نظرة الشيعة إلى أهل السنة ............................................................................ 459

قال الكاتب: وقال (رض) : ما أنتم والله على شيء مما هم فيه، ولا هم على شيء مما أنتم فيه، فخالفوهم، فما هم من الحقيقة (1) على شيء.
وقوله (رض) : والله ما جعل الله لأحد خيرة في اتباع غيرنا، وإن من وافقنا خالف عدونا، ومن وافق عدونا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منه.

وأقول: هذان الحديثان ضعيفا السند.

أما الحديث الأول فمن رواته علي بن أبي حمزة البطائني، وهو من رؤوس الواقفة على الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وقد مرَّ بيان حاله فيما تقدم.

وأما الحديث الثاني فهو حديث مُرسَل، لا يُعرف راويه عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام.

ومع الإغماض عن سند الحديثين، نقول: إن الفرقة الناجية من فِرَق هذه الأمَّة هي واحدة كما نصَّ عليه حديث افتراق الأمَّة إلى ثلاث وسبعين فرقة، وهي الفرقة التي أخبر بها النبي (ص) في الأحاديث الصحيحة، حيث قال: يا أيّها الناس، إني قد تركت فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي (2).

فلو كانت كل فِرَق المسلمين موافقة لطريقة أهل البيت عليهم السلام لكانت كلها

 

(1) كذا في نسخة الكتاب، والمذكور في الحديث : فما هم من الحنيفية على شيء.
(2) سنن الترمذي 5/622. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وذُكر في مشكاة المصابيح 3/1735، سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/356 وقال الألباني: الحديث صحيح. وطرقه كثيرة ذكرناها في كتابنا (مسائل خلافية)، ص 92-97، فراجعه.

 
 

460 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

ناجية، ولما كان للحث على اتباعهم والتمسك بهم أي معنى.
ومنه يتضح أن تخصيصهم بالاتباع دليل على أنهم على الحنيفية البيضاء دون غيرهم من الناس، فمن وافقهم فلا بد أن يخالف غيرهم، ومن وافق غيرهم فلا بد أن يخالفهم، لأنهم هم المحقّون وغيرهم هم المبطلون.
وهذا المعنى المستفاد من حديث الثقلين قد أوضحه هذان الحديثان اللذان ذكرهما الكاتب.

هذا مع أن الحديثين المذكورين لم ينصَّا على أن أهل السُّنة هم أعداء أئمة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، فإنه من غير المعقول إطلاقاً أن يُدرَج في أعداء أهل البيت عليهم السلام أقوام من أهل السنة يحبّونهم، ويروون فضائلهم، ويصلّون عليهم، ولا يجحدون شيئاً من مآثرهم، ولا يعلمون أن طريقتهم مخالفة لهم.

قال الكاتب: وقول العبد الصالح (رض) في الحديثين المختلفين: خذ بما خالف القوم، وما وافق القوم فاجتنبه.
وقول الرضا (رض): إذا ورد عليكم خبران متعارضان، فانظروا إلى ما يخالف منهما العامة فخذوه، وانظروا بما يوافق أخبارهم فدعوه.

وأقول: لقد تكلمنا في الحديثين المتعارضين، وأوضحنا الوجه في الأخذ بما خالف العامّة دون ما وافقهم، فراجعه.

قال الكاتب: وقول الصادق (رض) : والله ما بقي في أيديهم شيء من الحق إلا استقبال القبلة. انظر الفصول المهمة 325، 326.

نظرة الشيعة إلى أهل السنة ................................................................................. 461

وأقول: هذا حديث مرسل رواه الحر العاملي في الفصول المهمة، فلا يصح الاحتجاج به.

ولو سلّمنا بصحة الحديث فهو متَّفق مع ما رواه أهل السنة في كتبهم من أنه لم يبق عندهم شيء كان على زمان رسول الله (ص) إلا الصلاة، وقد أحدثوا فيها ما أحدثوا.

فقد أخرج البخاري في صحيحه، والمقدسي في الأحاديث المختارة، وغيرهما، بأسانيدهم عن الزهري أنه قال: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً مما أدركتُ إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيِّعتْ.

وفي رواية أخرى، قال: ما أعرف شيئاً مما كان على عهد النبي (ص). قيل: الصلاة؟ قال: أليس ضيَّعتم ما ضيَّعتم فيها؟! (1)

وأخرج الترمذي في سننه، وأحمد بن حنبل في المسند عن أنس أنه قال : ما أعرف شيئاً مما كنا عليه على عهد النبي (ص). فقلت: أين الصلاة ؟ قال: أوَلم تصنعوا في صلاتكم ما قد علمتم ؟ (2)

وأخرج مالك بن أنس في الموطأ عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه قال: ما أعرف شيئاً مما أدركتُ عليه الناس إلا النداء للصلاة (3).

وأخرج أحمد في المسند عن أم الدرداء أنها قالت: دخل عليَّ أبو الدرداء وهو مغضب، فقلت: مَن أغضبك ؟ قال: والله لا أعرف منهم من أمر محمد (ص) شيئاً إلا

 

(1) صحيح البخاري 1/133 كتاب مواقيت الصلاة وفضلها، باب تضييع الصلاة عن وقتها. الأحاديث المختارة 5/103. شعب الإيمان 3/134.
(2) سنن الترمذي 4/633. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. مسند أحمد بن حنبل 3/101، 208.
(3) الموطأ، ص 42.

 
 

462 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

أنهم يصلّون جميعاً (1).
وفي رواية أخرى قال: إلا الصلاة (2).

وأخرج أحمد في مسنده عن أنس أيضاً أنه قال: ما أعرف شيئاً مما عهدتُ مع رسول الله (ص) اليوم. فقال أبو رافع: يا أبا حمزة، ولا الصلاة؟ فقال: أوَليس قد علمت ما صنع الحَجَّاج في الصلاة؟

وأخرج أحمد في المسند، والبغوي في شرح السنة، والبوصيري في مختصر الإتحاف، والمقدسي في الأحاديث المختارة، بأسانيدهم عن أنس قال: ما أعرف فيكم اليوم شيئاً كنتُ أعهده على عهد رسول الله (ص) غير قولكم: لا إله إلا الله. قال: فقلت: يا أبا حمزة، الصلاة؟ قال: قد صليت حين تغرب الشمس، أفكانت تلك صلاة رسول الله (ص)... (3).

وأخرج الطيالسي في المسند، والبوصيري في مختصر الإتحاف عن أنس أنه قال: والله ما أعرف اليوم شيئاً كنت أعرفه على عهد رسول الله (ص). قالوا: يا أبا حمزة، والصلاة؟ قال: أوليس أحْدَثتم في الصلاة ما أحدثتم ؟ (4).

فهذه الأحاديث وغيرها تدل على أنهم ضيَّعوا كل شيء في الدين إلا شهادة ألا إله إلا الله كما في بعضها، أو الصلاة كما في بعضها الآخر، أو الأذان للصلاة كما في بعض ثالث، أو الصلاة جماعة كما في بعض رابع.

ونحن قد أشبعنا الكلام في هذه المسألة في كتابنا (مسائل خلافية) ( 5 )، فراجعه فإنه مهم.

 

(1) مسند أحمد بن حنبل 6/443، 5/195.
(2) المصدر السابق 6/443.
(3) مسند أحمد بن حنبل 3/270. شرح السنة 14/394. مختصر إتحاف السادة المهرة 2/307. الأحاديث المختارة 5/102.
(4) مسند أبي داود الطيالسي، ص 271. مختصر إتحاف السادة المهرة 2/307.
( 5 ) مسائل خلافية، ص 154-211.

 
 

نظرة الشيعة إلى أهل السنة ................................................................................. 463

قال الكاتب: وقال الحر عن هذه الأخبار بأنها: ( قد تجاوزت حد التواتر، فالعجب من بعض المتأخرين حيث ظن أن الدليل هنا خبر واحد ).

وأقول: نحن لا ننكر ورود الأخبار الصحيحة الدالة على أن مِن مرجِّحات باب التعارض هو الأخذ بما خالف العامة للسبب الذي أوضحناه فيما مرَّ، وسواء ثبتت هذه المسألة بالتواتر أم بأخبار الآحاد فكلاهما حجة يعمل بها، وهذه مسألة أصولية لا وجه للخوض فيها هنا.

قال الكاتب: وقال أيضاً: (واعلم أنه يظهر من هذه الأحاديث المتواترة بطلان أكثر القواعد الأصولية المذكورة في كتب العامة) الفصول المهمة ص 326.

وأقول : هذا على مسلك صاحب الوسائل رحمه الله ، فإنه محدِّث لا يرى حجية القواعد الأصولية التي لم تروَ من طريق الأئمة عليهم السلام، وهو خطأ واضح، وليس هنا موضع بحث هذه المسألة.

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب