إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

المحافظون الجدد: أخطر ظاهرة فكرية (الحلقة الثانية)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المحافظون الجدد: أخطر ظاهرة فكرية (الحلقة الثانية)

    المحافظون الجدد: أخطر ظاهرة فكرية (الحلقة الثانية)


    امبراطورية ديمقراطية تحكم العالم بمواصفات أميركية

    دراسة ـ خاص بموقع "إنباء" الإخباري ـ 4/12/2004
    محمد أ. الحسيني




    يكاد يتفق معظم الباحثين بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط على أن "تحوّلات" دراماتيكية طرأت على طريقة تعامل الإدارة الأميركية مع المنطقة، سواء على صعيد التدخلات العسكرية والسياسية المباشرة، أم على صعيد الارتقاء الشمولي في الخطاب الاستراتيجي باتجاه تسويق مشروع التغيير الذي يحمل شعار "الشرق الأوسط الكبير". وإذا رصدنا الوتيرة المتسارعة في فتح الملفات المتتالية، التي لجأت إليها هذه الإدارة في عهد جورج بوش الإبن، لوجدنا أن قادة دول المنطقة لم يستطيعوا استيعاب الكم الهائل من العناصر المستجدة، وبالتالي لم يتمكنوا من مجاراة تسارع الاستحقاقات الميدانية، وهم الذين اعتادوا الركون إلى "جماعات التفكير" التي أخذت على عاتقها رسم الصورة الجيوسياسية للمنطقة، والتي تعمل في المؤسسات الأميركية المعنية بالدراسات الاستراتيجية، الرسمية منها والخاصة.

    ولكن نظرة فاحصة، مع شيء من التأني، تقودنا إلى خلاصة مفادها أن شيئاً لم يتغير في رسالة وخلفيات وأهداف الإدارات الأميركية المتعاقبة، منذ نشوء مفهوم "الأمة الأميركية" حتى اليوم، باستثناء إدارة يتيمة غرّدت لفترة بسيطة خارج السرب، فسلك رئيسها جون كينيدي الطريق إلى هلاكه، وحفظ الذين خلفوه الدرس. إلا أن كل هؤلاء، باستثناء جورج بوش الإبن، لم يكن أشد وضوحاً في الإعلان عن واقع هذه الأهداف المبنية على أسس وجذور فلسفية تحمل اتجاهات عالمية بعناوين برّاقة، وفي مقدمتها الديمقراطية والعدالة والحرية. ولعل النفوذ الكبير الذي وصل إليه "المحافظون الجدد" داخل المؤسسات الأميركية وضمن منظومة الحكم الأميركي، قد يكون من الأسباب الرئيسية التي دفعت بوش الإبن وإدارته من "المحافظين الجدد" إلى أن يخاطبوا حكام وشعوب المنطقة، بقدر كبير من الازدراء بالقول: "إذا لم تروا، ولم تقرأوا، ولم تستوعبوا..هذا ما أردناه ونريده لكم، أما زلتم لا تصدّقون؟!".

    واستكمالاً للحديث عن الجذور الفلسفية لـ"المحافظين الجدد"، يرى الملهم الأول لهؤلاء مؤرخ الفلسفة والعالم الأنثروبولوجي كلود ليفي شتراوس (1899 – 1973)، أن اليهودية والإسلام يتضمنان رؤية متعالية في ما يتعلق بالمبادئ الإلهية والحديث عن الوحدانية، وشرائع وقوانين للعوام تنظم حياتهم، ويعتبر هذين الاتجاهين يشكلان "الحد الأدنى" لتفهم التجربة الإغريقية والأفلاطونية، والتوافق معهما. واستناداً إلى هذا الفهم التجريدي للأديان السماوية ينطلق شتراوس، من عملية استيحاء مباشرة لنظرية "المدينة الفاضلة" و"الدولة الكاملة"، في صياغة بصماته التي تركت أثرها البالغ على فكر "المحافظين الجدد"، وذلك عن طريق فكرتين اثنتين أوردهما في كتابه "الفلسفة والقانون". الأولى: فكرة النخبة العالمة والنزيهة التي تمتلك المعرفة، وتريد السلطة لإنفاذ معرفتها وحكمتها في خير البشرية، والثانية: فكرة مكافحة النسبية في القيم والأفكار. ويرى البعض أن هذه الأفكار جاءت على إثر التداعيات التي طرأت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وردة فعل على ما قيل عن مذابح ارتكبها نظام أدولف هتلر النازي ضد اليهود. وعليه يؤمن شتراوس أنه "لا أمل للأقلية باعتبارها نخبة متميزة، لا تعادي العامة أو الأكثرية، بل تضعها تحت حكم القانون، وتعمل هي في آفاق الرؤية والتخطيط".

    هذه المقولة "البنيوية" قد تكون إطاراً مناسباً للربط بين الرؤى والمنطلقات الفلسفية التي ينادي بها "المحافظون الجدد"، وبين ممارسة هذه الأفكار والمعتقدات على ارض الواقع في المرحلة الراهنة، وهي بالتالي تدفعنا للعودة قليلاً في التاريخ القريب لنستحضر نشوء هذه الفئة، وكيفية تطور أفكارها. فقد كان "المحافظون" يفضلون المواجهة غير المباشرة واستيعاب الاتحاد السوفياتي، إلا أن "المحافظين الجدد" كانوا يضغطون باتجاه المواجهة المباشرة التي أصبحت علة وجودهم في السبعينات والثمانينات. ويتمثل دافعهم إلى هذه القناعة في إنكار "النسبية الأخلاقية"، إذ أن "الحقيقة الفلسفية لا تقبل التسويات، وهي عندما تصل إلى السياسة، من خلال فلسفتها، فإنها تهبها مضامينها وقوامها الأخلاقي الذي تحتضنه النخبة وتسعى لإنفاذه من دون تنازلات أو مفاوضات أو تسويات".

    تميّز خطاب "المحافظين الجدد" إلى أمد غير قصير بالباطنية، وكانوا يشكلون إلى حد جمعية سرية هدفها التلاعب بالسياسة الأميركية لغايات بعيدة، واعتمدوا في أصولهم الفكرية على معتقدات وشعارات الفيلسوف الأميركي كلود ليفي شتراوس، والقائد البلشفي ليون تروتسكي (1879 –1940). وأطلقت الجماعات اليسارية المتطرفة تسمية "المحافظين الجدد" في منتصف سبعينيات القرن الماضي، تعبيراً عن عدائها لتلك المجموعة من المثقفين المتخرجين من كلية مدينة نيويورك المعروفة باسم "هارفرد البلوريتاريين"، الذين أتوا أطفالاً لـ"مهاجرين" يهود من الفقراء القادمين من أوروبا الشرقية، وكانت هذه المجموعة تعتبر نفسها ليبرالية ولكنها على خلاف مع المفكر اليساري المهيمن. وكان أفرادها يعملون كتاباً وصحافيين متخصصين في السياسة الأميركية الداخلية، ومنهم "دانيال باتريك موينيهان" و"جيمس ويلسون" و"جوناثان غلايزر" وإيرفنغ هوي، وأضفى هؤلاء شكوكاً على برامج "العقد الجديد" أو فكرة "لندون جونسون" حول "المجتمع العظيم".

    وركزت مجموعة أخرى من هؤلاء المثقفين اليهود على الشق الخارجي للسياسة الأميركية، خصوصاً مع تهالك موقع الولايات المتحدة إزاء الاتحاد السوفياتي في أعقاب حرب فييتنام، وبرز من بين هؤلاء "جين كيرباتريك" و"يوجين روستو"، "نورمان بيرهوريتز" و"إيرفنغ كريستول" الذي ولد في العام 1920، وهذا الأخير كان تروتسكي الهوى في شبابه، وعمل في إدارة الرئيس الأميركي "رونالد ريغان" لاحقاً، وكان اتخذ مع رفاقه موقعاً على يسار الحزب الديمقراطي، ثم انضموا تدريجياً إلى الحزب الجمهوري، وانقلبوا إلى الاتجاه المحافظ اعتباراً من الثمانينات وتحولوا نحو أقصى اليمين. وقد أيّد هؤلاء الأهداف المثالية التي نادى بها الرئيس "وودرو ويلسون" في سبيل نشر التجربة الأميركية في العالم في المجالات الثقافية والفكرية والاقتصادية، ولكنهم عارضوا لجوءه إلى المؤسسات الدولية للاحتكام في النزاعات، ورأوا أن القوة هي السبيل الوحيد لتحقيق هذه الأهداف.

    يقول "مارك جيرسون"، مؤلف كتاب "المحافظون الجدد كتاب للقراءة"، إن "المحافظين الجدد" يشكلون قوة فكرية على درجة عالية من التأثير في الفكر السياسي الأميركي، ويضيف: "مع أن معظم المحافظين الجدد مفكرون سياسيون إلا أنهم يعرضون آراءهم من خلال رؤية فلسفية ذات ارتباط بالسياسة، ويرون أن العالم في النهاية محكوم بالأفكار". ويرى "جيرسون" أن هؤلاء أقاموا مواقفهم السياسية على أفكار منسوبة إلى اليسار، وأن كل موقف اتخذوه أو نقاش انخرطوا فيه، كان رداً على أفكار ليبرالية رئيسية. وكان الصحافي الأميركي مايكل ليندت، الذي كتب لمجلة "نيو ستايتسمان" البريطانية اليسارية، أبرز من تحدث عن "الحركة التروتسكية – الأميركية"، اليهودية في معظمها، وقال ليندت إن "معظم مثقفي الدفاع من المحافظين الجدد..هم نتاج لها". ورأى أن "المحافظين الجدد يصفون أيديولوجيتهم الثورية بأنها ويلسونية.. لكنها في الواقع نظرية تروتسكي حول الثورة الدائمة ممزوجة مع نزعة ليكودية يمينية متطرفة من الصهيونية".

    تظهر النزعة التروتسكية لـ"المحافظين الجدد المؤسسين" من خلال تحويل شعار "ثورة البروليتاريا" إلى شعار "الثورة الديمقراطية العالمية". (أورد الرئيس الأميركي جورج بوش هذه الفكرة في خطاب ألقاه لمناسبة الذكرى العشرين لتأسيس الصندوق القومي للديمقراطية في واشنطن، في تشرين الثاني 2003). وكان صموئيل هنتينغتون صاحب نظرية "صراع الحضارات" واضحاً في ترجمة هذه النزعة المتجددة من خلال طرحه أن "بإمكان الأميركيين أن يختاروا واحدة من ثلاث رؤى رئيسية لتحديد علاقتهم مع الخارج. الأولى هي العالمية، أي أن تستوعب الولايات المتحدة العالم كله، أفكاره، سلعه، وبالأخص شعوبه. ووفق هذه الرؤية تصبح الولايات المتحدة متعددة الإثنيات والأعراق والثقافات.. والنتيجة إعادة ترتيب العالم كله. والرؤية الثانية هي الإمبريالية وهذا يعني أن تعيد الولايات المتحدة ترتيب العالم والنتيجة تفوق القوة والقيم الأميركية. أما الرؤية الثالثة فهي القومية، فـ"أميركا مختلفة وشعبها يعترف ويقبل بما يميزه عن الآخرين". ويختصر هنتينغتون هذه الخيارات الثلاثة بجملة واحدة: "أميركا تصبح العالم، العالم يصبح أميركا، أميركا تبقى أميركا".

    يرى "المحافظون الجدد" العالم من خلال الولايات المتحدة كقوة عظمى لا يمكن الوقوف بوجهها وعصية على التحديات وإنها بمثابة "سيطرة للخير على العالم". كما يعتقدون أن على الولايات المتحدة إرساء امبراطورية تسهم في فرض ديمقراطيات وحكومات ليبرالية اقتصادية بدل الحكومات الفاشلة والأنظمة المارقة التي تتركز خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، وتشكل تحدياً للولايات المتحدة أو لمصالحها، وبالتالي يجب فرض الديمقراطية في هذه المناطق التي تعد قاعدة للإرهابيين، وهذا الأمر لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة فقط بل في مصلحة العالم كله. ويمكن للعالم أن يتوصل إلى سلام دائم فقط من خلال ولايات متحدة تمتلك قوة معتبرة وليس اتفاقات ضعيفة لا يحترمها الطغاة.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة وهج الإيمان, يوم أمس, 03:25 AM
ردود 0
6 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة وهج الإيمان
بواسطة وهج الإيمان
 
أنشئ بواسطة وهج الإيمان, يوم أمس, 03:23 AM
ردود 0
6 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة وهج الإيمان
بواسطة وهج الإيمان
 
أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 30-06-2024, 10:47 PM
ردود 0
80 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة وهج الإيمان
بواسطة وهج الإيمان
 
أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 14-07-2023, 11:53 AM
استجابة 1
114 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة وهج الإيمان
بواسطة وهج الإيمان
 
أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-12-2021, 11:24 AM
استجابة 1
211 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة وهج الإيمان
بواسطة وهج الإيمان
 
يعمل...
X