نظرة الشيعة إلى أهل
السنة
............................................................................
469
قال الكاتب:
لو
سألنا اليهود : من هم أفضل الناس في مِلَّتِكُم ؟
لقالوا: إنهم أصحاب موسى.
470
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
ولو سألنا النصارى: من هم أفضل الناس في أمتكم ؟
لقالوا: إنهم حواريو عيسى.
ولو سألنا الشيعة: من هم أسوأ الناس في نظركم وعقيدتكم ؟
لقالوا: إنهم أصحاب محمد ..
وأقول: هذا الكلام قد اقتبسه الكاتب من رواية طويلة رواها عبد الرحمن بن مالك
بن مغول، عن أبيه، عن الشعبي، وهي رواية ضعيفة عن الشعبي كما اعترف بذلك ابن
تيمية في كتابه منهاج السنة
(1)
وأبو بكر الخلال في كتاب السنة (2).
وسواء ثبت ذلك عن الشعبي أم لم يثبت فهو هذيان لا يصلح أن يكون حُجَّة على
الشيعة في شيء، وقد استوفينا الرد عليه في كتابنا (عبد الله بن سبأ)، فراجعه
ففيه فوائد جمَّة.
وأما ما نقله الكاتب من سؤال اليهود والنصارى والروافض، فهو تصوّرات واحتمالات
لا تصلح دليلاً في مقام البحث والمناظرة.
ونحن لا ندري ما يقوله اليهود والنصارى في المسألة ، فلعلّهم يقولون خلاف ذلك ،
ويثبتون الأفضلية لغير أصحاب موسى وعيسى عليهما السلام، ولا سيما أنهم طعنوا في موسى وعيسى
وسائر الأنبياء عليهم السلام وألصقوا بهم الفظائع.
ولو سلّمنا بأن اليهود يرون أن خير أهل ملّتهم هم أصحاب موسى، وأن النصارى يرون
أن خير أهل ملَّتهم هم حواريو عيسى، فهذا لا يصلح دليلاً على أن أصحاب نبيِّنا
(ص) هم خير هذه الأمّة، لأن ثبوت الأفضلية لأصحاب موسى وعيسى عليهما
السلام لا يستلزم ثبوتها
لأصحاب الأنبياء الآخرين، وهذا واضح جداً لا يماري فيه إلا جاهل أو متعصب.
(1)
منهاج السنة 1/8، ط أخرى 11،
12.
(2) كتاب السنة 3/498، قال الخلال: إسناده لا يصح.
نظرة الشيعة إلى أهل
السنة
............................................................................
471
ثم لماذا غيَّر الكاتب صيغة السؤال ؟ فلمَ لا يُسأل الشيعة: ( من خير أهل
ملّتكم ؟ )، كما سُئل اليهود والنصارى؟ ولا ريب في أن الشيعة لو سُئِلوا هذا السؤال فإنهم سيجيبون بأن خير أهل الملة
أهل بيت نبينا صلى الله عليه وآله.
وهذا الجواب لا يستلزم أي إشكال على الشيعة، وإنما يلزم منه ثبوت القدح في أهل
السنة الذين سفكوا دماءهم، وأزاحوهم عن مناصبهم، وجحدوا مآثرهم، وأنكروا
فضائلهم، والكاتب إنما أراد بافتراض هذه الأسئلة مجرد الطعن في الشيعة لا غير، فلا بد له
من تغيير صيغة السؤال ليتم له مطلوبه.
قال الكاتب: إن أصحاب محمد
هم أكثر الناس تعرضاً لسب الشيعة ولعنهم وطعنهم وبالذات أبو بكر وعمر وعثمان
وعائشة وحفصة زوجتا النبي صلوات الله عليه، ولهذا ورد في دعاء صنمي قريش: ( اللهم العن صنمي قريش -
أبو بكر وعمر - وجِبْتَيْهِما وطاغوتيهما [كذا]،
وابنتيهما - عائشة وحفصة... الخ ) وهذا دعاء منصوص عليه في الكتب المعتبرة،
وكان الإمام الخميني يقوله بعد صلاة صبح كل يوم.
وأقول: إن الشيعة لا يقولون بعدالة كل أصحاب رسول الله
(ص)، وإنما يقولون بعدالة
من ثبتت عدالته عندهم كائناً من كان، ومن يراهم أهل السُّنة أجلاء ويعتبرونهم
من كبار الصحابة قد لا يراهم الشيعة كذلك، لأن هذه المسألة من مسائل الاجتهاد
التي اجتهد فيها الصحابة وغيرهم، ولهذا كفَّر مشهور أهل السنة صحابياً جليلاً
يراه الشيعة من أعاظم أصحاب النبي (ص) وأجلَّائهم، واتفق الكل على أنه لم يألُ
جهداً في بذل النصرة لرسول الله والدفاع عنه، وفي الذب عن الإسلام في مهده،
وهو أبو طالب عليه السلام، ومع ذلك لم يرَ أهل
السنة في الحكم بتكفيره أية غضاضة
472
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
عليهم، ولم
يجعل الشيعة ذلك ذريعة لتكفير أهل السنة.
وأما خصوص أبي بكر وعمر وعثمان، فإن الحكم فيهم تعديلاً أو جرحاً من توابع
مسألة الخلافة، وذلك لأن خلافتهم إن كانت صحيحة وشرعية، وكانت مرضية لله
ولرسوله (ص) ، فلا مناص حينئذ من الحكم بعدالتهم وجلالتهم.
وأما إذا كانت خلافتهم غير شرعية، وكان الخليفة الشرعي هو أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب عليه السلام ، فلا ريب حينئذ في عذر من لا يقول بعدالتهم وجلالتهم.
وبما أن مسألة الخلافة لا تزال محل جدال ونزاع بين أهل السنة والشيعة، فليس من
المنطقي أن يحتدم النزاع في تقييم الخلفاء من دون حل الأساس الذي يبتني عليه
هذا الأمر، وهو مسألة الخلافة.
وأما مسألة عائشة وحفصة فهي أيضاً مسألة اجتهادية، ولا دليل صحيحاً عندنا يدل
على ما يعتقده أهل السُّنة فيهما.
فإذا صحَّحنا الروايات التي نصَّت على أن عليًّا
عليه السلام لا يبغضه إلا منافق، ولا
يحبّه إلا مؤمن، وأن حربه حرب للنبي (ص)، وأنه إمام مفترض الطاعة، فلا مناص
حينئذ من الحكم بنفاق كل الذين حاربوه أو كانوا يبغضونه، أو الحكم بكونهم
فسَّاقاً على الأقل، وإلا فلا يجوز الإقدام على تكفير مسلم أو الحكم بنفاقه من
غير دليل صحيح.
وكذا إذا قلنا: ( إن كل من خرج على أمير المؤمنين عليه السلام فهو هالك )، فلا مناص من
الحكم بهلاك بعض الصحابة الذي خرجوا عليه، ومنهم عائشة وطلحة والزبير ومعاوية
وعمرو بن العاص وغيرهم، وإلا فلا يصح الحكم على مسلم بالهلاك إلا بدليل صحيح.
والحاصل أن جرح أو تعديل بعض الصحابة أو بعض نساء النبي (ص) يصح فيه الاجتهاد،
لأنه لا دليل متواتراً يدل على تعديل كل الصحابة وكل نساء النبي (ص)،
نظرة الشيعة إلى أهل
السنة
............................................................................
473
والحكم
بنفاق بعضهم لا يخرج المجتهد فيه عن الإسلام، ولا يخل بالعدالة إذا كان الحكم
مستنداً إلى دليل ربما يكون صحيحاً.
قال الكاتب: عن حمزة بن محمد الطيار أنه قال: ذكرنا محمد بن أبي بكر عند أبي
عبد الله (رض) فقال: (رحمه الله وصلى عليه، قال محمد بن أبي بكر لأمير المؤمنين
يوماً من الأيام: ابسط يدك أبايعك، فقال: أو ما فعلت؟
قال: بلى ، فبسط يده، فقال: أشهد أنك إمام مُفْتَرَضٌ طاعته، وأن أبي (يريد أبا
بكر أباه) في النار - رجال الكشي ص 61.
وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن راويها هو حمزة بن محمد الطيار، وهو مهمل،
لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.
قال المامقاني: حمزة بن محمد الطيار، عدَّه الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق
عليه السلام،
وقال: (كوفي). وظاهره كونه إمامياً، إلا أن حاله مجهول
(1).
ومن جملة رواة هذا الخبر زُحَل عمر بن عبد العزيز، وهو لم يثبت توثيقه في كتب
الرجال، بل وصفه النجاشي بالتخليط، ووصفه الفضل بن شاذان بأنه يروي المناكير.
قال النجاشي: عمر بن عبد العزيز عربي، بصري، مخلط
(2).
وقال الكشي: أبو حفص، عمر بن عبد العزيز أبي بشار، المعروف بزُحَل. محمد ابن
مسعود قال: حدثني عبد الله بن حمدويه البيهي، قال: سمعت الفضل بن شاذان يقول:
زُحَل أبو حفص يروي المناكير، وليس بغالٍ
(3).
(1)
تنقيح المقال 1/377.
(2) رجال النجاشي 2/127.
(3) اختيار معرفة الرجال 2/748.
474
...............................................................................
لله وللحقيقة الجزء الثاني
وقال المامقاني: هو إمامي مجهول الحال من حيث العدالة والضبط وعدمهما، لكن
الإنصاف أن مثله يُسمَّى ضعيفاً اصطلاحاً
(1).
ومع الإغماض عن ضعف الحديث والتسليم بصحَّته، فإنه يدل على أن محمد بن أبي بكر
كان يعتقد أن أباه من أهل النار، وأنه بايع أمير المؤمنين عليه السلام على ذلك، وهو أعرف
بأبيه منا، واعتقاده لا يُدان به الشيعة في شيء.
ثم إذا كان أمير المؤمنين عليه السلام قد قبل منه هذه البيعة فلا بد أن تكون عقيدته في
أبيه إما صحيحة أو لا تضر ببيعته ، وذلك لأن كثيراً من الصحابة لم يكونوا
يعتقدون في أبي بكر وعمر وعثمان ما يعتقده أهل السنة فيهم القداسة العظيمة التي
لا يجوز معها تخطئتهم في أي موقف من مواقفهم.
قال الكاتب: وعن شعيب عن أبي عبد الله
(رض) قال: (ما من أهل بيت إلا وفيهم نجيب من
أنفسهم، وأنجب النجباء من أهل بيت سوء محمد بن أبي بكر) الكشي ص 61.
وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند أيضاً، فإن من جملة رواتها موسى بن مصعب، وهو
مهمل في كتب الرجال.
ومع الإغماض عن السند، فإن الرواية في نفسها لا تصح، وذلك لأن من المقطوع به أن
بيوتاً كثيرة ليس فيها نجيب، مع أن الرواية نصَّت على أن كل بيت لا يخلو من
نجيب.
ثم إن الرواية وإن كان مساقها المدح لمحمد بن أبي بكر، إلا أنها مع التدقيق
فيها لا تدل على مدحٍ ذي شأن، وذلك لأنها دلَّت على أنه أنجب النجباء من أهل
(1) تنقيح المقال 2/345.
نظرة الشيعة إلى أهل
السنة
............................................................................
475
بيوت السوء، لا أنجب النجباء مطلقاً، والنجباء من بيوت السوء قلائل جداً، فيكون
هو أنجبهم، وهذا ليس مدحاً في واقعه كما هو واضح.