بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقدم لكم هذا الموضوع الذي كتبه د.أيمن محمد الجندى ونشر في موفع إسلام أون لاين وأترك لكم التعليق عليه وعنوان الموضوع مأخوذ من مقالة الدكتور
حينما تتحول " فوبيا التشيع " إلى هوس !
كتبت مقالا عن السيدة فاطمة الزهراء فاتهمني أحد القراء بالتشيع في تعليق له على الموضوع، وطالب بالتحري عن ميولي الخفية!! هكذا صارت الكتابة عن بنت الرسول تهمة!! فيا رب صبرنا على ما ابتلينا به.. كنا مرتاحين من المشكلة الشيعية، خصوصا وعندنا من المشاكل ما يكفينا.. فمصر كتلة سنية خالصة لا تعرف عن الشيعة سوى أنهم هؤلاء الذين حكمونا منذ ألف عام ثم رحلوا بعد أن تركوا لنا الأزهر وفوانيس رمضان!!
منذ ذلك الحين لم تتغير تركيبة الشعب المصري السني واستحال اختراقهم، وخصوصا أن بضاعة الشيعة في حب آل البيت تشبه بيع الماء في حارة السقايين، فنحن –والحمد لله– لا يبارينا شعب في التعلق بآل البيت، لدرجة أننا سمينا أحياء بأكملها بالسيدة والحسين، ومن أغضبتها ضرة كنست عليها مسجد السيدة، حركة كفاية نفسها كنست مسجد السيدة زينب على الحكومة في مشهد رمزي خطف القلوب، خصوصًا حين رأى المصريون –والدموع تبلل عيونهم– صفوة المجتمع من كهول وشيوخ ونساء أرستقراطيات يحملن المقشات على رءوسهن متجهين إلى مسجد رئيسة الديوان!!
تقاليد عمرها من عمر الإسلام، حين خرج المصريون على بكرة أبيهم لاستقبال السيدة زينب بالشموع والدموع، عانقتها النساء، وتطلع الرجال إلى ميراث النبوة في الحفيدة المباركة.. منذ ذلك الحين وقع المصريون في غرام آل البيت كسمكة (تتلعبط) في شباك لا فكاك منه.. كم احترقت قلوب في عشق الحسين!! حتى الريف المصري اختلطت سماحته بحب آل البيت، واخضر عود النعناع في كل غيط، وهو يعلم أنه سيعطر كوب الشاي الذي سيشربه المداحون في الأمسيات الحافلة بالذكر والمديح.
هذا لا يعني أن الشيعة على حق، على الأقل من وجهة نظري أنا كمسلم يعتنق العقيدة السنية، ولكي تكون الأمور مدققة فإننا يجب أن نحدد المصطلح أولا: السني هو ذلك المسلم الذي يعتقد أن الرسول لم يوص لأحد من أصحابه بخلافته، في حين يكون الشيعي هو ذلك (المسلم) الذي يعتقد أن الرسول أوصى لعلي بخلافته وصية جازمة يعرفها جميع المسلمين القاصي منهم والداني. بذلك المفهوم اعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية المذهب الزيدي مذهبا سنيا لا شيعيا؛ لأنه لا يعتقد أساسا في وجود وصية من النبي لعلي، وبالتالي يوقر ويعترف بصحة خلافة الشيخين من بعده برغم اعتباره عليا أفضل الصحابة، وهي قضية فرعية جدا لا تشكل أي خطورة عقائدية على العاقلين.
وأنا بهذا المفهوم سني المذهب تماما؛ لأنني لا أعتقد وجود أي وصية من الرسول للإمام علي رضي الله عنه، بالتأكيد كان الرسول يحبه حبا جما، بل كان في اعتقادي أحب الناس إليه، وكانت الوسيلة المؤكدة لجلب غضبه (نعوذ بالله من غضب رسول الله) أن ينتقده أحد أمامه حتى لو كان من كبار الصحابة كالزبير رضي الله عنه. لكنه كان يحب أن يختاره المسلمون –إذا اختاروه- بإرادتهم الحرة وليس بوصية منه، والحق أن الرسول لم يحذر من شيء حذره أن يظن بالدعوة أنها هاشمية، وكان يحرص على تأكيد الصبغة العالمية للإسلام، وفي كل الأحوال "يصعب بلع أن تكون خلافة علي ركنا من أركان الإسلام" (كما يعتقد الشيعة الإمامية) ثم لا تذكر في القرآن بوضوح، ولو بدون تفصيل، كما ذكر الصوم والصلاة!!.
نعم، بكل تأكيد أؤمن أن الرسول لم يوص لعلي بخلافته، هذا يهدم فكرة الإمامية من أساسها، وإنه –والله– ليدهشني جدا ألا يفطن إخواننا الإمامية –رغم عقلهم الرشيد– إلى جو الأساطير في تلك القضية، عصمة الأئمة وعلمهم اللدني، وموضوع السرداب الذي غاب فيه المهدي المنتظر منذ ألف عام، كلها أشياء بعيدة عن نقاء وصفاء ووضوح القرآن الكريم الذي يخلو تماما من هذا الجو المعبأ بالأساطير!.
والخلاصة أن فكرة وصية الرسول للإمام علي ورطتهم في متناقضات كثيرة جر بعضها بعضا، وكان الأفضل هو تبني تفسير الإمام زيد بن علي بن الحسين الذي قال "علي بن أبي طالب أفضل الصحابة، لكن تجوز إمامة المفضول مع وجود الأفضل؛ لأن المسلمين رأوا في خلافة أبي بكر مصلحة لهم في تسكين ثائرة الفتنة وتطييب قلوب العامة، فعهد الحروب كان قريبا وسيف علي لم يجف بعد من دماء قريش، والضغائن موجودة في صدور من طلبوا الثأر.. فما كانت له القلوب تميل ولا الرقاب تنقاد، وكانت المصلحة أن يقوم بهذا الشأن من عرف باللين والتودد، والتقدم بالسن، والقرب من الرسول".
والعجب، كل العجب، أن نجد من يدافع عن الهرقلية الأموية، والسفاحين القتلة من بني أمية الذين كانوا في الفريق الآخر حين حمل الإمام علي -مع أبي بكر وعمر وباقي الصحابة- عبء الرسالة، ولسان حالهم يقول: أغشى الوغى وأعف عند المغنم، حتى ظهر الإسلام وانتشرت الدعوة وكثرت المغانم فسارع الأمويون إلى انتهاب الفرص ولسان حالهم يقول: (أقش) عند المغنم!!.. الشرفاء في مقابل الأدعياء، والأريحية في مواجهة النفعية، هذه ليست قضية دينية فحسب بل قضية عدالة وضمير وإنسانية يتساوى فيها من يؤمن بالإسلام ومن لا يؤمن به.
ليس عجيبا أن يسب هؤلاء إمام الهدى علي المنابر سبعين عاما!!، إنما العجيب أن يجدوا من يدافع عنهم حتى الآن ويحمل المذهب السني أوزارا لا علاقة له بها. لقد أعطيناهم –بحماقة- قضيتهم العادلة التي حفظت بقاء مذهبهم حتى الآن، تطير عقولهم (والحق معهم) حينما يسمعون المديح يكال لمعاوية بن أبي سفيان برغم الدماء الغزيرة التي أريقت في قتاله الإمام علي (وهو خير منه)، والمفاسد السياسية المستمرة حتى اللحظة نتيجة لتوريثه الملك لابنه يزيد وتحويل الخلافة لملك عضوض، وما ترتب على التوريث من ذبح الحسين (وكان يعلم أنه لن يبايع يزيد أبدًا)، وقد كان النبي إذا سمع بكاء الحسين عاتب أمه لأن بكاءه يؤذيه!!
لماذا نقبل أن نهدر عقولنا وتنتفخ أوداجنا إذا ذكروه بسوء؟، هل اتخذ عند الله عهدا أن يفعل ما يشاء بحجة أنه صحابي!!! وهل كان الرسول يرضى عن أفعال شقت عصا الأمة!.
والعدل يقول إننا إذا كنا نطلب من الشيعة –والحق معنا– احترام مشاعرنا فيما يتعلق بكبار الصحابة، فمن حقهم أن يطالبونا بنفس الشيء ونكف عن تمجيد القتلة من بني أمية.
والمذهب الجعفري ليس قولا واحدا ولكنه أقوال مختلفة فإذا وجدنا رواية تقول إنه زعم أن في القرآن نقصا وأخرى تكفر قائل هذا القول فإن الحق يلوح في الثانية.. وإن هذه الأقوال التي تخالف إجماع جماهير المسلمين ليست كثيرة ولذلك يقرر أن الفقه "الإثنا عشري" ليس بعيدا كل البعد عن فقه أهل الأمصار، وفي الناحية المقابلة فإذا كان إخواننا من الأمامية يرون أمر الإمامة عقيدة ويرتبونها ترتيبا تاريخيا بالصورة التي ذكروها فهم معنا في أصل التوحيد والرسالة المحمدية، وإنا لنرجو ملحين في الرجاء ألا يعتبروا عدم أخذنا بهذا الجزء من الاعتقاد موجبا لنقص إيماننا أو موجبا لتأثيمنا، وأن يعلنوا هذا على الملأ من الأمة ويخطئوا الكتب التي كتبت في هذا أو على الأقل يعلنوا عدم الأخذ بها وبذلك تتلاقى القلوب على مودة وإيمان، فإن الخصومة يجب ألا تورث"..
يؤكد الشيخ أيضا أن في الآراء الفقهية التي وصلت إليها الزيدية والإمامية ما يصح الأخذ به ويكون علاجا لبعض أدوائنا الاجتماعية وهو في ذاته لا يخالف كتابا ولا سنة، كما يؤكد أن للحكم الأموي أثرًا في اختفاء بعض مرويات الإمام علي وفقهه في كتب السنة؛ لأنه من غير المعقول أن يلعنوه على المنابر ويتركوا العلماء يتحدثون بعلمه.
كما يجب ألا يصدنا عن علمهم أمور نفسية كسب الصحابة الكرام فعلينا أن نتذكر أنها أقوال منحرفين يبوءون بإثمها إلى يوم القيامة تبرأ منها السادة حتى أن جعفر الصادق استحل دماء من يلعن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. كما تبرأ جده علي زين العابدين وأبوه محمد الباقر من سب أبي بكر وعمر وعثمان وقد روى ذلك من الشيعة الجعفرية جابر الجعفي، وكان الباقر يستشهد بأعمال أبي بكر وعمر، وإذا كان كثيرون ممن يدعون الانتماء "للإثني عشرية" لا يوالون أبا بكر وعمر فإن بعضهم يؤكدون وجوب احترامهما؛ لأن الإمام علي صلى خلفهم وبايعهم وأنكحهم وأكل معهم.
يؤكد الشيخ أن الخلاف بين الجعفرية وغيرهم كالاختلاف بين الحنفية والشافعية.. يجب أن يؤمن كل صاحب مذهب أن رأيه صواب يحتمل الخطأ ورأي غيره خطأ يحتمل الصواب.. فإذا حلت المذهبية محل الطائفية أصبح لكل إنسان أن يعتنق من الآراء الفكرية ما يشاء فيكون للجعفري أن يختار من الحنفي وللشافعي أن يختار من الجعفري ذلك أن المذهبية لا عيب من التنقل الفكري فيها، أما الطائفية فإنها تورث مع الدم فيكون ابن الشيعي شيعيا وابن الزيدي زيديا وهكذا.. وليت معتنقيه أيضا ينظرون إليه أنه مذهب وليس طائفة بحيث يكون اختيارا وليس وراثة. (انتهى مع تصرف في الصياغة ودقة وأمانة في نقل المعاني).
اللهم رد أهل السنة إلى حب وتوقير آل بيت رسول الله، واهد إخواننا الشيعة إلى معرفة قدر الصحابة الأجلاء أبي بكر وعمر وعثمان كما عرفوا قدر ومقام الإمام علي رضي الله عنه.. واهدنا يا رب ولا تضلنا، واجمعنا ولا تفرقنا، واحقن دماء المسلمين واحفظ أعراضهم واحشدهم صفا في مواجهة أعدائهم.
اللهم آمين، اللهم استجب.
المصــــــــــــــــــــــدر
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقدم لكم هذا الموضوع الذي كتبه د.أيمن محمد الجندى ونشر في موفع إسلام أون لاين وأترك لكم التعليق عليه وعنوان الموضوع مأخوذ من مقالة الدكتور
حينما تتحول " فوبيا التشيع " إلى هوس !
كتبت مقالا عن السيدة فاطمة الزهراء فاتهمني أحد القراء بالتشيع في تعليق له على الموضوع، وطالب بالتحري عن ميولي الخفية!! هكذا صارت الكتابة عن بنت الرسول تهمة!! فيا رب صبرنا على ما ابتلينا به.. كنا مرتاحين من المشكلة الشيعية، خصوصا وعندنا من المشاكل ما يكفينا.. فمصر كتلة سنية خالصة لا تعرف عن الشيعة سوى أنهم هؤلاء الذين حكمونا منذ ألف عام ثم رحلوا بعد أن تركوا لنا الأزهر وفوانيس رمضان!!
منذ ذلك الحين لم تتغير تركيبة الشعب المصري السني واستحال اختراقهم، وخصوصا أن بضاعة الشيعة في حب آل البيت تشبه بيع الماء في حارة السقايين، فنحن –والحمد لله– لا يبارينا شعب في التعلق بآل البيت، لدرجة أننا سمينا أحياء بأكملها بالسيدة والحسين، ومن أغضبتها ضرة كنست عليها مسجد السيدة، حركة كفاية نفسها كنست مسجد السيدة زينب على الحكومة في مشهد رمزي خطف القلوب، خصوصًا حين رأى المصريون –والدموع تبلل عيونهم– صفوة المجتمع من كهول وشيوخ ونساء أرستقراطيات يحملن المقشات على رءوسهن متجهين إلى مسجد رئيسة الديوان!!
تقاليد عمرها من عمر الإسلام، حين خرج المصريون على بكرة أبيهم لاستقبال السيدة زينب بالشموع والدموع، عانقتها النساء، وتطلع الرجال إلى ميراث النبوة في الحفيدة المباركة.. منذ ذلك الحين وقع المصريون في غرام آل البيت كسمكة (تتلعبط) في شباك لا فكاك منه.. كم احترقت قلوب في عشق الحسين!! حتى الريف المصري اختلطت سماحته بحب آل البيت، واخضر عود النعناع في كل غيط، وهو يعلم أنه سيعطر كوب الشاي الذي سيشربه المداحون في الأمسيات الحافلة بالذكر والمديح.
هيستريا التشيع
وجاء الغزاة الجدد، وتغير المناخ في مصر فجأة: صار حب آل البيت تهمة!! وأصبح الواحد منا يحذر أن يكتب مقالا عن الزهراء أو يمدح عليا، أو يبكي الحسين.. امتلأت الساحة بنوعيات عجيبة من البشر، تمتلئ بالشك والتربص، والريبة والاتهام، وبدأنا نسمع كلمة الشيعة والتشيع بكثرة حتى تحول الأمر إلى هستيريا حقيقية، وكأن إنسانا محبا لآل البيت هو شيعي محتمل يجب قمعه والحذر منه، مع أن وقود الفتنة بترول!! هذه المصادفة الجغرافية التي جعلت منابع البترول تتدفق تحت أقدام الشيعة في الخليج والعراق وإيران.هذا لا يعني أن الشيعة على حق، على الأقل من وجهة نظري أنا كمسلم يعتنق العقيدة السنية، ولكي تكون الأمور مدققة فإننا يجب أن نحدد المصطلح أولا: السني هو ذلك المسلم الذي يعتقد أن الرسول لم يوص لأحد من أصحابه بخلافته، في حين يكون الشيعي هو ذلك (المسلم) الذي يعتقد أن الرسول أوصى لعلي بخلافته وصية جازمة يعرفها جميع المسلمين القاصي منهم والداني. بذلك المفهوم اعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية المذهب الزيدي مذهبا سنيا لا شيعيا؛ لأنه لا يعتقد أساسا في وجود وصية من النبي لعلي، وبالتالي يوقر ويعترف بصحة خلافة الشيخين من بعده برغم اعتباره عليا أفضل الصحابة، وهي قضية فرعية جدا لا تشكل أي خطورة عقائدية على العاقلين.
وأنا بهذا المفهوم سني المذهب تماما؛ لأنني لا أعتقد وجود أي وصية من الرسول للإمام علي رضي الله عنه، بالتأكيد كان الرسول يحبه حبا جما، بل كان في اعتقادي أحب الناس إليه، وكانت الوسيلة المؤكدة لجلب غضبه (نعوذ بالله من غضب رسول الله) أن ينتقده أحد أمامه حتى لو كان من كبار الصحابة كالزبير رضي الله عنه. لكنه كان يحب أن يختاره المسلمون –إذا اختاروه- بإرادتهم الحرة وليس بوصية منه، والحق أن الرسول لم يحذر من شيء حذره أن يظن بالدعوة أنها هاشمية، وكان يحرص على تأكيد الصبغة العالمية للإسلام، وفي كل الأحوال "يصعب بلع أن تكون خلافة علي ركنا من أركان الإسلام" (كما يعتقد الشيعة الإمامية) ثم لا تذكر في القرآن بوضوح، ولو بدون تفصيل، كما ذكر الصوم والصلاة!!.
نعم، بكل تأكيد أؤمن أن الرسول لم يوص لعلي بخلافته، هذا يهدم فكرة الإمامية من أساسها، وإنه –والله– ليدهشني جدا ألا يفطن إخواننا الإمامية –رغم عقلهم الرشيد– إلى جو الأساطير في تلك القضية، عصمة الأئمة وعلمهم اللدني، وموضوع السرداب الذي غاب فيه المهدي المنتظر منذ ألف عام، كلها أشياء بعيدة عن نقاء وصفاء ووضوح القرآن الكريم الذي يخلو تماما من هذا الجو المعبأ بالأساطير!.
الأفضل والمفضول
لقد ترتب على فكرة الإمامية أشياء خطيرة جدا، وهي عدم تنفيذ وصية الرسول من قبل الصحابة (في زعمهم)، بما يتناقض مع مديحهم المتكرر في القرآن الكريم (محمد رسول الله والذين معه..) الآيات / (كنتم خير أمة أخرجت للناس..) الآيات.. / (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة)، وهدمت شرعية الخلفاء الراشدين مما يجعلنا نتساءل: أمن المعقول أن محمدا لم يفلح في تربية رجاله!!، وترتب على ذلك معضلة أخرى بالنسبة لهم، وهي أن الإمام علي بايع الخلفاء الثلاثة ونصح لهم وتزاوج معهم، فكيف يتفق هذا مع إهدار وصية الرسول؟، كان المخرج هو فكرة التقية. وهي لعمري تتناقض البتة مع فروسية الإمام علي وقوته الخارقة وثباته فيما يعتقد أنه الحق.والخلاصة أن فكرة وصية الرسول للإمام علي ورطتهم في متناقضات كثيرة جر بعضها بعضا، وكان الأفضل هو تبني تفسير الإمام زيد بن علي بن الحسين الذي قال "علي بن أبي طالب أفضل الصحابة، لكن تجوز إمامة المفضول مع وجود الأفضل؛ لأن المسلمين رأوا في خلافة أبي بكر مصلحة لهم في تسكين ثائرة الفتنة وتطييب قلوب العامة، فعهد الحروب كان قريبا وسيف علي لم يجف بعد من دماء قريش، والضغائن موجودة في صدور من طلبوا الثأر.. فما كانت له القلوب تميل ولا الرقاب تنقاد، وكانت المصلحة أن يقوم بهذا الشأن من عرف باللين والتودد، والتقدم بالسن، والقرب من الرسول".
شرفاء وأدعياء
وتفسيري الخاص لبقاء المذهب الشيعي برغم متناقضاته هو وجود قضية حقيقية عادلة عندهم وهي مظلومية آل البيت، وهي مظلومية حقيقية، وصمة عار في التاريخ الإسلامي، وجرح لا يندمل في وجداننا الجمعي، لقد تم تقطيع لحم آل محمد (يجب أن نسمي الأمور بأسمائها)، ولم تكن هذه هي أفضل وسيلة لرد جميله علينا!! قتلوا الإمام علي بعد أن أضجروه حد تمني الموت!! ثم خذلوا الحسن وذبحوا الحسين ميتة بشعة تقشعر لها الأبدان، وفعلوا الأعاجيب بحفيده زيد، صلبوه بعد موته عامين كاملين، ألا لعنة الله على الظالمين.والعجب، كل العجب، أن نجد من يدافع عن الهرقلية الأموية، والسفاحين القتلة من بني أمية الذين كانوا في الفريق الآخر حين حمل الإمام علي -مع أبي بكر وعمر وباقي الصحابة- عبء الرسالة، ولسان حالهم يقول: أغشى الوغى وأعف عند المغنم، حتى ظهر الإسلام وانتشرت الدعوة وكثرت المغانم فسارع الأمويون إلى انتهاب الفرص ولسان حالهم يقول: (أقش) عند المغنم!!.. الشرفاء في مقابل الأدعياء، والأريحية في مواجهة النفعية، هذه ليست قضية دينية فحسب بل قضية عدالة وضمير وإنسانية يتساوى فيها من يؤمن بالإسلام ومن لا يؤمن به.
ليس عجيبا أن يسب هؤلاء إمام الهدى علي المنابر سبعين عاما!!، إنما العجيب أن يجدوا من يدافع عنهم حتى الآن ويحمل المذهب السني أوزارا لا علاقة له بها. لقد أعطيناهم –بحماقة- قضيتهم العادلة التي حفظت بقاء مذهبهم حتى الآن، تطير عقولهم (والحق معهم) حينما يسمعون المديح يكال لمعاوية بن أبي سفيان برغم الدماء الغزيرة التي أريقت في قتاله الإمام علي (وهو خير منه)، والمفاسد السياسية المستمرة حتى اللحظة نتيجة لتوريثه الملك لابنه يزيد وتحويل الخلافة لملك عضوض، وما ترتب على التوريث من ذبح الحسين (وكان يعلم أنه لن يبايع يزيد أبدًا)، وقد كان النبي إذا سمع بكاء الحسين عاتب أمه لأن بكاءه يؤذيه!!
لماذا نقبل أن نهدر عقولنا وتنتفخ أوداجنا إذا ذكروه بسوء؟، هل اتخذ عند الله عهدا أن يفعل ما يشاء بحجة أنه صحابي!!! وهل كان الرسول يرضى عن أفعال شقت عصا الأمة!.
والعدل يقول إننا إذا كنا نطلب من الشيعة –والحق معنا– احترام مشاعرنا فيما يتعلق بكبار الصحابة، فمن حقهم أن يطالبونا بنفس الشيء ونكف عن تمجيد القتلة من بني أمية.
وسطية الإسلام
وتبقى حكمة الوسطية الإسلامية وشيوخ الأزهر العظام في عصره الذهبي الذين انتصروا للإمام علي (حرام أن نمجد قاتليه ونظلمه حيا وميتا)، ولعلها فرصة أن نتذكر ما قاله الإمام محمد أبو زهرة في سفره الضخم "الإمام الصادق" الذي ناقش فيه باستفاضة أصول المذهب الجعفري، فأثنى كل الثناء على الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه، ولكنه رفض –لأسباب علمية مطولة– نسبة عقيدة الإمامية إليه، ثم قال رحمه الله "خلافنا مع الإمامية خلاف في الرأي والنظر لا في العقيدة والإيمان، خلاف نظري أقرب أن يكون خلافا في وقائع التاريخ كاختلاف المؤرخين في الوقائع والنظر إليها وليس اختلافا في عقيدة لأن اعتقادهم لا يخرجهم من الإسلام.والمذهب الجعفري ليس قولا واحدا ولكنه أقوال مختلفة فإذا وجدنا رواية تقول إنه زعم أن في القرآن نقصا وأخرى تكفر قائل هذا القول فإن الحق يلوح في الثانية.. وإن هذه الأقوال التي تخالف إجماع جماهير المسلمين ليست كثيرة ولذلك يقرر أن الفقه "الإثنا عشري" ليس بعيدا كل البعد عن فقه أهل الأمصار، وفي الناحية المقابلة فإذا كان إخواننا من الأمامية يرون أمر الإمامة عقيدة ويرتبونها ترتيبا تاريخيا بالصورة التي ذكروها فهم معنا في أصل التوحيد والرسالة المحمدية، وإنا لنرجو ملحين في الرجاء ألا يعتبروا عدم أخذنا بهذا الجزء من الاعتقاد موجبا لنقص إيماننا أو موجبا لتأثيمنا، وأن يعلنوا هذا على الملأ من الأمة ويخطئوا الكتب التي كتبت في هذا أو على الأقل يعلنوا عدم الأخذ بها وبذلك تتلاقى القلوب على مودة وإيمان، فإن الخصومة يجب ألا تورث"..
يؤكد الشيخ أيضا أن في الآراء الفقهية التي وصلت إليها الزيدية والإمامية ما يصح الأخذ به ويكون علاجا لبعض أدوائنا الاجتماعية وهو في ذاته لا يخالف كتابا ولا سنة، كما يؤكد أن للحكم الأموي أثرًا في اختفاء بعض مرويات الإمام علي وفقهه في كتب السنة؛ لأنه من غير المعقول أن يلعنوه على المنابر ويتركوا العلماء يتحدثون بعلمه.
كما يجب ألا يصدنا عن علمهم أمور نفسية كسب الصحابة الكرام فعلينا أن نتذكر أنها أقوال منحرفين يبوءون بإثمها إلى يوم القيامة تبرأ منها السادة حتى أن جعفر الصادق استحل دماء من يلعن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. كما تبرأ جده علي زين العابدين وأبوه محمد الباقر من سب أبي بكر وعمر وعثمان وقد روى ذلك من الشيعة الجعفرية جابر الجعفي، وكان الباقر يستشهد بأعمال أبي بكر وعمر، وإذا كان كثيرون ممن يدعون الانتماء "للإثني عشرية" لا يوالون أبا بكر وعمر فإن بعضهم يؤكدون وجوب احترامهما؛ لأن الإمام علي صلى خلفهم وبايعهم وأنكحهم وأكل معهم.
يؤكد الشيخ أن الخلاف بين الجعفرية وغيرهم كالاختلاف بين الحنفية والشافعية.. يجب أن يؤمن كل صاحب مذهب أن رأيه صواب يحتمل الخطأ ورأي غيره خطأ يحتمل الصواب.. فإذا حلت المذهبية محل الطائفية أصبح لكل إنسان أن يعتنق من الآراء الفكرية ما يشاء فيكون للجعفري أن يختار من الحنفي وللشافعي أن يختار من الجعفري ذلك أن المذهبية لا عيب من التنقل الفكري فيها، أما الطائفية فإنها تورث مع الدم فيكون ابن الشيعي شيعيا وابن الزيدي زيديا وهكذا.. وليت معتنقيه أيضا ينظرون إليه أنه مذهب وليس طائفة بحيث يكون اختيارا وليس وراثة. (انتهى مع تصرف في الصياغة ودقة وأمانة في نقل المعاني).
اللهم رد أهل السنة إلى حب وتوقير آل بيت رسول الله، واهد إخواننا الشيعة إلى معرفة قدر الصحابة الأجلاء أبي بكر وعمر وعثمان كما عرفوا قدر ومقام الإمام علي رضي الله عنه.. واهدنا يا رب ولا تضلنا، واجمعنا ولا تفرقنا، واحقن دماء المسلمين واحفظ أعراضهم واحشدهم صفا في مواجهة أعدائهم.
اللهم آمين، اللهم استجب.
المصــــــــــــــــــــــدر