نظرة الشيعة إلى أهل
السنة
............................................................................
483
قال الكاتب: وإني
أتساءل: إذا كان الخلفاء الثلاثة بهذه الصفات فَلِمَ بايعهم أمير المؤمنين (رضي
الله عنه ؟
ولم صار وزيراً لثلاثتهم طيلة مدة خلافتهم ؟ أكان يخافهم ؟ معاذ الله.
وأقول: بغض النظر عن الأخبار الضعيفة التي ذكرها الكاتب، فإنه لم يثبت أن أمير
المؤمنين عليه السلام قد بايع القوم بطيب نفسه وباختياره وقناعته، بل جاء في صحيح البخاري
ومسلم أن أمير المؤمنين عليه السلام قد امتنع عن مبايعة أبي بكر ستة أشهر.
ففي حديث طويل أخرجاه في الصحيحين بسندهما عن عائشة
484
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
قالت: إن فاطمة عليها السلام بنت النبي
(ص) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (ص) مما أفاء الله عليه بالمدينة
وفدك، وما بقي من خُمس خيبر... إلى أن قالت: فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدتْ فاطمة على أبي
بكر في ذلك، فهجرتْه فلم تكلمه حتى توفيتْ، وعاشت بعد النبي (ص) ستة أشهر، فلما
توفيت دفنها زوجها عليٌّ ليلاً، ولم يُؤْذِنْ بها أبا بكر، وصلى عليها، وكان
لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس
مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر...
(1).
ونحن نسأل الكاتب وغيره: لماذا امتنع أمير المؤمنين
عليه السلام عن مبايعة أبي بكر كل هذه
المدّة؟
هل كان يراه أهلاً للخلافة وأنه مستحق لها فلم يبايعه، فيكون متخلّفاً عن واجب
مُهِم من الواجبات الدينية؟
أو أنه كان لا يراه أهلاً لها كل هذه المدة، فكيف تجددت له الأهليّة للخلافة
بعد ستة أشهر؟
ولو سلَّمنا أنه عليه السلام بايع القوم فلعلّه
عليه السلام بايعهم من أجل لَمِّ الشمل ورأب الصدع
حذراً من رجوع الكفر وبزوغ النفاق.
فهل تدل بيعته إذا كانت لهذه الغاية على كفاءتهم وأهليتهم للخلافة واستحقاقهم
لها؟
وهل يرى الكاتب أن ترك أمير المؤمنين عليه السلام للخلاف ومنابذة القوم بالسيف مع عدم
وجود الناصر دالٌّ على أهليَّتهم وشرعية خلافتهم؟
ثم إن الخلفاء الثلاثة كانوا يستشيرونه فيما يلم
بهم من قضايا، وكانوا يستفتونه فيما يجهلونه من أحكام، ثم يصدرون عن قوله،
ويأخذون بحكمه، ولم يكن عليه السلام
(1) صحيح البخاري 3/1286.
صحيح مسلم 3/1380. صحيح ابن حبان 11/153،
573.
نظرة الشيعة إلى أهل
السنة
............................................................................
485
يتبعهم في
أحكامهم، أو يقلّدهم في فتاواهم، فهل كان نصحه لهم من أجل الإسلام واتباعهم له
دليلاً على شرعية خلافتهم وأهليتهم لها ؟
هذا مضافاً إلى أن أمير المؤمنين عليه السلام قد أوضح موقفه في خطبته الشقشقية بما لا يدع
مجالاً للريب حيث قال: أما والله لقد تقمَّصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن
محلّي منها محلّ
القُطب من الرَّحى، ينحدر عني السَّيْل، ولا يرقى إليَّ الطير،
فسدلتُ دونها ثوباً، وطويتُ عنها كشحاً، وطفقتُ أرتَئي بين أن أَصول بِيَد
جذَّاء، أو أصبر على طخية عمياء، يشيب فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، ويكدح
فيها مؤمن حتى يلقى ربَّه، فرأيتُ أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرتُ وفي العين
قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهباً
(1).
فهل يصح لقائل بعد هذا كله أن يقول: إن أمير المؤمنين
عليه السلام كان راضياً بخلافتهم،
ومعتقداً بأهليَّتهم؟!
قال الكاتب: ثم إذا كان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب مُصَاباً بداء في دبره
ولا يهدأ إلا بماء الرجال كما قال السيد الجزائري، فكيف إذن زوجه أمير المؤمنين
رضي الله عنه ابنته أم كلثوم
؟ أكانت إصابته بهذا الداء، خافية على أمير المؤمنين
رضي الله عنه وعرفها
السيد الجزائري ؟!.. إن الموضوع لا يحتاج إلى أكثر من استعمال العقل للحظات.
وأقول: لقد أوضحنا فيما مرَّ أن السيّد نعمة الله الجزائري
رحمه الله لم يقل: ( إن عمر
كان مصاباً بالأبنة )، وإنما نقل ذلك من بعض كتب أهل السُّنة، ونفى أن يكون
مذكوراً في كتب الشيعة، فعهدته عليهم لا على الشيعة.
486
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
وأما مسألة تزويج أمير المؤمنين
عليه السلام ابنته أم كلثوم لعمر فقد تكلمنا فيها فيما
تقدم فلا حاجة لإعادتها، وأوضحنا هناك أن أمير المؤمنين عليه السلام كان
مُكرَهاً للأسباب التي
ذكرناها، بغض النظر
عن أن عمر كان مصاباً بذلك الداء أو لم يكن مصاباً به، فإن ذلك لا يغيِّر شيئاً
في المسألة.