أثر العناصر الأجنبية في
صنع التشيع
................................................................ 517
قال الكاتب: زرارة
بن أعين:
قال الشيخ الطوسي: ( إن زرارة من أُسرة نصرانية، وإن جده
((سنسن وقيل سبسن)) كان
راهباً نصرانياً، وكان أبوه عبداً رومياً لرجل من بني شيبان ) الفهرست ص 104.
وأقول: ما قاله الكاتب تحريف لكلام الطوسي، وإن كان بعضه صحيحاً، وإليك نص
كلامه قدس سره :
قال: زرارة بن أعين، واسمه عبد ربه، يكنى أبا الحسن، وزرارة لقب له، وكان
518
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
أعين
بن سنسن عبداً رومياً لرجل من بني شيبان، تعلم القرآن ثم أعتقه، فعرض عليه أن
يدخل في نسبه فأبى أعين أن يفعله، وقال: أقرَّني على ولائي...
(1).
فلم يذكر الشيخ رحمه الله أن أسرة زرارة كانت نصرانية، بل إن تعلم أبيه للقرآن وعَرْض
مولاه عليه إدخاله في نسبه دليل على كونه مسلماً، ولا يُعرف عن أم زرارة أنها
كانت نصرانية.
نعم، قد كان جدّه راهباً نصرانياً في بلاد الروم، وهذا لا يعني أن أسرة زرارة
التي نشأ فيها كانت نصرانية.
ولا ريب في أن هذا لا يضر بزرارة بعد إسلام أبيه ونشأته على الإسلام، فإن
الإسلام يَجُبُّ ما قبله، وقد كان أكثر صحابة النبي (ص) ـ ومنهم أبو بكر وعمر
وعثمان ـ عبدة أوثان في الجاهلية، وكان من الصحابة اليهودي والنصراني، ومع ذلك
حكم أهل السنة بعدالتهم وحسن إسلامهم، بل واعتقدوا فيهم أنهم أمناء الله على
حلاله وحرامه، وهذا غير قابل للإنكار.
وإذا كان الكاتب قد استعظم قبول رواية زرارة مع أنه لم يثبت أنه وأباه كانا
نصرانيين، وإن كان جدّه راهباً، فلِمَ لا يستعظم قبول روايات عبد الله بن سلام
وتميم الداري ووهب بن منبّه وكعب الأحبار وغيرهم ممن كانوا يهوداً؟!
وإذا كانت أسرة زرارة النصرانية تشينه فلِمَ لمْ تُشِنْ أبا حنيفة أسرته، فإن
أبا حنيفة أيضاً كان من أسرة نصرانية.
فقد روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد عن محبوب بن موسى قال: سمعت ابن أسباط
يقول: وُلد أبو حنيفة وأبوه نصراني.
وعن الساجي قال: سمعت محمد بن معاوية الزيادي يقول: سمعت أبا جعفر يقول: كان
أبو حنيفة اسمه عتيك بن زوطرة، فسمَّى نفسه النعمان، وأباه ثابتاً.
(1) الفهرست، ص 133.
أثر العناصر الأجنبية في
صنع التشيع
................................................................ 519
وعن محمد بن أيوب الذارع قال: سمعت يزيد بن زريع يقول: كان أبو حنيفة نبطياً
(1).
ومن حفاظ الحديث عند أهل السنة الذين نشأوا في أُسَر نصرانية زكريا بن عدي.
قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: (م ت س ق) زكريا بن
عدي بن الصلت بن بسطام: الحافظ المجود العبد الصالح أبو يحيى التيمي مولاهم
الكوفي، نزيل بغداد، ولاؤه لبني تيم الله، كان أبوه نصرانياً.
وقيل: يهودياً فأسلم، وهو أخو يوسف بن عدي نزيل مصر، حدَّث عن حماد بن زيد
وشريك القاضي وأبي المليح الرقي وابن المبارك ويزيد بن زريع وجعفر بن سليمان وطبقتهم بالعراق
والجزيرة ، وعنه البخاري خارج صحيحه، وابن راهويه والدارمي ومعاوية بن صالح
الأشعري وعباس الدوري وعبد بن حميد وخلق، وحديثه في الكتب سوى سنن أبي داود، وكان أحد
الأثبات، استُخف بأمره، ولم يخبره أبو نعيم، فقال إبراهيم بن عبد الله بن
الجنيد: قال أبو داود النحوي ليحيى بن معين وأنا أسمع: سمعت أبا نعيم وذُكر له
زكريا بن عدي، فقال له: ما له
وللحديث ؟ ذاك بالتوراة أعلم. فقال ابن معين: كان زكريا لا بأس به، وكان أبوه
يهودياً فأسلم
(2).
ومن أولئك الحفاظ عبد الله بن أبي الحسن الجبائي.
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: الإمام القدوة أبو محمد عبد الله بن أبي
الحسن بن أبي الفرج الشَّامي الجُبَّائي من قرية الجُبَّة من أعمال طرابلس، كان
أبوه نصرانياً فأسلم هو في صغره،
وحفظ القرآن، وقدم
بغداد سنة أربعين وخمسمائة وله إحدى وعشرون سنة، فصحب الشيخ عبد القادر، وسمع
من ابن الطلاية وابن ناصر، وبأصبهان من أبي الخير الباغبان ومسعود الثقفي وخلق،
وحصَّل الأصول، ثم
(1) تاريخ بغداد 13/324-325.
(2) تذكرة الحفاظ 1/395.
520
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
استوطن
أصبهان، وكان ذا قبول ومنزلة وصدق وتأله
(1).
ومنهم: داود بن عبد الرحمن العطار.
قال ابن حبان في كتاب الثقات: داود بن عبد الرحمن العطار من أهل مكة، كنيته أبو
سليمان، يروي عن ابن خثيم وعمرو بن دينار، روى عنه ابن المبارك وأحمد بن يونس،
وكان متقناً، مات سنة أربع وسبعين ومائة، وكان أبوه نصرانياً يتطيب فأسلم ، وهو
من أهل الشام، وقدم مكة ووُلد له بها داود ابنه سنة مائة، وصار من فقهاء أهل
مكة ومحدِّثيهم
(2).
ومنهم: الحسن بن داود بن بابشاد.
قال الخطيب البغدادي: الحسن بن داود بن بابشاد بن داود بن سليمان أبو سعيد
المصري، قدم بغداد ودرس فقه أبي حنيفة على القاضي أبي عبد الله الصيمري، وتوجه
فيه حتى درَّس، وكان مفرط الذكاء حسن الفهم، يحفظ القرآن بقراءات عدة، ويحفظ
طرفاً من علم الأدب والحساب والجبر والمقابلة والنحو، وكَتَب الحديث بمصر عن
أبي محمد بن النحاس وطبقته، كُتبت عنه أحاديث، وكتب عني، وكان ثقة حسن الخلق
وافر العقل، وكان أبوه يهودياً، ثم أسلم وحسن إسلامه، وذُكر بالعلم، وهو فارسي
الأصل
(3).
وغير هؤلاء كثيرون لا نرى فائدة في استقصائهم،
وفيما ذكرناه كفاية، وهؤلاء وإن لم يكونوا عند أهل السنة بمنزلة زرارة عند
الشيعة إلا أن الغاية من ذكرهم هي بيان أن هؤلاء وغيرهم لم يُزْرِ بهم عند
أهل السنة أن آباءهم كانوا يهوداً أو نصارى، فكيف أزرى بزرارة أن جدّه كان
نصرانياً؟
(1) سير أعلام النبلاء 21/488.
(2) كتاب الثقات 6/286.
(3) تاريخ بغداد 7/307.
أثر العناصر الأجنبية في
صنع التشيع
................................................................ 521
قال الكاتب: وزرارة هو الذي قال: ( سألت أبا عبد الله عن التشهد... إلى أن قال:
فلما خرجت ضرطت في لحيته وقلت: لا يفلح أبداً ) رجال الكشي ص 142.
وأقول: لقد أوضحنا فيما تقدَّم من هذا الكتاب أن هذه الرواية ضعيفة السند،
وذكرنا وجهها بما لا قدح فيه على زرارة، وأوضحنا المراد بكلمته تلك، فراجع.
قال الكاتب: وقال زرارة أيضاً: ( والله لو حَدَّثْتُ بكل ما سمعتهُ من أبي عبد
الله لانتَفَخَتْ ذكور الرجال على الخشب ) رجال الكشي ص 123.
وقال في حاشية في هذا الموضع: وهذا اتهام منه لأبي عبد الله، ومراده أن أبا عبد
الله قد حدَّثه بقضايا مخزية تثير شهوة الرجال بحيث لا يمكنهم ضبط النفس عند
سماعهم ذلك، إلا إذا قضى أحدهم شهوته ولو على خشبة.
وأقول: مع الغض عن سند هذا الحديث فإن المراد بقوله: (لانتَفَخَتْ ذكور الرجال
على الخشب) هو أن الذكور من الرجال ـ وهم الأشداء منهم، من باب إضافة الصفة إلى
الموصوف ـ ينتفخون على الخشب، أي أنهم يُصلبون ويُتركون حتى تنتفخ أبدانهم.
وهذا المعنى هو الذي أفاده السيِّد ابن طاووس في الإقبال، فإنه بعد أن ساق قول
الصادق عليه السلام ليونس بن يعقوب: يا يونس ليلة النصف من شعبان يُغفر لكل من زار الحسين
عليه السلام من المؤمنين ما قدّموا من ذنوبهم، وقيل لهم: استأنفوا العمل. قال: قلت: هذا
كله لمن زار الحسين عليه السلام في ليلة النصف من شعبان؟ قال: يا يونس لو خبَّرتُ الناس
بما فيها لمن زار الحسين عليه السلام لقامت ذكور رجالٍ على الخشب.
قال قدَّس الله نفسه: أقول: لعل معنى قوله عليه
السلام : (لقامت ذكور رجالٍ على الخشب)، أي
كانوا قد صُلبوا على الأخشاب، لعظيم ما كانوا ينقلونه ويروونه في
522
................................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
فضل زيارة
الحسين عليه السلام في النصف من شعبان، من عظيم فضل سلطان الحساب، وعظيم نعيم دار الثواب،
الذي لا يقوم بتصديقه ضعاف الألباب
(1).
واستجوده المجلسي قد سره في البحار، حيث قال:
بيان: أقول: على ما أفاده رحمه الله يكون إضافة الذكور إلى الرجال للمبالغة في وصف
الرجولية وما يلزمها من الشدّة والإقدام على أمور الخير وعدم التهاون فيها...
وقيل: المعنى أنهم يركبون على الأخشاب عند عدم المراكب مبالغة في اهتمامهم
بذلك.
وقيل: إنهم لكثرة استماع ما يعجبهم من وصف المناكح والمشتهيات تقوم
ذكورهم على نحو الخشب.
أو أنهم لكثرة ما يسمعون من تلك الفضايل يتكلمون عليها
ويجترئون بعد الإتيان بها على المعاصي، فيقوم ذكرهم على كل خشب، مبالغة في
جرأتهم وعدم مبالاتهم. والأوجه ما أفاده السيد رحمه الله
(2).
ومنه يتّضح أن ما ذكره الكاتب في معنى هذه العبارة من حديث زرارة لا معنى له،
وذلك لأنه لا معنى لقضاء الشهوة على الخشب، بل معنى كلام زرارة هو أنه لو
حدَّثتكم بكل ما سمعته من أبي عبد الله
عليه السلام لصُلب بسبب ذلك الأشداء من الرجال،
بسبب إذاعته للمخالفين وعدم الحرص على كتمانه.
قال الكاتب: عن ابن مسكان قال: سمعت زرارة يقول: ( رحم الله أبا جعفر، وأما جعفر
فإن في قلبي عليه لفتة ).
فقلت له: وما حمل زرارة على هذا ؟ ( قال: حمله على هذا أن أبا عبد الله أخرج
مخازيه ) الكشي ص 131.
(1) إقبال الأعمال، ص 225-226.
والحديث مروي في وسائل الشيعة 10/366.
(2) بحار الأنوار 101/95.
أثر العناصر الأجنبية في
صنع التشيع
................................................................ 523
وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها جبريل بن أحمد الفاريابي،
وهو لم تثبت وثاقته في كتب الرجال.
ومن جملة رواة هذا الخبر محمد بن عيسى وهو العبيدي، وهو مختلف في وثاقته، بل إن
أكثر الروايات الطاعنة في زرارة مروية عنه ، ولهذا قال السيد أحمد بن طاووس في
كتابه ( حل
الإشكال ): ولقد أكثر محمد بن عيسى من القول في زرارة حتى لو كان
بمقام عدالة كادت الظنون تسرع إليه بالتهمة، فكيف وهو مقدوح فيه
(1).
ثم إن الوارد في الخبر هو قوله: ( فإن في قلبي عليه لَعَنَّة )، لا ( لفتة ) كما
ذكره الكاتب.
قال المير داماد في شرح هذه العبارة:
قوله رحمه الله : (فإن في قلبي عليه لَعَنَّة) بفتح اللام للتأكيد وإهمال العين مفتوحة
أو مضمومة وتشديد النون، أي أن في قلبي عليه لَعَنَّة، أي أن في قلبي لعارضاً
واعتراضاً عليه، عَنَّ للنفس
وعرض للقلب وهجس في الصدر وخطر في الضمير معتناً
معترضاً، أو أن في قلبي شدة وملاجة وهيجاناً في المعانة والاعتنان، أي المعارضة
والاعتراض، والعنن أي اللجاج والمحاجة والمؤاخذة عليه، أو لعارضة وغايلة عليه
فجأة لست أدري ما سببها، من قولهم: أعننت بعنة ما أدري ما هي، أي تعرضت لشيء ما
أعرفه. قال في مجمل اللغة: ولقيته عين عنة، أي فجاءة (2).
وأما قوله : ( لأن أبا عبد الله عليه السلام أخرج مخازيه ) فهو من كلام الراوي لا من كلام
الإمام عليه السلام ، ولعل مراده بالمخازي هو ما صدر من الإمام الصادق
عليه السلام من القدح في زرارة
مما سيأتي بيان وجهه إن شاء الله تعالى.
(1) التحرير الطاووسي، ص 127.
(2) تعليقة المير داماد المطبوعة في ذيل اختيار معرفة الرجال 1/356.
524
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
قال الكاتب: ولهذا قال أبو عبد الله فيه: (لعن الله زرارة) ص 133. وقال أيضاً:
وقال أبو عبد الله: لعن الله بريداً، لعن الله زرارة ص 134.
وأقول: سيأتي قريباً إن شاء الله بيان وجه هذا اللعن، وأنه إنما صدر من الإمام
عليه السلام خوفاً على زرارة وتقيَّة عليه، فانتظر.
قال الكاتب: وقال أبو عبد الله
(رض) أيضاً: اللهم لو لم يكن جهنم إلا سكرجة
(1)
لوسعها آل أعين بن سنسن ص 133.
وأقول: هذا الخبر ضعيف السند، فإن الكشي رواه عن أبي الحسن محمد بن بحر
الكرماني الرهني الترماشيري، وقال: وكان من الغلاة الحنقين.
وقال الشيخ الطوسي في الفهرست: محمد بن بحر الرهني من أهل سجستان، كان متكلماً
عالماً بالأخبار فقيهاً، إلا أنه متهم بالغلو
(2).
وقال ابن الغضائري: محمد بن بحر الرهني الشيباني أبو الحسين النرماشيري: ضعيف،
في مذهبه ارتفاع (3).
وقال النجاشي: محمد بن بحر الرهني أبو الحسين الشيباني ساكن ترماشير من أرض
كرمان، قال بعض أصحابنا: إنه كان في مذهبه ارتفاع، وحديثه قريب من السلامة، ولا
من أين قيل (4) .
ومن رواة هذا الخبر أبو العباس المحاربي الجزري، وهو مهمل في كتب الرجال.
(1) سكرجة: هو إناء صغير يؤكل في
الشيء القليل، وهذه كلمة فارسية معرَّبة (من الكاتب).
(2) الفهرست للطوسي، ص 208.
(3) رجال ابن الغضائري، ص 98.
(4) رجال النجاشي 2/303، ط حجرية، ص 271.
أثر العناصر الأجنبية في
صنع التشيع
................................................................ 525
ومن الرواة الفضيل الرسان، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.
هذا مع أن الكشي رحمه الله عقب على هذا الحديث بقوله: محمد بن بحر هذا غالٍ، وفضالة ليس
من رجال يعقوب، وهذا الحديث مزاد فيه، مغيَّر عن وجهه
(1).
فكيف يعوَّل على مثل هذا الحديث في تضعيف زرارة وغيره؟!
وقال أيضاً: لا يموت زرارة إلا تائهاً عليه لعنة الله ص 134.
وأقول: هذا حديث ضعيف السند، فإن من جملة رواته جبريل بن أحمد وهو الفريابي كما
مرَّ، ولم يثبت توثيقه في كتب الرجال.
ومن جملتهم العبيدي وهو محمد بن عيسى وقد تقدَّم أنه مختلف في وثاقته.
قال الكاتب: وقال أبو عبد الله أيضاً: هذا زرارة بن أعين، هذا والله من الذين
وصفهم الله تعالى في كتابه العزيز: ( وَقَدِمْنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه
هباءً منثوراً ) (الفرقان/23) رجال الكشي ص 136.
وأقول: سند هذه الرواية هو: حدثني محمد بن مسعود، قال: حدثني جبرئيل ابن أحمد،
عن موسى بن جعفر، عن علي بن أشيم، قال: حدَّثني رجل عن عمار الساباطي.
فهي ضعيفة السند بالإرسال، مضافاً إلى أن من رواتها جبرئيل بن أحمد، وقد
(1) اختيار معرفة الرجال 1/363.
526
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
مرَّ
بيان حاله.
ومنهم علي بن أشيم، وهو علي بن أحمد بن أشيم، وهو لم يثبت توثيقه في كتب
الرجال، بل صرح الشيخ الطوسي رحمه الله بأنه مجهول. وضعَّفه جملة من علمائنا، منهم
المحقق الحلي في المعتبر، ونسب تضعيفه إلى النجاشي في كتاب المصنفين، وابن فهد
في المهذب البارع، والشهيد الثاني في المسالك، ونسبه للمتأخرين، وغيرهم
(1).
ومنهم موسى بن جعفر، وهو أيضاً لم يثبت توثيقه في كتب الرجال، فإنه مشترك بين
جماعة لم يوثّق منهم أحد (2).
وقال الكاتب: إن قوماً يُعارون الإيمان عارية، ثم يُسْلَبُونَه، فيقال لهم يوم
القيامة (المعارون)، أما إن زرارة بن أعين منهم ص 141.
وأقول: سند هذا الحديث: محمد بن يزداد، قال: حدثني محمد بن علي بن الحداد، عن
مسعدة بن صدقة.
وأكثر روايات الكشي عن محمد بن يزداد إنما كانت بواسطة محمد بن مسعود العياشي
الثقة
(3) ، أو بواسطة محمد بن الحسن وعثمان بن حامد الكشّيين (4)، وهما لم تثبت
وثاقتهما في كتب الرجال.
وحيث إن الكشي رحمه الله قد دأب في كتابه على إسقاط بعض الوسائط من غير إشعار كما
يلاحظه من سبر غور هذا الكتاب وتأمله، فمن المطمأن به أن الكشي إنما
(1) المعتبر 1/292.
المهذب البارع 1/182.
مسالك الأفهام 3/394.
(2) راجع معجم رجال الحديث 19/31-37.
(3) اختيار معرفة الرجال 1/288.
(4) نفس المصدر 1/288، 340، 2/492، 515، 596، 606، 652، 712، 853. وروى
عن محمد بن الحسن فقط في 2/853.
أثر العناصر الأجنبية في
صنع التشيع
................................................................
527
روى عن
محمد بن يزداد بواسطة ما، وهي إما العياشي الثقة أو الآخران اللذان لم تثبت
وثاقتهما، وعليه فالرواية من هذه الجهة تعاني من الإرسال.
ومن الرواة محمد بن علي الحداد، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال، ومسعدة بن
صدقة، فيه كلام، فقد صرَّح السيِّد أحمد بن طاووس رحمه الله بأنه عامي المذهب
(1).
قال الكاتب: وقال أيضاً : إنْ مرض فلا تَعُدْهُ وإن مات فلا تَشْهَدْ جنازته.
فقيل له : زرارة ؟ متعجباً، قال: نعم زرارة شر من اليهود والنصارى ومن قال: إن
الله ثالث ثلاثة، إن الله قد نكس زرارة.
وأقول: سند هذه الرواية هو: محمد بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم،
عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام.
وهي رواية مرسلة، فإن رجال علي بن الحكم لا يُعرف من هم؟
وقوله: ( إن الله قد نكس زرارة )، ليس جزءاً من هذا الحديث، بل هو جزء من حديث
آخر، جاء فيه: فما ذنبي أن الله قد نكس قلب زرارة كما نكست هذه الجارية هذا
القمقم.
وهي رواية ضعيفة أيضاً، سندها هو: علي، قال: حدثني يوسف بن السخت، عن محمد بن
جمهور، عن فضالة بن أيوب، عن ميسر.ويوسف بن السخت قد مرَّ تضعيفه.
ومحمد بن جمهور ضعيف.
قال النجاشي: محمد بن جمهور أبو عبد الله العمّي، ضعيف في الحديث، فاسد
(1) التحرير الطاووسي، ص 128.
528
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
المذهب،
وقيل فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها
(1).
وقال ابن الغضائري: محمد بن جمهور، أبو عبد الله العَمِّي، غالٍ، فاسد الحديث،
لا يُكتب حديثه
(2).
وقال الشيخ الطوسي في رجاله: محمد بن جمهور العمي، عربي بصري غال
(3).
وقال الكاتب: إن زرارة قد شك في إمامتي فاستوهبته من ربي ص 138.
وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند أيضاً، فإن سندها: محمد بن قولويه قال: حدَّثني
سعد بن عبد الله، عن الحسن بن علي بن موسى بن جعفر، عن أحمد بن هلال، عن أبي
يحيى الضرير، عن درست بن أبي منصور الواسطي.
وهذا السند فيه الحسن بن علي بن موسى، وأبو يحيى الضرير، وهما مجهولان.
وفيه أحمد بن هلال، وهو العبرتائي.
قال الشيخ الطوسي في الفهرست: أحمد بن هلال العبرتائي... وُلد سنة ثمانين
ومائة، ومات سنة سبع وستين ومائتين، وكان غالياً مُتَّهماً في دينه
(4).
وقال النجاشي: أحمد بن هلال، أبو جعفر العبرتائي، صالح الرواية، يُعرف منها
ويُنكر، وقد روي فيه ذموم من سيّدنا أبي محمد العسكري عليه السلام
(5).
ومن جملة الرواة درست بن أبي منصور، وهو واقفي، ولم يثبت توثيقه.
(1)
رجال النجاشي 2/225.
(2) رجال ابن الغضائري، ص 92.
(3) رجال الطوسي، ص 364 رقم 17.
(4) الفهرست، ص 83.
(5) رجال النجاشي 1/218.
أثر العناصر الأجنبية في
صنع التشيع
................................................................ 529
قال الشيخ الطوسي في رجاله: درست بن أبي منصور الواسطي، واقفي، روى عن أبي عبد
الله عليه السلام
(1).
هذا مع أن الرواية لا ذمَّ فيها لزرارة، بل هي على العكس من ذلك، وذلك لأن مفاد
الرواية هو أن زرارة كان قد شك في إمامة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، فاستوهبه
الإمام عليه السلام من الله، فوهبه له وأعطاه إياه، فقال بإمامته.
ولهذا قال السيد أحمد بن طاووس رحمه الله في كتابه حل الإشكال: والذي أقول ههنا: إن هذا
السند ضعيف بأحمد بن هلال، ويُضرب من هذا، وفيه شاهد بنجاته (2).
وللكاتب هنا حاشية قال فيها: إن عامة مراجعنا وعلمائنا يفسِّرون قول أبي عبد
الله وطعنه في زرارة على أنه من باب التقية، فماذا يكون قول زرارة وطعنه في أبي
عبد الله عندما قال لعنه الله بأنه ضرط في لحية أبي عبد الله أهو تقية أيضاً؟؟
والجواب: أنا أوضحنا فيما تقدم أن الكاتب لا يعرف المراد بالتقية، ولهذا
كرَّرها في كتابه مريداً بها غير معناها.
وأما ما روي من الطعن في زرارة فهو محمول على عدة وجوه سيأتي بيانها قريباً.
ولا ندري ما هي العلاقة بين ما روي عن الصادق عليه السلام من الطعن في زرارة وبين قول
زرارة المذكور، فإن قول زرارة ـ مضافاً إلى ضعف سنده كما مرَّ ـ لا يدل على أن
تلك الطعون على فرض صحَّتها لم تصدر عن الصادق عليه السلام تقية.
ثم قال الكاتب في حاشيته: لا إن هذا يثبت لنا أنَّ قطيعة كانت بين أبي عبد الله
وزرارة سببها أقوال زرارة وأفعاله الشنيعة وبدعه المنكرة، وإلا لما قال فيه أبو
عبد الله ما قال.
(1) رجال الشيخ الطوسي، ص 336 رقم
3.
(2) التحرير الطاووسي، ص 124.
530
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
وأقول: إن الروايات الضعيفة لا تثبت شيئاً، فإن كل ما روي في الطعن في زرارة
ضعيف السند كما اتضح مما سبق، ولا يصح أن نطرح الروايات الصحيحة المادحة له
لأجل هذه الروايات الضعيفة.
وكان ينبغي على الكاتب لتصح دعواه أن يذكر رواية واحدة صحيحة تدل على أن زرارة
صدرت منه أفعال شنيعة أو بِدَع منكرة، أو كانت بينه وبين الإمام الصادق ? قطيعة
أو جفوة، إلا أنه لم يفعل شيئاً من ذلك.
قال الكاتب: قلت: فإذا كان زرارة من أسرة نصرانية، وكان قد شك في إمامة أبي عبد
الله، وهو الذي قال بأنه ضرط في لحية أبي عبد الله، وقال عنه لا يفلح أبداً،
فما الذي نتوقع أن يقدمه لدين الإسلام ؟؟.
إن صحاحنا [!!] طافحة بأحاديث زرارة، وهو في مركز الصدارة بين الرواة، وهو الذي
كذب على أهل البيت، وأدخل في الإسلام بدعاً ما أدخل مثلها أحد كما قال أبو عبد
الله، ومن راجع صحاحنا [!!] وجد مصداق هذا الكلام، ومثله بريد حتى أن أبا عبد
الله (رض) لعنهما.
وأقول: لقد اتضح للقارئ العزيز ضعف كل الأخبار التي احتج بها الكاتب على ما
أراده من تضعيف زرارة، ويمكننا أن نزيد هذه المسألة إيضاحاً فنقول:
أولاً: أن كل الروايات التي وردت في ذم زرارة أو أكثرها قد رواها الكشي فقط في
كتابه، ولم ينقلها غيره من العلماء، وهذا في حد ذاته موهن لها.
ثانياً: أن كل تلك الروايات أو أكثرها ضعيف السند، وقد أوضحنا ذلك فيما مرَّ،
فكيف يصح الاحتجاج بها؟!
ثالثاً: أنها معارضة بروايات أخر صحيحة مادحة لزرارة.
أثر العناصر الأجنبية في
صنع التشيع
................................................................
531
منها: صحيحة جميل بن دراج، قال : سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: بشِّر المخبتين
بالجنة: بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمد ابن
مسلم، وزرارة، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه ، لولا هؤلاء لانقطعت
آثار النبوة واندرست
(1).
وصحيحة سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: ما أجد أحداً أحيى
ذِكْرنا وأحاديث أبي
عليه السلام إلا زرارة، وأبو بصير ليث المرادي، ومحمد بن مسلم،
وبُرَيد بن معاوية العجلي ، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حُفَّاظ
الدين وأمناء أبي
عليه السلام على حلال الله وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا،
والسابقون إلينا في الآخرة.
وعن أبي العباس الفضل بن عبد الملك قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: أحب الناس
إليَّ أحياءاً وأمواتاً أربعة: بُرَيد بن معاوية العجلي، وزرارة، ومحمد بن
مسلم، والأحول، وهم أحب الناس إليَّ أحياءاً وأمواتاً.
وعن المفضل بن عمر، أن أبا عبد الله
عليه السلام قال للفيض بن المختار في حديث: فإذا
أردتَ حديثنا فعليك بهذا الجالس. وأومى إلى رجل من أصحابه، فسألت أصحابنا عنه،
فقالوا: زرارة بن أعين.
وعن إبراهيم بن عبد الحميد وغيره قالوا: قال أبو عبد الله
عليه السلام: رحم الله زرارة بن
أعين، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي
عليه السلام.
وعن أبي عبيدة الحذاء، قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: زرارة، وأبو بصير، ومحمد
بن مسلم، وبريد، من الذين قال الله تعالى ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ
* أُوْلَئِكَ المُقَرَّبُونَ ).
والأحاديث في ذلك كثيرة، فمن أرادها فليطلبها من مظانها.
(1) اختيار معرفة الرجال 1/398.
532
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
رابعاً: أن بعض الروايات الأخر قد كشفت عن أن ما صدر من الإمام الصادق
عليه السلام من ذم
زرارة وغيره من أجلاء الرواة إنما كان تقيَّة عليهم لئلا تتوجه إليهم أنظار
المخالفين فيلحقوهم بالأذى والضرر.
ومن تلك الروايات ما رواه الكشي بسنده عن عبد الله بن زرارة قال: قال لي أبو
عبد الله عليه السلام : اقرأ مني على والدك السلام، وقل له: إني إنما أعيبك دفاعاً مني
عنك، فإن الناس
والعدو يسارعون إلى كل من قرَّبناه وحمدنا مكانه، لإدخال الأذى
فيمن نحبه ونقرِّبه، يرمونه لمحبتنا له وقربه ودنوّه منا، ويرون إدخال الأذى
عليه وقتله، ويحمدون كل من عبناه نحن وأن نحمد أمره، فإنما أعيبك لأنك رجل
اشتهرتَ بنا ولِمَيْلك إلينا، وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر،
لمودتك لنا ولميلك إلينا، فأحببتُ أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك،
ويكون بذلك منا دافع شرّهم عنك، يقول الله جل وعز ( أَمَّا السَّفِينَةُ
فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا
وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا )
(1)
، هذا التنزيل من عند الله
صالحة ، لا والله ما عابها إلا لكي تسلم من الملِك ولا تعطب على يديه ، ولقد
كانت صالحة، ليس للعيب منها مساغ والحمد الله. فافهم المثل يرحمك الله، فإنك
والله أحب الناس إليَّ، وأحب
أصحاب أبي عليه السلام حيًّا وميتاً، فإنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر ،
إن من ورائك ملكاً ظلوماً غصوباً ، يرقب عبور كل سفينة صالحة ترِدُ من بحر الهدى، ليأخذها
غصباً ثم يغصبها وأهلها، فرحمة الله عليك حيًّا، ورحمته ورضوانه عليك ميتاً،
ولقد أدَّى إليَّ ابناك الحسن والحسين رسالتك، حاطهما الله وكَلاهما ورعاهما
وحفظهما بصلاح أبيهما كما حفظ
الغلامين ، فلا يضيقنَّ صدرك من الذي أمرك أبي عليه السلام وأمرتك به ، وأتاك
أبو بصير بخلاف الذي أمرناك به، فلا والله ما أمرناك ولا أمرناه إلا بأمر وسعنا ووسعكم الأخذ به،
ولكل ذلك عندنا تصاريف ومعان توافق الحق، ولو أُذِنَ لنا لعلمتم أن الحق في
الذي أمرناكم به،
(1) سورة الكهف، الآية 79.
أثر العناصر الأجنبية في
صنع التشيع
................................................................
533
فردوا إلينا الأمر، وسلِّموا لنا، واصبروا لأحكامنا وارضوا
بها، والذي فرَّق بينكم فهو راعيكم الذي استرعاه الله خلقه، وهو أعرف بمصلحة
غنمه في فساد أمرها، فإن شاء فرَّق بينها لتسلم
، ثم يجمع بينها لتأمن من فسادها
وخوف عدوها في آثار ما يأذن الله، ويأتيها بالأمن من مأمنه والفرج من عنده.
عليكم بالتسليم والرد إلينا، وانتظار أمرنا وأمركم وفرجنا وفرجكم...
(1).
وعن الحسين بن زرارة، قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: إن أبي يقرأ عليك السلام ويقول
لك: جعلني الله فداك، إنه لا يزال الرجل والرجلان يقدمان فيذكران أنك ذكرتني
وقلت فيَّ.
فقال: اقرأ أباك السلام، وقل له: أنا والله أحب لك الخير في الدنيا،
وأحب لك الخير في الآخرة، وأنا والله عنك راضٍ، فما تبالي ما قال الناس بعد
هذا
(2).
وعن حمزة بن حمران، قال: قلت لأبي عبد الله عليه
السلام : بلغني أنك برئت من عمي ـ يعني
زرارة. قال: فقال: أنا لم أبرأ من زرارة، لكنهم يجيئون ويذكرون ويروون عنه، فلو
سكتُّ عنه ألزمونيه، فأقول: من قال هذا فأنا إلى الله منه بريء