بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
2- الخمس في أرباح المكاسب :
يظهر من غير واحد من الروايات أنّ النبيّالأكرم أمر باخراج الخمس من مطلق ما يغنمه الانسان من أرباح المكاسب وغيرها وإليك بعضما ورد في المقام :
1- لمّا وفد عبد القيس لرسول الله صلى اللهعليه وآله وسلم فقالوا : (( إنّ بيننا وبينك المشركين وإنّا لا نصل إليك إلاّ في الأشهرالحرم فمرنا بجمل الأمر، إن عملنا به دخلنا الجنة وندعوا إليه من ورائنا )) فقال

ومن المعلوم أنّ النبي صلى الله عليه وآلهوسلم لم يطلب من بني عبد القيس أن يدفعوا غنائم الحرب كيف وهم لا يستطيعون الخروج منحيّهم في غير الأشهر الحرم، خوفاً من المشركين. فيكون قد قصد المغنم بمعناه الحقيقيفي لغة العرب وهو ما يفوزون به فعليهم أن يعطوا خمس ما يربحون.
وهناك كتب ومواثيق، كتبها النبيّ وفرض فيهاالخمس على أصحابها وستتبيّن بعد الفراغ من نقلها دلالتها على الخمس في الأرباح، وإنلم تكن غيمة حربية فانتظر.
2- كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن: (( بسم الله الرحمن الرحيم. .. هذا. .. عهد من النبي رسول الله لعمرو بن حزم حينبعثه إلى اليمن، أمره بتقوى الله في أمره كلّه، وأن يأخذ من المغانم خمس الله، وماكتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقى البغل وسقت السماء، ونصف العشر ممّاسقى الغرب )) (27).
والبعل ما سقي بعروقه، والغرب : الدلو العظيمة.
3- كتب إلى شرحبيل بن عبد كلال ونعيم بنعبد كلال والحارث بن عبد كلال قيل ذي رعين، ومعافر وهمدان : (( أمّا بعد، فقد رجع رسولكموأعطيتم من المغانم خمس الله )) (28).
4- كتب إلى سعد هذيم من قصاعة، وإلى جذامكتاباً واحداً يعلّمهم فرائض الصدقة، ويأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه أبيّوعنبسة أو من أرسلاه. (29).
5- كتب للفجيع ومن تبعه : (( من محمد النبيّللفجيع، ومن تبعه وأسلم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من المغانمخمس الله. .. )) (30).
6- كتب لجنادة الأزدي وقومه ومن تبعه

7- كتب لجهينة بن زيد فيما كتب : (( إنّلكم بطون الأرض وسهولها وتلاع الأودية وظهورها، على أن ترعوا نباتها وتشربوا ماءهاعلى أن تؤدوا الخمس )) (32).
8- كتب لملوك حمير فيما كتب : (( وآتيتمالزكاة، وأعطيتم من المغانم : خمس الله وسهم النبي وصفيّه وما كتب الله على المؤمنينمن الصدقة )) (33).
9- كتب لبني ثعلبة بن عامر : (( من أسلممنهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأعطى خمس المغنم وسهم النبي والصفي )) (34).
10 - كتب إلى بعض أفخاذ جهينة : (( من أسلممنهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من الغنائم الخمس )) (35).
إيضاح الاستدلال بهذه المكاتيب :
يتبيّن - بجلاء - من هذه الرسائل أنّ النبيصلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يطلب منهم أن يدفعوا خمس غنائم الحرب التي اشتركوافيها، بل كان يطلب ما استحقّ في أموالهم من خمس وصدقة.
ثم إنّه كان يطلب منهم الخمس دون أن يشترط- في ذلك - خوض الحرب واكتساب الغنائم.
هذا مضافاً إلى أنّ الحاكم الإسلامي أونائبه هما اللذّان يليان بعد الفتح قبض جميع غنائم الحرب وتقسيمها بعد استخراج الخمسمنها، ولا يملك أحد من الغزاة عدا سلب القتيل شيئاً ممّا سلب وإلاّ كان سارقاً مغلاَّ.
فإذا كان اعلان الحرب وإخراج خمس الغنائمعلى عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من شؤون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فماذايعني طلبه الخمس من الناس وتأكيده في كتاب بعد كتاب وفي عهد بعد عهد ؟.
فيتبيّن أنّ ما كان يطلبه لم يكن مرتبطاًبغنائم الحرب. هذا مضافاً إلى أنّه لا يمكن أن يقال : إنّ المراد بالغنيمة في هذه الرسائلهو ما كان يحصل الناس عليه في الجاهلية عن طريق النهب، كيف وقد نهى النبي صلى اللهعليه وآله وسلم عن النهب والنهبى بشدّة، ففي كتاب الفتن باب النهي عن النّهبة عنه صلىالله عليه وآله وسلم : (( من انتهب نهبة فليس منّا )) (36) وقال : (( إنّ النهبة لاتحلّ )) (37)، وفي صحيح البخاري ومسند أحمد عن عبادة بن الصامت : بايعنا النبي صلىالله عليه وآله وسلم على أن لا ننهب (38).
وفي سنن أبي داود، باب النهي عن النهبى،عن رجل من الأنصار قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم فأصاب الناسحاجة شديدة وجهدٌ، وأصابوا غنماً فانتهبوها، فإنّ قدورنا لتغلي، إذ جاء رسول الله يمشيمتّكئاً على قوسه فأكفا قدورنا بقوسه، ثمّ جعل يرمّل اللحم بالتراب ثمّ قال : (( إنّالنهبة ليست بأحلّ من الميتة )) (39).
وعن عبد الله بن زيد : نهى النبي صلى اللهعليه ( وآله ) وسلم عن النهبى والمثلة (40).
إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في كتابالجهاد.
وقد كانت النهيبة والنهبى عند العرب تساوقالغنيمة والمغنم - في مصطلح يومنا هذا - الذي يستعمل في أخذ مال العدو.
فإذا لم يكن النهب مسموحاً به في الدين،وإذا لم تكن الحروب التي يقوم بها أحد بغير اذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جائزة،لم تكن الغنيمة في هذه الوثائق تعني دائماً ما يؤخذ في القتال، بل كان معنى الغنيمةالواردة فيها هو ما يفوز به الناس من غير طريق القتال بل من طريق الكسب وما شابهه،ولا محيص حينئذ من أن يقال : إنّ المراد بالخمس الذي كان يطلبه النبي صلى الله عليهوآله وسلم هو خمس أرباح الكسب والفوائد الحاصلة للإنسان من غير طريق القتال أو النهبالممنوع في الدين.
وعلى الجملة : أنّ الغنائم المطلوب في هذهالرسائل النبوية أداء خمسها إمّا أن يراد ما يستولي عليه أحد من طريق النهب والإغارة،أو ما يستولي عليه من طريق محاربة بصورة الجهاد، أو ما يستولى من طريق الكسب والكد.
وألأول ممنوع بنصّ الأحاديث السابقة فلامعنى أن يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم خمس النهيبة.
والثاني يكون أمر الغنائم فيه بيد النبيصلى الله عليه وآله وسلم مباشرة فهو الذي يأخذ كل الغنائم ويضرب لكلّ من الفارس والراجلماله من الأسهم بعد أن يستخرج الخمس بنفسه من تلك الغنائم، فلا معنى لأن يطلبه النبيصلى الله عليه وآله وسلم من الغزاة، فيكون الثالث هو المتعيّن.
وورد عن أئمة أهل البيت - عليهم السلام- ما يدلّ على ذلك، فقد كتب أحد الشيعة إلى الإمام الجواد - عليه السلام - قائلاً: أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصنّاعوكيف ذلك ؟
فكتب - عليه السلام - بخطّه : الخمس بعدالمؤنة (41).
وفي هذه الإجابة القصيرة يظهر تأييد الإمام- عليه السلام - لما ذهب إليه السائل، ويتضمّن ذكر الكيفية التي يجب أن تراعى في أداءالخمس.
وعن سماعة قال : سألت أبا الحسن ( الكاظم) - عليه السلام - عن الخمس ؟ فقال : في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير (42).
وعن أبي علي بن راشد ( وهو من وكلاء الإمامالجواد والإمام الهادي - عليهما السلام ) قال : قلت له ( أي الإمام المنتظر ) : أمرتنيبالقيام بأمرك وأخذ حقّك، فأعلمت مواليك بذلك فقال لي بعضهم : وأي شيء حقّه ؟ فلم أدرما أجيبه ؟ فقال : يجب عليهم الخمس، فقلت : وفي أي شيء ؟ فقال : في أمتعتهم وصنائعهم،قلت : والتاجر عليه، والصانع بيده ؟ فقال : إذا أمكنهم بعد مؤنتهم (43).
إلى غير ذلك من الأحاديث والأخبار المرويّةعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين - عليهم السلام - التيتدلّ على شمول الخمس لكل مكسب.