نظرة الشيعة إلى أهل
السنة
............................................................................
489
قال الكاتب: وتُحَدِّثُنا كتب التاريخ عما جرى في بغداد عند دخول هولاكو فيها،
فإنه ارتكب أكبر مجزرة عرفها التاريخ، بحيث صبغ نهر دجلة باللون الأحمر
490
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
لكثرة من قتل من أهل السنة، فأنهارٌ من الدماء جرت في نهر دجلة حتى تغير لونه
فصار أحمر، وصبغ مرة أخرى باللون الأزرق لكثرة الكتب التي ألقيت فيه، وكل هذا
بسبب
الوزيرين القصير [كذا]
الطوسي ومحمد بن العلقمي فقد كانا وزيرين للخليفة العباسي، وكانا شيعيين وكانت
تجري بينهما وبين هولاكو مراسلات سرية حيث تمكنا من إقناع هولاكو
بدخول بغداد، وإسقاط الخلافة العباسية التي كانا وزيرين فيها، وكانت لهما اليد
الطُّولى في الحكم، ولكنهما لم يرتضيا تلك الخلافة لأنها تدين بمذهب أهل السنة،
فدخل هولاكو بغداد،
وأسقط الخلافة العباسية، ثم ما لبثا حتى صارا وزيرين لهولاكو مع إن هولاكو كان
وثنياً.
وأقول: كان ينبغي على الكاتب أن يذكر مصادر هذه
القصة التي اعتمدها، وأن يثبت أن أسانيدها صحيحة، حتى يصح اتهام الوزير ابن
العلقمي ونصير الدين الطوسي بإقناع هولاكو بدخول بغداد، وأما
ترديد ما يقوله أعداء الشيعة واعتباره حقائق من دون تحقيق وإثبات فهو غير مقبول
في مقام البحث العلمي.
والمعروف أن الخلافة العباسية في نهاياتها قد استولى عليها الأتراك والمماليك
والنساء وغيرهم، وصار الخليفة العباسي مجرد اسم لا يحل ولا يعقد.
هذا مع انشغال الخلفاء بالمجون والشراب والبذخ وغيرها من المظاهر المعلومة التي
كانت هي السبب الحقيقي وراء سقوط الدولة العباسية، لا مجرّد مكاتبة كتبها ابن
العلقمي الذي وصفوه بالرافضي، وحمَّلوا آثامه كل الشيعة في كل الأزمنة الماضية
واللاحقة.
على أن الذهبي قد ذكر أن مؤيد الدين ابن العلقمي أراد أن ينتقم بسيف التتار من
السنة والشيعة واليهود والنصارى.
فقال في كتابه سير أعلام النبلاء: وكان أبو بكر ابن المستعصم والدويدار الصغير
قد شدَّا على أيدي السُّنّة، حتى نُهب الكرخ، وتمَّ على الشيعة بلاء عظيم،
نظرة الشيعة إلى أهل
السنة
............................................................................
491
فحنق
لذلك مؤيَّد الدين بالثأر بسيف التتار من السُّنّة، بل ومن الشيعة واليهود
والنصارى
(1).
هذا مع أن دور ابن العلقمي الذي ذكره ابن العبري المتوفى سنة 685هـ، وهو ممن
عاصر أحداث سقوط بغداد، مختلف جداً عما ذكره بعض مؤرّخي أهل السنة.
فقد قال في كتابه ( تاريخ مختصر الدول ): لما فتح هولاكو تلك القلاع ـ أي قلاع
الإسماعيلية ـ أرسل رسولاً إلى الخليفة ، وعاتبه على إهماله تسيير النجدة ،
فشاوروا الوزير ـ ابن العلقمي ـ فيما يجب أن يفعلوه، فقال: لا وجه غير إرضاء
هذا الملك الجبّار ببذل الأموال والهدايا والتحف له ولخواصه، وعندما أخذوا في
تجهيز ما يسيرونه قال الدويدار الصغير وأصحابه: ( إن الوزير إنما يدبِّر شأن
نفسه مع التتار، وهو يروم تسليمنا إليهم، فلا تمكّنه من ذلك )، فبطل الخليفة
بهذا السبب تنفيذ الهدايا الكثيرة، واقتصر على شيء نزر لا قدر له، فغضب هولاكو
وقال: ( لا بد من مجيئه هو بنفسه أو يسيِّر أحد ثلاثة نفر: إما الوزير، وإما
الدويدار، وإما سليمان شاه )، فقدم الخليفة إليهم بالمضي فلم يركنوا... فسير
غيرهم فلم يجديا عنه
(2).
والذي يظهر أن اتّهام الوزير ابن العلقمي كان بسبب التحاسد واختلاف المذاهب بين
ابن الخليفة والدويدار، لا بسبب أن ابن العلقمي كاتب هولاكو وحرضه على غزو
بغداد.
ومن الملاحظ أن الكاتب لم يعتمد على مصادر تاريخية موثّقة تُدِين ابن العلقمي
إلا كتابات أهل السُّنة التي تناقلوها من غير توثيق، والتي يظهر منها أنهم
أرادوا باتهام ابن العلقمي الشيعي إلقاء تبعة سقوط خلافتهم على الشيعة بدلاً من
الاعتراف بالتسبب فيها وتحمل تبعاتها.
ولو كان ابن العلقمي قد كاتب هولاكو كما يزعمون لأصبح له شأن
(1) سير أعلام النبلاء 23/362.
(2) تاريخ مختصر الدول، ص 269.
492
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
بعد سقوط بغداد،
مع أنهم ذكروا أن ابن العلقمي مات بعد ذلك بثلاثة أشهر، ومات أخوه قبله بأيام،
ومات ابنه محمد بعده
(1).
كما أن من المستبعد جداً أن يحاول ابن العلقمي الثأر من أهل السنة بمكاتبة
هولاكو لدخول بغداد من غير معاهدة بينهما على الكف عن الشيعة ، لأنا لم
نرَ أحداً من مؤرخي أهل السنة ـ حتى غير المنصفين
منهم ـ قد ذكر أن هولاكو عاهد ابن العلقمي على ذلك، أو أن الذين قتلهم التتار
كانوا من أهل السنة فقط.
ثم أين كانت جيوش الخلافة العباسية؟ وأين كان قوَّاد الجيش ورجالات الدولة؟
وكيف استطاع ابن العلقمي أن يعبث بعقول هؤلاء كلهم، فيمكِّن هولاكو من دخول
بغداد واحتلالها بدون أية مقاومة تذكر؟
كل هذا يؤكِّد أن ابن العلقمي كان بريئاً مما ألصقوه به من تُهم وافتراءات، وأن
سبب سقوط خلافتهم هو انغماس الخلفاء في المجون والشهوات، وصيرورة أمور الخلافة
بيد المماليك والأتراك والنساء والخدم.
وأما نصير الدين الطوسي قدس سره فلم أطَّلع على من اتّهمه منهم بالضلوع في الخيانة
وتمكين التتار من الاستيلاء على بغداد كما اتّهموا العلقمي بذلك، فلا أدري من
أين جاء الكاتب بذلك؟!
نعم ذكر ابن كثير أنه كان مع هولاكو ، إلا أنه لم
يذكر أن له ضلعاً في أحداث بغداد، حيث قال: النصير الطوسي محمد بن عبد الله
الطوسي، كان يقال له: المولى نصير الدين، ويقال: الخواجا نصير الدين،
اشتغل في شبيبته وحصَّل علم الأوائل جيداً، وصنَّف في ذلك في علم الكلام، وشرح
الإشارات لابن سينا، ووزر لأصحاب قلاع الألموت من الإسماعيلية، ثم وزر لهولاكو، وكان معه
في واقعة بغداد، ومن الناس من يزعم أنه أشار على هولاكو خان بقتل الخليفة،
فالله أعلم، وعندي أن
(1) سير أعلام النبلاء 23/362.
نظرة الشيعة إلى أهل
السنة
............................................................................
493
هذا
لا يصدر من عاقل ولا فاضل، وقد ذكره بعض البغاددة فأثنى عليه، وقال: كان عاقلاً
فاضلاً كريم الأخلاق...
(1).
قال الكاتب: ومع ذلك فإن الإمام الخميني يترضى على ابن يقطين والطوسي والعلقمي
ويعتبر ما قاموا به يُعد من أعظم الخدمات الجليلة لدين الإسلام.
وأقول: هذه الحكاية كغيرها من حكاياته التي لا قيمة لها، ولا أدري كيف يزعم أن
السيد الخميني قدّس سره يعتبر قتل خمسمائة رجل في السجن أو إسقاط بغداد بيد
التتار من أعظم الخدمات للإسلام ؟!
ومع عدم ثبوت أي دور لنصير الدين الطوسي في أحداث بغداد كيف يمكن ادّعاء أن ما
قام به خدمة من أعظم الخدمات؟!