كنت اطالع الصحف اليوم فوجدت مقابلة للسيد فضل الله في جريدة السفير بتاريخ اليوم
وهذا رابط المقالة
http://www.assafir.com/Article.aspx?...uthor=فاتن قبيسي
قد يتساءل البعض: ما هو مبرر إثارة ذكرى عاشوراء في كل عام على النحو الذي يستثير البكاء والحزن على واقعة مضى عليها أكثر من ثلاثة عشر قرناً؟
وقد يعتبر البعض الآخر أن عاشوراء عنصر إثارة للحساسيات المذهبية، خصوصاً أن السياق التاريخي لإحياء الذكرى جعلها قضية شيعية، موجهة في الغالب ضد السنّة، باعتبار أن السنّة يحترمون بني أمية، مما يعكس الحديث عنهم سلبا – تفرضه طبيعة الإحياء – نتائج سلبية على واقع الوحدة الإسلامية.
فرضيتان ينطلق منهما المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله، ليقدم رؤيته الخاصة حول أبعاد وكيفية إحياء المناسبة الدينية السنوية، في سياق كتابه «نظرة إسلامية حول عاشوراء».
يعتبر فضل الله بادئ ذي بدء «أن مسألة استعادة التاريخ عن طريق إحياء ذكراه هو أمر إنساني حضاري تحافظ عليه الشعوب والمجتمعات على اختلاف اتجاهاتها ومجتمعاتها، حيث نجد العالم كله يحتفل سنوياً بذكرى قد تتصل بانتصار وطني أو قومي، أو بمأساة قد تكون نتيجة صراع اجتماعي أو سياسي يرقى إلى عشرات أو مئات السنين (..) ثم إن الحاضر لا يعيش انفصالاً عن التاريخ». ويستشهد بالآية القرآنية: «لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب»، مستنتجاً «أن مسألة إحياء ذكريات الماضي التي تطل على الحاضر والمستقبل، من خلال العبرة والموعظة والدرس، تنطلق من عمق الحضارة الإنسانية في ما هي قيمة حركة الانسان في صنع التاريخ، وأن أمة لا تعيش ذكرى تاريخها هي أمة لا تعيش روحية الامتداد في المستقبل».
ورداً على الفرضية الثانية يؤكد فضل الله أن «الشيعة لا يتحملون مسؤولية بعض السلبيات التي عاشت في دائرة الخلاف السنّي الشيعي في الماضي، ولا نحمّل السنّة المعاصرين مســؤولية ما جرى على الشيعة سلبياً من قبل الذين التزمــوا المذهــب السنّي في التاريخ. بل إن الشيــعة والسنّة اليوم يعيشون عصراً واحداً ومرحلة واحدة، وهم مســؤولون عن حركتهم فيها».
لذا فمن الخطأ، بحسب فضل الله، اعتبار عاشوراء مناسبة موجهة ضد السنّة من قبل الشيعة، خصوصاً أن «يزيد» لا يمثل قيمة إسلامية سنية ليُعتبر رفضه ضد هذه القيمة. فعاشوراء قضية إسلامية بامتياز تعني المسلمين جميعاً، وليس المعني بها فريقا دون آخر. ويتساءل: «عندما يفجّر الشيعي غيظه ويسبّ مقدسات السنة، فهل سيتحول السنّي الى التشيّع؟ وعندما يفجّر السنّي غيظه فينال من مقدسات الشيعة، هل يكون في خط الدعوة الى فكره وعقيدته؟». ويقول: «حرّمنا من موقعنا الفقهي على كل إنسان أن يرفع أي شعار يثير الحساسيات المذهبية، أو يتكلم بأية كلمة تصبّ في ذلك الاتجاه، مع المحافظة على أسلوب الحوار والجدال بالتي هي أحسن».
مسألة العاطفة في عاشوراء
سؤال آخر حول مبرر الإصرار على مسألة العاطفة في عاشوراء، يطرحه فضل الله في كتابه، الذي جاء حصيلة ما جمعه نجله السيد جعفر، من كتابي والده: «من وحي عاشوراء»، و«حديث عاشوراء». وهي المسألة المتمثلة بالمضمون الفكري الذي يستثير الحزن، والأسلوب الفني البكائي، والممارسات الحادة المعبّرة عن الصراخ والبكاء العنيف، أو لطم الصدور، أو ضرب الظهور بالسلاسل، أو جرح الرؤوس بالسيوف، أو غير ذلك..
يؤكد فضل الله أن العاطفة مسألة هامة جداً في إحياء المناسبة، والتي يجب المحافظة عليها لأسباب عدة: منها أن مضمون عاشوراء مأساوي وحزين، والفصل بين إثارة الذكرى في وعي الناس والأسلوب العاطفي، يعني إبعاد الشيء عن ذاته. كما أن العاطفة تتيح للذكرى الاستمرار في الحياة، من خلال تأثيرها في الشعور الإنساني، ما يؤصل علاقة عاطفية للناس بأصحاب الذكرى. ويعتبر أن تفريغ المناسبة من العاطفة يجعل القضية جامدة وجافة في الوعي الانساني، لكن مع التشديد في الوقت ذاته على ضرورة الموازنة بينها وبين الجانب الفكري، فلا يطغى جانب على آخر.
ويخوض فضل الله، في كتابه الصادر عن «دار الملاك»، في تطوير أساليب إحياء الذكرى، مشدداً على أهمية المحافظة على إحيائها في نمطها الشعبي التقليدي المعروف، لأن بساطة هذه الأنماط تؤمن امتداداً أكبر للقضية الحسينية في الحاضر والمستقبل، مع دراسة هذه الأنماط لصيانتها من الشوائب، التي لا تنسجم والمفاهيم الإسلامية الأصيلة على المستوى الفكري والأخلاقي والشرعي.
«ان التطبير وضرب الظهور بالسلاسل من الأمور المضرّة بالنفس، ونحن نقول بحرمة الإضرار بالنفس مطلقاً سواء أدى إلى التهلكة أم لم يؤد اليها». هذا ما يؤكد عليه فضل الله الذي يرى أن هذه العادات «متخلفة في التعبير عن الحزن، فللحزن تعابير حضارية إنسانية، وليس الحزن حركة تعذيب للذات، بل هو حركة إنتاج لإنسانية الذات».
ويلفت إلى أهمية الاستفادة من المسرح والسينما وغيرهما، لأن ذلك يؤمن للمناسبة أن تنفتح على الإنسان المعاصر، ويعطيها بعداً إنسانياً عالمياً الى جانب بعدها الإسلامي الخاص. وذلك ما يتطلب قدرات فنية إبداعية، سواء في التأليف أو الإخراج أو في طبيعة الممثلين.
ولا مانع شرعياً، يقول، من تمثيل شخصيات كربلاء، في عمل مسرحي أو سينمائي، على النحو الذي يحافظ على حرمة الشخــصية ومكانتــها وقدسيتها. كما أنه يمكن التــصرف في النــص التمثــيلي بما لا يتنافى مع مضمونـه وروحيتـه.
وهذا رابط المقالة
http://www.assafir.com/Article.aspx?...uthor=فاتن قبيسي
قد يتساءل البعض: ما هو مبرر إثارة ذكرى عاشوراء في كل عام على النحو الذي يستثير البكاء والحزن على واقعة مضى عليها أكثر من ثلاثة عشر قرناً؟
وقد يعتبر البعض الآخر أن عاشوراء عنصر إثارة للحساسيات المذهبية، خصوصاً أن السياق التاريخي لإحياء الذكرى جعلها قضية شيعية، موجهة في الغالب ضد السنّة، باعتبار أن السنّة يحترمون بني أمية، مما يعكس الحديث عنهم سلبا – تفرضه طبيعة الإحياء – نتائج سلبية على واقع الوحدة الإسلامية.
فرضيتان ينطلق منهما المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله، ليقدم رؤيته الخاصة حول أبعاد وكيفية إحياء المناسبة الدينية السنوية، في سياق كتابه «نظرة إسلامية حول عاشوراء».
يعتبر فضل الله بادئ ذي بدء «أن مسألة استعادة التاريخ عن طريق إحياء ذكراه هو أمر إنساني حضاري تحافظ عليه الشعوب والمجتمعات على اختلاف اتجاهاتها ومجتمعاتها، حيث نجد العالم كله يحتفل سنوياً بذكرى قد تتصل بانتصار وطني أو قومي، أو بمأساة قد تكون نتيجة صراع اجتماعي أو سياسي يرقى إلى عشرات أو مئات السنين (..) ثم إن الحاضر لا يعيش انفصالاً عن التاريخ». ويستشهد بالآية القرآنية: «لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب»، مستنتجاً «أن مسألة إحياء ذكريات الماضي التي تطل على الحاضر والمستقبل، من خلال العبرة والموعظة والدرس، تنطلق من عمق الحضارة الإنسانية في ما هي قيمة حركة الانسان في صنع التاريخ، وأن أمة لا تعيش ذكرى تاريخها هي أمة لا تعيش روحية الامتداد في المستقبل».
ورداً على الفرضية الثانية يؤكد فضل الله أن «الشيعة لا يتحملون مسؤولية بعض السلبيات التي عاشت في دائرة الخلاف السنّي الشيعي في الماضي، ولا نحمّل السنّة المعاصرين مســؤولية ما جرى على الشيعة سلبياً من قبل الذين التزمــوا المذهــب السنّي في التاريخ. بل إن الشيــعة والسنّة اليوم يعيشون عصراً واحداً ومرحلة واحدة، وهم مســؤولون عن حركتهم فيها».
لذا فمن الخطأ، بحسب فضل الله، اعتبار عاشوراء مناسبة موجهة ضد السنّة من قبل الشيعة، خصوصاً أن «يزيد» لا يمثل قيمة إسلامية سنية ليُعتبر رفضه ضد هذه القيمة. فعاشوراء قضية إسلامية بامتياز تعني المسلمين جميعاً، وليس المعني بها فريقا دون آخر. ويتساءل: «عندما يفجّر الشيعي غيظه ويسبّ مقدسات السنة، فهل سيتحول السنّي الى التشيّع؟ وعندما يفجّر السنّي غيظه فينال من مقدسات الشيعة، هل يكون في خط الدعوة الى فكره وعقيدته؟». ويقول: «حرّمنا من موقعنا الفقهي على كل إنسان أن يرفع أي شعار يثير الحساسيات المذهبية، أو يتكلم بأية كلمة تصبّ في ذلك الاتجاه، مع المحافظة على أسلوب الحوار والجدال بالتي هي أحسن».
مسألة العاطفة في عاشوراء
سؤال آخر حول مبرر الإصرار على مسألة العاطفة في عاشوراء، يطرحه فضل الله في كتابه، الذي جاء حصيلة ما جمعه نجله السيد جعفر، من كتابي والده: «من وحي عاشوراء»، و«حديث عاشوراء». وهي المسألة المتمثلة بالمضمون الفكري الذي يستثير الحزن، والأسلوب الفني البكائي، والممارسات الحادة المعبّرة عن الصراخ والبكاء العنيف، أو لطم الصدور، أو ضرب الظهور بالسلاسل، أو جرح الرؤوس بالسيوف، أو غير ذلك..
يؤكد فضل الله أن العاطفة مسألة هامة جداً في إحياء المناسبة، والتي يجب المحافظة عليها لأسباب عدة: منها أن مضمون عاشوراء مأساوي وحزين، والفصل بين إثارة الذكرى في وعي الناس والأسلوب العاطفي، يعني إبعاد الشيء عن ذاته. كما أن العاطفة تتيح للذكرى الاستمرار في الحياة، من خلال تأثيرها في الشعور الإنساني، ما يؤصل علاقة عاطفية للناس بأصحاب الذكرى. ويعتبر أن تفريغ المناسبة من العاطفة يجعل القضية جامدة وجافة في الوعي الانساني، لكن مع التشديد في الوقت ذاته على ضرورة الموازنة بينها وبين الجانب الفكري، فلا يطغى جانب على آخر.
ويخوض فضل الله، في كتابه الصادر عن «دار الملاك»، في تطوير أساليب إحياء الذكرى، مشدداً على أهمية المحافظة على إحيائها في نمطها الشعبي التقليدي المعروف، لأن بساطة هذه الأنماط تؤمن امتداداً أكبر للقضية الحسينية في الحاضر والمستقبل، مع دراسة هذه الأنماط لصيانتها من الشوائب، التي لا تنسجم والمفاهيم الإسلامية الأصيلة على المستوى الفكري والأخلاقي والشرعي.
«ان التطبير وضرب الظهور بالسلاسل من الأمور المضرّة بالنفس، ونحن نقول بحرمة الإضرار بالنفس مطلقاً سواء أدى إلى التهلكة أم لم يؤد اليها». هذا ما يؤكد عليه فضل الله الذي يرى أن هذه العادات «متخلفة في التعبير عن الحزن، فللحزن تعابير حضارية إنسانية، وليس الحزن حركة تعذيب للذات، بل هو حركة إنتاج لإنسانية الذات».
ويلفت إلى أهمية الاستفادة من المسرح والسينما وغيرهما، لأن ذلك يؤمن للمناسبة أن تنفتح على الإنسان المعاصر، ويعطيها بعداً إنسانياً عالمياً الى جانب بعدها الإسلامي الخاص. وذلك ما يتطلب قدرات فنية إبداعية، سواء في التأليف أو الإخراج أو في طبيعة الممثلين.
ولا مانع شرعياً، يقول، من تمثيل شخصيات كربلاء، في عمل مسرحي أو سينمائي، على النحو الذي يحافظ على حرمة الشخــصية ومكانتــها وقدسيتها. كما أنه يمكن التــصرف في النــص التمثــيلي بما لا يتنافى مع مضمونـه وروحيتـه.