العضو السائل : haidery
رقم السؤال : 82
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سماحة العلامة الجليل الشيخ علي الكوراني العاملي حفظكم الله ورعاكم
مولانا الكريم أدامكم الله ذخرا للمذهب وأهله
مولاي قرأت لكم آراء جديدة في مسألة توقيفية آيات القرآن الكريم؟ فهل تقولون بها؟ أم أنكم لكم أدلة تفسيرية أخرى ترجح لديكم رؤية أخرى؟
الجواب :
لعلك تقصد حجية السياق القرآني بترتيبه الفعلي .
نعم ، أنا أرى عدم حجية السياق القرآني إلا ما دل عليه دليل على وحدة سياقه ، من داخل الآيات كسورة التوحيد وسورة يوسف وأكثر السور القصار ، أو دليل من خارجه على كون سياقه قطعة واحدة . وإلا فيجب التوقف فيه وعدم الإستدلال بالسياق .
وقد سألني عن هذه المسألة بعض الإخوة في شبكة هجر ، فأجبته:
هذه مسألة خلافية ، وتسمى في أصول الفقه حجية السياق القرآني ..وعامة علماء المذاهب يقولون إنها توقيفية ، ورأي داعيكم أنه إذا دل دليل على وحدة السياق من نفس القرآن أو من خارجه ، فهو حجة ..وإلا فلا يمكن التمسك به شرعا . وكثير من سور القرآن ومقطوعاته تدل بنفسها على وحدة سياقها..والكلام في الباقي .
والدليل على عدم حجية السياق بذاته ، أمران:
الأول : أن الصحابة شهدوا أنهم وضعوا بعض الآيات في موضعها باجتهادهم ، بدون أمر رسول الله صلى الله عليه وآله . والثابت عندنا أن عمر بن الخطاب وضع بعض آيات القرآن في موضوعها الفعلي ..وقد اعترف هو وزيد بن ثابت بذلك ، ولم يكن زيد يجرأ على التصرف إلا برأي عمر ، وقد نقلت ذلك مصادرهم ! ففي فتح الباري في شرح البخاري لابن حجر : 9 / 11 :
(قوله حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الانصاري وقع في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد من خزيمة بن ثابت أخرجه أحمد والترمذي ووقع في رواية شعيب عن الزهري كما تقدم في سورة التوبة مع خزيمة بن ثابت الانصاري .
وكذا أخرجه بن أبي داود من طريق يونس بن يزيد عن بن شهاب وقول من قال عن إبراهيم بن سعد مع أبي خزيمة أصح وقد تقدم البحث فيه في تفسير سورة التوبة وأن الذي وجد معه آخر سورة التوبة غير الذي وجد معه الآية التي في الاحزاب ، فالاول اختلف الرواة فيه على الزهري فمن قائل مع خزيمة ومن قائل مع أبي خزيمة ومن شاك فيه يقول خزيمة أو أبي خزيمة والارجح أن الذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة بالكنية والذي وجد معه الآية من الاحزاب خزيمة وأبو خزيمة قيل هو بن أوس بن يزيد بن أصرم مشهور بكنتيه دون اسمه وقيل هو الحارث بن خزيمة وأما خزيمة فهو بن ثابت ذو الشهاديتن كما تقدم صريحا في سورة الاحزاب .
وأخرج بن أبي داود من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآتين من آخر سورة براءة فقال أشهد أني سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتهما فقال عمر وأنا أشهد لقد سمعتهما ثم قال لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة فانظروا سورة من القرآن فألحقوها في آخرها .
فهذا أن كان محفوظا احتمل أن يكون قول زيد بن ثابت وجدتها مع أبيه خزيمة لم أجدها مع غيره أي أول ما كتبت ثم جاء الحارث بن خزمية بعد ذفك أو أن أبا خزيمة هو الحارث بن خزيمة لا بن أوس .
وأما قول عمر: لو كانت ثلاث آيات ، فظاهره أنهم كانوا يؤلفون آيات السور باجتهادهم وسائر الاخبار تدل على أنهم لم يفعلوا شيئا من ذلك إلا بتوقيف . نعم ترتيب السور بعضها إثر بعض كان يقعل بعضه منهم بالاجتهاد ، كما سيأتي في باب تأليف القرآن) .
وفي تفسير ابن كثير : 2/ 419 :
(وفي الصحيح أن زيدا قال فوجدت آخر سورة براءة مع خزيمة بن ثابت أو أبي خزيمة وقد قدمنا أن جماعة من الصحابة تذكروا ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال خزيمة بن ثابت حين ابتدأهم بها والله أعلم ).
وفي تاريخ المدينة لعمر بن شبة :3 /1001 :
(عن خارجة بن زيد ، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : عرضت المصحف فلم أجد فيه هذه الآية من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا . قال : فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها فلم أجدها مع أحد منهم ، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها فلم أجدها مع أحد منهم ! حتى وجدتها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري فكتبتها ، ثم عرضته مرة أخرى فلم أجد فيه هاتين الآيتين لقد جاءكم رسول من أنفسكم الى آخر السورة ، قال : فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها فلم أجدهما مع أحد منهم ، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنهما فلم أجدهما مع أحد منهم ! حتى وجدتهما مع رجل آخر يدعي خزيمة أيضا من الأنصار فأثبتهما في آخر براءة . قال زيد : ولو تمت ثلاث آيات لجعلتها سورة واحدة ، ثم عرضته عرضة أخرى فلم أجد فيه شيئا ). انتهى.
وفي هذه النصوص وأمثالها اعتراف من عمر وكاتبه زيد بأن ترتيب بعض الآيات بفعلهم ، وأن لهم الحق في ذلك .. بل لهم الحق في فتح سور جديدة أيضا !!!
وهذا يسقط السياق عن الحجية ، إلا إذا علمنا بوحدته من نفس الآيات أو بنص صحيح عن المعصومين عليهم السلام .
والدليل الثاني: أنا عندما نرى سياق الآيات غير مرتبط بأي وجه ، ونرى القول بوحدة السياق يوجب نسبة التناقض الى الله تعالى ، فيجب علينا أن نقول إن ترتيبها باجتهاد الصحابة ..
ففي مطلع سورة المائدة ، نرى أنه لاربط بين الوفاء بالعقود وتحليل بهيمة الأنعام ..
قال تعالى :يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْاَنْعَامِ إِلاَ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ. (المائدة:1)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ .(المائدة:2 )
وآية إكمال الدين التي تعني انتهاء نزول التشريع والتحليل والتحريم ، التي روى الجميع أنه لم ينزل بعدها حكم .. فكيف يكون موضعها في وسط أحكام اللحوم المحرمة، وبعدها بقية أحكام اللحوم ..قال تعالى :
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. (المائدة:3)
لاحظ أنه لاربط أبداً لآية إكمال الدين بما قبلها ولا بما بعدها ، وأنك إن حذفتها اتسقت الآيات قبلها وبعدها ..وقد روى الجميع أنها نزلت آية مستقلة فكيف صارت جزء من آية ؟.
* كما روى الجميع أن آية التطهير نزلت مستقلة في بيت أم سلمة ، ولا ربط لها بآيات نساء النبي التحذيرية . فلا بد من القول أن وضعها وسط آيات نساء النبي كان باجتهاد الصحابة ، خاصة أنك إن حذفتها من هنا اتسقت الآيات !!
قال الله تعالى :يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً..... يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ >>إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ َطْهِيراً< وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً.
لاحظ أنك إن رفعت آية التطهير من هنا يتسق السياق !!!
فكتب الأخ يوسف15:
( اذا سلمنا بعدم وحدة السياق جدلا ، هل تبقى السورة بعد ذلك سورة ؟ وهل يجزيء قرائتها في الصلاة ؟)
وأجبته: أولا: إن مشكلة السياق لاتصل الى صعيد القراءة في الصلاة ، بسبب إمضاء أئمة أهل البيت عليهم السلام للقرآن الفعلي .
وثانيا : حتى لو قلنا بأن الأصل عدم وحدة السياق القرآني إلا بدليل ، فإن مادل الدليل على وحدته من داخل السورة ، ومن خارجها ، هو الأكثر والأعم الأغلب .. فالمشكلة جزئية لا كلية..
وسألت : ( لوكان قد حدث تبديل في مواقع بعض الآيات فكيف سكت ائمة هل البيت عن ذلك ؟ واذا لم يسكتوا فلماذا لم تصل الينا اعتراضاتهم؟ ) .
وجوابه: أن عدم وصول روايت الاعتراض لايعني عدم وجودها ، على أنك لم تتبع كل الروايات في الموضوع .
أما سكوتهم فسببه : أن النبي وأهل البيت عليهم السلام كان يدور أمرهم بين أن تقطع شجرة الاسلام ، أو تبقى بلا ثمر فعلي ..فآثروا بقاء الشجرة لتثمر مع الأجيال ، حتى يظهر ثمرها كاملاً على يد الامام الامام المهدي عليه السلام .
وقلتَ: ( نحن نلاحظ في القصائد الشعرية اذا تم تبديل بعض الابيات تختل القصيدة ويختل طابعها البلاغي / فهل تبديل مواقع بعض الآيات اذا صدق ذلك يخل بالأعجاز البلاغي للقران الكريم؟؟
وجوابه :
إن تغيير بعض آيات من موضعها ، لا يخل بالاعجاز البلاغي للقرآن ، بل يخل بسياقها هي فقط ..
لاحظ المثالين اللذين أوردتهما لك ، تجد أن السياق الفعلي لايمكن أن يكون بفعل الله ورسوله ، وبالتالي لو رفعت الآيتين من موضعهما لانسجم السياق ،وكانت بلاغته أقوى .
وجرى ذكر رأي السيد الخوئي قدس سره ، فكتبت :
نعم يظهر من هذا الكلام أن السيد الخوئي قدس سره يرى أن ترتيب جميع آيات القرآن توقيفي ..
وأن الميرزا التبريزي وافقه .. ورأيهما محترم ، ولم أر لهما استثناء لبعض الآيات كما أذهب اليه ، وإن كنت أحتمل أنهما يستثنيان .
لكن هل ترى أن التقليد واجب على الباحث في هذه المسألة ؟
ألا يجوز أن يصل باحث الى رأي مفاده استحالة الالتزام بحجية السياق في بعض الموارد كالتي ذكرتها ، وغيرها مثل قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) .المائدة-1
فهل تتعقل أنت وحدة سياق هذه الآية، والأمثلة المتقدمة ..؟خاصة آية ( اليوم أكملت لكم دينكم ) التي يقول بعدها .. كلا لم أكمل لكم دينكم وهذه بعض أحكامه ..؟!!!
إن هذه الآية وحده في اعتقادي دليل كاف على عدم وحدة سياقها .
رقم السؤال : 82
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سماحة العلامة الجليل الشيخ علي الكوراني العاملي حفظكم الله ورعاكم
مولانا الكريم أدامكم الله ذخرا للمذهب وأهله
مولاي قرأت لكم آراء جديدة في مسألة توقيفية آيات القرآن الكريم؟ فهل تقولون بها؟ أم أنكم لكم أدلة تفسيرية أخرى ترجح لديكم رؤية أخرى؟
الجواب :
لعلك تقصد حجية السياق القرآني بترتيبه الفعلي .
نعم ، أنا أرى عدم حجية السياق القرآني إلا ما دل عليه دليل على وحدة سياقه ، من داخل الآيات كسورة التوحيد وسورة يوسف وأكثر السور القصار ، أو دليل من خارجه على كون سياقه قطعة واحدة . وإلا فيجب التوقف فيه وعدم الإستدلال بالسياق .
وقد سألني عن هذه المسألة بعض الإخوة في شبكة هجر ، فأجبته:
هذه مسألة خلافية ، وتسمى في أصول الفقه حجية السياق القرآني ..وعامة علماء المذاهب يقولون إنها توقيفية ، ورأي داعيكم أنه إذا دل دليل على وحدة السياق من نفس القرآن أو من خارجه ، فهو حجة ..وإلا فلا يمكن التمسك به شرعا . وكثير من سور القرآن ومقطوعاته تدل بنفسها على وحدة سياقها..والكلام في الباقي .
والدليل على عدم حجية السياق بذاته ، أمران:
الأول : أن الصحابة شهدوا أنهم وضعوا بعض الآيات في موضعها باجتهادهم ، بدون أمر رسول الله صلى الله عليه وآله . والثابت عندنا أن عمر بن الخطاب وضع بعض آيات القرآن في موضوعها الفعلي ..وقد اعترف هو وزيد بن ثابت بذلك ، ولم يكن زيد يجرأ على التصرف إلا برأي عمر ، وقد نقلت ذلك مصادرهم ! ففي فتح الباري في شرح البخاري لابن حجر : 9 / 11 :
(قوله حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الانصاري وقع في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد من خزيمة بن ثابت أخرجه أحمد والترمذي ووقع في رواية شعيب عن الزهري كما تقدم في سورة التوبة مع خزيمة بن ثابت الانصاري .
وكذا أخرجه بن أبي داود من طريق يونس بن يزيد عن بن شهاب وقول من قال عن إبراهيم بن سعد مع أبي خزيمة أصح وقد تقدم البحث فيه في تفسير سورة التوبة وأن الذي وجد معه آخر سورة التوبة غير الذي وجد معه الآية التي في الاحزاب ، فالاول اختلف الرواة فيه على الزهري فمن قائل مع خزيمة ومن قائل مع أبي خزيمة ومن شاك فيه يقول خزيمة أو أبي خزيمة والارجح أن الذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة بالكنية والذي وجد معه الآية من الاحزاب خزيمة وأبو خزيمة قيل هو بن أوس بن يزيد بن أصرم مشهور بكنتيه دون اسمه وقيل هو الحارث بن خزيمة وأما خزيمة فهو بن ثابت ذو الشهاديتن كما تقدم صريحا في سورة الاحزاب .
وأخرج بن أبي داود من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآتين من آخر سورة براءة فقال أشهد أني سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتهما فقال عمر وأنا أشهد لقد سمعتهما ثم قال لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة فانظروا سورة من القرآن فألحقوها في آخرها .
فهذا أن كان محفوظا احتمل أن يكون قول زيد بن ثابت وجدتها مع أبيه خزيمة لم أجدها مع غيره أي أول ما كتبت ثم جاء الحارث بن خزمية بعد ذفك أو أن أبا خزيمة هو الحارث بن خزيمة لا بن أوس .
وأما قول عمر: لو كانت ثلاث آيات ، فظاهره أنهم كانوا يؤلفون آيات السور باجتهادهم وسائر الاخبار تدل على أنهم لم يفعلوا شيئا من ذلك إلا بتوقيف . نعم ترتيب السور بعضها إثر بعض كان يقعل بعضه منهم بالاجتهاد ، كما سيأتي في باب تأليف القرآن) .
وفي تفسير ابن كثير : 2/ 419 :
(وفي الصحيح أن زيدا قال فوجدت آخر سورة براءة مع خزيمة بن ثابت أو أبي خزيمة وقد قدمنا أن جماعة من الصحابة تذكروا ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال خزيمة بن ثابت حين ابتدأهم بها والله أعلم ).
وفي تاريخ المدينة لعمر بن شبة :3 /1001 :
(عن خارجة بن زيد ، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : عرضت المصحف فلم أجد فيه هذه الآية من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا . قال : فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها فلم أجدها مع أحد منهم ، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها فلم أجدها مع أحد منهم ! حتى وجدتها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري فكتبتها ، ثم عرضته مرة أخرى فلم أجد فيه هاتين الآيتين لقد جاءكم رسول من أنفسكم الى آخر السورة ، قال : فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها فلم أجدهما مع أحد منهم ، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنهما فلم أجدهما مع أحد منهم ! حتى وجدتهما مع رجل آخر يدعي خزيمة أيضا من الأنصار فأثبتهما في آخر براءة . قال زيد : ولو تمت ثلاث آيات لجعلتها سورة واحدة ، ثم عرضته عرضة أخرى فلم أجد فيه شيئا ). انتهى.
وفي هذه النصوص وأمثالها اعتراف من عمر وكاتبه زيد بأن ترتيب بعض الآيات بفعلهم ، وأن لهم الحق في ذلك .. بل لهم الحق في فتح سور جديدة أيضا !!!
وهذا يسقط السياق عن الحجية ، إلا إذا علمنا بوحدته من نفس الآيات أو بنص صحيح عن المعصومين عليهم السلام .
والدليل الثاني: أنا عندما نرى سياق الآيات غير مرتبط بأي وجه ، ونرى القول بوحدة السياق يوجب نسبة التناقض الى الله تعالى ، فيجب علينا أن نقول إن ترتيبها باجتهاد الصحابة ..
ففي مطلع سورة المائدة ، نرى أنه لاربط بين الوفاء بالعقود وتحليل بهيمة الأنعام ..
قال تعالى :يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْاَنْعَامِ إِلاَ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ. (المائدة:1)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ .(المائدة:2 )
وآية إكمال الدين التي تعني انتهاء نزول التشريع والتحليل والتحريم ، التي روى الجميع أنه لم ينزل بعدها حكم .. فكيف يكون موضعها في وسط أحكام اللحوم المحرمة، وبعدها بقية أحكام اللحوم ..قال تعالى :
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. (المائدة:3)
لاحظ أنه لاربط أبداً لآية إكمال الدين بما قبلها ولا بما بعدها ، وأنك إن حذفتها اتسقت الآيات قبلها وبعدها ..وقد روى الجميع أنها نزلت آية مستقلة فكيف صارت جزء من آية ؟.
* كما روى الجميع أن آية التطهير نزلت مستقلة في بيت أم سلمة ، ولا ربط لها بآيات نساء النبي التحذيرية . فلا بد من القول أن وضعها وسط آيات نساء النبي كان باجتهاد الصحابة ، خاصة أنك إن حذفتها من هنا اتسقت الآيات !!
قال الله تعالى :يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً..... يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ >>إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ َطْهِيراً< وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً.
لاحظ أنك إن رفعت آية التطهير من هنا يتسق السياق !!!
فكتب الأخ يوسف15:
( اذا سلمنا بعدم وحدة السياق جدلا ، هل تبقى السورة بعد ذلك سورة ؟ وهل يجزيء قرائتها في الصلاة ؟)
وأجبته: أولا: إن مشكلة السياق لاتصل الى صعيد القراءة في الصلاة ، بسبب إمضاء أئمة أهل البيت عليهم السلام للقرآن الفعلي .
وثانيا : حتى لو قلنا بأن الأصل عدم وحدة السياق القرآني إلا بدليل ، فإن مادل الدليل على وحدته من داخل السورة ، ومن خارجها ، هو الأكثر والأعم الأغلب .. فالمشكلة جزئية لا كلية..
وسألت : ( لوكان قد حدث تبديل في مواقع بعض الآيات فكيف سكت ائمة هل البيت عن ذلك ؟ واذا لم يسكتوا فلماذا لم تصل الينا اعتراضاتهم؟ ) .
وجوابه: أن عدم وصول روايت الاعتراض لايعني عدم وجودها ، على أنك لم تتبع كل الروايات في الموضوع .
أما سكوتهم فسببه : أن النبي وأهل البيت عليهم السلام كان يدور أمرهم بين أن تقطع شجرة الاسلام ، أو تبقى بلا ثمر فعلي ..فآثروا بقاء الشجرة لتثمر مع الأجيال ، حتى يظهر ثمرها كاملاً على يد الامام الامام المهدي عليه السلام .
وقلتَ: ( نحن نلاحظ في القصائد الشعرية اذا تم تبديل بعض الابيات تختل القصيدة ويختل طابعها البلاغي / فهل تبديل مواقع بعض الآيات اذا صدق ذلك يخل بالأعجاز البلاغي للقران الكريم؟؟
وجوابه :
إن تغيير بعض آيات من موضعها ، لا يخل بالاعجاز البلاغي للقرآن ، بل يخل بسياقها هي فقط ..
لاحظ المثالين اللذين أوردتهما لك ، تجد أن السياق الفعلي لايمكن أن يكون بفعل الله ورسوله ، وبالتالي لو رفعت الآيتين من موضعهما لانسجم السياق ،وكانت بلاغته أقوى .
وجرى ذكر رأي السيد الخوئي قدس سره ، فكتبت :
نعم يظهر من هذا الكلام أن السيد الخوئي قدس سره يرى أن ترتيب جميع آيات القرآن توقيفي ..
وأن الميرزا التبريزي وافقه .. ورأيهما محترم ، ولم أر لهما استثناء لبعض الآيات كما أذهب اليه ، وإن كنت أحتمل أنهما يستثنيان .
لكن هل ترى أن التقليد واجب على الباحث في هذه المسألة ؟
ألا يجوز أن يصل باحث الى رأي مفاده استحالة الالتزام بحجية السياق في بعض الموارد كالتي ذكرتها ، وغيرها مثل قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) .المائدة-1
فهل تتعقل أنت وحدة سياق هذه الآية، والأمثلة المتقدمة ..؟خاصة آية ( اليوم أكملت لكم دينكم ) التي يقول بعدها .. كلا لم أكمل لكم دينكم وهذه بعض أحكامه ..؟!!!
إن هذه الآية وحده في اعتقادي دليل كاف على عدم وحدة سياقها .