606
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
قال الكاتب: 3- يقيم
حكم آل داود:
وعقد الكليني باباً في أن الأئمة عليهم السلام إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم آل داود، ولا
يسألون البينة، ثم روى عن أبي عبد الله قال: (إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم
داود وسليمان، ولا يَسْأَلُ بَيِّنَةً). الأصول من الكافي 1/397.
وأقول: قال المولى المجلسي قدس سره في بحار الأنوار:
أثر العناصر
الأجنبية في صنع التشيع
.................................................................
607
ثم اعلم أن الظاهر من الأخبار أن القائم
عليه السلام إذا ظهر يحكم بما يَعْلم في الواقعة
لا بالبيِّنة، وأما من تقدَّمه من الأئمة عليهم السلام فقد كانوا يحكمون بالظاهر، وقد
كانوا يُظْهِرون ما يعلمون من باطن الأمر بالحِيَل كما كان أمير المؤمنين
عليه السلام
يفعله في كثير من الموارد، وقال الشيخ المفيد في كتاب المسائل: للإمام عليه
السلام أن
يحكم بعلمه كما يحكم بظاهر الشهادات، ومتى عرف من المشهود عليه ضد ما تضمنته
الشهادة أبطل بذلك شهادة من شهد عليه، وحكم فيه بما أعلمه الله تعالى، وقد يجوز
عندي أن تغيب عنه بواطن الأمور، فيحكم فيها بالظواهر وإن كانت على خلاف الحقيقة
عند الله تعالى، ويجوز أن يدلَّه الله تعالى على الفرق بين الصادقين من الشهود
وبين الكاذبين، فلا تغيب عنه حقيقة الحال، والأمور في هذا الباب متعلقة
بالألطاف والمصالح التي لا يعلمها على كل حال إلا الله عزَّ وجل، ولأهل الإمامة
في هذه المقالة ثلاثة أقوال : فمنهم من يزعم أن أحكام الأئمة على الظواهر دون ما يعلمونه على كل حال، ومنهم من يزعم أن أحكامهم إنما هي على البواطن دون الظواهر
التي يجوز فيها الخلاف، ومنهم من يذهب إلى ما اخترته أنا من المقال
(1).
وقال في مرآة العقول : وهذا الاختلاف في سِيَرهم
عليهم السلام ليس من قبيل النسخ حتى يرد:
( لا نسخ بعد نبيِّنا )، بل إما باعتبار التقية في بعضها ، أو اختلاف الأوضاع
والأحوال في الأزمان، فإنه يمكن أن يكون النبي
(ص) أمر الإمام بالحكم بالواقع إذا
لم يصر سبباً لتفرّق الناس ورجوعهم عن الحق، وبالحكم بالظاهر إذا صار سبباً
لذلك...
(2).
قلت: لما كانت وظيفة الإمام المهدي عليه السلام هي ملء الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت
ظلماً وجوراً، فمن الطبيعي أن يكون حكمه بالواقع، لترجع الحقوق إلى أهلها، وهذا
يقتضي أن يحكم بعلمه الذي يلهمه الله به، وهو حكم داود عليه السلام ، لا
(1)
بحار الأنوار 26/177.
(2) مرآة العقول 4/301.
608
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
بالظاهر الذي قد
يصيب الواقع وقد يخطئه.
وحكم الحاكم بعلمه دون الاتكال على البينات والأَيمان قد جوَّزه بعض علماء أهل
السنة.
قال ابن قدامة في المغني:
(مسألة) قال: ( ولا يحكم الحاكم بعلمه ) ظاهر المذهب أن الحاكم لا يحكم بعلمه في
حَدٍّ ولا غيره، لا فيما علمه قبل الولاية ولا بعدها. هذا قول شريح والشعبي
ومالك وإسحاق وأبي عبيد ومحمد بن الحسن، وهو أحد قولي الشافعي، وعن أحمد رواية
أخرى يجوز له ذلك، وهو قول أبي يوسف وأبي ثور والقول الثاني للشافعي واختيار
المزني ، لأن النبي (ص) لما قالت له هند : إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من
النفقة ما يكفيني وولدي. قال: ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف )، فحكم لها من غير
بينة ولا إقرار، لعلمه بصدقها.
إلى أن قال: ولأن الحاكم يحكم بالشاهدين لأنهما يغلبان على الظن، فما تحقَّقه
وقطع به كان أولى، ولأنه يحكم بعلمه في تعديل الشهود وجرحهم، فكذلك في ثبوت
الحق قياساً عليه
(1).
قلت: وعلى هذا فلا غضاضة على الإمام المهدي عليه
السلام أن يحكم في القضايا بعلمه الذي
يلهمه الله إياه، فلا يَسأل عن بيِّنة، وهذا هو المراد بحكم داود.
قال الكاتب: وروى المجلسي: (يقوم القائم بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جديد)
البحار 52/354، غيبة النعماني ص 154.
وقال أبو عبد الله
(رض) : (لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على
(1) المغني 11/401.
أثر العناصر
الأجنبية في صنع التشيع
.................................................................
609
كتاب
جديد) البحار 2/135، الغيبة ص 176.
وأقول: أما الأمر الجديد الذي يقوم به صاحب الزمان فهو العدل بين الرعية،
والقسمة بالسوية، ومنع المنكرات، وإقامة الحدود، وإحياء السنة، وإماتة البدعة،
وأمثال هذه الأمور.
وأما الكتاب الجديد فيحتمل أن يكون المراد به القرآن الكريم، وكونه جديداً إما
بسبب أنه سيكون مرتَّباً على حسب النزول، ويكون المنسوخ فيه مقدَّماً على
الناسخ، وما شاكل ذلك.
أو أنه جديد في معانيه التي حرَّفها سلاطين الجور وعلمائهم، لأن الإمام
عليه السلام
سيظهره مفسَّراً كما أراد الله سبحانه وتعالى.
ويحتمل أن يكون المراد بالكتاب الجديد كتاباً مشتملاً على مهمات الشريعة
وأحكامها التي يحتاج إليها الناس في كل أمورهم.
وأما القضاء الجديد فهو إما بسبب العدل بين الرعية الذي لم يعرفه الناس في عصور
الغيبة وما قبلها، وإما لأن الإمام عليه السلام لا يَسأل عن البيِّنة، وإنما يحكم بعلمه
وعلى حسب الواقع الحق في كل قضية كما مرَّ.
وهذه الأحكام وإن كانت هي أحكام الإسلام الصحيحة التي جاء بها النبي (ص)، إلا
أنها ستكون جديدة عند الناس، لأنهم ما ألفوها في أزمنة سلاطين الجور، وما
عرفوها قبل أيام الإمام المهدي عليه السلام ، لا أنها أحكام جديدة في نفسها، وإلا كانت
بدعاً محدثة.
قال الكاتب: ونختم هذه الفقرة بهذه الرواية المروعة، فقد روى المجلسي عن أبي
عبد الله (رض) : ( لو يعلم الناس ما يصنعُ القائم إذا خرج لأَحَبُّ أكثرُهم أَلا
يَرَوْهُ
610
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
مما يقتل من الناس.. حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، ولو
كان من آل محمد لرحم ). البحار 52/353، الغيبة ص 135.
وأقول: بعد الغض عن سند هذه الرواية، فإن الرواية لا تتنافى مع ما هو المتوقَّع
من الإمام المهدي عليه السلام على حسب قراءة الوضع الحاضر في العالم المعاصر، فإن الفساد
الإداري والأخلاقي والديني قد بلغ الغاية، فعمَّ كل مكان في الأرض.
ومن البديهي أن الإمام المهدي عليه السلام سيعمل
كل ما يقيم به العدل ويرفع به الظلم، وإن استلزم ذلك كثرة القتل الذي يتطلبه
قمع سلاطين الجور وأهل الزيغ المعاندين وأعوانهم ، وإقامة العدل
والتطهير الشامل من كل الفساد المتراكم، وإقامة الحدود التي كانت معطَّلة، مع
كثرة القتل من دون قصاص، وكثرة ارتكاب المحرمات التي يعاقَب عليها بالقتل.
كل هذا يولِّد هذا الموقف من كثير من الناس الذين يخافون أن يصل حكم المحكمة
العادلة إليهم أو إلى ذويهم وخواصّهم.
ثم إن الرواية لا تدل على كثرة وقوع القتل منه عليه السلام ، بل تدل على كثرة من يحب ألا
يراه بسبب قتله بعض الناس، فإن قوله: ( لأَحَبَّ أكثرُهم ألا يَرَوْه مما يقتل
من الناس ) ، يدل على ذلك، لأن (مِن) في (مما يقتل) سببية، أي بسبب (ما يقتل) أي
قتله، لأن (ما) مصدرية تُسبك مع ما بعدها بمصدر، و(من) في قوله: (من الناس)
تبعيضية، أي بعض الناس.
قال الكاتب: واستوضحت السيد الصدر عن هذه الرواية فقال: (إن القتل الحاصل
بالناس أكثره مختص بالمسلمين) ثم أهدى لي نسخة من كتابه (تاريخ ما بعد الظهور)
حيث كان قد بين ذلك في كتابه المذكور، وعلى النسخة الإهداء بخط يده.
أثر العناصر
الأجنبية في صنع التشيع
.................................................................
611
وأقول: الذي ذكره السيد محمد الصدر رحمه الله في كتابه المذكور بعد أن ساق الروايات
المختلفة الدالة على كثرة وقوع القتل بعد ظهور الإمام المهدي عليه السلام هو قوله: ولكنا إن لاحظنا المقتولين في هذه الحملة وجدناها موجَّهة ضد أولئك الفاشلين في
التمحيص الذي كان جزءاً رئيسيًّا من التخطيط العام لما قبل الظهور، فكل من
تطرَّف نتيجة للتمحيص إلى طرف الباطل لا يكون الآن إلا مقتولاً لا محالة ، ولذا
نسمع من هذه الأخبار أنه عليه السلام يقتل أعداء الله، ويقتل كل منافق مرتاب،
وأنه لا يستتيب أحداً، وأنه يقتل قوماً يرفضون ثورته ويقولون له:
(ارجع، لا حاجة لنا ببني فاطمة)، وكل هؤلاء هم الفاشلون في التمحيص السابق على
الظهور
(1).
ومنه يتَّضح أن ما نسبه الكاتب للسيد محمد الصدر
رحمه الله وعزاه للكتاب المذكور كله
كذب فاضح وافتراء واضح، لأن الذين يرفضون دعوته عليه السلام والمائلين إلى طرف الباطل أكثرهم من غير المسلمين، بسبب قلة المسلمين وكثرة غيرهم من الكفرة والمردة في
جميع العصور كما هو واضح معلوم.
قال الكاتب: ولا بد
لنا من التعليق على هذه الروايات فنقول:
1- لماذا يعمل القائم سيفه في العرب ؟ ألم يكن رسول الله صلى الله عليه عربياً ؟
2- ألم يكن أمير المؤمنين وذريته الأطهار من العرب ؟
3- بل القائم الذي يُعْمِلُ سيفه في العرب كما يقولون أليس هو نفسه من ذرية
أمير المؤمنين؟ وبالتالي أَليس هو عربياً؟!
(1) تاريخ ما بعد الظهور، ص 398.
أثر العناصر
الأجنبية في صنع التشيع
.................................................................
611
4- أليس في العرب الملايين ممن يُؤمن بالقائم وبخروجه ؟
5- فلماذا يخصص العرب بالقتل والذبح ؟ وكيف يُقال: لا يخرجُ مع القائم منهم
واحد ؟
وكيف يمكن أن يهدم المسجد الحرام والمسجد النبوي ؟ مع أن المسجد الحرام هو قبلة
المسلمين كما نص عليه القرآن، وبين أنه أول بيت وُجد على وجه الأرض، وكان رسول
الله صلوات الله عليه قد صلى فيه وأيضاً أمير المؤمنين والأئمة من بعده وخصوصاً
الإمام الصادق الذي مكث فيه مدة طويلة.
وأقول: لقد أوضحنا الجواب فيما تقدَّم على كل هذه الأسئلة بما لا مزيد عليه،
فلا حاجة للتكرار والإعادة.