552 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

قال الكاتب: أورد في كتابه روايات مصرحة بتحريف القرآن، وأورد أيضاً روايات زعم فيها أن العلاقة بين أمير المؤمنين والصحابة كانت سيئة جداً، وهذه الروايات هي التي تتسبب في تمزيق وحدة المسلمين، وكل من يقرأ هذا الكتاب يجد أن مؤلفه لم يكن سليم النية.

وأقول: إذا كان مجرد ذكر روايات تدل على تحريف القرآن كافياً في إدانة الكاتب واتّهامه بأنه لم يكن سليم النية، فهذا وارد بعينه على البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود وابن ماجة ومالك بن أنس وأحمد بن حنبل وأبي داود الطيالسي والبيهقي والهيثمي والسيوطي وابن جرير الطبري وغيرهم من حفاظ الحديث وأعلام أهل السنة الذين رووا أحاديث التحريف ودوَّنوها في كتبهم (1).

وإن كانت إدانة الكاتب إنما هي بسبب اعتقاده بتحريف القرآن دون مجرد ذكر روايات التحريف فالطبرسي لم يصرِّح في كتابه بأنه يقول بالتحريف، ولم يُنقل عنه الذهاب إلى هذا القول، وعلى الكاتب حينئذ أن يدين جملة من الصحابة الذين روي عنهم القول بالتحريف كما دلَّت عليه روايات أهل السنة في كتبهم المعتبرة.

وأما طعن الكاتب في الطبرسي بأنه روى في الاحتجاج ما يدل على أن العلاقة بين أمير المؤمنين عليه السلام وبين بعض الصحابة كانت سيِّئة جداً، فهو غير وارد، لأن أهل السنة رووا في كتبهم الكثير من ذلك.

فقد أخرج أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك وصحَّحه، وأبو نعيم في حلية الأولياء، وغيرهم بأسانيدهم عن أبي سعيد الخدري قال: اشتكى عليًّا الناسُ، قال: فقام رسول الله (ص) فينا خطيباً، فسمعته يقول: أيها الناس لا تَشْكُوا عليًّا، فوالله إنه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله (2).

 

(1) راجع روايات تحريف القرآن المنقولة من مصادر أهل السنة في كتابنا (كشف الحقائق)، ص 67-75.
(2) مسند أحمد 3/86. المستدرك على الصحيحين 3/133 ط حيدر آباد 3/134 وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص. مجمع الزوائد 9/129. حلية الأولياء 1/68. فضائل الصحابة 2/679.

 
 

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 553

وأخرج الترمذي في سُننه وحسَّنه، والحاكم في المستدرك وصحَّحه، بأسانيدهم عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله (ص) جيشاً، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية فأصاب جارية، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله (ص) فقالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي. وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدؤوا برسول الله (ص) فسلَّموا عليه، ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السَّرِية سلَّموا على النبي (ص)، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه رسول الله (ص)، ثم قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثم قام الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل رسول الله (ص) والغضب يُعرَف في وجهه، فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إن عليًّا مني وأنا منه، وهو وليُّ كل مؤمن بعدي (1).

وأخرج مسلم في صحيحه، والترمذي في سننه عن سعد بن أبي وقاص، قال: أمَرَ معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب؟ فقال: أمّا ما ذكرتُ ثلاثاً قالهن له رسول الله (ص) فلن أسبَّه، لأَن تكون لي واحدة منهن أحب إليَّ من حمر النعم... الحديث (2).

 

(1) سنن الترمذي 5/632. مسند أحمد 4/437. المستدرك 3/119، ط حيدرآباد 3/111. صحيح ابن حبان 15/374. السنن الكبرى للنسائي 5/132. موارد الظمآن 2/986. مسند الطيالسي، ص 111. فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2/605. خصائص أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (رض) للنسائي، ص 109. حلية الأولياء 6/294. المصنف لابن أبي شيبة 6/375. مسند أبي يعلى 1/184. المعجم الكبير للطبراني 18/128.
(2) صحيح مسلم 4/1871. سنن الترمذي 5/638 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

 
 

554 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

وأخرج مسلم في صحيحه بسنده عن سهل بن سعد قال: استُعمل على المدينة رجل من آل مروان، قال: فدعا سهل بن سعد، فأمره أن يشتم عليًّا، قال: فأبى سهل، فقال له: أما إذ أبيت فقل: (لعن الله أبا التراب). فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي التراب، وإن كان ليفرح إذا دُعي بها... الحديث (1).

وأخرج الترمذي في سُننه وحسَّنه، عن البراء، قال: بعث النبي (ص) جيشين، وأمَّر على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، وقال: إذا كان القتال فعليٌّ. قال: فافتتح علي حصناً، فأخذ منه جارية، فكتب معي خالد كتاباً إلى النبي (ص) يشي به، قال: فقدمت على النبي (ص) ، فقرأ الكتاب فتغيَّر لونه ، ثم قال: ما ترى في رجل يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله؟ قال: قلت: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، وإنما أنا رسول. فسكت (2).

وأخرج الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، وأبو يعلى في مسنده ، عن أبي بكر بن خالد بن عرفطة أنه قال: إن سعد بن مالك قال: بلغني أنكم تُعْرَضون على سب علي رضي الله عنه بالكوفة، فهل سببته؟ قال: معاذ الله. قال: والذي نفس سعد بيده لقد سمعت رسول الله (ص) يقول في علي شيئاً لو وُضع المنشار على مِفْرَقي على أن أسبّه ما سببته أبداً (3).

وأخرج الضياء المقدسي، وأبو يعلى وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص قال: كنت جالساً في المسجد أنا ورجلين معي فنلنا من علي، فأقبل رسول الله (ص) غضبان يُعْرَف في وجهه الغضب، فتعوَّذتُ بالله من غضبه، فقال: مالكم ومالي؟ من آذى عليًّا

 

(1) صحيح مسلم 4/1874.

(2) سنن الترمذي 5/638، 4/207.  
(3) الأحاديث المختارة 3/274. مسند أبي يعلى 1/328. مجمع الزوائد 9/130 قال الهيثمي: رواه أبو يعلى، وإسناده حسن. السنن الكبرى للنسائي 5/133. المصنف لابن أبي شيبة 6/375. كتاب السنة لابن أبي عاصم، ص 590.
 

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 555

فقد آذاني (1).
قلت:
والأحاديث الدالة على أن كثيراً من الصحابة كانوا يبغضون أمير المؤمنين عليه السلام ويسبّونه وينتقصونه كثيرة جداً تفوق حد الحصر، وإنكارها كإنكار الشمس في وضح النهار، وما ذكرناه فيه كفاية وزيادة.

وعليه، فيلزم الكاتب أن يطعن في كثير من أعلام أهل السنة الذين رووا أمثال هذه الأمور، كما يلزمه أن يطعن فيمن روى ما هو أعظم من ذلك.

فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما ـ واللفظ للبخاري ـ بسندهما عن عائشة: أن فاطمة عليها السلام بنت النبي (ص) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (ص) مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله (ص) قال: ( لا نُوْرَث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد (ص) في هذا المال)، وإني والله لا أغيِّر شيئاً من صدقة رسول الله (ص) عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله (ص) ، ولأعملنَّ فيها بما عمل به رسول الله (ص). فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدَتْ (1) فاطمة على أبي بكر في ذلك، قال: فهجرَتْه فلم تكلِّمه حتى تُوفِّيتْ ، وعاشت بعد النبي (ص) ستة أشهر، فلما تُوفِّيتْ دفنها زوجُها عليٌّ ليلاً، ولم يُؤْذِنْ (3) بها أبا بكر، وصلَّى عليها، وكان لعليٍّ من الناس وجه حياةَ فاطمة، فلما تُوفِّيتْ استنكر عليٌّ وجوهَ الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك. كراهةً لمحضر عمر، فقال عمر: لا والله لا تدخل عليهم وحدك. فقال أبو بكر: وما عسيتهم أن

 

(1) الأحاديث المختارة 3/267. مسند أبي يعلى 1/325. مجمع الزوائد 9/129 قال الهيثمي: رواه أبو يعلى والبزار باختصار، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، غير محمود بن خداش وقنان، وهما ثقتان.

 
(2) أي غضبت. (3) أي لم يخبر أبا بكر بالأمر.
 

556 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

يفعلوا بي... (1).

وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن عروة بن الزبير أن عائشة أم المؤمنين ( رض ) أخبرته أن فاطمة عليها السلام ابنة رسول الله (ص) سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله (ص) أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله (ص) مما أفاء الله عليه، فقال أبو بكر: إن رسول الله (ص) قال: ( لا نُوْرَث، ما تركنا صدقة ). فغضبت فاطمة بنت رسول الله (ص)، فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى تُوفِّيتْ، وعاشت بعد رسول الله (ص) ستة أشهر. قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله (ص) من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك، وقال: لستُ تاركاً شيئاً كان رسول الله (ص) يعمل به إلا عملتُ به، فإني أخشى إن تركتُ شيئاً من أمره أن أزيغ، فأما صدَقَتُه بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس، وأما خيبر وفدك فأمسكها عمر وقال: هما صدقة رسول الله (ص) كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه، وأمْرهما إلى وَلِيِّ الأمر، قال: فهما على ذلك إلى اليوم (2).

وأخرج مسلم في صحيحه ـ في حديث طويل ـ عن عائشة أنها قالت: فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي والعباس، فغلبه عليٌّ عليها، وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر، وقال: هما صدقة رسول الله (ص) كانت لحقوقه التي تعروه ونوائبه... (3).

وأخرج مسلم في صحيحه بسنده عن الزهري أن مالك بن أوس حدَّثَه، قال:

 

(1) صحيح البخاري 3/1286. صحيح مسلم 3/1380. وأخرج هذا الحديث بألفاظ متقاربة أحمد في المسند 1/6.
وابن حبان في صحيحه 11/152، 14/573. والبيهقي في السنن الكبرى 6/300.
وعبد الرزاق في المصنف 5/327 ط أخرى 5/471. وابن سعد في الطبقات الكبرى 2/315.

 
(2) صحيح البخاري 2/952، 3/1286. (3) صحيح مسلم 4/1382.
 

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع ................................................................ 557

أرسل إليَّ عمر بن الخطاب، فجئته حين تعالى النهار...
إلى أن قال: فجاء يَرْفَأ (1) فقال: هل لك يا أمير المؤمنين في عثمان وعبد الرحمن ابن عوف والزبير وسعد؟ فقال عمر: نعم. فأذن لهم فدخلوا، ثم جاء فقال: هل لك في عباس وعلي؟ قال: نعم. فأذن لهما، فقال عباس: يا أمير المؤمنين اقضِ بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن. فقال القوم: أجل يا أمير المؤمنين، فاقض بينهم وأرِحْهم. فقال مالك بن أوس: يخيل إليَّ أنهم قد كانوا قدموهم لذلك، فقال عمر: اتَّئِدا، أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمون أن رسول الله (ص) قال: ( لا نُوْرَثُ، ما تركنا صدقة ) ؟ قالوا: نعم. ثم أقبل على العباس وعلي فقال : أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمان أن رسول الله (ص) قال: ( لا نُوْرَثُ، ما تركنا صدقة) ؟ قالا: نعم.
إلى أن قال: قال ـ أي عمر ـ: فلما توفي رسول الله (ص) قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله (ص). فجئتما ، تطلب ميراثك من ابن أخيك ، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها ، فقال أبو بكر: قال رسول الله (ص) : ما نُوْرَث، ما تركنا صدقة. فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفي أبو بكر، وأنا ولي رسول الله (ص) وولي أبي بكر ، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً ، والله يعلم إني لصادق بار راشد تابع للحق ، فوَلِيْتُها، ثم جئتني أنت وهذا، وأنتما جميع وأمركما واحد، فقلتما: ادفعها إلينا، فقلت: إن شئتم دفعتُها إليكما على أنّ عليكما عهد الله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله (ص)، فأخذتماها بذلك، قال: أكذلك؟ قالا: نعم. قال: ثم جئتماني لأقضي بينكما؟ ولا والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فرُدَّاها إلي (2).

فما يقول الكاتب في أمثال هذه الأخبار الصحيحة عند القوم؟

 

(1) هو حاجب عمر بن الخطاب.

(2) صحيح مسلم 4/1377.

 

558 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

ألا تدل روايتها في صحاحهم على أن نيَّات كُتَّابها لم تكن سليمة؟
ألا يدل ذلك على أن أهل بخارى وسمرقند ونيسابور وترمذ وسجستان وغيرها أرادوا تشويه علاقات الصحابة مع أهل البيت عليهم السلام ؟
الجواب يعرفه الكاتب وكل من صدَّق كلامه واغترَّ به.
 

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب