تويت
الزيني: موسوعة «برهان الحق للخليلي».. تدافع عن المنظومة العقائدية التي تميز بها الإسلام
قدّم د. محمد عبدالرحيم الزيني – أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية العلوم الشرعية ـ بمسقط قراءة فاحصة لأهم القضايا التي تناولها سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة في إصداره الأخير وهو موسوعة «برهان الحق» في العقيدة الإسلامية واصفا إياها بأنها علامة مميزة لعام 2016، في التاريخ العماني؛ وأنها فريدة في منهجها ومضمونها وبراهينها.. وفيها نفحة من إخلاص المفكرين وعزيمة رواد الوعي الإنساني الذين يقودون البشرية إلى قيم الحق والخير والعدل والسلام، وهي تتسم بالموضوعية والعدل والإنصاف للموافق والمخالف، كما تتألق في صفحاتها روح صافية شفافة متحررة من كل تعصب ممقوت أو تحيز مرفوض.
وأشار إلى أن المؤلف دافع من خلال هذا الإصدار عن تنزيه الله وعن مشابهته بمخلوقاته أو التشبه بهم، ولذلك سخر كل أجهزته المعرفية وأدلته النقلية وحججه العقلية وإحاطته باللغة العربية بمفرداتها وأسلوبها، وغوصه على جذورها مشيرا إلى أن الموسوعة تعد حدثا علميا على مستوى عالمنا الإسلامي وجهدا مشكورا استمر شيخنا في إعداده عدة سنوات.
طرح مبتكر
وأشارت الدراسة إلى أن الموسوعة قدمت طرحا مبتكرا لقضايا علم الكلام التي احتلت مساحة عريضة من المجادلات الشهيرة بين الفرق الإسلامية مع بداية إنشاء العلوم الإسلامية وظهورها، في عصر الابتكارات والتنافس المحمود والتألق العلمي عند العرب حينما عكفوا على دراسة القرآن وقراءة آياته آية آية وقاموا بتأصيل قواعد هذا العلم وتأسيس قضاياه التي اشتهر بها.
وأوضح الزيني في لقائنا معه للحديث عن قراءته التي قدمها عن هذه الموسوعة: إن سماحة الشيخ هدف الأساس من خلال تأليف هذا السفر الدفاع عن المنظومة العقائدية التي تميز بها الإسلام، ولذلك ذهب علماء الكلام في هذا الاتجاه فضلا عن المجادلات الحامية والحرب العقائدية مع أنصار الدهرية والمجوسية والمانوية والمزدكية. أضف إلى ذلك المجادلات والمناظرات مع أهل الكتاب؛ اليهودية والمسيحية ولاسيما أن القرآن الكريم قد أفرد صفحات واسعة ورد على مزاعمهم ردودا مطولة ومفحمة.
وأضاف: تعد موسوعة «برهان الحق» موسوعة تراثية بكل معنى الكلمة، بحيث تستطيع أن تقف شامخة واثقة من نفسها معتزة بمضمونها متألقة بمنهجها فخورة بأسلوبها وجمالية طرحها، وسماحتها وإنصافها للموافق والمخالف؛ بجوار مقالات علم الكلام الشهيرة، مثل مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري (330 هـ)، والتنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع للملطي (377 هـ)، وشرح الأصول الخمسة للقاضي عبدالجبار (415 هـ) والفرق بين الفرق للبغدادي (428 هـ)، والفصل في الملل والنحل لابن حزم (456 هـ)، والتبصير في الدين للإسفراييني (471 هـ)، ولمع الأدلة لعبد الملك الجويني (478هـ)، والملل والنحل للشهرستاني (845هـ)، ومحصل أفكار المتقدمين والمتأخرين، والمسائل الخمسون في أصول الكلام لفخر الدين الرازي (606هـ)، والمواقف لعضد الدين الإيجي (756 هـ) وغيرها من الكتب المعروفة في هذا الميدان. وإن كانت – والحق يقال – هذه الموسوعة بزت هذه الكتب كافة بسعة موضوعاتها، وشمولية العرض، وتناول كل قضايا علم الكلام، مع طول النفس، والصبر المحمود، والجدل بالحكمة والموعظة الحسنة.
أسلوب سهل
وأشار إلى أن المؤلف قصد من هذا السفر العلمي شرح مكونات العقيدة شرحا وافيا للأجيال المعاصرة، وبسط مفرداتها بأسلوب سهل مفهوم بعيدا عن مصطلحات علماء الكلام الغامضة وتعبيرات الفلسفة التي مزجها فخر الدين الرازي، وعضد الدين الإيجي في قضايا علم الكلام، وفي نفس السياق جمع كلمة المسلمين إلى سواء السبيل، وتوحيد الصف وجمع الشمل. فهي «دراسة معمقة في تأصيل العقيدة الإسلامية ودرء الشبه عنها بالأدلة العقلية والنقلية». وهي تمثل إضافة علمية إلى المكتبة الإسلامية.
وقال الزيني: تصفحت الموسوعة تصفحا سريعا على أمل أن أعود إليها بقراءة متأنية دقيقة مستوعبة. وهنا أشير إلى أهم القضايا التي تناولها المؤلف في موسوعته التي غطت سبعة أجزاء كل جزء قارب الخمسمائة صفحة:
خص الجزء الأول للحديث عن وجود الله وصفاته، على أنه قدم له بالحديث عن حقيقة الإيمان تعريفه لغة واصطلاحا، ومناقشة آراء علماء الأمة في أنه يزيد وينقص، ثم انتقل للبرهنة على وجود الله؛ وقد نهج فيه نهج علماء الكلام والفلاسفة في عرض الأدلة الحية والظاهرة في الكون والأنفس ومظاهر الطبيعة التي تنطق بذلك ففي مظاهر هذا الكون المفتوح تتجلى قدرة الله المطلقة ومشيئته الشاملة فنرى فيما ندركه وما لا ندركه يد القدرة الإلهية التي أوجدت الأشياء من العدم وأبدعت هذا الوجود على هذا النحو من النظام البديع والتناسق المذهل والعناية الكلية، وقد توسع في ذلك توسعا ملحوظا ومقصودا، ناقدا رأي الذين يقولون إن هذا العالم وجد بالصدفة دون أن يكون له فاعل قادر، وأن الإنسان يقف وحده، ثم عرج إلى مؤلفات علماء الطبيعة وعرض وجهة نظر العلم الحديث والمعاصر في وجوب وجود «واجب الوجود». وبراهين هؤلاء العلماء في هذه القضية، وقد خرجوا بنتيجة واحدة وهي أن هذا الوجود له خالق قادر قاهر هو الذي أخرجه من العدم إلى الوجود، وأن الإنسان يستند في وجوده إلى غيره أي الله. ولا غرو أن نقول إن إنكار وجود الله فيه مغالطة منطقية واضحة ، ورفض للبديهيات الواضحة بذاتها، ومكابرة ممجوجة لما هو معلوم بالضرورة في الأكوان والأنفس.
إثبات الوحدانية
وأضاف: وهكذا تأتي باقي الأجزاء؛ فقد خصص الجزء الثاني للصفات الإلهية سواء أكانت صفات الذات؛ أم صفات الفعل، والفرق بينهما، ومذاهب علماء الأمة حول طبيعتها أهي عين الذات أم زائدة عن الذات، والبرهنة على إثبات الوحدانية له تعالى والأولية والدوام، والرد على الفلاسفة في قولهم بقدم العالم، ثم ينتقل بالحديث بإسهاب عن تفصيل صفات الذات؛ وهي العلم والقدرة والإرادة والحياة والسمع والبصر والكلام، وهي التي تطلق على الله ولا يطلق عليه ضدها، وأثر اعتقاد هذه الصفات على المؤمنين.
وأشار إلى أن الجزء الثالث تناول قضية خلق القرآن والمعارك الكلامية التي دارت حول هذه القضية لاسيما فيما عرف بمحنة خلق القرآن أيام الخليفة المأمون (ت 218 هـ) ويعرض بأمانة الأدلة النقلية للقائلين بقدمه؛ والأدلة العقلية، ثم يتجرد لعرض رأي المخالفين متوسلا أيضا بالأدلة النقلية والعقلية، وينتصر بطبيعة الحال لوجهة نظر المذهب الإباضي التي تقرر أن القرآن مخلوق.
وأوضح أن الجزء الرابع جاء ليناقش قضية رؤية الله، ومن المعلوم أن قضية «رؤية الله» قضية شهيرة في علم الكلام، تناولها أصحاب الفرق؛ كل يتعصب لوجهة نظره، وينحاز إليها بقوة، وقد استعرضها شيخنا، وقد التزم بالحياد في عرض الآراء وعرض وجهات نظر المخالفين له. ويقدم لها بتمهيد عريض عن طريق تعريف الرؤية لغة واصطلاحا، ومعناها عند اللغويين والمتكلمين والفلاسفة، يعرض وجهة نظر مثبتي الرؤية وأدلتهم النقلية والعقلية، وهم الأشعرية والصوفية والسلفية، ثم ينهض بعرض أدلة منكري الرؤية النقلية والعقلية وهم الإباضية والمعتزلة والشيعة والفلاسفة، ويتناول أدلة مثبتي الرؤية ويفندها بناء على طبيعة اللغة العربية التي تشتمل على التشبيه والمجاز والكناية، وكذلك على أسلوب العرب في التفاهم الاجتماعي والتواصل الحضاري. كل ذلك متسلحا بالدليل النقلي والاستشهاد بكل الآيات التي تنفي الرؤية، ثم إيراد الآيات التي يستشهدون بها لإثبات الرؤية، فيستخدم مبضع التفسير والتأويل بما يؤيد وجهة نظر المدرسة الإباضية أولا، ثم إيراد الدليل العقلي ثانيا.
تنزيه الخالق
وأضاف: ننتقل إلى الجزء الخامس، وقد خصصه للحديث عن المحكم في القرآن والمتشابه، وكذلك في السنة النبوية، وآراء العلماء في ذلك. ولما كان شيخنا يأخذ بمذهب التنزيه اعتمادا على قوله تعالى: (ليس كمثله شيء)، لذلك يرفض مذهب التشبيه والتجسيم وكل ما يمت له بصلة ــ ومعه كل الحق ــ ويرد جذور هذا المذهب إلى الوثنيات القديمة، وقد تلقف هذه المقولات المنكرة اليهود والنصارى وغرقوا فيها إلى آذانهم، وأشاعوها في الآفاق، وسرت منهم إلى الأمة الإسلامية، ويستبسل شيخنا في الدفاع عن تنزيه الله سواء فيما يتعلق بحلوله في المكان أو يحتويه زمان، فهو سبحانه خالق الزمان والمكان.
وأوضح أن الجزء السادس يعد متابعة لتحرير مبحث الصفات الخبرية أي الصفات الحسية التي تفيد التشبيه، ونطلقها على الله مثل؛ الوجه والعين، واليد، والإصبع، والساق، ولا عجب أن يدافع شيخنا عن تنزيه الله عن مشابهته بمخلوقاته أو التشبه بهم، ولذلك يسخر كل أجهزته المعرفية وأدلته النقلية وحججه العقلية وإحاطته باللغة العربية بمفرداتها وأسلوبها، وغوصه على جذورها وتأويل كل هذه الصفات، فالوجه يعني الذات، واليد القدرة، والعين الرعاية والعناية.. وهكذا، ثم ينتقل إلى الحديث عن صفات الفعل أي التي نطلقها على الله، ونطلق عليه سبحانه ضدها مثل: الرحمة والغضب والفرح والغيرة والمكر والخداع. وبالطبع يؤلها بما يتناسب مع العظمة الإلهية، ويجردها من عوارضها البشرية وصفاتها الحسية ويحملها على محمل يليق بجلال رب العزة. أما الجزء السابع والأخير فقد أفرده للحديث عن فيما يجوز إطلاقه على الله من الأسماء وما يمتنع إطلاقه، لذلك عكف على شرح الأسماء الحسنى المنصوص عليها في القرآن؛ الرب، الملك، القدوس، السلام.. ثم الأسماء الحسنى التي يستدل عليها بنصوص القرآن، المبدي والمعيد المعز المذل، ثم يختم هذا الجزء بشرح الألفاظ التي يمتنع السؤال بها عن الله مثل؛ أين وكيف وهل وكم.
قدّم د. محمد عبدالرحيم الزيني – أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية العلوم الشرعية ـ بمسقط قراءة فاحصة لأهم القضايا التي تناولها سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة في إصداره الأخير وهو موسوعة «برهان الحق» في العقيدة الإسلامية واصفا إياها بأنها علامة مميزة لعام 2016، في التاريخ العماني؛ وأنها فريدة في منهجها ومضمونها وبراهينها.. وفيها نفحة من إخلاص المفكرين وعزيمة رواد الوعي الإنساني الذين يقودون البشرية إلى قيم الحق والخير والعدل والسلام، وهي تتسم بالموضوعية والعدل والإنصاف للموافق والمخالف، كما تتألق في صفحاتها روح صافية شفافة متحررة من كل تعصب ممقوت أو تحيز مرفوض.
وأشار إلى أن المؤلف دافع من خلال هذا الإصدار عن تنزيه الله وعن مشابهته بمخلوقاته أو التشبه بهم، ولذلك سخر كل أجهزته المعرفية وأدلته النقلية وحججه العقلية وإحاطته باللغة العربية بمفرداتها وأسلوبها، وغوصه على جذورها مشيرا إلى أن الموسوعة تعد حدثا علميا على مستوى عالمنا الإسلامي وجهدا مشكورا استمر شيخنا في إعداده عدة سنوات.
طرح مبتكر
وأشارت الدراسة إلى أن الموسوعة قدمت طرحا مبتكرا لقضايا علم الكلام التي احتلت مساحة عريضة من المجادلات الشهيرة بين الفرق الإسلامية مع بداية إنشاء العلوم الإسلامية وظهورها، في عصر الابتكارات والتنافس المحمود والتألق العلمي عند العرب حينما عكفوا على دراسة القرآن وقراءة آياته آية آية وقاموا بتأصيل قواعد هذا العلم وتأسيس قضاياه التي اشتهر بها.
وأوضح الزيني في لقائنا معه للحديث عن قراءته التي قدمها عن هذه الموسوعة: إن سماحة الشيخ هدف الأساس من خلال تأليف هذا السفر الدفاع عن المنظومة العقائدية التي تميز بها الإسلام، ولذلك ذهب علماء الكلام في هذا الاتجاه فضلا عن المجادلات الحامية والحرب العقائدية مع أنصار الدهرية والمجوسية والمانوية والمزدكية. أضف إلى ذلك المجادلات والمناظرات مع أهل الكتاب؛ اليهودية والمسيحية ولاسيما أن القرآن الكريم قد أفرد صفحات واسعة ورد على مزاعمهم ردودا مطولة ومفحمة.
وأضاف: تعد موسوعة «برهان الحق» موسوعة تراثية بكل معنى الكلمة، بحيث تستطيع أن تقف شامخة واثقة من نفسها معتزة بمضمونها متألقة بمنهجها فخورة بأسلوبها وجمالية طرحها، وسماحتها وإنصافها للموافق والمخالف؛ بجوار مقالات علم الكلام الشهيرة، مثل مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري (330 هـ)، والتنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع للملطي (377 هـ)، وشرح الأصول الخمسة للقاضي عبدالجبار (415 هـ) والفرق بين الفرق للبغدادي (428 هـ)، والفصل في الملل والنحل لابن حزم (456 هـ)، والتبصير في الدين للإسفراييني (471 هـ)، ولمع الأدلة لعبد الملك الجويني (478هـ)، والملل والنحل للشهرستاني (845هـ)، ومحصل أفكار المتقدمين والمتأخرين، والمسائل الخمسون في أصول الكلام لفخر الدين الرازي (606هـ)، والمواقف لعضد الدين الإيجي (756 هـ) وغيرها من الكتب المعروفة في هذا الميدان. وإن كانت – والحق يقال – هذه الموسوعة بزت هذه الكتب كافة بسعة موضوعاتها، وشمولية العرض، وتناول كل قضايا علم الكلام، مع طول النفس، والصبر المحمود، والجدل بالحكمة والموعظة الحسنة.
أسلوب سهل
وأشار إلى أن المؤلف قصد من هذا السفر العلمي شرح مكونات العقيدة شرحا وافيا للأجيال المعاصرة، وبسط مفرداتها بأسلوب سهل مفهوم بعيدا عن مصطلحات علماء الكلام الغامضة وتعبيرات الفلسفة التي مزجها فخر الدين الرازي، وعضد الدين الإيجي في قضايا علم الكلام، وفي نفس السياق جمع كلمة المسلمين إلى سواء السبيل، وتوحيد الصف وجمع الشمل. فهي «دراسة معمقة في تأصيل العقيدة الإسلامية ودرء الشبه عنها بالأدلة العقلية والنقلية». وهي تمثل إضافة علمية إلى المكتبة الإسلامية.
وقال الزيني: تصفحت الموسوعة تصفحا سريعا على أمل أن أعود إليها بقراءة متأنية دقيقة مستوعبة. وهنا أشير إلى أهم القضايا التي تناولها المؤلف في موسوعته التي غطت سبعة أجزاء كل جزء قارب الخمسمائة صفحة:
خص الجزء الأول للحديث عن وجود الله وصفاته، على أنه قدم له بالحديث عن حقيقة الإيمان تعريفه لغة واصطلاحا، ومناقشة آراء علماء الأمة في أنه يزيد وينقص، ثم انتقل للبرهنة على وجود الله؛ وقد نهج فيه نهج علماء الكلام والفلاسفة في عرض الأدلة الحية والظاهرة في الكون والأنفس ومظاهر الطبيعة التي تنطق بذلك ففي مظاهر هذا الكون المفتوح تتجلى قدرة الله المطلقة ومشيئته الشاملة فنرى فيما ندركه وما لا ندركه يد القدرة الإلهية التي أوجدت الأشياء من العدم وأبدعت هذا الوجود على هذا النحو من النظام البديع والتناسق المذهل والعناية الكلية، وقد توسع في ذلك توسعا ملحوظا ومقصودا، ناقدا رأي الذين يقولون إن هذا العالم وجد بالصدفة دون أن يكون له فاعل قادر، وأن الإنسان يقف وحده، ثم عرج إلى مؤلفات علماء الطبيعة وعرض وجهة نظر العلم الحديث والمعاصر في وجوب وجود «واجب الوجود». وبراهين هؤلاء العلماء في هذه القضية، وقد خرجوا بنتيجة واحدة وهي أن هذا الوجود له خالق قادر قاهر هو الذي أخرجه من العدم إلى الوجود، وأن الإنسان يستند في وجوده إلى غيره أي الله. ولا غرو أن نقول إن إنكار وجود الله فيه مغالطة منطقية واضحة ، ورفض للبديهيات الواضحة بذاتها، ومكابرة ممجوجة لما هو معلوم بالضرورة في الأكوان والأنفس.
إثبات الوحدانية
وأضاف: وهكذا تأتي باقي الأجزاء؛ فقد خصص الجزء الثاني للصفات الإلهية سواء أكانت صفات الذات؛ أم صفات الفعل، والفرق بينهما، ومذاهب علماء الأمة حول طبيعتها أهي عين الذات أم زائدة عن الذات، والبرهنة على إثبات الوحدانية له تعالى والأولية والدوام، والرد على الفلاسفة في قولهم بقدم العالم، ثم ينتقل بالحديث بإسهاب عن تفصيل صفات الذات؛ وهي العلم والقدرة والإرادة والحياة والسمع والبصر والكلام، وهي التي تطلق على الله ولا يطلق عليه ضدها، وأثر اعتقاد هذه الصفات على المؤمنين.
وأشار إلى أن الجزء الثالث تناول قضية خلق القرآن والمعارك الكلامية التي دارت حول هذه القضية لاسيما فيما عرف بمحنة خلق القرآن أيام الخليفة المأمون (ت 218 هـ) ويعرض بأمانة الأدلة النقلية للقائلين بقدمه؛ والأدلة العقلية، ثم يتجرد لعرض رأي المخالفين متوسلا أيضا بالأدلة النقلية والعقلية، وينتصر بطبيعة الحال لوجهة نظر المذهب الإباضي التي تقرر أن القرآن مخلوق.
وأوضح أن الجزء الرابع جاء ليناقش قضية رؤية الله، ومن المعلوم أن قضية «رؤية الله» قضية شهيرة في علم الكلام، تناولها أصحاب الفرق؛ كل يتعصب لوجهة نظره، وينحاز إليها بقوة، وقد استعرضها شيخنا، وقد التزم بالحياد في عرض الآراء وعرض وجهات نظر المخالفين له. ويقدم لها بتمهيد عريض عن طريق تعريف الرؤية لغة واصطلاحا، ومعناها عند اللغويين والمتكلمين والفلاسفة، يعرض وجهة نظر مثبتي الرؤية وأدلتهم النقلية والعقلية، وهم الأشعرية والصوفية والسلفية، ثم ينهض بعرض أدلة منكري الرؤية النقلية والعقلية وهم الإباضية والمعتزلة والشيعة والفلاسفة، ويتناول أدلة مثبتي الرؤية ويفندها بناء على طبيعة اللغة العربية التي تشتمل على التشبيه والمجاز والكناية، وكذلك على أسلوب العرب في التفاهم الاجتماعي والتواصل الحضاري. كل ذلك متسلحا بالدليل النقلي والاستشهاد بكل الآيات التي تنفي الرؤية، ثم إيراد الآيات التي يستشهدون بها لإثبات الرؤية، فيستخدم مبضع التفسير والتأويل بما يؤيد وجهة نظر المدرسة الإباضية أولا، ثم إيراد الدليل العقلي ثانيا.
تنزيه الخالق
وأضاف: ننتقل إلى الجزء الخامس، وقد خصصه للحديث عن المحكم في القرآن والمتشابه، وكذلك في السنة النبوية، وآراء العلماء في ذلك. ولما كان شيخنا يأخذ بمذهب التنزيه اعتمادا على قوله تعالى: (ليس كمثله شيء)، لذلك يرفض مذهب التشبيه والتجسيم وكل ما يمت له بصلة ــ ومعه كل الحق ــ ويرد جذور هذا المذهب إلى الوثنيات القديمة، وقد تلقف هذه المقولات المنكرة اليهود والنصارى وغرقوا فيها إلى آذانهم، وأشاعوها في الآفاق، وسرت منهم إلى الأمة الإسلامية، ويستبسل شيخنا في الدفاع عن تنزيه الله سواء فيما يتعلق بحلوله في المكان أو يحتويه زمان، فهو سبحانه خالق الزمان والمكان.
وأوضح أن الجزء السادس يعد متابعة لتحرير مبحث الصفات الخبرية أي الصفات الحسية التي تفيد التشبيه، ونطلقها على الله مثل؛ الوجه والعين، واليد، والإصبع، والساق، ولا عجب أن يدافع شيخنا عن تنزيه الله عن مشابهته بمخلوقاته أو التشبه بهم، ولذلك يسخر كل أجهزته المعرفية وأدلته النقلية وحججه العقلية وإحاطته باللغة العربية بمفرداتها وأسلوبها، وغوصه على جذورها وتأويل كل هذه الصفات، فالوجه يعني الذات، واليد القدرة، والعين الرعاية والعناية.. وهكذا، ثم ينتقل إلى الحديث عن صفات الفعل أي التي نطلقها على الله، ونطلق عليه سبحانه ضدها مثل: الرحمة والغضب والفرح والغيرة والمكر والخداع. وبالطبع يؤلها بما يتناسب مع العظمة الإلهية، ويجردها من عوارضها البشرية وصفاتها الحسية ويحملها على محمل يليق بجلال رب العزة. أما الجزء السابع والأخير فقد أفرده للحديث عن فيما يجوز إطلاقه على الله من الأسماء وما يمتنع إطلاقه، لذلك عكف على شرح الأسماء الحسنى المنصوص عليها في القرآن؛ الرب، الملك، القدوس، السلام.. ثم الأسماء الحسنى التي يستدل عليها بنصوص القرآن، المبدي والمعيد المعز المذل، ثم يختم هذا الجزء بشرح الألفاظ التي يمتنع السؤال بها عن الله مثل؛ أين وكيف وهل وكم.