558 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

قال الكاتب: 3- فضل بن الحسن الطبرسي صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن، ذلك التفسير الذي شحنه بالمغالطات والتأويل المُتَكَلَّف، والتفسير الجاف المخالف لأبسط قواعد التفسير.

وأقول: كان على الكاتب لو كان منصفاً أن يسوق بعض الأمثلة الدالة على أن الطبرسي صاحب مجمع البيان شحن كتابه بالمغالطات والتأويلات المتكلفة، لا أن يرسل الكلام هكذا من غير دليل ولا حجة.

هذا مع أن كتاب مجمع البيان قد جمع فيه الطبرسي رحمه الله أقوال مفسِّري أهل السنة، وربما ذكر ما روي عن الصادقِينَ عليهما السلام، فهو أقرب إلى تفاسير أهل السنة منه إلى التفاسير الشيعية الأخرى التي أغفلت أقوال أهل السنة وآراءهم.

ولهذا قال الدكتور محمد حسين الذهبي ـ وهو من أهل السنة ـ في كتابه (التفسير والمفسرون ): والحق أن تفسير الطبرسي ـ بصرف النظر عما فيه من نزعات تشيعية وآراء اعتزالية ـ كتاب عظيم في بابه، يدل على تبحُّر صاحبه في فنون مختلفة من العلم والمعرفة، والكتاب يجري على الطريقة التي أوضحها لنا صاحبه في تناسق تام وترتيب جميل، وهو يجيد في كل ناحية من النواحي التي يتكلم فيها، فإذا تكلم عن المعاني اللغوية للمفردات أجاد، وإذا تكلم عن وجوه الإعراب أجاد، وإذا شرح المعنى الإجمالي أوضح المراد، وإذا تكلم عن أسباب النزول وشرح القصص استوفى

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 559

الأقوال وأفاض، وإذا تكلم عن الأحكام تعرض لمذاهب الفقهاء ، وجهر بمذهبه ونصره وإن كانت هناك مخالفة منه للفقهاء، وربط بين الآيات وآخى بين الجمل، وأوضح لنا عن حسن السبك وجمال النظم، وإذا عرض لمشكلات القرآن أذهب الإشكال وأراح البال، وهو ينقل أقوال من تقدَّمه من المفسِّرين معزوَّة لأصحابها، ويرجِّح ويوجِّه ما يختار منها.
إلى أن قال: غير أنه ـ والحق يقال ـ ليس مغالياً في تشيعه، ولا متطرِّفاً في عقيدته، كما هو شأن كثير من علماء الإمامية الاثني عشرية
(1).

وتحت عنوان ( اعتداله في تشيعه ) قال: والطبرسي معتدل في تشيعه غير مغالٍ فيه كغيره من متطرفي الإمامية الاثني عشرية، ولقد قرأنا في تفسيره فلم نلمس عليه تعصباً كبيراً، ولم نأخذ عليه أنه كفَّر أحداً من الصحابة، أو طعن فيهم بما يذهب بعدالتهم ودينهم. كما أنه لم يغالِ في شأن علي بما يجعله في مرتبة الإله أو مصاف الأنبياء وإن كان يقول بالعصمة.
إلى أن قال: وكل ما لاحظناه عليه من تعصّبه أنه يدافع بكل قوة عن أصول مذهبه وعقائد أصحابه، كما أنه إذا روى أقوال المفسِّرين في آية من الآيات ونقل أقوال المفسرين من أهل مذهبه، نجده يرتضي قول علماء مذهبه، ويؤيِّده بما يظهر له من الدليل.

وختم كلامه بقوله: وبعد أفلا ترى معي أن هذا التفسير يجمع بين حسن الترتيب وجمال التهذيب، ودقة التعليل، وقوة الحجة ؟ أظن أنك معي في هذا. وأظن أنك معي في أن الطبرسي

وإن دافع عن عقيدته ونافح عنها لم يغلُ غلو غيره، ولم يبلغ به الأمر إلى الدرجة التي كان عليها المولى الكازراني وأمثاله من غلاة الإمامية الاثني عشرية (2).

 

(1) التفسير والمفسرون 2/76.

(2) المصدر السابق.

 
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب