540 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

قال الكاتب: علماء طبرستان:
لقد ظهر في طبرستان جماعة تظاهروا بالعلم، وهم ممن اندسوا في التشيع لغرض الفساد
والإفساد. من المعلوم أن الإنسان تشهد عليه آثاره، فإن كانت آثاره حسنة فهذا دليل حسن سلوكه وخُلُقِه واعتقاده وسلامة سَريرَته، والعكس بالعكس فإن الآثار السيئة تدل على سوء من خَلَّفَها سواء في سلوكه أو في خلقه أو اعتقادِه وتدل على فساد سريرته.
إن بعض علماء طبرستان تركوا مخلفات تثير الشكوك حول شخصياتهم.

وأقول: سيتضح للقارئ العزيز بحمد الله وفضله أن كل ما جاء به الكاتب ما هو إلا شكوك باطلة، وخيالات فاسدة، وتحامل على بعض علماء الطائفة من غير مبرِّر صحيح.

والذين ذكرهم الكاتب علماء أجلاء لا تُنكَر خدماتهم الجليلة على مذهب الشيعة الإمامية، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وسيتضح كل ذلك

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 541

قريباً إن شاء الله تعالى.
على أنه يمكننا أن نقول عين ما قاله الكاتب في حق أكثر علماء أهل السنة حرفاً بحرف ، فنعمد إلى كل من خالف آراءنا أو طعن فينا فنتَّهمه بأنه مدسوس في مذاهب أهل السنة لغرض
الفساد والإفساد، أو بث الفرقة بين المسلمين، أو تشويه عقائدهم، أو تشكيكهم فيها، أو صرف ولائهم عن أئمة الهدى عليهم السلام إلى سلاطين الجور ، أو ترويج عقائد اليهود والنصارى على أنها عقائد من صميم الإسلام، أو غير ذلك مما يمكن اتهامهم به.

قال الكاتب: وَلْنَأخذْ ثلاثة من أشهر مَن خرج من طبرستان:
1- الميرزا حسين بن تقي النوري الطبرسي مؤلف كتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) جمع فيه أكثر من ألفي رواية من كتب الشيعة ليثبت بها تحريف القرآن الكريم. وجمع أقوال الفقهاء والمجتهدين، وكتابه وصمة عارٍ في جبين كل شيعي.

وأقول: إن كتاب ( فصل الخطاب ) لا يمكن أن يكون وصمة عار على جبين كل شيعي، لأنه كتاب عبَّر فيه الكاتب عن رأيه الخاص، ورأيه لا يلزم الشيعة كلهم حتى يكون عاراً عليهم، ولا سيما مع تخطئتهم له وردهم عليه، ونحن قد أجبنا عن ذلك فيما تقدم من بحوث هذا الكتاب، فلا وجه لإعادة الكلام فيه مرة ثانية.

قال الكاتب: إن اليهود والنصارى يقولون بأن القرآن مُحَرَّفٌ، فما الفرق بين كلام الطبرسي وبين كلام اليهود والنصارى؟ وهل هناك مسلم صادق في إسلامه

542 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

يشهد على الكتاب الذي أنزله الله تعالى وَتَكَفَّلَ بحفظه ، يشهد عليه بالتحريف والتزوير والتبديل؟؟. !!

وأقول: بغض النظر عما يقوله اليهود والنصارى ، فإن قولهم لا قيمة له عندنا ، وموافقتهم ومخالفتهم عندنا ليست دليلاً على الحق.
والميرزا حسين النوري رحمه الله له جهود مشكورة وآثار مشهورة في نصرة الإسلام والذب عنه، وهفوته في هذا الكتاب لا تجعلنا نتجاهل كل جهوده، ولا تسقط شيئاً من اعتباره، فإن لكل جواد كبوة، ولكل عالم هفوة.
هذا مع أنه لم يقل: ( إن القرآن الموجود بين أيدينا محرَّف تحريف الزيادة والتبديل )، وإنما قال: ( إن بعض كلمات أو آيات القرآن سقطت من القرآن الموجود بين أيدينا ).

قال آغا بزرك الطهراني في كتاب الذريعة:
(912 : فصل الخطاب في تحريف الكتاب ) لشيخنا الحاج ميرزا حسين النوري الطبرستاني ابن المولى محمد تقي بن الميرزا علي محمد النوري ... أثبت فيه عدم التحريف بالزيادة والتغيير والتبديل وغيرها مما تحقق ووقع في غير القرآن، ولو بكلمة واحدة لا نعلم مكانها، واختار في خصوص ما عدا آيات الأحكام وقوع تنقيص عن الجامعين، بحيث لا نعلم عين المنقوص المذخور عند أهله، بل يعلم إجمالاً من الأخبار التي ذكرها في الكتاب مفصلاً ثبوت النقص فقط.

وردَّ عليه الشيخ محمود الطهراني الشهير بالمعرب، برسالة سماها ( كشف الارتياب عن تحريف الكتاب )، فلما بلغ ذلك الشيخ النوري كتب رسالة فارسية مفردة في الجواب عن شبهات ( كشف الارتياب ) كما مر في 10/220، وكان ذلك بعد طبع ( فصل الخطاب ) ونشره، فكان شيخنا يقول: لا أرضى عمن يطالع ( فصل الخطاب ) ويترك النظر إلى تلك الرسالة. ذكر في أول الرسالة الجوابية ما معناه: إن الاعتراض مبني على المغالطة في لفظ

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ..................................................................... 543

التحريف، فإنه ليس مرادي من التحريف التغيير والبديل، بل خصوص الإسقاط لبعض المنزل المحفوظ عند أهله، وليس مرادي من الكتاب القرآن الموجود بين الدفتين، فإنه باق على الحالة التي وضع بين الدفتين في عصر عثمان، لم يلحقه زيادة ولا نقصان، بل المراد الكتاب الإلهي المنزل. وسمعت عنه شفاها يقول: إني أَثبتُّ في هذا الكتاب أن هذا الموجود المجموع بين الدفتين كذلك باقٍ على ما كان عليه في أول جمعه كذلك في عصر عثمان ، ولم يطرأ عليه تغيير وتبديل كما وقع على سائر الكتب السماوية، فكان حريًّا بأن يسمَّى ( فصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب )، فتسميته بهذا الاسم الذي يحمله الناس على خلاف مرادي خطأ في التسمية ، لكني لم أرد ما يحملوه عليه، بل مرادي إسقاط بعض الوحي المنزل الإلهي، وإن شئت قلت اسمه (القول الفاصل في إسقاط بعض الوحي النازل) (1).

قلت: وهذا هو مذهب جمع من الصحابة الذين نُقِلتْ أقوالهم في الأحاديث الصحيحة عند أهل السنة التي دلَّت على أن بعض الصحابة كانوا يرون التحريف.

منها: ما أخرجه مسلم ومالك والترمذي وأبو داود والنسائي وغيرهم عن عائشة، أنها قالت: كان فيما أُنزل من القرآن (عَشر رضعات معلومات يُحرِّمن) ثم نُسخن بـ (خمس معلومات)، فتوفي رسول الله (ص) وهن فيما يُقرأ من القرآن (2).
قلت: هذا الحديث واضح الدلالة على أن عائشة كانت تعتقد أن النبي (ص)

 

(1) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 16/231.
(2) صحيح مسلم 2/1075. الموطَّأ، ص 324. سنن الترمذي 3/456. سنن أبي داود 2/223-224. سنن النسائي 6/100. السنن الكبرى للنسائي 3/289. سنن ابن ماجة 1/625. صحيح سنن أبي داود 2/389. صحيح سنن النسائي2/696. صحيح سنن ابن ماجة 1/328. إرواء الغليل 7/218. سنن الدارمي 2/157. السنن الكبرى 7/454. صحيح ابن حبان 10/35، 36. شرح السنة 9/80. سنن الدارقطني 4/181. مسند أبي عوانة 3/119. تفسير القرآن العظيم 1/469. كتاب الأُم 5/26. مسند الشافعي، ص 220.

 
 

544 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

توفي وتحريم خمس رضعات كان مما يُقرأ من القرآن، إلا أنه سقط بعد ذلك، لعدم وجوده في القرآن الذي بأيدينا.

ومنها: ما أخرجه ابن ماجة وأحمد والدارقطني والطبراني في الأوسط وغيرهم عن عائشة، قالت: لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً، ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله (ص) وتشاغلنا بموته دخَلَ داجن (1) فأكلها (2).

قلت: وهذا كلام واضح الدلالة على أن عائشة تعتقد أن ضياع آية الرجم ورضاعة الكبير كان بسبب الداجن، لا لنسخ التلاوة كما زعم القوم.

ومنها: ما أخرجه ابن حبان ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، والطيالسي وعبد الرزاق والبيهقي في السنن الكبرى وغيرهم ، عن زر بن حبيش قال: لقيت أُبَي ابن كعب فقلت له: إن ابن مسعود كان يحك المعوذتين من المصاحف ويقول: إنهما ليستا من القرآن، فلا تجعلوا فيه ما ليس منه، قال أُبَي: قيل لرسول الله (ص) فقال لنا، فنحن نقول (3).

قال ابن كثير في تفسيره: وهذا مشهور عند كثير من القُرَّاء والفقهاء أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فلعله لم يسمعهما من النبي (ص)، ولم

 

(1) الداجن: هي الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم، وقد يطلق على غير الشاة مما يألف البيوت كالطير وغيرها.
(2) سنن ابن ماجة 1/625-626. مسند أحمد 6/269. سنن الدارقطني 4/179. الدر المنثور 2/471 في تفسير الآية 23 من سورة النساء. المعجم الأوسط للطبراني 6/10. مسند أبي يعلى 4/144. حسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1/328، وقال ابن حزم في المحلى 12/177: هذا حديث صحيح.
(3) صحيح ابن حبان 10/274. مسند أحمد 5/129. المعجم الكبير للطبراني 9/268، 269. مجمع الزوائد 7/149 قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح. تفسير القرآن العظيم 4/571. موارد الظمآن 2/786. مسند الحميدي 1/185. وفي صحيح البخاري في كتاب التفسير، باب تفسير سورة الناس 3/1604 إشارة إلى ذلك، فراجعه.

 
 

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 545

 يتواتر عنده (1).
وقال الفخر الرازي: إن قلنا إن كونهما من القرآن كان متواتراً في عصر ابن مسعود لزم تكفير من أنكرهما، وإن قلنا إن كونهما من القرآن كان لم يتواتر في عصر ابن مسعود لزم أن بعض القرآن لم يتواتر. قال: وهذا عقدة عصبة
(2).

ومنها: ما أخرجه البخاري في صحيحه وأبو داود في سننه وابن حبان في صحيحه، وغيرهم ـ في حديث ـ أن عمر بن الخطاب قال: لولا أن يقول الناس: ( زاد عمر في كتاب الله ) لكتبتُ آية الرَّجْم بيدي (3).

وفي رواية الموطأ، ومسند الشافعي، والسنن الكبرى للبيهقي وغيرها قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم، يقول قائل: ( لا نجد حدَّين في كتاب الله )، فقد رجم رسول الله (ص) ورجمنا، والذي نفسي بيده لولا يقول الناس : ( زاد عمر في كتاب الله ) لكتبتها: ( الشيخ والشيخة فارجموهما البتة )، فإنا قد قرأناها (4).

قال الزركشي في البرهان في علوم القرآن: ظاهر قوله: ( لولا أن يقول الناس... الخ ) أن كتابتها جائزة، وإنما منعه قول الناس، والجائز في نفسه قد يقوم من الخارج ما يمنعه، وإذا كانت جائزة لزم أن تكون ثابتة، لأن هذا شأن المكتوب (5).

قلت: إذا كانت من القرآن فيجب كتابتها، وإلا فلا تجوز، والحديث واضح الدلالة على أن عمر كان يعتقد أنها من القرآن، ولكن يمنعه من كتابتها فيه كلام

 

(1) تفسير القرآن العظيم 4/572.
(2) فتح الباري 8/604.
(3) صحيح البخاري 4/2241. سنن أبي داود 4/144-145. صحيح ابن حبان 2/147. وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/835، وإرواء الغليل 8/3.
(4) الموطأ، ص 458. مسند الشافعي، ص 163. السنن الكبرى للبيهقي 8/212.
(5) البرهان في علوم القرآن 2/36.

 
 

546 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

الناس، وهذا عذر غير مقبول منه، ولا سيما أنه كان حاكماً مهاباً لا يقدر أحد على معارضته.

ومنها: ما أخرجه مسلم وغيره عن أبي الأسود، قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قرَّاء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقرَّاؤهم، فاتلوه ولا يطولَنَّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنّا كنا نقرأ سورة، كنا نشبِّهها في الطول والشدة ببراءة، فأُنسيتها غير أني حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. وكنا نقرأ سورة كنا نشبّهها بإحدى المسبِّحات (1) فأُنسيتها، غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون، فتُكتب شهادةً في أعناقكم فتُسألون عنها يوم القيامة (2).

قلت: قوله: (فأُنسيتُها) يدل على أن السورتين اللتين أشار إليهما أبو موسى لم تنسخ تلاوتهما، وإنما نسيهما أبو موسى وغيره من الصحابة فلم تُكتبا في المصحف المتداول عند المسلمين، ولولا ذلك لقال: (فنُسختا)، ولما كان في نسيانهما قساوة قلب، وأبو موسى ساق ذلك لبيان آثار قساوة القلب التي ابتُلي بها هو وغيره.

ومنها: ما أخرجه الحاكم بسنده عن حذيفة (رض) ، قال: ما تقرأون ربعها يعني براءة، وإنكم تسمُّونها سورة التوبة، وهي سورة العذاب (3).

وأخرج الطبراني في المعجم الأوسط عن حذيفة (رض) أيضاً، قال: التي تسمُّون سورة التوبة هي سورة العذاب، وما يقرأون منها مما كنا نقرأ إلا ربعها (4).

 

(1) هي السور التي افتُتحت بسبحان وسبَّح ويسبِّح وسبِّح.
(2) صحيح مسلم 2/726.
(3) المستدرك 2/331. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. الدر المنثور 4/120.
(4) المعجم الأوسط للطبراني 1/365. مجمع الزوائد 7/28. وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.

 
 

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 547

ومنها: ما أخرجه الحاكم في المستدرك وصحَّحه وأحمد ـ واللفظ له ـ والسيوطي والبيهقي والطيالسي وغيرهم، عن زر بن حبيش قال: قال لي أُبَي بن كعب: كائن تقرأ سورة الأحزاب؟ أو كائن تعدُّها؟ قال: قلت: ثلاثاً وسبعين آية. فقال: قط؟ لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة، ولقد قرأنا فيها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله، والله عليم حكيم (1).

وفي لفظ آخر له: قال: كم تقرأون سورة الأحزاب؟ قال: بضعاً وسبعين آية. قال: لقد قرأتُها مع رسول الله (ص) مثل البقرة أو أكثر، وإن فيها آية الرجم (2).

قلت: والأحاديث الدالة على سقوط سُوَر وآيات من كتاب الله كثيرة جداً في مصادرهم، لا نرى ضرورة لاستقصائها، لأن ذلك يخرجنا عن موضوع الكتاب.
وللخروج من هذا المأزق الذي وقع فيه أهل السنة قالوا بأنها كانت قرآناً، ولكن نُسخت تلاوتها من كتاب الله.

قال ابن كثير بعد أن ذكر أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة: وهذا إسناد حسن، وهو يقتضي أنه قد كان فيها قرآن ثم نُسِخَ لفظه وحُكْمه أيضاً، والله أعلم (3).

وقال البيهقي بعد أن ذكر آية الرجم ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة )، وساق جملة من رواياتهم الدالة على أنها كانت في القرآن، وأنها سقطت أو أُسقطت منه،

 

(1) المستدرك 4/359 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. مسند أحمد 5/132. السنن الكبرى 8/211. كنز العمال 2/480.
مسند أبي داود الطيالسي، ص 73. الدر المنثور 6/558 عن عبد الرزاق في المصنف والطيالسي وسعيد بن منصور وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن منيع والنسائي وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف والدارقطني في الأفراد والحاكم وابن مردويه والضياء في المختارة.
(2) مسند أحمد 5/132.
(3) تفسير القرآن العظيم 3/465.

 
 

548 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

قال: في هذا وما قبله دلالة على أن آية الرجم حكمها ثابت، وتلاوتها منسوخة، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً (1).
وقال الزرقاني في شرح قول عائشة: كان فيما أُنزل من القرآن ( عشر رضعات معلومات يُحَرِّمْنَ )، ثم نُسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله (ص) وهو فيما يُقرَأ من القرآن.
قال: ( فيما يُقرأ من القرآن) المنسوخ، فالمعنى أن العَشْر نُسخت بخَمس، ولكن هذا النسخ تأخَّر حتى توفي (ص)
(2) ، وبعض الناس لم يبلغه النسخ، فصار يتلوه قرآناً ، فلما بلغه تَرَك ، فالعَشْر على قولها منسوخة الحكم والتلاوة، والخمس منسوخة التلاوة فقط كآية الرجم... وليس المعنى أن تلاوتها كانت ثابتة وتركوها، لأن القرآن محفوظ (3).

وقال الآمدي في الإحكام: المسألة السادسة: اتفق العلماء على جواز نسخ التلاوة دون الحكم، وبالعكس، ونسخهما معاً، خلافاً لطائفة شاذة من المعتزلة، ويدل على ذلك العقل والنقل.
إلى أن قال: وأما النقل أما نسخ التلاوة والحكم فيدل عليه ما روت عائشة أنها قالت : ( فيما أنزل عشر رضعات محرمات فنسخت بخمس )، وليس في المصحف عشر رضعات محرمات ولا حكمها، فهما منسوخان
(4).
وكلماتهم في جواز نسخ التلاوة ووقوعه كثيرة جداً، وفيما ذكرناه كفاية.

 

(1) السنن الكبرى للبيهقي 8/211.
(2) هذا من مهازل التبريرات التي لهج بها علماء أهل السنة لتبرير روايات التحريف التي امتلأت بها كتبهم، ونحن لم نكن نتصور أن نجد من يزعم أن النسخ تأخر إلى ما بعد وفاة النبي (ص) كما زعمه الزرقاني هنا، فإن هذا لم يقل به أحد.
(3) شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 3/321.
(4) الإحكام 3/154.

 
 

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 549

وهذا الذي ذكروه من نسخ التلاوة متَّفِق في النتيجة مع ما قاله الميرزا النوري قدس سره، فإن نتيجة كلا القولين هي وقوع النقص في القرآن، غاية الأمر أنهم سمَّوه نسخ تلاوة، والميرزا النوري سمَّاه تحريفاً، وإلا فالمؤدَّى واحد، والاختلاف إنما هو في التسمية، وتسميتهم أقل شناعة من تسمية الميرزا النوري، ولهذا شنَّعوا عليه أعظم تشنيع، مع أن ما شنَّعوا عليه به هم يقولون به كما أوضحناه.

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب