596 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

قال الكاتب: قلت: فإذا كان كثير من الشيعة هم من أصل عربي، أيشهر القائم السيف عليهم ويذبحهم ؟؟ لا... لا... إن وراء هذه النصوص رجالاً لَعِبُوا دوراً خطيراً في بث هذه السموم، لا تستغربن ما دام كسرى قد خلص من النار إذ روى المجلسي عن أمير المؤمنين: ( أن الله قد خلصه - أي كسرى - من النار، وأن النار محرَّمة عليه ) البحار 41/4.
هل يعقل أن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه يقول إن الله قد خَلَّصَ كسرى من النار، وإن النار مُحَرَّمَةٌ عليه؟؟

وأقول: لقد قلنا فيما تقدَّم: إن الإمام المهدي عليه السلام لا يقاتل من آمن به ولم يحاربه، وأما شيعته ومواليه فهم أنصاره وأحبَّاؤه، فكيف يقتلهم ويسفك دماءهم ؟!
وأما حديث كسرى فقد رواه الشيخ شاذان بن جبرئيل القمي عليه الرحمة في كتاب الفضائل، ومحمد بن جرير الشيعي في نوادر المعجزات عن أبي الأحوص، عن أبيه، عن عمار الساباطي
(1)، وهو حديث موقوف، من كلام عمار نفسه، لم يروه عن الإمام المعصوم، فلا يصلح للاحتجاج به.

والوارد في هذا الحديث أن جمجمة كسرى أنوشيروان نطقت، فكان مما قالت: إني كنت ملكاً عادلاً شفيقاً على الرعايا رحيماً، لا أرضى بظلم، ولكن كنت على دين المجوس، وقد ولد محمد . في زمان ملكي، فسقط من شرفات قصري ثلاثة وعشرون شرفة ليلة ولد، فهممت أن أؤمن به... ولكني تغافلت عن ذلك وتشاغلت عنه في الملك... فأنا محروم من الجنة بعدم إيماني به، ولكني مع هذا الكفر خلَّصني الله تعالى من عذاب النار ببركة عدلي وإنصافي بين الرعية، وأنا في النار، والنار محرَّمة عليَّ... (2).

فالحديث نصٌّ صريح في أن كسرى أنوشيروان من أهل النار، ولكنه لا يُعذَّب

 

(1) الفضائل، ص 64 ط حجرية، وطبعة أخرى ص 70. نوادر المعجزات، ص 21. بحار الأنوار 41/215.
(2) عيون المعجزات، ص 10. مستدرك الوسائل 18/169. بحار الأنوار 41/213.

 
 

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 597

فيها لعدله في رعيته، وهذا غير ممتنع على الله، وليس قبيحاً منه سبحانه، لما فيه من الترغيب في العدل والترهيب من الظلم.

ولا يخفى أن غرض الكاتب من إيراد هذا الحديث هو إيهام القرَّاء بأن الشيعة لديهم نزعات فارسية تدعوهم إلى تقديس كسرى والفرس، مع أن الحديث المشار إليه ـ مضافاً إلى ضعف سنده ـ فيه تصريح بدخول كسرى أنوشيروان النار، وبيان أن تحريم النار عليه خاصة إنما هو بسبب عدله لا فارسيته، ولهذا جاءت الأخبار في ذم غيره من ملوك الفرس، ومنهم كسرى المعاصر للنبي (ص).

فقد روى الشيخ الطوسي رحمه الله في المبسوط أن رسول الله . كتب إلى القياصرة والأكاسرة، كتب إلى قيصر ملك الروم : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد ابن عبد الله إلى عظيم الروم ، ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ) الآية. فلما وصل الكتاب إليه قام قائماً، ووضعه على رأسه، واستدعى مسكاً فوضعه فيه، فبلغ رسول الله (ص) ذلك، فقال: اللهم ثبِّتْ ملكه. وكتب إلى ملك الفرس كتاباً: (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى كسرى ابن هرمز أن أسلموا تسلموا، والسلام)، فلما وصل الكتاب إليه أخذه ومزَّقه، وبلغ ذلك رسول الله (ص)، فقال: تَمَزَّق ملكه (1).

وروى الراوندي في الخرائج والجرائح أنه لما بُعث محمد . بالنبوة بعث كسرى رسولاً إلى باذان عامله في أرض المغرب: بلغني أنه خرج رجل قبلك يزعم أنه نبي، فلتقل له: فليكفف عن ذلك، أو لأبعثنَّ إليه من يقتله ويقتل قومه. فبعث باذان إلى النبي . بذلك، فقال: (لو كان شيء قلته مِن قِبَلي لكففت عنه، ولكن الله بعثني). وترك رُسُل باذان وهم خمسة عشر نفراً لا يكلمهم خمسة عشر يوماً، ثم دعاهم، فقال: اذهبوا إلى صاحبكم فقولوا له: إن ربي قتل ربَّه الليلة، إن ربي قتل كسرى الليلة، ولا كسرى بعد اليوم، وقتل قيصر ولا قيصر بعد اليوم. فكتبوا قوله

 

(1) المبسوط 8/122.

 
 

598 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

فإذا هما قد ماتا في الوقت الذي حدَّثه محمد (ص) (1).

وفي مناقب آل أبي طالب عن مجالس بن مهدي المامطيري: أن النبي كتب إلى كسرى: (من محمد رسول الله إلى كسرى ابن هرمز، أما بعد فأسلم تسلم، وإلا فأذن بحرب من الله ورسوله والسلام على من اتبع الهدى). فلما وصل إليه الكتاب مزقه واستخف به، وقال: من هذا الذي يدعوني إلى دينه، ويبدأ باسمه قبل اسمي. وبعث إليه بتراب، فقال .: (مزق الله ملكه كما مزق كتابي، أما إنه ستمزقون ملكه، وبعث إليَّ بتراب أما إنكم ستملكون أرضه)، فكان كما قال(2).

 

(1) الخرائج والجرايح. بحار الأنوار 20/381.

(2) مناقب آل أبي طالب 1/112. بحار الأنوار 20/381.  
 
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب