أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 567

قال الكاتب: توفي أحد السادة المدرسين في الحوزة النجفية ، فغسلتُ جثمانَه مُبْتَغياً بذلك وجهَ الله، وساعدني في غسله بعض أولاده، فاكتشفت أثناء الغسل أن الفقيد الراحل غير مختون!! ولا أستطيع الآن أن أذكر اسم هذا (الفقيد) لأن أولاده يعرفون من الذي غسل أباهم، فإذا ذكرته عرفوني، وعرفوا بالتالي أني مؤلف هذا الكتاب، واكتُشِفَ أمري، ويحصل ما لا تُحْمَدُ عقباه.

وأقول: هذه إحدى قصص الكاتب الخرافية التي لا قيمة لها.

ولو كان الكاتب يَعْقِل ما يكتب لما نقل مثل هذه القصة، لأنها كاشفة عن جهله وقلة معرفته ، لأنه ـ على فرض صحَّتها ـ كيف جوَّز الكاتب لنفسه أن ينظر إلى عورة الميت ويتفحَّصها ليعلم أنه كان غير مختون ؟ فإن النظر إلى عورة المسلم حرام حتى في حال التغسيل، فيجب على المغسِّل أن يستر عورة الميت، ويغسلها من تحت الثياب.

568 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

قال الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب الخلاف:
مسألة 469: يستحب أن يُغسل الميت عرياناً، مستور العورة، إما بأن يترك قميصه على عورته، أو ينزع القميص ويترك على عورته خرقة. وقال الشافعي: يغسَّل في قميصه، وقال أبو حنيفة: ينزع قميصه ويُترك على عورته خرقة. دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم على أنه مخير بين الأمرين
(1).

وقال المحقق الحلي في كتاب المعتبر:
وقال في الخلاف: يستحب غسله عرياناً مستور العورة، إما بقميصه، أو ينزع القميص ويترك على عورته خرقة. ومعنى قوله رحمه الله : (بقميصه) أن يخرج يديه من القميص ويجذبه منحدراً إلى سرته، ويجمعه على عورته، ويجرِّد ساقيه، فيصير كالعاري عدا العورة
(2).

وقال الشيخ يوسف البحراني قدس سره في الحدائق الناضرة:
(الثالثة): اختلف الأصحاب في أنه هل الأفضل تغسيل الميت عرياناً مستور العورة، أو في قميص يدخل الغاسل يده تحته؟ قال في المختلف: المشهور أنه ينبغي أن ينزع القميص عن الميت، ثم يترك على عورته ما يسترها واجباً، ثم يغسله الغاسل.
إلى أن قال: وقد ظهر من كلامه أن المشهور هو استحباب غسله مكشوف البدن ما عدا العورة، وكلام ابن أبي عقيل ظاهر في استحباب التغسيل في قميص، وهو ظاهر من الأخبار كصحيحة ابن مسكان المذكورة وصحيحة يعقوب بن يقطين المتقدمة وصحيحة سليمان بن خالد المتقدمة أيضاً، بل ظاهر صحيحة يعقوب الوجوب، ويعضدها أيضاً الأخبار المتقدمة في تغسيل الزوجين المتكاثرة بكونه من وراء الثياب
(3).

 

(1) كتاب الخلاف 1/692.

(2) المعتبر 1/270. (3) الحدائق الناضرة 3/447.  
 

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 569

وقال النجفي في جواهر الكلام:
(و) كذا يستحب أن (يستر عورته) حيث لا يوجد ما يقتضي الوجوب، كما لو كان المغسِّل أعمى، أو واثقاً من نفسه بعدم النظر، أو كان المغسَّل بالفتح ممن يجوز النظر إلى عورته، كما لو كان طفلاً أو زوجاً، وإلا فلا إشكال في وجوب ستر العورة عن الناظر المحترم
(1).

وقال السرخسي في المبسوط:
ويُطرح على عورته خرقة، لأن ستر العورة واجب على كل حال، والآدمي محترم حيًّا وميتاً، وروى الحسن عن أبي حنيفة (رض) أنه يؤزر بإزار سابغ كما يفعله في حياته إذا أراد الاغتسال. وفي ظاهر الرواية قال: يَشق عليهم غَسل ما تحت الإزار، فيكتفى بستر العورة الغليظة بخرقة، ثم يوضأ وضوءه للصلاة
(2).

وقال الكاشاني في بدائع الصنائع:
وتستر عورته بخرقة، لأن حرمة النظر إلى العورة باقية بعد الموت. قال النبي (ص) : ( لا تنظروا إلى فخذ حيّ ولا ميت ). ولهذا لا يباح للأجنبي غسل الأجنبية. دلَّ عليه ما روي عن عائشة أنها قالت: (كسْر عظم الميت ككسْره وهو حي)، ليعلم أن الآدمي محترم حيًّا وميتاً، وحرمة النظر إلى العورة من باب الاحترام. وقد روى الحسن عن أبي حنيفة أنه يؤزر بإزار سابغ كما يفعله في حياته إذا أراد الاغتسال. والصحيح ظاهر الرواية ، لأنه يشق عليهم غسل ما تحت الإزار ، ثم الخرقة ينبغي أن تكون ساترة ما بين السرة إلى الركبة ، لأن كل ذلك عورة ، وبه أمر في الأصل حيث قال: (وتطرح على عورته خرقة)، هكذا ذكر عن أبي عبد الله البلخي نصًّا في نوادره، ثم تغسل عورته تحت الخرقة بعد أن يلف على يده خرقة، كذا ذكر البلخي، لأن حرمة مَسِّ

 

(1) جواهر الكلام 4/149.

(2) المبسوط 2/59.

 

570 .................................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

عورة الغير فوق حرمة النظر، فتحريم النظر يدل على تحريم المس بطريق الأولى (1).

قلت: بعد أن عرفنا هذا كله نسأل: ما الذي سوَّغ لمدَّعي الاجتهاد والفقاهة أن ينظر إلى عورة الميت المزعوم ويتفحَّصها؟

ولماذا يخاف الكاتب من معرفة اسمه وشخصه مع أنه يدَّعي الآن أنه صار سُنِّيًّا، فيلزمه حينئذ ألا يعمل بالتقية الممقوتة عند أهل السنة، فلا يجوز له أن يخفي نفسه في النجف متستِّراً باللباس الشيعي، ومتظاهراً بأنه لا يزال شيعياً.

قال الكاتب: وهناك بعض السادة في الحوزة لي عليهم ملاحظات تثير الشكوك حولهم والريب، وأنا والحمد لله دائب البحث والتحري للتأكد من حقيقتهم.

وأقول: لا ندري ما هي هذه الملاحظات المزعومة التي أثارت شكوك الكاتب حول من سمَّاهم سادة في الحوزة ؟
ثم ما الذي جوَّز للكاتب أن يتحرَّى ويبحث في حقيقة أولئك السادة ؟ فإن هذا الفعل إما أن يندرج تحت عنوان التجسس المنهي عنه بقوله تعالى ( وَلا تَجَسَّسُوا ) ؟

أو يندرج تحت عنوان تتبّع عورات المسلمين المنهي عنه في الأخبار الكثيرة، ففي موثقة إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال رسول الله .: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه، لا تذمُّوا المسلمين، ولا تتبَّعوا عوراتهم، فإنه من تتبَّع عوراتهم تتبَّع الله عورته، ومن تتبَّع الله تعالى عورته يفضحه ولو في بيته.

وفي موثَّقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن

 

(1) بدائع الصنائع 1/300.

 
 

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 571

يواخي الرجلُ الرجلَ على الدين، فيحصي عليه زلاَّته، ليعيِّره بها يوماً ما.

وفي صحيحة محمد بن مسلم أو الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله .: لا تطلبوا عثرات المؤمنين، فإن من تتبَّع عثرات أخيه تتبَّع الله عثراته، ومن تتبَّع الله عثراته يفضحه ولو في جوف بيته (1).

وأخرج الترمذي وأبو داود وأحمد وأبو يعلى وغيرهم بأسانيدهم عن ابن عمر، قال: صعد رسول الله (ص) المنبر، فنادى بصوت رفيع فقال: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيِّروهم، ولا تتبَّعوا عوراتهم ، فإنه من تتبَّع عورة أخيه المسلم تتبَّع الله عورته، ومن تتبَّع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله (أو بيته) (2).

ومن غير المستبعد أن يكون ذلك قد نشأ من سوء ظنِّ الكاتب بالناس الكاشف عن سوء الطوية وخبث السريرة.

قال المناوي في فيض القدير: ومن أساء الظن بمن ليس محلاًّ لسوء الظن به دلَّ على عدم استقامته في نفسه، كما قيل: إذا سَاءَ فِعْلُ المرءِ سَاءَتْ ظنُونُه وصَدَّقَ مَا يَعْتَادُه مِنْ تَوَهُّمِ (3)

 

(1) انظر هذه الأحاديث في الكافي 2/354-355.
(2) سنن الترمذي 4/378 وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. سنن أبي داود 4/270. مسند أحمد 4/420، 424. مجمع الزوائد 6/246. مسند أبي يعلى 2/146، 6/266. المطالب العالية 2/365. شعب الإيمان 7/108، 521. مشكاة المصابيح 3/1402. الترغيب والترهيب 3/152، 153 وقال: رواه أبو يعلى بإسناد حسن. صحَّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/923.
(3) فيض القدير 1/330.

 
 
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب