أثر العناصر
الأجنبية في صنع التشيع
.................................................................
631
قال الكاتب: وما
زالت الأيادي الخَفَّيِةُ الخبيثةُ تعمل وتبث سُمومها، فقد أصدرت زعامة الحوزة
في يومنا هذا تعليمات بوجوب إكثار الفساد والظلم ونشره بين الناس، لأن كثرة
الفساد تُعَجِّلُ في خروج الإمام المهدي ـ القائم ـ من سردابه [كذا].
وأقول: هذا من الأكاذيب الواضحة الكثيرة التي سوَّد بها الكاتب صفحات كتابه،
فمن الواضح جداً أن زعامة الحوزة العلمية لا تحث الناس على فعل القبائح وارتكاب
الموبقات مهما كانت الذريعة، والرسائل العملية والفتاوى المنقولة عن كافة
العلماء تنافي مثل هذا الافتراء المفضوح، ولهذا لم يأتِ الكاتب بأي دليل يعضد
به فريته، ولم ينقل لقارئه نص تلكم التعليمات المزعومة.
ثم إن العالم كله مليء بالظلم والفساد، ولا يحتاج إلى مزيد حتى يظهر صاحب
الزمان عليه السلام لو سلَّمنا بأن انتشار الظلم والجور من جملة مقدمات قيامه
عليه السلام .
هذا مع أن الوظيفة الشرعية لكل المكلَّفين هي الالتزام بأوامر الله سبحانه،
وترك كل نواهيه، وأما ظهور صاحب الزمان عليه السلام فهي وظيفة الإمام عليه
السلام نفسه، لا وظيفة
المكلفين ليجب عليهم تهيئة ما يلزم من المقدمات.
ولو سلَّمنا جدلاً بأن ارتكاب الموبقات من جملة مقدمات ظهوره
عليه السلام فلا يجوز لأي
مكلف أن يرتكب شيئاً منها، وذلك لأن وجوب الظهور على الإمام عليه السلام في هذا العصر غير
معلوم، فكيف تجب مقدماته ؟! ولو سلمنا بأصل الوجوب فمقدمات الخروج واجبة على
الإمام عليه السلام لا علينا.
على أنه لا يمكن أن نتعقَّل أن يكون فعل المحرمات من جملة مقدمات ظهوره عليه
السلام، بل
الأمر على العكس تماماً، وذلك لأن الناس إن استقاموا شملهم الله برحمته،
وعمَّهم بنِعَمِه التي من جملتها قيام دولة الحق والعدل، كما أنهم إذا كفروا
وطغوا أنزل الله عليهم نَقِماته، وصبَّ عليهم عذابه.
ولهذا لم نرَ فقيهاً أفتى بوجوب إكثار الفساد لتعجيل ظهور الإمام الغائب
632
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
عليه السلام، لأن
مثل هذه المقولة لا تصدر من عاقل فضلاً عن فاضل، ناهيك عن زعامة الحوزة
العلمية.
ولا يخفى أن مثل هذه المقولات لا يروِّجها إلا الفسقة الفجرة الذين يريدون أن
يبرِّروا أفعالهم القبيحة وجرأتهم في ارتكاب المحارم وفعل الموبقات بأمثال هذه
الأمور.
قال الكاتب: وقد استجاب
كثير من الشيعة لذلك، وطبَّقُوا هذه التعليمات، ومارسوا الفساد بكل ألوانه،
وكان السيد البروجردي يشرف على تطبيقها في مدينة الثورة في بغداد، فإذا ما مشى
رجل
في أحد شوارع الثورة، فرأى امرأة أعجبته، فإنها تستجيب له بابتسامة منه، أو
إشارة بطرف عينه.
وأقول: هذا من أكاذيبه الملفَّقة المكشوفة، وقد فضحه في هذا التلفيق ذكر
السيِّد البروجردي في هذه القضية، فإن السيِّد البروجردي قدس سره توفي في قم سنة
1380هـ، وهو من مراجع الشيعة العظام، ولا يُعرف له إبان مرجعيته أي تقليد أو
رصيد شعبي في العراق، فكيف بهذه السنين؟!
هذا مع أن سكان مدينة الثورة لا يعرفون شخصاً بهذا الاسم.
ولا ينقضي العجب منه حين يزعم أن السيِّد البروجردي أو غيره قد نصب نفسه مشرفاً
على نشر الفساد والفجور بين الناس!! فهلا ساءل هذا الكاتب نفسه: هل يحتاج نشر
الفساد بين الناس إلى إشرافٍ من أحد؟!
ثم كيف علم مدَّعي الفقاهة والاجتهاد بأمثال هذه الأفعال القبيحة التي لا يحسن
منه أن يدَّعي أنه كان شاهد عيان فيها؟
أثر العناصر
الأجنبية في صنع التشيع
.................................................................
633
قال الكاتب: ولم تكتف زعامة الحوزة بذلك بل أرادت تعميم هذا الفساد ليشمل كل
أنحاء العراق ، ولهذا قاموا باستئجار باصات نقل كبيرة لغرض السياحة والاصطياف
في شمال العراق،
وقاموا بترغيب العوائل الساكنة في مدن الجنوب بالسفر الى الشمال، فترى العوائل
المسافرة تتكون كل عائلة منها من رجل عجوز وامرأته الطاعنة في السن بثياب
رَثَّة لا يملك أحدهم ثمن
وجبة عشاء، فضلاً عن نفقات السياحة والاصطياف، وقد اصطحبت كل عائلة معها عدداً
من الفتيات الجميلات، فإذا ما وصلت القافلة إلى محافظة من المحافظات التي تمر
بها وهي،
صلاح الدين ـ تكريت ـ الموصل، دهوك، أربيل، كركوك، حط المسافرون رحالهم فيها
أياماً، ثم تبدأ الفتيات بالنزول إلى أسواق تلك المحافظة، فيعرضن أنفسهن على
الشباب لتتم (الصفقات المحرمة)، وأما فترة بقاء العوائل في المصايف فإني أعجز
عن وصف ما يجري !!
وأقول: وهذا أيضاً من أكاذيبه الواضحة التي ملأ
بها كتابه الذي صار عاراً عليه في الدنيا، وخزياً ووبالاً في الآخرة.
والظاهر أن الكاتب يريد أن يقول: إن الفتيات
الشيعيات يذهبن للفساد في المدن السُّنّية في العراق، وإلا فمن الواضح أن
الفساد لا يحتاج لسفر الفتيات إلى محافظات صلاح الدين والموصل وكركوك
وغيرها، ولا سيما أن تلك الفتيات من عوائل فقيرة معوزة كما زعم الكاتب، فهل
امتلأت النجف وكربلاء والحلة والناصرية والعمارة والبصرة وغيرها من المدن
الشيعية بالفساد، حتى جاء الدور لهذه المدن السُّنية؟!
ثم كيف عرف مدَّعي الفقاهة والاجتهاد ما يدور في تلك المصايف من المفاسد
والفجور حتى زعم أنه عاجز عن وصف ما يجري فيها ؟! مع أنه من الواضح جداً أن
الأخيار والصلحاء ولا سيما طلبة العلم
والعلماء لا يتواجدون في تلك الأماكن ليعرفوا ما يجري فيها من الفساد ، ولا
يعتمدون على ما يقوله أي ناقل، والمؤمنون
634
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
الثقات الذين يمكن الاعتماد على أخبارهم أيضاً لا يتواجدون في أمثال هذه
المصايف المزعومة، فكيف تمكن الكاتب من معرفة كل تلك الأمور المخزية التي زعم
الاطلاع عليها؟!
قال الكاتب: إن الغاية من إصدار هذه التعليمات هي نشر الفساد، وتدمير البلاد،
وأما خروج الإمام الثاني عشر المعروف بالقائم فأنا واثق بأنهم يدركون أن لا
وجود لهذا الإمام!!
فانظروا إلى هذه الأيدي الخبيثة، ماذا فعلت ؟ وماذا تفعل ؟!!!
وأقول: لقد أوضحنا أنه لا تعليمات ولا أوامر في البين، وما هي إلا أكاذيب واضحة
لا تخفى على كل عاقل.
وأما وثوق الكاتب بأن الشيعة يدركون بأنه لا وجود للإمام المهدي
عليه السلام فهو كذب محض،
وذلك لأن الشيعة بحمد الله جازمون بوجوده عليه السلام وقاطعون بأنه إمام هذا العصر، وقد
أقاموا الأدلة الصحيحة التي تثبت ذلك.
بل إن جمعاً من علماء أهل السنة قد اعترفوا بأن المهدي الموعود هو محمد بن
الحسن العسكري عليه السلام ، وأنه باقٍ إلى الآن، ومع أن هذا المعتقد مخالف لما عليه أكثر
علماء أهل السنة إلا أن هؤلاء رأوه مذهباً لهم يعتنقونه ويذبّون عنه، فذكروه في
مصنفاتهم التي صحَّت نسبتها إليهم.
ومن هؤلاء المذكورين:
1ـ محمد بن طلحة الشافعي (582-652هـ)
(1): ذكر ذلك في كتابه (مطالب
(1) راجع ترجمته في كتاب العبر في
خبر من غبر للذهبي 3/296، وطبقات الشافعية للسبكي 8/63،
وشذرات الذهب
5/259، والبداية والنهاية 13/198.
أثر العناصر
الأجنبية في صنع التشيع
.................................................................
635
السَّؤول) في
الباب الثاني عشر
(1).
2ـ محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي (ت 658هـ)
(2): ذكر ذلك في كتابه
(البيان في أخبار صاحب الزمان) في الباب الخامس والعشرين ( في الدلالة على جواز
بقاء المهدي حيًّا) (3).
3ـ محي الدين ابن عربي (560-638هـ)
(4) : ذكر ذلك في الباب السادس والستين
وثلاثمائة من كتابه (الفتوحات المكية).
4ـ سبط ابن الجوزي (581-654هـ)
(5): ذكر ذلك في كتابه (تذكرة الخواص) في الفصل
المعقود للإمام المهدي عليه السلام (6).
5ـ صلاح الدين الصفدي (696-764هـ)
(7): ذكر ذلك في كتابه شرح الدائرة (8).
(1) مطالب السؤول 2/152.
(2) راجع ترجمته في كتاب الوافي بالوفيات 5/254، ومعجم المؤلفين
12/134، والأعلام 7/150.
(3) البيان في أخبار صاحب الزمان، ص 97.
(4) ترجم له في ميزان الاعتدال 3/659، والوافي بالوفيات 4/173، وفوات
الوفيات 3/435،
ولسان الميزان 5/311، وشذرات الذهب 5/190، وجامع كرامات
الأولياء 1/118،
ودائرة المعارف الإسلامية 1/231، وسير أعلام النبلاء
23/48، والأعلام 6/281.
(5) تُرجم له في شذرات الذهب 5/266، والأعلام 8/246، وميزان الاعتدال
4/471، ووفيات الأعيان 3/142، والبداية والنهاية
13/206
(6) تذكرة الخواص، ص 325.
(7) له ترجمة في طبقات الشافعية الكبرى 10/5، وشذرات الذهب 6/200،
والعبر في خبر من غبر 4/203،
والبداية والنهاية 14/318، والأعلام
2/315، ومعجم المؤلفين 4/114، وذكر أن له ترجمة في
الدرر الكامنة لابن
حجر 2/87، 88
والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي 11/19-21 والبدر الطالع
للشوكاني 1/243، 244.
(8) عن ينابيع المودة، ص 471.
636
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
6ـ علي بن محمد المشهور بابن الصباغ المالكي (784-855هـ)
(1): ذكر ذلك في كتابه
(الفصول المهمة) في الفصل الثاني عشر منه
(2).
7ـ محمد بن علي بن طولون (880-953هـ)
(3) : نص على ذلك في كتابه (الأئمة الاثنا
عشر) في أبيات ساقها فيه من نظمه، وهي:
عليكَ بالأئمةِ الاثني عشرْ من آل بيتِ
المصطفى خيرِ البشرْ
أبو ترابٍ ، حسنٌ ، حسينُ
وبُغضُ زينِ العابدينَ شَيْنُ
محمدُ الباقِرُ كم عِلمٍ درى
والصادقَ ادْعُ جعفراً بين الورى
موسى هو الكاظمُ وابنُه علي
لقِّبْه بالرضا وقَدْرُه علي
محمدُ التقيُّ قلبُه معمورُ
عليٌّ النقيُّ دُرُّه منثورُ
والعسكريُّ الحسنُ المطهَّرُ
محمدُ المهديُّ سوف يظهرُ
(4)
8 ـ عبد الوهاب الشعراني (898-973هـ)
(5): ذكر ذلك في الباب الخامس والستين من
الجزء الثاني من كتابه (اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر)، وسنذكر قريباً
عبارته بنصّها.
وقد ذكر الميرزا حسين النوري قدس الله نفسه في كتابه (كشف الأستار) أسماء
أربعين من علماء أهل السنة الذين عثر على بعض كتبهم التي يعترفون فيها بأن
الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام هو المهدي المنتظر، مع اعترافه قدس
سره بقلة المصادر
(1) راجع ترجمته في الأعلام للزركلي
5/8، ومعجم المؤلفين 7/178.
(2) الفصول المهمة، ص 286، 287.
(3) له ترجمة في شذرات الذهب 8/298، والكواكب السائرة 2/52، والأعلام
6/291، ومعجم المؤلفين 11/51.
(4) الأئمة الاثنا عشر، ص 118.
(5) ترجم له في شذرات الذهب 8/372، والأعلام 4/180، ومعجم المؤلفين
6/218، وجامع كرامات الأولياء 2/134.
أثر العناصر
الأجنبية في صنع التشيع
.................................................................
637
التي لديه وكثرة كتب علماء أهل السنة وتفرقها في البلدان، ولعل من وقف على
أكثرها يجد أضعاف هذا العدد
(1).
كما أن جملة كبيرة من فضلاء الشيعة وعلمائهم قد فازوا بحمد الله وفضله بلقاء
المهدي عليه السلام ومقابلته منذ ولادته عليه السلام، في عهد أبيه الإمام العسكري
عليه السلام وبعد غيبته الصغرى والكبرى ، وقد ذكر علماء الشيعة في مصنفاتهم روايات كثيرة عن رجال ثقات
تشرَّفوا بمقابلته، حتى إن الميرزا حسين النوري رحمة الله عليه ألَّف كتاباً
أسماه ( جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة
عليه السلام في غيبته الكبرى )، ذكر فيه
حكايات كثيرة مسندة عمن رأى الإمام المهدي عليه السلام من العلماء وغيرهم،
مستدركاً به على ما ذكره العلامة المجلسي في المجلد
الثاني والخمسين من موسوعته (بحار الأنوار)، الذي ذكر جملة وافرة من تلك
الروايات، وقد طُبع كتاب جنة المأوى في ذيل المجلد الثالث والخمسين من هذه
الموسوعة، كما طُبع مستقلاً أيضاً.
وقد اعترف بعض علماء أهل السنة برؤيته عليه السلام ولقائه، فقد قال عبد الوهاب الشعراني
في الباب الخامس والستين من الجزء الثاني من كتابه ( اليواقيت والجواهر ) بعد
كلام طويل: إلى أن يصير الدين
غريباً كما بدأ... فهناك يُترقب خروج المهدي عليه السلام ، وهو من أولاد الإمام
الحسن العسكري عليه السلام، ومولده عليه السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وهو
باقٍ إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم عليه السلام، فيكون عمره إلى وقتنا هذا وهو
سنة ثمان وخمسين وتسعمائة: سبعمائة سنة وست سنين، هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق
كوم الريش المطل على بركة الرطل بمصر المحروسة، عن الإمام المهدي حين اجتمع به،
ووافقه على ذلك شيخنا سيدي علي الخواص رحمهما الله تعالى (2).
(1) كشف الأستار، ص 89.
(2) اليواقيت والجواهر 2/562. ونقل هذه الكلمة الشيخ محمد علي الصبان
في كتابه إسعاف الراغبين، ص 154.
638
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
وأما إثبات بقاء صاحب الزمان
عليه السلام بعد غيبته الطويلة فهذا له موضع آخر، وقد كفانا
مؤونته بعض علماء أهل السنة الذين ذكرنا أسماءهم وغيرهم ، كالكنجي الشافعي في
كتابه
(البيان في أخبار
صاحب الزمان)، وابن طلحة الشافعي في (مطالب السؤول)
(1)
وغيرهما، وقد أثبتناه بما لا مزيد عليه في كتابنا (
مسائل خلافية )، فراجعه ففيه مباحث نافعة.
(1) البيان في أخبار صاحب الزمان، ص
97-111. مطالب السؤول 2/155-162.