شطرنج كردي على رقعة كركوك
نظام مارديني
في لعبة الشطرنج، تموت البيادق لينجو الملك، غير أن هذا لا يوجد فقط على رقعة الشطرنج. فساحة أكراد العراق تبدو كهذه الرقعة ولكنها لا تمتد ببعد النظر بسبب السياسات القاصرة للقيادات الكردية. غير أن المساس بهذه القيادات ما زال يعد من المحرمات في لاوعي الجماهير الكردية حتى ولو كانت سياسات قياداتها قصيرة النظر.
في ضوء هذه الرؤية يجب النظر إلى كركوك كضحية مباشرة لقصر النظر في توجه الزعيمين الكرديين جلال الطالباني ومسعود البرزاني اللذين حاولا التأثير في اعتبار الأكراد ضحايا للعبة سياسية، مستفيدين قدر الامكان من وجود الاحتلال الانغلو أميركي في العراق لدعم مشروعهم الفيدرالي ومطلبهم بمدينة كركوك، وهو ما سيقود في النهاية إلى استقلال أكراد العراق، غير ان هذه النخبة الكردية، بسبب قصر نظرها، وقعت في محظور التعامل مع قوات الاحتلال، وهو ما لا يرضاه الشعب العراقي من جهة، واقتنصته وبمهارة الدول الاقليمية التي لن تألو جهداً في مواجهة المشاريع الكردية التي بدأت تأخذ مع قرب الانتخابات العراقية (كانون الثاني 2005)، بعدا أكثر سخونة، وقد جاءت تصريحات البرزاني خلال زيارته إلى طهران وانقرة ودمشق بشأن كركوك والفيدرالية تأكيداً للمشاريع الكردية المستقبلية.
صحيح أن هذه التصريحات التي أطلقها كل من الطالباني والبرزاني أرادت توجيه رسالة اقليمية، إلا أن غايتها بالدرجة الاولى هي كسب الشارع الكردي <<العراقي>>، واللعب بعواطفهم باعتبار كركوك <<قلب كردستان>> أو انها <<مدينة عراقية بهوية كردستانية>> كما تفتق به ذهن البرزاني مؤخراً.وما يزيد من خطورة الوضع في كركوك، هو هذه الرغبة الكردية في توظيف جميع العوامل من أجل فصل المدينة عن بقية العراق، وإتباعها إلى ادارة الحكم الذاتي القائمة في الشمال، بحيث يكون مشروع الاستقلال الكردي العراقي جاهزاً، ولكن هذا الوضع المعقد الذي أوجده الاكراد دفع عاصمتي الاحتلال: واشنطن ولندن للتحرك لفرملة <<الهيجان>> الكردي. وقد جاء تصريح سفير الولايات المتحدة في انقرة اريك اديلمان تعبيراً عن انزعاج بلاده من سلوك القيادات الكردية، خصوصاً تأكيده أن كركوك لا تعتبر جزءاً من الادارة الكردية، إلا أن زيارة وزير خارجية بريطانيا جاك سترو إلى شمال العراق واجتماعه بالقيادات الكردية شكلا تأكيداً لحرص لندن على وقف الاندفاعة الكردية قبل حصول اي احتكاك عسكري بين الاكراد والجماعات الاخرى في كركوك. وقد رأى سترو انه إذ لم يُعد الاكراد النظر في سياساتهم فإن ذلك سيؤثر على فرص نجاح المؤتمر الدولي الخاص بالعراق والذي سيعقد في القاهرة، وسيزيد من تدخلات دول الجوار في الشأن العراقي مما سيؤثر على سير الانتخابات المقبلة.
وكان تدخل سترو أساسيا في زيارة البرزاني إلى طهران وانقرة ودمشق لاعطاء تطمينات بأن يكون الاكراد عامل استقرار في منطقة الشمال، لان اي انفجار في كركوك سيعني حريقاً أكبر في العراق عموماً، فهل تثبت القيادات الكردية حكمتها وعقلانيتها في مواجهة المخاطر المستقبلية التي لن يكون الاكراد بمعزل عنها؟ خصوصاً ان الاستفتاء الذي يطالب به الاكراد في الشمال دفع الجماعات الاخرى من عرب وتركمان وكلدو آشوريين للمطالبة بأن يشمل الاستفتاء جميع الشعب العراقي ليقول رأيه إذا كان سيوافق على الفيدرالية العرقية وضم كركوك إلى الادارة الكردية، لا سيما ان هذه المدينة تقع خارج سيطرة هذه الادارة مباشرة كما أشار إلى ذلك احصاء 1957. ولكن تصميم الاكراد في هذه المرحلة على صب الزيت فوق شعلة كركوك يسير حالياً ضد توجه القيادات العراقية الجديدة ومن يدعمونها في واشنطن ولندن للحفاظ على وحدة البلاد تحت القبضة العسكرية، وقد تعهد هؤلاء بأن يتم تنظيم العراق كديموقراطية تحكمها الاغلبية بالتنسيق مع الامم المتحدة وقوات الاحتلال (الانغلو أميركي) بعد التأكد من تفاصيل الوضع السكاني في المدينة التي يعتقد ان السكان الاكراد والتركمان لا يتساوون فيها بحسب احصاء 1957، ولكن بالرغم من الهجرة المكثفة للاكراد إلى المدينة إلا انهم لا يزالون اقلية فيها، ولذلك محاولتهم الدؤوبة ضم بعض الاقضية القريبة من كركوك إلى المدينة، ما قد يساعد الاكراد ليشكلوا الاغلبية بحجة ان هذه الاقضية كانت أساساً تابعة لكركوك.
وترشح كل هذه التطورات كركوك خاصة وشمال العراق لتداعيات مثيرة بين الاكراد أنفسهم، بالرغم من الاتفاق المبدئي بين الفصيلين الكرديين للتنسيق والتعاون المشترك لمواجهة المرحلة المقبلة، إذ لا يستبعد ان تتحول كركوك إلى ساحة للتنافس بين الفصائل الكردية بعدما سبق الطالباني منافسه البرزاني في السيطرة على المدينة، غير ان ازدياد روائح الفساد داخل حزب البرزاني والانقسامات التي بدأت تطال الاتحاد الوطني الكردستاني، تشير إلى المأزق الذي تعيشه القيادات الكردية، وهو ما يفتح الباب أمام قيادات كردية عراقية جديدة تؤسس لطريق ثالث يقود الاكراد إلى التفاعل مع بقية العراقيين، الامر الذي سيشكل انتصاراً تاريخياً للحركة الكردية التي كانت ضحية قيادات جعلت شعارها منذ منتصف القرن الماضي: يعيش الملك وتموت البيادق!
() كاتب سوري
نظام مارديني
في لعبة الشطرنج، تموت البيادق لينجو الملك، غير أن هذا لا يوجد فقط على رقعة الشطرنج. فساحة أكراد العراق تبدو كهذه الرقعة ولكنها لا تمتد ببعد النظر بسبب السياسات القاصرة للقيادات الكردية. غير أن المساس بهذه القيادات ما زال يعد من المحرمات في لاوعي الجماهير الكردية حتى ولو كانت سياسات قياداتها قصيرة النظر.
في ضوء هذه الرؤية يجب النظر إلى كركوك كضحية مباشرة لقصر النظر في توجه الزعيمين الكرديين جلال الطالباني ومسعود البرزاني اللذين حاولا التأثير في اعتبار الأكراد ضحايا للعبة سياسية، مستفيدين قدر الامكان من وجود الاحتلال الانغلو أميركي في العراق لدعم مشروعهم الفيدرالي ومطلبهم بمدينة كركوك، وهو ما سيقود في النهاية إلى استقلال أكراد العراق، غير ان هذه النخبة الكردية، بسبب قصر نظرها، وقعت في محظور التعامل مع قوات الاحتلال، وهو ما لا يرضاه الشعب العراقي من جهة، واقتنصته وبمهارة الدول الاقليمية التي لن تألو جهداً في مواجهة المشاريع الكردية التي بدأت تأخذ مع قرب الانتخابات العراقية (كانون الثاني 2005)، بعدا أكثر سخونة، وقد جاءت تصريحات البرزاني خلال زيارته إلى طهران وانقرة ودمشق بشأن كركوك والفيدرالية تأكيداً للمشاريع الكردية المستقبلية.
صحيح أن هذه التصريحات التي أطلقها كل من الطالباني والبرزاني أرادت توجيه رسالة اقليمية، إلا أن غايتها بالدرجة الاولى هي كسب الشارع الكردي <<العراقي>>، واللعب بعواطفهم باعتبار كركوك <<قلب كردستان>> أو انها <<مدينة عراقية بهوية كردستانية>> كما تفتق به ذهن البرزاني مؤخراً.وما يزيد من خطورة الوضع في كركوك، هو هذه الرغبة الكردية في توظيف جميع العوامل من أجل فصل المدينة عن بقية العراق، وإتباعها إلى ادارة الحكم الذاتي القائمة في الشمال، بحيث يكون مشروع الاستقلال الكردي العراقي جاهزاً، ولكن هذا الوضع المعقد الذي أوجده الاكراد دفع عاصمتي الاحتلال: واشنطن ولندن للتحرك لفرملة <<الهيجان>> الكردي. وقد جاء تصريح سفير الولايات المتحدة في انقرة اريك اديلمان تعبيراً عن انزعاج بلاده من سلوك القيادات الكردية، خصوصاً تأكيده أن كركوك لا تعتبر جزءاً من الادارة الكردية، إلا أن زيارة وزير خارجية بريطانيا جاك سترو إلى شمال العراق واجتماعه بالقيادات الكردية شكلا تأكيداً لحرص لندن على وقف الاندفاعة الكردية قبل حصول اي احتكاك عسكري بين الاكراد والجماعات الاخرى في كركوك. وقد رأى سترو انه إذ لم يُعد الاكراد النظر في سياساتهم فإن ذلك سيؤثر على فرص نجاح المؤتمر الدولي الخاص بالعراق والذي سيعقد في القاهرة، وسيزيد من تدخلات دول الجوار في الشأن العراقي مما سيؤثر على سير الانتخابات المقبلة.
وكان تدخل سترو أساسيا في زيارة البرزاني إلى طهران وانقرة ودمشق لاعطاء تطمينات بأن يكون الاكراد عامل استقرار في منطقة الشمال، لان اي انفجار في كركوك سيعني حريقاً أكبر في العراق عموماً، فهل تثبت القيادات الكردية حكمتها وعقلانيتها في مواجهة المخاطر المستقبلية التي لن يكون الاكراد بمعزل عنها؟ خصوصاً ان الاستفتاء الذي يطالب به الاكراد في الشمال دفع الجماعات الاخرى من عرب وتركمان وكلدو آشوريين للمطالبة بأن يشمل الاستفتاء جميع الشعب العراقي ليقول رأيه إذا كان سيوافق على الفيدرالية العرقية وضم كركوك إلى الادارة الكردية، لا سيما ان هذه المدينة تقع خارج سيطرة هذه الادارة مباشرة كما أشار إلى ذلك احصاء 1957. ولكن تصميم الاكراد في هذه المرحلة على صب الزيت فوق شعلة كركوك يسير حالياً ضد توجه القيادات العراقية الجديدة ومن يدعمونها في واشنطن ولندن للحفاظ على وحدة البلاد تحت القبضة العسكرية، وقد تعهد هؤلاء بأن يتم تنظيم العراق كديموقراطية تحكمها الاغلبية بالتنسيق مع الامم المتحدة وقوات الاحتلال (الانغلو أميركي) بعد التأكد من تفاصيل الوضع السكاني في المدينة التي يعتقد ان السكان الاكراد والتركمان لا يتساوون فيها بحسب احصاء 1957، ولكن بالرغم من الهجرة المكثفة للاكراد إلى المدينة إلا انهم لا يزالون اقلية فيها، ولذلك محاولتهم الدؤوبة ضم بعض الاقضية القريبة من كركوك إلى المدينة، ما قد يساعد الاكراد ليشكلوا الاغلبية بحجة ان هذه الاقضية كانت أساساً تابعة لكركوك.
وترشح كل هذه التطورات كركوك خاصة وشمال العراق لتداعيات مثيرة بين الاكراد أنفسهم، بالرغم من الاتفاق المبدئي بين الفصيلين الكرديين للتنسيق والتعاون المشترك لمواجهة المرحلة المقبلة، إذ لا يستبعد ان تتحول كركوك إلى ساحة للتنافس بين الفصائل الكردية بعدما سبق الطالباني منافسه البرزاني في السيطرة على المدينة، غير ان ازدياد روائح الفساد داخل حزب البرزاني والانقسامات التي بدأت تطال الاتحاد الوطني الكردستاني، تشير إلى المأزق الذي تعيشه القيادات الكردية، وهو ما يفتح الباب أمام قيادات كردية عراقية جديدة تؤسس لطريق ثالث يقود الاكراد إلى التفاعل مع بقية العراقيين، الامر الذي سيشكل انتصاراً تاريخياً للحركة الكردية التي كانت ضحية قيادات جعلت شعارها منذ منتصف القرن الماضي: يعيش الملك وتموت البيادق!
() كاتب سوري