كتب السمـاوية ........................................................................................ 397

قال الكاتب: 2 - صحيفة الناموس: عن الرضا رضي الله عنه في حديث علامات الإمام قال: وتكون صحيفة عنده فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة. انظر بحار الأنوار 25/117، ومجلد 26 ففيه روايات أخرى.
وأنا أتساءل: أية صحيفة هذه التي تتسع لأسماء الشيعة إلى يوم القيامة ؟؟!! لو سجلنا أسماء شيعة العراق في يومنا هذا لاحتجنا إلى مائة مجلد في أقل تقدير. فكيف لو سجلنا أسماء شيعة
إيران والهند وباكستان وسورية ولبنان ودول الخليج وغيرها؟ بل كم نحتاج لو سجلنا أسماء جميع الذين ماتوا من الشيعة وعلى مدى كل القرون التي مضت منذ ظهور التشيع وإلى عصرنا...
إلى آخر ما قاله الكاتب في استبعاد أو استحالة اشتمال كتاب واحد على هذه الأسماء الكثيرة جداً.

وأقول: بغض النظر عن أسانيد تلك الروايات التي تذكر هذه الصحيفة

398 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

المشتملة على أسماء شيعة أهل البيت عليهم السلام وأسماء أعدائهم، فيمكننا الإجابة على ما أشكل به الكاتب بأمور:
1- أن الظاهر من بعض الأخبار أن أسماء الشيعة مكتوبة في صحائف كثيرة، لا في صحيفة واحدة، بل في بعضها أنها مكتوبة في حِمْل بعير.

فقد روى محمد بن حسن الصفار في كتابه ( بصائر الدرجات ) بسنده عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: لما وَادَع الحسن عليه السلام معاوية وانصرف إلى المدينة صحبته في منصرفه، وكان بين عينيه حمل بعير لا يفارقه حيث توجَّه، فقلت له ذات يوم: جُعلتُ فداك يا أبا محمد، هذا الحِمْل لا يفارقك حيث ما توجهت؟ فقال: يا حذيفة أتدري ما هو؟ قلت: لا. قال: هذا الديوان. قلت: ديوان ماذا؟ قال: ديوان شيعتنا ، فيه أسماؤهم. قلت: جعلت فداك فأرني اسمي قال: اغد بالغداة. قال: فغدوت إليه ومعي ابن أخ لي، وكان يقرأ ولم أكن أقرأ، فقال: ما غدا بك؟ قلت: الحاجة التي وعدتني. قال: ومَن ذا الفتى معك؟ قلت: ابن أخ لي، وهو يقرأ ولستُ أقرأ. قال: فقال لي: اجلس. فجلست، فقال: عليَّ بالديوان الأوسط. قال: فأُتي به، قال: فنظر الفتى فإذا الأسماء تلوح، قال: فبينما هو يقرأ إذ قال: هو يا عماه، هو ذا اسمي. قلت: ثكلتك أمك انظر أين اسمي؟ قال: فصفح ثم قال: هو ذا اسمك. فاستبشرنا، واستشهد الفتى مع الحسين بن علي عليه السلام (1).
فإذا كانت هذه الصحائف حمل بعير، وأسماء الشيعة مكتوبة مجرّدة عن كل شيء، فلا امتناع في كونها حاوية على أسماء الشيعة كلهم.

2- لعل المراد بالشيعة هم الموالون لهم حقيقةً المتَّبِعون لأحكامهم عليهم السلام، لا كل من وُلد من أبوين شيعيين، فالشيعة المكتوبة أسماؤهم هم الذين وصفهم الإمام الصادق عليه السلام بقوله: شيعتنا أهل الهدى وأهل التقى وأهل الخير وأهل الإيمان وأهل الفتح والظفر.

 

(1) بصائر الدرجات، ص 192.

 
 

كتب السمـاوية ........................................................................................ 399

وعنه عليه السلام قال: إياك والسَّفَلة، فإنما شيعة عليٍّ من عفَّ بطنه وفرجه، واشتدَّ جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر.
وعنه عليه السلام قال: إن شيعة علي كانوا خمص البطون، ذبل الشفاه، أهل رأفة وعلم وحلم، يُعرفون بالرهبانية، فأعينوا على ما أنتم عليه بالورع و الاجتهاد (1).
والشيعة الموصوفون بهذه الصفات هم الكُمَّل من الشيعة، وليسوا هم بدرجة من الكثرة التي صوَّرها الكاتب، فلا يستبعد أن تكون أسماؤهم مكتوبة في حمل بعير من الكتب.

3- أن أهل السنة رووا في كتبهم ما هو أدهى من ذلك وأعظم، فقد رووا في كتبهم أن النبي (ص) أخرج للناس كتابين فيهما أسماء كل أهل الجنة، وأسماء كل أهل النار، ولا ريب في أن هذين الكتابين سيكونان حاويين لكل أسماء من خلقهم الله سبحانه وتعالى منذ أن خلق الخليقة، لأن كل واحد من الناس إما أن يكون في الجنة أو في النار، وهذا أعظم من الكتاب الذي أنكره الكاتب.

فقد أخرج الترمذي في سننه، وأحمد في مسنده، والطبراني في معجمه الأوسط، وأبو نعيم في حليته، وغيرهم، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: خرج علينا رسول الله (ص) وفي يده كتابان، فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟ فقلنا: لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا. فقال للذي في يده اليمنى: هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، فلا يُزاد فيهم ولا يُنقص منهم أبداً. ثم قال للذي في شماله: هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، فلا يُزاد فيهم ولا يُنقص منهم أبداً. فقال أصحابه: ففيمَ العمل يا رسول الله إن كان أمْرٌ قد فُرغ منه؟ فقال: سَدِّدوا وقاربوا، فإن صاحب الجنة يُختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أيَّ عمل، وإن صاحب النار

 

(1) الكافي 2/233.

 
 

400 ............................................................................... لله وللحقيقة الجزء الثاني

يخُتم له بعمل أهل النار وإن عمل أيَّ عمل. ثم قال رسول الله (ص) بيديه فنبذهما، ثم قال: فرغ ربكم من العباد، فريق في الجنة وفريق في السعير.

قال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب صحيح (1).

ولنا ههنا أن نسأل الكاتب وغيره من أهل السنة: أين صار هذان الكتابان بعد وفاة النبي(ص)؟

ألا يمكن أن يحتفظ بهما أهل بيته ويبقيان عندهم يتوارثونهما، وفيهما أسماء شيعتهم وأسماء أعدائهم؟

4- لو كان المراد بالشيعة هم كل هؤلاء الذين ذكرهم الكاتب فلا استحالة في أن يكون كتاب واحد حاوياً لكل أسمائهم على كثرتها، إذ يحتمل أن يكون مثل هذا الكتاب مكتوباً لا بالطريقة التي نكتب بها كتبنا الآن حتى لا نتصور استيعاب كتاب واحد لكل هذه الأسماء الكثيرة ، أو لعله كان حاوياً لكل تلك الأسماء بنحو الإعجاز.

وبهذا يمكن تصحيح اشتمال هذا الكتاب وكتابَي النبي (ص) على كل تلك الأسماء الكثيرة مع صغر أحجام هذه الكتب.

 

(1) سنن الترمذي 4/449. مسند أحمد بن حنبل 2/167. مجمع الزوائد 7/187. تفسير الطبري 25/7. تفسير القرآن العظيم 4/107. حلية الأولياء 5/168. جامع العلوم والحكم 1/59. كتاب السنة لابن أبي عاصم 1/154 وعلق عليه الألباني بقوله: إسناده حسن، وهو مخرج في الصحيحة (848). سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/503. الفتح الكبير للنبهاني 1/40. صحيح الجامع الصغير وزيادته 1/79 وقال الألباني: صحيح.

 
 
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب