580 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

قال الكاتب: وَلْنَأْخُذ كتاباً آخر يأتي بالمرتبة الثانية بعد الكافي وهو أيضاً أحد الصحاح [كذا] الأربعة الأولى، إنه كتاب (تهذيب الأحكام) للشيخ الطوسي مُؤَسِّس حوزة النجف، فإن فقهاءَنا وعلماءَنا يذكرون على أنه الآن (13590) حديثاً، بينما يذكر الطوسي نفسه مؤلف الكتاب ـ كما في عدة الأصول ـ أن تهذيب الأحكام هذا أكثر من (5000) حديث، أي لا يزيد في كل الأحوال عن (6000) حديث، فمن الذي زاد في الكتاب بهذا الكم الهائل من الأحاديث الذي جاوز عدده العدد الأصلي لأحاديث الكتاب؟

وأقول: عبارة الشيخ الطوسي في كتاب العدة هي: وقد ذكرتُ ما ورد عنهم عليهم السلام من الأحاديث المختلفة التي تختص بالفقه في كتابي المعروف الاستبصار وفي كتاب تهذيب الأحكام ما يزيد على خمسة آلاف حديث، وذكرت في أكثرها اختلاف الطائفة في العمل بها، وذلك أشهر من أن يخفى (1).

وكلامه قدَّس الله نفسه واضح جداً، فإنه إنما عنى الأحاديث المتعارضة المختلفة التي ذكرها في كلا الكتابين المذكورين، ولم يُرِدْ بيان عدد أحاديث كتابيه كلها كما هو واضح من عبارته، فإن جملة وافرة من أحاديث التهذيب والاستبصار لا تعارض فيها، وهذا أمر لا يحتاج إلى مزيد بحث.

ومن المؤسف حقًّا أن يحرِّف الكاتب كلمة الشيخ الطوسي ليتوصل بها إلى

 

(1) عدة الأصول 1/356.

 
 

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 581

غرضه السيِّئ، ويكشف عن سوء نيَّته أنه لم ينقل عبارة الشيخ الطوسي بنصِّها، وإنما نقلها بالصورة المحرَّفة التي رأيناها، والله المستعان على ما يصفون.

قال الكاتب: مع ملاحظة البلايا التي رُويَتْ في الكافي وتهذيب الأحكام وغيرهما، فلا شك أنها إضافاتِ لأَيْدٍ خَفيَّةٍ تسترت بالإسلام، والإسلام منها بريء، فهذا حال أعظم كتابين فَمَا بالك لو تابعنا حال المصادر الأخرى ماذا نجد ؟؟

وأقول: لقد اتضح للقارئ العزيز أن مزاعم الكاتب بشأن الكتابين المذكورين كلها أوهام فاسدة وخيالات كاسدة، وما زعمه من وجود بلايا في الكافي والتهذيب يحتاج منه إلى بيان وإثبات، وأما التعمية بهذه الصورة وهو في مقام الإثبات فهي غير مقبولة ولا قيمة لها، لأن كل ادّعاء لم يستند على دليل صحيح فحقّه أن يُضرب به عرض الجدار، وهو أمر واضح لا يحتاج إلى إطالة.

قال الكاتب: ولهذا قال السيد هاشم معروف الحسني:
(وضع قُصَّاصُ الشيعة مع ما وضعه أعداء الأئمة عدداً كثيراً من هذا النوع للأئمة الهُدَاة)
وقال أيضاً: (وبعد التتبع في الأحاديث المنتشرة في مجاميع الحديث كالكافي والوافي وغيرهما نجد أن الغلاة والحاقدين على الأئمة الهداة لم يتركوا باباً من الأبواب إلا ودخلوا منه لإفساد أحاديث الأئمة والإساءة إلى سمعتهم) الموضوعات ص 165، 253.

وأقول: من الواضح المعلوم أن علماء الشيعة لا يرون صحَّة كل أحاديث الكافي أو الوافي أو غيرهما من مجاميع الحديث عندهم، بل إنهم يرون أنها لا تخلو

582 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

من أحاديث ضعيفة أو موضوعة، وهذا أمر لا نتنازع فيه، إلا أنه لا يستلزم إسقاط هذه الكتب عن الاعتبار والحجية، فإن العلماء جزاهم الله خير الجزاء محَّصوا هذه الأحاديث ونقَّحوها، فعرفوا الصحيح من الضعيف، وميَّزوا السليم من السقيم، وحال هذه الكتب حال أكثر كتب أهل السنة التي جمعت الصحيح والضعيف والمكذوب والموضوع، فلم يمنع اشتمالها على أحاديث موضوعة من العمل بما فيها من أحاديث صحيحة معتبرة.

قال الكاتب: وقد اعترف بذلك الشيخ الطوسي في مقدمة التهذيب فقال: ( ذاكرني بعض الأصدقاء.. بأحاديث أصحابنا، وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابله ما يُنافيه حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا ) ورغم حرص الطوسي على صيانة كتابه إلا أنه تعرض للتحريف كما رأيت.

وأقول: إن الاختلاف والتباين بين الأحاديث أمر لا يُنكر، ونحن لا نتنازع فيه، وذلك لأن الأحاديث المتعارضة كثيرة في كتب الشيعة وأهل السنة، وحسبك أن تنظر في كتاب ( بداية المجتهد ونهاية المقتصد ) لابن رشد ، لتعرف مدى تعارض الأحاديث عند أهل السنة، وما ترتب على ذلك من اختلاف الفتاوى فيما بينهم.

وكثرة الأحاديث المتعارضة في كتب الفريقين لا يضر، لأن الفقيه يمكنه تمييز الصحيح من الضعيف والسليم من السقيم، كما يمكنه الترجيح بين الأحاديث المعتبرة بالمرجِّحات السندية والدلالية، والأخذ بالراجح وطرح المرجوح.

أما أن كتاب الشيخ الطوسي قد تعرَّض للتحريف فقد أوضحنا بطلانه آنفاً، فلا حاجة لإعادته.
 

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب