يقع فيه
صغار طلبة العلم فضلاً عن السيّد الخوئي قدس سره.

قال الكاتب: إن من أغرب
الأمور وأنكرها أن تكون كل هذه الكتب قد نزلت من عند الله، واختص بها أمير
المؤمنين سلام الله عليه والأئمة من بعده، ولكنها تبقى مكتومة عن الأمة
وبالذات عن شيعة أهل البيت، سوى قرآن بسيط قد عبثت به الأيادي فزادت فيه ما
زادت، وأنقصت منه ما أنقصت - على حد قول فقهائنا - !!
وأقول: لقد أوضحنا أن كل تلك الكتب ما عدا التوراة والإنجيل والزبور لم تكن
منزلة من عند الله سبحانه، وإنما كان بعضها من إملاء رسول الله (ص)، وبعضها الآخر
من إملاء الملَك.
وعلى كل حال فلا غضاضة كما مرَّ في إخفاء هذه الكتب عن سائر الناس، لأن منها ما
لا يحتاجون إليه، كمصحف فاطمة عليهم السلام المشتمل على بيان الحوادث والوقائع، والمصلحة
تدعو إلى إخفائه وكتمانه وعدم بذله للناس.
وما يحتاج إليه الناس من تلك الكتب فهو عند الأئمة عليهم السلام ، وهم سلام الله عليهم
سيعرِّفونهم بما فيها من أحكام دينهم وتعاليمه، فالناس بالنتيجة يستفيدون منها
ولكن بالواسطة وبتعريف الأئمة عليهم السلام لهم، وهذا لا محذور فيه.
وأما زعمه أن القرآن بسيط فهو جناية كبيرة على
كتاب الله سبحانه وعلى الشيعة في آن واحد، فإن علماء الشيعة قديماً وحديثاً قد
جعلوه المصدر الأول من مصادر التشريع واستنباط الأحكام والمعتقدات، وضربوا
عرض الجدار بكل الأخبار التي تعارضه وإن كانت صحيحة السند، وهذا أمر لا يخفى
على صغار طلبة العلم فضلاً عمَّن يدّعي الاجتهاد والفقاهة.
ثم إن ما زعمه الكاتب من أن القرآن عبثت به الأيدي فزادت فيه ما زادت،
|
436
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني |
زعم
باطل، لأنا لم نجد بعد تتبع الأقوال من يقول بزيادة شيء في المصحف الذي هو عند
الناس، ومن زعم تحريف القرآن إنما قال بتحريف النقصان لا الزيادة، وهو أمر
معلوم لا يخفى على مَن تتبع الأقوال في المسألة.

قال الكاتب: إذا كانت هذه الكتب قد نزلت من عند الله حقاً، وحازها أمير
المؤمنين صدقاً، فما معنى إخفائها عن الأمة وهي من أحوج ما تكون إليها في
حياتها وفي عبادتها لربها؟
عَلَّلَ كثير من فقهائنا ذلك: لأجل الخوف عليها من الخصوم!! ولنا أن نسأل: أيكون أمير المؤمنين وأسد بني هاشم جباناً بحيث لا يستطيع أن
يدافع عنها؟! أَيُكَتمُ أمرها ويحرم الأمة منها خوفاً من خصومه؟! لا والذي رفع
السماء بغير عمد، ما كان لابن أبي طالب أن يخاف غير الله.
وأقول: لقد أوضحنا آنفاً أنه لا محذور في إخفائها كلها، فلا حاجة للإعادة.
والعجب أن الكاتب نسب إلى كثير من علماء الشيعة أن الإخفاء كان للتقية والخوف
من الخصوم، ولم يذكر مَن مِن العلماء ذكر ذلك.
وعلى أيّة حال فنحن غير مطالبين بمعرفة السبب من إخفاء هذه الكتب عن الشيعة
خاصة وعن الناس عامة ، ونحن نجزم بأن الأئمة عليهم السلام لا يتصرفون إلا بما تقتضيه الحكمة
والمصلحة، وهم سلام الله عليهم أعرف بها، ولهذا فنحن من هذه الجهة في راحة.
ثم إن الكاتب صار يطبِّل ويزمِّر ويصيح بأعلى عقيرته بأن الأئمة لا يصح منهم أن
يخفوا هذه الكتب ، مع أن أهل السنة قد ذكروا أن أبا بكر جمع القرآن بعد وفاة
رسول الله (ص) في قراطيس، فكانت عنده حتى توفي، ثم كانت عند عمر حتى
|
الكتب السمـاوية
.......................................................................................
437 |
توفي، ثم
كانت عند حفصة زوج النبي (ص)، فأرسل إليها عثمان، فأبت أن تدفعها إليه، حتى
عاهدها ليردنَّها إليها، فبعثت بها إليه، فنسخ عثمان هذه المصاحف ثم ردَّها
إليها، فلم تزل عندها حتى أرسل مروان فأخذها فحرقها (1).
ففي صحيح البخاري قال زيد بن ثابت في حديث يذكر فيه قصة جمع القرآن: فكانت
الصحف عند أبي بكر حتى توفَّاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر
(رض) (2).
وبسنده عن أنس قال في حديث آخر: فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصُّحُف
ننسخها ثم نردّها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله
بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف
(3).
فلماذا أخفى أبو بكر وعمر كتاب الله عن المسلمين حتى ماتا؟!
ولماذا صار هذا المصحف إلى حفصة مع أنه حق للمسلمين كلهم؟
ولماذا أخفته حفصة كل تلك المدة، ثم أبت أن تدفعه لعثمان في أول الأمر؟
هذا مع شدة حاجة المسلمين للمصحف كاملاً، لتلاوته والتعبّد بما فيه والعمل
بأحكامه، واختلاف المصاحف المتداولة عند الناس!!
وكل ما يمكن أن يقال في توجيه إخفاء أبي بكر وعمر وحفصة للمصحف المجموع، يقال
مثله بالأولوية في توجيه إخفاء أئمة أهل البيت عليهم السلام تلك الكتب التي
| |
(1) التمهيد 6/30.
(2) صحيح البخاري 3/1609، 4/2248.
سنن الترمذي 5/283، 284 وصحّحه.
صحيح
ابن حبان 10/360، 364. السنن الكبرى للبيهقي 2/41.
السنن الكبرى
للنسائي 5/7، 9. مسند أبي يعلى 1/51، 59.
المعجم الكبير للطبراني
5/146، 147، 148. شعب الإيمان 1/196.
(3) صحيح البخاري 3/1610. |
|
|
|
438
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني |