إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

التظاهرة الصدمة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التظاهرة الصدمة

    التظاهرة الصدمة
    جوزف سماحة




    تظاهر أمس، في بيروت، عمال سوريون انضم إليهم فلسطينيون من المخيمات وعدد غير معروف من عناصر <<الحرس الثوري الإيراني>>. لم ينجح هؤلاء سوى في استنفار عشرات الآلاف. لوحظ وجود عدد من اللبنانيين. ثبت أن أموالاً طائلة دُفعت لقاء يوم العمل الاستثنائي هذا. لا بل إن أغذية وُزعت. ثمة حافلات عبرت الحدود. لم تثمر الضغوط على اللبنانيين، ولا الإغراءات، ولا إقفال المدارس، ولا الإضراب الجزئي، في حمل <<شعبنا>> على المشاركة. وأمكن لمراقبين محايدين تسجيل بقاء الملايين في أعمالهم ومنازلهم وذلك في مظهر من مظاهر المقاومة السلبية نادر المثيل. لقد تأكد، أمس، وبالملموس، أن الإجماع متحقق على تأييد القرار 1559 بكامل بنوده، وبات في وسع المجتمع الدولي أن يطمئن إلى صوابية سياسته. لم يعد ناقصاً سوى ضغط محدود حتى ينهار الوضع الهش ويجرف في طريقه التحالف الحاكم المعزول. اللبنانيون، صفاً واحداً، هم ضد سلاح <<حزب الله>> وضد العلاقة المميزة مع سوريا. ولقد بلغ الهزال بالقوى الحاكمة حداً يجعلها عاجزة عن أن تكون تشاوشسكو.
    هذه عينة عمّا قد نقرأه ونسمعه اليوم. التظاهرة تبدّت بصفتها <<لا حدث>>. ما قيل قبلها يقال بعدها.
    سيؤكد بعض المعارضة أنه يقيم خلطاً بين <<المبدئية>> والعناد. السبيل إلى ذلك سهل: سلوك طفولي يواجه الواقع بإغماض العينين.
      
    حسمت تظاهرة أمس جدلاً. أو هكذا يفترض. أن في لبنان قوى أصيلة، راسخة، نافذة، تعارض القرار 1559 ومضامينه. إلا أن هذه القوى كادت تقع، أو هي وقعت، في تناقض يؤخذ على المعارضات. لقد أكدت، من جهة، أن التظاهرة غير موجهة <<إلى الداخل>> لاستفزازه، غير أنها زعمت، بالمقابل، أن لا داخل معرضاً للاستفزاز لأن لبنان كله كان أمس، ولو رمزياً، في ساحة الشهداء والشوارع المفضية إليها.
    كلا، لم يكن لبنان كله في التظاهرة. وإذا كانت وظيفتها نقل الخطأ من ميل إلى ميل فهي وظيفة بائسة. وليس من الجائز أن يكون قدر لبنان البقاء كياناً مجرداً ينطق باسمه معارضون بألف متظاهر حتى إذا احتشد أكثر منهم بكثير بعد أيام تولى الأخيرون المهمة في رد على الإقصاء بإقصاء.
    الحقيقة أن البلد منقسم. ولا يكون المرء يعبّر عن أي موقف سياسي إذا مال إلى القول بأن أكثرية عددية من اللبنانيين تميل إلى الموقف المعبّر عنه أمس. هذا تقرير واقع وليس انحيازاً، ولو أنه لا ينبذ هذا الانحياز.
    ليس الحديث، هنا، عن أكثرية عددية من <<أفراد>>. إنه حديث عن أكثرية متشكلة بالطريقة الخاصة للحياة السياسية اللبنانية. فالموقف الفردي يمر بعدد من المصافي التي تعيد توليفه فينتهي، أحياناً، على غير ما انطلق. تتوسط جماعات وهيئات عديدة بين لحظة اتخاذ الموقف ولحظة التعبير عنه، وترغمه على سلوك قنوات، فتكون النتيجة هذا الاصطفاف الراهن للقوى: ثمة أكثرية وثمة أقلية.
    لمزيد من الوضوح يجدر التأكيد أن الأكثرية في لبنان ذات قاعدة إسلامية واضحة مع اختراق مسيحي جدي. أما الأقلية فذات قاعدة مسيحية مؤكدة مع اختراق إسلامي أقل جدية. لا فائدة من إنكار هذه الحقيقة. ولا مبرر، ربما، لإغراق التكاذب في آداب المخاطبة والتعفف السمج عن تسمية الأشياء بأسمائها. إن الانقسام اللبناني بين أكثرية سياسية وأقلية سياسية هو، في جانب أساسي منه، انعكاس للتوازن الديموغرافي في البلد، وهو توازن آيل إلى مزيد من الاختلال.
    هذا واقع. جارح طبعاً وواجب التغيير، لكنه واقع راهن. ولعل المشكلة الأكبر هي ثبات التماهي بين السياسة والديموغرافيا بحيث تفقد الأولى معناها النبيل ويصبح تداول السلطة مرهوناً بالإنجاب وسياسات تحديد النسل أو عدم تحديده. ثم إن ثبات التماهي يجعل الصراع يتركز في المنطقة الرمادية التي يسعى كل طرف إلى تلوينها بلونه زاعماً أن كسبها يؤمّن له نصاباً مفقوداً.
    إنكار حقيقة الانقسام اللبناني يترجم نفسه، أحياناً، باستبطان وعي شبه عنصري يقسم المواطنين إلى درجات متباينة الأهمية. فالمتظاهرون الأقل عدداً أكثر أهمية لأنهم من نوعية طائفية اجتماعية معينة. والنظرة إلى المتظاهرين الغفيرين تصبح إطلالة أرستقراطية ترى إليهم وكأنهم فاقدو الأهلية. لا يتم التعاطي مع متظاهري اليوم وكأنهم ناخبو الغد، ونصبح أمام خطر الانتكاس إلى ما قبل الاقتراع العام الذي ساوى <<الرعاع>> بالأسياد، وجعل التصويت مباحاً كما أوجد مساواة عبر الصوت الواحد بين أقوام لا مجال للمساواة في ما بينهم.
    لا أحد يدعو المعارضة إلى سحب مواقفها بعد التظاهرة. فليس الأكثر عدداً، هو المحق بالضرورة وإلا لكانت كل انتخابات كناية عن جولة واحدة فقط. إن المعارضة مدعوة، فحسب، إلى الاعتراف بوجود رأي آخر، هذا أولاً. وثانياً إلى <<التسامح>> مع فكرة أنها قد تكون أقلية.
    غير أن المعارضة اللبنانية عاجزة، حتى الآن، عن
    ذلك. إن هذا هو مأزقها الذي ترفض الإقرار به. إنها عاجزة عن تلاوة جملة مفيدة (هذه الجملة المفيدة) لأنها بذلك تتصرف كمن يخون مجلس الأمن (والكونغرس الأميركي) ويطعنه في ظهره. لقد بنى المجلس موقفه، وأصدر قراره، بناء على وجود أكثرية متوهمة، لا بل بناء على وجود ما يشبه الإجماع اللبناني. والمعارضة، إذا اعترفت ببديهية الانقسام، تحوّل القرار فوراً إلى تدخل في شؤون لبنانية داخلية وخلافية، وتفقده بالتالي مشروعيته، وتخسر قدرتها على الاستناد إليه. لذا فإنها تفضل الإقدام على <<خزعبلات>> تنقذها من الاضطرار إلى الاعتراف بأن لبنان بلد متعدد.
    مأزق المعارضة، في الجوهر، هو عجزها عن الاعتراف بوجود لبنانيين آخرين لا يشاطرونها الرأي.
    إلى ذلك فإن المعارضة مدعوة إلى جهد إضافي. فمن واجبها التمييز بين موقف الحكومة من دعم التظاهرة وبين أي صياغة حكومية لقانون الانتخاب. إن من حق الحكومة أن تكون طرفاً، وأن تشجع مؤيديها في الشارع. ولكن ليس من حق الحكومة أن تمنع معارضيها من التعبير عن رأيهم، وليس من حقها أن تكون طرفاً عند وضع قانون انتخاب يزوّر التمثيل الشعبي. وبهذا المعنى فإن هناك من يضيّع على نفسه فرصة الضغط لأهداف واقعية وذلك عبر الركض وراء سراب الدعوة إلى استقالة الحكومة بعد تراجع سراب لا شرعية العهد الممدد له.
    أخيراً، كان في وسع معارضة أقل غباء أن تعتبر تظاهرة أمس مناسبة للبحث في تعديل الصيغة الراهنة للعلاقات اللبنانية السورية وذلك على قاعدة أن دمشق يفترض أن تكون مطمئنة إلى نفوذها في لبنان، وإلى الوزن الراجح للميل الطوعي إلى التحالف والتنسيق معها.
    إن ردود الأفعال الأولى لأقطاب في المعارضة تظهر أن <<صدمة التظاهرة>> لم تكن فعالة. وإذا كان السجال اللبناني سيكرر نفسه متجاهلاً ما حصل أمس ففي ذلك ما لا يبشر بخير وفير.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X