الكتب السمـاوية ....................................................................................... 423

قال الكاتب: 9 - القرآن: والقرآن لا يحتاج لإثباته نص ولكن كتب فقهائنا وأقوال جميع مجتهدينا تنص على أنه مُحَرَّفٌ، وهو الوحيد الذي أصابه التحريف من بين كل تلك الكتب.

وأقول: نسبة القول بتحريف القرآن إلى كل علماء الشيعة كذب فاضح، فإن من قال بالتحريف عدد قليل من علماء الشيعة لا كل الفقهاء وجميع المجتهدين كما زعم.

هذا مع أن زعمه أنهم يقولون: ( إن القرآن هو الوحيد الذي أصابه التحريف ) فرية أخرى ، فإنهم أطبقوا على أن كل أو جل الكتب السماوية قد أصابتها يد التحريف والخيانة.

ويكفي في بطلان مزاعمه أنه لم يثبت كلتا الدعويين، ونقْلُ القول بالتحريف عن بعض لا يثبت قول الكل به.

ومع أن الميرزا النوري رحمه الله قد بذل غاية جهده في تكثير القائلين بالتحريف في كتابه (فصل الخطاب) في المقدمة الثالثة صفحة 25 ( في ذكر أقوال علمائنا رضوان الله

424 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

تعالى عليهم أجمعين في تغيير القرآن وعدمه ) ، حيث نسب القول بالتحريف لجماعة منهم الشيخ الكليني وعلي بن إبراهيم القمي والعياشي ومحمد بن الحسن الصفار، ومحمد بن العباس بن علي بن مروان الماهيار، والشيخ الطبرسي صاحب كتاب الاحتجاج، لوجود روايات في كتبهم ظاهرة في التحريف، أو لوجود عناوين أبواب فُهم منها القول بالتحريف.

كما أنه نسب القول بالتحريف للشيخ محمد بن محمد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد، مع أنه يصرّح كما سيأتي في كتابه (أوائل المقالات) بعدم القول بالتحريف.

وحاول أن يتصيد من كلمات بعض الأعلام ما يُستظهَر منه القول بالتحريف مع أنه لا دلالة في كل ذلك، كما نسبه إلى الفضل بن شاذان ونقل عبارته التي يحتج فيها على أهل السنة بأنهم كانوا يقولون بضياع بعض القرآن دون بعض السنة، فجعل هذا الكلام دليلاً على قول الفضل بن شاذان بالتحريف.

ولهذا نسب القول بالتحريف إلى علي بن أحمد الكوفي، ومحمد بن الحسن الشيباني، والشيخ يحيى تلميذ الكركي، والمولى محمد صالح المازندراني، والمجلسيين، والسيد علي خان، والمولى مهدي النراقي، والمحقق القمي، والشيخ أبي الحسن الشريف جد صاحب الجواهر، والشيخ علي بن محمد المقابي، والشيخ مرتضى الأنصاري، وظاهر ابن طاووس في فلاح السائل وسعد السعود.

ونسبه إلى جماعة ذُكر في فهرست الشيخ الطوسي أو رجال النجاشي أن لهم كتباً في التحريف كالبرقي صاحب كتاب المحاسن، ووالده الذي له كتاب (التنزيل والتغيير)، وعلي بن الحسن بن فضال الذي له كتاب (التنزيل من القرآن والتحريف)، وأحمد بن محمد بن سيار الذي له كتاب في القراءات سمَّاه الشيخ حسن بن سليمان الحلي (التنزيل والتحريف)، وأبي طاهر عبد الواحد بن عمر القمي له كتاب في قراءة أمير المؤمنين عليه السلام وحروفه.

الكتب السمـاوية ....................................................................................... 425

كما نسب القول بالتحريف لمجاهيل لا يعرفهم النوري نفسه، منهم صاحب كتاب (تفسير القرآن وتأويله وتنزيله وناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه وزيادات حروفه وفضايله وثوابه وروايات الثقات عن الصادقين من آل رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين)، كما في سعد السعود لابن طاووس، ومنهم صاحب كتاب ذكر ابن طاووس في الكتاب المذكور أن فيه قراءة رسول الله (ص) وعلي بن أبي طالب والحسن الحسين وعلي بن الحسين ومحمد وزيد ابني علي بن الحسين وجعفر بن محمد وموسى ابن جعفر صلوات الله عليهم.

وهؤلاء دون الثلاثين مع صحة النسبة إليهم وهي لا تصح، لأنها كانت بالظنون غير الصحيحة، وحمل الكلام على غير وجهه، وتأويل كلماتهم على خلاف ما يريدون.

ولو كان مجرد ذكر الرواية في الكتاب كافياً لِصحَّة نسبة القول بالتحريف لعُدّ من القائلين به البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، والدارقطني، وأحمد بن حنبل، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وأبو داود الطيالسي، والحميدي، والدارمي، وابن حبان، والهيثمي، وابن المنذر، وسعيد بن منصور، وعبد الرزاق، والحاكم النيسابوري، وابن مردويه، والضياء المقدسي، والبيهقي، وابن سعد، والسيوطي، والمتقي الهندي، والطبراني، وابن أبي شيبة، وأبو يعلى، والبزار، وأبو نعيم الأصفهاني، وابن الأثير صاحب جامع الأصول، والقرطبي صاحب التفسير، وابن جرير الطبري، وابن كثير الدمشقي، والمحاملي، وابن حجر العسقلاني ، وابن عبد البر، والخطيب البغدادي، ويوسف بن موسى الحنفي صاحب كتاب معتصر المختصر، وأبو بكر الشيباني صاحب كتاب الآحاد والمثاني، وابن رجب الحنبلي صاحب كتاب جامع العلوم والحكم، وابن قدامة المقدسي، ومحمد بن علي الشوكاني، وأبو الحسن الآمدي صاحب كتاب (الإحكام)، وابن حزم الأندلسي، والإمام الشافعي في مسنده، وغيرهم.

426 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

وهؤلاء أكثر من أربعين شخصاً من أعلام أهل السنة قد رووا أخبار التحريف في كتبهم المعروفة، وما تركناه أكثر مما أحصيناه، مع أن أهل السنة لا يلتزمون بأن هؤلاء يقولون بالتحريف مع تصحيحهم لأحاديث صريحة تدل على ذلك.

ومن الطريف أن الكاتب الذي نقل عن الميرزا النوري قوله بتحريف القرآن قد تعامى عن أدلّته قدس سره في إثبات تحريف التوراة والإنجيل في الصفحات 35 - 53، فلا أدري لمَ لمْ يرَ الكاتب كل تلكم الصفحات، ونسب القول بعدم تحريف الكتب السماوية لكافة علمائنا، مع أن علماء الشيعة مطبقون على القول بتحريف تلك الكتب لفظاً ومعنى.

فقد قال الميرزا النوري قدس سره : الأمر الأول: وقوع التغيير والتحريف في الكتابين، وأن الموجود بأيدي اليهود والنصارى غير مطابق لما نزل على موسى وعيسى على نبيّنا وآله وعليهما السلام، وهو بمكان من الوضوح، بل هو مقطوع به بعد ملاحظة الآيات الكثيرة والأخبار المتواترة وإجماع المسلمين، بل ملاحظتهما في أنفسهما كافية في إثبات المطلوب، ومغنية عن الاستدلال عليه بها (1).

في حين أن البخاري قد صرَّح في صحيحه بأن تحريف كل الكتب السماوية إنما هو في المعاني والتأويل، لا في الألفاظ والكلمات.

فقد قال في كتاب التوحيد، باب ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ) : ( وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ ) قال قتادة: مكتوب ( يَسْطُرُونَ ) يخطّون ( فِي أُمِّ الْكِتَابِ ) جملة الكتاب وأصله ( مَا يَلْفِظُ ) ما يتكلم من شيء إلا كتب عليه، وقال ابن عباس: يُكتب الخير والشر ( يُحَرِّفُونَ )يزيلون، وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله عزَّ وجل، ولكنهم يحرِّفونه يتأولونه على غير تأويله (2).

قال ابن حجر في فتح الباري: قال شيخنا ابن الملقن في شرحه: هذا الذي قاله

 

(1) فصل الخطاب، ص 35.

(2) صحيح البخاري 4/2360.

 

الكتب السمـاوية ....................................................................................... 427

أحد القولين في تفسير هذه الآية، وهو مختاره أي البخاري، وقد صرَّح كثير من أصحابنا بأن اليهود والنصارى بدَّلوا التوراة والإنجيل، وفرَّعوا على ذلك جواز امتهان أوراقهما، وهو يخالف ما قاله البخاري هنا. انتهى، وهو كالصريح في أن قوله: (وليس أحد) إلى آخره من كلام البخاري، ذيَّل به تفسير ابن عباس (1).

هذا مضافاً إلى أن القول بسلامة التوراة من التحريف في ألفاظها قول معروف لابن تيمية.

قال ابن حجر في فتح الباري عند ذكر اختلاف الأقوال في تحريف التوراة والإنجيل: ثالثها: وقع [أي التحريف] في اليسير منها [أي من التوراة والإنجيل] ومعظمها باق على حاله، ونصره الشيخ تقي الدين ابن تيمية في كتابه (الرد الصحيح على من بدَّل دين المسيح).

رابعها: إنما وقع التبديل والتغيير في المعاني لا في الألفاظ، وهو المذكور هنا، وقد سُئل ابن تيمية عن هذه المسألة مجرداً فأجاب في فتاويه أن للعلماء في ذلك قولين، واحتج للثاني (2) من أوجه كثيرة، منها قوله تعالى ( لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) (3).

 

(1) فتح الباري 13/448.
(2) وهو أن التحريف وقع في معاني التوراة والإنجيل، لا في كلماتهما.
(3) فتح الباري 13/449.

 
 
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب