أثر العناصر الأجنبية في
صنع التشيع
................................................................
503
أثر العناصر
الأجنبية في صنع التشيع
قال الكاتب:
عرفنا في الفصل الأول من هذا الكتاب دور اليهودي عبد الله بن سبأ
في صنع التشيع، وهذه حقيقة يتغافل عنها الشيعة جميعاً من عوامهم وخواصهم.
وأقول: لقد أوضحنا في بدايات هذا الكتاب أن عبد
الله بن سبأ لا يمت إلى التشيع بصلة، وأن ثبوت وجوده لا يدل على أن له أيّة
علاقة بالشيعة كثبوت بعض الشخصيات المنحرفة، ولا توجد رواية واحدة
تثبت علاقة عبد الله بن سبأ بالشيعة إلا روايات سيف بن عمر الوضَّاع الكذَّاب
الذي اتفق حفاظ الحديث على ضعفه.
هذا وقد أثبتنا كل ذلك بالأدلة الواضحة في كتابنا (عبد الله بن سبأ)، فراجعه.
قال الكاتب: لقد فكرتُ كثيراً في هذا الموضوع، وعلى مدى سنوات طوال فاكتشفت كما
اكتشف غيري أن هناك رجالاً لهم دور خطير في إدخال عقائد باطلة، وأفكار فاسدة
إلى التشيع.
وأقول: لقد حاول أعداء الشيعة جهدهم لتشويه مذهب أهل البيت
عليهم السلام ،
504
....................................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
فوضعوا أحاديث باطلة ونسبوها إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام ، إلا أن أئمة
الهدى عليهم السلام قد أوضحوا لشيعتهم جملة من هؤلاء الوضَّاعين ، فلعنوهم
وتبرَّؤوا منهم، وحذَّروا شيعتهم منهم.
كما قام علماء الطائفة قدَّس الله أسرارهم بجمع الأخبار وتنقيحها، وتوضيح حال
الرواة وتمييزها، فصرفوا زهرة أعمارهم في ذلك، وصنّفوا الكتب التي اعتنوا
بضبطها وتحريرها، فجاءت بحمد الله وافية شافية، تغني الفقيه وتكفيه في استنباط
الأحكام الشرعية والمعتقدات الإسلامية، فجزاهم الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء
على ما بذلوه وأتعبوا فيه أنفسهم الشريفة.
وأما الاتهامات التي سيذكرها الكاتب فهي خواء وهباء، وسيتضح للقارئ الكريم بعون
الله تعالى زيف ادعاءاته في الطعن في أجلاء الرواة وثقات أصحاب الأئمة عليهم
السلام.
قال الكاتب: إن مكوثي هذه المدة الطويلة في حوزة النجف العلمية التي هي أم
الحوزات ، واطلاعي على أمهات المصادر جعلني أقف على حقائق خطيرة يجهلها، أو
يتجاهلها الكثيرون
واكتُشِفَتْ شخصيات مُريبة كان لها دور كبير في انحراف
المنهج الشيعي إلى ما هو عليه اليوم ، فما فعله أهل الكوفة بأهل البيت رضي الله
عنهم
وخيانتهم لهم كما تقدم بيانه يدل على أن الذين فعلوا ذلك بهم كانوا من
المتسترين بالتشيع، والموالاة لأهل البيت.
وأقول: سيرى القارئ العزيز إن شاء الله تعالى أن الكاتب قد جاء ببعض الأخبار
الضعيفة وترك ما صحَّ سنده، لا لأجل شيء إلا لما اشتملت عليه تلك الأخبار من
الطعن في أجلاء الرواة، ولو كان الكاتب مجتهداً كما يزعم، ومنصفاً كما
أثر العناصر الأجنبية في
صنع التشيع
................................................................
505
ينبغي
له، لكان اللازم عليه أن ينظر في أسانيد هذه الأخبار، فيأخذ الصحيح منها، ويطرح
الضعيف، ومع صحّتها يلزمه أن يُعمِل المرجحات السندية والدلالية لترجيح بعضها
على بعض ، لا أن يختار بعضها ويتغافل عن بعضها الآخر لغاية في نفسه، من غير أن
يلتزم في الاختيار بالمنهج العلمي المعروف عند العلماء.
قال الكاتب: ولنأخذ نماذج من هؤلاء المتسترين بالتشيع:
هشام بن الحكم، وهشام هذا حديثه في الصحاح الثمانية [!!] وغيرها.
وأقول: لا ريب في أن زعم الكاتب أن الشيعة عندهم صحاح ثمانية غريب جداً، لأن
هذا القول لم يقله أحد قبله.
والعجيب أن بعض أهل السنة قد جعل من جملة الطعون على الشيعة أنهم لا صحاح
عندهم، بينما نرى الكاتب يثبت للشيعة ثمانية صحاح؟!
ثم إنّا لا ندري ماذا يريد بهذه الصحاح الثمانية؟
هل يريد بها الكتب الأربعة (الكافي والتهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه)،
مع كتاب الوسائل والوافي وبحار الأنوار، بضميمة كتاب جامع أحاديث الشيعة؟ أو
يريد غيرها؟
وغير خفي أن كل مؤالف ومخالف يعرف أن الشيعة لم يجمعوا أحاديثهم الصِّحاح في
كتاب متفق عليه عندهم كما هو الحال عند أهل السنة الذين اتفقوا على صحة أحاديث
البخاري ومسلم.
فلا ندري من أين جاءت لهم هذه الصحاح الثمانية التي زعمها الكاتب؟!
506
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
قال الكاتب: إن هشام
[كذا] تسبب في سجن الإمام الكاظم، ومن ثم قتله، ففي رجال
الكشي: (إن هشام بن الحكم ضال مضل شارك في دم أبي الحسن رضي الله عنه ) ص 229.
وأقول: هذه الرواية دالة على مدح هشام بن الحكم لا على ذمِّه، وإليك نص الحديث:
وحدثني حمدويه بن نصير، قال: حدثنا محمد بن عيسى العبيدي، قال: حدثني جعفر بن
عيسى ، قال: قال موسى بن الرقي لأبي الحسن الثاني
عليه السلام: جعلتُ فداك روى عنك...
(1)
وأبو الأسد أنهما سألاك عن هشام بن الحكم، فقلت: ( ضال مضل شرك في دم أبي الحسن عليه السلام ) فما تقول فيه يا سيدي نتولاه؟ قال: نعم. فأعاد عليه: نتولاه على جهة
الاستقطاع؟ قال: نعم تولوه، نعم تولوه، إذا قلت لك فاعمل به ولا تريد أن تغالب
به، اخرج الآن فقل لهم: (قد أمرني بولاية هشام بن الحكم). فقال المشرقي لنا بين
يديه وهو يسمع: ألم أخبركم أن هذا رأيه في هشام بن الحكم غير مرة
(2).
والحديث واضح الدلالة في أن الإمام عليه السلام قد أمر القوم بأن يتولوا هشام بن الحكم،
وأن يخبروا غيرهم بأن هذا هو رأي الإمام عليه السلام فيه، خلافاً لما نقله موسى بن صالح
وأبو الأسد، فإن كلامهما لا قيمة له ولا اعتبار به.
بل إن الإمام عليه السلام قد أنكر ما نسباه إليه في رواية أخرى رواها الكشي بسنده عن هشام
بن إبراهيم في حديث طويل وصفه السيّد الخوئي في المعجم بأنه صحيح السند
(3)، جاء
فيه: فقال جعفر: جُعِلتُ فداك إن صالحاً وأبا الأسد ختن علي بن
(1) هنا بياض في النسخة وبقرينة
روايات ـ منها رواية سيأتي ذكرها ـ يظهر أنه سقط اسم: موسى ابن صالح
كما في اختيار معرفة الرجال 2/789.
(2) اختيار معرفة الرجال 2/544.
(3) معجم رجال الحديث 4/90.
أثر العناصر الأجنبية في
صنع التشيع
................................................................
507
يقطين حكيا عنك
أنهما حكيا لك شيئاً من كلامنا فقلتَ لهما: ( ما لكما والكلام بينكما ينسلخ إلى
الزندقة)، فقال: ما قلت لهما ذلك، أأنا قلتُ ذلك؟ والله ما قلتُ لهما. وقال
يونس: جعلت فداك
إنهم يزعمون أنا زنادقة. وكان جالساً إلى جنب رجل، وهو يتربع
رِجْلاً على رجْل ساعة بعد ساعة، يمرغ وجهه وخديه على بطن قدمه اليسرى. قال له:
أرأيتك أن لو كنت زنديقاً فقال لك: (هو مؤمن)، ما كان ينفعك من ذلك؟ ولو كنت
مؤمناً ، فقال: (هو زنديق) ما كان يضرّك منه ؟
(1).
وإنكار الإمام ما نسباه إليه من القول دليل على أنهما يتقوَّلان على الإمام
عليه السلام
ما لم يقل، ومِن تقوُّلهما ما نسباه للإمام عليه السلام في هشام بن الحكم.
والعجيب أن الكاتب نقل الكلام وكأنه قول الإمام
عليه السلام، ولم ينقل الحديث بتمامه
ليتضح للقارئ أن الحديث قد ورد في مدح هشام بن الحكم لا في ذمِّه كما هو واضح.
قال الكاتب: ( قال هشام لأبي الحسن رضي الله عنه : أوصني ، قال : أوصيك أن تتقي الله في دمي )
رجال الكشي ص 226.
وقد طلب منه أبو الحسن
رضي الله عنه أن يمسك عن الكلام ، فأمسك شهراً، ثم عاد فقال له أبو
الحسن: ( يا هشام، أيَسُرُكَ أَنْ تشترك في دم امرئٍ مسلم ؟ ). قال: لا. قال: وكيف
تشترك في دمي؟ فإن سكتَّ وإلا فهو الذبح. (فما سكت حتى كان من أمره ما كان صلى
الله عليه) رجال الكشي ص 231.
أيمكن لرجل مخلص لأهل البيت أن يتسبب في قتل هذا الإمام
رضي الله عنه ؟
وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها جعفر بن معروف،
(1) اختيار معرفة الرجال
2/789.
508
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
وهو لم
يثبت توثيقه في كتب الرجال، سواءاً قيل باتحاده أم بتعدّده، لأنه إما
السمرقندي، وهو قد ضعَّفه ابن الغضائري، فقال: جعفر بن معروف أبو الفضل
السمرقندي، يروي عنه العياشي كثيراً، كان في مذهبه ارتفاع، وحديثه يُعرف تارة
وينكر أخرى
(1).
وإما لأنه الكشي، وهو لم يثبت توثيقه وإنْ أكثر الكشي صاحب الرجال من الرواية
عنه.
ومنهم إسماعيل بن زياد الواسطي، وهو مجهول (2).
ومع الإغماض عن سند الرواية فإنها لا تدل على أن هشام بن الحكم قد تسبَّب في
مقتل الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وذلك لأن الإمام عليه السلام قد حذَّره من مناظرة أهل الخلاف في تلك الفترة، وهشام قد ترك الكلام شهراً ثم عاد إليه، إلى أن حصل للإمام
عليه السلام ما
حصل، والرواية ليست ظاهرة في الدلالة على أن ما حصل للإمام عليه السلام كان بسبب هشام كما
هو واضح وكما هو معروف من سيرة الإمام عليه السلام.
(1) رجال ابن الغضائري، ص 47.
(2) راجع معجم رجال الحديث 19/287، فإن الخوئي
قدس سره قد ضعَّف هذه الرواية.