نظرة الشيعة إلى أهل السنة ............................................................................ 493

قال الكاتب : وأختم هذا الباب بكلمة أخيرة وهي شاملة وجامعة في هذا الباب قول السيد نعمة الله الجزائري في حكم النواصب ( أهل السنة ) فقال: ( إنهم كفار أنجاس بإجماع علماء الشيعة الإمامية، وإنهم شرّ من اليهود والنصارى، وإن من علامات الناصبي تقديم غير علي عليه في الإمامة) الأنوار النعمانية/206، 207.

وأقول: لقد أوضحنا فيما تقدَّم أن النواصب هم المتجاهرون بعداوتهم وببغضهم لأهل البيت عليهم السلام، ولا يراد بهم أهل السنة كما أصرَّ عليه الكاتب.

هذا مع أن الكاتب قد حرَّف كلام السيِّد نعمة الله الجزائري أشد التحريف،

494 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

فجاء به مختلفاً بالكلية.

وإليك ما قاله السيّد الجزائري في كلامه في الناصبي، حيث قال: وأما الناصبي وأحواله وأحكامه فهو مما يتم ببيان أمرين:
الأول : في بيان معنى الناصب الذي ورد في الأخبار أنه نجس وأنه شر من اليهودي والنصراني والمجوسي، وأنه كافر نجس بإجماع علماء الشيعة الإمامية رضوان الله عليهم ، فالذي ذهب إليه أكثر الأصحاب هو أن المراد به من نصب العداوة لآل بيت محمد (ص) ، وتظاهر ببغضهم كما هو الموجود في الخوارج وبعض ما وراء النهر ، ورتَّبوا الأحكام في باب الطهارة والنجاسة والكفر والإيمان وجواز النكاح وعدمه على الناصب بهذا المعنى.
إلى أن قال: وقد روي عن النبي (ص) أن علامة النواصب تقديم غير علي عليه. وهذه خاصة شاملة لا خاصة، ويمكن إرجاعها أيضاً إلى الأول، بأن يكون المراد تقديم غيره عليه على وجه الاعتقاد والجزم، ليخرج المقلِّدون والمستضعفون، فإن تقديمهم غيره عليه إنما نشأ من تقليد علمائهم وآبائهم وأسلافهم، وإلا فليس لهم إلى الاطلاع والجزم بهذا سبيل
(1).

وكلامه قدس سره واضح، فإنه صرَّح بأن الناصب هو المتجاهر بالعداوة والبغض لأهل البيت عليهم السلام، وحصر النواصب في الخوارج وبعض ما وراء النهر، وذكر أن هذا هو مذهب أكثر علماء الإمامية، إلا أنه رحمه الله أشار إلى رواية تدل على أن الناصب هو من قدَّم غير علي عليه السلام عليه ، وهو لم يصحِّحها أو يعوِّل عليها ، بل احتمل أن التقديم المستلزم للنصب هو ما كان عن اعتقاد وجزم ، وأغلب أهل السنة مقلِّدون لعلمائهم، فلا يمكن الحكم عليهم بأنهم نواصب حتى لو صحّت هذه الرواية.

 

(1) الأنوار النعمانية 2/306-307.

 
 

نظرة الشيعة إلى أهل السنة ............................................................................ 495

قال الكاتب: وهكذا نرى أن حكم الشيعة في أهل السنة يتلخص بما يأتي : إنهم كفار، أنجاس ، شر من اليهود والنصارى، أولاد بغايا، يجب قتلهم وأخذ أموالهم، لا يمكن الالتقاء معهم في شيء لا في رب، ولا في نبي، ولا في إمام ولا يجوز موافقتهم في قول أو عمل، ويجب لعنهم وشتمهم وبالذات الجيل الأول أولئك الذين أثنى الله تعالى عليهم في القرآن الكريم، والذين وقفوا مع رسول الله صلوات الله عليه في دعوته وجهاده، وإلا فقل لي بالله عليك من الذي كان مع النبي صلوات الله عليه في كل المعارك التي خاضها مع الكفار؟ فمشاركتهم في تلك الحروب كلها دليل على صدق إيمانهم وجهادهم فلا يلتفت إلى ما يقوله فقهاؤنا.

وأقول: لقد اتضح من كل ما قلناه فساد ما ألصقه الكاتب بالشيعة واتّهمهم به، وأنه إنما اعتمد على نقل أخبار إما ضعيفة أو حملها على غير ما يراد منها، أو نقل عن بعض علماء الشيعة خلاف ما أرادوه بأن حرَّف كلامهم ونسب إليهم ما هم منه براء.

كما اتضح من كلامنا السابق أن الكاتب زعم أن الشيعة يعتبرون كل أهل السنة نواصب، وأنهم يجرون عليهم أحكام النواصب من الحكم بكفرهم ونجاستهم وعدم حلِّية التزاوج معهم، وهذا زعم باطل قد أوضحنا عواره كله بحمد الله وفضله.

قال الكاتب: لما انتهى حكم آل بهلوي في إيران على أثر قيام الثورة الإسلامية وتسلم الإمام الخميني زمام الأمور فيها، توجب على علماء الشيعة زيارة وتهنئة الإمام بهذا النصر العظيم لقيام أول دولة شيعية في العصر الحديث يحكمها الفقهاء. وكان واجب التهنئة يقع عليَّ شخصياً أكثر من غيري لعلاقتي الوثيقة بالإمام

496 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

الخميني. فزرت إيران بعد شهر ونصف - وربما أكثر - من دخول الإمام طهران اثر عودته من منفاه باريس، فَرَحَّبَ بي كثيراً، وكانت زيارتي منفردة عن زيارة وفد علماء الشيعة في العراق.

وأقول: مما يدل على بطلان هذه الحكاية أن السيد الخميني قدّس سره لما قدم من باريس لم يسكن في طهران، وإنما مكث في قم أكثر من عام، ثم انتقل بعد ذلك إلى طهران.
فالسيد كان في قم في الوقت الذي زعم الكاتب أنه زاره في طهران.

ثم إن الكاتب زعم أن زيارته كانت منفردة عن زيارة وفد علماء الشيعة في العراق، مع أن الكل يعلم أن علماء العراق لم يشكِّلوا وفداً لزيارة السيد الخميني في إيران.

ولا ندري لماذا لم يوضح الكاتب سبب إصراره على هذه الجلسات الخاصة المتكررة التي يدَّعيها مع المراجع والعلماء؟!

قال الكاتب: وفي جلسة خاصة مع الإمام قال لي: سيد حسين، آن الأوان لتنفيذ وصايا الأئمة صلوات الله عليهم، سنسفك دماء النواصب نقتل أبناءهم ونَسْتْحِيي نساءهم، ولن نترك أحداً منهم يُفْلِتُ من العقاب، وستكون أموالهم خالصة لشيعة أهل البيت، وسنمحو مكة والمدينة من وجه الأرض لأن هاتين المدينتين صارتا معقل الوهابيين، ولا بد أن تكون كربلاء أرض الله المباركة المقدسة، قبلة للناس في الصلاة وسنحقق بذلك حلم الأئمة عليهم السلام. لقد قامت دولتنا التي جاهدنا سنوات طويلة من أجل إقامتها، وما بقي إلا التنفيذ!!

وأقول: هذه قصة باطلة مكذوبة واضحة الاختلاق، ولا تستحق الاعتناء بها

نظرة الشيعة إلى أهل السنة ............................................................................ 497

ولا الرد عليها، لأن محتواها لا يصدر من مسلم، مع اشتمالها على كلام مخالف لما صرَّح به السيد الخميني في كتبه.
ومما يدل على بطلان هذه الحكاية أن هذه الخيالات التي زعمها الكاتب لم تسْعَ الحكومة الإيرانية كل هذه السنين لتحقيقها، ولو كانت هناك خطة كهذه لَوَقَع بعضها على الأقل، ولا سيما في داخل إيران إن لم يتأتَّ في خارجها.

فلا ندري ما يقوله الكاتب في الموانع التي منعت من تحقيق ولو شيء يسير من تلك الأوهام والخرافات؟!

قال الكاتب: ملاحظة: اعلم أن حقد الشيعة على العامة - أهل السنة - حقد لا مثيل له، ولهذا أجاز فقهاؤنا الكذب على أهل السنة، وإلصاق التهم الكاذبة بهم، والافتراء عليهم ووصفهم بالفضائح.

وأقول: هذا من الأكاذيب الواضحة، ولهذا لم يستطع الكاتب أن يأتي بفتوى واحدة لعالم من علماء الشيعة تجيز الكذب على أهل السنة وإلصاق التهم الكاذبة بهم والافتراء عليهم، مع أن الكاتب قد دأب على الاحتجاج على مزاعمه بالنصوص التي يعثر عليها من أحاديث الشيعة وأقوال العلماء، فما باله ترك الاستشهاد على أكاذيبه ولو بفتوى واحدة لعالم واحد من العلماء؟!

والعلماء قد ذكروا في كتبهم حرمة الكذب مطلقاً، وذكروا ما يستثنى من الكذب الجائز، فحصروه في أمرين: في حال الخوف على النفس والمال، وفي حال الإصلاح بين المؤمنين.

قال السيد الحكيم، والسيّد الخوئي، والسيّد محمد الروحاني، والسيد عبد الأعلى

498 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

السبزواري، قدَّس الله أسرارهم، والسيد علي السيستاني، والشيخ محمد إسحاق الفياض دام ظلهما، وغيرهم في منهاج الصالحين: يحرم الكذب: وهو: الإخبار بما ليس بواقع ، ولا فرق في الحرمة بين ما يكون في مقام الجد وما يكون في مقام الهزل... كما أنه يجوز الكذب لدفع الضرر عن نفسه أو عن المؤمن، بل يجوز الحلف كاذباً حينئذ، ويجوز الكذب أيضاً للإصلاح بين المؤمنين، والأحوط استحباباً الاقتصار فيهما على صورة عدم إمكان التورية (1).

هذه هي فتاوى علماء الشيعة، ولولا خشية الإطالة لنقلنا المزيد، وقد انكشف بها زيف ما افتراه الكاتب عليهم من تجويز الكذب على أهل السنة وإلصاق التُّهَم بهم.

قال الكاتب: والآن ينظر الشيعة إلى أهل السنة نظرة حاقدة بناء على توجيهات صدرت من مراجع عليا، وصدرت التوجيهات إلى إرفاد [ظ أفراد] الشيعة بوجوب التغلغل في أجهزة الدولة ومؤسساتها وبخاصة المهمة منها كالجيش والأمن والمخابرات وغيرها من المسالك المهمة فضلاً عن صفوف الحزب.

وأقول: هلا ذكر الكاتب نص هذه التوجيهات المزعومة، وأين صدرت؟ وممَّن صدرت؟ ومتى صدرت؟

ومن الواضح أنه لو كان ثمة مثل هذه التوجيهات المزعومة إلى أفراد الشيعة لما أمكن إخفاؤها، ولظهرت للعيان لكل أحد، ولا سيما أن الكاتب هو أحد الكادر التدريسي في الحوزة العلمية كما يزعم، فلا بد أن تكون عنده نسخة منها، ولكن

 

(1) منهاج الصالحين للحكيم 2/15. منهاج الصالحين للخوئي 2/10. منهاج الصالحين للروحاني 2/10.
منهاج الصالحين
للسبزواري 2/10. منهاج الصالحين للسيستاني 2/15. منهاج الصالحين للفياض 2/114.

 
 

نظرة الشيعة إلى أهل السنة ............................................................................ 499

الكاتب كعادته يرسل الاتهامات التي يفتريها على الشيعة إرسال المسلَّمات، لإيهام القارئ بأنها حقيقة واقعة، مع أنها ليست كذلك.

هذا مع أن فتاوى العلماء قد نصَّت على أنه لا يجوز العمل في الحكومات الجائرة إذا كان العمل محرَّماً في نفسه، كالتجسس، وأخذ الضرائب للدولة، ومعاقبة الناس، وسجنهم، ومصادرة أموالهم، وتغريمهم، وما شاكل ذلك، فلا يجوز إطاعة غير الله سبحانه في فعل محرم أو ترك واجب إلا لضرورة أو تقيّة.

قال الشيخ محمد رضا المظفر قدس سره في (عقائد الإمامية) تحت عنوان (عقيدتنا في الوظيفة في الدولة الظالمة): إذا كانت معاونة الظالمين ولو بشق تمرة، بل حب بقائهم، من أشد ما حذّر منه الأئمة عليهم السلام، فما حال الاشتراك معهم في الحكم، والدخول في وظائفهم وولاياتهم؟ بل ما حال من يكون من جملة المؤسِّسين لدولتهم، أو من كان من أركان سلطانهم والمنغمسين في تشييد حكمهم؟ (وذلك أن ولاية الجائر دروس الحق كله، وإحياء الباطل كله، وإظهار الظلم والجور والفساد) كما جاء في حديث تُحَف العقول عن الصادق عليه السلام (1).

وفي سؤال وُجِّه للسيد الخوئي قدس سره نصه: هل يجب إطاعة النظام في جميع قوانينه وإن كان بعضها مخالفاً للشرع؟
أجاب عنه بالحرف الواحد: إذا كان مخالفاً للشرع فلا يجوز في حد نفسه
(2).

وعندما سُئل عليه الرحمة هذا السؤال : الرسوم التي تُجبى من أصحاب المحلات من قبل الجهات المختصة مقابل خدمة معينة ، هل هي مشروعة ؟ وإذا كان الجواب بالنفي فما هو موقف الموظفين المباشرين أو غير المباشرين المكلفين بتولي تلك الرسوم مع العلم أن هذا يعتبر جزءاً من عملهم لا محيص عنه؟

 

(1) عقائد الإمامية، ص 157.

(2) صراط النجاة 1/436.

 

500 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

أجاب بما يلي: لا يجوز التوظيف لمثل ذلك، والله العالم (1).

وفي الجواب عن سؤال وُجّه لميرزا جواد التبريزي دام ظله نصّه: هل يجوز دخول المؤمنين في مجلس تشريعي، يضع القوانين للبلاد، مع العلم بأن نظامه نظام الأخذ بالأغلبية، ويقطع المؤمن بأن الأغلب يوافق على التشريعات غير الإسلامية، وفي عُرْف هؤلاء يُعتبر أنه قد أقرَّ على نفسه بقبول القانون وإن لم يوافق على التصويت، لأنه وافق بدخوله المجلس على نظام الأغلبية الذي يعني ذلك في نظرهم؟

فأجاب مُدَّ ظله بقوله: لا يجوز ذلك إلا في مورد التزاحم، بأن يكون هناك تكليف أهم من حرمة الدخول بالمشاركة التشريعية، والله العالم (2).

والحاصل أن من يتأمل في فتاوى علماء الشيعة قديماً وحديثاً يرى أنهم لا يجوِّزون إعانة السلطان الجائر في حكمه، ولا يجوزون العمل في وظائفه التي فيها ارتكاب لمحرَّم شرعي.

وبه يتضح أن ما قاله الكاتب من (صدور أوامر وتعليمات من مراجع عُليا بالتغلغل في أجهزة الدولة خاصة المخابرات والأمن والجيش والحزب) كله غير صحيح، فإنهم إذا لم يجوزوا أخذ الضرائب من الناس فكيف يجوزون الانضمام في بعض الأجهزة المبتنية على التجسس على الناس وظلمهم؟!

قال الكاتب: وينتظر الجميع بفارغ الصبر - ساعة الصفر لإعلان الجهاد والانقضاض على أهل السنة، حيث يتصور عموم الشيعة أنهم بذلك يقدمون خدمة

 

(1) صراط النجاة 1/433.

(2) صراط النجاة 3/411.

 

نظرة الشيعة إلى أهل السنة ............................................................................ 501

لأهل البيت صلوات الله عليهم، ونسوا أن الذي يدفعهم إلى هذا أناس يعملون وراء الكواليس ستأتي الإشارة إليهم في الفصل الآتي.

وأقول: هذا الكلام أيضاً من الاتهامات الباطلة التي دأب الكاتب على إلصاقها بالشيعة بلا دليل، ولهذا لم يذكر ما يوثِّق كلامه من أي مصدر شيعي، وإنما هي مجرد تلفيقات واضحة وأكاذيب فاضحة لا تخفى على من رآها.

والخدمة التي يقدّمها الشيعي لمذهب أهل البيت عليهم السلام لا تكون بالانقضاض على أهل السنة وقتلهم كما قال الكاتب، وإنما تكون بدعوتهم إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالمعاشرة الطيبة، وبالأخلاق السامية التي أمر بها أئمة أهل البيت عليهم السلام وحثّوا شيعتهم عليها.

ففي صحيحة أبي أسامة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: عليك بتقوى الله، والورع، والاجتهاد، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الخلق، وحسن الجوار، وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم، وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، وعليكم بطول الركوع والسجود، فإن أحدكم إذا أطال الركوع والسجود هتف إبليس من خلفه وقال : يا ويله أطاع وعصيتُ ، وسجد وأبيتُ (1).

وفي صحيحة ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإن ذلك داعية (2).

وأما ساعة الصفر التي ينتظرها الشيعة وأهل السنة فهي ظهور المهدي المنتظر عليه السلام الذي يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، والذي يُظهِر الله به الحق، ويُدحِض به الباطل، ويُعِزُّ الله به المسلمين، ويذل به الكفار والمنافقين.

 

(1) الكافي 2/77.

(2) نفس المصدر 2/78.

 

502 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

اللهم عجِّل فرجه، وسهِّل مخرجه، واجعلنا من أنصاره، والمجاهدين تحت لوائه، والمستشهدين بين يديه، إنك سميع الدعاء قريب مجيب، والحمد لله رب العالمين.

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب