إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

رسالة الى الرئيس المصري محمد مرسي: إرشادات في مجال استمداد الدستور من مبادئ الإسلام‏

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رسالة الى الرئيس المصري محمد مرسي: إرشادات في مجال استمداد الدستور من مبادئ الإسلام‏

    إرشادات في مجال استمداد الدستور من مبادئ الإسلام‏


    بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏


    الحمد للَّه‏ ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمّد صلّى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه الطيّبين.


    وبعد؛ إنّه لمن الفرص الثمينة لُامّتنا الإسلاميّة في هذه المرحلة من تاريخها العصيب والتي تواجه فيها تيّارات واتّجاهات مضادّة تملك من الإمكانات المادّيّة والأيديولوجيّة والتنظيميّة ما يكون جديراً بها أن تتوفّق لزرع الشكوك في‏ نفوس أبنائها وتشتّت أفكارهم والتضعيف من إيمانهم بأقدس رسالة وأمثل شريعة اختارها اللَّه سبحانه وتعالى لعباده في هذه الحياة.



    أقول: إنّها لفرصة ثمينة لهذه الامّة أن تجد بعد عناء جهيد وصبر طويل قيام تجربة إسلاميّة تحاول أن تستمدّ دستورها من مبادئ الإسلام فحسب، وعلى ضوء ما يشرّعه من أنظمة وقوانين ومناهج كفيلة بأن تضمن لإنسانها في كافّة شؤونه، وما يحتاج إليه في الحياة العدالة والسعادة والرقيّ.


    وهذه الفرصة بقدر ما توجب الشعور لدى الواعين من أبناء الامّة العارفين قيمة أيديولوجيّتهم بالارتياح والنصر والعزّة، تثير فيهم من ناحية اخرى مخاوف خطيرة من جرّاء احتمالات فشل هذه التجربة، وعدم نجاحها في تحقيق كلّ تلك الآمال التي كانت تعيشها الامّة وتنتظرها ويقصد إليها المخلصون من أبنائها عبر صراعهم الفكري والأيديولوجي مع الاتّجاهات الاخرى المعاصرة، ذلك أ نّه في حالة من هذا القبيل سوف تنتكس تلك الروح المعنويّة عند أبناء الامّة وتتزلزل ثقتهم بقدرتهم على إدارة الحياة البشريّة المعاصرة على أساس أيديولوجيّتهم الإسلاميّة التي آمنوا بها ودافعوا عنها بكلّ غالٍ ونفيس، وفي ذلك بلاءٌ للمؤمنين عظيم.


    ولذلك فنحن نهيب بكلّ المسؤولين المشاركين في هذه التجربة أن يكونوا على مستوى أداء هذه المسؤوليّة الجسيمة؛ بأن يستشعروا أوّلًا مدى خطورة الموقف ودقّته، ويؤدّوا ثانياً دورهم في تحمّل هذه المسؤوليّة بكلّ أمانة وإخلاص بمبادئ الإسلام دون تأثّر بالتيّارات والأيديولوجيّات الاخرى، وثالثاً: أن يستفيدوا بهذا الصدد من كافّة الإمكانات الفكريّة والفقهيّة التي تملكها امّتنا الإسلاميّة بمختلف فرقها ومذاهبها.


    ولا أظنّ أنّ هناك من لا يشاركني الاعتقاد بأنّ هذه النقطة الأخيرة هي أهمّ‏ مراحل هذه المهمّة وأكثرها إيجابيّة في الوصول إلى الهدف المنشود؛ ذلك أنّ وضع دستور يستمدّ كلّ بنوده وفصوله من الإسلام بنحو يكفل تنظيم كلّ جوانب الحياة الإنسانيّة المعاصرة وإشباع كلّ ما تتطلّبه من حاجات على مستوى العصر ليس بالأمر الهيّن اليسير؛ إذ الموسوعات الفقهيّة وكتب الفتاوى التقليديّة- كما تعلمون- لا تتضمّن ما يمكن طرحه مباشرة دستوراً شاملًا للدولة ونظاماً متكاملًا لحياة الامّة، لأنّها من ناحية لا تستوعب كلّ ما يحتاجه إنسان اليوم من علاج فقهي وقانوني لمشاكله الحياتيّة، وإذا ما استوعب جانباً منها أحياناً فبشكلٍ ناقص ومحدود ينسجم مع ظروف غير باقية على حالها. ومن ناحية اخرى إنّها تعبّر عن اجتهادات قد مارسها وفتاوى قد استنبطها من مصادر الشريعة الأوّليّة المتمثّلة في الكتاب والسنّة فقهاء عاشوا في فترة زمنيّة سابقة لا تتطابق في الظروف والملابسات المدنيّة والاجتماعيّة والفكريّة مع حياتنا المعاصرة ومشاكلها وحاجاتها، فأصبح تطبيقها- خصوصاً وقد اغلق باب الاجتهاد منذ زمن بعيد عند أكثر المذاهب الإسلاميّة- غير قادر على تحقيق تلك الآمال العريضة التي يصبو إليها المخلصون من أبناء هذه الامّة العاملون في سبيل إعادة مجدها وعزّتها بالإسلام. لأنّ تطبيقها حرفيّاً كثيراً ما لا ينسجم مع الظروف المستمدّة أو لا تفي بإشباع كلّ الحاجات، وتركها إلى الأنظمة الوضعيّة الحديثة أو تطعيمها بشي‏ء منها خروج عن حكم اللَّه سبحانه وتعالى إلى حكم الإنسان، وسقوط في الازدواجيّة بين الإسلام والكفر، وهو عين النفاق والارتداد «فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويسلّموا تسليماً» هنالك تبرز الحاجة القصوى أمام المتصدّين لوضع صيغة دستوريّة إسلاميّة من هذا القبيل إلى الاستعانة بمذاهب إسلاميّة لا تزال أبواب الاجتهاد مفتوحة عند فقهائها، ولا يزال يمارس اولئك الفقهاء علاج المشاكل المستجدّة والمعاصرة عن طريق استنباط حكمها الإسلامي عن الكتاب والسنّة مباشرة.
    وفي هذا المجال نحن نرى أنّ ما أنتجته حركة الاجتهاد وسيره المتطوّر لدى علماء الشيعة في العراق وإيران من فتاوى فقهيّة وصياغات قانونيّة تعدّ أثرى وأخصب ثروة فقهيّة وفكريّة يمكن أن يستمدّ منها في محاولة وضع الدستور الإسلامي المزمع عليه. بل لقد كان لفقهاء هذه المدرسة الفضل الكبير على الفكر الإسلامي بصورة عامّة والفكر الفقهي بصورة خاصّة بما حاوله ولا يزال يحاوله أحد كبار فقهاء هذه المدرسة في العراق بتقديم حلول وصيغ متكاملة متناسقة من الأنظمة الإسلاميّة التي تعالج مشاكل الحياة المعاصرة تكون مستمدّة ومستنبطة من مصادر التشريع الإسلامي مباشرة، ممّا أثبت جدارة الفقه الإسلامي وقدرته على إشباع حاجات الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة المعاصرة وحلّ مشاكلها المعقّدة بشكل أفضل وأمثل ممّا تعالجه الأنظمة الوضعيّة، وقد كان نتاج إحدى هذه المحاولات الكتاب الإسلامي القيّم الشهير (اقتصادنا) الذي بحقّ قد ملأ فراغاً كبيراً وخطيراً على الفكر الإسلامي في مجابهته للتيّارات والاتّجاهات الاقتصاديّة الوضعيّة المعاصرة، حيث رسم اصول المذهب والنظام الاقتصادي مستنبطاً إيّاه من الكتاب والسنّة دون تقيّد بإطار مذهبي معيّن، بل لوحظ فيه إلى درجة بالغة أن تكون الصيغة المستخلصة للمذهب الاقتصادي الإسلامي موافقة مع أكبر عدد ممكن من آراء علماء الإسلام وفقهاء المذاهب المختلفة، فجاء الكتاب فتحاً مبيناً في هذا المضمار يفتخر به المفكّرون الإسلاميّون ويعتبرونه مصدراً فقهيّاً ورصيداً إسلاميّاً ضخماً لا تستغني عنه الدراسات الاقتصاديّة الحديثة فضلًا عن الأنظمة الاقتصاديّة الإسلاميّة.


    وعلى هذا الأساس كيف يمكن الاستغناء في أ يّة محاولة لوضع دستور إسلامي ناجح على مستوى العصر من آراء وأفكار مثل هذا الفقيه الإسلامي الكبير ومدرسته الفقهيّة الثرّة؟!


    وليست هذه المرّة الاولى التي يطلب فيها الاستعانة بآراء مدارس فقهيّة إسلاميّة متنوّعة لوضع صيغة إسلاميّة اقتصاديّة أو قانونيّة، فقد اتّفق أكثر من مرّة أن استعانت بعض الحكومات الإسلاميّة أو اللجان الرسميّة التي تشكّلت في إطارها لدراسة كيفيّة وضع اطروحة إسلاميّة لتنظيم بعض جوانب الحياة الاقتصاديّة بآراء وفتاوى فقهاء الشيعة، وقد تمخّض بعض تلك المحاولات عن نتائج جيّدة، نذكر منها على سبيل المثال الاطروحة المستمدّة من الفقه الإسلامي لمشروع بنك لا ربوي التي وضعها فقيهنا السابق الذكر لتنظيم كافّة الأدوار والخدمات التي تقوم بها المصارف والبنوك في الحياة الاقتصاديّة المعاصرة في صيغة إسلاميّة لا ربويّة، والتي كانت جواباً على طلب وجّهته إليه الحكومة الكويتيّة قبل عشر سنوات تقريباً، وقد طبعت في الكويت ضمن كتاب تحت عنوان (البنك اللاربوي في الإسلام). وكذلك رجعت إليه بعض الدول العربيّة الاخرى حينما حاولت أن تطبّق الحدود وفقاً للشريعة الإسلاميّة «1».


    وهكذا نستطيع أن نقول بأنّنا حينما نطالب باعتبار الفقه الشيعي وآراء فقهائهم مصدراً من المصادر التي لا بدّ وأن يستعان بها في وضع الصيغة الإسلاميّة للدستور لا يكون منطلقنا مجرّد الإحساس بضرورة تنجم عن كون الشيعة يشكّلون جزءاً معتدّاً به كمّاً وكيفاً من الامّة الإسلاميّة التي يراد وضع الدستور لها فحسب، بل نستند في ذلك أيضاً إلى مبرّرات علميّة موضوعيّة عرضنا جانباً منها آنفاً، والتي نرجو أن تكون كافية لإقناع المسؤولين ممّن يتحمّلون أعباء هذه المسؤوليّة التاريخيّة الخطيرة بوجهة نظرنا هذه.


    واللَّه من وراء القصد، وهو وليّ التوفيق‏

    ______________________________
    (1) ربّما يقصد المعونة التي كانت قد طلبتها الحكومة الليبيّة



    *هذا المقالٌ أملاه السيّد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره على الشيخ محمّد رضا النعماني وأرسله إلى الشيخ يوسف نفسي، وذلك في الظرف التاريخي الذي قامت فيه تجربة إسلاميّة في بلاد «باكستان» حاولت استمداد دستورها من مبادئ الإسلام، وكان يخشى فشل هذه التجربة وعدم نجاحها في تحقيق آمال الامّة الإسلاميّة. وقد حاول رحمه الله من خلال ذلك إبلاغ إرشاداته القيّمة في هذا المجال إلى المسؤولين المشاركين في هذه التجربة بصورة غير مباشرة وباسم بعض الشخصيّات الإسلاميّة المتواجدة في تلك البلاد، وكان وقتئذٍ سماحة الشيخ يوسف نفسي من علماء الشيعة المستوطنين هناك، فأرسل هذا المقال إليه ليقوم بإيصال مضامينه إلى هؤلاء المسؤولين بالنحو المناسب لهذا الشأن ومن دون أن يحمل اسمه.
    المصدر: لجنة التحقيق لموسوعة الشهيد محمد باقر الصدر ج17 (ومضات) ص317
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X