بسم الله الرحمن الرحيم:
اللهم صل على محمد وآله الطاهرين.
هناك ادلة تدل على امامة العترة الطاهرة غير ماثبت بالنص
حيث استدل بها بعض الفضلا. ونكتفي منها بدليلين .
لدليل الأول:
ماورد في سيرة النبي صلى الله عليه وآله من أنه كان يعرض نفسه على القبائل في أول بعثته، ويطلب منها أن تحميه لكي يبلغ رسالة ربه.. وأن بعض القبائل قبلت عرضه بشرط أن يكون الأمر لها من بعده، فأجابها النبي صلى الله عليه وآله بأنه مجرد رسول والأمر ليس له، بل هو لله تعالى يجعله لمن يريد!
وأبرز ما وجدنا من ذلك: حديث بني عامر بن صعصعة، وحديث كندة، وكلاهما في أول البعثة، وحديث عامر بن الطفيل، وهو في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وآله
تى بني عامر بن صعصعة فدعاهم الى الله عز وجل، وعرض عليهم نفسه، فقال:
له رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال له: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟
قال: الأمر الى الله، يضعه حيث يشاء.
قال فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا! لا حاجة لنا بأمرك! فأبوا عليه.
فلما صدر الناس، رجعت بنو عامر الى شيخ لهم، قد كانت أدركته السن حتى لا يقدر أن يوافى معهم المواسم، فكانوا إذا رجعوا إليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم، فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم، فقالوا: جاءنا فتىً من قريش ثم أحد بني عبد المطلب، يزعم أنه نبي يدعونا الى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به الى بلادنا، قال: فوضع الشيخ يديه على رأسه، ثم قال: يا بني عامر هل لها من تلافٍ؟! هل لذناباها من مُطَّلب؟! والذي نفس فلانٍ بيده ما تقوَّلها إسماعيليٌّ قط، وإنها لحق، فأين رأيكم كان عنكم! انتهى.
وأما حديث قبيلة كندة، فرواه ابن كثير في سيرته: 2|159 قال:
قال عبد الله بن الأجلح: وحدثني أبي عن أشياخ قومه، أن كندة قالت له: إن ظفرت تجعل لنا الملك من بعدك؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الملك لله، يجعله حيث يشاء.
فقالوا: لا حاجة لنا فيما جئتنا به!. انتهى.
وأما حديث عامر بن الطفيل شيخ مشايخ قبائل غطفان، فرواه ابن كثير ، قال:
عن ابن عباس أن أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر بن كلاب، وعامر بن الطفيل بن مالك، قدما المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهيا إليه وهو جالس، فجلسا بين يديه: فقال عامر بن الطفيل:
ـ يا محمد، ما تجعل لي إن أسلمت؟
ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم.
ـ قال عامر: أتجعل لي الأمر إن أسلمت، من بعدك؟
ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس ذلك لك، ولا لقومك، ولكن لك أعنة الخيل.
ـ قال: أنا الآن في أعنة خيل نجد، إجعل لي الوَبَر، ولك المَدَر.
ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا.
ـ فلما قفل من عنده، قال عامر: أما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً!
ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمنعك الله.
ـ وفي ص 112، قال: وكان عامر بن الطفيل قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أخيرك بين ثلاث خصال: يكون لك أهل السهل ويكون لي أهل الوبر، وأكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء!
قال فطَعَن (أصيب بالطاعون) في بيت امرأة فقال: أغُدَّةٌ كغدة البعير، وموتٌ في بيت امرأة من بني فلان! (وفي رواية في بيت سلولية) ائتوني بفرسي، فركب، فمات على ظهر فرسه!. انتهى.
الدليل الثاني:
أن بيعة النبي صلى الله عليه وآله للأنصار تضمنت ثلاثة شروط:
الأول:
أن يحموه مما يحمون منه أنفسهم.
الثاني:
أن يحموا أهل بيته وذريته مما يحمون منه أهل بيوتهم وذراريهم.
الثالث: أن لا ينازعوا الأمر أهله.
وهذا يعني أن يطيعوا من يختاره الله تعالى للقيادة بعد نبيه صلى الله عليه وآله، وأن مبدأ الإختيار الآلهي للأئمة بعد النبي صلى الله عليه وآله كان مفروغاً عنه من أول الرسالة.
وقد وفت الأنصار بالشرط الأول خير وفاء، ولكنها حنثت بالشرطين الأخيرين حنثاً سيئاً مع الأسف!
ـ ففي صحيح البخاري: 8|122
عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم.
(قال سفيان: زاد بعض الناس: ما لم تروا كفراً بواحاً). ورواه البيهقي في سننه: 8|145.
ورووا روايات فيها الزيادة التي ذكرها سفيان، وزيادة أخرى.. كما في صحيح البخاري: 8|88 قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعنا، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً، عندكم من الله فيه برهان. .
ورواه البيهقي في سننه: 8|145
ـ وروى أحمد في مسنده: 5|321: عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليك السمع والطاعة، في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك، ولا تنازع الأمر أهله، وإن رأيت أنه لك .
وهاتان الزيادتان محل شكٍ، لأن البيعة كانت قبل الهجرة، ولم يكن فيها استثناء من الطاعة، ولم تكن مسألة إثرة القرشيين على الأنصار مطروحة أبداً إلا بعد بيعة أبي بكر، واعتراض رئيس الأنصار صاحب السقيفة سعد بن عبادة، وما جرى له.. وهذا يوجب الاطمئنان بأن زيادتي الإستثناء والأثرة نشأتا من جو علاقة الأنصار مع الخلافة القرشية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله.
ويلاحظ أن الصحاح القرشية أكثرت من رواية شرط النبي صلى الله عليه وآله على الأنصار أن لا ينازعوا الأمر أهله، لأجل أن تحتج عليهم بأنهم لا سهم لهم في الخلافة القرشية.. ولكنها لم تروِ شرط النبي صلى الله عليه وآله على الأنصار أن يمنعوا أهل بيته وذريته مما يمنعون منه أهليهم، لأن ذلك في غير مصلحة الخلافة القرشية، التي هاجمت بيت فاطمة وعلي عليهما السلام، وأشعلت فيه النار لتحرقه بمن فيه، إن لم يخرجوا ويبايعوا!
ـ قال في مجمع الزوائد: 6|49
عن عبادة بن الصامت أن أسعد بن زرارة قال: يا أيها الناس، هل تدرون على ما تبايعون محمداً صلى الله عليه وسلم؟ إنكم تبايعونه أن تحاربوا العرب والعجم، والجن والإنس! فقالوا: نحن حرب لمن حارب، وسلم لمن سالم.
قالوا: يارسول الله إشترط.
قال: تبايعوني على أن: تشهدوا أن لا إلَه إلا الله، وأني رسول الله، وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة، والسمع والطاعة، وأن لا تنازعوا الأمر أهله، وأن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم.
وعن حسين بن علي قال: جاءت الأنصار تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على العقبة فقال: يا علي قم فبايعهم، فقال علي: ما أبايعهم يا رسول الله؟
قال: على أن يطاع الله ولا يعصى، وعلى أن لا تمنعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وذريته، مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم .