نظرة الشيعة إلى أهل السنة ............................................................................ 453

قال الكاتب: ولهذا:
1- وجب الاختلاف معهم: فقد روى الصدوق عن علي بن أسباط قال : قلت للرضا رضي الله عنه : يحدث الأمر لا أجد بداً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه من أستفتيه من مواليك ؟ قال: فقال : أحْضِرْ فقيه البلد فاستفته في أمرك، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه ) عيون أخبار الرضا 1/275 ط طهران.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها أحمد بن محمد السياري، وهو مذموم في كتب الرجال.

قال النجاشي: أحمد بن محمد بن سيّار... ويعرف بالسياري، ضعيف الحديث فاسد المذهب، ذكر ذلك لنا الحسين بن عبيد الله [ابن الغضائري]، مجفو الرواية، كثير المراسيل (1).

وقال ابن الغضائري: ضعيف متهالك، غال منحرف، استثنى شيوخ القميّين روايته من كتاب (نوادر الحكمة) (2).

وقال الشيخ الطوسي في الفهرست: ضعيف الحديث، فاسد المذهب، مجفو الرواية، كثير المراسيل (3).

ومع الإغماض عن سند الرواية فإن الظاهر منها هو أن تجويز مخالفة قاضي البلد إنما هو في حال الجهل بالحكم الشرعي، وفي حال الاضطرار إليه، ولا سبيل إلى معرفته.

ومثل هذا الفرض إنما يقع في حالات نادرة جداً لا يصح جعلها ضابطة لكل

 

(1) رجال النجاشي 1/211.

(2) رجال ابن الغضائري، ص 40. (3) الفهرست للطوسي، ص 66.  
 

454 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

أحكام الشيعة في الأحوال العادية.
وبما أن الخلاف بين الشيعة وأهل السنة حاصل في كل الأحكام الشرعية غير الضرورية تقريباً، فإن من المتوقَّع أن يكون الحكم المطلوب أيضاً مخالفاً لهم، فلهذا أرشد السائل إلى طريقة يكون اتباعها موصلاً للحق غالباً.

قال الكاتب: وعن الحسين بن خالد عن الرضا أنه قال: ( شيعتنا، المسلِّمون لأمرنا، الآخذون بقولنا المخالفون لأعدائنا، فمن لم يكن كذلك فليس منا ) الفصول المهمة 225 ط قم. وعن المفضل بن عمر عن جعفر أنه قال: ( كذب مَن زعم أنه من شيعتنا وهو متوثق بعروة غيرنا) الفصول المهمة 225.

وأقول: هذان الحديثان معناهما ظاهر ولا إشكال فيه، فإن شيعة أهل البيت عليهم السلام لا بد أن يسلِّموا لهم، ويأخذوا بأقوالهم، ويخالفوا أعداءهم، وإلا فليسوا بشيعة لهم، لأن الشيعة هم الأتباع، والمتابعة لا تحصل إلا بهذه الأمور.

أما أن أعداءهم هم أهل السنة أو غيرهم فهذه مسألة أخرى ، ونحن لا نقول بذلك ، وإنما نقول: ( إن أعداءهم هم النواصب )، ونحن قد أوضحنا فيما تقدَّم معنى الناصبي، وقلنا: إنه هو المتجاهر بالعداء لأهل البيت عليهم السلام ، لا مطلق المخالف وإن لم يتجاهر بعداوتهم.

فإن كان الكاتب يرى أن كل أهل السنة نواصب فلا مناص حينئذ من القول بأنهم كلهم أعداؤهم، وإلا فليسوا لهم بأعداء، وهو أمر واضح جداً لا يحتاج إلى تجشم إيضاح.

نظرة الشيعة إلى أهل السنة ............................................................................ 455

قال الكاتب: 2- عدم جواز العمل بما يوافق العامة ويوافق طريقتهم: وهذا باب عقده الحر العاملي في كتابه وسائل الشيعة فقال: والأحاديث في ذلك متواترة.. فمن ذلك قول الصادق (رض) في الحديثين المختلفين: اعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارهم فخذوه.
وقال الصادق (رض) : إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم.
وقال (رض) : خذ بما فيه خلاف العامة، وقال: ما خالف العامة ففيه الرشاد.

وأقول: هذا الباب ليس من أبواب كتاب ( وسائل الشيعة )، وإنما هو الباب الثلاثون من أبواب أصول الفقه، من كتاب ( الفصول المهمة ) للحر العاملي، وهو: باب عدم جواز العمل بما يوافق العامة وطريقتهم، ولو من أحاديث الأئمة عليهم السلام مع المُعارِض... (1).

والكاتب نقل عنوان هذا الباب مبتوراً، فخالف الأمانة العلمية من جهتين: من جهة نسبته إلى وسائل الشيعة، ومن جهة بتر ذيله، ليُوهم قارئه أن مخالفة العامة هي بنفسها دليل على الأحكام عند الشيعة.

وكما هو ظاهر من عنوان الباب ومن الأحاديث التي نقلها الكاتب أن عدم جواز العمل بالأحاديث الموافقة للعامة إنما هو في حال معارضتها لأحاديث أخر لا توافقهم، وهذا يعني أن مخالفة العامة ليست بنفسها دليلاً يستعمله الفقيه في استنباط الأحكام الشرعية كما ذكره الكاتب، وإنما هي أحد المرجِّحات الدِّلالية التي يُرجِّح بها الفقيه أحد الحديثين المتعارضين اللذين لا يمكن الجمع العرفي بينهما.

ووجه الترجيح بمخالفة العامة أن الأئمة سلام الله عليهم لا تصدر منهم الأحكام المتعارضة والفتاوى المتضاربة، لعصمتهم عليهم السلام المانعة من ذلك، فكل ما

 

(1) الفصول المهمة في أصول الأئمة 1/575.

 
 

456 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

رُوي عنهم متعارضاً إما أن يكون مكذوباً عليهم أو محمولاً على التقية.
ولتمييز ما صدر منهم تقية عن غيره يُنظر فيما وافق العامة من الحديثين المتعارضين فيُطرح، لأنه هو الذي تُحتمل فيه التقية دون ما خالفهم، فإن الأئمة عليهم السلام كانوا يحذَرون سلاطين الجور وأعوانهم، وكانوا يتحاشون معارضة فتاوى قضاتهم وعلماء بلاطهم، فيفتون أحياناً بما يوافقهم تقيَّةً، وبهذا وغيره نشأت أخبار التقية في أحاديث الأئمة عليهم السلام.

ولئن كانت مخالفة العامة قاعدة للترجيح بين الأخبار المتعارضة فقط، دون أن تكون بنفسها قاعدة لاستنباط الحكم الشرعي كما قلنا، فإن أهل السنة جعلوا مخالفة الروافض قاعدة يطرحون لأجلها حتى الأحكام التي صحَّ عندهم ثبوتها عن النبي (ص).

قال ابن تيمية: إذا كان في فعلٍ مستحب مفسدة راجحة لم يَصِر مستحباً، ومن هنا ذهب مَن ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعاراً لهم، فلا يتميز السُّنّي من الرافضي، ومصلحة التميُّز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة هذا المستحب، وهذا الذي ذُهب إليه يُحتاج إليه في بعض المواضع إذا كان في الاختلاط والاشتباه مفسدة راجحة على مصلحة فعل ذلك المستحب (1).

قلت: وأما فتاواهم في ذلك فهي كثيرة، وإليك بعضاً منها:
قال ابن حجر في فتح الباري:
اختُلف في السلام على غير الأنبياء، بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي، فقيل: يشرع مطلقاً. وقيل: بل تبعاً، ولا يُفرد لواحد، لكونه صار شعاراً للرافضة. ونقله النووي عن الشيخ أبي محمد الجويني.

وقال الزمخشري في الكشاف: القياس جواز الصلاة على كل مؤمن لقوله تعالى ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ) وقوله تعالى ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهمْ ) وقوله

 

(1) منهاج السنة 4/154.

 
 

نظرة الشيعة إلى أهل السنة ............................................................................ 457

(ص) : اللهم صلِّ على آل أبي أوفى. ولكن للعلماء تفصيلاً في ذلك، وهو أنها إن كانت على سبيل التبع كقولك: (صلى الله على النبي وآله) فلا كلام فيها، وأما إذا أُفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يُفرد هو فمكروه، لأن ذلك صار شعاراً لذِكر رسول الله (ص)، ولأنه يؤدِّي إلى الاتهام بالرفض (1).

وقال مصنّف كتاب الهداية وهو من الأحناف: المشروع التختم في اليمين، لكن لمَّا اتّخذته الرافضة عادة جعلنا التختم في اليسار (2).

وقال الرافعي في فتح العزيز: ثم الأفضل في شكل القبر التسطيح أو التسنيم. ظاهر المذهب أن التسطيح أفضل، وقال مالك وأبو حنيفة رحمهم الله: التسنيم أفضل. لنا أن النبي (ص) سطح  قبر ابنه إبراهيم، وعن القاسم بن محمد قال : (رأيت قبر النبي (ص) وأبي بكر وعمر (رض) مُسَطَّحة) ، وقال ابن أبي هريرة : إن الأفضل الآن العدول من التسطيح إلى التسنيم ، لأن التسطيح صار شعاراً للروافض، فالأولى مخالفتهم وصيانة الميت وأهله عن الاتهام بالبدعة، ومثله ما حكي عنه أن الجهر بالتسمية إذا صار في موضع شعاراً لهم فالمستحب الإسرار بها مخالفة لهم (3).

وقال محمد بن عبد الرحمن الدمشقي في كتابه (رحمة الأمة في اختلاف الأئمة): السُّنَّة في القبر التسطيح، وهو أولى من التسنيم على الراجح من مذهب الشافعي، وقال الثلاثة [أبو حنيفة ومالك وأحمد]: التسنيم أولى، لأن التسطيح صار من شعائر الشيعة (4).

وقال الحافظ العراقي في بيان كيفية إسدال طرف العمامة: فهل المشروع إرخاؤه

 

(1) الكشاف 3/246 في تفسير قوله تعالى ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ) سورة الأحزاب، الآية 56 .
(2) عن الصراط المستقيم 2/510. ومنهاج الكرامة، ص 108. وكتاب الغدير 10/210.
(3) فتح العزيز 5/229.
(4) رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ، ص 155 .

 
 

458 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

من الجانب الأيسر كما هو المعتاد، أو الأيمن لشرفه ؟ لم أرَ ما يدل على تعيين الأيمن إلا في حديث ضعيف عند الطبراني، وبتقدير ثبوته فلعله كان يرخيها من الجانب الأيمن ، ثم يردّها إلى الجانب الأيسر كما يفعله بعضهم، إلا أنه صار شعار الإمامية ، فينبغي تجنّبه لترك التشبّه بهم (1).

وقال عبد الله المغربي المالكي في كتابه (المعلم بفوائد مسلم): إن زيداً كبَّر خمساً على جنازة، قال: وكان رسول الله (ص) يُكبِّرها. وهذا المذهب الآن متروك، لأنه صار علَماً على القول بالرفض (2).

وفي التذكرة: قال الشافعي وأحمد والحكَم: المسح على الخفّين أولى من الغسل، لما فيه من مخالفة الشيعة (3).

وقال إسماعيل البروسوي في تفسيره (روح البيان) عند ذِكر يوم عاشوراء: قال في عقد الدرر واللئالي (4): ولا ينبغي للمؤمن أن يتشبَّه بيزيد الملعون في بعض الأفعال، وبالشيعة الروافض والخوارج أيضاً، يعني لا يجعل ذلك اليوم يوم عيد أو يوم مأتم، فمن اكتحل يوم عاشوراء فقد تشبَّه بيزيد الملعون وقومه، وإن كان للاكتحال في ذلك اليوم أصل صحيح، فإن ترك السُّنّة سُنّة

إذا كانت شعاراً لأهل البدعة، كالتختم باليمين، فإنه في الأصل سُنة، لكنه لما صار شعار أهل البدعة والظلمة صارت السُّنة أن يُجعَل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا، كما في شرح القهستاني (5).
إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة .

 

(1) شرح المواهب للزرقاني 5/13 .

(2) عن الصراط المستقيم 2/510 . (3) عن المصدر السابق .  

(4) عقد الدرر واللئالي في فضل الشهور والأيام والليالي، للشيخ شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الحموي، الشهير بابن الرسام (عن كتاب الغدير 10/211). ولد بحماة سنة 773هـ، ولي قضاء حماة ثم قضاء حلب، وتوفي سنة 844هـ تقريباً، له ترجمة في شذرات الذهب 7/252، الضوء اللامع 1/249، ومعجم المؤلفين 1/174.
(5) روح البيان 4/142 (عن كتاب الغدير 10/211).

 
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب