زينب (ع)..وقار المحنة
نـــــــــــــــزار حيدر
نـــــــــــــــزار حيدر
ما ان استشهد سبط رسول الله (ص) الامام الحسين بن علي بنابي طالب بن فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص) في عاشوراء، العاشر من محرم الحرامعام 61 للهجرة على يد النظام السياسي الاموي القبلي المستبد والفاسد، حتى نهضتشقيقته عقيلة بني هاشم زينب الكبرى بنت علي عليهم السلام لتحمل على عاتقها مسؤوليةواحدة من اعظم الرسالات في تاريخ الانسانية بعد رسالة جدها رسول الله (ص) الاسلام،واقصد بها رسالة كربلاء، بل هي الاسلام في جوهرها وفحواها ومحتواها، اولم يقلالحسين السبط (ع) في كربلاء قبيل استشهاده {ان كان دين محمد لم يستقم الا بقتلي،فيا سيوف خذيني} وقبل ذلك قوله في وصيته التاريخية التي تركها عند اخيه محمد بنالحنفية بن امير المؤمنين عليهم السلام {الا واني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسداولا ظالما، وانما خرجت لطلب الاصلاح في امتي جدي، اريد ان آمر بالمعروف وانهى عنالمنكر، واسير بسيرة جدي رسول الله (ص) وابي علي بن ابي طالب}؟.
ولو تساءلنا هنا وقلنا: ما الذي فعلته العقيلة زينبعليها السلام لتستديم نهضة الحسين (ع) كل هذا الزمن الموغل في العمق، بل الى يوميبعثون؟ وما الذي كان سيحصل لولم تتحمل المسؤولية؟.
لقد فعلت العقيلة عليها السلام كل ما من شانه ان يحفظآثار النهضة الحسينية وحقيقتها وجوهرها من:
اولا: التشويه والتزييف، ثانيا: الاندثار والضياعوالنسيان.
وقبل كل شئ، فلقد حافظت العقيلة على تماسك الجبهةالداخلية من التفتت والانشطار والتمزق، وهو امر في غاية الاهمية، فالتماسك الداخليعنصر مهم من عناصر النصر، بل انه هو النصر في زمن الهزيمة، فكم من ثورات انتصرتالا انها انهزمت بعد حين بسبب تفتت جبهتها الداخلية؟ وهو الامر الذي نراه اليوم فياطار ما بات يعرف بالربيع العربي؟ والعكس هو الصحيح، فكم من حركات ثورية انهزمتامام النظام السياسي المستبد الا انها انتصرت بعد حين عندما حافظت على تماسكجبهتها الداخلية من الانفراط.
وليس كل من يتصدى لمسؤولية ما بعد النهضة ينجح في الحفاظعلى تماسك الجبهة الداخلية، ابدا، فالمتردد والشاك والمهزوز الايمان لا ينجح فيذلك ابدا، فالنجاح في هذا الحال بحاجة الى ايمان عميق بالقيم والمبادئ التي جاهدوضحى من اجلها من سبقه في الطريق، والايمان هذا بحاجة الى ثقة عالية جدا بالنفسوبالاهداف، كثقة الصحابي الجليل عمار بن ياسر، رضوان الله تعالى عليه، الذي قال فيمعركة صفين عندما حاول البعض تشكيكه بهدفه وزرع الريبة في الامام علي عليه السلام(والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا انا على الحق وانهم على الباطل)فالنصر والهزيمة برأيي الواثق بنفسه وبامامه وقائده لا تقاس بالتقدم والفرار وانمابالنهايات، فكم من نصر اعقبته هزيمة نكراء؟ وكم من هزيمة اعقبها نصر مؤزر؟.
كما ان النجاح في مهمة رص الصف والحيلولة دون تفتتالجبهة الداخلية بحاجة الى قوة شخصية، فالضعيف لا يقدر على انجازها ابدا، ولانزينب بنت علي (ع) كانت على يقين بما اتى به الحسين (ع) ولانها كانت واثقة من النصروالفتح الذي بشر به الامام الشهيد ولو بعد حين، ولقوة شخصيتها الرسالية التيورثتها عن جدها وامها وابيها وشقيقيها الحسن والحسين عليهم السلام، لذلك نجحت فيالحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية لمعسكر الامام، حيا وميتا، في كربلاء وفي الكوفةوفي الشام وفي كل ارض حلت بها، فنسمعها تقول عليها السلام تخاطب الطاغية يزيد بنمعاوية في مجلسه بالشام {فوالله ما فريت الا جلدك، وما حززت الا لحمك} وهو تعبيرينم عن قوة في الشخصية ويقين في الايمان وثبات في الموقف.
وفي واحدة من اعظم العبارات التي تعبر عن الثقة بالنفس،خاطبته عليها السلام بقولها {فكد كيدك واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحوذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك امدها، ولا ترخص عنك عارها}.
ولقد قالت العقيلة هذه العبارة في لحظة كان فيها الطاغيةيمتلك كمل اسباب القوة والجبروت والقهر، من جانب، وكل اسباب الديمومة من دعايةواموال وقدرة عجيبة على التزوير والتضليل وشراء الذمم، من جانب آخر، وهنا تكمنعظمة الثقة عند ابنة علي عليهما السلام.
ان هذه الثقة بالنفس هي مصداق حقيقي لقول الله عز وجليصف به المتقين في محكم كتابه الكريم بقوله {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين،الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} فالايمان الحقيقيبالغيب، والذي يعني اليقين بصفات الله عز وجل وعدم الشك فيها قيد انملة، هو الذييمنح الثقة العالية بالنفس وبما يؤمن به المرء، وان هذه الثقة هي التي منحتالعقيلة كل هذا الصبر والصمود لمواجهة الانهيار على الرغم من عظم المصيبة وفداحةالموقف وهول التضحية، وانني اجزم لو لم تكن زينب عليها السلام هي من تحملت مسؤوليةرسالة عاشوراء لرايناها تنهار امام العدو وتستسلم له، ما سينتهي بجبهة الحق الىالانهيار والتفتت الداخلي، وبالتالي اسدال الستار عن كل شئ.
ان الايمان الحقيقي بالغيب، وبصفات الله عز وجل، كونهسينتقم من الظالم، عاجلا ام آجلا، وانه اذا امهل الظالم فانه لن يمهله ابدا، وانهتعالى سيخلق يوما للمظلوم على الظالم اشد من يوم الظالم على المظلوم، ان كل ذلككان الدافع الحقيقي لقول العقيلة (ع) تخاطب الطاغية ابن زياد {ولتردن على رسولالله (ص) بما تحملت من سفك دماء ذريته، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيثيجمع الله شملهم، ويلم شعثهم، وياخذ بحقهم {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللهامواتا بل احياء عند ربهم يرزقون} وحسبك بالله حاكما، وبمحمد (ص) خصيما، وبجبرائيلظهيرا}.
ان الواثق من نفسه لا يتزعزع ايمانه او يقينه او موقفه،أوقع على الموت ام وقع الموت عليه، التف الناس حوله ام تركوه وحيدا، نصره المجتمعام خذله؟ حقق نصرا ماديا ام لم يحقق؟ فالنصر، في المفهوم الزينبي، هو نصر الارادةالتي يجب ان تكسر، وليس النصر المادي، ولذلك لم يجانب الحقيقة من قال (ان فيعاشوراء انتصر الدم على السيف) الدم بما يمثل من رمزية معنوية وروحية وعاطفية تميلالى الحق اين ما مال، على السيف بما يمثل من رمزية مادية دنيوية غشومة ظالمة تميلمع الباطل ومع اغراءات الطاغوت وترغيباته وترهيباته اينما مالت.
ان اعظم درس نتعلمه من العقيلة زينب عليها السلام هوالوقار عند الهزائز، وعدم فقدان الاتزان والتوازن، والذي ينتجه الصبر الذي ينتجهاليقين والثقة وعمق الايمان.
لماذا ترانا نفقد توازننا في اول مواجهة مع الظالم؟ بللماذا ترانا نفقد توازننا بمجرد ان نختلف مع بعضنا؟ لماذا ننجر الى الباطل في اولخطأ يرتكبه الاخر بحقنا؟ لماذا ننهار امام ابسط اغراء يقدمه الطاغوت او امام اولتهديد نسمعه منه؟ لماذا لا نتعلم كيف نحافظ على تماسكنا عند الخلاف والاختلاف؟لماذا نلجأ، مع كل اختلاف في وجهات النظر، الى سياسة التسقيط والشتائم وكشفالاسرار ونشر الغسيل وتجبين بعضنا البعض الاخر؟.
لماذا لا نتعلم من زينب الكبرى عليها السلام كيف نضبطردود افعالنا عند الخلاف والاختلاف، فلا يجرنا باطل الاخر الى ان نخرج من الحق؟.
لقد عشنا في العراق مؤخرا مثلان لهذا الانهيار القيميوالاخلاقي، الاول عندما اختلفنا في الراي بشان بعض الشعائر الحسينية، بين مؤيدومخالف، وهذا امر طبيعي جدا، وهو ليس بجديد في الساحة الشيعية، ولكن الجديد المخزيهو ان لا يكتفي الطرفان بفتاواهم او بالكلام المؤيد او المخالف، وانما يستخدماالارجل والايدي والتنابز بالالقاب والسباب والشتائم وغير ذلك مما يتنافى والوعيالحسيني الذي يرفض استخدام القوة لفرض الراي او اجبار الاخر على الاقتناع بما لايؤمن به، فكلنا نعرف بان الحسين السبط عليه السلام ظل يحاور القوم الى آخر لحظة فييوم عاشوراء، فرفض البدء بقتال وهو على يقين بان من يقاتله سيخلد في نار جهنم، الاانه، بهذه الاخلاقيات والمناقبيات، اراد ان يعلمنا كيف نتعامل مع بعضنا وكيف نتحملبعضنا البعض الاخر وكيف نختلف وكيف نتفق وكيف نجتمع وكيف نفترق، فلماذا يتحولالاختلاف في وجهات النظر في اطار مدرسة واحدة الى صراع والى اشتباك بالايديوالالسن؟ الا يكفينا ما نحن فيه من ازمات لنفتعل ازمات جديدة؟ الا يكفينا تحدياتخارجية تهدد كياننا وانتماءنا وهويتنا لنفتعل لانفسنا تحديات داخلية تذهب بريحناوارادتنا ووحدتنا وقوتنا وتماسكنا اذا ما استمرت او تكررت لا سامح الله؟.
ان على مراجع الدين وعلى الفقهاء والعلماء، وان علىالمثقفين ان يحتووا الخلافات لا ان يصنعوها، وان عليهم ان يستوعبوا الساحة من اجلتوحيدها وتنظيمها لا ان يفعلوا ما يفرقها اكثر او يمزقها اكثر؟.
ان اخشى ما اخشاه هو ان يتحول الفقيه الى سيف بيد الهمجالرعاع يهددون به من يختلف معه في الراي بالقتل والويل والثبور، لان مثل هذا السيفسيكرس الاستبداد بنوعيه، الا وهما الاستبداد السياسي والاستبداد الديني، وهذا مناخطر ما يتعرض له المجتمع، اي مجتمع، فما بالك بالمجتمع العراقي المسكون بالازماتوالتحديات وكل انواع الاستبداد، بدءا من البيت والى السلطة السياسية مرورابالمدرسة والشارع ومحل العمل والجامعة والمسجد وغير ذلك.
فيا ايها العلماء والفقهاء والمراجع والمثقفين وحملةالاقلام، رفقا بالعراقيين، فانهم اليوم بحاجة الى من يداوي جراحهم ويضمد نزيفهم لاان يصب الملح على الجراح ويعمق النزيف، بفتاوى اكل عليها الدهر وشرب، وبآراء لمتغن او تسمن من جوع.
اما المثل الثاني، فهو ما شهدته محافظة الانبار عندمااستغل بعض السفهاء حماس الجماهير ليدس انفه الطائفي في مسيرة الاحتجاج التي نظمهاالاهالي مؤخرا.
ان التظاهر والاحتجاج والمسيرات السلمية، كلها امورمندوبة اليوم في العراق الجديد، بل انها حقوق دستورية لكل مواطن عراقي يحاولالتعبير عن رايه باية وسيلة سلمية مناسبة، فليس في مسيرة الاحتجاج التي نظمهااهالي الرمادي اي ضير او ضرر لا على العراق ولا على شعب العراق، ولكن...
لماذا يجب ان تقفز الشعارات الطائفية فجأة في وسطالاحتجاجات؟ لماذا لم يكتف المحتجون بالشعارات الوطنية؟ لماذا تركوا غربانالطائفية من الموتورين والحاقدين ومن لف لفهم يرفعوا شعارات الطائفية البغيضة؟لماذا تثيرنا الاجواء المشحونة فترى حتى عقلائنا ينجرون خلف الطائفية من حيثارادوا او لم يريدوا؟.
متى سنتعلم كيف نتعامل مع الازمات السياسية بعيدا عنالطائفية والتمييز المذهبي والاثني؟ لماذا نعتبر خطأ المسؤول الشيعي خطأ الطائفة برمتها،وخطا المسؤول السني خطأ الطائفة برمتها وخطا المسؤول العربي او الكردي خطا المكونباجمعه؟ لماذا هذا التعميم المنبوذ؟ اولم يقل رب العزة {ولا تزر وازرة وزر اخرى}؟.
ان هذه اللغة لا تخدم العراق ابدا، ويكذب من يدعي انهبمثل هذه الشعارات يعبر عن حرصه على العراق وشعبه ومستقبل اجياله.
ان مثل هذا عدو نفسه وعدو العراق والعراقيين على حدسواء، ولذلك يجب على العراقيين ان لا ينجروا خلف امثاله من اجل ان لا يقعوا فيالفخ، وذلك يتطلب ان نحافظ على اتزاننا ووقارنا عند الخلاف والاختلاف، وعندالتعبير عن قناعاتنا.
على العراقيين ان يعزلوا مثل هذه العناصر الطائفيةالمتشنجة، لنحمي البلاد والعباد من خطر الانزلاق الى التازيم الطائفي مرة اخرى،فلقد جرب العراقيون ذلك من قبل فلم يحصدوا الا الندم آخرا، وما سياسات الطاغيةالذليل صدام حسين الطائفية والعنصرية ببعيدة عنا، ويتوهم من يتصور ان بامكانهالعودة بالعراق الى سابق عهده فيعيد عقارب الزمن العراقي الى الخلف بمثل هذهالتحشيدات الطائفية والشعارات غير الوطنية، التي توظف العواطف النبيلة للشارعليركب الموج بمجذاف الطائفية والعنصرية والتمييز.
لنستحضر الوطن ولنفعل ما نشاء ونقول ما نشاء ونرفع منالشعارات ما نشاء، فليكن اتفاقنا وطنيا واختلافنا وطنيا وشعارنا وطنيا واحتجاجناوطنيا، فذلك كله يخدم البلاد في اطار الدستور والقانون.
ان من يوظف الخطاب الطائفي للتحريض ولاثارة الفتنة منخلال استخدام الكلمات النابية التي يترفع القلم الشريف عن ذكرها انما يصف نفسه،وانا اربأ بنفسي هنا عن ذكر اوصافه.
تعالوا نتعلم من زينب عليها السلام كيف نتعامل مع المحنةباخلاق راقية وادب جم وخطاب يقطر طهارة وايمانا بالقضية المقدسة، فالتسافل فيالخطاب يضيع على المرء حقه مهما كان الحق معه، لان الراي العام ينظر الى خطابالرجال قبل ان يتفحص مواقفهم، ولذلك حرصت السيدة زينب عليها السلام على ان تظلمتماسكة منذ اللحظة الاولى التي اعقبت استشهاد اخيها سيد شباب اهل الجنة وحتى آخرلحظة من حياتها، فكم مرة حاول الطاغوت (المنتصر ماديا) ان يستفزها لتنطق بما لايقبله الذوق والعقل السليم، الا انها في كل مرة كانت تستوعب تحديه وتعيده حجراتلقمه به فيتراجع القهقري مخذولا مذموما.
قال لها طاغية الكوفة، عبيد الله بن زياد، بعد ان وصلتاليها مع قافلة السبايا شامتا: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم، فردت {انمايفتضح الفاسق ويكذب الفاجرن وهو غيرنا} فقال لها الطاغية: كيف رايت صنع الله باخيكواهل بيتك؟ فاجابته بوقار وادب جم {ما رايت الا جميلا، هؤلاء قوم كتب الله عليهمالقتل فبرزوا الى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن يكونالفلج يومئذ، هبلتك امك يابن مرجانة}.
ان سبب تمردنا على القيم عند الخلاف والاختلاف هو التزمتوالتعصب في الراي والموقف، وانعدام الوسطية والتوازن، واحتكار الحقيقة، ولذلكنلاحظ ان الاسلام حث على الوسطية في القول والفعل، ودعا الى عدم احتكار الحقيقةباي شكل من الاشكال، وربما لهذا السبب لا زال علماء المسلمين وفقهاءهم ومراجعهميذيلون فتاواهم بعبارة (والله اعلم) والتي تشير الى ان الفتوى تحتمل الخطأوالصواب، انما الواجب على الفقيه ان يبذل كل جهده المعرفي ويستفرغ كل طاقتهالعلمية للوصول الى افضل الآراء، من دون ان يعني ذلك انه الحق والصواب بعينه، فمابالك بالحق المطلق؟.
ان اعظم قاعدة يجب ان نستذكرها دائما ونحن نتحاور ويناقشبعضنا بعضا ونفتي وندلي براي، هو قول الله عز وجل في محكم كتابه الكريم {وانا اواياكم لعلى هدى او في ضلال مبين} هذه القاعدة القرآنية التي تنفي الحق المطلق لايانسان، كما انها تلغي فكرة احتكار الحقيقة من قبل احد، اي احد، هي التي يجب انتحكم علاقاتنا وتفاوتنا في الاراء والافكار والمتبنيات، من اجل ان لا يستعلي احدعلى احد ابدا، ظنا منه بانه يمتلك ناصية الحق وغيره على باطل، ولذلك يجب قتاله حتىيفئ الى امر الله عز وجل.
ان من واجب الفقيه ان يبدي رايه الشرعي فقط وليس عليه انيفرضه على الاخرين، خاصة عامة الناس الذين لا يرجعون اليه بالتقليد، ومن المعلومفان الفقيه الحاذق هو الذي يوظف ادوات العلم والمعرفة عندما يناقش رايا او مسالة،بعيدا عن الاستهزاء والسباب والتهجم، لان كل ذلك له مردود عكسي على عملية التاثيرعلى الراي العام، اما ان يوظف او اتباعه، لا فرق، السلاح الابيض مثلا او التهديدوالوعيد لفرض راي فقهي معين، فذلك ليس من الانصاف في شئ كما انه ليس من الدينوالعلم في شئ.
لقد اخبر مستشارو الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالبعليه السلام، وهو وقتها الخليفة المطاع والمبسوط اليد، اخبروه بان جماعة منالمسلمين يؤدون صلاة التراويح جماعة في مسجد الكوفة، فارسل لهم ولده السبط الحسنبن علي عليهما السلام ليمنعهم من ذلك قائلا له {أخبرهم بان امير المؤمنين يقول لكمبان هذا الفعل حرام لا ينبغي لمؤمن فعله} فلقد حرم رسول الله (ص) اداء صلاةالتراويح جماعة.
ذهب اليهم الحسن السبط عليه السلام ونقل لهم راي الحاكمالاعلى في بلاد المسلمين، فكانت ردة فعلهم ان صرخوا بصوت عال وهبوا هبة رجل واحدقائلين (وا سنة عمراه) في اشارة منهم الى ان الخليفة هذا يريد ان يمنعهم من سنةتعودوا عليها كان قد استنها لهم الخليفة الثاني.
عاد الحسن عليه السلام الى امير المؤمنين عليه السلامونقل له الموقف، فقال {دعهم وشانهم} فهو لم يبعث جماعته بالسكاكين لتخريب الصلاةفي المسجد، كما انه لم يهدد باغلاق المسجد اذا استمر المسلمون بذلك، او انه هددبتدمير المسجد على رؤوس من فيه اذا ما كرروا الفعل الحرام في رايه الشرعي، ابدا،بالاضافة الى انه عليه السلام لم يهدد احدا بالقتل او الاغتيال او اي شئ من هذاالقبيل، اذا تمردوا على قراره ورايه الشرعي، لان كل ذلك ليس من وسائل التغييرالاجتماعي ابدا، ونحن، اتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام، انما اختلفنا مع مدرسةالصحابة، فيما اختلفنا، في هذه النقطة على وجه الخصوص، الا وهي ان العنف والاكراهوالجبر والقتل والارغام ليست من ادوات نشر الاسلام ابدا، وانها ليست من ادواتالتغيير الاجتماعي باي شكل من الاشكال، وهي الادوات التي ظل يمارسها الامويون حتىتحولت الى (دين) يتعبد به من جاء من بعدهم الى اليوم، فترى التيارات السلفيةالتكفيرية تتعبد بمثل هذه الادوات لفرض رايها واتجاهاتها وافكارها على الاخرين،فيقتلون زوار الحسين عليه السلام لمنعهم من السير اليه في الاربعين، ويفجرونالسيارات المفخخة لارعاب المؤمنين من محبي اهل البيت عليهم السلام للحيلولة دوناقامة الشعائر الحسينية، وهكذا. الميزان
27كانون الاول // 2012
ولو تساءلنا هنا وقلنا: ما الذي فعلته العقيلة زينبعليها السلام لتستديم نهضة الحسين (ع) كل هذا الزمن الموغل في العمق، بل الى يوميبعثون؟ وما الذي كان سيحصل لولم تتحمل المسؤولية؟.
لقد فعلت العقيلة عليها السلام كل ما من شانه ان يحفظآثار النهضة الحسينية وحقيقتها وجوهرها من:
اولا: التشويه والتزييف، ثانيا: الاندثار والضياعوالنسيان.
وقبل كل شئ، فلقد حافظت العقيلة على تماسك الجبهةالداخلية من التفتت والانشطار والتمزق، وهو امر في غاية الاهمية، فالتماسك الداخليعنصر مهم من عناصر النصر، بل انه هو النصر في زمن الهزيمة، فكم من ثورات انتصرتالا انها انهزمت بعد حين بسبب تفتت جبهتها الداخلية؟ وهو الامر الذي نراه اليوم فياطار ما بات يعرف بالربيع العربي؟ والعكس هو الصحيح، فكم من حركات ثورية انهزمتامام النظام السياسي المستبد الا انها انتصرت بعد حين عندما حافظت على تماسكجبهتها الداخلية من الانفراط.
وليس كل من يتصدى لمسؤولية ما بعد النهضة ينجح في الحفاظعلى تماسك الجبهة الداخلية، ابدا، فالمتردد والشاك والمهزوز الايمان لا ينجح فيذلك ابدا، فالنجاح في هذا الحال بحاجة الى ايمان عميق بالقيم والمبادئ التي جاهدوضحى من اجلها من سبقه في الطريق، والايمان هذا بحاجة الى ثقة عالية جدا بالنفسوبالاهداف، كثقة الصحابي الجليل عمار بن ياسر، رضوان الله تعالى عليه، الذي قال فيمعركة صفين عندما حاول البعض تشكيكه بهدفه وزرع الريبة في الامام علي عليه السلام(والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا انا على الحق وانهم على الباطل)فالنصر والهزيمة برأيي الواثق بنفسه وبامامه وقائده لا تقاس بالتقدم والفرار وانمابالنهايات، فكم من نصر اعقبته هزيمة نكراء؟ وكم من هزيمة اعقبها نصر مؤزر؟.
كما ان النجاح في مهمة رص الصف والحيلولة دون تفتتالجبهة الداخلية بحاجة الى قوة شخصية، فالضعيف لا يقدر على انجازها ابدا، ولانزينب بنت علي (ع) كانت على يقين بما اتى به الحسين (ع) ولانها كانت واثقة من النصروالفتح الذي بشر به الامام الشهيد ولو بعد حين، ولقوة شخصيتها الرسالية التيورثتها عن جدها وامها وابيها وشقيقيها الحسن والحسين عليهم السلام، لذلك نجحت فيالحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية لمعسكر الامام، حيا وميتا، في كربلاء وفي الكوفةوفي الشام وفي كل ارض حلت بها، فنسمعها تقول عليها السلام تخاطب الطاغية يزيد بنمعاوية في مجلسه بالشام {فوالله ما فريت الا جلدك، وما حززت الا لحمك} وهو تعبيرينم عن قوة في الشخصية ويقين في الايمان وثبات في الموقف.
وفي واحدة من اعظم العبارات التي تعبر عن الثقة بالنفس،خاطبته عليها السلام بقولها {فكد كيدك واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحوذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك امدها، ولا ترخص عنك عارها}.
ولقد قالت العقيلة هذه العبارة في لحظة كان فيها الطاغيةيمتلك كمل اسباب القوة والجبروت والقهر، من جانب، وكل اسباب الديمومة من دعايةواموال وقدرة عجيبة على التزوير والتضليل وشراء الذمم، من جانب آخر، وهنا تكمنعظمة الثقة عند ابنة علي عليهما السلام.
ان هذه الثقة بالنفس هي مصداق حقيقي لقول الله عز وجليصف به المتقين في محكم كتابه الكريم بقوله {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين،الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} فالايمان الحقيقيبالغيب، والذي يعني اليقين بصفات الله عز وجل وعدم الشك فيها قيد انملة، هو الذييمنح الثقة العالية بالنفس وبما يؤمن به المرء، وان هذه الثقة هي التي منحتالعقيلة كل هذا الصبر والصمود لمواجهة الانهيار على الرغم من عظم المصيبة وفداحةالموقف وهول التضحية، وانني اجزم لو لم تكن زينب عليها السلام هي من تحملت مسؤوليةرسالة عاشوراء لرايناها تنهار امام العدو وتستسلم له، ما سينتهي بجبهة الحق الىالانهيار والتفتت الداخلي، وبالتالي اسدال الستار عن كل شئ.
ان الايمان الحقيقي بالغيب، وبصفات الله عز وجل، كونهسينتقم من الظالم، عاجلا ام آجلا، وانه اذا امهل الظالم فانه لن يمهله ابدا، وانهتعالى سيخلق يوما للمظلوم على الظالم اشد من يوم الظالم على المظلوم، ان كل ذلككان الدافع الحقيقي لقول العقيلة (ع) تخاطب الطاغية ابن زياد {ولتردن على رسولالله (ص) بما تحملت من سفك دماء ذريته، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيثيجمع الله شملهم، ويلم شعثهم، وياخذ بحقهم {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللهامواتا بل احياء عند ربهم يرزقون} وحسبك بالله حاكما، وبمحمد (ص) خصيما، وبجبرائيلظهيرا}.
ان الواثق من نفسه لا يتزعزع ايمانه او يقينه او موقفه،أوقع على الموت ام وقع الموت عليه، التف الناس حوله ام تركوه وحيدا، نصره المجتمعام خذله؟ حقق نصرا ماديا ام لم يحقق؟ فالنصر، في المفهوم الزينبي، هو نصر الارادةالتي يجب ان تكسر، وليس النصر المادي، ولذلك لم يجانب الحقيقة من قال (ان فيعاشوراء انتصر الدم على السيف) الدم بما يمثل من رمزية معنوية وروحية وعاطفية تميلالى الحق اين ما مال، على السيف بما يمثل من رمزية مادية دنيوية غشومة ظالمة تميلمع الباطل ومع اغراءات الطاغوت وترغيباته وترهيباته اينما مالت.
ان اعظم درس نتعلمه من العقيلة زينب عليها السلام هوالوقار عند الهزائز، وعدم فقدان الاتزان والتوازن، والذي ينتجه الصبر الذي ينتجهاليقين والثقة وعمق الايمان.
لماذا ترانا نفقد توازننا في اول مواجهة مع الظالم؟ بللماذا ترانا نفقد توازننا بمجرد ان نختلف مع بعضنا؟ لماذا ننجر الى الباطل في اولخطأ يرتكبه الاخر بحقنا؟ لماذا ننهار امام ابسط اغراء يقدمه الطاغوت او امام اولتهديد نسمعه منه؟ لماذا لا نتعلم كيف نحافظ على تماسكنا عند الخلاف والاختلاف؟لماذا نلجأ، مع كل اختلاف في وجهات النظر، الى سياسة التسقيط والشتائم وكشفالاسرار ونشر الغسيل وتجبين بعضنا البعض الاخر؟.
لماذا لا نتعلم من زينب الكبرى عليها السلام كيف نضبطردود افعالنا عند الخلاف والاختلاف، فلا يجرنا باطل الاخر الى ان نخرج من الحق؟.
لقد عشنا في العراق مؤخرا مثلان لهذا الانهيار القيميوالاخلاقي، الاول عندما اختلفنا في الراي بشان بعض الشعائر الحسينية، بين مؤيدومخالف، وهذا امر طبيعي جدا، وهو ليس بجديد في الساحة الشيعية، ولكن الجديد المخزيهو ان لا يكتفي الطرفان بفتاواهم او بالكلام المؤيد او المخالف، وانما يستخدماالارجل والايدي والتنابز بالالقاب والسباب والشتائم وغير ذلك مما يتنافى والوعيالحسيني الذي يرفض استخدام القوة لفرض الراي او اجبار الاخر على الاقتناع بما لايؤمن به، فكلنا نعرف بان الحسين السبط عليه السلام ظل يحاور القوم الى آخر لحظة فييوم عاشوراء، فرفض البدء بقتال وهو على يقين بان من يقاتله سيخلد في نار جهنم، الاانه، بهذه الاخلاقيات والمناقبيات، اراد ان يعلمنا كيف نتعامل مع بعضنا وكيف نتحملبعضنا البعض الاخر وكيف نختلف وكيف نتفق وكيف نجتمع وكيف نفترق، فلماذا يتحولالاختلاف في وجهات النظر في اطار مدرسة واحدة الى صراع والى اشتباك بالايديوالالسن؟ الا يكفينا ما نحن فيه من ازمات لنفتعل ازمات جديدة؟ الا يكفينا تحدياتخارجية تهدد كياننا وانتماءنا وهويتنا لنفتعل لانفسنا تحديات داخلية تذهب بريحناوارادتنا ووحدتنا وقوتنا وتماسكنا اذا ما استمرت او تكررت لا سامح الله؟.
ان على مراجع الدين وعلى الفقهاء والعلماء، وان علىالمثقفين ان يحتووا الخلافات لا ان يصنعوها، وان عليهم ان يستوعبوا الساحة من اجلتوحيدها وتنظيمها لا ان يفعلوا ما يفرقها اكثر او يمزقها اكثر؟.
ان اخشى ما اخشاه هو ان يتحول الفقيه الى سيف بيد الهمجالرعاع يهددون به من يختلف معه في الراي بالقتل والويل والثبور، لان مثل هذا السيفسيكرس الاستبداد بنوعيه، الا وهما الاستبداد السياسي والاستبداد الديني، وهذا مناخطر ما يتعرض له المجتمع، اي مجتمع، فما بالك بالمجتمع العراقي المسكون بالازماتوالتحديات وكل انواع الاستبداد، بدءا من البيت والى السلطة السياسية مرورابالمدرسة والشارع ومحل العمل والجامعة والمسجد وغير ذلك.
فيا ايها العلماء والفقهاء والمراجع والمثقفين وحملةالاقلام، رفقا بالعراقيين، فانهم اليوم بحاجة الى من يداوي جراحهم ويضمد نزيفهم لاان يصب الملح على الجراح ويعمق النزيف، بفتاوى اكل عليها الدهر وشرب، وبآراء لمتغن او تسمن من جوع.
اما المثل الثاني، فهو ما شهدته محافظة الانبار عندمااستغل بعض السفهاء حماس الجماهير ليدس انفه الطائفي في مسيرة الاحتجاج التي نظمهاالاهالي مؤخرا.
ان التظاهر والاحتجاج والمسيرات السلمية، كلها امورمندوبة اليوم في العراق الجديد، بل انها حقوق دستورية لكل مواطن عراقي يحاولالتعبير عن رايه باية وسيلة سلمية مناسبة، فليس في مسيرة الاحتجاج التي نظمهااهالي الرمادي اي ضير او ضرر لا على العراق ولا على شعب العراق، ولكن...
لماذا يجب ان تقفز الشعارات الطائفية فجأة في وسطالاحتجاجات؟ لماذا لم يكتف المحتجون بالشعارات الوطنية؟ لماذا تركوا غربانالطائفية من الموتورين والحاقدين ومن لف لفهم يرفعوا شعارات الطائفية البغيضة؟لماذا تثيرنا الاجواء المشحونة فترى حتى عقلائنا ينجرون خلف الطائفية من حيثارادوا او لم يريدوا؟.
متى سنتعلم كيف نتعامل مع الازمات السياسية بعيدا عنالطائفية والتمييز المذهبي والاثني؟ لماذا نعتبر خطأ المسؤول الشيعي خطأ الطائفة برمتها،وخطا المسؤول السني خطأ الطائفة برمتها وخطا المسؤول العربي او الكردي خطا المكونباجمعه؟ لماذا هذا التعميم المنبوذ؟ اولم يقل رب العزة {ولا تزر وازرة وزر اخرى}؟.
ان هذه اللغة لا تخدم العراق ابدا، ويكذب من يدعي انهبمثل هذه الشعارات يعبر عن حرصه على العراق وشعبه ومستقبل اجياله.
ان مثل هذا عدو نفسه وعدو العراق والعراقيين على حدسواء، ولذلك يجب على العراقيين ان لا ينجروا خلف امثاله من اجل ان لا يقعوا فيالفخ، وذلك يتطلب ان نحافظ على اتزاننا ووقارنا عند الخلاف والاختلاف، وعندالتعبير عن قناعاتنا.
على العراقيين ان يعزلوا مثل هذه العناصر الطائفيةالمتشنجة، لنحمي البلاد والعباد من خطر الانزلاق الى التازيم الطائفي مرة اخرى،فلقد جرب العراقيون ذلك من قبل فلم يحصدوا الا الندم آخرا، وما سياسات الطاغيةالذليل صدام حسين الطائفية والعنصرية ببعيدة عنا، ويتوهم من يتصور ان بامكانهالعودة بالعراق الى سابق عهده فيعيد عقارب الزمن العراقي الى الخلف بمثل هذهالتحشيدات الطائفية والشعارات غير الوطنية، التي توظف العواطف النبيلة للشارعليركب الموج بمجذاف الطائفية والعنصرية والتمييز.
لنستحضر الوطن ولنفعل ما نشاء ونقول ما نشاء ونرفع منالشعارات ما نشاء، فليكن اتفاقنا وطنيا واختلافنا وطنيا وشعارنا وطنيا واحتجاجناوطنيا، فذلك كله يخدم البلاد في اطار الدستور والقانون.
ان من يوظف الخطاب الطائفي للتحريض ولاثارة الفتنة منخلال استخدام الكلمات النابية التي يترفع القلم الشريف عن ذكرها انما يصف نفسه،وانا اربأ بنفسي هنا عن ذكر اوصافه.
تعالوا نتعلم من زينب عليها السلام كيف نتعامل مع المحنةباخلاق راقية وادب جم وخطاب يقطر طهارة وايمانا بالقضية المقدسة، فالتسافل فيالخطاب يضيع على المرء حقه مهما كان الحق معه، لان الراي العام ينظر الى خطابالرجال قبل ان يتفحص مواقفهم، ولذلك حرصت السيدة زينب عليها السلام على ان تظلمتماسكة منذ اللحظة الاولى التي اعقبت استشهاد اخيها سيد شباب اهل الجنة وحتى آخرلحظة من حياتها، فكم مرة حاول الطاغوت (المنتصر ماديا) ان يستفزها لتنطق بما لايقبله الذوق والعقل السليم، الا انها في كل مرة كانت تستوعب تحديه وتعيده حجراتلقمه به فيتراجع القهقري مخذولا مذموما.
قال لها طاغية الكوفة، عبيد الله بن زياد، بعد ان وصلتاليها مع قافلة السبايا شامتا: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم، فردت {انمايفتضح الفاسق ويكذب الفاجرن وهو غيرنا} فقال لها الطاغية: كيف رايت صنع الله باخيكواهل بيتك؟ فاجابته بوقار وادب جم {ما رايت الا جميلا، هؤلاء قوم كتب الله عليهمالقتل فبرزوا الى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن يكونالفلج يومئذ، هبلتك امك يابن مرجانة}.
ان سبب تمردنا على القيم عند الخلاف والاختلاف هو التزمتوالتعصب في الراي والموقف، وانعدام الوسطية والتوازن، واحتكار الحقيقة، ولذلكنلاحظ ان الاسلام حث على الوسطية في القول والفعل، ودعا الى عدم احتكار الحقيقةباي شكل من الاشكال، وربما لهذا السبب لا زال علماء المسلمين وفقهاءهم ومراجعهميذيلون فتاواهم بعبارة (والله اعلم) والتي تشير الى ان الفتوى تحتمل الخطأوالصواب، انما الواجب على الفقيه ان يبذل كل جهده المعرفي ويستفرغ كل طاقتهالعلمية للوصول الى افضل الآراء، من دون ان يعني ذلك انه الحق والصواب بعينه، فمابالك بالحق المطلق؟.
ان اعظم قاعدة يجب ان نستذكرها دائما ونحن نتحاور ويناقشبعضنا بعضا ونفتي وندلي براي، هو قول الله عز وجل في محكم كتابه الكريم {وانا اواياكم لعلى هدى او في ضلال مبين} هذه القاعدة القرآنية التي تنفي الحق المطلق لايانسان، كما انها تلغي فكرة احتكار الحقيقة من قبل احد، اي احد، هي التي يجب انتحكم علاقاتنا وتفاوتنا في الاراء والافكار والمتبنيات، من اجل ان لا يستعلي احدعلى احد ابدا، ظنا منه بانه يمتلك ناصية الحق وغيره على باطل، ولذلك يجب قتاله حتىيفئ الى امر الله عز وجل.
ان من واجب الفقيه ان يبدي رايه الشرعي فقط وليس عليه انيفرضه على الاخرين، خاصة عامة الناس الذين لا يرجعون اليه بالتقليد، ومن المعلومفان الفقيه الحاذق هو الذي يوظف ادوات العلم والمعرفة عندما يناقش رايا او مسالة،بعيدا عن الاستهزاء والسباب والتهجم، لان كل ذلك له مردود عكسي على عملية التاثيرعلى الراي العام، اما ان يوظف او اتباعه، لا فرق، السلاح الابيض مثلا او التهديدوالوعيد لفرض راي فقهي معين، فذلك ليس من الانصاف في شئ كما انه ليس من الدينوالعلم في شئ.
لقد اخبر مستشارو الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالبعليه السلام، وهو وقتها الخليفة المطاع والمبسوط اليد، اخبروه بان جماعة منالمسلمين يؤدون صلاة التراويح جماعة في مسجد الكوفة، فارسل لهم ولده السبط الحسنبن علي عليهما السلام ليمنعهم من ذلك قائلا له {أخبرهم بان امير المؤمنين يقول لكمبان هذا الفعل حرام لا ينبغي لمؤمن فعله} فلقد حرم رسول الله (ص) اداء صلاةالتراويح جماعة.
ذهب اليهم الحسن السبط عليه السلام ونقل لهم راي الحاكمالاعلى في بلاد المسلمين، فكانت ردة فعلهم ان صرخوا بصوت عال وهبوا هبة رجل واحدقائلين (وا سنة عمراه) في اشارة منهم الى ان الخليفة هذا يريد ان يمنعهم من سنةتعودوا عليها كان قد استنها لهم الخليفة الثاني.
عاد الحسن عليه السلام الى امير المؤمنين عليه السلامونقل له الموقف، فقال {دعهم وشانهم} فهو لم يبعث جماعته بالسكاكين لتخريب الصلاةفي المسجد، كما انه لم يهدد باغلاق المسجد اذا استمر المسلمون بذلك، او انه هددبتدمير المسجد على رؤوس من فيه اذا ما كرروا الفعل الحرام في رايه الشرعي، ابدا،بالاضافة الى انه عليه السلام لم يهدد احدا بالقتل او الاغتيال او اي شئ من هذاالقبيل، اذا تمردوا على قراره ورايه الشرعي، لان كل ذلك ليس من وسائل التغييرالاجتماعي ابدا، ونحن، اتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام، انما اختلفنا مع مدرسةالصحابة، فيما اختلفنا، في هذه النقطة على وجه الخصوص، الا وهي ان العنف والاكراهوالجبر والقتل والارغام ليست من ادوات نشر الاسلام ابدا، وانها ليست من ادواتالتغيير الاجتماعي باي شكل من الاشكال، وهي الادوات التي ظل يمارسها الامويون حتىتحولت الى (دين) يتعبد به من جاء من بعدهم الى اليوم، فترى التيارات السلفيةالتكفيرية تتعبد بمثل هذه الادوات لفرض رايها واتجاهاتها وافكارها على الاخرين،فيقتلون زوار الحسين عليه السلام لمنعهم من السير اليه في الاربعين، ويفجرونالسيارات المفخخة لارعاب المؤمنين من محبي اهل البيت عليهم السلام للحيلولة دوناقامة الشعائر الحسينية، وهكذا. الميزان
27كانون الاول // 2012