أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 533

قال الكاتب: أبو بصير ليث بن البختري:
أبو بصير هذا تَجَرّأ على أبي الحسن موسى الكاظم (رض) عندما سُئِلَ (رض)

534 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

عن رجل تزوج امرأة لها زوج، ولم يعلم. قال أبو الحسن (رض) : (تُرْجَمُ المرأة، وليس على الرجل شيء إذا لم يعلم)... فضرب أبو بصير المرادي على صدره يحكها وقال: أظن صاحبنا ما تكامل علمه. رجال الكشي ص 154. أي أنه يتهم الكاظم (رض) بقلة العلم!!


وأقول: سند هذه الرواية هو: علي بن محمد، قال: حدثني محمد بن أحمد، عن محمد بن الحسن، عن صفوان، عن شعيب بن يعقوب العقرقوفي. وهو سند ضعيف.

قال المحقق الخوئي في معجم رجال الحديث:
أقول: الرواية ضعيفة، فإن علي بن محمد لم يوثّق، ومحمد بن أحمد مجهول، ومحمد بن الحسن الذي يروي عن صفوان لم يوثق، فالمتحصل أن الروايات الذامَّة لم يتم سندها فلا يعتد بها.

نعم ، روى الشيخ هذه الرواية الأخيرة بسند معتبر مع اختلاف يسير في المتن ، فقد روى بإسناده عن علي بن الحسن، عن أيوب بن نوح، والسندي بن محمد، عن صفوان بن يحيى، عن شعيب العقرقوفي، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام ... إلى أن قال : قال: فذكرت ذلك لأبي بصير، فقال لي: والله لقد قال جعفر عليه السلام : تُرجم المرأة ويُجلد الرجل الحد. وقال بيده على صدره يحكّه (صدري فحكه): ما أظن صاحبنا تكامل علمه. التهذيب: الجزء 7، باب الزيادات في فقه النكاح، الحديث 1957، والاستبصار: الجزء 3، باب الرجل يتزوج بامرأة ثم علم بعد ما دخل بها أن لها زوجاً، الحديث 687.

وروى هذا المضمون أيضاً بإسناده عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن شعيب، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل تزوج امرأة لها زوج، قال: يُفرَّق بينهما. قلت: فعليه ضرب ؟ قال: لا. ماله يضرب ؟! فخرجتُ من عنده وأبو بصير بحيال الميزاب ، فأخبرتُه بالمسألة والجواب، فقال لي:

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 535

أين أنا ؟ فقلت: بحيال الميزاب. قال: فرفع يده، فقال: ورب هذا البيت، أو رب هذه الكعبة، لسمعت جعفراً يقول : إن عليًّا عليه السلام قضى في الرجل تزوَّج امرأة لها زوج ، فرجم المرأة ، وضرب الرجل الحد، ثم قال: لو علمت أنك علمت لفضخت رأسك بالحجارة. ثم قال: ما أخوفني ألا يكون أوتي علمه. التهذيب: الجزء 10، باب حدود الزنا، الحديث 76.

أقول - والقائل الخوئي ـ: هاتان الروايتان لا بد من رد علمهما إلى أهله، فإن الرجل إذا لم يثبت أنه كان عالماً بأن المرأة لها زوج، فما هو الوجه في ضربه الحد ؟ ومجرد احتمال أنه كان عالماً لا يجوِّز إجراء الحد عليه، هذا من جهة نفس الرواية ، وأما من جهة دلالتهما على ذم أبي بصير فغاية الأمر أنهما تدلان على أنه كان قاصراً في معرفته بعلم الإمام عليه السلام في ذلك الزمان لشبهة حصلت له، وهي تخيله أن حكمه عليه السلام كان مخالفاً لما وصل إليه من آبائه عليهم السلام ، وهذا ـ مع أنه لا دليل على بقائه واستمراره ـ لا يضر بوثاقته ، مضافاً إلى أن الظاهر أن المراد بأبي بصير في الرواية يحيى بن القاسم دون ليث المرادي، فإنك ستعرف أنه لم يثبت كون ليث من أصحاب الكاظم عليه السلام ، والله العالم (1).

وما قاله السيّد قدّس الله نفسه متين، وقد بلغ به الغاية.

قال الكاتب: ومرة تذاكر ابن أبي اليعفور [كذا] وأبو بصير في أمر الدنيا، فقال أبو بصير: أما إن صاحبكم لو ظفر بها لاستأثر بها، فأغفى - أبو بصير - فجاء كلب يريد أن يشغر (2) عليه، فقام حماد بن عثمان ليطرده فقال له ابن أبي يعفور: دعه، فجاءه حتى شغر في أذنيه. ص 154 رجال الكشي.

 

(1) معجم رجال الحديث 14/149.

(2) رفع رجله ليبول (حاشية من الكاتب).

 

536 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

أي أنه يتهم أبا عبد الله بالركون إلى الدنيا وحب الاستِئْثَاِر بها، فعاقبه الله تعالى بأن أرسل كلباً فبال بأذنيه جزاءً له على ما قال في أبي عبد الله.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة، وسندها: علي بن محمد، قال: حدثني محمد بن أحمد بن الوليد، عن حماد بن عثمان. وعلي بن أحمد لم يثبت توثيقه في كتب الرجال، ومحمد بن أحمد مجهول كما مرَّ في كلام السيد الخوئي قدس سره.

على أن قوله: (صاحبكم) ليس صريحاً في أنه يريد به الإمام الصادق عليه السلام وإن كان ذلك محتملاً، والمظنون قوياً أنه كان يريد به شخصاً آخر، لأنه لو أراد الإمام عليه السلام لقال: (صاحبنا)، فإن ذلك هو التعبير المتعارف في الإشارة إلى الإمام عليه السلام.

قال الكاتب: وعن حماد الناب قال: جلس أبو بصير على باب أبي عبد الله L ليطلب الإذن، فلم يُؤْذَنْ له، فقال: لو كان معنا طبق لأَذِنَ، قال فجاء كلب فشغر في وجه أبي بصير، فقال ـ أبو بصير ـ: أفُ أفُ [كذا] ما هذا ؟ (1). فقال له جليسه: هذا كلب شغر في وجهك رجال الكشي ص 155. أي أنه يتهم أبا عبد الله (رض) بحب الثريد والطعام اللذيذ بحيث لا يأذن لأحد بالدخول عليه إلا إذا كان معه طبق طعام، لكن الله تعالى عاقبه أيضاً فأرسل كلباً فبال في وجهه عِقاباً له على ما قاله في أبي عبد الله (رض).

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند أيضاً، وسندها: محمد بن مسعود، قال: حدثني جبرئيل بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن عيسى، عن يونس عن حماد الناب. وقد مرَّ أن جبرئيل بن أحمد لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

 

(1) لأنه كان أعمى البصر (حاشية من الكاتب).

 
 

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 537

قال المحقق الخوئي: جبرئيل بن أحمد لم يوثَّق، على أن الظاهر أن المراد بأبي بصير فيها يحيى بن القاسم، فإنه كان ضريراً، وأما المرادي فلم نجد ما يدل على كونه ضريراً، ومجرد التكنية بأبي بصير لا يدل عليه كما هو ظاهر (1).

هذا مع أنه يحتمل ضبط كلمة (لأُذِن) في الحديث بالمبني للمفعول، فيُراد بفاعل الإذن أهل الدار، أو خادم الإمام عليه السلام، لا أن يكون ضبط الكلمة هو (أَذِن) بالمبني للمعلوم كما ضبطها الكاتب ليعود الضمير فيها على الإمام عليه السلام.
وعليه فلا إشكال في كلام أبي بصير إلا اتهام خادم الإمام
عليه السلام بالاستعجال في الإذن له لو كان معه طبق من طعام، ومثل هذا لا يكون فيه طعن ذي بال في أبي بصير.

قال الكاتب: ولم يكن أبو بصير موثوقاً في أخلاقه، ولهذا قال شاهداً على نفسه بذلك: كنتُ أقرِئُ امرأةً كنت أُعلمها القرآن، فمازَحْتُها بِشَيء!! قال: فَقَدِمَتْ على أبي جعفر (رض) - أي تَشْتَكِيه - قال: فقال لي أبو جعفر: يا أبا بصير أي شيء قلتُ للمرأة؟ قال: قلتُ بيدي هكذا، وغَطَّى وجهه!! قال: فقال أبو جعفر: لا تعودن عليها رجال الكشي ص 154.
أي أن أبا بصير مد يده ليلمس شيئاً من جسدها بغرض المداعبة (!!) والممازحة، مع أنه كان يُقْرِؤُها القرآن!!!

وأقول: قال الخوئي قدس الله نفسه: لا دلالة في الرواية على الذم، إذ لم يُعلَم أن مزاحه كان على وجهٍ محرَّم، فمن المحتمل أن الإمام عليه السلام نهاه عن ذلك حمايةً للحمى، لئلا ينتهي الأمر إلى المحرَّم، والله العالم (2).

 

(1) معجم رجال الحديث 14/149.

(2) معجم رجال الحديث 14/148.

 

538 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

والكاتب قد ضبط النص بما يدل على أن المرأة جاءت للإمام عليه السلام تشكو أبا بصير، مع أن النص لا دلالة فيه على ذلك، بل الضبط هو: ( فقَدمْتُ على أبي جعفر فقال لي... ) ، لكن الكاتب أراد أن يهوِّل ما صنعه أبو بصير من جهة، وأن ينفي عن الإمام عليه السلام علمه بالحادثة من دون مُخبِر من جهة ثانية، فضبط النص بما يدل على أن المرأة جاءت للإمام عليه السلام لتشكو أبا بصير.

والعجيب من الكاتب وأضرابه أنه أراد تضعيف أبي بصير لأنه مازح امرأة ولم يُعلَم أن مزاحه معها كان على وجهٍ محرَّم أم لا، ولم يضعفوا خالد بن الوليد الذي قتل مالك بن نويرة ونزا على زوجته، ولا المغيرة بن شعبة الذي زنا بأم جميل، ولا طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم ممن خرجوا على الخليفة الحق وحاربوه، وقُتل بسببهم عشرات الألوف من المسلمين من غير ذنب.
فهنيئاً لهم بهذه المعايير المعكوسة في التضعيف والتوثيق!!

قال الكاتب: وكان أبو بصير مخلطاً: فعن محمد بن مسعود قال: سألت علي بن الحسن عن أبي بصير فقال: أبو بصير كان يُكنى أبا محمد وكان مولى لبني أسد، وكان مكفوفاً. فسألته هل يُتَّهَمُ بالغُلُوُّ ؟ [كذا] فقال: أَما الغُلُوُّ فلا، لم يكن يُتَّهَم، ولكن كان مخلطاً. رجال الكشي ص 154.
قلت: أحاديثه في الصحاح [!!] كثيرة جداً، وفيها عجب عجاب، فإذا كان مخلطاً فماذا أدخل في الدين من تخليط ؟!! إن أحاديثه فيها عجب عجاب أليست هي من تخليطه ؟؟!!

وأقول: صدر الرواية الذي لم يذكره الكاتب هو:

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 539

محمد بن مسعود، قال: سألت علي بن الحسن بن فضال عن أبي بصير، فقال: وكان اسمه يحيى بن أبي القاسم، فقال: أبو بصير يكنَّى أبا محمد، وكان مولى لبني أسد، وكان مكفوفاً. فسألته: هل يُتَّهم بالغلو... الخ.

ومن الواضح أن السؤال كان عن أبي بصير يحيى بن القاسم الأسدي المكفوف، لا عن أبي بصير ليث المرادي الذي عقد له الكاتب هذا الفصل، إلا أن الكاتب بتر صدر الرواية ليوهم القارئ أن أبا بصير المذموم في الرواية هو ليث المرادي، مع أنه يحيى بن القاسم أو ابن أبي القاسم.

ولعل مدَّعي الاجتهاد والفقاهة لم يميِّز بينهما، فظن أن أبا بصير واحد لا متعدِّد، مع أن من يدَّعي الاجتهاد ينبغي أن يميِّز بين هذين الرجلين فلا يخلط بينهما.

هذا مع أن كلام ابن فضال في أبي بصير هذا (يحيى بن القاسم) معارض بما قاله النجاشي فيه، حيث قال: يحيى بن القاسم أبو بصير الأسدي، وقيل أبو محمد، ثقة وجيه، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، وقيل: يحيى بن أبي القاسم، واسم أبي القاسم إسحاق... ومات أبو بصير سنة خمسين ومائة (1).

ومعارض بما رواه الكشي نفسه في صحيحة شعيب العقرقوفي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ربما احتجنا أن نسأل عن الشيء ، فمِمّن نسأل ؟ قال : عليك بالأسدي . يعني أبا بصير (2).

ومعارض بما صرَّح به الكشي نفسه من أن أبا بصير الأسدي من أصحاب الإجماع الذين أجمعت الطائفة على العمل برواياتهم.

قال الكشي: أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام ، وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأولين ستة: زرارة،

 

(1) رجال النجاشي 2/411.

(2) اختيار معرفة الرجال 1/400.

 

540 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

ومعروف بن خربوذ ، وبُرَيد ، وأبو بصير الأسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي (1).
على أنه يمكن حمل التخليط على محمل لا يضر بوثاقة أبي بصير.

قال المحقق الخوئي: وأما قول ابن فضال: ( إنه كان مخلطاً ) فلا ينافي التوثيق، فإن التخليط معناه أن يروي الرجل ما يُعرَف ويُنكر، فلعل بعض روايات أبي بصير كانت منكرة عند ابن فضال، فقال: إنه مخلط (2).

 

(1) المصدر السابق 2/507.

(2) معجم رجال الحديث 20/83.

 
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب