400 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

قال الكاتب: 3 - صحيفة العبيطة:
عن أمير المؤمنين رضي اله عنه قال: وأيم الله إن عندي لصحف [كذا] كثيرة قطائع رسول الله (ص) ، وأهل بيته وأن فيها لصحيفة يقال لها العبيطة، وما ورد على العرب

الكتب السمـاوية ....................................................................................... 401

أشد منها، وان فيها لستين قبيلة من العرب بهرجة، مالها في دين الله من نصيب. بحار الأنوار 26/37.
إن هذه الرواية ليست مقبولة ولا معقولة، فإذا كان هذا العدد من القبائل ليس فيها
[كذا] نصيب في دين الله فمعنى هذا أنه لا يوجد مسلم واحد له في دين الله نصيب.
ثم تخصيص القبائل العربية بهذا الحكم القاسي يُشَمُّ منه رائحة الشعوبية، وسيأتي توضيح ذلك في فصل قادم.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند جداً، فإن راويها هو أبو أراكة، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.
ومن جملة رواتها علي بن ميسرة، وأبو الحسن العبدي وهما مجهولا الحال كذلك.
ومنهم: محمد بن علي بن أسباط وهو مهمل في كتب الرجال.
ومنهم: أبو عمران الأرمني وهو موسى بن زنجويه، وهو ضعيف، ضعّفه النجاشي وابن الغضائري (1).
ومنهم: يعقوب بن إسحاق وهو الضبي بقرينة روايته عن أبي عمران الأرمني، وهو أيضاً مجهول لم يوثق في كتب الرجال.
ومنهم: محمد بن حسان وهو الرازي بقرينة رواية الصفار عنه، وهو لم يثبت توثيقه، بل ضعَّفه ابن الغضائري، وقال فيه النجاشي: يُعرَف ويُنكَر بين بين، يروي عنه الضعفاء (2).

 

(1) رجال النجاشي 2/342. رجال ابن الغضائري، ص 91. راجع معجم رجال الحديث 19/43.
(2) رجال النجاشي، ص 239 ط حجرية. رجال ابن الغضائري، ص 95.

 
 

402 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

هذه هي الرواية التي احتج بها الكاتب، وهي ضعيفة جداً اشتملت على مجاهيل وضعفاء ومهملين، فكيف يصح الاحتجاج بها والتعويل عليها؟!

ومع الإغماض عن سند الرواية فلا بد من حمل القبيلة في الرواية على ما يشمل البطن والفخذ، كبني هاشم وبني أمية مثلاً، بل وعلى ما يشمل الفصيلة أيضاً كبني العباس مثلاً، وذلك بقرينة ذكر ستين قبيلة.

ولا ريب في أن بطون القبائل وأفخاذها وفصائلها كثيرة جداً (1)، وحينئذ فليس بمستبعد أن يكون ستون من قبائل العرب بالمعنى الذي قلناه ليس لها في الإسلام نصيب، وذلك لأن المسلمين تفرَّقوا إلى مذاهب كثيرة بعيدة عن روح الإسلام وتعاليمه.

وأما ذكر القبائل العربية بالخصوص فلأن بعضها لها في الإسلام نصيب، وبعضها ليست كذلك، وأما غير العرب فلم يكن لأحد منهم في دين الله نصيب.

قال الكاتب: 4- صحيفة ذؤابة السيف: عن أبي بصير عن أبي عبد الله رضي الله عنه أنه كان في ذؤابة سيف رسول الله . صحيفة صغيرة فيها الأحرف التي يفتح كل حرف منها ألف حرف. قال أبو بصير: قال أبو عبد الله: فما خرج منها إلا حرفان حتى الساعة. بحار الأنوار 26/56.
قلت: وأين الأحرف الأخرى؟ أَلا يُفْتَرَضُ أن تُخْرَجَ حتى يستفيد منها شيعة أهل البيت؟ أم أنها ستبقى مكتومة حتى يقوم القائم؟

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها علي بن أبي حمزة، وهو

 

(1) راجع كتاب (سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب) للسويدي لتقف على تفاصيل بطون وأفخاذ القبائل العربية الكثيرة جداً.

 
 

الكتب السمـاوية ....................................................................................... 403

البطائني رأس الواقفية، الذي أنكر إمامة مولانا الرضا عليه السلام.
قال ابن الغضائري: علي بن أبي حمزة لعنه الله، أصل الوقف، وأشد الخلق عداوة للولي من بعد أبي إبراهيم عليه السلام (1).
وقال علي بن الحسن بن فضال: علي بن أبي حمزة كذاب، واقفي متّهم ملعون، وقد رويتُ عنه أحاديث كثيرة، وكتبتُ عنه تفسير القرآن كله من أوله إلى آخره، إلا أني لا أستحل أن أروي عنه حديثاً واحداً (2).
وضعَّفه ابن داود في رجاله ، والعلامة في الخلاصة ، والمجلسي في الرجال والوجيزة وغيرهم (3).

وروى ابن داود في رجاله عن الرضا عليه السلام أنه قال: أَمَا استبان لكم كذبه؟ أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يُهدى إلى عيسى بن مريم؟

ومن رواة هذا الخبر القاسم بن محمد وهو الجوهري، بقرينة روايته عن علي بن أبي حمزة، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.
وعليه فالرواية ضعيفة السند، لا يصح التعويل عليها في شيء.

ومع الغض عن سندها فالظاهر أن الرواية لا إشكال فيها عند الكاتب إلا من جهة قوله: (فما خرج منها إلا حرفان حتى الساعة)، وذلك لأن هذه الصحيفة قد ذكرها أهل السنة في كتبهم

بأسانيد صحيحة، إلا أنهم ذكروا أنها كانت معلَّقة في قراب سيف أمير المؤمنين عليه السلام، ولا منافاة في البين ، فلعلها كانت في قراب سيف رسول الله (ص) ، ثم صارت إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فعلّقها في قراب سيفه.

 

(1) رجال ابن الغضائري، ص 83.
(2) رجال العلامة، ص 231.
(3) رجال ابن داود، ص 259. رجال العلامة، ص 231. الوجيزة، ص 118. رجال المجلسي، ص 255.

 
 

404 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

فقد أخرج البخاري ـ واللفظ له ـ ومسلم وأحمد والنسائي وابن حبان والبيهقي والحاكم وأبو نعيم وأبو عوانة والحميدي وغيرهم بأسانيدهم عن إبراهيم التيمي عن أبيه، قال: خطبنا علي رضي الله عنه على منبر من آجر وعليه سيف فيه صحيفة معلَّقة،  فقال: والله ما عندنا من كتاب يُقرأ إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة. فنشرها فإذا فيها أسنان الإبل، وإذا فيها: المدينة حرم من عير إلى كذا، فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً. وإذا فيه: ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، وإذا فيها: مَنْ والى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً (1).

وفي بعضها أنه عليه السلام ذكر أن عنده صحيفة، لكنه لم ينص على أنها في قراب السيف، وقد ورد ذلك في أحاديث كثيرة عندهم.

منها: ما أخرجه البخاري في صحيحه، وأبو داود وابن ماجة والنسائي والدارمي في سننهم، وأحمد في مسنده، وغيرهم، بأسانيدهم عن الشعبي عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. قال: قلت: فما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير ولا يُقتل مسلم بكافر (2).

 

(1) صحيح البخاري 4/2278. صحيح مسلم 2/995، 1147، 3/1567. صحيح ابن حبان 13/216.
المستدرك على الصحيحين
4/153 ط حيدرآباد. مسند أحمد 1/118، 119، 152. سنن البيهقي الكبرى 8/29، 9/250. سنن النسائي 8/392. السنن الكبرى للنسائي 2/486، 5/208. مسند أبي عوانة 3/239، 240، 5/76. شعب الإيمان 6/189. حلية الأولياء 4/131. مسند الحميدي 1/23.
(2) صحيح البخاري 1/62، 2/937، 4/2154، 2156. سنن النسائي بشرح السيوطي 8/392. سنن أبي داود 2/216. سنن ابن ماجة 2/887. السنن الكبرى للنسائي 4/220. سنن الدارمي 2/633. مسند أحمد 1/79، السنن الكبرى للبيهقي 9/226.

 
 

الكتب السمـاوية ....................................................................................... 405

وأخرج البخاري في صحيحه، والترمذي في سننه، والبيهقي في السنن الكبرى وغيرهم، بأسانيدهم عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: ما عندنا شيء إلا كتاب

الله وهذه الصحيفة عن النبي (ص) : المدينة حرَمٌ ما بين عائر إلى كذا ، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبَل منه صرف ولا عدل، وقال:

ذمَّة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل، ومن تولى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل (1).


وأكثر تلكم الروايات المروية عندهم ظاهرة في أن تلك الصحيفة كانت مشتملة على أمور أخرى غير ما ذُكر في الحديث، بدليل تفاوت الأحاديث طولاً وقصراً في بيان ما حوتْه تلك الصحيفة.

ومن غير البعيد أن تحتوي تلك الصحيفة على قواعد كلية عامة عُبِّر عنها في الحديث بـ (أحرف يَفْتَح كلُّ حرف منها ألفَ حرف).

ولعل المراد بالحرفين اللذين خرجا قاعدة (لا يُقتل مسلم بكافر)، وقاعدة (من تولَّى قوماً بغير إذن مواليه)، فإنهما قاعدتان ينفتح منهما مسائل كثيرة متشعبة.

وأما العلة التي من أجلها أخفى الإمام عليه السلام باقي ما في الصحيفة إلا اليسير الذي خرج منها، فلا ندري بها، والإمام عليه السلام أعرف بتكليفه، وهو عليه السلام أدرى بأهل عصره، ونحن لسنا مكلَّفين به على فرض تحقّقه.

هذا مع أن أحاديث أهل السنة ظاهرها أنه عليه السلام أظهر شيئاً منها لا كلّها، وعليه فالإشكال نفسه يرد عليهم، بل وروده عليهم أولى باعتبار صحَّة أحاديث الصحيفة عندهم، وعدم اعتقادهم بأن الإمام عليه السلام كان يتَّقي من أهل عصره.

 

(1) صحيح البخاري 1/553، 2/979، 981، 4/2110. سنن الترمذي 4/438. السنن الكبرى للبيهقي 5/196. مسند أحمد 1/81.

 
 
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب