إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

إشكالية التواتر

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إشكالية التواتر

    إن التواتر يفيده القطع في العادة، وهو لا يفتقر، في قبوله، إلى ضرورة التأكد من سلامة آحاده ...هذه بدهية أولية.

    ولكن ثمة تفاصيل أخرى ونظر آخر، قد يمنعان من المسايرة والقبول التام قبل القيام بالإجراءات اللازمة لترسيم العلامات والحدود، التي يفتقر إليها في تأسيس هذا الموضوع.

    وذلك لأن هذه الطريق الموسوم بالتواتر، مما يلتحق بها بعض المطاعن أو الشواغب في العادة، وهي شواغب مانعة من إمكانية القطع بمحمولها دون طردها وإبعادها نهائياً.
    بالنظر إلى أن هذا التواتر المقصود، هو عبارة عن نقل جمع من الناس، يحيل العقل تواطؤهم على الكذب، عادة، عن مثلهم.

    أي أن هذا التواتر هو عبارة سلسة من الطبقات، كل طبقة تنقل إلى التي تليها نفس ما شهدته، أو سمعته، مما يلزم أن تتوفر نفس شروط التواتر في كل طبقة من هذه الطبقات، وأي خلل في هذه الشروط، ولو كان ذلك في طبقة واحدة، صارت النتيجة النهائية للتواتر ظنية لا قطعية، فافتقرت بدورها إلى دليل قطعي لاعتبارها.

    ويمكن تلخيص هذه الشروط، التي ينبغي توفرها في كل الطبقات، في الأمور التالية:

    1 ـ السلامة من الدوران:

    ونعني بالدوران هو انتقال الخبر من واحد، أو اثنين، أو جمع لا يحيل العقل تواطؤهم على الكذب إلى آخر، أو آخرين، ومنهم إلى غيرهم، حتى يعود الخبر إلى مصادره الأولى من طرق أخرى، كانت قد سمعته من ذات المصدر، وهكذا يدور الخبر وقد نقله بعضهم من بعض في نفس الطبقة، حتى صاروا يظنون أنهم قد نقلوه عن الجمع الكثير، مشكلين بذلك طبقة "وهمية"، قوامها الدوران، كنافورة الماء، فينتشر بينهم بطريق الشيوع، حتى إذا أدوا هذا الخبر إلى الطبقة التي تليهم ذهب ظنهم بأن ما سمعوه هو نقل تواتر، في حين أنهم تلقوه عن طريق واحد أو اثنين أو عدد لم يبلغ حد التواتر، ثم انتشر بينهم.
    إذن لا بد من التأكد من أن جمع التواتر كان حاضراً في كل الطبقات، لا مجرد الشيوع المبني على خدعة الدوران.

    2 ـ
    السلامة من الصفة:

    ونعني بالصفة، تلك الأسباب والدواعي التي يمكن أن تدفع مجموعة بشرية ما، إلى الاتفاق والتواطؤ على موضوع أو موقف معين، ومن نماذج هذه المجموعات البشرية ما يلي:

    أ- أصحاب مذهب واحد، كأن يكونوا جميعاً من أهل السنة.
    ب- أصحاب خدمة أو مهنة واحدة، كأن يكونوا بحارة أو حدادين أو مهندسين...الخ.
    ج- من قبيلة واحدة، يجمعهم شيخ واحد..أو من حزب واحد، أو دائرة واحدة يخضعون لرئيس وقيادة واحدة.
    هـ- من جماعة واحدة، يخضعون لرئيس واحد، كأن يكونوا جنداً تحت إمرة قائد واحد...الخ من الجماعات التي تتحقق فيها هذه الصفة.
    إذن لا بد من التأكد من ضمانة عدم اتحاد الصفة في الجماعة البشرية الناقلة.

    3- السلامة من التغرب:

    وذلك بأن تكون أحد هذه الطبقات نقل آحاد، بحيث "يتغرب السند" وينقطع جمع التواتر من هذه الطبقة، ثم يستفيض مرة أخرى، مشكلاً طبقة وهمية مشعرة بالتواتر في جميع طبقات النقل، في حين أن التواتر قد انقطع في طبقة ما، وإن توفر في غيرها.

    4- السلامة من العهدة، والمواطئة العرضية:

    والتي تحدث عادة بسب الانسياق الذهني اللاواعي وراء مؤثرات الإلف والعادة والقناعات الراسخة..حتى بدون قصد أو نية مبيتة.

    5- السلامة من نقل المحسوس غير المنضبط:

    فمن هنا، كان من الضروري التحقق من حيازة كل طبقة من طبقات التواتر على هذه الشروط، وإلا لما عد متواتراً، بل صار أمره إلى الظن، وصار النقل ظنياً.

    ولكن هل هذا ممكن من الناحية العملية؟

    الجواب: لا.

    لأنه من المتعذر والمستحيل التقهقر إلى الوراء في محاولة للتأكد من توفر هذه الشروط في كل طبقات التواتر.
    مما يعنى أن التحقق من انتفاء الشواغب وفقاً للعادة غير ممكن، وبالتالي بقاء الظن ملتصقاً بالتواتر على كل حال.

    6- السلامة من وقوع انخرام العادة:


    إذن فالتواتر يلزمه:

    أ- التحقق من شروط التواتر جميعاً، وهو متعذر بلا شك، وبالتالي فإنه يستحيل علينا القطع بمحموله.

    ب- وحتى لو افترضنا انحسام هذه الشروط، فثمة إشكالات أخرى أهمها ما يلي:

    1- باعتبار أن التواتر لا ينحسم إلا بتتابعه في كل الطبقات دون انقطاع في أي من هذه الطبقات، بدءاً من نقطة الانطلاق، حتى وصوله إلى نقطة النهاية.

    بيد أن دخول الانقطاع في واحدة من هذه الحلقات المتتالية سيؤدي إلى الإطاحة بالقطع، وبالتالي انصرام الأمر إلى "الظن"، وذلك بسبب هذا الانقطاع الذي سيجعل من نقل التواتر ليس سوى خبراً آحاداً وحسب.

    2- بالنظر إلى أن كثيراً من الأحكام المنقولة لنا في الكتب توصف بالتواتر، فإنه لا بد من الإشارة، بأن هذا التواتر، المزعوم، حتى لو كان كذلك عند صاحب الكتاب، فإن ذلك لا يجعله متواتراً بالنسبة لقارئ الكتاب، لأنه مجرد إخبار عن صاحب الكتاب وحسب، وهو لا يعدو أن يكون خبراً آحاداً، لا يفيد إلا الظن.
    وحتى على فرض انتقاله، عبر مجموعة كتب أخرى، قد شكلت بمجموعها عدداً يوازى جمع التواتر، فلا بد هنا أيضاً من حسم الشواغب المتقدمة جميعها، حتى يتسنى لنا القطع بذلك.

    3- وعلاوة على ما تقدم، سنجد أمامنا عقبة كؤود، تتمثل في صعوبة تمييز التواتر عن "عمل الجموع الكثيرة" أو الشيوع، التي ليست بالضرورة نقل تواتر، كعمل الناس في مكان ما، بمذهب معين، جيلاً بعد جيل.
    فهم، على كثرتهم، وانتشار العمل بينهم وشيوعه، إلا أنهم لا يشكلون جمعاً متواتراً. مما يسبب الاختلاط بين التواتر وعمل العموم أو عمل الكافة، فيقتضي، بالضرورة، التمييز بينهما.

    وهذا التداخل يقدح في اعتبار ما نقل أنه من التواتر، وبالتالي، لا يمكن القطع بمحموله قبل ضبط الحدود وفصل التداخل.
    إذن فنقل التواتر لا يفيدنا إلا غلبة الظن قبل حسم هذه الشواغب..

    أما ما يسمى بالتواتر، بسبب كثرة طرق- الحديث – وتعددها في كتب العلماء،فهو غير سالم من المطاعن التي ذكرناها آنفاً، باعتباره عرضة- هو أيضاً- لشبهات كثيرة، ليس أقلها احتمال تعرضه للمواطئة والاتفاق بسبب وحدة الرأي أو الهوى أو المذهب أو المصلحة ...الخ

    أو تعرضه للدس والتزوير، وذلك باختراع المتون والأسانيد أو انتحالها أو سرقتها.
    وتأتي سرقة المتون- عادة- بعد تحويرها قليلاً، واستبدال أسانيدها قليلاً أو كثيراً بعد إحكام حلقاتها، لتبدو حقيقية لا تشوبها شائبة.، وذلك أما لدوافع مذهبية، أو بدوافع نفعية خالصة، أو لأغراض المباهاة والظهور.. أو لخلفيات الصراع والمناكفة...الخ.

    وليس ثمة جدوى من النظر، إلى عامل التباعد في المكان والزمان لا نهما معطلان في هذا الموطن ولا يعملان، وذلك لسبب بسيط وهو أننا هنا لا نتكلم عن الشخوص التي يمكن أن يسورها الزمان والمكان، بل نتكلم عن الكتب والمخطوطات..التي من ميزاتها التنقل عبر الزمان والمكان والقفز على حواجزه دون إشكال.

    وهذا- ولاشك- سيساهم في إزالة أخطر العوائق والعقبات التي كان يشكلها الفاصل المكاني والزماني، أمام مثل هؤلاء الرواة الذين أزمعوا على الانخراط في لعبة الدس والتزوير.
    حيث لم يبق أمامهم إلا أن يجمعوا ما تيسر لهم من كتب ومصادر، ثم ينتقوا منها ما يريدون من أحاديث ومرويات، ليجروا عليها التعديلات اللازمة.. لينقلها عنهم غيرهم، ليجروا عليها-بدورهم- ما رغبوا فيه من تعديلات كذلك.. وهكذا.. ليصل إلينا قطاف هذا العمل في نهاية المطاف، كتواتر لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

    وهذا الكلام ليس من قبيل المجازفات أو الفروض النظرية البحثة، بل هو كلام قائم على حقيقة معاينة ماثلة، قد أيدها الوقوع الذي يمكن مشاهدته ببساطة، في هذا اللفيف من التواترات التي بسطت بضلالها على فهوم وأذهان أتباع الفرق والمذاهب.

    ويكفي فقط-للتدليل على قولي- أن نتذكر بأن لكل مذهب(تواتراته الخاصة) التي تقوم على كثرة الطرق وتعددها، وهي تتناقض في مجمل مداليلها ومضامينها مع مداليل ومضامين التواترات في المذاهب الأخرى.
    مع قناعة أتباع كل مذهب،بما انطرح أمامهم من تواترات خاصة بمذهبهم. في مقابل تفنيد التواترات المقابلة، التي يدعيها الخصم المذهبي ويحرص على تكريسها والدفاع عنها بإيمان تام.

    ومغزى التواطؤ-كما نلاحظ- موجود في الغالب، في أكثر المسائل، إذ أخذنا بعين الاعتبار بأن التواطؤ ليس مقصوراً على انتهاض امكانية الاتفاق المتعارف عليها،بل يكفي فيها فقط،وجود الدوافع المؤدية إلى ذات النتيجة بغض النظر عن وحدة الدافع أو غرضية هذا التواطؤ.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
ردود 2
12 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
يعمل...
X