب قد أوضحنا فساده فيما تقدَّم بحمد الله ومَنِّه، لأنه لا يعدو أن يكون استدلالاً بأحاديث ضعيفة فهمها على غير وجهها، أو بأحاديث حرَّف معانيها بأبشع تحريف، وحملها على غير المراد منها، فكانت نتيجة ذلك أن قال كل هذا الهراء الباطل.

ومن الواضح أن الأحاديث السابقة حتى الضعيفة منها لم تذكر أن الإمام المهدي عليه السلام سيحكم بحكم آل داود، وأنه سيقضي على العرب والمسلمين، وأنه سيهدم المسجد الحرام ويتركه فلا يعيد بناءه، وأنه سيأخذ الحجر الأسود.

وأما زعمه بأنه قد ذكر أن المهدي لا حقيقة له، فهو زعم ـ كغيره من مزاعمه ـ لا قيمة له ما دام أنه لم يقم على ما قال أي دليل صحيح.

هذا مع أنه قد عوَّل في هذه المسألة على أحمد الكاتب، ولم يذكر أي دليل على ما ذهب إليه، والنص الذي زعم دلالته على أن الإمام الحسن العسكري عليه السلام توفي ولم يكن له ولد قد أجبنا عليه فيما مرَّ، فراجعه.

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب