العناية بالجانبالعاطفي
كما لاحظنا فيما سبقمن البحث ، فإن الفتاة تعيش في سني المراهقة عاصفة قوية من الإنفعالات والتقلباتالنفسية والعاطفية ويصبح كل شيء فيها قابلا للتغيير والنبدل وتستولي عليها على أثرذلك حالات من القلق والخوف لكنها سريعة الزوال(1).
فهي تعيش منالناحية العاطفية وضعا مضطربا وغير ثابت على حال معين وهو الأمر الذي يوجب العنايةبها والإهتمام بشؤونها بإستمرار .
وللعناية بالفتاة أوتربيتها من الناحية العاطفية ، ينبغي الأخذ بنظر الإعتبار مسالتين هامتين هما :
1 ـ تعديل العواطف :بمعنى أن لا تكون بالشكلالذي تزول لديها حالة الغضب أو الحب وتنعدم تماما ، ولا بالشكل الذي تستولي علىكيانها تماما وتسلب منها قدرة التفكير وضبط النفس ، فالحياة الطبيعية تتطلب أنيتخللها الحب والغضب ، والخوف والإضطراب في المكان والزمان المناسبين.
فالفتاة يجب أن تحب والديها وتشعر بالحنان تجاههما لكن هذا الحبوالتعلق بالوالدين ينبغي أن لا يصل درجة يجعلها تدبر عن الزواج والإنخراط في الحياةالزوجية . وأيضا يجب أن تشعر بالغضب والإستياء من حالات الإساءة والإيذاء ، ولكنليس الى الدرجة التي تدفعها الى الإنتقام بشدة . والإنفعال مطلوب ولكن ليس الى الحدالذي ستنفد كل طاقاتها ويتركها عرضة للقلق
(1) حياة وتربية الطفل ، ص 137 .
والإضطراب ، والميل العاطفي نحو الجنسالآخر بهدف الزواج شيء ضروري ولكن ليس بالشكل الذي يهدد شرف وعفاف الفتاة . فهذهالمسائل هي ما نعنيها بتعديل العواطف التي يجب على أولياء الأمور والمربين العملعلى تربية الفتاة عليها .
2 ـ توجيه العواطف :منالمسائل التي ينبغي على أولياء الأمور أن يأخذوها بنظر الإعتبار عند تعاملهم معالفتاة في هذه السنهو توجيه عواطفها ، بمعنى جعل حالات الحب ، والبغض ، والخوف و ... لديها هادفة وتتجه بالإتجاه الصحيح .
فهي يجب أن تحبولكن من تحب وماذا تحب ؟ ... وجواب ذلك شيء مهم . ومن الضروري أن تغضب ولكن على منولماذا ومعرفة ذلك أيضا شيء مهم . وكراهيتها يفترض أن تتجه نحو العدو وليس نحوالوالدين ، وتعلقها ينبغي أن يكون بالمسائل المشورعة لا بغيرها ، وخوفها يجب أنيكون من الخطايا والإنحراف وليس من شيء آخر .
وفي الظروفالمثلى يجب أن يكون الحب والبغض بالإتجاه الذي يرضي الباري سبحانه وتعالى . أيبمعنى إن المؤمن يحب في الله ، ويبغض في الله ويسخط في الله ، ويرضى في الله(1)والوصول الىهذه المرتبة يتطلب التربية علىالالتزام الديني وتهذيب النفس بإستمرار .
في الخجلوالحياء
تصاب بعض الفتيات ،منذ الطفولة أو مع بدايات سن المراهقة ، بحالة من الخجل والحياء الشديدين . وهناكأسباب عديدة لهذه الحالة فإذا كانت تستولي
(1) الإمام الصادق (ع) ، تحف العقول .
على الفتاة عندإتصالها بجميع الأشخاص ،فإنها تدل على ضعف معامل بعض الغدد الداخلية لديها ، وإذا كانت تحصل مع شخص بعينه ،فإنها تدل على الحب والتعلق العاطفي . كما ويمكن أن تكون في بعض الحالات ، ناتجة عنالشعور بالإحراج من الوضع الجسمي كضخامة الثديين أو صغرهما ، والإختلال في العادةالشهرية ، ونمو منطقة الحوض و ...
وبطبيعة الحال ، فإنالإسلام يحرم الصلافة والتهتك ويحظر بشدة حالة الميوعة والدلال والتغنج في الكلاموكل ما يصب في مصب الإثارة والفتنة والإنحراف ، ويوصي بدلا من ذلك بالوقاروالإتزان . وفي الوقت ذاته فإنه لا يريد للفتيات أن يخجلن من أوضاعهن بشكل غير طبيعي ، لأنالخجل الشديد يعد بحد ذاته عاملا من عوامل السقوط والخضوع للإنحراف .
الحياء بالنسبة للفتيات ضرورة لا غنى عنها ، وهو يختلف عن الخجلالزائدعن الحد . فالحياء دعامة لحفظ النفس وصيانتها من عوامل الخطر والإنحراف ولولم يكن الحياء لما كان بالإمكان التأمل خيرا بشأن عفة وطهارة الإناث ، ولا حتى أملبوجود الإنسجام والإخلاص وبقاء الأسرة متماسكة .
المطلوبهو مبادرة أولياء الأمور الى إزالةعوامل الخجل المفرط عند فتياتهم ، إن وجدت،والعمل على خلق الثقة في أنفسهن من خلال تكريمهن وغبداء الإعجاب بشخصياتهن ،وتشجيعهن على الإتصال بالآخرين والإرتباط بعلاقات إجتماعية مشروعة .
في الخوفوالإضطراب
ليس الخوف حالةسلبية عند الأشخاص , فالخوف يمنع الإنسان عن كثير من الأفعال الخاطئة ، ولتجنبالكثير من المفاسد والإنحرافات ، ومن شأنه أن
يحول دون إرتكاب الخطايا والذنوب ، علىالأقل بالنسبة للذين لا يتمتعون بمستويات عالية من الوعي والمعرفة ، كما ويمكن أنيكون حائلا حتى دون التعرض للمخاطر والأضرار البدنية .
والإضطراب بدرجات قليلة مفيد هوالآخر ، لأنه يكون دافعا للمرء لأن يبذل جهودا أكثرفي شؤونه . فالأشخاص الذين يعيشون الإطمئنان المطلق وعدم الإكتراث بالشياء لايتطيعون أن يكونوا فعالين وناجحين في أعمالهم وواجباتهم الشخصية ، وإن قليلا منالقلق والإضطراب ضرورة لا غنى عنها من أجل بذل مزيدا من الجد والجهد والإهتمام فيشؤونه .
أما ما هو غير طبيعي ويستوجب العمل على مكافحتهفي الفتيات هوالخوف والإضطراب الشديدين دون ما سبب ومبرر معقول ، والذي يتهددسلامتهن النفسية بأضرار مدمرة ، ويؤدي بهن الى الإنطواء على النفس والإنسحاب منالنشاطات الشخصية والإجتماعية في الظروف الطبيعية.
ويجبالعمل في مثل هذه الحالة على تجنب الفتيات العوامل التي تثير الخوف والإضطراب فينفوسهن ، وتوفير أجواء هادئة وطبيعية لهن ، وتعويدهن بالتدريج على الطمأنينةوالإستقرار النفسيين ، وخلق روح الثقة والإعتماد على النفس في شخصياتهن ، والحيلولةدون كل ما يمكن أنيثير لديهن بواعث القلق والخوف والإضطراب في الأسرة أو المجتمعالعام .
في الحاجة الىالحب والحنان
ذكرنا فيما مر ،ونكرر هنا أيضا ، إن بعض أولياء الأمور يهملون فتياتهم في هذه السن ولا يبدونتجاههن الحب والحنان اللازمين يتصور إنهن لم يعدن بحاجة الى مثل هذه الشياء ، فيحين أثبتت البحوث والدراساتالعلمية عكس
هذا التصور، ودلت على إن حاجتهن للحبوالحنان في هذه المرحلة لا تقل عن حاجتهن له في سني الطفولة .
فهن بحجةالى من يعطف عليهن ويحيطهن بالحب والحنان ، وهذه مسالةهامة في سلامة نفسياتهن وصحة سلوكهن وكسب ثقتهن.
فهؤلاءيلجأن في عبعض الحالات الى الاخرين من أجل إشباع حاجتهن الى الحب ولالفات الأنظار ،ويتجلى ذلك من خلال المبالغة في تزيين أنفسهن والذي قد يدفعهن ، في ظروف معينة الىسلوك مسالك خاطئة.
الفتاة ترغب في أن تكون محبوبة ومحاطةبالإهتمام من قبل المحيطين بها ، وهذه الرغبة أو الحاجة يجب أن يوفرها لها الوالدانفي داخل الأسرة ، وذلك من أجل أن لا تشعر بالحاجة الى الغير في الخارج ، والحق إنالآباء المهملون وعديموا العاطفة يولدون في نفس فتياتهم ، بجفائهم ، الشعور بالنقص، ويدفعونهن دفعا نحو الجنوح والتصرفات المنافية للأعراف الإجتماعية الصحيحة . فالفتاة إذا رأت نفسها محاطة بالحب والإهتمام من قبل الأبوين ، تشعر بالإمتلاءوالغنى النفسي . وبحسب تعبير أحد العلماء ، فإن الفتاة التي لا تتمتع بدرجة كبيرةمن الجمال لكن والديها يحيطانها بالحب والحنان تشعر أنها محظوظة مرغوبة في حياتها . ولا تعد تجد حاجة لأن تتبرج وتعرض نفسها في المجتمع من أجل الفات الأنظار.
فيالحرمان
يعد الحرمان أوالشعور بالحرمان من العوامل التي ستاهم في إنحراف وسقوط الأشخاص . ويعتقد علماءالتحليل النفسي أنه يجب يجنيب المراهق الأعمال التي يعجز عن أدائها . وكذا حمايتهمن شخرية وإستهزاء الآخرين.
إن من شأن الحرمانالمطلق والطويل أن يفسد المشاعر ويتلف الأعصاب . فليس بالمر الغريب في تاريخالبشرية حالات الجنون والتهور الجنسي التي تتولد على أثر الكبت والحرمان . أجل فإنبعض الفتيات يعانين من الكبت والحرمان ويفقدن على أثره توازنهن النفسي ، والبعضالآخر منهن يشعرن بأنهن محرومات وليس معلوما ما إذا كان شعورهن صحيحا ومنطقيا أم لا .
من المهم جدا العمل على إزالة دواعي الحرمان لدىفتياتنا أو السعي في سبيل محو مثل هذا الشعور من أذهانهن .
وللعطف على الفتيات ومواساتهن في هذا المجال دور بناء في حياتهن ،ومن شأن ذلك أن يغير أحوالهن بنحو إيجابي ، ويولد لديهن الشعور بالتفاؤل والتطلعالى الخير والسعادة في الحياة.
تشجيع ميزةالغرور
تمتاز الفتيات ،خصوصا في سني المراهقة ، بنوع من الغرور الزائد ، ويعتدن بأنفسهن كثيرا ، الأمرالذي يجعلهن يبذلن إهتماما متزايدا بحفظ أنفسهن وصيانتها من عوامل الخطر . منالمفيد جدا تشجيع ميزة الغرور هذه لديهن بإستمرار ، وذلك من أجل أن يكن مستفزاتدائما في الحفاظ عل شرفهن وعفافهن .
إن إبقاء ميزةالغرور والإعتداد بالذات متوقدة في نفوسهن يدعهن الى الإعتزاز بأنوثتهن ، والدفاععن أنفسهن ، وعدم الخضوع والإرتباط بأي كان . من أجل تحفيز هذه الميزة وتشجيعهاإصلاح بعض الإنحرافات في أوساط هذه الفئة .
من أجل الوضعالعاطفي للفتاة وإزالة عوامل الإختلال والتشوش
من حياتها ، يمكن الإشارة بشكل عام الى نقاط عدة منها :
ــ حمياتها من الناحية النفسية بالشكل الذي لا تتهددها عوامل الإختلال .
ــ الحفاظ على دفء وهدوء أجواء الأسرة بحيث تشعر بالأمان والحيوية فيها .
ــ العمل على خلق مشاعر السرور والفرح والتفاؤل بالحياة وبالظروف السائدة في نفسها .
ــ إبعادها عن أجواء الخوف ، والإضطراب ، والعنف ، والتجاوز ، والإعتداء .
ــ إفهامها بأن الجمال الحقيقي للحياة يكمن في راحة الضمير ، وإتباع الفطرة والأخلاق والقيم الدينية .
ــ وفي الحالات الحادة ، يمكن الإستعانة بطبيب الأسرة أو الطبيب النفساني ، وبالباحثين الإجتماعيين أو بالمعلمة والمدرسة