علماء
الشيعة وفقهاءهم المتقدمين منهم والمتأخرين يقولون: إن هذا القرآن الموجود
اليوم بين أيدي المسلمين محرف.
وأقول: الكتاب (الضخم) الذي ذكره
الكاتب لا يتجاوز 375 صفحة بالحجم المتوسط (الوزيري)
فهل يصدِّق القارئ العزيز أن كتاباً بهذا الحجم
يحتوي على أكثر من ألفي رواية تنص على التحريف، ناهيك عما في الكتاب أيضاً من
مناقشات واحتجاجات وجمع الأقوال، وذِكْر طائفة كبيرة جداً من روايات أهل السنة
وأقوال علمائهم.
مضافاً إلى أن الميرزا النوري
قدس سره قد كرَّر كثيراً من الروايات، فذكرها تارة مسندة،
وتارة من غير إسناد كما ذكره الشيخ محمد جواد البلاغي قدس سره
في كتابه (آلاء الرحمن)، حيث قال في مقام الرد على تلك
الروايات: هذا وإن المحدِّث المعاصر جهد في كتاب (فصل الخطاب)
في جمع الروايات التي استدل بها على النقيصة، وكثَّر أعداد
مسانيدها بأعداد المراسيل عن الأئمة عليهم السلام في
الكتب، كمراسيل العياشي وفرات وغيرها مع أن المتتبِّع المحقِّق
يجزم بأن هذه المراسيل مأخوذة من تلك المسانيد، وفي جملة ما
أورده من الروايات ما لا يتيسَّر احتمال صدقها، ومنها ما هو
مختلف باختلاف يؤول به إلى التنافي والتعارض، وهذا المختصر لا
يسع بيان النحوين الأخيرين.
هذا مع أن القسم الوافر من الروايات
ترجع أسانيده إلى بضعة أنفار، وقد وصف علماء الرجال كلاً منهم
إما بأنه ضعيف الحديث، فاسد المذهب مجفو الرواية، وإما بأنه
مضطرب الحديث والمذهب يُعرَف حديثه ويُنكَر، ويروي عن الضعفاء،
وإما بأنه كذّاب متَّهم لا أستحل أن أروي من تفسيره حديثاً
واحداً وأنه معروف بالوقف، وأشدّ الناس عداوة للرضا عليه
السلام ، وإما بأنه كان غالياً كذّاباً، وإما بأنه ضعيف لا
يُلتفت إليه ولا يُعوَّل عليه ومن الكذابين، وإما بأنه فاسد
الرواية يُرمى بالغلو.
ومن الواضح
أن أمثال هؤلاء لا تجدي كثرتهم شيئاً، ولو تسامحنا بالاعتناء برواياتهم
في مثل هذا المقام الكبير، لوجب من دلالة
|
الكتب السمـاوية
.......................................................................................
429 |
الروايات المتعدِّدة أن
ننزّلها على أن مضامينها تفسير للآيات أو تأويل، أو بيان لما يُعلم يقيناً شمول
عموماتها له، لأنه أظهر الأفراد وأحقّها بحكم العام، أو ما كان مراداً بخصوصه
وبالنص عليه في ضمن العموم عند التنزيل، أو ما كان هو المورد للنزول، أو ما كان
هو المراد باللفظ المبهم.
وعلى أحد
هذه الوجوه الثلاثة الأخيرة يحتمل ما ورد فيها أنه تنزيل أو
أنه نزل به جبريل كما يشهد به نفس الجمع بين الروايات، كما
يُحمَل التحريف فيها على تحريف المعنى، ويشهد لذلك مكاتبة أبي
جعفر عليه السلام لسعد الخير كما في روضة الكافي، ففيها:
(وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرَّفوا حدوده). وكما
يُحمَل ما فيها من أنه كان في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام
أو ابن مسعود، ويُنزَّل على أنه كان فيه بعنوان التفسير
والتأويل، ومما يشهد لذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام
للزنديق كما في نهج البلاغة وغيره: وقد جئتهم بالكتاب كملاً
مشتملاً على التنزيل والتأويل (1).
ثم بعد أن
ذكر تأويل بعض الروايات التي استدل بها المحدِّث النوري على
التحريف قال: فتكون هذه الرواية وأمثالها قاطعة لتشبثات (فصل
الخطاب) بما حشده من الروايات التي عرفت حالها إجمالاً، وإلى
ما ذكرناه وغيره يشير ما نقلناه من كلمات العلماء الأعلام
قُدّست أسرارهم.
فإن قيل:
إن هذه الرواية ضعيفة، وكذا جملة من الروايات المتقدمة.
قلنا: إن جل ما حشده فصل الخطاب من الروايات هو
مثل هذه الرواية وأشد منها ضعفاً كما أشرنا إليه في وصف رواتها، على أن ما
ذكرناه من الصِّحاح فيه كفاية لأولي الألباب (2).
وكيف كان فالمهم الذي ينبغي الكلام فيه هو تحريف القرآن نفياً
أو إثباتاً، وأما التشبث ببعض الأقوال أو الروايات دون بعض من
دون مرجّح فليس من دأب طلاب الحق المنصفين.
| |
(1) آلاء الرحمن، ص
26. |
(2) نفس المصدر، ص 29. |
|
|
430
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني |