باسمه تعالى
بحث حول بعض المفطرات :
القول في أن إيصال الغبار إلى الحلق مفطر:
وقد قال بذلك جملة من الفقهاء لا سيما المتأخرون وإن على سبيل الاحتياط الوجوبي كما الحقوا به الدخان الغليظ وبخار القدر ونحوه.
ومن القائلين بذلك من السابقين المحقق الكركي الذي قال في جامع المقاصد: ( ولا بأس بإلحاق الدخان الذي يحصل منه أجزاء....) .
وقال الشهيد الثاني في المسالك (وألحق به بعض الأصحاب الدخان الغليظ وبخار القدر ونحوه. وهو حسن إن تحقق معهما جسم)
ويلاحظ في القولين عبارة: (ولا بأس ) كما قال المحقق وعبارة (وهو حسن ) كما قال الشهيد.
وفي العبارتين إشعار واضح بالاستحسان وليس بالاستناد إلى دليل.
وبعض العلماء كالمحقق الحلي توقف في الحكم كما في كتابة المعتبر لضعف الرواية المستند إليها ولان الغبار ليس كالأكل والشرب وإن استظهر الفساد في كتابة الشرائع.
ونقل الشيخ الطوسي في كتابة المنتهى عن السيد المرتضى القول بعدم فساد الصوم لكونه يشترط الاعتياد في المأكول .وكما هو واضح فإن الغبار سواء الغليظ أو غيره ليس من معتاد المأكول.
وقال السيد محمد ألعاملي في مدارك الإحكام: ( أحتج القائلون بالفساد بأن أوصل إلى جوفه ما ينافي الصوم فكان مفسداً له وبما رواه الشيخ عن سليمان المروزي قال : سمعته يقول : إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان ، أو استنشق متعمداً، أو شم رائحة غليظة، أو كنس بيتاً فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين فإن ذلك له فطر مثل الأكل والشرب والنكاح .)
وهكذا تبين أن القائلين بفساد الصوم بالغبار الغليظ وما ألحق به إنما استندوا إلى حجتين:
• الأولى: إيصال ما ينافي الصوم إلى الحلق أو الجوف.
• الثانية: رواية سليمان المروزي.
وقد رد صاحب المدارك على الحجتين:
أولاً: بالمنع من كون مطلق الإيصال مفسداً للصوم (بل المفسد الأكل والشرب وما في معناهما)
ثانيا: على الرواية :
أولاً بالطعن في السند باشتماله على عدة من المجاهيل مع جهالة القائل.
وثانياُ باشتمالها على ما أجمع الأصحاب على خلافه من ترتب الكفارة على مجرد المضمضة والاستنشاق وشم الرائحة الغليظة.
وثالثاً بأنها معارضة بالرواية الموثقة عن عمرو بن سعيد عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الصائم يدخن بعود أو بغير ذلك فيدخل الدخنة في حلقة قال لا بأس وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقة قال( لا بأس) وقد نقل المحقق السبزواري في ذخيرة المعاد قول صاحب الشرائع عن أن الأظهر التحريم وفساد الصوم بإيصال الغبار الغليظ إلى الحلق .ثم عقب ..(السبزواري).. بقوله: والأقرب عندي عدم الإفساد لصحيحة محمد بن مسلم الدالة على حصر ما يضر الصايم في الأشياء الأربعة وبرواية عمرو بن سعيد عن الرضا (ع).
وقال السيد عبدالله الجزائري في كتابة التحفة السنية:
(ومنهم من ألحق بهما البخار الغليظ كبخار القدر ومورد الرواية المانعة ..( يقصد رواية سليمان المروزي الضعيفة).. فيما وقفت عليه إنما هو الغبار وأما الدخان فليس له ذكر في الأخبار إلا في موثقة ابن فضال عن عمرو بن سعيد عن الرضا (ع) قال سألته عن الصائم يتدخن بعود أو غير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه فقال جايز لا بأس به وهي صريحة في الرخصة من غير معارض وشاملة بعمومها لدخان الحشيشة المعروفة بالتتن المعمولة في هذه الأعصار وإن كانت من محدثات الأمور. فما يحكى من بعض المعاصرين وغيرهم من الحكم بفساد الصوم به ووجوب القضاء والكفارة بذلك ليس من القول بغير دليل بل قول بما قام الدليل الخاص على خلافه).
وأورد صاحب الحدائق الناضرة الشيخ البحراني على الموضوع بالتالي:
• ذكر أن القائلين بفساد الصوم بإيصال الغبار وما ألحق به إلى الحلق إنما اعتمدوا على رواية سليمان المروزي. وطعن بالرواية المذكورة من وجوه:
1. جهالة السائل والمسؤول في الرواية الضعيفة بالرواية الموثقة عن عمرو بن سعيد عن الرضا (ع) حيث لا دليل على أن المسؤول هو الإمام (ع) والسائل مجهول فلا يعرف من هو وأنه ممن يوثق بدينة فلا يمكن جبر الرواية بأي حال.
2. معارضة هذه الرواية الضعيفة بالرواية الموثقة عن عمرو بن سعيد عن الرضا (ع) حيث أجاب بان التدخين جايز لا بأس به... .
3. رد على من حاول الجمع بين الروايتين كصاحب الوسائل بعدم صحة هذا الجمع.
4. وجود الرواية الصحيحة عن محمد بن مسلم الدالة على أنه لا يضر الصائم ما صنع إذا أجتنب أربع خصال: الطعام والشراب والنساء والإرتماس.
5. موثقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله (ع) أن علياً عليه السلام سئل عن الذباب يدخل حلق الصائم ؟ قال ليس عليه قضاء لأنه ليس بطعام. وفي رده عمن ألحق الدخان الغليظ والبخار بالغبار قال ما معناه أن لا دليل على الملحق به أي على الإفساد بالغبار فكيف بالدخان والبخار؟
أما المحقق النراقي في مستنده فقال ما مفاده:
1. أن الغبار يفسد الصوم إذا صدق عليه صفة أكل التراب .
2. لا يفسد الصوم بدخول الدخان للحلق للأصل وللموثقة المتقدمة.
3. لأحوط الإجتتناب عن شرب التتن لعلتين:
أ- لإستمرار طريقة الناس عليه.
ب- إطلاق الشرب عند العرب عليه.
وسيأتي ردود بعض العلماء اللاحقين على هاتين العلتين .
وصاحب جواهر الكلام مع اعترافه بعدم تمامية الدليل على الإفساد بالغبار وما ألحق به إلا أنه عاد وقوى القول بالإفساد باعتبار:
1. أنها أجزاء وصلت إلى الجوف بالحلق.
2. عدم اعتبار الاعتياد بالمفطر
3. لسلب أسم الصائم في عرف المتشرعة عن مستعمل التنباك.
4. يمكن تأويل الموثقة بأنها أرادت وصول الدخنة إلى الحلق بالاتفاق وليس بالقصد.
= ويلاحظ على كلامه التبرع بتأويلات لا مساعد عليها وقد يأتي بعض التفصيل.
والشيخ الأنصاري أستظهر الاجتناب عن دخان التتن لأنه شيء قضت به سيرة المسلمين ومراعاة الاحتياط بالدين.
وصاحب مصباح الفقيه أقا رضا الهمداني قال:
1. الأظهر فساد الصوم بالغبار الغليظ.
2. الأظهر عدم بطلان الصوم بالغبار الرقيق وفاقاً للأكثر.
3. الأقوى عدم بطلان الصوم في البخار والدخان للأصل ولموثقة عمرو بن سعيد.
أما السيد محسن الحكيم في مستمسكة فأفاد:
1. ظهور الإشكال في البناء على مفطرية التتن ، وكونه يقوم مقام القوت وأشد من الغبار غير واضح.
2. الاحتجاج بسيرة المسلمين على الاجتناب عنه غير تام لانقطاع السيرة المذكورة وعدم اتصالها بالمعصوم .
3. القول أنه ماح لصورة الصوم بحسب المتشرعة غير تام أيضاً لأن القول أن ارتكاز المتشرعة حجة هو أول الكلام ومما يحتاج إلى إثبات.
4. بل إن سيرة المسلمين بالدخول إلى الحمامات في نهار رمضان وعدم تحرزهم عن البخار الكثيف دليل على الجواز عندهم ولا مانع من التعدي إلى الدخان لتناسبهما.
والسيد مصطفى الخميني في كتابة الصوم قال ما مفاده وملخصه:
1. أنه لا يصدق الشرب على التدخين .
2. استعمال لفظ الشرب في زماننا لا يكشف عن صحة إطلاق هذا اللفظ فإن الاستعمال أعم والحق أنه تدخين وليس بشرب.
3. صحيحة محمد بن مسلم القائلة لا يضر الصائم ما إذا اجتنب أربع خصال يستفاد منها انصراف الشرب المذكور منها عن التدخين.
4. موثقة عمرو بن سعيد أفادت جواز التدخين ولعل في قوله عليه السلام : جايز لا بأس به عناية.
5. القول أنه ماح لصورة الصوم وأن السيرة القائمة في زماننا على أنه يضر بالصوم، وأنه أقوى لبعض المعتادين من الأكل والشرب. كل هذا وغيره لا يخلو من مناقشة واضحة.
6. إدعاء بعض العلماء من منع الشرع في الصوم من إدخال أي شيء في الجوف: يحتاج إلى معالجة معارضته مع الموثقة لكن طبعاً بعد ثبوت هذا الإدعاء واستخراجه من الإدالة.
7. لك أن تجعل من ثمرات هذا البحث أن من يعتاد على التدخين بحيث لولاه لا يقدر على الصوم ومعه يتمكن منه فإن الأظهر صحة الصوم منه ، والإفتاء حينئذٍ بعدم وجوب الصوم على مثل هذا غير صحيح وخلاف للاحتياط جزماً.
ومما قاله السيد الخوئي في كتاب الصوم :
1. لا يصدق الشرب على البخار عرفاً.
2. استقرار سيرة المسلمين على عدم تجنبهم عن البخار لدخولهم الحمامات في شهر رمضان حتى لو كان البخار غليظاً وهذه سيرة قطعية متصلة بزمن المعصومين (ع) وعدم ردعهم عنها الكاشف عن إمضائهم وهذا كافٍ بالحكم بالجواز.
3. دعوى أن كل ما يدخل جوف الإنسان ومنه الدخان يكون مفطراً ليس له شاهد إذا لا دليل على البطلان.
4. يمكن إقامة الدليل على عدم البطلان عبر موثقة عمر بن سعيد حيث قال فيها: فتدخل الدخنة في حلقة فقال جائز لا بأس به.
5. القول أن سيرة المتشرعة على التحرز عن الدخان من مثل التنباك والتتن حال الصوم بحيث أصبح البطلان به كالمرتكز في أذهانهم بل قد يدعى بلوغ تناوله حد الاستبشاع حداً يلحقه بمخالفة الضروري هذا القول والتعويل على مثل هذه السيرة والارتكاز مشكل جداً لعدم إحراز الاتصال بالمعصومين (ع).
6. لم يبق لدينا دليل يعتمد عليه في الحكم بالمنع بعد وضوح عدم صدق الأكل والشرب عليه فمقتضى القاعدة هو الجواز وإن كان الاحتياط بالاجتناب مما لا ينبغي تركه رعاية للسيرة المذكورة.
وخلاصة ما قاله السيد محمد صادق الروحاني في فقهه:
فالأظهر بحسب الأدلة عدم مفطرية شرب التتن وما شاكل لكن... الاحتياط بتركه لا يترك.
وخلاصة القول في المسألة:
أن القائلين بمفطرية الغبار الكثيف أو الرقيق والدخان والبخار إنما استندوا إلى الآتي:
1. رواية سليمان المروزي التي ذكرها الشيخ ونصها:
( قال: سمعته يقول : إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق
متعمداً، أو شم رائحة غليظة، أو كنس بيتاً فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه
صوم شهرين متتابعين فإن ذلك له فطر مثل الأكل والشرب والنكاح).
2. أنه أوصل إلى جوفه ما ينافي الصوم.
3. استمرار طريقة الناس على الاجتناب عن شرب التتن.
4. إطلاق الشرب عند العرب عليه.
5. لسلب اسم الصائم وأنه ماح لصورة الصوم.
6. يمكن تأويل الموثقة بأنها أرادت الجواز مع عدم القصد.
7. مراعاة الاحتياط في الدين
8. بلوغ تناول الدخان حد الاستبشاع بنحو يلحقه بمخالفة الضروري.
= ويرد على ذلك:
1. إن رواية سليمان المروزي ضعيفة وساقطة عن الاعتبار لجهالة القائل والمقال
له فلا يعرف المتحدث هل هو الإمام أم شخص آخر ولا يعرف السامع أو السائل.
إن قيل أن عمل الفقهاء بها جابر لضعفها كما هو متعارف في الروايات التي يضمر فيها المسؤول والمتحدث فالجواب : أن هذه الرواية لا يمكن جبرها بعمل العلماء لأن المتسالم أن الرواية المرسلة أو المضمرة إنما تجبر بالعمل.بعد كون السائل أو السامع معروفاً بدينه واحتياطه وأنه لا ينقل إلا عن المعصوم بينما هو هنا مجهول الحال.
2. أن مضمون هذه الرواية معارض مع ما أجمع عليه العلماء من عدم ترتب الكفارة على المضمضة والاستنشاق وشم الرائحة.
3. أنها معارضة بالرواية الموثقة التي نقلها الشيخ في التهذيب وصاحب الوسائل عن عمرو بن سعيد عن الإمام الرضا (ع): (قال سألته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقة قال جايز لا بأس به وسألته عن الصايم يدخل الغبار في حلقه قال لا بأس ).
والقول أن هذه الموثقة يمكن تأويلها بأن المقصود هو دخول الدخنة
والغبار عن غير عمد وقصد مردود بل هو تبرع بالتأويل لملاحظات
واضحة:
منها: أنه إنما يحتاج إلى التأويل في حال معارضتها مع حديث صحيح أو
موثق وهذا غير موجود.
ومنها: عبارة الإمام (ع) الواردة في كلام السائل واضحة بأنه يتقصد إعمال
التدخين ويتعمده.
ومنها: عبارة الإمام (ع) في جوابه (جايز لا بأس به) فإنما يقال بالجواز
للفعل المقصود وإلا كان يكفي الإمام (ع) القول بـ (لا بأس) لان الاقتصار
على نفي البأسية يمكن حمله بنحو أيسر على حال عدم التعمد.
4. أنها معارضة بالرواية الصحيحة عن محمد بن مسلم الدالة على أنه( لا
يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال: الطعام والشراب والنساء
والارتماس ) حيث أنها حاصرة للمفسدات بعناوين أربع وإدخال الغبار
والدخان وما شابه ليس منها قطعاً.
5. معارضتها لموثقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله (ع) :
(أن علياً (ع) سئل عن الذباب يدخل حلق الصائم؟ قال: ليس عليه قضاء لأنه ليس
بطعام ) ولا يقال أن هذه الرواية تحمل على كون أن الذباب إنما يدخل الحلق
دون قصد بينما موضع البحث تعمد إدخال الغبارإلى الحلق. حيث يرد عليه
بوضوح ان الإمام (ع) لا شك عارف بأن السوي من الناس لا يتعمد ابتلاع
الذباب لكنه (ع) أجاب بالأبلغ حيث لم يقتصر على عبارة (ليس عليه قضاء
وهي كافية في المورد بل زاد معللاً ( لأنه ليس بطعام ) وغايته (ع) واضحة بأن
المفطر إنما هو إدخال معتاد الأكل وأنه حتى لوافترضا تعمد إدخال الذباب فلا
قضاء عليه وصومه صحيح والعلة أنه ليس بطعام متعارف عند الناس.
6. دعوى أنه أوصل إلى جوفه ما ينافي الصوم ليس له شاهد ولا دليل يفيد بأن كل
ما يدخل جوف الإنسان مفطر ومفسد للصوم فإنما الرواية الصحيحة حصرت
الإفساد بإدخال الطعام والشراب وكذلك الموثقتان نفتا البأس عن إدخال غير
الطعام والشراب.
7. القول أن سيرة المسلمين مستمرة على الاجتناب عن الدخان وما شاكلة فجوابه
أن سيرة المسلمين هذه ليست حجة لأن سيرة المتشرعة التي يحتج بها إنما هي
المتصلة بزمان المعصومين (ع) والتي تكون تحت مرآهم ومسمعهم فيمضونها
ولا يردعون عنها وهذه ليست كذلك فلا أثر لها. ثم إن سيرة الناس
المستمرة من زمانهم عليهم السلام هي عدم التحرز أو الاجتناب عن
دخول الحمامات في نهارات شهر رمضان والتعرض للبخار مهما كان كثيفاُ .
8. دعوى أن إطلاق اسم الشر ب على التدخين مما يجعله أحد مصاديق الشرب
المنهي عنه والمفسد للصوم . هذه الدعوى باطلة لوجوه- أن إطلاق لفظة الشرب
إنما يفهم منها عادة إيصال السوائل إلى الجوف عبرالحلق.
* إن استعمال لفظ الشرب في زماننا على التدخين إنما هو من باب التجوز ولا يكشف
عن صحة إطلاق هذه اللفظة.
* أن العرف لا يطلق صفة الشرب على البخار وإن جذب إلى الفم وهو الأقرب إلى
المائية من الدخان.
9. القول أنه ماح ٍ لصورة الصوم جوابه أن من يرسم صورة الصوم أو أي عبادةً إنما
هي الإحكام الشرعية ومن أدلتها المنصوصة والصورة التي يرسمها العرف تحتاج
إلى إثبات حجيتها ومشروعيتها من مصادر التشريع.
10. القول ببلوغ تناول الدخان حد الاستبشاع بنحو قد يلحقه بالضروري يجاب عليه –
بأن هذا القول مشكل جداً لعدم اتصاله بالمعصومين (ع) – ثم إن الضروري من
الدين هو ما نصت عليه مصادر التشريع وسيرة المسلمين ليست حجة بذاتها فقد
يجمعون على ارتضاء ما ليس من الشرع وقد يستبشعون ما كان منه وليس
لهم في ذلك لا كتاب ولا سنة ولا إمضاء معصوم.
11. القول أن الإفتاء بالاجتناب عن الغبار أو الدخان وما شابه من الاحتياط في الدين
وجوابه:
- أن القول بوجوب الاحتياط هو سنخ من الإحكام الشرعية والحكم الشرعي موقوف
على دليله
فكيف يحتاط بفتوى الاجتناب مع وجود الدليل على الترخيص والجواز
وعدم الدليل على المنع والإفساد
بل ظاهر الحال عندها أنه ليس فقط فتوى بغير
دليل
بل أيضاً فتوى بما قام الدليل على عكسه.
وأن مقتضى القاعدة هو
الجواز والأجدر أن يقال أن لا دليل على بطلان الصوم بإيصال الغبار أو الدخان أو
البخار إلى الحلق بل ذلك من المباحات كما هو ظاهر الأدلة ومن شاء التنزه عن
المباح فهذا شأنه.
بحث حول بعض المفطرات :
القول في أن إيصال الغبار إلى الحلق مفطر:
وقد قال بذلك جملة من الفقهاء لا سيما المتأخرون وإن على سبيل الاحتياط الوجوبي كما الحقوا به الدخان الغليظ وبخار القدر ونحوه.
ومن القائلين بذلك من السابقين المحقق الكركي الذي قال في جامع المقاصد: ( ولا بأس بإلحاق الدخان الذي يحصل منه أجزاء....) .
وقال الشهيد الثاني في المسالك (وألحق به بعض الأصحاب الدخان الغليظ وبخار القدر ونحوه. وهو حسن إن تحقق معهما جسم)
ويلاحظ في القولين عبارة: (ولا بأس ) كما قال المحقق وعبارة (وهو حسن ) كما قال الشهيد.
وفي العبارتين إشعار واضح بالاستحسان وليس بالاستناد إلى دليل.
وبعض العلماء كالمحقق الحلي توقف في الحكم كما في كتابة المعتبر لضعف الرواية المستند إليها ولان الغبار ليس كالأكل والشرب وإن استظهر الفساد في كتابة الشرائع.
ونقل الشيخ الطوسي في كتابة المنتهى عن السيد المرتضى القول بعدم فساد الصوم لكونه يشترط الاعتياد في المأكول .وكما هو واضح فإن الغبار سواء الغليظ أو غيره ليس من معتاد المأكول.
وقال السيد محمد ألعاملي في مدارك الإحكام: ( أحتج القائلون بالفساد بأن أوصل إلى جوفه ما ينافي الصوم فكان مفسداً له وبما رواه الشيخ عن سليمان المروزي قال : سمعته يقول : إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان ، أو استنشق متعمداً، أو شم رائحة غليظة، أو كنس بيتاً فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين فإن ذلك له فطر مثل الأكل والشرب والنكاح .)
وهكذا تبين أن القائلين بفساد الصوم بالغبار الغليظ وما ألحق به إنما استندوا إلى حجتين:
• الأولى: إيصال ما ينافي الصوم إلى الحلق أو الجوف.
• الثانية: رواية سليمان المروزي.
وقد رد صاحب المدارك على الحجتين:
أولاً: بالمنع من كون مطلق الإيصال مفسداً للصوم (بل المفسد الأكل والشرب وما في معناهما)
ثانيا: على الرواية :
أولاً بالطعن في السند باشتماله على عدة من المجاهيل مع جهالة القائل.
وثانياُ باشتمالها على ما أجمع الأصحاب على خلافه من ترتب الكفارة على مجرد المضمضة والاستنشاق وشم الرائحة الغليظة.
وثالثاً بأنها معارضة بالرواية الموثقة عن عمرو بن سعيد عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الصائم يدخن بعود أو بغير ذلك فيدخل الدخنة في حلقة قال لا بأس وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقة قال( لا بأس) وقد نقل المحقق السبزواري في ذخيرة المعاد قول صاحب الشرائع عن أن الأظهر التحريم وفساد الصوم بإيصال الغبار الغليظ إلى الحلق .ثم عقب ..(السبزواري).. بقوله: والأقرب عندي عدم الإفساد لصحيحة محمد بن مسلم الدالة على حصر ما يضر الصايم في الأشياء الأربعة وبرواية عمرو بن سعيد عن الرضا (ع).
وقال السيد عبدالله الجزائري في كتابة التحفة السنية:
(ومنهم من ألحق بهما البخار الغليظ كبخار القدر ومورد الرواية المانعة ..( يقصد رواية سليمان المروزي الضعيفة).. فيما وقفت عليه إنما هو الغبار وأما الدخان فليس له ذكر في الأخبار إلا في موثقة ابن فضال عن عمرو بن سعيد عن الرضا (ع) قال سألته عن الصائم يتدخن بعود أو غير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه فقال جايز لا بأس به وهي صريحة في الرخصة من غير معارض وشاملة بعمومها لدخان الحشيشة المعروفة بالتتن المعمولة في هذه الأعصار وإن كانت من محدثات الأمور. فما يحكى من بعض المعاصرين وغيرهم من الحكم بفساد الصوم به ووجوب القضاء والكفارة بذلك ليس من القول بغير دليل بل قول بما قام الدليل الخاص على خلافه).
وأورد صاحب الحدائق الناضرة الشيخ البحراني على الموضوع بالتالي:
• ذكر أن القائلين بفساد الصوم بإيصال الغبار وما ألحق به إلى الحلق إنما اعتمدوا على رواية سليمان المروزي. وطعن بالرواية المذكورة من وجوه:
1. جهالة السائل والمسؤول في الرواية الضعيفة بالرواية الموثقة عن عمرو بن سعيد عن الرضا (ع) حيث لا دليل على أن المسؤول هو الإمام (ع) والسائل مجهول فلا يعرف من هو وأنه ممن يوثق بدينة فلا يمكن جبر الرواية بأي حال.
2. معارضة هذه الرواية الضعيفة بالرواية الموثقة عن عمرو بن سعيد عن الرضا (ع) حيث أجاب بان التدخين جايز لا بأس به... .
3. رد على من حاول الجمع بين الروايتين كصاحب الوسائل بعدم صحة هذا الجمع.
4. وجود الرواية الصحيحة عن محمد بن مسلم الدالة على أنه لا يضر الصائم ما صنع إذا أجتنب أربع خصال: الطعام والشراب والنساء والإرتماس.
5. موثقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله (ع) أن علياً عليه السلام سئل عن الذباب يدخل حلق الصائم ؟ قال ليس عليه قضاء لأنه ليس بطعام. وفي رده عمن ألحق الدخان الغليظ والبخار بالغبار قال ما معناه أن لا دليل على الملحق به أي على الإفساد بالغبار فكيف بالدخان والبخار؟
أما المحقق النراقي في مستنده فقال ما مفاده:
1. أن الغبار يفسد الصوم إذا صدق عليه صفة أكل التراب .
2. لا يفسد الصوم بدخول الدخان للحلق للأصل وللموثقة المتقدمة.
3. لأحوط الإجتتناب عن شرب التتن لعلتين:
أ- لإستمرار طريقة الناس عليه.
ب- إطلاق الشرب عند العرب عليه.
وسيأتي ردود بعض العلماء اللاحقين على هاتين العلتين .
وصاحب جواهر الكلام مع اعترافه بعدم تمامية الدليل على الإفساد بالغبار وما ألحق به إلا أنه عاد وقوى القول بالإفساد باعتبار:
1. أنها أجزاء وصلت إلى الجوف بالحلق.
2. عدم اعتبار الاعتياد بالمفطر
3. لسلب أسم الصائم في عرف المتشرعة عن مستعمل التنباك.
4. يمكن تأويل الموثقة بأنها أرادت وصول الدخنة إلى الحلق بالاتفاق وليس بالقصد.
= ويلاحظ على كلامه التبرع بتأويلات لا مساعد عليها وقد يأتي بعض التفصيل.
والشيخ الأنصاري أستظهر الاجتناب عن دخان التتن لأنه شيء قضت به سيرة المسلمين ومراعاة الاحتياط بالدين.
وصاحب مصباح الفقيه أقا رضا الهمداني قال:
1. الأظهر فساد الصوم بالغبار الغليظ.
2. الأظهر عدم بطلان الصوم بالغبار الرقيق وفاقاً للأكثر.
3. الأقوى عدم بطلان الصوم في البخار والدخان للأصل ولموثقة عمرو بن سعيد.
أما السيد محسن الحكيم في مستمسكة فأفاد:
1. ظهور الإشكال في البناء على مفطرية التتن ، وكونه يقوم مقام القوت وأشد من الغبار غير واضح.
2. الاحتجاج بسيرة المسلمين على الاجتناب عنه غير تام لانقطاع السيرة المذكورة وعدم اتصالها بالمعصوم .
3. القول أنه ماح لصورة الصوم بحسب المتشرعة غير تام أيضاً لأن القول أن ارتكاز المتشرعة حجة هو أول الكلام ومما يحتاج إلى إثبات.
4. بل إن سيرة المسلمين بالدخول إلى الحمامات في نهار رمضان وعدم تحرزهم عن البخار الكثيف دليل على الجواز عندهم ولا مانع من التعدي إلى الدخان لتناسبهما.
والسيد مصطفى الخميني في كتابة الصوم قال ما مفاده وملخصه:
1. أنه لا يصدق الشرب على التدخين .
2. استعمال لفظ الشرب في زماننا لا يكشف عن صحة إطلاق هذا اللفظ فإن الاستعمال أعم والحق أنه تدخين وليس بشرب.
3. صحيحة محمد بن مسلم القائلة لا يضر الصائم ما إذا اجتنب أربع خصال يستفاد منها انصراف الشرب المذكور منها عن التدخين.
4. موثقة عمرو بن سعيد أفادت جواز التدخين ولعل في قوله عليه السلام : جايز لا بأس به عناية.
5. القول أنه ماح لصورة الصوم وأن السيرة القائمة في زماننا على أنه يضر بالصوم، وأنه أقوى لبعض المعتادين من الأكل والشرب. كل هذا وغيره لا يخلو من مناقشة واضحة.
6. إدعاء بعض العلماء من منع الشرع في الصوم من إدخال أي شيء في الجوف: يحتاج إلى معالجة معارضته مع الموثقة لكن طبعاً بعد ثبوت هذا الإدعاء واستخراجه من الإدالة.
7. لك أن تجعل من ثمرات هذا البحث أن من يعتاد على التدخين بحيث لولاه لا يقدر على الصوم ومعه يتمكن منه فإن الأظهر صحة الصوم منه ، والإفتاء حينئذٍ بعدم وجوب الصوم على مثل هذا غير صحيح وخلاف للاحتياط جزماً.
ومما قاله السيد الخوئي في كتاب الصوم :
1. لا يصدق الشرب على البخار عرفاً.
2. استقرار سيرة المسلمين على عدم تجنبهم عن البخار لدخولهم الحمامات في شهر رمضان حتى لو كان البخار غليظاً وهذه سيرة قطعية متصلة بزمن المعصومين (ع) وعدم ردعهم عنها الكاشف عن إمضائهم وهذا كافٍ بالحكم بالجواز.
3. دعوى أن كل ما يدخل جوف الإنسان ومنه الدخان يكون مفطراً ليس له شاهد إذا لا دليل على البطلان.
4. يمكن إقامة الدليل على عدم البطلان عبر موثقة عمر بن سعيد حيث قال فيها: فتدخل الدخنة في حلقة فقال جائز لا بأس به.
5. القول أن سيرة المتشرعة على التحرز عن الدخان من مثل التنباك والتتن حال الصوم بحيث أصبح البطلان به كالمرتكز في أذهانهم بل قد يدعى بلوغ تناوله حد الاستبشاع حداً يلحقه بمخالفة الضروري هذا القول والتعويل على مثل هذه السيرة والارتكاز مشكل جداً لعدم إحراز الاتصال بالمعصومين (ع).
6. لم يبق لدينا دليل يعتمد عليه في الحكم بالمنع بعد وضوح عدم صدق الأكل والشرب عليه فمقتضى القاعدة هو الجواز وإن كان الاحتياط بالاجتناب مما لا ينبغي تركه رعاية للسيرة المذكورة.
وخلاصة ما قاله السيد محمد صادق الروحاني في فقهه:
فالأظهر بحسب الأدلة عدم مفطرية شرب التتن وما شاكل لكن... الاحتياط بتركه لا يترك.
وخلاصة القول في المسألة:
أن القائلين بمفطرية الغبار الكثيف أو الرقيق والدخان والبخار إنما استندوا إلى الآتي:
1. رواية سليمان المروزي التي ذكرها الشيخ ونصها:
( قال: سمعته يقول : إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق
متعمداً، أو شم رائحة غليظة، أو كنس بيتاً فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه
صوم شهرين متتابعين فإن ذلك له فطر مثل الأكل والشرب والنكاح).
2. أنه أوصل إلى جوفه ما ينافي الصوم.
3. استمرار طريقة الناس على الاجتناب عن شرب التتن.
4. إطلاق الشرب عند العرب عليه.
5. لسلب اسم الصائم وأنه ماح لصورة الصوم.
6. يمكن تأويل الموثقة بأنها أرادت الجواز مع عدم القصد.
7. مراعاة الاحتياط في الدين
8. بلوغ تناول الدخان حد الاستبشاع بنحو يلحقه بمخالفة الضروري.
= ويرد على ذلك:
1. إن رواية سليمان المروزي ضعيفة وساقطة عن الاعتبار لجهالة القائل والمقال
له فلا يعرف المتحدث هل هو الإمام أم شخص آخر ولا يعرف السامع أو السائل.
إن قيل أن عمل الفقهاء بها جابر لضعفها كما هو متعارف في الروايات التي يضمر فيها المسؤول والمتحدث فالجواب : أن هذه الرواية لا يمكن جبرها بعمل العلماء لأن المتسالم أن الرواية المرسلة أو المضمرة إنما تجبر بالعمل.بعد كون السائل أو السامع معروفاً بدينه واحتياطه وأنه لا ينقل إلا عن المعصوم بينما هو هنا مجهول الحال.
2. أن مضمون هذه الرواية معارض مع ما أجمع عليه العلماء من عدم ترتب الكفارة على المضمضة والاستنشاق وشم الرائحة.
3. أنها معارضة بالرواية الموثقة التي نقلها الشيخ في التهذيب وصاحب الوسائل عن عمرو بن سعيد عن الإمام الرضا (ع): (قال سألته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقة قال جايز لا بأس به وسألته عن الصايم يدخل الغبار في حلقه قال لا بأس ).
والقول أن هذه الموثقة يمكن تأويلها بأن المقصود هو دخول الدخنة
والغبار عن غير عمد وقصد مردود بل هو تبرع بالتأويل لملاحظات
واضحة:
منها: أنه إنما يحتاج إلى التأويل في حال معارضتها مع حديث صحيح أو
موثق وهذا غير موجود.
ومنها: عبارة الإمام (ع) الواردة في كلام السائل واضحة بأنه يتقصد إعمال
التدخين ويتعمده.
ومنها: عبارة الإمام (ع) في جوابه (جايز لا بأس به) فإنما يقال بالجواز
للفعل المقصود وإلا كان يكفي الإمام (ع) القول بـ (لا بأس) لان الاقتصار
على نفي البأسية يمكن حمله بنحو أيسر على حال عدم التعمد.
4. أنها معارضة بالرواية الصحيحة عن محمد بن مسلم الدالة على أنه( لا
يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال: الطعام والشراب والنساء
والارتماس ) حيث أنها حاصرة للمفسدات بعناوين أربع وإدخال الغبار
والدخان وما شابه ليس منها قطعاً.
5. معارضتها لموثقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله (ع) :
(أن علياً (ع) سئل عن الذباب يدخل حلق الصائم؟ قال: ليس عليه قضاء لأنه ليس
بطعام ) ولا يقال أن هذه الرواية تحمل على كون أن الذباب إنما يدخل الحلق
دون قصد بينما موضع البحث تعمد إدخال الغبارإلى الحلق. حيث يرد عليه
بوضوح ان الإمام (ع) لا شك عارف بأن السوي من الناس لا يتعمد ابتلاع
الذباب لكنه (ع) أجاب بالأبلغ حيث لم يقتصر على عبارة (ليس عليه قضاء
وهي كافية في المورد بل زاد معللاً ( لأنه ليس بطعام ) وغايته (ع) واضحة بأن
المفطر إنما هو إدخال معتاد الأكل وأنه حتى لوافترضا تعمد إدخال الذباب فلا
قضاء عليه وصومه صحيح والعلة أنه ليس بطعام متعارف عند الناس.
6. دعوى أنه أوصل إلى جوفه ما ينافي الصوم ليس له شاهد ولا دليل يفيد بأن كل
ما يدخل جوف الإنسان مفطر ومفسد للصوم فإنما الرواية الصحيحة حصرت
الإفساد بإدخال الطعام والشراب وكذلك الموثقتان نفتا البأس عن إدخال غير
الطعام والشراب.
7. القول أن سيرة المسلمين مستمرة على الاجتناب عن الدخان وما شاكلة فجوابه
أن سيرة المسلمين هذه ليست حجة لأن سيرة المتشرعة التي يحتج بها إنما هي
المتصلة بزمان المعصومين (ع) والتي تكون تحت مرآهم ومسمعهم فيمضونها
ولا يردعون عنها وهذه ليست كذلك فلا أثر لها. ثم إن سيرة الناس
المستمرة من زمانهم عليهم السلام هي عدم التحرز أو الاجتناب عن
دخول الحمامات في نهارات شهر رمضان والتعرض للبخار مهما كان كثيفاُ .
8. دعوى أن إطلاق اسم الشر ب على التدخين مما يجعله أحد مصاديق الشرب
المنهي عنه والمفسد للصوم . هذه الدعوى باطلة لوجوه- أن إطلاق لفظة الشرب
إنما يفهم منها عادة إيصال السوائل إلى الجوف عبرالحلق.
* إن استعمال لفظ الشرب في زماننا على التدخين إنما هو من باب التجوز ولا يكشف
عن صحة إطلاق هذه اللفظة.
* أن العرف لا يطلق صفة الشرب على البخار وإن جذب إلى الفم وهو الأقرب إلى
المائية من الدخان.
9. القول أنه ماح ٍ لصورة الصوم جوابه أن من يرسم صورة الصوم أو أي عبادةً إنما
هي الإحكام الشرعية ومن أدلتها المنصوصة والصورة التي يرسمها العرف تحتاج
إلى إثبات حجيتها ومشروعيتها من مصادر التشريع.
10. القول ببلوغ تناول الدخان حد الاستبشاع بنحو قد يلحقه بالضروري يجاب عليه –
بأن هذا القول مشكل جداً لعدم اتصاله بالمعصومين (ع) – ثم إن الضروري من
الدين هو ما نصت عليه مصادر التشريع وسيرة المسلمين ليست حجة بذاتها فقد
يجمعون على ارتضاء ما ليس من الشرع وقد يستبشعون ما كان منه وليس
لهم في ذلك لا كتاب ولا سنة ولا إمضاء معصوم.
11. القول أن الإفتاء بالاجتناب عن الغبار أو الدخان وما شابه من الاحتياط في الدين
وجوابه:
- أن القول بوجوب الاحتياط هو سنخ من الإحكام الشرعية والحكم الشرعي موقوف
على دليله
فكيف يحتاط بفتوى الاجتناب مع وجود الدليل على الترخيص والجواز
وعدم الدليل على المنع والإفساد
بل ظاهر الحال عندها أنه ليس فقط فتوى بغير
دليل
بل أيضاً فتوى بما قام الدليل على عكسه.
وأن مقتضى القاعدة هو
الجواز والأجدر أن يقال أن لا دليل على بطلان الصوم بإيصال الغبار أو الدخان أو
البخار إلى الحلق بل ذلك من المباحات كما هو ظاهر الأدلة ومن شاء التنزه عن
المباح فهذا شأنه.