الكتب السمـاوية ....................................................................................... 419

قال الكاتب: 8- التوراة والإنجيل والزبور: عن أبي عبد الله (رض) أنه كان يقرأ الإنجيل والتوراة والزبور بالسيريانية. انظر الحجة من الكافي 1/207 باب إن الأئمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من الله عز وجل، وإنهم يعرفونها كلها على اختلاف ألسنتها.

وأقول: لا يوجد حديث بهذا اللفظ في كتاب الكافي في الباب المذكور، ولا يشتمل هذا الباب إلا على حديثين ضعيفين:
الحديث الأول: أحد رواته الحسن بن إبراهيم، وهو مجهول الحال.
قال المولى محمد باقر المجلسي قدس سره : [في سنده] مجهول (1).

والحديث الثاني: من رواته سهل بن زياد، وبكر بن صالح، ومحمد بن سنان.
أما سهل بن زياد ومحمد بن سنان فقد مرَّ بيان حالهما.

 

(1) مرآة العقول 3/24.

 
 

420 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

وأما بكر بن صالح فقد ضعَّفه النجاشي في رجاله، فقال: بكر بن صالح الرازي، مولى بني ضبة، روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، ضعيف (1).

وقال ابن الغضائري: بكر بن صالح الرازي ضعيف جداً، كثير التفرد بالغرائب (2).

وضعَّفه العلاَّمة في الخلاصة بنحو ما قاله ابن الغضائري (3).

قال المامقاني قدس سره : ضعْف بكر بن صالح الضبي الرازي الراوي عن الكاظم عليه السلام  مما لا ينبغي الريب فيه، واشتراك غيره معه من دون تمييز صحيح يُسقِط كل رواية لبكر بن صالح ـ أيّ بكر كان ـ عن الاعتبار (4).

ولو سلَّمنا بصحة الحديثين فلا محذور فيهما، وذلك لأن الحديث الأول ظاهر في جواز الاحتجاج على النصارى بالإنجيل، والإمام موسى بن جعفر عليهما السلام  قرأ على بُرَيْه ما يحجُّه ويلزمه، ولهذا أسلم في الحال، ولعلَّه قرأ عليه من الإنجيل ما يدل على نبوّة نبينا محمد (ص) ، فإن ذلك مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل كما أخبر سبحانه وتعالى في كتابه العزيز إذ قال: ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ ) الآية (5).

قال ابن كثير: هذه صفة محمد في كتب الأنبياء، بشَّروا أُممهم ببعثه، وأمروهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم، يعرفها علماؤهم وأحبارهم (6).

 

(1) رجال النجاشي 1/270.
(2) رجال ابن الغضائري، ص 44.

(3) رجال العلامة الحلي، ص 207.
(4) المصدر السابق 1/179.

(5) سورة الأعراف، الآية 157.
(6) تفسير القرآن العظيم 2/251.

 

الكتب السمـاوية ....................................................................................... 421

والاحتجاج بالتوراة والإنجيل على أهل تلك الملل جائز لا ضير فيه، فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن عبد الله بن عمر (رض) أن اليهود جاؤوا إلى النبي (ص) برجل منهم وامرأة قد زنيا ، فقال لهم: كيف تفعلون بمن زنى منكم؟ قالوا: نُحمِّمُهما (1) ونضربهما. فقال: لا تجدون في التوراة الرجم؟ فقالوا: لا نجد فيها شيئاً. فقال لهم عبد الله بن سلام: كذبتم، فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين. فوضع مِدْراسها الذي يُدَرِّسها منهم كفَّه على آية الرجم، فقال: ما هذه؟ فلما رأوا ذلك قالوا: هي آية الرجم. فأمر بهما فرجما قريباً من حيث موضع الجنائز عند المسجد، فرأيت صاحبها يجنأ عليها (2)، يقيها الحجارة (3).

ولهذا أفتى مَن وقفنا على فتاواه من العلماء بجواز اقتناء التوراة والإنجيل، بل كتب الضلال كلها لنقضها أو للاحتجاج بها على من يعتقد بها.

وعليه، فلعل اقتناء أهل البيت عليهم السلام  لهذه الكتب كان لأجل هذه الغاية، فلا يستخرجون شيئاً منها إلا وقت الحاجة إليه، كما صنع الإمام عليه السلام  مع بُريه.

وقد ورد ما يشهد لذلك في كتبهم، فقد أخرج أبو عمرو الداني في سُننه، عن ابن شوذب قال: إنما سُمّي المهدي لأنه يُهدَى إلى جبل من جبال الشام، يستخرج منه أسفار التوراة، يحاج بها اليهود، فيسلم على يديه جماعة من اليهود (4).

وعن كعب قال: إنما سُمّي المهدي لأنه يهدى إلى أسفار من أسفار التوراة، يستخرجها من جبال الشام، يدعو إليها اليهود فيسلم على تلك الكتب جماعة كثيرة،

 

(1) أي نسكب عليهما الماء الحميم، وقيل: نجعل في وجوههما الحمَّة، أي السواد.
(2) أي يحني ظهره عليها.
(3) صحيح البخاري 6/46 كتاب التفسير، سورة آل عمران، 9/205 كتاب المحاربين من أهل الردة والكفر، باب الرجم في البلاط، وصفحة 214 باب أحكام أهل الذمة. وراجع صحيح مسلم 3/1326.
(4) العرف الوردي في أخبار المهدي (المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي) 2/81.

 
 

422 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

ثم ذكر نحواً من ثلاثين ألفا ً(1).

ومما ينبغي بيانه ههنا أن الكتب السماوية التي في أيدي الناس لا ريب في كونها من كتب الضلال، بسبب ما دخلها من التحريف، وأما ما عند أهل البيت عليهم السلام  من كتب الأنبياء السابقين فهي وإن كانت منسوخة قد انتهى أمد العمل بها، إلا أنها لا تشتمل على ضلال، لأن الله سبحانه لا يقول إلا الحق، ولا يُنْزل إلى الناس باطلاً.

قال صاحب الجواهر أعلى الله مقامه: ليس من كتب الضلال كتب الأنبياء السابقين، ما لم يكن فيها تحريف، إذ النسخ لا يُصيُرها ضلالاً، ولذا كان بعضها عند أئمتنا عليهم السلام ، وربما أخرجوها لبعض أصحابهم، بل ما كان منها مثل الزبور ونحوه من أحسن كتب الرشاد، لأنها ليست إلا مواعظ ونحوها على حسب ما رأينا، والله أعلم (2).

قلت: وقد ورد مثل ذلك في بعض أحاديث أهل السنة، فقد أخرج الآجري وغيره أن أبا ذر قال: قلت: يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم؟ قال: كانت أمثالاً كلها: ( أيها الملك المتسلّط المبتلى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتك لتردّ عني دعوة المظلوم، فإني لا أردّها ولو كانت من فم كافر. وكان فيها أمثال: وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات، ساعة يناجي فيها ربَّه، وساعة يحاسب فيها نفسه، يفكّر فيها في صنع الله عزَّ وجل إليه، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب، وعلى العاقل ألا يكون ظاعناً إلا في ثلاث: تزوُّد لمعاد، ومرمَّة لمعاش، ولذَّة في غير محرَّم، وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه، مقبلاً على شانه، حافظاً للسانه، ومن عَدَّ كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعينه).
قال: قلت: يا رسول الله فما كانت صحف موسى؟ قال: كانت عِبَراً كلها: (عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف ينصب، وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلّبها

 

(1) الفتن لنعيم بن حماد، ص 251.

(2) جواهر الكلام 22/60.

 

الكتب السمـاوية ....................................................................................... 423

بأهلها كيف يطمئن إليها، وعجبت لمن أيقن بالحساب غداً ثم هو لا يعمل). قال: قلت: يا رسول الله فهل في أيدينا شيء مما كان في يدي إبراهيم وموسى مما أنزل الله عليك؟ قال: نعم، اقرأ يا أبا ذر ( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ) (1).

فإذا كانت كتب مواعظ وعِبَر فما المحذور في اقتنائها؟!

 

(1) تفسير القرطبي 20/24.

 
 
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب