412 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

قال الكاتب: 7 - مصحف فاطمة:
أ- عن علي بن سعيد عن أبي عبد الله (رض) قال: (وعندنا مصحف فاطمة ما فيه آية من كتاب الله، وإنه لإملاء رسول الله صلوات الله عليه وآله وخط علي (رض) بيده) بحار الأَنوار 26/41.
ب- وعن محمد بن مسلم عن أحدهما (رض) (.. وَخَلَّفَتْ فاطمة مصحفاً ما هو قرآن ولكنه كلام من كلام الله أنزل عليها، إملاء رسول الله صلى الله عليه وخط

الكتب السمـاوية ....................................................................................... 413

علي) البحار 26/42.
ج- عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (رض) (.. وعندنا مصحف فاطمة عليها السلام ، أما والله ما فيه حرف من القرآن ولكنه إملاء رسول الله صلى الله عليه وخط علي) البحار 26/48.

وأقول: مصحف فاطمة عليها السلام هو كتاب فيه علم ما يكون وأسماء من يملكون إلى قيام الساعة، بإملاء جبرئيل عليه السلام وبخط علي بن أبي طالب عليه السلام، كما دلَّت عليه الأخبار الكثيرة كخبر حماد بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة، وذلك أني نظرت في مصحف فاطمة عليها السلام.
قال: قلت: وما مصحف فاطمة ؟ قال: إن الله تعالى لما قبض نبيّه . دخل على فاطمة عليها السلام من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عزَّ وجل، فأرسل الله إليها ملَكاً يسلّي غمّها ويحدّثها، فشكَت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: إذا أحسستِ بذلك وسمعت الصوت قولي لي. فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يكتب كل ما سمع، حتى أثبت من ذلك مصحفاً. قال: ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون (1).

وفي صحيحة أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن فاطمة مكثت بعد رسول الله (ص) خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ويطيّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة عليها السلاما (2).

فإن قال قائل: إن ادِّعاء تكليم الملائكة غير الأنبياء باطل، فلا يصح ادعاء سماع فاطمة وعلي عليهما السلام كلام الملائكة عامة أو جبريل خاصة.

 

(1) الكافي 1/240.

(2) المصدر السابق 1/241.

 

414 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

أجبناه على ذلك بأمور: 1- أن الأحاديث التي أخرجها حفَّاظ الحديث من أهل السنة قد دلَّت على أن الناس لو استقاموا لصافحتهم الملائكة.

ومن ذلك ما أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد والحميدي والطيالسي وابن حبان وغيرهم عن حنظلة التميمي الأسيدي، أن النبي (ص) قال: يا حنظلة، لو كنتم تكونون كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فُرُشكم أو في طُرُقكم (1).

وفي رواية أخرى، قال: لو كنتم تكونون إذا فارقتموني كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة بأكُفِّها، ولزارتكم في بيوتكم (2).

وعلى ذلك يُحمل تكليم الملائكة لمريم عليها السلام فيما حكاه الله سبحانه في كتابه العزيز، إذ قال ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ) (3)
وعليه فهل يحق لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينفي عن أمير المؤمنين عليه السلام

 

(1) صحيح مسلم 4/2106-2107. سنن الترمذي 4/666 وقال: هذا حديث حسن صحيح. سنن ابن ماجة 2/1416. مسند أحمد 2/305، 3/175، 4/178، 346، الجامع الصغير 2/428 حديث رقم 7418، 7419. مسند أبي داود الطيالسي، ص 191. شرح السنة 1/167. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9/240-241. وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2/415-416، وصحيح الجامع الصغير 2/931، 1190، وسلسلة الأحاديث الصحيحة 4/606.
(2) مسند أبي داود الطيالسي، ص 337.
(3) سورة مريم، الآيات 16-21.

 
 

الكتب السمـاوية ....................................................................................... 415

وسيدة نساء العالمين عليها السلام الاستقامة التي تؤهّلهما لأن تتحدَّث معهما الملائكة في بيتهما؟!

2- أن بعض أحاديثهم وأقوالهم تطابقت على أن بعض صحابة النبي (ص) كانت الملائكة تسلِّم عليه وتصافحه ويراهم عياناً.

ومن ذلك ما أخرجه مسلم عن عمران بن حصين ـ في حديث ـ قال: وقد كان يُسَلَّم عليَّ حتى اكتويتُ فتُرِكْتُ، ثم تَركْتُ الكَيّ فعاد (1).

وأخرج ابن سعد عن قتادة : أن الملائكة كانت تصافح عمران بن حصين حتى اكتوى فتَنَحَّتْ (2).

قال الذهبي في ترجمة عمران بن حصين: وكان ممن يسلّم عليه الملائكة...

وقال: وكان به داء الناصور فاكتوى لأجله، فقال: اكتوينا فما أفلحن ولا أنجحن. وروينا أنه لما اكتوى انقطع عنه التسليم مدة ثم عاد إليه (3).

وقال ابن حجر: وكانت الملائكة تصافحه قبل أن يكتوي (4).

وقال النووي: كانت الملائكة تسلّم عليه ويراهم عياناً كما جاء مصرحاً به في صحيح مسلم (5).
إلى غير ذلك مما لا يُحصى كثرة، ولا نحتاج إلى تتبّعه واستقصائه (6).

 

(1) صحيح مسلم 2/899.
(2) الطبقات الكبرى 4/288.
(3) تذكرة الحفاظ 1/29-30.

(4) تهذيب التهذيب 8/112.
(5) تهذيب الأسماء واللغات 2/36.
 

(6) راجع إن شئت سنن أبي داود 4/5. مسند أحمد 4/427. المستدرك 3/472. أسد الغابة 4/138. الإصابة 3/26، 27. سير أعلام النبلاء 2/508، 510، 511. شذرات الذهب 1/58. تاريخ الإسلام 3/275، 276. البداية والنهاية 8/62.

 

416 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

3- أن الأحاديث المروية الدالة على سماع جمع من الصحابة كلام الملائكة ورؤيتهم وسلامهم عليهم وكلامهم معهم لا تُحصى كثرة.

منها: ما أخرجه أحمد عن حذيفة بن اليمان أنه أتى النبي (ص) فقال: بينما أنا أصلّي إذ سمعتُ متكلماً يقول: اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، بيدك الخير كله، إليك يرجع الأمر كله، علانيته وسرّه، فأهل أن تُحمد، إنك على كل شيء قدير، اللهم اغفر لي جميع ما مضى من ذنبي، واعصمني فيما بقي من عمري، وارزقني عملاً زاكياً ترضى به عني. فقال النبي (ص): ذاك ملَك أتاك يعلِّمك تحميد ربك (1).

ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتابنا (كشف الحقائق)، فإنا ذكرنا هناك جملة وافرة منها (2).

ومن كل ذلك نخلص إلى أن سماع أمير المؤمنين وسيدة نساء العالمين عليهما السلام حديث الملَك أو جبرئيل عليه السلام ممكن الوقوع، بل إن ذلك غير مستبعد منهما، ولا سيما بعدما رأينا بعض الأحاديث الصحيحة عندهم التي دلَّت على تكليم الملائكة وسلامهم ومصافحتهم لمن هو دونهما عليهما السلام، فالجرأة على إنكار سماع علي وفاطمة عليهما السلام صوت الملَك خطأ بيِّن فاحش لا يجوز لمسلم أن يقدم عليه، لأنه طعن واضح في العترة النبوية الطاهرة، أعاذنا الله من ذلك.

قال الكاتب: قلت: إذا كان الكتاب من إملاء رسول الله صلوات الله عليه وخط علي، فلم كتمه عن الأمة؟ والله تعالى قد أمر رسوله (ص) أن يبلغ كل ما أنزل إليه قال الله تعالى: ( يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بَلَّغْتَ

 

(1) مسند أحمد 5 /396.

(2) كشف الحقائق، ص 136-139.

 

الكتب السمـاوية ....................................................................................... 417

رسالته? (المائدة /67). فكيف يمكن لرسول الله (ص) أن يكتم عن المسلمين جميعاً هذا القرآن ؟ وكيف يمكن لأمير المؤمنين رضي الله عنه والأئمة من بعده أن يكتموه عن شيعتهم ؟!

وأقول: الأمر بالتبليغ في الآية لم يتعلّق بتبليغ كل ما أنزل إلى النبي (ص)، وإنما المراد هو تبليغ أمرٍ مخصوص أُريد من النبي (ص) تبليغه للناس، وإلا لو كان المراد هو تبليغ الرسالة كلها لكان معنى الآية متهافتاً ، فإنه لا معنى لأن يقال: بلِّغْ كل ما أنزل إليك، فإن لم تبلغ كل ذلك فإنك حينئذ لم تبلغ رسالته، فإنه من البديهي أنه إذا لم يبلغ كل ما أُنزل إليه فهو لم يبلغ الرسالة.

ومنه يتضح أن النبي (ص) إنما أُمر بتبليغ شيء مخصوص، وهو تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام خليفة من بعده كما دلَّت عليه بعض الأحاديث التي سنذكر بعضها، وبما أن هذا ليس هو موضوع بحثنا فلا داعي للخوض فيه وإثباته، ولا سيما بعد دلالة بعض أحاديث أهل السنة عليه.

ثم كيف يكون المراد بالتبليغ ما ذكره الكاتب والآية من سورة المائدة التي نزلت في أخريات الدعوة.

قال السيوطي في الدر المنثور: أخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: المائدة مدنية.

وأخرج أحمد وأبو عبيد في فضائله، والنحاس في ناسخه، والنسائي وابن المنذر والحاكم وصحَّحه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن جبير بن نفير قال: حججتُ فدخلتُ على عائشة

فقالت لي: يا جبير تقرأ المائدة ؟ فقلت: نعم. فقالت: أما إنها آخر سورة نزلت ، فما وجدتم فيها من حلال فاستحِلّوه، وما وجدتم من حرام فحرِّموه.

وأخرج أحمد والترمذي وحسَّنه والحاكم وصحَّحه وابن مردويه والبيهقي في

418 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

سننه عن عبد الله بن عمرو قال: آخر سورة نزلت سورة المائدة والفتح (1).

فلا مناص حينئذ من أن يكون التبليغ في الآية متعلقاً بأمر مهم أريد من النبي (ص) بيانه في نهاية دعوته، وإلا فلا معنى لتهديده بأنه إذا لم يبلغ ذلك الأمر فحاله حال من لم يبلغ الرسالة.
ثم إن وعده (ص) بأن الله سيعصمه من الناس يدل على أن الأمر صعب وأنه ثقيل على الناس بحيث يُتوقَّع حصول الضرر للنبي (ص) من جراء هذا التبليغ.
وليس هناك شيء كهذا إلا أمر الخلافة والنص على أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا المعنى هو ما رواه القوم في كتبهم.

قال السيوطي في الدر المنثور: أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) على رسول الله (ص) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله (ص) : يا أيها لرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك أن عليًّا مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس (2).

ولو سلَّمنا بأن مفاد الآية هو أمر النبي (ص) بتبليغ الرسالة كلها فلا ينافي التبليغ تخصيص بعض الصحابة بعلوم وأسرار خاصة، فإن ذلك نوع تبليغ، لأن التبليغ إما أن يكون للناس كافة أو إلى أفراد مخصوصين.

ولهذا ناجى رسول الله (ص) عليًّا عليه السلام ، فطالت نجواه معه في يوم الطائف فيما أخرجه الترمذي في سننه عن جابر قال : دعا رسول الله (ص) عليًّا يوم الطائف فانتجاه، فقال الناس: لقد طال نجواه مع ابن عمه، فقال رسول الله (ص) : ما انتجيته

 

(1) الدر المنثور 3/3.

(2) نفس المصدر 3/117.

 

الكتب السمـاوية ....................................................................................... 419

ولكن الله انتجاه.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الأجلح، وقد رواه غير ابن فضيل عن الأجلح. ومعنى قوله: (ولكن الله انتجاه) يقول: إن الله أمرني أن أنتجي معه.

هذا مع أنهم رووا في أحاديث الصحيفة التي سبق ذكرها أنه (ص) قد اختص عليًّا عليه السلام بها، فكيف جاز ذلك هناك ولم يجز هنا، مع أن ما في الصحيفة هو أحكام شرعية تحتاج إليها الأمة، وأما مصحف فاطمة عليها السلام فيحتوي على أخبار ما كان وما يكون كما مرَّ، وهي أمور لا يجب على النبي (ص) تبليغها للأمة، وإنما يجب عليه تبليغ الشريعة فقط.

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب