أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 585

قال الكاتب: ولننظر في القول بتحريف القرآن، فإن أول كتاب نص على التحريف هو كتاب سليم بن قيس الهلالي (ت 90 هـ) فإنه أورد روايتين فقط، وهو أول كتاب ظهر للشيعة، ولا يوجد فيه غير هاتين الروايتين.
ولكن إن رجعنا إلى كتبنا المعتبرة، والتي كُتِبَتْ بعد كتاب سليم بن قيس بدهور فإن ما وصل إلينا منها طافح بروايات التحريف، حتى تسنى للنوري الطبرسي جمع أكثر من ألْفَيْ رواية في كتابه (فصل الخطاب).

وأقول: إن الكاتب هنا اعتبر كتاب سليم بن قيس أول كتاب ظهر للشيعة ولا

586 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

يحتوى إلا على روايتين فقط دالَّتين على التحريف، بينما سيأتي قريباً في كلامه تصريحه بأن كتاب سليم بن قيس كتاب اختلقه أبان بن أبي عياش ونسبه لسليم.

وأما روايات التحريف فقد أجبنا عليها فيما سبق، ولا حاجة لتكرار الكلام فيها، ونقلنا فيما مرَّ قول آية الله الشيخ محمد جواد البلاغي في كتابه (آلاء الرحمن)، الذي أوضح به أن الميرزا النوري جمع الرواية الواحدة من مصادر مختلفة بحيث أشعر القارئ أنها روايات مختلفة، بينما هي رواية واحدة، فراجع كلمته فإنها مفيدة جداً.

وأما وجود روايات ظاهرة في التحريف في المصادر المعتمدة عند الشيعة فهذا لا يضر ، لوجود أضعافها في كتب أهل السنة، وقد اشتمل صحيحا البخاري ومسلم وغيرهما من كتبهم الحديثية المعتمدة على كثير من تلك الروايات، ووجود هذه الروايات لا يستلزم القول بالتحريف كما أوضحنا فيما مرَّ.

قال الكاتب: فمن الذي وضع هذه الروايات؟ وبخاصة إذا رجعنا إلى ما ذكرناه آنفاً في بيان ما أُضيف إلى الكتب، وبالذات الصحاح تبين أن هذه الروايات وُضعَتْ في الأزمان المتأخرة عن كتاب سليم بن قيس، وقد يكون في القرن السادس، أو السابع، حتى أن الصدوق المتوفى 381 هـ قال: (إن مَن نسب للشيعة مثل هذا القول - أي التحريف - فهو كاذب) لأنه لم يُسْمَعْ بمثل هذه الروايات، ولو كانت موجودة فعلا لَعُلِمَ بها أو لَسُمعَ.
وكذلك الطوسي أنكر نسْبَةَ هذا الأمر إلى الشيعة كما في تفسير (التبيان في تفسير القرآن) ط النجف 1383هـ وأما كتاب سليم بن قيس فهو مكذوب على سليم بن قيس وضعه إبان بن أبي عياش، ثم نسبه إلى سليم. وابان هذا قال عنه ابن المطهر الحلي والأردبيلي: (ضعيف جداً، وَينْسِبُ أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس إليه) انظر الحلي ص 206، جامع الرواة للأردبيلي 1/9.

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 587

وأقول: أنا أتعجب من هذه الاستدلالات الغريبة، فإن الكاتب استدل على أن روايات التحريف لم يُسمع بها في زمان الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي بأنهما نفيا تحريف القرآن، وجعل ذلك دليلاً على أن تلك الروايات لم يكن لها وجود في زمانهما، وإنما اختُلقت بعدهما بمدة مديدة، مع أن الروايات المزبورة كانت موجودة في زمانهما بل قبله، ولهذا أشار إليها الشيخ المفيد المتوفى سنة 413هـ والمعاصر للصدوق في كتابه (أوائل المقالات) كما مرَّ النقل عنه.

ولعل الكاتب نسي أنه قد ذكر قبل سطور قليلة أن تلك الروايات مذكورة في كتاب سليم بن قيس، وهو مكتوب قبلهما بسنين كثيرة، ونسي أنه ذكر فيما مرَّ روايات نقلها عن الكافي للكليني (ت 329هـ) دالة عنده على التحريف.

وإذا كان الكاتب قد جزم بأن روايات تحريف القرآن مدسوسة في كتب الأحاديث الشيعية في العصور المتأخرة، فلا بد من الجزم أيضاً بأن أحاديث التحريف المروية في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من كتب الحديث عند أهل السنة قد زيدت فيها في العصور المتأخرة، وذلك لأن البخاري ومسلم ومالك وأصحاب السنن الأربعة والمعاصرين لهم لم يكونوا يقولون بالتحريف مع وجود روايات التحريف الكثيرة الصريحة في كتبهم، وهذا يدل ـ بميزان الكاتب ـ أن تلك الروايات قد زيدت فيما بعد في كتبهم، وإلا لو رأوها لقالوا بالتحريف.
 

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب