العُجُب
وهو استعظام الإسنان نفسه ، لاتّصافه بخِلّةٍ كريمة ، ومزيّةٍ مشرّفة ، كالعِلم والمال والجاه والعمَل الصالح .
ويتميّز العجُب عن التكبّر ، بأنّه استعظام النفس مجرّداً عن التعالي على الغير ، والتكبّر هما معاً .
والعُجُب من الصفات المَقيتة ، والخلال المنفّرة ، الدّالة على ضعة النفس ، وضيق الأفق ، وصفاقة الأخلاق ، وقد نهت الشريعة عنه، وحذّرت منه.
قال تعالى : ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى )(1) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( من دخله العُجب هلك )(2)
وعنه ( عليه السلام ) قال : ( قال إبليس ( لعنَه اللّه ) لجنوده : اذا استمكنت مِن ابن آدَم في ثلاث لم أُبال ما عمَل ، فإنّه غير مقبولٍ منه ، إذا استكثر عمَله ، ونسيَ ذنبه ، ودخلَه العُجُب )(3) .
_____________________
(1) النجم : 32 .
(2) الوافي ج 3 ص 151 عن الكافي.
(3) البحار م 15 ج 3 موضوع العجب بالأعمال عن الخصال للصدوق .
الصفحة 140
وقال الباقر ( عليه السلام ) : ( ثلاثٌ هن قاصمات الظهر : رجلٌ استكثر عمله ، ونسي ذنوبه ، وأعجب برأيه )(1) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( أتى عالمٌ عابداً فقال له : كيف صلاتك ؟ فقال : مثلي يُسأل عن صلاته ؟ وأنا أعبُد اللّه تعالى مُنذ كذا وكذا ، قال : فكيف بكاؤك ؟ قال : أبكي حتّى تجري دموعي . فقال له العالِم : فإنّ ضحكك وأنت خائف خير ( أفضل خ ل ) مِن بكائك وأنت مُدِل ، إنّ المدل لا يصعّد مِن عمله شيء )(2) .
وعن أحدهما ( عليهما السلام ) ، قال : ( دخل رجُلان المسجد أحدهما عابدٌ والآخر فاسق ، فخرجا من المسجد ، والفاسق صدّيق ، والعابد فاسق ، وذلك : أنّه يدخل العابد المسجد مدلاًّ بعبادته ، يُدِلّ بها ، فيكون فكرته في ذلك ، ويكون فكرة الفاسق في الندم على فسقه ، ويستغفر اللّه تعالى لما ذَكَرَ من الذنوب )(3) .
وعن أبي عبد اللّه عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : لولا أنّ الذنب خيرٌ للمؤمن من العجُب ، ما خلّى اللّه بين عبده المؤمن وبين ذنبٍ أبداً )(4) .
والجدير بالذكر : أنّ العُجُب الذميم هو استكثار العمَل الصالح ،
_____________________
(1) البحار م 15 ج 3 موضوع العجُب بالأعمال عن الخصال للصدوق .
(2) الوافي ج 3 ص 151 عن الكافي .
(3) الوافي ج 3 ص 151 عن الكافي .
(4) البحار م 15 ج 3 بحث العجُب عن أمالي أبي عليّ ابن الشيخ الطوسي .
الصفحة 141
والإدلال به ، أمّا السرور به مع التواضع للّه تعالى ، والشكر له على توفيقه لطاعتِه ، فذلك ممدوحٌ ولا ضيرَ فيه .
مساوئ العجُب :
للعجُب أضرارٌ ومساوئ :
1 - إنّه سببُ الأنانيّة والتكبّر ، فمَن أُعجِب بنفسه إزدهاه العُجُب ، وتعالى على الناس ، وتجبّر عليهم ، وذلك يُسبّب مقت الناس وهوانهم له .
2 - إنّه يعمي صاحبه عن نقائصه ومساوئه ، فلا يهتم بتجميل نفسه ، وملافاة نقائصه ، ممّا يجعله في غمرة الجهل والتخلّف .
3 - إنّه باعث على استكثار الطاعة ، والإدلال بها ، وتناسي الذنوب والآثام ، وفي ذلك أضرارٌ بليغة ، فتناسي الذنوب يُعيق عن التوبة والإنابة إلى اللّه عزّ وجل منها ، ويعرّض ذويها لسخطِه وعقابه ، واستكثار الطاعة والعبادة يكدّرها بالعُجب والتعامي عن آفاتها ، فلا تنال شرف الرضا والقبول من المولى عزّ وجل .
علاج العُجُب :
وحيث كان العُجب والتكبر صنوين من أصل واحد ، وإن اختلفا في الاتجاه ، فالعجب كما أسلفنا استعظام النفس مجرداً عن التعالي ، والتكبر
الصفحة 142
هما معاً ، فعلاجهما واحد ، وقد أوضحناه في بحث التكبّر .
وجدير بالمعجَب بنفسه ، أنْ يدرك أنّ جميع ما يبعثه على الزهو والإعجاب ، من صنوف الفضائل والمزايا ، إنّما هي نِعَمٌ إلهيّة يُسديها المولى إلى مَن شاء مِن عباده ، فهي أحرى بالحمد ، وأجدَر بالشكر مِن العُجب والخُيَلاء .
وهي إلى ذلك عُرضةً لصروف الأقدار ، وعوادي الدهر ، فما للإنسان والعجُب !!
ومِن طريف ما نُقِل عن بعض الصُلَحاء في ملافاة خواطر العجُب :
قيل : إنّ بعضهم خرَج في جُنح الظلام متّجهاً إلى بعض المشاهد المشرّفة ، لأداء مراسم العبادة والزيارة ، فبينا هو في طريقه إذ فاجأه العجُب بخروجه سَحَرَاً ، ومجافاته لذّة الدفء وحلاوة الكَرى مِن أجل العبادة .
فلاح له آنذاك ، بائع شلغم فانبرى نحوه ، فسأله كم تربح في كسبك وعناء خروجك في هذا الوقت ؟ فأجابه : دِرهَمين أو ثلاث ، فرجع إلى نفسه مخاطباً لها علام العجُب ؟ وقيمة إسحاري لا تزيد عن دِرهَمين أو ثلاث .
ونُقِل عن آخر : أنّه عمِل في ليلة القدر أعمالاً جمّةً مِن الصلوات والدعوات والأوراد ، استثارت عُجُبه ، فراح يُعالِجه بحكمةٍ وسداد : فقال لبعض المتعبّدين : كم تتقاضى على القيام بأعمال هذه الليلة ، وهي كيت وكيت . فقال : نصف دينار ، فرجع إلى نفسه مؤنّباً لها وموحياً إليها ، علام العُجُب وقيمة أعمالي كلّها نصف دينار ؟
الصفحة 143
اليقين
وهو : الاعتقاد بأُصول الدين وضروراته ، اعتقاداً ثابتاً ، مطابقاً للواقع ، لا تُزَعزِعه الشُبَه ، فإنْ لم يُطابق الواقع فهو جهلٌ مركّب .
واليقين هو غرّة الفضائل النفسيّة ، وأعزّ المواهب الإلهيّة ، ورمز الوعي والكمال ، وسبيل السعادة في الدارَين . وقد أولته الشريعة اهتماماً بالغاً ومجّدت ذويه تمجيداً عاطراً ، وإليك طرفاً منه :
قال الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ الإيمان أفضل من الإسلام ، وإنّ اليقين أفضل من الإيمان ، وما مِن شيءٍ أعزّ مِن اليقين )(1) .
وقال ( عليه السلام ) : ( إنّ العمل الدائم القليل على اليقين ، أفضل عند اللّه مِن العمل الكثير على غير يقين )(2) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( مِن صحّة يقين المرء المسلم ، أنْ لا يُرضي الناس بسخطِ اللّه ، ولا يلومَهم على ما لم يأته اللّه ، فإنّ الرزق لا يسوقه حِرصُ حريص ، ولا يردّه كراهيّة كاره ، ولو أنّ أحدَكم فرّ مِن رزقه كما يفرّ مِن الموت ، لأدركه رِزقه كما يدركه الموت ) .
_____________________
(1) البحار م 15 ج 2 ص 57 عن الكافي .
(2) البحار م 15 ج 2 ص 60 عن الكافي .
الصفحة 144
ثمّ قال : ( إنّ اللّه بعدلِه وقسطه جعَل الروح والراحة في اليقين والرضا ، وجعل الهمّ والحُزن في الشكّ والسخط )(1) .
وعنه ( عليه السلام ) قال : كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقول : ( لا يَجدُ عبدٌ طعمَ الإيمان ، حتّى يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليُخطئه ، وأنّ ما أخطأه لم يَكن ليُصيبه ، وأنّ الضارّ النافع هو اللّه تعالى )(2) .
وسُئل الامام الرضا ( عليه السلام ) عن رجلٍ يقول بالحقّ ويُسرف على نفسه ، بشرب الخمر ويأتي الكبائر ، وعن رجلٍ دونه في اليقين وهو لا يأتي ما يأتيه ، فقال ( عليه السلام ) : ( أحسنهما يقيناً كالنائم على المحجّة ، اذا انتبه ركبَها ، والأدوَن الذي يدخله الشكّ كالنائم على غير طريق ، لا يدري اذا انتبه أيّهما المحجّة )(3) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) صلّى بالناس الصبح ، فنظر إلى شابٍّ في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه ، مصفرّاً لونه ، قد نحُف جِسمه ، وغارَت عيناه في رأسه ، فقال له رسول اللّه : كيف أصبحت يا فلان ؟ قال : أصبحت يا رسول اللّه موقناً ، فعجِب رسول اللّه مِن قوله ، وقال له : إنّ لكلِّ يقينٍ حقيقة ، فما حقيقة يقينك ؟
فقال : إنّ يقيني يا رسول اللّه ، هو الذي أحزَنني ، وأسهرَ ليلي ، وأظمأ هواجري ، فعزِفَت نفسي عن الدنيا وما فيها ، حتّى كأنّي أنظر إلى
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 54 عن الكافي .
(2) الوافي ج 3 ص 54 عن الكافي .
(3) سفينة البحار ج 2 ص 734 عن فقه الرضا .
الصفحة 145
عرش ربّي ، وقد نصب للحساب ، وحُشر الخلائق لذلك ، وأنا فيهم ، وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة ويتعارفون ، على الأرائك متّكئون ، وكأنّي أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذَّبون ، مصطفون ، وكأنّ الآن استمع زفير النار يدور في مسامعي .
فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) لأصحابه: هذا عبدٌ نوّر اللّه قلبَه بالإيمان ، ثُمّ قال له : إلزَم ما أنت عليه ، فقال الشاب : أدع اللّه لي يا رسول اللّه أنْ أُرزق الشهادةَ معك ، فدعا له رسول اللّه فلم يلبث أنْ خرَج في بعض غزَوَات النبيّ فاستُشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر )(1) .
خصائص الموقنين :
متى ازدهرت النفس باليقين ، واستنارت بشُعاعِه الوهّاج ، عكَسَت على ذويها ألواناً مِن الجمال والكمال النفسيَّين ، وتسامت بهم إلى أوجٍّ روحيٍّ رفيع ، يتألّقون في آفاقه تألُّق الكواكب النيّرة ، ويتميّزون عن الناس تميّز الجواهر الفريدة مِن الحصا .
فمَن أبرَز خصائصهم ومزاياهم ، أنَك تجدهم دائبين في التحلّي بمكارم الأخلاق ، ومحاسن الأفعال ، وتجنّب رذائلها ومساوِئها ، لا تخدعهم زخارف الحياة ، ولا تُلهيهم عن تصعيد كفاءاتهم ومؤهّلاتهم الروحيّة لنيل الدرجات الرفيعة ، والسعادة المأمولة في الحياة الاخرويّة ، فهم متفانون في طاعة اللّه
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 33 عن الكافي .
الصفحة 146
عزّ وجل ، ابتغاء رضوانه ، وحسن مثوبته ، متوكّلون عليه ، في سرّاء الحياة وضرّائها ، لا يرجون ولا يخشون أحداً سِواه ، ليقينهم بحسن تدبيره وحكمة أفعاله .
لذلك تُستجاب دَعَواتهم ، وتظهر الكرامات على أيديهم ، وينالون شرف الحظوة والرعاية مِن اللّه عزّ وجل .
درجات الايمان :
ويحسن بي وأنا أتحدّث عن اليقين أنْ أعرض طَرفاً مِن مفاهيم الإيمان ودرجاته ، وأنواعه إتماماً للبحث وتنويراً للمؤمنين .
يتفاضل الناس في درجات الإيمان تفاضلاً كبيراً ، فمنهم المجلّي السباق في حلَبة الايمان ، ومنهم الواهن المتخلف ، ومنهم بين هذا وذاك كما صوّرته الرواية الكريمة :
قال الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ الايمان عشر درجات ، بمنزلة السُلّم ، يُصعَد منه مرقاةً بعد مرقاة ، فلا يقولنّ صاحب الاثنين لصاحب الواحد لَستَ على شيء ، حتّى ينتهي إلى العاشرة ، فلا تُسقط مَن هو دونك ، فيسقطك مَن هو فوقَك ، وإذا رأيت مَن هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق ، ولا تحملَنّ عليه ما لا يطيق فتكسِره ، فإنّ مَن كسَر مؤمناً فعليه جبْرُه )(1) .
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 30 عن الكافي .
الصفحة 147
أنواع الايمان :
ينقسم الايمان الى ثلاثة أنواع : فطريّ ، ومستَودَع ، وكَسْبي .
1 - فالفطريّ : هو ما كان هِبةً إلهيّة ، قد فطر عليه الإنسان ، كما في الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) ، فإنّهم المثلُ الأعلى في قوّة الإيمان ، وسموّ اليقين ، لا تخالجهم الشكوك ، ولا تعروهم الوساوس .
2 - المستودَع : وهو ما كان صوريّاً طافياً على اللسان ، سرعان ما تزعزعه الشبَه والوساوِس ، كما قال الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ العبد يصبح مومناً ، ويُمسي كافراً ، ويصبح كافراً ، ويُمسي مؤمناً ، وقوم يعارون الإيمان ثُمّ يلبسونه ، وُيسَمَّون المُعارين )(1) .
وقال ( عليه السلام ) : ( إنّ اللّه تعالى جبَل النبييّن على نبوّتهم ، فلا يرتدّون أبداً ، وجَبَل الأوصياء على وصاياهم فلا يرتدّون أبداً ، وجبل بعض المؤمنين على الإيمان فلا يرتدّون أبداً ، ومنهم مَن أُعير الإيمان عاريةً ، فاذا هو دعا وألحّ في الدعاء مات على الإيمان )(2) .
وهكذا تعقّب الامام الصادق ( عليه السلام ) على حديثَيه السالفَين بحديثٍ ثالثٍ بجعلِه مِقياساً للتمييز بين الإيمان الثابت من المستودع ، فيقول : ( إنّ الحسرة والندامة والويل كلّه لِمَن لم ينتفع بما أبصره ، ولم يدرِ ما الأمر الذي هو عليه مقيم ، أنفْعٌ له أم ضرّ ) ، قلت ( الراوي ) : فَبِم يُعرَف الناجي مِن هؤلاء جُعِلت فداك ؟
_____________________
(1) ، (2) الوافي ج 3 ص 50 عن الكافي .
الصفحة 148
قال : ( مَن كان فعله لقوله موافقاً ، فأثبتُ له الشهادةَ بالنجاة ، ومن لم يكن فعله لقوله موافقاً، فإنما ذلك مستودع»(1) .
3 - الكَسْبي : وهو الايمان الفطري الطفيف الذي نمّاه صاحبه واستزاد رصيده حتى تكامل وسمى الى مستوى رفيع، وله درجات ومراتب.
وإليك بعض الوصايا والنصائح الباعثة على صيانة الجُزء الفطريّ مِن الإيمان ، وتوفير الكسبي منه :
1 - مصاحبة المؤمنين الأخيار ، ومجانبة الشقاة والعصاة ، فإنّ الصاحب متأثّر بصاحبه ومُكتسِب مِن سلوكه وأخلاقه ، كما قال الرسول الأعظم ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( المرء على دين خلِيله ، فلينظر أحدُكم مَن يُخالِل ) .
2 - ترك النظر والاستماع إلى كتب الضلال ، وأقوال المضلّين ، المولَعين بتسميم أفكار الناس وحَرْفِهم عن العقيدة والشريعة الإسلاميّتين، وإفساد قِيم الإيمان ومفاهيمه في نفوسهم .
3 - ممارسة النظر والتفكّر في مخلوقات اللّه عزّ وجل ، وما اتّصفت به مِن جميلِ الصنع ، ودقّة النظام ، وحكمة التدبير ، الباهرة المدهشة : ( وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ )(2) .
4 - ومن موجبات الإيمان وتوفير رصيده ، جهاد النفس ، وترويضها على طاعة اللّه تعالي ، وتجنّب معاصيه ، لتعمر النفس بمفاهيم الإيمان ، وتُشرِق بنوره الوضّاء ، فهي كالماء الزلال ، لا يزال شفافاً رِقراقاً ، ما لم تُكدّره
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 50 عن الكافي .
(2) الذاريات (20 - 21 ) .
الصفحة 149
الشوائب فيغدو آنذاك آسِناً قاتِماً لا صفاءَ فيه ولا جمال . ولولا صدَأ الذنوب ، وأوضار الآثام التي تنتاب القُلوب والنفوس ، فتجهّم جمالها وتخبّئ أنوارها ، لاستنار الأكثرون بالإيمان ، وتألّقت نفوسُهم بشُعاعِه الوهّاج : ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )(1) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( إذا أذنَب الرجل خرَج في قلبه نُكته سَوداء ، فإنْ تاب انمحت ، وإنْ زاد زادت ، حتّى تغلّب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً )(2) .
_____________________
(1) الشمس ( 7 - 10 ) .
(2) الوافي ج 3 ص 167 عن الكافي .
وهو استعظام الإسنان نفسه ، لاتّصافه بخِلّةٍ كريمة ، ومزيّةٍ مشرّفة ، كالعِلم والمال والجاه والعمَل الصالح .
ويتميّز العجُب عن التكبّر ، بأنّه استعظام النفس مجرّداً عن التعالي على الغير ، والتكبّر هما معاً .
والعُجُب من الصفات المَقيتة ، والخلال المنفّرة ، الدّالة على ضعة النفس ، وضيق الأفق ، وصفاقة الأخلاق ، وقد نهت الشريعة عنه، وحذّرت منه.
قال تعالى : ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى )(1) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( من دخله العُجب هلك )(2)
وعنه ( عليه السلام ) قال : ( قال إبليس ( لعنَه اللّه ) لجنوده : اذا استمكنت مِن ابن آدَم في ثلاث لم أُبال ما عمَل ، فإنّه غير مقبولٍ منه ، إذا استكثر عمَله ، ونسيَ ذنبه ، ودخلَه العُجُب )(3) .
_____________________
(1) النجم : 32 .
(2) الوافي ج 3 ص 151 عن الكافي.
(3) البحار م 15 ج 3 موضوع العجب بالأعمال عن الخصال للصدوق .
الصفحة 140
وقال الباقر ( عليه السلام ) : ( ثلاثٌ هن قاصمات الظهر : رجلٌ استكثر عمله ، ونسي ذنوبه ، وأعجب برأيه )(1) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( أتى عالمٌ عابداً فقال له : كيف صلاتك ؟ فقال : مثلي يُسأل عن صلاته ؟ وأنا أعبُد اللّه تعالى مُنذ كذا وكذا ، قال : فكيف بكاؤك ؟ قال : أبكي حتّى تجري دموعي . فقال له العالِم : فإنّ ضحكك وأنت خائف خير ( أفضل خ ل ) مِن بكائك وأنت مُدِل ، إنّ المدل لا يصعّد مِن عمله شيء )(2) .
وعن أحدهما ( عليهما السلام ) ، قال : ( دخل رجُلان المسجد أحدهما عابدٌ والآخر فاسق ، فخرجا من المسجد ، والفاسق صدّيق ، والعابد فاسق ، وذلك : أنّه يدخل العابد المسجد مدلاًّ بعبادته ، يُدِلّ بها ، فيكون فكرته في ذلك ، ويكون فكرة الفاسق في الندم على فسقه ، ويستغفر اللّه تعالى لما ذَكَرَ من الذنوب )(3) .
وعن أبي عبد اللّه عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : لولا أنّ الذنب خيرٌ للمؤمن من العجُب ، ما خلّى اللّه بين عبده المؤمن وبين ذنبٍ أبداً )(4) .
والجدير بالذكر : أنّ العُجُب الذميم هو استكثار العمَل الصالح ،
_____________________
(1) البحار م 15 ج 3 موضوع العجُب بالأعمال عن الخصال للصدوق .
(2) الوافي ج 3 ص 151 عن الكافي .
(3) الوافي ج 3 ص 151 عن الكافي .
(4) البحار م 15 ج 3 بحث العجُب عن أمالي أبي عليّ ابن الشيخ الطوسي .
الصفحة 141
والإدلال به ، أمّا السرور به مع التواضع للّه تعالى ، والشكر له على توفيقه لطاعتِه ، فذلك ممدوحٌ ولا ضيرَ فيه .
مساوئ العجُب :
للعجُب أضرارٌ ومساوئ :
1 - إنّه سببُ الأنانيّة والتكبّر ، فمَن أُعجِب بنفسه إزدهاه العُجُب ، وتعالى على الناس ، وتجبّر عليهم ، وذلك يُسبّب مقت الناس وهوانهم له .
2 - إنّه يعمي صاحبه عن نقائصه ومساوئه ، فلا يهتم بتجميل نفسه ، وملافاة نقائصه ، ممّا يجعله في غمرة الجهل والتخلّف .
3 - إنّه باعث على استكثار الطاعة ، والإدلال بها ، وتناسي الذنوب والآثام ، وفي ذلك أضرارٌ بليغة ، فتناسي الذنوب يُعيق عن التوبة والإنابة إلى اللّه عزّ وجل منها ، ويعرّض ذويها لسخطِه وعقابه ، واستكثار الطاعة والعبادة يكدّرها بالعُجب والتعامي عن آفاتها ، فلا تنال شرف الرضا والقبول من المولى عزّ وجل .
علاج العُجُب :
وحيث كان العُجب والتكبر صنوين من أصل واحد ، وإن اختلفا في الاتجاه ، فالعجب كما أسلفنا استعظام النفس مجرداً عن التعالي ، والتكبر
الصفحة 142
هما معاً ، فعلاجهما واحد ، وقد أوضحناه في بحث التكبّر .
وجدير بالمعجَب بنفسه ، أنْ يدرك أنّ جميع ما يبعثه على الزهو والإعجاب ، من صنوف الفضائل والمزايا ، إنّما هي نِعَمٌ إلهيّة يُسديها المولى إلى مَن شاء مِن عباده ، فهي أحرى بالحمد ، وأجدَر بالشكر مِن العُجب والخُيَلاء .
وهي إلى ذلك عُرضةً لصروف الأقدار ، وعوادي الدهر ، فما للإنسان والعجُب !!
ومِن طريف ما نُقِل عن بعض الصُلَحاء في ملافاة خواطر العجُب :
قيل : إنّ بعضهم خرَج في جُنح الظلام متّجهاً إلى بعض المشاهد المشرّفة ، لأداء مراسم العبادة والزيارة ، فبينا هو في طريقه إذ فاجأه العجُب بخروجه سَحَرَاً ، ومجافاته لذّة الدفء وحلاوة الكَرى مِن أجل العبادة .
فلاح له آنذاك ، بائع شلغم فانبرى نحوه ، فسأله كم تربح في كسبك وعناء خروجك في هذا الوقت ؟ فأجابه : دِرهَمين أو ثلاث ، فرجع إلى نفسه مخاطباً لها علام العجُب ؟ وقيمة إسحاري لا تزيد عن دِرهَمين أو ثلاث .
ونُقِل عن آخر : أنّه عمِل في ليلة القدر أعمالاً جمّةً مِن الصلوات والدعوات والأوراد ، استثارت عُجُبه ، فراح يُعالِجه بحكمةٍ وسداد : فقال لبعض المتعبّدين : كم تتقاضى على القيام بأعمال هذه الليلة ، وهي كيت وكيت . فقال : نصف دينار ، فرجع إلى نفسه مؤنّباً لها وموحياً إليها ، علام العُجُب وقيمة أعمالي كلّها نصف دينار ؟
الصفحة 143
اليقين
وهو : الاعتقاد بأُصول الدين وضروراته ، اعتقاداً ثابتاً ، مطابقاً للواقع ، لا تُزَعزِعه الشُبَه ، فإنْ لم يُطابق الواقع فهو جهلٌ مركّب .
واليقين هو غرّة الفضائل النفسيّة ، وأعزّ المواهب الإلهيّة ، ورمز الوعي والكمال ، وسبيل السعادة في الدارَين . وقد أولته الشريعة اهتماماً بالغاً ومجّدت ذويه تمجيداً عاطراً ، وإليك طرفاً منه :
قال الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ الإيمان أفضل من الإسلام ، وإنّ اليقين أفضل من الإيمان ، وما مِن شيءٍ أعزّ مِن اليقين )(1) .
وقال ( عليه السلام ) : ( إنّ العمل الدائم القليل على اليقين ، أفضل عند اللّه مِن العمل الكثير على غير يقين )(2) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( مِن صحّة يقين المرء المسلم ، أنْ لا يُرضي الناس بسخطِ اللّه ، ولا يلومَهم على ما لم يأته اللّه ، فإنّ الرزق لا يسوقه حِرصُ حريص ، ولا يردّه كراهيّة كاره ، ولو أنّ أحدَكم فرّ مِن رزقه كما يفرّ مِن الموت ، لأدركه رِزقه كما يدركه الموت ) .
_____________________
(1) البحار م 15 ج 2 ص 57 عن الكافي .
(2) البحار م 15 ج 2 ص 60 عن الكافي .
الصفحة 144
ثمّ قال : ( إنّ اللّه بعدلِه وقسطه جعَل الروح والراحة في اليقين والرضا ، وجعل الهمّ والحُزن في الشكّ والسخط )(1) .
وعنه ( عليه السلام ) قال : كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقول : ( لا يَجدُ عبدٌ طعمَ الإيمان ، حتّى يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليُخطئه ، وأنّ ما أخطأه لم يَكن ليُصيبه ، وأنّ الضارّ النافع هو اللّه تعالى )(2) .
وسُئل الامام الرضا ( عليه السلام ) عن رجلٍ يقول بالحقّ ويُسرف على نفسه ، بشرب الخمر ويأتي الكبائر ، وعن رجلٍ دونه في اليقين وهو لا يأتي ما يأتيه ، فقال ( عليه السلام ) : ( أحسنهما يقيناً كالنائم على المحجّة ، اذا انتبه ركبَها ، والأدوَن الذي يدخله الشكّ كالنائم على غير طريق ، لا يدري اذا انتبه أيّهما المحجّة )(3) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) صلّى بالناس الصبح ، فنظر إلى شابٍّ في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه ، مصفرّاً لونه ، قد نحُف جِسمه ، وغارَت عيناه في رأسه ، فقال له رسول اللّه : كيف أصبحت يا فلان ؟ قال : أصبحت يا رسول اللّه موقناً ، فعجِب رسول اللّه مِن قوله ، وقال له : إنّ لكلِّ يقينٍ حقيقة ، فما حقيقة يقينك ؟
فقال : إنّ يقيني يا رسول اللّه ، هو الذي أحزَنني ، وأسهرَ ليلي ، وأظمأ هواجري ، فعزِفَت نفسي عن الدنيا وما فيها ، حتّى كأنّي أنظر إلى
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 54 عن الكافي .
(2) الوافي ج 3 ص 54 عن الكافي .
(3) سفينة البحار ج 2 ص 734 عن فقه الرضا .
الصفحة 145
عرش ربّي ، وقد نصب للحساب ، وحُشر الخلائق لذلك ، وأنا فيهم ، وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة ويتعارفون ، على الأرائك متّكئون ، وكأنّي أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذَّبون ، مصطفون ، وكأنّ الآن استمع زفير النار يدور في مسامعي .
فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) لأصحابه: هذا عبدٌ نوّر اللّه قلبَه بالإيمان ، ثُمّ قال له : إلزَم ما أنت عليه ، فقال الشاب : أدع اللّه لي يا رسول اللّه أنْ أُرزق الشهادةَ معك ، فدعا له رسول اللّه فلم يلبث أنْ خرَج في بعض غزَوَات النبيّ فاستُشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر )(1) .
خصائص الموقنين :
متى ازدهرت النفس باليقين ، واستنارت بشُعاعِه الوهّاج ، عكَسَت على ذويها ألواناً مِن الجمال والكمال النفسيَّين ، وتسامت بهم إلى أوجٍّ روحيٍّ رفيع ، يتألّقون في آفاقه تألُّق الكواكب النيّرة ، ويتميّزون عن الناس تميّز الجواهر الفريدة مِن الحصا .
فمَن أبرَز خصائصهم ومزاياهم ، أنَك تجدهم دائبين في التحلّي بمكارم الأخلاق ، ومحاسن الأفعال ، وتجنّب رذائلها ومساوِئها ، لا تخدعهم زخارف الحياة ، ولا تُلهيهم عن تصعيد كفاءاتهم ومؤهّلاتهم الروحيّة لنيل الدرجات الرفيعة ، والسعادة المأمولة في الحياة الاخرويّة ، فهم متفانون في طاعة اللّه
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 33 عن الكافي .
الصفحة 146
عزّ وجل ، ابتغاء رضوانه ، وحسن مثوبته ، متوكّلون عليه ، في سرّاء الحياة وضرّائها ، لا يرجون ولا يخشون أحداً سِواه ، ليقينهم بحسن تدبيره وحكمة أفعاله .
لذلك تُستجاب دَعَواتهم ، وتظهر الكرامات على أيديهم ، وينالون شرف الحظوة والرعاية مِن اللّه عزّ وجل .
درجات الايمان :
ويحسن بي وأنا أتحدّث عن اليقين أنْ أعرض طَرفاً مِن مفاهيم الإيمان ودرجاته ، وأنواعه إتماماً للبحث وتنويراً للمؤمنين .
يتفاضل الناس في درجات الإيمان تفاضلاً كبيراً ، فمنهم المجلّي السباق في حلَبة الايمان ، ومنهم الواهن المتخلف ، ومنهم بين هذا وذاك كما صوّرته الرواية الكريمة :
قال الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ الايمان عشر درجات ، بمنزلة السُلّم ، يُصعَد منه مرقاةً بعد مرقاة ، فلا يقولنّ صاحب الاثنين لصاحب الواحد لَستَ على شيء ، حتّى ينتهي إلى العاشرة ، فلا تُسقط مَن هو دونك ، فيسقطك مَن هو فوقَك ، وإذا رأيت مَن هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق ، ولا تحملَنّ عليه ما لا يطيق فتكسِره ، فإنّ مَن كسَر مؤمناً فعليه جبْرُه )(1) .
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 30 عن الكافي .
الصفحة 147
أنواع الايمان :
ينقسم الايمان الى ثلاثة أنواع : فطريّ ، ومستَودَع ، وكَسْبي .
1 - فالفطريّ : هو ما كان هِبةً إلهيّة ، قد فطر عليه الإنسان ، كما في الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) ، فإنّهم المثلُ الأعلى في قوّة الإيمان ، وسموّ اليقين ، لا تخالجهم الشكوك ، ولا تعروهم الوساوس .
2 - المستودَع : وهو ما كان صوريّاً طافياً على اللسان ، سرعان ما تزعزعه الشبَه والوساوِس ، كما قال الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ العبد يصبح مومناً ، ويُمسي كافراً ، ويصبح كافراً ، ويُمسي مؤمناً ، وقوم يعارون الإيمان ثُمّ يلبسونه ، وُيسَمَّون المُعارين )(1) .
وقال ( عليه السلام ) : ( إنّ اللّه تعالى جبَل النبييّن على نبوّتهم ، فلا يرتدّون أبداً ، وجَبَل الأوصياء على وصاياهم فلا يرتدّون أبداً ، وجبل بعض المؤمنين على الإيمان فلا يرتدّون أبداً ، ومنهم مَن أُعير الإيمان عاريةً ، فاذا هو دعا وألحّ في الدعاء مات على الإيمان )(2) .
وهكذا تعقّب الامام الصادق ( عليه السلام ) على حديثَيه السالفَين بحديثٍ ثالثٍ بجعلِه مِقياساً للتمييز بين الإيمان الثابت من المستودع ، فيقول : ( إنّ الحسرة والندامة والويل كلّه لِمَن لم ينتفع بما أبصره ، ولم يدرِ ما الأمر الذي هو عليه مقيم ، أنفْعٌ له أم ضرّ ) ، قلت ( الراوي ) : فَبِم يُعرَف الناجي مِن هؤلاء جُعِلت فداك ؟
_____________________
(1) ، (2) الوافي ج 3 ص 50 عن الكافي .
الصفحة 148
قال : ( مَن كان فعله لقوله موافقاً ، فأثبتُ له الشهادةَ بالنجاة ، ومن لم يكن فعله لقوله موافقاً، فإنما ذلك مستودع»(1) .
3 - الكَسْبي : وهو الايمان الفطري الطفيف الذي نمّاه صاحبه واستزاد رصيده حتى تكامل وسمى الى مستوى رفيع، وله درجات ومراتب.
وإليك بعض الوصايا والنصائح الباعثة على صيانة الجُزء الفطريّ مِن الإيمان ، وتوفير الكسبي منه :
1 - مصاحبة المؤمنين الأخيار ، ومجانبة الشقاة والعصاة ، فإنّ الصاحب متأثّر بصاحبه ومُكتسِب مِن سلوكه وأخلاقه ، كما قال الرسول الأعظم ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( المرء على دين خلِيله ، فلينظر أحدُكم مَن يُخالِل ) .
2 - ترك النظر والاستماع إلى كتب الضلال ، وأقوال المضلّين ، المولَعين بتسميم أفكار الناس وحَرْفِهم عن العقيدة والشريعة الإسلاميّتين، وإفساد قِيم الإيمان ومفاهيمه في نفوسهم .
3 - ممارسة النظر والتفكّر في مخلوقات اللّه عزّ وجل ، وما اتّصفت به مِن جميلِ الصنع ، ودقّة النظام ، وحكمة التدبير ، الباهرة المدهشة : ( وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ )(2) .
4 - ومن موجبات الإيمان وتوفير رصيده ، جهاد النفس ، وترويضها على طاعة اللّه تعالي ، وتجنّب معاصيه ، لتعمر النفس بمفاهيم الإيمان ، وتُشرِق بنوره الوضّاء ، فهي كالماء الزلال ، لا يزال شفافاً رِقراقاً ، ما لم تُكدّره
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 50 عن الكافي .
(2) الذاريات (20 - 21 ) .
الصفحة 149
الشوائب فيغدو آنذاك آسِناً قاتِماً لا صفاءَ فيه ولا جمال . ولولا صدَأ الذنوب ، وأوضار الآثام التي تنتاب القُلوب والنفوس ، فتجهّم جمالها وتخبّئ أنوارها ، لاستنار الأكثرون بالإيمان ، وتألّقت نفوسُهم بشُعاعِه الوهّاج : ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )(1) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( إذا أذنَب الرجل خرَج في قلبه نُكته سَوداء ، فإنْ تاب انمحت ، وإنْ زاد زادت ، حتّى تغلّب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً )(2) .
_____________________
(1) الشمس ( 7 - 10 ) .
(2) الوافي ج 3 ص 167 عن الكافي .