المجاهرة بالإثم
من دعاء أبي حمزة الثمالي للإمام سيد الساجدين عليه السلام
"أنا يا رب الذي لم أستحيك في الخلاء ولم أراقبك في الملإ، أنا صاحب الدواهي العظمى، أنا الذي على سيّده اجترأ، أنا الذي عصيت جبّار السماء، أنا الذي أعطيت على معاصي الجليل الرشى، أنا الذي حين بشرت بها خرجت إليها أسعى، أنا الذي عصيت جبَّار السماء، أنا الذي أعطيت على معاصي الجليل الُرشى، أنا الذي بُشّرت بها خرجت إليها أسعى، أنا الذي أمهلتني فما ارعويت، وسترت عليّ فما استحييت.."
47
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ﴾1.
من الصفات القبيحة، التي قد يتّصف بها بعض العصاة والفسّاق الذين خرجوا من ولاية الله ودخلوا في ولاية الطاغوت، صفة الطغيان والمجاهرة بالإثم والفجور.
إذ أنّ هناك بعض الأفراد ممّن يرتكب المعاصي، لكنّه يستتر بها خوفاً من افتضاحه بين الناس، وهذا الإنسان مع جرأته على مولاه، إلاّ أنّه لا يجرؤ على المجاهرة بما يقوم به.
وهناك بعض آخر من العصاة، أكثر جرأةً من غيره؛ فهو مع جرأته على الله فإنّه يتجرّؤ عليه طغياناً وعلواً واستكباراً في الأرض، بارتكابه المعاصي سرّاً وعلانية، استهتاراً واستخفافاً بربّه وبنفسه وبغيره، وهو لا يبالي بما قال وبما فعل ولا بما قيل فيه.
وبعض من هؤلاء قد يرتكب المعصية العلنيّة جهلاً وغفلةً، إلاّ أنّ البعض الآخر منهم يرتكبها مع علمه بذلك عمداً وقصداً وعن سابق إصرارٍ وتصميم، كما هو حال فرعون الذي بارز الله بالمحاربة، وادّعى الربوبيّة وأظهر الفسوق والفجور، وهذا ما ينطبق على معاوية ويزيد وفراعنة هذا العصر الصهاينة لعنهم الله.
وقد حذّرنا الله في كتابه العزيز وعلى لسان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام من الطغيان مطلقاً، والمجاهرة بالإثم والمعصية والفسوق والفساد في الأرض، وقد توعّد الله على ذلك بالانتقام والهلاك والخذلان والعذاب الأليم.
فعلى الإنسان العاقل أن لا يذنب بتاتاً إمتثالاً لأمر ربّه القائل: ﴿وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ
49
وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ﴾2، ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾3.
لأنّ المعصية معصيةٌ سواء كانت صغيرة أم كبيرة، وسواء كانت سريّة أم علنيّة، لأنّ العبد العاصي بمعصيته قد تعرّض لسخط ربّه وغضبه.
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "إتّقوا معاصي الله في الخلوات فإنّ الشاهد هو الحاكم"4.
إلاّ أنّ التتبّع في القرآن والروايات يشير إلى أنّ حال العالِم بالمعصية يختلف عن حال الجاهل بها.
وكذلك فإنّ المختار في تركها أو فعلها يختلف حاله عن المضطرّ إليها.
وأيضاً فإنّ حال المستتر بالمعصية ورغم طغيانه واستحقاقه للعقاب أهون حالاً من المعلن بها، لأنّ المستتر قد يستر الله عليه فلا يفضحه، ويمهله حتّى يستغفر، ويتوب من ذنبه إلى ربّه فيتوب الله عليه.
وأمّا المعلن للمعصية وخاصّة مع علمه بها فقد ورد التحذير بنزول النقمة عليه حين ارتكابه للمعصية، وأنّه لا أمل له بالنجاة، وأنّ فعله مانع من التوبة، وأنّ فعله أشدّ وأعظم ظلماً، وأنّ عذابه أكبر، وأنّه يخلّد في النار...
آثار المجاهرة بالذنب
للمجاهرة بالذنب آثاره الخاصّة به، وقد ذكرت في القرآن الكريم، والروايات الشريفة عن أهل بيت العصمة والطهارةعليهم السلام، ممّا يؤكّد على خطورتها ووجوب الحذر منها والابتعاد عنها، نذكر منها
50
تعجيل النقم
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "مجاهرة الله سبحانه بالمعاصي تعجّل النقم"5.
أشدّ المآثم
"إيّاك والمجاهرة بالفجور فإنّها من أشدّ المآثم"6.
عدم العافية
"كلُّ أمّتي معافة إلاّ المجاهرين الذين يعملون العمل بالليل فيستره ربّه، ثمّ يصبح فيقول: يا فلان إنّي عملت البارحة كذا وكذا..."7.
الخذلان
عن الإمام الرضا عليه السلام قال: "المذيع بالسيئة مخذول، والمستتر بالسيئة مغفور له"8.
عدم النجاة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنّي لأرجو النجاة لمن عرف حقّنا من هذه الأمّة، إلاّ لأحد ثلاثة: صاحب سلطان جائر، وصاحب هوى، والفاسق المعلن، ثمّ تلا: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ﴾"9.
الإبتهاج بالذنوب والمعاصي
يُشاهد أنّ بعض العصاة مضافاً إلى ارتكابهم الذنب والمجاهرة به علناً يظهرون طغيانهم وتبجّحهم أمام الآخرين بأنّه كذّب وسرق وزنى ونظر... الخ، مبتهجاً بذلك ومتلذّذاً بما قام به، فرحاً مسروراً بذنبه، وهذا من أقبح الصفات التي قد يتّصفُ بها العبد العاصي، وقد ورد التحذير والنهي عنها وذكر بعض آثارها.
51
روي عن الإمام السجّاد عليه السلام أنّه قال: "إيّاك والإبتهاج بالذنب، فإن الإبتهاج به أعظم من ركوبه"10.
وعنه أيضاً: "لا وزر أعظم من التبجّح بالفجور".
من آثار الإبتهاج بالذنب
الخسران
عن الإمام عليّ عليه السلام قال: "لا يفلح من يتبجّح بالرذائل".
الذلّ
وعنه عليه السلام أيضاً: "من تلذّذ بمعاصي الله أورثه الله ذلاًّ".
العذاب الأليم
وقال عليه السلام: "حلاوة المعصية يفسدها أليم العقوبة".
دخول النار
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من أذنب ذنباً وهو ضاحك دخل النار وهو باكٍ".
الركون إلى الظالمين
قال تعالى: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾11.
من المسائل الهامّة المرتبطة بالمجاهرة بالفسق والفجور والطغيان، عدم الركون إلى هؤلاء الظلمة الطغاة، وإعانتهم على إثمهم ومعاصيهم؛ لئلاّ تمسّنا النار بإتباعهم، وعدم نهيهم عن المنكر، والدخول فيما دخلوا فيه، ومحبّة بقائهم، وبالتالي بقاء الفساد والظلم في المجتمع وشيوعه.
لذا فإنّ أدلّة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تدلّ على لزوم الوقوف في
52
وجه العصاة والظلمة، وردعهم عن ظلمهم، وعدم إعانتهم في إثمهم ومعاصيهم.
وهذا ما قام به الأنبياء العظامعليه السلام والأئمّة الطاهرون عليه السلام ومن بعدهم العلماء المجاهدون والمؤمنون الأتقياء، إذ نهضوا بكلّ ما أوتوا من قوّة وعزم، مستعينين بالله، لا يخشون معه أحداً، ولا يخافون في الله لومة لائم، لتبليغ رسالات الله وإعلاء كلمة التوحيد وإقامة العدل في الأرض.
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "اللّهم إنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسةً في سلطان، ولا التماس شيءٍ من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلّة من حدودك... وقد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون على الفروج والدماء، والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين، البخيلُ فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيُضّلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدّول فيتّخذ قوماً دون قومٍ، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطّل للسنّة فيُهلك الأمّة"12.
وها هو الإمام الحسين عليه السلام، سيّد الشهداء، ورمز التضحية والإباء، والشجاعة والعزّة، يقف في وجه يزيد الفاسق الظالم، قائلاً له بعد طلب البيعة منه:
"إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله..."13.
وقال عليه السلام في جمعٍ من أصحابه وأهل بيته، مستنهضاً لهم للقيام في وجه يزيد
"فإنّكم إلّا تنصرونا وتنصفونا، قوي الظلمة عليكم، وعملوا في إطفاء نور نبيّكم صلى الله عليه وآله وسلم، وحسبنا الله وعليه توكّلنا، وإليه أنبنا وإليه المصير"14.
هؤلاء هم قدوتنا في الحياة، نتعلّم منهم دروس القيام بالتكليف، والتضحية بالنفس
53
والولد، وهو معنى الحياة العزيزة لا الذليلة، ونتعلّم الوقوف في وجه الظالم الطاغية المجترئ على الله وعباده، وتكليفنا اليوم تلبية نداء النصرة لله والأئمّة الطاهرين عليه السلام، للوقوف في وجه الطاغوت الأكبر وأعوانه، رغم قلّة الناصر وتعاظم الجائر.
54
المفاهيم الأساس
1- إنّ أسوداد قلب الإنسان بالذنوب لا يجعله يغرق فقط في وحل المعاصي والآثام، بل يدفعه ذلك إلى المجاهرة بما يقوم به.
2- لقد حذر المولى عزَّ وجلَّ من المجاهرة بالمعصية والإثم، ووعد بالانتقام والهلاك والخذلان لكل من يتجرئ على ذلك.
3- إنّ من أبرز مصاديق المجاهرة بالإثم هو الركون إلى الظالمين والطغاة، وإعانتهم على إثمهم وطغيانهم.
للمطالعة
روي عن صفوان الجمّال
قال: دخلتُ على الإمام الكاظم عليه السلام.
فقال عليه السلام لي: يا صفوان، كلّ شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً.
قلت: جعلت فداك أيّ شيء؟
قال عليه السلام: إكراؤك [إعارتك جمالك من هذا الرجل، يعني هارون
قال: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو، ولكني أكريته لهذا الطريق يعني طريق مكّة، ولا أتولّاه بنفسي، ولكن ابعث معه غلماني.
فقال عليه السلام لي: يا صفوان أيقع كراؤك عليهم ؟
قلت: نعم جعلت فداك،
قال: فقال عليه السلام لي : أتحبّ بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟
قلت: نعم،
قال عليه السلام : من أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد النار.
قال صفوان : فذهبت فبعت جمالي عن آخرها، فبلغ ذلك إلى هارون فدعاني فقال لي : يا صفوان بلغني أنّك بعت جمالك،
قلت: نعم،
قال: ولم؟
قلت: أنا شيخ كبير وإنّ الغلمان لا يفون بالأعمال؟
فقال: هيهات هيهات، إنّي لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك بهذا موسى بن جعفر.
قلت: ما لي ولموسى بن جعفر؟
فقال: دع هذا عنك فو الله لولا حسن صحبتك لقتلتك.
وسائل الشيعة،ج17، ص182-183
هوامش
1- سورة السجدة، الآية: 22.
2- سورة الأنعام، الآية: 120.
3- سورة الأنعام، الآية: 151.
4- وسائل الشيعة، ج15، ص239.
5- غرر الحكم، ص100.
6- مستدرك الوسائل، ج11، ص368.
7- ميزان الحكمة، ج2، ص988.
8- بحار الأنوار، ج70، ص356.
9- الكافي، ج8، ص128.
10- ميزان الحكمة، ج2 ص99.
11- سورة هود، الآية: 113.
12- شرح نهج البلاغة، ج8، ص263.
13- بحار الأنوار، ج44، ص225.
14- تحف العقول، ص239.
من دعاء أبي حمزة الثمالي للإمام سيد الساجدين عليه السلام
"أنا يا رب الذي لم أستحيك في الخلاء ولم أراقبك في الملإ، أنا صاحب الدواهي العظمى، أنا الذي على سيّده اجترأ، أنا الذي عصيت جبّار السماء، أنا الذي أعطيت على معاصي الجليل الرشى، أنا الذي حين بشرت بها خرجت إليها أسعى، أنا الذي عصيت جبَّار السماء، أنا الذي أعطيت على معاصي الجليل الُرشى، أنا الذي بُشّرت بها خرجت إليها أسعى، أنا الذي أمهلتني فما ارعويت، وسترت عليّ فما استحييت.."
47
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ﴾1.
من الصفات القبيحة، التي قد يتّصف بها بعض العصاة والفسّاق الذين خرجوا من ولاية الله ودخلوا في ولاية الطاغوت، صفة الطغيان والمجاهرة بالإثم والفجور.
إذ أنّ هناك بعض الأفراد ممّن يرتكب المعاصي، لكنّه يستتر بها خوفاً من افتضاحه بين الناس، وهذا الإنسان مع جرأته على مولاه، إلاّ أنّه لا يجرؤ على المجاهرة بما يقوم به.
وهناك بعض آخر من العصاة، أكثر جرأةً من غيره؛ فهو مع جرأته على الله فإنّه يتجرّؤ عليه طغياناً وعلواً واستكباراً في الأرض، بارتكابه المعاصي سرّاً وعلانية، استهتاراً واستخفافاً بربّه وبنفسه وبغيره، وهو لا يبالي بما قال وبما فعل ولا بما قيل فيه.
وبعض من هؤلاء قد يرتكب المعصية العلنيّة جهلاً وغفلةً، إلاّ أنّ البعض الآخر منهم يرتكبها مع علمه بذلك عمداً وقصداً وعن سابق إصرارٍ وتصميم، كما هو حال فرعون الذي بارز الله بالمحاربة، وادّعى الربوبيّة وأظهر الفسوق والفجور، وهذا ما ينطبق على معاوية ويزيد وفراعنة هذا العصر الصهاينة لعنهم الله.
وقد حذّرنا الله في كتابه العزيز وعلى لسان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام من الطغيان مطلقاً، والمجاهرة بالإثم والمعصية والفسوق والفساد في الأرض، وقد توعّد الله على ذلك بالانتقام والهلاك والخذلان والعذاب الأليم.
فعلى الإنسان العاقل أن لا يذنب بتاتاً إمتثالاً لأمر ربّه القائل: ﴿وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ
49
وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ﴾2، ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾3.
لأنّ المعصية معصيةٌ سواء كانت صغيرة أم كبيرة، وسواء كانت سريّة أم علنيّة، لأنّ العبد العاصي بمعصيته قد تعرّض لسخط ربّه وغضبه.
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "إتّقوا معاصي الله في الخلوات فإنّ الشاهد هو الحاكم"4.
إلاّ أنّ التتبّع في القرآن والروايات يشير إلى أنّ حال العالِم بالمعصية يختلف عن حال الجاهل بها.
وكذلك فإنّ المختار في تركها أو فعلها يختلف حاله عن المضطرّ إليها.
وأيضاً فإنّ حال المستتر بالمعصية ورغم طغيانه واستحقاقه للعقاب أهون حالاً من المعلن بها، لأنّ المستتر قد يستر الله عليه فلا يفضحه، ويمهله حتّى يستغفر، ويتوب من ذنبه إلى ربّه فيتوب الله عليه.
وأمّا المعلن للمعصية وخاصّة مع علمه بها فقد ورد التحذير بنزول النقمة عليه حين ارتكابه للمعصية، وأنّه لا أمل له بالنجاة، وأنّ فعله مانع من التوبة، وأنّ فعله أشدّ وأعظم ظلماً، وأنّ عذابه أكبر، وأنّه يخلّد في النار...
آثار المجاهرة بالذنب
للمجاهرة بالذنب آثاره الخاصّة به، وقد ذكرت في القرآن الكريم، والروايات الشريفة عن أهل بيت العصمة والطهارةعليهم السلام، ممّا يؤكّد على خطورتها ووجوب الحذر منها والابتعاد عنها، نذكر منها
50
تعجيل النقم
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "مجاهرة الله سبحانه بالمعاصي تعجّل النقم"5.
أشدّ المآثم
"إيّاك والمجاهرة بالفجور فإنّها من أشدّ المآثم"6.
عدم العافية
"كلُّ أمّتي معافة إلاّ المجاهرين الذين يعملون العمل بالليل فيستره ربّه، ثمّ يصبح فيقول: يا فلان إنّي عملت البارحة كذا وكذا..."7.
الخذلان
عن الإمام الرضا عليه السلام قال: "المذيع بالسيئة مخذول، والمستتر بالسيئة مغفور له"8.
عدم النجاة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنّي لأرجو النجاة لمن عرف حقّنا من هذه الأمّة، إلاّ لأحد ثلاثة: صاحب سلطان جائر، وصاحب هوى، والفاسق المعلن، ثمّ تلا: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ﴾"9.
الإبتهاج بالذنوب والمعاصي
يُشاهد أنّ بعض العصاة مضافاً إلى ارتكابهم الذنب والمجاهرة به علناً يظهرون طغيانهم وتبجّحهم أمام الآخرين بأنّه كذّب وسرق وزنى ونظر... الخ، مبتهجاً بذلك ومتلذّذاً بما قام به، فرحاً مسروراً بذنبه، وهذا من أقبح الصفات التي قد يتّصفُ بها العبد العاصي، وقد ورد التحذير والنهي عنها وذكر بعض آثارها.
51
روي عن الإمام السجّاد عليه السلام أنّه قال: "إيّاك والإبتهاج بالذنب، فإن الإبتهاج به أعظم من ركوبه"10.
وعنه أيضاً: "لا وزر أعظم من التبجّح بالفجور".
من آثار الإبتهاج بالذنب
الخسران
عن الإمام عليّ عليه السلام قال: "لا يفلح من يتبجّح بالرذائل".
الذلّ
وعنه عليه السلام أيضاً: "من تلذّذ بمعاصي الله أورثه الله ذلاًّ".
العذاب الأليم
وقال عليه السلام: "حلاوة المعصية يفسدها أليم العقوبة".
دخول النار
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من أذنب ذنباً وهو ضاحك دخل النار وهو باكٍ".
الركون إلى الظالمين
قال تعالى: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾11.
من المسائل الهامّة المرتبطة بالمجاهرة بالفسق والفجور والطغيان، عدم الركون إلى هؤلاء الظلمة الطغاة، وإعانتهم على إثمهم ومعاصيهم؛ لئلاّ تمسّنا النار بإتباعهم، وعدم نهيهم عن المنكر، والدخول فيما دخلوا فيه، ومحبّة بقائهم، وبالتالي بقاء الفساد والظلم في المجتمع وشيوعه.
لذا فإنّ أدلّة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تدلّ على لزوم الوقوف في
52
وجه العصاة والظلمة، وردعهم عن ظلمهم، وعدم إعانتهم في إثمهم ومعاصيهم.
وهذا ما قام به الأنبياء العظامعليه السلام والأئمّة الطاهرون عليه السلام ومن بعدهم العلماء المجاهدون والمؤمنون الأتقياء، إذ نهضوا بكلّ ما أوتوا من قوّة وعزم، مستعينين بالله، لا يخشون معه أحداً، ولا يخافون في الله لومة لائم، لتبليغ رسالات الله وإعلاء كلمة التوحيد وإقامة العدل في الأرض.
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "اللّهم إنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسةً في سلطان، ولا التماس شيءٍ من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلّة من حدودك... وقد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون على الفروج والدماء، والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين، البخيلُ فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيُضّلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدّول فيتّخذ قوماً دون قومٍ، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطّل للسنّة فيُهلك الأمّة"12.
وها هو الإمام الحسين عليه السلام، سيّد الشهداء، ورمز التضحية والإباء، والشجاعة والعزّة، يقف في وجه يزيد الفاسق الظالم، قائلاً له بعد طلب البيعة منه:
"إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله..."13.
وقال عليه السلام في جمعٍ من أصحابه وأهل بيته، مستنهضاً لهم للقيام في وجه يزيد
"فإنّكم إلّا تنصرونا وتنصفونا، قوي الظلمة عليكم، وعملوا في إطفاء نور نبيّكم صلى الله عليه وآله وسلم، وحسبنا الله وعليه توكّلنا، وإليه أنبنا وإليه المصير"14.
هؤلاء هم قدوتنا في الحياة، نتعلّم منهم دروس القيام بالتكليف، والتضحية بالنفس
53
والولد، وهو معنى الحياة العزيزة لا الذليلة، ونتعلّم الوقوف في وجه الظالم الطاغية المجترئ على الله وعباده، وتكليفنا اليوم تلبية نداء النصرة لله والأئمّة الطاهرين عليه السلام، للوقوف في وجه الطاغوت الأكبر وأعوانه، رغم قلّة الناصر وتعاظم الجائر.
54
المفاهيم الأساس
1- إنّ أسوداد قلب الإنسان بالذنوب لا يجعله يغرق فقط في وحل المعاصي والآثام، بل يدفعه ذلك إلى المجاهرة بما يقوم به.
2- لقد حذر المولى عزَّ وجلَّ من المجاهرة بالمعصية والإثم، ووعد بالانتقام والهلاك والخذلان لكل من يتجرئ على ذلك.
3- إنّ من أبرز مصاديق المجاهرة بالإثم هو الركون إلى الظالمين والطغاة، وإعانتهم على إثمهم وطغيانهم.
للمطالعة
روي عن صفوان الجمّال
قال: دخلتُ على الإمام الكاظم عليه السلام.
فقال عليه السلام لي: يا صفوان، كلّ شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً.
قلت: جعلت فداك أيّ شيء؟
قال عليه السلام: إكراؤك [إعارتك جمالك من هذا الرجل، يعني هارون
قال: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو، ولكني أكريته لهذا الطريق يعني طريق مكّة، ولا أتولّاه بنفسي، ولكن ابعث معه غلماني.
فقال عليه السلام لي: يا صفوان أيقع كراؤك عليهم ؟
قلت: نعم جعلت فداك،
قال: فقال عليه السلام لي : أتحبّ بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟
قلت: نعم،
قال عليه السلام : من أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد النار.
قال صفوان : فذهبت فبعت جمالي عن آخرها، فبلغ ذلك إلى هارون فدعاني فقال لي : يا صفوان بلغني أنّك بعت جمالك،
قلت: نعم،
قال: ولم؟
قلت: أنا شيخ كبير وإنّ الغلمان لا يفون بالأعمال؟
فقال: هيهات هيهات، إنّي لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك بهذا موسى بن جعفر.
قلت: ما لي ولموسى بن جعفر؟
فقال: دع هذا عنك فو الله لولا حسن صحبتك لقتلتك.
وسائل الشيعة،ج17، ص182-183
هوامش
1- سورة السجدة، الآية: 22.
2- سورة الأنعام، الآية: 120.
3- سورة الأنعام، الآية: 151.
4- وسائل الشيعة، ج15، ص239.
5- غرر الحكم، ص100.
6- مستدرك الوسائل، ج11، ص368.
7- ميزان الحكمة، ج2، ص988.
8- بحار الأنوار، ج70، ص356.
9- الكافي، ج8، ص128.
10- ميزان الحكمة، ج2 ص99.
11- سورة هود، الآية: 113.
12- شرح نهج البلاغة، ج8، ص263.
13- بحار الأنوار، ج44، ص225.
14- تحف العقول، ص239.