406 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

قال الكاتب: 5- صحيفة علي، وهي صحيفة أُخرى وُجِدَتْ فى ذؤابة السيف: عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال : وُجِدَ في ذؤابة سيف رسول الله (ص) صحيفة فإذا فيها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم، إن أعتى الناس على الله يوم القيامة مَن قتل غير قاتله، ومن ضرب غير ضاربه، ومن تولى غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله تعالى على محمد صلى الله عليه، ومن أحدث حدثاً أو آوى مُحْدِثاً لم يقبل الله منه يوم القيامة صَرْفاً ولا عَدْلاً. بحار الأنوار 27/65، 104/375.

وأقول: إن الكاتب ذكر أن هذه الصحيفة كانت لعلي عليه السلام وُجِدَت في ذؤابة سيفه، مع أن الرواية نصَّت على أنها كانت في ذؤابة سيف رسول الله (ص) كما ورد ذلك في الرواية السابقة.

وقد ذكر أيضاً أنها صحيفة أخرى لعلي عليه السلام، مع أن هذا لا يظهر من الرواية التي ساقها، فلعلّ هذه الصحيفة هي عين تلك الصحيفة.

قال الكاتب: 6 - الجفر: وهو نوعان: الجفر الأبيض والجفر الأحمر: عن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبد الله يقول: إن عندي الجفر الأبيض. قال: قلت: أي شيء فيه؟ قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم عليهم السلام والحلال والحرام.. وعندي الجفر الأحمر. قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر؟ قال: السلاح، وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل.

الكتب السمـاوية ....................................................................................... 407

فقال له عبد الله بن أبي اليعفور [كذا]: أصلحك الله، أيعرف هذا بنو الحسن؟ فقال: إي والله كما يعرفون الليل أنه ليل والنهار أنه نهار، ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيراً لهم. أصول الكافي 1/24.

وأقول: أما الجفر الأبيض فلا نرى ما يدعو إلى إنكار وجوده عند أئمة أهل البيت عليهم السلام، وذلك لأنَّا تلقَّينا من الثقات الأَثبات أن الكتب المذكورة كانت عندهم عليهم السلام وفي حوزتهم، فكيف يجوز لنا ردّه وإنكاره ولا سيما مع ورود النهي عن ردّ ما قاله أهل الكتاب مما لم تثبت صحَّته ولم يتّضح بطلانه.

فقد أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة، أنه قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسِّرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله (ص): لا تصدِّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم، وقولوا ( قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَيكُم ) الآية (1).

وأخرج أبو داود وأحمد والحاكم وابن حبان وغيرهم عن أبي نملة الأنصاري،

 

(1) صحيح البخاري 9/136 كتاب الاعتصام، باب قول النبي (ص) : لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، 3/237 كتاب الشهادات، باب لا يُسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها، 6/25 كتاب التفسير، تفسير سورة البقرة.
تنبيه: الرواية التي نقلناها بلفظ البخاري من كتاب الاعتصام فيها تصريح بأن قوله (آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم) آية من القرآن، ولهذا عقّب الجملة بقوله: (الآية) كما في الطبعة المصرية،مطابع الشعب سنة 1378، وإن كانت كلمة (الآية) قد حُذفت من الطبعة المحققة بتحقيق الشيخ محمد علي القطب والشيخ هشام البخاري 4/2296، طبع المكتبة العصرية في لبنان، سنة 1417هـ، مع أنهما أدرجا الجملة بين قوسين قرآنيين، وأشارا في الحاشية إلى أنها الآية 136 من سورة البقرة مع إدراج كلمة (إليكم) داخل القوسين بغير الخط القرآني. وهذا يدل أنهما قد تنبَّها إلى أن كلمة (إليكم) ليست من الآية، لكنهما لم ينبِّها القارئ على ذلك ستراً على البخاري، وخشية من فضيحة أهل السنة الذين يرونه كله صحيحاً.

 
 

408 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

عن أبيه: أنه بينما هو جالس عند رسول الله (ص) وعنده رجل من اليهود مرَّ بجنازة، فقال: يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة ؟ فقال النبي (ص): الله أعلم. فقال اليهودي: إنها تتكلم. فقال رسول الله (ص): ما حدّثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنّا بالله ورسله. فإن كان باطلاً لم تصدّقوه، وإن كان حقاً لم تكذّبوه (1).

ولا ندري لمَ استحل أهل السنة تكذيب شيعة أهل البيت عليهم السلام ورواة أحاديثهم ، ولم يستحلوا تكذيب أخبار اليهود والنصارى ورواتهم، مع أن العلة المانعة من التكذيب متحققة في الموردين على السواء؟! هذا مع أنهم رووا أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان عنده زاملتان (2) من كتب أهل الكتاب.

فقد قال ابن كثير في تفسيره: كان عبد الله بن عمرو (رض) قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب، فكان يحدِّث منهما (3).

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة عبد الله بن عمرو: وقد روى عبد الله أيضاً عن أبي بكر، وعمر، ومعاذ، وسراقة بن مالك، وأبيه عمرو، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي الدرداء، وطائفة، وعن أهل الكتاب، وأدمن النظر في كتبهم، واعتنى بذلك (4).

وقال في تذكرة الحفاظ: وكان أصاب جملة من كتب أهل الكتاب، وأدمن النظر فيها، ورأى فيها عجائب (5).

 

(1) سنن أبي داود 3/318 حديث 3644. مسند أحمد 4/136. المستدرك على الصحيحين 3/358. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8/52. شرح السنة 1/268.
(2) الزاملة: هو البعير الذي يحمل عليه الرجل متاعه وطعامه. والزاملتان حمل بعيرين.
(3) تفسير القرآن العظيم 1/4.
(4) سير أعلام النبلاء 3/81.
(5) تذكرة الحفاظ 1/42.

 
 

الكتب السمـاوية ....................................................................................... 409

وقال ابن حجر: إن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب، فكان ينظر فيها ويحدِّث منها، فتجنَّب الأخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين (1).

فلا ندري بعد هذا لمَ صدّقوا بحيازة عبد الله بن عمرو لهذه الكتب وأنكروا حيازة أئمة أهل البيت عليهم السلام لها؟ وأما الجفر الأحمر فهو السلاح كما ورد في الخبر، وحيازتهم عليهم السلام للسلاح ليس أمراً مستغرباً حتى تتوجّه أصابع الاتهام للرواة بالتكذيب.
وكيف كان فلا نرى في ثبوت حيازتهم عليهم السلام للجفر الأبيض والجفر الأحمر غرابة، ولا منافاة لآية محكمة أو سُنّة ثابتة حتى يصر أهل السُّنّة على إنكارها والتشنيع بها.

قال الكاتب: وقد سألت مولانا الراحل الإمام الخوئي عن الجفر الأحمر، من الذي يفتحه ودم مَن الذي يُراق؟ فقال: يفتحه صاحب الزمان عجل الله فرجه، ويريق به دماء العامة النواصب - أهل السنة - فيمزقهم شذَرَ مَذَرَ، ويجعل دماءَهم تجري كدجلة والفرات، وَلَيَنْتَقِمَنَّ من صَنَمَيّ قريش - يقصد أبا بكر وعمر - وابنتيهما - يقصد عائشة وحفصة - ومن نعتل [كذا] - يقصد عثمان - ومن بني أمية والعباس فينبش قبورهم نبشا.

وأقول: ما نقله عن السيّد الخوئي قدّس الله نفسه الزكيّة غير صحيح، وهو مِثْل نقولاته السابقة التي لا يُعوَّل عليها ولا يؤخذ بها.
مضافاً إلى أن هذا الكلام مخالف لفتاوى السيد الخوئي المعروفة، لأنه قدس سره لا

 

(1) فتح الباري 1/167. ونقله المباركفوري عن ابن حجر في تحفة الأحوذي 7/359.

 
 

410 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

يرى أن أهل السنّة كلهم نواصب (1)، بل يفرِّق بين الناصبي والمخالف، ولا يعتبر كل مخالف ناصبياً، ولهذا حكم بنجاسة النواصب وكفرهم وعدم حرمة دمائهم وأموالهم، دون المخالفين.

قال قدس سره في بحث درسه تعليقاً على قول صاحب العروة: ( لا أشكال في نجاسة الغلاة والنواصب ): وهم ـ أي النواصب ـ الفرقة الملعونة التي تنصب العداوة وتُظهر البغضاء لأهل البيت عليهم السلام... ولا شبهة في نجاستهم وكفرهم، وهذا لا للأخبار الواردة في كفر المخالفين كما تأتي جملة منها عن قريب، لأن الكفر فيها إنما هو في مقابل الإيمان، ولم يُرَد منه ما يقابل الإسلام، بل لما رواه ابن أبي يعفور في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: (وإياك أن تغتسل من غُسالة الحمَّام، ففيها تجتمع غُسالة اليهودي، والنصراني، والمجوسي، والناصب لنا أهل البيت، فهو شرّهم، فإن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب، وإن الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه).
حيث إن ظاهرها إرادة النجاسة الظاهرية الطارئة على أعضاء الناصب لنَصبه وكفره، وهذا من غير فرق بين خروجه على الإمام عليه السلام وعدمه، لأن مجرد نَصب العدواة وإعلانها على أئمة الهدى عليهم السلام كافٍ في الحكم بكفره ونجاسته ، وقد كان جملة من المقاتلين للحسين عليه السلام من النُّصَّاب، وإنما أقدموا على محاربته من أجل نَصبهم العدواة لأمير المؤمنين وأولاده. ثم إن كون الناصب أنجس من الكلب لعلّه من جهة أن الناصب نجس من جهتين، وهما جهتا ظاهرِه وباطنه، لأن الناصب محكوم بالنجاسة الظاهرية لنصبه، كما أنه نجس من حيث باطنه وروحه، وهذا بخلاف الكلب، لأن النجاسة فيه من ناحية ظاهره فحسب (2).

 

(1) الناصبي: هو من تجاهر بالعداوة لأهل البيت عليهم السلام، بحربهم أو قتلهم أو ضربهم أو سبّهم أو إهانتهم أو تنقيصهم أو جحد مآثرهم المعلوم ثبوتها لهم، أو نحو ذلك.
(2) التنقيح في شرح العروة الوثقى 2/75.

 
 

الكتب السمـاوية ....................................................................................... 411

وكلامه قدس سره واضح في أنه يرى كفر الناصبي ونجاسته، دون المخالفين للشيعة، وهم أهل السنة وغيرهم من غير الفِرَق الإسلامية الأخرى كالزيدية والإسماعيلية والمعتزلة وغيرهم.

وأما ما نسبه للسيّد الخوئي قدس سره من أن صاحب الزمان سيقتل أهل السُّنة إذا خرج، وسيفرّقهم شذر مذر ، فهي نسبة باطلة، وذلك لأن الأخبار لا تدل على ذلك ، وإنما دلَّت الأحاديث المتواترة عند الفريقين على أنه عليه السلام سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، وأنه سينشر الحق في أرجاء المعمورة، وسيمحق كل ضلال وباطل، لتبقى كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.

ولا ريب في أن تحقق هذا الأمر لا يتأتى إلا بحرب سلاطين الجور وأعوانهم، فإنهم لن يُسَلّموا له طواعية واختياراً، بل سيحاربونه بما لديهم من عَدَدٍ وعُدَّة، وأما الذين اتّبعوا الحق ورضوا به فلا شأن له بهم، سُنّة كانوا أم غيرهم.

والطريف أنه في الوقت الذي لا نرى رواية واحدة عند الشيعة تخبر أن الإمام المهدي عليه السلام سيقتل أصحاب المذاهب الأخرى ومنهم أهل السنة، نجد أن بعض الروايات السُّنّية تنص على أن أتباع السفياني ـ وهم من أهل السنة ـ سيقتلون شيعة أهل البيت عليهم السلام في الكوفة.

فقد أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك بسنده عن أبي رومان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: يظهر السفياني على الشام، ثم يكون بينهم وقعة بقرقيسا حتى تشبع طير السماء وسباع الأرض من جيفهم، ثم ينفتق عليهم فتق من خلفهم، فتقبل طائفة منهم حتى يدخلوا أرض خراسان، وتقبل خيل السفياني في طلب أهل خراسان، ويقتلون شيعة آل محمد (ص) بالكوفة، ثم يخرج أهل خراسان في طلب المهدي (1).

 

(1) المستدرك على الصحيحين 4/501 ط حيدرآباد.

 
 

412 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

قال الكاتب: قلت: إن قول الإمام الخوئي فيه إسراف إذ أن أهل البيت عليهم السلام، أجل وأعظم من أن ينبشوا قبر ميت مضى على موته قرون طويلة. إن الأئمة سلام الله عليهم كانوا يقابلون إساءة المسيء بالإحسان إليه والعفو والصفح عنه، فلا يعقل أن ينبشوا قبور الأموات لينتقموا منهم ويقيموا عليهم الحدود فالميت لا يُقامُ عليه حد، وأهل البيت سلام الله عليهم عُرِفُوا بالوداعة والسماحة والطيب.

وأقول: صحيح أن أهل البيت عليهم السلام رحمة مهداة لهذه الأمة كجدّهم رسول الله (ص)، ولكنا لا نحتم عليهم بشيء ولا نعلّمهم تكليفهم، فهم أعرف بما يصنعون، وأما نبش القبور فهو راجع إليهم، فإن صنعه صاحب الزمان عليه السلام فهو حق، وإن تركه فهو أيضاً حق، وعِلْمه عند الله سبحانه، ولسنا مكلَّفين باعتقاد أو ردّ هذه الحوادث، لأنها من علم الغيب الذي لا يلزمنا الجزم فيه بشيء.

ومن الواضح أن الكاتب أخذ بعض ما نسبه للخوئي من بعض المرويات التي لم يحقّق في أسانيدها، وأضاف إليها بعضاً آخر من عنده، فنسب الجميع للخوئي قدّس الله نفسه زوراً وبهتاناً.

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب