نظرة الشيعة إلى أهل السنة ............................................................................ 463

قال الكاتب: 3 - إنهم لا يجتمعون مع السنة على شيء:
قال السيد نعمة الله الجزائري: ( إنا لا نجتمع معهم - أي مع السنة - على إله، ولا على نبي، ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون: إن ربَّهم هو الذي كان محمد نبيه وخليفته من بعده أبو بكر. ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبي، بل نقول: إن

464 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا ) (1) الأنوار الجزائرية 2/278 باب نور في حقيقة [كذا] دين الإمامية والعلة التي من أجلها يجب الأخذ بخلاف ما تقوله العامة.

وأقول: إن كلام السيِّد نعمة الله الجزائري رحمه الله واضح جداً، فإنه يريد بهذا الكلام لازمه، وهو نفي خلافة أبي بكر لا أكثر ولا أقل، فمراده بقوله ( إن النبي الذي نصب أبا بكر خليفة لا نعتقد به) هو أنه لا يوجد نبي هكذا حتى نعتقد به، فالقضية سالبة بانتفاء موضوعها، فإن نبيّنا (ص) لم ينصب أبا بكر خليفة.

وكذلك لا يوجد رب قد أرسل نبيًّا كان خليفته أبا بكر حتى نؤمن به، فإن ربَّنا سبحانه لم يرسل نبيًّا هكذا.

وهذا نظير قول من يقول: ( إن الشيعة لا يجتمعون مع أهل السنة في رب ولا في نبي ولا في خليفة )، فإن مراده أن أهل السنة يعتقدون في الله أن له صورة كصورة آدم عليه السلام، ويداً ورِجلاً ووجهاً وساقاً وعيناً وأنه في مكان وأن صفاته كصفات الآدميين، والشيعة لا يعتقدون بأن ربّهم هكذا، بل هم ينزِّهونه عن كل ذلك.

وأهل السنة يعتقدون في النبي أنه غير معصوم فيما لا يرتبط بالتشريع، وأنه يسب ويلعن من لا يستحق، ويخرج إلى الناس وبُقَع المني في ثيابه، وأنه يبول واقفاً، ويأكل ما ذُبح على النُّصُب، وأنه أبدى عورته للناس وأمثال هذه الأمور، والشيعة ينزِّهونه عن كل ذلك.

ولا يمتنع عند أهل السنة أن يكون خليفة النبي (ص) ضعيفاً لا يهتدي إلى الحق إلا أن يُهدى، أو يجتهد برأيه كيف شاء، فلا يدري أصاب أم أخطأ، بل لا غضاضة عندهم في أن يحتاج هذا الخليفة إلى رعيَّته ليقوِّموه إذا أخطأ، وأن يكون له شيطان يعتريه ويستفزّه، وغير ذلك.

 

(1) للكاتب هنا حاشية ، سيأتي ذكرها وبيان ما فيها.

 
 

نظرة الشيعة إلى أهل السنة ............................................................................ 465

ومما قلناه يتضح أن نفي الاتفاق في هذه الأمور يراد به نفي الصفات المذكورة عن الله سبحانه ، وعن النبي (ص)، وعن الإمام الحق بعد النبي (ص)، ولا يراد به نفي الاعتقاد بالله، أو التصديق بالنبي (ص) كما لا يخفى على من يعرف أساليب الكلام.

إلا أن الإنصاف يقتضي أن نقول: إن تعبير السيّد الجزائري قدس سره: ( أنّا لا نجتمع معهم على إله ولا على نبي ولا على إمام ) بالمعنى الذي أوضحناه تعبير غير حسن، لا يحسن صدوره منه ولا من غيره وإن كان المراد منه صحيحاً وواضحاً، وذلك لأن المغرضين قد اتّخذوه وسيلة للتشويش به على العوام وإيهامهم بأن الشيعة لا يعتقدون بالله سبحانه ولا بنبوّة نبيِّنا محمد (ص) كما صنع الكاتب وغيره ، فكان الأولى بالسيّد رحمه الله أن يذكر المعنى المراد بعبارات غير موهمة.

وللكاتب هنا حاشية نصّها: إن الواقع يثبت أن الله تعالى هو رب العالمين، ومحمد [كذا] (ص) هو نبيّه، وأبو بكر [كذا] خليفة محمد على الأمة، سواء كانت خلافته شرعية أم لا.

وأقول: إن الواقع لا يثبت خلافة أبي بكر، فإنه لم يقم على خلافته أي دليل صحيح، وإنما أقام القوم عليها خيالات واهية ركيكة اعتبروها أدلة.

ولا أدري كيف يُثْبِت الواقع خلافة أبي بكر لرسول الله (ص) سواء كانت خلافته شرعية أم لا؟ فإنه إن كان الواقع يثبت خلافته فلا بد أن تكون شرعية، وإلا فهي غير شرعية.

فإن أراد الكاتب بقوله: (إن الواقع يثبت خلافة أبي بكر) مجرد تولي الحكم من بعد رسول الله (ص)، فهذا لا نتنازع فيه، وإنما النزاع في استحقاقه للخلافة وأهليته لها وشرعية تلك الخلافة.

وقال الكاتب أيضاً في تلك الحاشية: فكلام السيّد الجزائري خطير للغاية، فهو يعني: إذا ثبت أن أبا بكر خليفة محمد، ومحمد نبي الله، فإن السيّد الجزائري لا يعترف

466 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

بهذا الإله ولا نبيه محمد، والواقع يثبت أن أبا بكر خليفة محمد سواء كانت خلافته شرعية أم لا

وأقول: إن كلام السيّد الجزائري واضح جداً، وقد مرَّ بيانه ، وهو رحمه الله قد علق نفي الألوهية ونفي النبوة على أمر محال، وهو ثبوت شرعية خلافة أبي بكر، فلا إشكال في البين، ولا نفي للألوهية والنبوة بالنتيجة.

وأما أن الواقع يثبت خلافة أبي بكر فقد أجبنا عنه.

ثم قال الكاتب: وقد عرضت الأمر على الإمام الخوئي، فسألته عن الحكم الشرعي في الموضوع بصورة غير مباشرة في قصة مشابهة، فقال: إن من يقول هذا الكلام فهو كافر بالله ورسوله وأهل البيت عليهم السلام.

وأقول: ما نسبه للخوئي قدس سره غير صحيح، ولا يمكن أن يكفّر الخوئي قائل ذلك، لما أوضحناه من معنى العبارة، ونحن لا نعلم ما هي هذه القصة المشابهة التي زعم الكاتب نقلها للخوئي، ولو سلّمنا بوقوع هذه القضية فلعل من قال كلاماً آخر يشبه كلام الجزائري يكون كافراً، لعدم كونه تعليقاً على محال، بخلاف كلام الجزائري رحمه الله.

قال الكاتب: عقد الصدوق هذا الباب في علل الشرايع فقال: عن أبي إسحق الإرجاني رفعه قال: قال أبو عبد الله (رض) : أتدري لم أُمِرْتم بالأخذ بخلاف ما تقوله العامة؟
فقلت: لا ندري.
فقال: ( إن عليَّا لم يكن يدين الله بدين إلا خالف عليه الأُمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين (رض) عن الشيء الذي لا يعلمونه، فإذا

نظرة الشيعة إلى أهل السنة ............................................................................. 467

أفتاهم جعلوا له ضداً من عندهم ليلبسوا على الناس) ص 531 طبع إيران.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإنها مضافاً إلى كونها مرفوعة، فقد رواها أبو إسحاق الأرجاني، وهو مهمل في كتب الرجال.

ومع الإغماض عن سند الرواية فإنها تدل على أن أعداء أمير المؤمنين عليه السلام كانوا يسألونه ويخالفونه، وهو أمر ليس بمستغرَب ولا مستبعد منهم، فإن القوم قد بالغوا في عداوتهم لأمير المؤمنين عليه السلام حتى حاربوه بسيوفهم، وأعلنوا سبّه على المنابر سنين كثيرة، فهل يستبعد منهم مخالفة فتاواه؟!

فإذا تحقق ذلك أمكن استكشاف الحق أحياناً بالأخذ بما خالف العامة، لأنه حينئذ موافق لقول أمير المؤمنين عليه السلام.

ولا بد أن نذكِّر ههنا بأن ذلك إنما يكون في حال تعارض الأخبار وإرادة ترجيح بعضها على بعض، أو في حال فقدان النص وعدم التمكن من معرفة الحكم مع الاضطرار للمعرفة كما هو ظاهر بعض الأخبار.

قال الكاتب: ويتبادر إلى الأذهان السؤال الآتي: لو فرضنا أن الحق كان مع العامة في مسألة ما أيجب علينا أن نأخذ بخلاف قولهم ؟ أجابني السيد محمد باقر الصدر مرة فقال: نعم يجب الأخذ بخلاف قولهم، لأن الأخذ بخلاف قولهم، وإن كان خطأ فهو أهون من موافقتهم على افتراض وجود الحق عندهم في تلك المسألة.

وأقول: لم يذكر الكاتب كيف يُعلم أن الحق مع العامة في تلك المسألة؟

وكيف كان فجواب مسألته هو أن الذي أجمع عليه علماء الشيعة قديماً وحديثاً أنه لو فرض حصول العلم بالحكم الموافق للعامة، أو قام الدليل الصحيح على ما

468 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

يوافقهم، فإنه يجب حينئذ الأخذ به، وموافقتُه لهم لا تضر به، لأن الحق أحق أن يُتَّبع..

ونحن قد أوضحنا فيما مرَّ أن الأخذ بخلاف قول العامة إنما هو في حال وجود خبرين أو أخبار متعارضة، بعضها موافق لهم، وبعضها مخالف لهم، فلا مناص حينئذ من حمل الموافق على التقية وطرحه، والعمل بالمخالف، لا من أجل كونه مخالفاً، بل لأن الموافقة لهم دليل على صدوره من الأئمة عليهم السلام تقية.

وأما ما نسبه للسيد محمد باقر الصدر قدس سره فهو غير صحيح، لأنه مخالف لكلامه في كتبه وأبحاثه، فإنه ذكر أن مخالفة العامة ما هو إلا مرجِّح عند تعارض الأدلة الشرعية من أجل استكشاف الحكم الشرعي الصادر عنهم عليهم السلام لا على جهة التقية، وأما مع وضوح الحكم الشرعي فلا معنى للترجيح حينئذ بمخالفة العامة (1).

ومجمل القول أنك لا تجد واحداً من علماء الشيعة يجوِّز طرح الحكم الشرعي الثابت بالأدلة الصحيحة من أجل مخالفة العامة، وإنما هو قول بعض علماء أهل السنة الذين جوَّزوا طرح السُّنة الثابتة لأنها صارت شعاراً للروافض كما تقدَّم بيانه.

ولكن الكاتب دأب في هذا الكتاب على إلصاق بعض مخازي القوم بعلماء الشيعة، لأجل تبرئة أهل السنة مما ابتُلوا به، إلا أنه فشل في مسعاه، وخاب في مبتغاه، لأنه جعل أدلَّته النقولات القولية المكذوبة التي لا تنفق في سوق إثبات الأحكام الشرعية والمسائل الخلافية.

قال الكاتب: إن كراهية الشيعة لأهل السنة ليست وليدة اليوم، ولا تختص بالسنة المعاصرين، بل هي كراهية عميقة تمتد إلى الجيل الأول لأهل السنة، وأعني الصحابة ما عدا ثلاثة منهم وهم أبو ذر والمقداد وسلمان، ولهذا روى الكليني عن أبي

 

(1) راجع كتابه (تعارض الأدلة الشرعية)، ص 34، 358، 415 وغيرها.

 
 

نظرة الشيعة إلى أهل السنة ............................................................................ 469

جعفر قال: ( كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه إلا ثلاثة المقداد بن الأسود وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري ) روضة الكافي 8/246.

وأقول: إن الكراهية بين المذاهب كانت متأصلة منذ العصور الأولى، بسبب الحوادث والفتن التي حصلت بين أتباعها، والتاريخ يحدّثنا عن فتن وقعت بين الشيعة وأهل السنة، بل حوادث وفتن وقعت بين أتباع مذاهب أهل السُّنة أنفسهم من أحناف وموالك وشوافع وحنابلة.

إلا أن الشيعة كانوا أبعد الطوائف عن تأجيج نائرة الفتن، لأنهم كانوا يعملون بوصايا أئمتهم بحسن معاشرة أهل السنة وقد ذكرنا بعضها، وكانوا يمارسون التقية الشديدة التي فرضها عليهم قمع الولاة لهم، وكانوا ضعفاء مستضعفين يخافون أن يتخطفهم الناس.

وقد نقلنا للقارئ العزيز فيما تقدم شهادة الشيخ محمد أبو زهرة بأن الشيعة الإمامية يتوددون إلى أهل السنة ولا ينافرونهم، وهو سُنّي لا يُتَّهم في هذه الشهادة.

ولو سلَّمنا أن الشيعة يبغضون أهل السنة فلا أعتقد أن الكاتب يزعم أن أهل السُّنة يحبُّون الشيعة ويودُّونهم مع ما نقلناه سابقاً من فتاوى بعض علمائهم بكفر الروافض وحرمة ذبائحهم وعدم جواز مناكحتهم والسلام عليهم وغير ذلك.

ومع كل تلك الفتاوى الصادرة من بعض علمائهم إلا أنك لا تجد في أحاديث الشيعة وفتاوى علمائهم حثًّا على بغض أهل السنة ومعاداتهم، بل ما تجده هو عكس ذلك كما مرَّ بيانه مفصَّلاً فيما تقدَّم.

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب