بسمه تعالي السلام عليكم اخوتي تعرفوا علي السيد العارف الامام الخميني قد س.فصل في لقاء الله وكيفيته
إعلم أن الآيات والإخبار الواردة في لقاء الله صراحة أو كناية وإشارة كثيرة لا يسع هذا المختصر الخوض في ذلك مفصلاً, ولكننا نشير إلى بعضها بصورة مختصرة ومن أراد التفصيل في ذلك أكثر فعليه مراجعة كتاب "لقاء الله" للمرحوم العارف بالله " الحاج ميرزا جواد التبريزي" قدس سره, حيث جمع إلى حد كبير الأخبار المأثورة في هذا الموضوع.
إعلم انه قد ذهب بعض العلماء والمفسرين إلى سدّ باب السبيل إلى "لقاء الله" نهائياً, والجحود للمشاهدات العينية والتجليات الذاتية والأسمائية, زاعمين بذلك أنهم ينزهون الذات المقدس, ومفسرين جميع آيات لقاء الله وأحاديثها, بلقاء يوم الآخرة, ولقاء الجزاء والثواب والعقاب.
وهذا التوجيه ليس ببعيد كثيراً بالنسبة إلى مطلق اللقاء واتجاه بعض الآيات والروايات ولكنّه بالنسبة إلى بعض الأدعية المعتبرة والأحاديث المأثورة في الكتب المعتبرة, والأحاديث المشهورة التي ارتكز عليها علماؤنا العظام موهون وبعيداً جداً.
ولا بد أن نعرف بأنه ليس مقصود من أجاز فتح الطريق على لقاء الله ومشاهدة جمال الحق وجلاله, جواز اكتناه ـ التعرف على الحقيقة والذات ـ ذاته المقدس أو إمكان الاحاطة في العلم الحضوري والمشاهدة العينية الروحانية, على ذاته المحيط بكل شيء على الإطلاق فإن امتناع الاكتناه لذاته المقدس بالفكر في العلم الكلي ـ الفلسفة ـ وامتناع الاحاطة بالبصيرة في العرفان من الأمور البرهانية, ومتّفق عليه لدى جميع العقلاء, وأرباب القلوب والمعارف بل المقصود لدى من يدعي مقام لقاء الله هو انه بعد حصول التقوى التامة والكاملة, وانصراف القلب نهائياً عن جميع العوالم, ورفض التوجه نحو النشأتين ـ المُلك والملكوت ـ ووطأ الأنانية والإنيّة, والإقبال الكلي نحو الحق المتعالي وأسماء ذاته المقدس وصفاته, والانصهار في عشق ذاته المقدس وحبّه, وتحمل جهد وترويض القلب بعد كل ذلك يحصل صفاء في القلب لدى السالك يبعث على تجلّي أسماءه وصفاته, وتمزّق الحجب الغليظة التي أسدلت بين العبد من جهة والأسماء والصفات من جهة أخرى, ويوجب الفناء في الأسماء والصفات والتعلق بعزّ قدسه وجلاله والتدلّي التام بذاته, وفي هذا الحال لا يوجد حاجز بين روح السالك المقدسة والحق المتعالي سوى حجاب الأسماء والصفات.
ويمكن أن يرفع الستار النوري للأسماء والصفات لبعض أرباب السلوك أيضاً, وينال التجليات الذاتية الغيبية, ويرى نفسه متدلياً ومتعلقاً بالذات المقدس, ويشهد الاحاطة القيومية للحق والفناء الذاتي لنفسه, ويرى بالعيان أن وجوده ووجود كافة الكائنات ظلاً للحق المتعالي.
وكما قامت البراهين على انه لا حجاب بين الحق سبحانه والمخلوق الأول المجرد عن جميع المواد والمتعلقات, بل البرهان قائم على عدم وجود حجاب بين الحق وكافة المجردات بشكل عام. فكذلك لا يوجد حجاب بين هذا القلب الذي بلغ في سعته واحاطته الموجودات المجردة بل اجتازها ووطيء بأقدامه على رؤوسها, وبين الحق المتعالي, كما في الحديث الشريف المنقول عن " الكافي " و " التوحيد " .
" إن روح المؤمن لأشدّ اتصالاً بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها, وفي المناجاة الشعبانية المقبولة لدى العلماء والتي يدل مضمونها على أن هذه المناجاة من الأئمة المعصومين "عليهم السلام" : " إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك, وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك إلهي واجعلني ممن ناديته فأجابك ولاحظته فصعِقً لجلالك فناجيته سراً وعمل لك جهراً, وفي الكتاب الإلهي الشريف, لدى حكاية معراج الرسول الأكرم"ص" { ثم دنى فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى} سورة النجم/8 و9. ولا تتنافى هذه المشاهدة الحضورية الفنائية مع البرهان على عدم الاكتناه والإحاطة للذات المقدسة, ومع الأخبار والآيات التي تدل على تنزيه الحق جلا وعلا من كل عيب ونقص وحدّ, بل يكون مؤكداً ومؤيداً لها.
فانظر الآن ما جدوى التوجيهات والتأويلات البعيدة؟ هل نستطيع أن نوجه كلام الإمام أمير المؤمنين "ع" الذي يقول : فهبني صبرت على عذابك فكيف اصبر على فراقك" هل أن تحرّق وتألم أولياء الله, من فراق حور العين وقصور الجنة؟ وهل يمكن تفسير هذه الجملة "ما عبَدتكَ خوفاً من نارك, ولا طمعاً في جنتك بل وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك عبادة الأحرار" على أن هذا الأنين هل هو من جرّاء الفراق عن الجنة وأطعمتها؟ هيهات أن يكون ذلك, انه لكلام غير موزون وتوجيه غير مقبول.
هل يمكن القول إن تجلّي جمال الحق سبحانه ليلة المعرّاج, والمجلس الذي أقيم في تلك الليلة من دون أن يحضرها أحد من الكائنات أو لم يطلع على أسراره أحد, حتى أمين الوحي جبرائيل بأنه مشاهدة للجنة وقصورها المشيّدة وان أنوار العظمة والجلال هي رؤيته لنعم الحق؟
هل إن التجلّيات التي حصلت للأنبياء "عليهم السلام", والتي ورد ذكرها في الأدعية المعتبرة هي من قبل النعم والمأكول والمشروب أو البساتين والقصور؟
ومن المؤسف أننا نحن المساكين, المسجونين في الحجب المظلمة والمصفدين بسلاسل الآمال والأمنيات, لا نفهم إلا المطعومات والمشروبات والمنكوحات وأمثالها, وإذا أراد فيلسوف عارف أن يرفع هذه الحجب اعتبرنا سعيه هذا غلطاً وخطأ, وما دمنا مسجونين في البئر المظلم, عالم الملك لم نستوعب شيئاً من أصحاب المعارف والمشاهدات.
ولكن عزيزي: لا تقارن نفسك مع الأولياء, ولا تظن بأن قلبك يضاهي قلوب الأنبياء وأهل المعارف, إن قلوبنا المشحونة بغبار التعلق بالدنيا, وملذاتها وان انغماسنا في الشهوات يمنع قلوبنا من أن تكون مرآة لتجلي الحق سبحانه, ومحلاً لظهور المحبوب, ومن المعلوم اننا لا نعي شيئاً من تجليات الحق وجماله وجلاله عندما نشعر بالأنانية والذاتية والمحورية بل يجب أن نكذّب في هذا الحال أحاديث الأولياء وأهل المعرفة, فإن لم نكذّبها بألسنتنا قفي الظاهر, لكذّبناها في قلوبنا, وان لم نجد سبيلاً للتكذيب, بأن كانت أحاديث النبي"ص" أو الأئمة "عليهم السلام" فتحنا باب التأويل والتفسير, وفي النهاية نسدّ باب معرفة الله.
فنفسر قوله : " ما رأيتُ شيئاً إلا ورأيتُ الله معهُ وقبله وفيه" على رؤية الآثار.
وقوله: " لم أعبد رباً لم أره" بالعلم بالمفاهيم الكلية التي تضارع علومنا, وقوله" لي مع الله حالة" بحالة الرقّة في القلب. وقوله : " وارزقني النظر إلى وجهك الكريم, وتأوّه الأولياء وتحرّقهم في معاناة الفراق, بالبعد عن حور العين, وطيور الجنة, وهذه التفاسير لا تكون إلا نتيجة أننا لا نكون رجال تلك الساحات, ولا نفهم إلا المتع الحيوانية والجسمانية دون غيرها, ولهذا ننكر جميع المعارف, والأنكى من كل ذلك, هذا الإنكار الذي يمضي إلى غلق باب كل المعارف, ويحجزنا عن السعي والطلب, ويجعلنا نقتنع بمستوى الحيوانية والبهيمية, ويحرمنا من عوالم الغيب والأنوار الإلهية, لقد أصبحنا نحن المساكين المحرومون نهائياً من المشاهدات والتجليات, في منأى حتى عن الإيمان بهذه المعاني التي هي درجة الكمال النفسي التي يمكن أن تسوقنا إلى مرحلة متقدمة. إننا نهرب من العلم الذي قد يكون منطلقاً وبذرة للمشاهدات, ونغلق عيوننا وأسماعنا نهائياً ونضع القطن في آذاننا حتى لا يتطرق كلام الحق إليها. وإذا سمعنا حقيقة من لسان عارف هائم أو سالك حزين أو فيلسوف متألِّه, نتصدى فوراً نتيجة عدم طاقة آذاننا على استماع تلك الحقيقة, ونتيجة أن حبّ النفس يمنعنا من جعل هذه الحقائق أسمى من قدرة استيعابنا لها, نتصدى فوراً للطعن فيه ولعنه وتكفيره وتفسيقه, ولا نأبى من أي غيبة أو تهمة.
إننا نوقف الكتاب ونشترط على كل من يستفيد منه أن يلعن المرحوم الملاّ محسن فيض الكاشاني ـ صاحب كتب الأخبار والأخلاق والكلام والتفسير ـ يومياً مائة مرة, ونرمي صدر المتألهين الذي هو قمة التوحيد بالزندقة ولا نبخل عن إهانته أبداً, ونقول عنه بأنه صوفي رغم عدم ظهور أي رغبة منه في كتبه نحو مذهب التصوف ورغم تأليفه كتاب "كسر أصنام الجاهلية في الرد على الصوفية".
إننا نترك الذين يستحقون اللعن, ويكونون ملعونين على لسان الله ورسوله "ص" ونلعن من يصرّح بالإيمان بالله ورسوله والأئمة الهادين"ع" وإنني اعلم بأن هذا اللعن والتوهين لا يسيء إلى مقامهم. بل قد يضاعف حسناتهم ويرفع من درجاتهم ولكنه يسيء إلينا وقد يبعث على الخذلان وسلب التوفيق منا.
يقول شيخنا العارف ـ الشاه آبادي ـ روحي فداه " لا تلعنوا الأشخاص حتى الكافر الذي مات ولم تعرفوا انه على أي دين مات, إلا إذا اخبر وليّ معصوم عن حاله بعد موته, إذ من الممكن انه أصبح مؤمناً لدى سكرات الموت, وإنما العنوا بصورة عامة وكلية".
فكم هو فرق بين شخص يملك مثل هذه النفس القدسية التي لا ترضى أن يلعن من مات على الكفر ظاهراً, لإمكان انه غدا مؤمناً في اللحظات الأخيرة من حياته, وشخص آخر من أمثالنا ـ والى الله المشتكى ـ يرقى المنبر مع انه من أهل العلم والفضيلة ويقول أمام العلماء والفضلاء مستغرباً " أن فلان رغم انه فيلسوف, يتلوا القرآن". وهذا الكلام يشبه ما إذا قلنا "أن فلان رغم كونه نبياً, يعتقد بالمبدأ والمعاد".
إنني أيضاً لا أعتقد كثيراً بالعلم فقط. إن العلم الذي لا يفضي إلى الإيمان أراه الحجاب الأكبر, ولكن لو لم نرد الحجاب ولم نتعلم لما تمكّنا من خرقه.
إن العلوم بذور المشاهدات وانه لمن الممكن أن يبلغ الإنسان إلى مقامات شامخة من دون تعلّم حجاب المصطلحات والعلوم, ولكن هذا خلاف العادة, وخلاف طبيعة السنن, وانه نادراً ما يحصل. فالطريق الطبيعي لمعرفة الله وطلبه هو أن الإنسان يبتدىء أولا بإنفاق وقته في التفكر بالحق سبحانه, ويحصل على العلم بالله وأسماء ذاته المقدس وصفاته حسب الأساليب المتبعة من التلمذة على يد رجال ذلك العلم, ثم يتزوّد من المعارف بواسطة الرياضة العلمية والعملية وينتهي بذلك حتماً إلى النتيجة المنشودة.
وإن لم يكن الإنسان من أهل المصطلحات ـ العلم ـ يستطيع أن يصل إلى النتيجة من خلال تذكّر المحبوب, وانشغال القلب بالذات المقدّس. ومن المعلوم أن مثل هذا الانشغال القلبي والتوجه الباطني سيكون سبباً لهدايته وان الله سبحانه سيعينه في ذلك, وان حجاباً من الحجب سيرفع له, وانه سيتنازل قليلاً عن موقفه المنكر ـ تجاه العرفاء والفلاسفة ـ ولعلّ الله سبحانه يفتح عليه ببركة عناياته الخاصة, باباً من المعارف انه وليُّ النعم.
--------------------------------------------------------------------------------
إعلم أن الآيات والإخبار الواردة في لقاء الله صراحة أو كناية وإشارة كثيرة لا يسع هذا المختصر الخوض في ذلك مفصلاً, ولكننا نشير إلى بعضها بصورة مختصرة ومن أراد التفصيل في ذلك أكثر فعليه مراجعة كتاب "لقاء الله" للمرحوم العارف بالله " الحاج ميرزا جواد التبريزي" قدس سره, حيث جمع إلى حد كبير الأخبار المأثورة في هذا الموضوع.
إعلم انه قد ذهب بعض العلماء والمفسرين إلى سدّ باب السبيل إلى "لقاء الله" نهائياً, والجحود للمشاهدات العينية والتجليات الذاتية والأسمائية, زاعمين بذلك أنهم ينزهون الذات المقدس, ومفسرين جميع آيات لقاء الله وأحاديثها, بلقاء يوم الآخرة, ولقاء الجزاء والثواب والعقاب.
وهذا التوجيه ليس ببعيد كثيراً بالنسبة إلى مطلق اللقاء واتجاه بعض الآيات والروايات ولكنّه بالنسبة إلى بعض الأدعية المعتبرة والأحاديث المأثورة في الكتب المعتبرة, والأحاديث المشهورة التي ارتكز عليها علماؤنا العظام موهون وبعيداً جداً.
ولا بد أن نعرف بأنه ليس مقصود من أجاز فتح الطريق على لقاء الله ومشاهدة جمال الحق وجلاله, جواز اكتناه ـ التعرف على الحقيقة والذات ـ ذاته المقدس أو إمكان الاحاطة في العلم الحضوري والمشاهدة العينية الروحانية, على ذاته المحيط بكل شيء على الإطلاق فإن امتناع الاكتناه لذاته المقدس بالفكر في العلم الكلي ـ الفلسفة ـ وامتناع الاحاطة بالبصيرة في العرفان من الأمور البرهانية, ومتّفق عليه لدى جميع العقلاء, وأرباب القلوب والمعارف بل المقصود لدى من يدعي مقام لقاء الله هو انه بعد حصول التقوى التامة والكاملة, وانصراف القلب نهائياً عن جميع العوالم, ورفض التوجه نحو النشأتين ـ المُلك والملكوت ـ ووطأ الأنانية والإنيّة, والإقبال الكلي نحو الحق المتعالي وأسماء ذاته المقدس وصفاته, والانصهار في عشق ذاته المقدس وحبّه, وتحمل جهد وترويض القلب بعد كل ذلك يحصل صفاء في القلب لدى السالك يبعث على تجلّي أسماءه وصفاته, وتمزّق الحجب الغليظة التي أسدلت بين العبد من جهة والأسماء والصفات من جهة أخرى, ويوجب الفناء في الأسماء والصفات والتعلق بعزّ قدسه وجلاله والتدلّي التام بذاته, وفي هذا الحال لا يوجد حاجز بين روح السالك المقدسة والحق المتعالي سوى حجاب الأسماء والصفات.
ويمكن أن يرفع الستار النوري للأسماء والصفات لبعض أرباب السلوك أيضاً, وينال التجليات الذاتية الغيبية, ويرى نفسه متدلياً ومتعلقاً بالذات المقدس, ويشهد الاحاطة القيومية للحق والفناء الذاتي لنفسه, ويرى بالعيان أن وجوده ووجود كافة الكائنات ظلاً للحق المتعالي.
وكما قامت البراهين على انه لا حجاب بين الحق سبحانه والمخلوق الأول المجرد عن جميع المواد والمتعلقات, بل البرهان قائم على عدم وجود حجاب بين الحق وكافة المجردات بشكل عام. فكذلك لا يوجد حجاب بين هذا القلب الذي بلغ في سعته واحاطته الموجودات المجردة بل اجتازها ووطيء بأقدامه على رؤوسها, وبين الحق المتعالي, كما في الحديث الشريف المنقول عن " الكافي " و " التوحيد " .
" إن روح المؤمن لأشدّ اتصالاً بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها, وفي المناجاة الشعبانية المقبولة لدى العلماء والتي يدل مضمونها على أن هذه المناجاة من الأئمة المعصومين "عليهم السلام" : " إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك, وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك إلهي واجعلني ممن ناديته فأجابك ولاحظته فصعِقً لجلالك فناجيته سراً وعمل لك جهراً, وفي الكتاب الإلهي الشريف, لدى حكاية معراج الرسول الأكرم"ص" { ثم دنى فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى} سورة النجم/8 و9. ولا تتنافى هذه المشاهدة الحضورية الفنائية مع البرهان على عدم الاكتناه والإحاطة للذات المقدسة, ومع الأخبار والآيات التي تدل على تنزيه الحق جلا وعلا من كل عيب ونقص وحدّ, بل يكون مؤكداً ومؤيداً لها.
فانظر الآن ما جدوى التوجيهات والتأويلات البعيدة؟ هل نستطيع أن نوجه كلام الإمام أمير المؤمنين "ع" الذي يقول : فهبني صبرت على عذابك فكيف اصبر على فراقك" هل أن تحرّق وتألم أولياء الله, من فراق حور العين وقصور الجنة؟ وهل يمكن تفسير هذه الجملة "ما عبَدتكَ خوفاً من نارك, ولا طمعاً في جنتك بل وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك عبادة الأحرار" على أن هذا الأنين هل هو من جرّاء الفراق عن الجنة وأطعمتها؟ هيهات أن يكون ذلك, انه لكلام غير موزون وتوجيه غير مقبول.
هل يمكن القول إن تجلّي جمال الحق سبحانه ليلة المعرّاج, والمجلس الذي أقيم في تلك الليلة من دون أن يحضرها أحد من الكائنات أو لم يطلع على أسراره أحد, حتى أمين الوحي جبرائيل بأنه مشاهدة للجنة وقصورها المشيّدة وان أنوار العظمة والجلال هي رؤيته لنعم الحق؟
هل إن التجلّيات التي حصلت للأنبياء "عليهم السلام", والتي ورد ذكرها في الأدعية المعتبرة هي من قبل النعم والمأكول والمشروب أو البساتين والقصور؟
ومن المؤسف أننا نحن المساكين, المسجونين في الحجب المظلمة والمصفدين بسلاسل الآمال والأمنيات, لا نفهم إلا المطعومات والمشروبات والمنكوحات وأمثالها, وإذا أراد فيلسوف عارف أن يرفع هذه الحجب اعتبرنا سعيه هذا غلطاً وخطأ, وما دمنا مسجونين في البئر المظلم, عالم الملك لم نستوعب شيئاً من أصحاب المعارف والمشاهدات.
ولكن عزيزي: لا تقارن نفسك مع الأولياء, ولا تظن بأن قلبك يضاهي قلوب الأنبياء وأهل المعارف, إن قلوبنا المشحونة بغبار التعلق بالدنيا, وملذاتها وان انغماسنا في الشهوات يمنع قلوبنا من أن تكون مرآة لتجلي الحق سبحانه, ومحلاً لظهور المحبوب, ومن المعلوم اننا لا نعي شيئاً من تجليات الحق وجماله وجلاله عندما نشعر بالأنانية والذاتية والمحورية بل يجب أن نكذّب في هذا الحال أحاديث الأولياء وأهل المعرفة, فإن لم نكذّبها بألسنتنا قفي الظاهر, لكذّبناها في قلوبنا, وان لم نجد سبيلاً للتكذيب, بأن كانت أحاديث النبي"ص" أو الأئمة "عليهم السلام" فتحنا باب التأويل والتفسير, وفي النهاية نسدّ باب معرفة الله.
فنفسر قوله : " ما رأيتُ شيئاً إلا ورأيتُ الله معهُ وقبله وفيه" على رؤية الآثار.
وقوله: " لم أعبد رباً لم أره" بالعلم بالمفاهيم الكلية التي تضارع علومنا, وقوله" لي مع الله حالة" بحالة الرقّة في القلب. وقوله : " وارزقني النظر إلى وجهك الكريم, وتأوّه الأولياء وتحرّقهم في معاناة الفراق, بالبعد عن حور العين, وطيور الجنة, وهذه التفاسير لا تكون إلا نتيجة أننا لا نكون رجال تلك الساحات, ولا نفهم إلا المتع الحيوانية والجسمانية دون غيرها, ولهذا ننكر جميع المعارف, والأنكى من كل ذلك, هذا الإنكار الذي يمضي إلى غلق باب كل المعارف, ويحجزنا عن السعي والطلب, ويجعلنا نقتنع بمستوى الحيوانية والبهيمية, ويحرمنا من عوالم الغيب والأنوار الإلهية, لقد أصبحنا نحن المساكين المحرومون نهائياً من المشاهدات والتجليات, في منأى حتى عن الإيمان بهذه المعاني التي هي درجة الكمال النفسي التي يمكن أن تسوقنا إلى مرحلة متقدمة. إننا نهرب من العلم الذي قد يكون منطلقاً وبذرة للمشاهدات, ونغلق عيوننا وأسماعنا نهائياً ونضع القطن في آذاننا حتى لا يتطرق كلام الحق إليها. وإذا سمعنا حقيقة من لسان عارف هائم أو سالك حزين أو فيلسوف متألِّه, نتصدى فوراً نتيجة عدم طاقة آذاننا على استماع تلك الحقيقة, ونتيجة أن حبّ النفس يمنعنا من جعل هذه الحقائق أسمى من قدرة استيعابنا لها, نتصدى فوراً للطعن فيه ولعنه وتكفيره وتفسيقه, ولا نأبى من أي غيبة أو تهمة.
إننا نوقف الكتاب ونشترط على كل من يستفيد منه أن يلعن المرحوم الملاّ محسن فيض الكاشاني ـ صاحب كتب الأخبار والأخلاق والكلام والتفسير ـ يومياً مائة مرة, ونرمي صدر المتألهين الذي هو قمة التوحيد بالزندقة ولا نبخل عن إهانته أبداً, ونقول عنه بأنه صوفي رغم عدم ظهور أي رغبة منه في كتبه نحو مذهب التصوف ورغم تأليفه كتاب "كسر أصنام الجاهلية في الرد على الصوفية".
إننا نترك الذين يستحقون اللعن, ويكونون ملعونين على لسان الله ورسوله "ص" ونلعن من يصرّح بالإيمان بالله ورسوله والأئمة الهادين"ع" وإنني اعلم بأن هذا اللعن والتوهين لا يسيء إلى مقامهم. بل قد يضاعف حسناتهم ويرفع من درجاتهم ولكنه يسيء إلينا وقد يبعث على الخذلان وسلب التوفيق منا.
يقول شيخنا العارف ـ الشاه آبادي ـ روحي فداه " لا تلعنوا الأشخاص حتى الكافر الذي مات ولم تعرفوا انه على أي دين مات, إلا إذا اخبر وليّ معصوم عن حاله بعد موته, إذ من الممكن انه أصبح مؤمناً لدى سكرات الموت, وإنما العنوا بصورة عامة وكلية".
فكم هو فرق بين شخص يملك مثل هذه النفس القدسية التي لا ترضى أن يلعن من مات على الكفر ظاهراً, لإمكان انه غدا مؤمناً في اللحظات الأخيرة من حياته, وشخص آخر من أمثالنا ـ والى الله المشتكى ـ يرقى المنبر مع انه من أهل العلم والفضيلة ويقول أمام العلماء والفضلاء مستغرباً " أن فلان رغم انه فيلسوف, يتلوا القرآن". وهذا الكلام يشبه ما إذا قلنا "أن فلان رغم كونه نبياً, يعتقد بالمبدأ والمعاد".
إنني أيضاً لا أعتقد كثيراً بالعلم فقط. إن العلم الذي لا يفضي إلى الإيمان أراه الحجاب الأكبر, ولكن لو لم نرد الحجاب ولم نتعلم لما تمكّنا من خرقه.
إن العلوم بذور المشاهدات وانه لمن الممكن أن يبلغ الإنسان إلى مقامات شامخة من دون تعلّم حجاب المصطلحات والعلوم, ولكن هذا خلاف العادة, وخلاف طبيعة السنن, وانه نادراً ما يحصل. فالطريق الطبيعي لمعرفة الله وطلبه هو أن الإنسان يبتدىء أولا بإنفاق وقته في التفكر بالحق سبحانه, ويحصل على العلم بالله وأسماء ذاته المقدس وصفاته حسب الأساليب المتبعة من التلمذة على يد رجال ذلك العلم, ثم يتزوّد من المعارف بواسطة الرياضة العلمية والعملية وينتهي بذلك حتماً إلى النتيجة المنشودة.
وإن لم يكن الإنسان من أهل المصطلحات ـ العلم ـ يستطيع أن يصل إلى النتيجة من خلال تذكّر المحبوب, وانشغال القلب بالذات المقدّس. ومن المعلوم أن مثل هذا الانشغال القلبي والتوجه الباطني سيكون سبباً لهدايته وان الله سبحانه سيعينه في ذلك, وان حجاباً من الحجب سيرفع له, وانه سيتنازل قليلاً عن موقفه المنكر ـ تجاه العرفاء والفلاسفة ـ ولعلّ الله سبحانه يفتح عليه ببركة عناياته الخاصة, باباً من المعارف انه وليُّ النعم.
--------------------------------------------------------------------------------