جزع السيدة زينب عليها السلام في مدينة الكوفة إقرار وحجة - (الحلقة الثانية)
بقلم فضيلة المحروس/23نوفمبر 2013
الشعائر الحسينيةشاملة للبكاء
قد يعترض البعض هناعلى ان الإمام المعصوم عليه السلام لم يحدد نوع أو صورة الجزع في الروايات السابقة،ولم يحصره في شج الرأس وإخراج الدم منه كما تقدم في رواية المحمل الآنفة الذكر في الحلقة الأولى.
وحسب ما يزعمه أصحاب هذا الرأي انه لا يجوز إلا البكاء والتباكي على الحسين عليه السلام فقط، (...هناك جاءت روايات معارضة للكثير من الجزع وأنواعه منها التي تنص صراحة (... على حرمة نتف الشعروخدش الجلد وجز الشعر وتشويه الخلقة وإظهار السخط ولو على أعز الأعزة من الأبناء والأباء والأزواج إلا أنه لم يستثن أحد من الفقهاء منه ما كان في إحياء العزاء على مصائب أهل البيت عليهم السلام فيفهم منه عموم الحكم)، واستدل على ذلك بقول صاحب العروة الوثقىعلى انه: "لا يجوز اللطم والخمش" . وعندما سئل وما هو المقدار الجائز منالشعائر الحسينية؟، أجاب- القدر المقطوع به المتفق عليه أن الأصل في الشعائر الحسينية البكاءوالتباكيوالنياحة والإنتحاب عند استذكار مصاب أهل البيت عليهم السلام لما حل بهم في واقعة كربلاء المقدسة..
وأجيب عن هذا الرأيالمحقق السيد الخوئي يقول تعليقا على قول صاحب العروة الوثقى: "وهذا كسابقه وإنورد النهي عنه في بعض الأخبار.. إلا أن الأخبار لضعفها سندا لا يمكن الإعتماد عليهافي الحكم بالحرمة". نعم استثنى الأصحابمن حرمة تلك الأمور الإتيان بها في حق الأئمة والحسين بن علي عليه السلام من لطم الخدوشق الجيب كما ورد في رواية خالد بن سدير" . وأضاف: ان الخوئي كان يرى رواية الفاطميات ضعيفة السند، رغم انه في تتمة حديثهكان يرى ممارسة هذه الأمور جائزة للإمام الحسين عليه السلام.
هدفنا من نقل هذاالرأي في استثناء حرمة هذه الأمور لأهل البيت عليهم السلام، ذلك لأن هناك زعم ان لاأحد قد أبدى رأيا مخالفا بهذا الخصوص!.
صاحب الجواهر أيضاًذكر في مؤلفه استثناء حرمة بعض هذه الأمور للإمام الحسين عليه السلام ، (على أن الشرعأباح شق الجيوب ليس على الإمام الحسين عليه السلام فقط، ولا على المعصومين عليهم السلامفحسب، وإنّما لكل رجل أن يشق جيبه في موت كل قريب له، عدا الولد والزوجة، ولكل امرأةأن تشق جيبها على كل قريب لها سوى من استثني.
ففي جواهر الكلامعن خالد بن سدير قال: سألت أبا عبد الله عن رجل شق ثوبه على أبيه أو على أمه أو علىأخيه أو على قريب له؟ فقال: (لا بأس بشق الجيوب، قد شقَّ موسى بن عمران على أخيه هارون،ولا يشقّ الوالد على ولده، ولا زوج على امرأته، وتشق المرأة على زوجها ولقد شققن الجيوب،ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليهما السلام، وعلى مثله تشق الجيوب، وتلطمالخدود).
وأتم السيد كلامهبالقول: (وهذه رواية صحيحة قد اتفق الأصحاب على العمل بها كالمحقق ابن إدريس الذي لايعمل بالآحاد. إذاً فلا مانع من شق الجيوب على كل فقيد عدا من استثني، كما لا مانعمن شق الجيوب على الإمام الحسين عليه السلام، بل يستحب لدخوله في عموم العزاء المندوبتجديده على الحسين عليه السلام ولأنّ الإمام الصادق عليه السلام ندب إليه في روايةالشيخ في التهذيب ورواية خالد بن سدير، بل يمكن التعدي إلى غير الإمام الحسين عليهالسلام لمكان كلمة ((مثل)) في هاتين الروايتين) .
وهذه حال الأمامالحسن العسكري عليه السلام إذ شق جيبه على أبيه الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام،(... فلما توفي الإمام عليه السلام حضر جميع الأشراف والأمراء لتشييع جنازته الطاهرة،وشق الإمام العسكري عليه السلام جيبه، ثم انصرف إلى غسله وتكفينه ودفنه، ودفنه في الحجرةالتي كانت محلاً لعبادته، واعترض بعض الجهلة على الإمام في ان شق الجيب لا يناسب شأنك،فوقع عليه السلام إلى من قال ذلك: «يا أحمق وما يدريك ما هذا، قد شق موسى على هارون» .
وشق الإمام العسكريصلوات الله عليه ثوبه " جزعا وحسرة على استشهاد أخيه الأكبر السيد محمد بن عليسبع الدجيل صلوات الله عليهما ولم يكن إماماً، وفعل ذلك في محضر أبيه الإمام الهاديصلوات الله عليه. وروى الكليني (أنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد صلوات اللهعليهم (سبع الدجيل) باب أبي الحسن (الهادي) يعزّونه، وقد بُسِط له في صحن داره والنساءجلوس حوله، فقالوا: قدّرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني هاشم وقريش مئة خمسونرجلا سوى مواليه وسائر الناس، إذ نظر إلى الحسن بن علي (العسكري) قد جاء مشقوق الجيبحتى قام عن يمينه).
اللطم وشق الجيب وخمش الوجه في كربلاء المقدسة
وتكرر شق جيب العقيلة زينب عليها السلام على أخيها الحسين عليه السلام في كربلاء المقدسة في عدة مواطن ومناسباتحزينة لأهل البيت عليهم السلام، وجرى بعض ذلك أمام الحسين عليه السلام وبعد شهادته،وهي كالآتي:-
-حين سمعت السيدة زينب عليها السلام أخاها الإمام الحسين عليه السلام ينشد: يا دهر أف لك من خليل، الخ...
لطمت وجهها، وهوتإلى جيبها فشقته، ثم خرت مغشياً عليها..
-وحين أخبرها الإمامالحسين عليه السلام ، بأنه عليه السلام رأى رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنه قالله: إنك تروح إلينا: (لطمت أخته وجهها، ونادت بالويل، الخ...) .
-وروى السيد ابن طاووسقدس سره: فأمر يزيد بالحبال فقُطّعت ثم وضع رأس الحسين عليه السلام بين يديه، وأجلسالنساء خلفه لئلا ينظرن إليه، فرآه علي بن الحسين عليهما السلام، فلم يأكل بعد ذلكأبداً، وأما زينب عليها السلام فإنّها لما رأته أهوت إلى جيبها فشقته، ثم نادت بصوتحزين يقرح القلوب: واحسيناه .
-وذكر السيد هاشمالبحراني قدس سره ـ ان بني هاشم لما بلغوا كربلاء بعد الرجوع من المدينة أخذوا بالبكاءوالنحيب واللطم، وأقاموا العزاء ثلاثة أيام، فخرجت زينب عليها السلام في الجمع، وأهوتإلى جيبها فشقته، ونادت بصوت حزين: وا حسيناه، وا حبيب رسول الله، وابن مكة ومنى، وابنفاطمة الزهراء عليها السلام، وابن علي المرتضى عليه السلام ، آه ثم آه،ووقعت مغشياً عليها)
وروى الشيخ في التهذيب،عن الإمام الصادق انه قال: "ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات.. وقد رويـ كما سبق - : "ان زينب وجميع النساء شققن الجيوب ولطمن الخدود" ـ في وفاةالإمام امير المؤمنين عليه السلام .
ويمكننا أن نلتمسإستحباب جميع أنواع الجزع على مصاب الإمام الحسين عليه السلام من موقف الإمام زين العابدينعليه السلام وسكوته - الذي يعد إقرار وحجة- عما بدر من الكوفيين من أفعال توحي عن شدة ندمهم وتحسرهم وإحساسهم بالتقصير إتجاهابن نبيهم الإمام الحسين عليه السلام وعترته الميامين خاصةً بعد سماعهم خطب أهل البيتعليهم السلام التي أقرعت قلوبهم قبل آذانهم.
كما روى السيد ابنطاووس: (وخطبت أم كلثوم بنت علي عليه السلام.. رافعة صوتها بالبكاء.. فقالت: يا أهل الكوفة سوءة لكم ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه وانتهبتم أمواله وورثتموه وسبيتم نساءهونكبتموه؟ فتبا لكم وسحقا.. قتلتم خير رجالات بعد النبي صلى الله عليه وآله ونزعت الرحمةمن قلوبكم ألا إن حزب الله هم الفائزون وحزب الشيطان هم الخاسرون ثم قالت- من ضمن ماقالت:
واني لأبكي في حياتيعلى أخي على خير من بعد النبي سيولد
بدمع غزير مستهلم كفكف على الخد مني دائما ليس يجمد
فضج الناس بالبكاءوالنوح، ونشر النساء شعورهن ووضعن التراب على رؤوسهن وخمشن وجوههن وضربن خدودهن ودعونبالويل والثبور.. وبكى الرجال ونتفوا لحاهم فلم ير باكية وباك أكثر من ذلك اليوم) .
و خمش الوجه أحدهذه الأفعال الذي يعني في اللغة: خدشه ولطمه وضربه وقطع عضواً منه.
فلو كان في هذا السلوك أي محذور أو نهي شرعي لما أقره وأمضاه الأئمة المعصومين عليهم السلام في عصورهم، هذابجانب أن وظيفتهم التشريعية تلزمهم ردع كل تصرفٍ أو فعلٍ غير صحيح أو غير مقبول، أوأي فعل فيه نقض للتكاليف والأحكام الشرعية، أو ضرر أو هلاك على النفس الإنسانية.
هذا فضلاً ان الأئمةالمعصومين عليهم السلام شاركوا في إحياء وتعظيم سيرة الإمام الحسين عليه السلام بمختلفالطرق والوسائل المشروعة.
الضرر في استحباب الجزع على الحسين عليه السلام
جاءت كثير من الروايات والنصوص المعتبرة عن أئمتنا صلوات الله عليهم تؤكد على موضوع الجزع بمختلف مصاديقه وعناوينه على الإمام الحسين صلوات الله عليه في ذكرى يوم مصابه وفاجعته الأليمة، حتىمع ورود إحتمال الضرر على النفس والجسد، فنجد مثلاً إدمائهم صلوات الله عليهم على جدهمالحسين عليه السلام لم يقتصر على إدماء الراس فقط إنما تعداه إلى إدماء العين وتقرحهابجانب إزهاق النفس وهلاكها التي تعد أشد وطأة وحملا من إدماء الراس فقط.
فقد روى المجلسي أعلى الله مقامه في بحاره ان الإمام زين العابدين عليه السلام كان إذا أخذ إناءً ليشربيبكي حتى يملأه دماً.
وكادت نفسه أن تخرجفي بعض من حالات حزنه كما. ) في "إقناع اللائم" أيضاً برواية عن إبن شهرآشوب في مناقبه عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال: عاش علي بن الحسين أربعين سنةوما وضع طعام بين يديه إلا وبكى، حتى قال له مولى له: جعلت فداك، يا ابن رسول الله،إني أخاف أن تكون من الهالكين، قال عليه السلام: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلممن الله مالا تعلمون إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة .
وقال له خادمه مرةً:أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال عليه السَّلام له: «ويحك انّ يعقوب النبي عليه السَّلامكان له اثنا عشر ابناً، فغيّب اللّه واحداً منهم، فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه،واحدودب ظهره من الغم و كان ابنه حياً في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني؟» .
وفي رواية عنه صلوات الله عليه وعلى لسانه الشريف (في حديث قال ـ واصفاًحاله حين حملت النساء على الأقتاب، ورأى الشهداء صرعى ـ : (... فيعظم ذلك في صدري،واشتد ـ لِما أرى منهم ـ قلقي، فكادت نفسي تخرج، وتبينت ذلك مني عمتي زينب الكبرى بنتعلي عليه السلام، فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك، يا بقية جدي، وأبي، وإخوتي، الخ..) .
ومن شدة البكاء تقرحتعين الإمام الرضا عليه السلام بعد مرور خمسة عصور على مصاب جده كما روى الصدوق عن جعفربن محمد بن مسرور، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن إبراهيمبن أبي محمود، عن الإمام الرضا عليه السلام: (إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا) .
والإمام صاحب العصروالزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف لا زال منتحباً نادباً يبكي دماً وتأسفاً ولوعةًوحسرة على مصاب جده الحسين عليه السلام حتى يأذن الله له بالظهور والفرج القريب، ولايبالي حتى ولو انتهى به البكاء إلى الموت بقوله: (... فلأندبنّك صباحاً ومساءً ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً حسرة عليك وتأسفاً على ما دهاك وتلهفاً حتى أموت بلوعة المصابوغصة الاكتياب...).
كما حزنت حزناً شديداًالسيدة الرباب رضوان الله عليها زوج الإمام الحسين عليه السلام بعد مقتله وبكته حتىجفت عيونها من الدموع وأوصت بعض جواريها باستخدامالسويق الذي ينفع في إدرار الدمعة وعرّضت نفسها أيضاً للموت الحتمي تأسفا ولوعة عليه كما روي أنها ما استظلت من الشمس وبقيت على هذهالحال لمدة عام واحد لم يظلها سقف حتى بليت وماتت كمدا.
المتحصل من ذلك مشروعية وإباحة الجزع على الإمام الحسين عليه السلام حتى مع إحتمال وقوع الأذى والضرر فيه،وما فعلته الحوراء زينب صلوات الله عليها في مدينة الكوفة هو خير مفاد وشاهد ودليلعلى مشروعية وإباحة هذه الشعيرة "شعيرة إسالة الدماء". فالأصل في الأشياءهو الإباحة مادام لم يورد نص من الكتاب أو السنة يحرّمه أو يبطله شرعا، كما روي عنالإمام الصادق عليه السلام: (كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام) وعنه عليه السلام أيضاً (كل شيء مطلق حتى يرد فيهنهي).
هذا فضلاً إن جميع الروايات التي ذكرت وصية الإمام الحسين لأخته السيدة زينب عليهما السلام تثبت خلافقول المدعى، لأنها (وردت بسند مرسل) ، وإن النهي فيها ورد نهي تنزيهي وليس تحريمي،وقيل أنه (مع إمكانية أن يكون طلب عدم شق الجيب من باب الشفقة من الإمام على زينب،أو من باب عدم الوقوع في شماتة الأعداء، - أو من باب الحفاظ على عترة الحسين عليه السلام-ودواعي صيغة (لا تفعل) متعددة كما تعلمون، وكما هو ثابت في اللغة والبلاغة، ومع عدموجود الدليل على تعيين إحدى المحتملات فلا مجال لإثبات الحرمة التكليفية) .
وقيل ان الوصية جاءت مقيّدة بظرف زمن المعركة وعليه يكون الجزع بجميع مصاديقه مقيد بهذا الظرف، وهو نظير وصية رسول الله صلى الله عليه وآله لإبنته الزهراء وزوجها أمير المؤمنين علي عليهماالسلام بعدم الجزع عليه بعد استشهاده.
تنويه: ممكن إرسال هذه المادة إلى جميعالجهات الإلكترونية لكن بدون تغير.
بقلم فضيلة المحروس/23نوفمبر 2013
الشعائر الحسينيةشاملة للبكاء
قد يعترض البعض هناعلى ان الإمام المعصوم عليه السلام لم يحدد نوع أو صورة الجزع في الروايات السابقة،ولم يحصره في شج الرأس وإخراج الدم منه كما تقدم في رواية المحمل الآنفة الذكر في الحلقة الأولى.
وحسب ما يزعمه أصحاب هذا الرأي انه لا يجوز إلا البكاء والتباكي على الحسين عليه السلام فقط، (...هناك جاءت روايات معارضة للكثير من الجزع وأنواعه منها التي تنص صراحة (... على حرمة نتف الشعروخدش الجلد وجز الشعر وتشويه الخلقة وإظهار السخط ولو على أعز الأعزة من الأبناء والأباء والأزواج إلا أنه لم يستثن أحد من الفقهاء منه ما كان في إحياء العزاء على مصائب أهل البيت عليهم السلام فيفهم منه عموم الحكم)، واستدل على ذلك بقول صاحب العروة الوثقىعلى انه: "لا يجوز اللطم والخمش" . وعندما سئل وما هو المقدار الجائز منالشعائر الحسينية؟، أجاب- القدر المقطوع به المتفق عليه أن الأصل في الشعائر الحسينية البكاءوالتباكيوالنياحة والإنتحاب عند استذكار مصاب أهل البيت عليهم السلام لما حل بهم في واقعة كربلاء المقدسة..
وأجيب عن هذا الرأيالمحقق السيد الخوئي يقول تعليقا على قول صاحب العروة الوثقى: "وهذا كسابقه وإنورد النهي عنه في بعض الأخبار.. إلا أن الأخبار لضعفها سندا لا يمكن الإعتماد عليهافي الحكم بالحرمة". نعم استثنى الأصحابمن حرمة تلك الأمور الإتيان بها في حق الأئمة والحسين بن علي عليه السلام من لطم الخدوشق الجيب كما ورد في رواية خالد بن سدير" . وأضاف: ان الخوئي كان يرى رواية الفاطميات ضعيفة السند، رغم انه في تتمة حديثهكان يرى ممارسة هذه الأمور جائزة للإمام الحسين عليه السلام.
هدفنا من نقل هذاالرأي في استثناء حرمة هذه الأمور لأهل البيت عليهم السلام، ذلك لأن هناك زعم ان لاأحد قد أبدى رأيا مخالفا بهذا الخصوص!.
صاحب الجواهر أيضاًذكر في مؤلفه استثناء حرمة بعض هذه الأمور للإمام الحسين عليه السلام ، (على أن الشرعأباح شق الجيوب ليس على الإمام الحسين عليه السلام فقط، ولا على المعصومين عليهم السلامفحسب، وإنّما لكل رجل أن يشق جيبه في موت كل قريب له، عدا الولد والزوجة، ولكل امرأةأن تشق جيبها على كل قريب لها سوى من استثني.
ففي جواهر الكلامعن خالد بن سدير قال: سألت أبا عبد الله عن رجل شق ثوبه على أبيه أو على أمه أو علىأخيه أو على قريب له؟ فقال: (لا بأس بشق الجيوب، قد شقَّ موسى بن عمران على أخيه هارون،ولا يشقّ الوالد على ولده، ولا زوج على امرأته، وتشق المرأة على زوجها ولقد شققن الجيوب،ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليهما السلام، وعلى مثله تشق الجيوب، وتلطمالخدود).
وأتم السيد كلامهبالقول: (وهذه رواية صحيحة قد اتفق الأصحاب على العمل بها كالمحقق ابن إدريس الذي لايعمل بالآحاد. إذاً فلا مانع من شق الجيوب على كل فقيد عدا من استثني، كما لا مانعمن شق الجيوب على الإمام الحسين عليه السلام، بل يستحب لدخوله في عموم العزاء المندوبتجديده على الحسين عليه السلام ولأنّ الإمام الصادق عليه السلام ندب إليه في روايةالشيخ في التهذيب ورواية خالد بن سدير، بل يمكن التعدي إلى غير الإمام الحسين عليهالسلام لمكان كلمة ((مثل)) في هاتين الروايتين) .
وهذه حال الأمامالحسن العسكري عليه السلام إذ شق جيبه على أبيه الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام،(... فلما توفي الإمام عليه السلام حضر جميع الأشراف والأمراء لتشييع جنازته الطاهرة،وشق الإمام العسكري عليه السلام جيبه، ثم انصرف إلى غسله وتكفينه ودفنه، ودفنه في الحجرةالتي كانت محلاً لعبادته، واعترض بعض الجهلة على الإمام في ان شق الجيب لا يناسب شأنك،فوقع عليه السلام إلى من قال ذلك: «يا أحمق وما يدريك ما هذا، قد شق موسى على هارون» .
وشق الإمام العسكريصلوات الله عليه ثوبه " جزعا وحسرة على استشهاد أخيه الأكبر السيد محمد بن عليسبع الدجيل صلوات الله عليهما ولم يكن إماماً، وفعل ذلك في محضر أبيه الإمام الهاديصلوات الله عليه. وروى الكليني (أنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد صلوات اللهعليهم (سبع الدجيل) باب أبي الحسن (الهادي) يعزّونه، وقد بُسِط له في صحن داره والنساءجلوس حوله، فقالوا: قدّرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني هاشم وقريش مئة خمسونرجلا سوى مواليه وسائر الناس، إذ نظر إلى الحسن بن علي (العسكري) قد جاء مشقوق الجيبحتى قام عن يمينه).
اللطم وشق الجيب وخمش الوجه في كربلاء المقدسة
وتكرر شق جيب العقيلة زينب عليها السلام على أخيها الحسين عليه السلام في كربلاء المقدسة في عدة مواطن ومناسباتحزينة لأهل البيت عليهم السلام، وجرى بعض ذلك أمام الحسين عليه السلام وبعد شهادته،وهي كالآتي:-
-حين سمعت السيدة زينب عليها السلام أخاها الإمام الحسين عليه السلام ينشد: يا دهر أف لك من خليل، الخ...
لطمت وجهها، وهوتإلى جيبها فشقته، ثم خرت مغشياً عليها..
-وحين أخبرها الإمامالحسين عليه السلام ، بأنه عليه السلام رأى رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنه قالله: إنك تروح إلينا: (لطمت أخته وجهها، ونادت بالويل، الخ...) .
-وروى السيد ابن طاووسقدس سره: فأمر يزيد بالحبال فقُطّعت ثم وضع رأس الحسين عليه السلام بين يديه، وأجلسالنساء خلفه لئلا ينظرن إليه، فرآه علي بن الحسين عليهما السلام، فلم يأكل بعد ذلكأبداً، وأما زينب عليها السلام فإنّها لما رأته أهوت إلى جيبها فشقته، ثم نادت بصوتحزين يقرح القلوب: واحسيناه .
-وذكر السيد هاشمالبحراني قدس سره ـ ان بني هاشم لما بلغوا كربلاء بعد الرجوع من المدينة أخذوا بالبكاءوالنحيب واللطم، وأقاموا العزاء ثلاثة أيام، فخرجت زينب عليها السلام في الجمع، وأهوتإلى جيبها فشقته، ونادت بصوت حزين: وا حسيناه، وا حبيب رسول الله، وابن مكة ومنى، وابنفاطمة الزهراء عليها السلام، وابن علي المرتضى عليه السلام ، آه ثم آه،ووقعت مغشياً عليها)
وروى الشيخ في التهذيب،عن الإمام الصادق انه قال: "ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات.. وقد رويـ كما سبق - : "ان زينب وجميع النساء شققن الجيوب ولطمن الخدود" ـ في وفاةالإمام امير المؤمنين عليه السلام .
ويمكننا أن نلتمسإستحباب جميع أنواع الجزع على مصاب الإمام الحسين عليه السلام من موقف الإمام زين العابدينعليه السلام وسكوته - الذي يعد إقرار وحجة- عما بدر من الكوفيين من أفعال توحي عن شدة ندمهم وتحسرهم وإحساسهم بالتقصير إتجاهابن نبيهم الإمام الحسين عليه السلام وعترته الميامين خاصةً بعد سماعهم خطب أهل البيتعليهم السلام التي أقرعت قلوبهم قبل آذانهم.
كما روى السيد ابنطاووس: (وخطبت أم كلثوم بنت علي عليه السلام.. رافعة صوتها بالبكاء.. فقالت: يا أهل الكوفة سوءة لكم ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه وانتهبتم أمواله وورثتموه وسبيتم نساءهونكبتموه؟ فتبا لكم وسحقا.. قتلتم خير رجالات بعد النبي صلى الله عليه وآله ونزعت الرحمةمن قلوبكم ألا إن حزب الله هم الفائزون وحزب الشيطان هم الخاسرون ثم قالت- من ضمن ماقالت:
واني لأبكي في حياتيعلى أخي على خير من بعد النبي سيولد
بدمع غزير مستهلم كفكف على الخد مني دائما ليس يجمد
فضج الناس بالبكاءوالنوح، ونشر النساء شعورهن ووضعن التراب على رؤوسهن وخمشن وجوههن وضربن خدودهن ودعونبالويل والثبور.. وبكى الرجال ونتفوا لحاهم فلم ير باكية وباك أكثر من ذلك اليوم) .
و خمش الوجه أحدهذه الأفعال الذي يعني في اللغة: خدشه ولطمه وضربه وقطع عضواً منه.
فلو كان في هذا السلوك أي محذور أو نهي شرعي لما أقره وأمضاه الأئمة المعصومين عليهم السلام في عصورهم، هذابجانب أن وظيفتهم التشريعية تلزمهم ردع كل تصرفٍ أو فعلٍ غير صحيح أو غير مقبول، أوأي فعل فيه نقض للتكاليف والأحكام الشرعية، أو ضرر أو هلاك على النفس الإنسانية.
هذا فضلاً ان الأئمةالمعصومين عليهم السلام شاركوا في إحياء وتعظيم سيرة الإمام الحسين عليه السلام بمختلفالطرق والوسائل المشروعة.
الضرر في استحباب الجزع على الحسين عليه السلام
جاءت كثير من الروايات والنصوص المعتبرة عن أئمتنا صلوات الله عليهم تؤكد على موضوع الجزع بمختلف مصاديقه وعناوينه على الإمام الحسين صلوات الله عليه في ذكرى يوم مصابه وفاجعته الأليمة، حتىمع ورود إحتمال الضرر على النفس والجسد، فنجد مثلاً إدمائهم صلوات الله عليهم على جدهمالحسين عليه السلام لم يقتصر على إدماء الراس فقط إنما تعداه إلى إدماء العين وتقرحهابجانب إزهاق النفس وهلاكها التي تعد أشد وطأة وحملا من إدماء الراس فقط.
فقد روى المجلسي أعلى الله مقامه في بحاره ان الإمام زين العابدين عليه السلام كان إذا أخذ إناءً ليشربيبكي حتى يملأه دماً.
وكادت نفسه أن تخرجفي بعض من حالات حزنه كما. ) في "إقناع اللائم" أيضاً برواية عن إبن شهرآشوب في مناقبه عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال: عاش علي بن الحسين أربعين سنةوما وضع طعام بين يديه إلا وبكى، حتى قال له مولى له: جعلت فداك، يا ابن رسول الله،إني أخاف أن تكون من الهالكين، قال عليه السلام: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلممن الله مالا تعلمون إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة .
وقال له خادمه مرةً:أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال عليه السَّلام له: «ويحك انّ يعقوب النبي عليه السَّلامكان له اثنا عشر ابناً، فغيّب اللّه واحداً منهم، فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه،واحدودب ظهره من الغم و كان ابنه حياً في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني؟» .
وفي رواية عنه صلوات الله عليه وعلى لسانه الشريف (في حديث قال ـ واصفاًحاله حين حملت النساء على الأقتاب، ورأى الشهداء صرعى ـ : (... فيعظم ذلك في صدري،واشتد ـ لِما أرى منهم ـ قلقي، فكادت نفسي تخرج، وتبينت ذلك مني عمتي زينب الكبرى بنتعلي عليه السلام، فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك، يا بقية جدي، وأبي، وإخوتي، الخ..) .
ومن شدة البكاء تقرحتعين الإمام الرضا عليه السلام بعد مرور خمسة عصور على مصاب جده كما روى الصدوق عن جعفربن محمد بن مسرور، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن إبراهيمبن أبي محمود، عن الإمام الرضا عليه السلام: (إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا) .
والإمام صاحب العصروالزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف لا زال منتحباً نادباً يبكي دماً وتأسفاً ولوعةًوحسرة على مصاب جده الحسين عليه السلام حتى يأذن الله له بالظهور والفرج القريب، ولايبالي حتى ولو انتهى به البكاء إلى الموت بقوله: (... فلأندبنّك صباحاً ومساءً ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً حسرة عليك وتأسفاً على ما دهاك وتلهفاً حتى أموت بلوعة المصابوغصة الاكتياب...).
كما حزنت حزناً شديداًالسيدة الرباب رضوان الله عليها زوج الإمام الحسين عليه السلام بعد مقتله وبكته حتىجفت عيونها من الدموع وأوصت بعض جواريها باستخدامالسويق الذي ينفع في إدرار الدمعة وعرّضت نفسها أيضاً للموت الحتمي تأسفا ولوعة عليه كما روي أنها ما استظلت من الشمس وبقيت على هذهالحال لمدة عام واحد لم يظلها سقف حتى بليت وماتت كمدا.
المتحصل من ذلك مشروعية وإباحة الجزع على الإمام الحسين عليه السلام حتى مع إحتمال وقوع الأذى والضرر فيه،وما فعلته الحوراء زينب صلوات الله عليها في مدينة الكوفة هو خير مفاد وشاهد ودليلعلى مشروعية وإباحة هذه الشعيرة "شعيرة إسالة الدماء". فالأصل في الأشياءهو الإباحة مادام لم يورد نص من الكتاب أو السنة يحرّمه أو يبطله شرعا، كما روي عنالإمام الصادق عليه السلام: (كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام) وعنه عليه السلام أيضاً (كل شيء مطلق حتى يرد فيهنهي).
هذا فضلاً إن جميع الروايات التي ذكرت وصية الإمام الحسين لأخته السيدة زينب عليهما السلام تثبت خلافقول المدعى، لأنها (وردت بسند مرسل) ، وإن النهي فيها ورد نهي تنزيهي وليس تحريمي،وقيل أنه (مع إمكانية أن يكون طلب عدم شق الجيب من باب الشفقة من الإمام على زينب،أو من باب عدم الوقوع في شماتة الأعداء، - أو من باب الحفاظ على عترة الحسين عليه السلام-ودواعي صيغة (لا تفعل) متعددة كما تعلمون، وكما هو ثابت في اللغة والبلاغة، ومع عدموجود الدليل على تعيين إحدى المحتملات فلا مجال لإثبات الحرمة التكليفية) .
وقيل ان الوصية جاءت مقيّدة بظرف زمن المعركة وعليه يكون الجزع بجميع مصاديقه مقيد بهذا الظرف، وهو نظير وصية رسول الله صلى الله عليه وآله لإبنته الزهراء وزوجها أمير المؤمنين علي عليهماالسلام بعدم الجزع عليه بعد استشهاده.
تنويه: ممكن إرسال هذه المادة إلى جميعالجهات الإلكترونية لكن بدون تغير.