أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 587

قال الكاتب: ولما قامت الدولة الصفوية صار هناك مجال كبير لوضع الروايات وإلصاقها بالإمام الصادق وبغيره من الأئمة سلام الله عليهم.

وأقول: هذا كلام غريب، وما أكثر الغرائب في كلام هذا الكاتب، فإن المجاميع الحديثية الشيعية كلها كُتِبتْ في العصور التي سبقت الدولة الصفوية (حوالي

588 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

 900هـ - 1134هـ) (1)، فإن الكليني صاحب الكافي توفي سنة 329هـ ، والشيخ الصدوق صاحب كتاب من لا يحضره الفقيه توفي سنة 381هـ، والشيخ الطوسي صاحب التهذيب والاستبصار توفي سنة 460هـ، فما أبعد أزمانهم عن زمان الدولة الصفوية.

وأما من جاء بعدهم كالفيض الكاشاني مؤلِّف كتاب الوافي المتوفى سنة 1091هـ، والحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة المتوفى سنة 1104هـ، فإنهما جمعا روايات الكتب الأربعة ورتَّباها وبوَّباها لا أكثر.

وأما المجلسي صاحب بحار الأنوار المتوفى سنة 1111هـ، فإنه جمع في كتابه من الأخبار والآثار ما تفرَّق في الكتب الكثيرة التي كتبها أساطين المذهب، والتي يُخشى اندثارها كما اندثر غيرها من كتب الحديث، فأوعز كل ما نقله إلى مصدره، وجاءت الطبعة الحديثة من هذا الكتاب مزدانة ببيان المصادر التي نقل المجلسي عنها بأرقام المجلدات والصفحات.

وأما الميرزا حسين النوري صاحب مستدرك الوسائل المتوفى سنة 1320هـ  فإنه استدرك على كتاب وسائل الشيعة ما لم يذكره الحر العاملي رحمه الله في الوسائل مما هو مذكور في الكتب الأخرى المعروفة التي كتبها العلماء السابقون، وقد طُبع هذا الكتاب طبعة جديدة محقَّقة ذُكرت فيها المصادر بأرقام المجلدات والصفحات.

فإذا اتضح ذلك يُعلم زيف مزاعم الكاتب وبطلان دعاويه، ويتبين أن كل كتب الحديث إما أنها كانت مكتوبة قبل قيام الدولة الصفوية، أو مصادرها كانت مكتوبة كذلك.

قال الكاتب: بعد هذا الموجز السريع تبين لنا أن مصنفات علمائنا لا يُوثَقُ بها،

 

(1) راجع دائرة المعارف الإسلامية 14/234. دائرة المعارف للبستاني 10/736.

 
 

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 589

ولا يُعْتَمَدُ عليها إذ لم يُعْتَنَ بها، ولهذا عَبِثَت بها أيدي العِدَى، فكان من أمرها ما قد عرفتَ.

وأقول: بل تبيَّن للقارئ العزيز أن كل ما قاله الكاتب ما هو إلا أوهام وخيالات، لا تستند على دليل ولا تنهض بها حجَّة، وأن الكاتب لم يعتمد في كلامه على الإثبات، وإنما تشبث بخيوط من سراب، فجمع ما ظن أنه يصل به إلى غايته، ويحقق به بُغيته، فباء بالخسران، ورجع بالخيبة والخذلان.

إن الكاتب لم يستطع أن يثبت بدليل واحد أن ثمة أحاديث زيدت في الكتب المعروفة، فيذكرها بأعيانها بعد مقارنة النُّسَخ القديمة بالنُّسَخ الحديثة من الكتب المذكورة، ولم يتمكن من التدليل على أنها عُبث بها، مع أنها لو زيد فيها لسهل على الباحث اكتشاف ذلك، بسبب أن النَّقَلَة عنها كثيرون، والمعتنون بها لا يحصَون، فكيف يخفى عن كل هؤلاء ذلك العبث، أو يتواطأ كل أولئك على قبول ذلك العبث والرضا به؟!
 

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب