لم يدرك الجاحظ حياة الإمام جعفر بن محمد الصادق، فالإمام توفي سنة 148 هـ، بينما كانت ولادة الجاحظ في حدود سنة 159 هـ، فبين وفاة الإمام وولادة الجاحظ 11 سنة تقريبا، ولكن شيخ الجاحظ وهو أبو عبيدة معمر بن المثنى عاصر الإمام الصادق.
الجاحظ في كتابه (البيان والتبيُّن ـ ص 259) ينقل عن شيخه معمر أن الإمام جعفر الصادق روى أن علي بن أبي طالب قد قال في بعض خطبه:
(إن أبرارَ عترتي وأطايبَ أرومتي أحلمُ الناسِ صغارًا، وأعلمُهم كبارًا، ألا وإنّا مِن أهلِ بيتٍ مِن عِلم اللهِ علِمْنا، وبحكمِ اللهِ حَكمْنا، ومِن قولِ صادقٍ سمعنا، وإنْ تتبعوا آثارَنا تهتدوا ببصائرِنا، وإن لم تفعلوا يهلكْكم اللهُ بأيدِينا، معنا رايةُ الحقِ، مَن تبِعنا لحِق، ومن تأخر عنا غرِق، ألا وإن بنا تُردُّ دِبْرة كل مؤمن، وبنا تُخلع رِبقةُ الذل من أعناقِكم، وبنا فُتح، وبنا خُتم لا بكم)
هذا الكلام البليغ نقله الجاحظ عن شيخه معمر، وشيخه نقله عن الإمام جعفر، والإمام نقله عن آبائه عن علي بن أبي طالب كما قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (1 / 237)، وابن أبي الحديد قد علَّق على هذه الخطبة العلوية بقوله: (وهذه الخطبة من جلائل خطبه -عليه السلام- ومن مشهوراتها، قد رواها الناسُ كلُهم) .
فهذه خطبة ثابتة عن علي ورواها غير الشيعة أيضا كالجاحظ عن شيخه معمر عن الإمام الصادق، وفيها أمور، ومنها:
الأول : أن عليا والأبرار من عترته هم أحلم وأعلم الناس.
الثاني : علمُهم وحكمُهم من الله.
الثالث : راية الحق معهم لا مع غيرهم.
الرابع : عدم اتباعهم يعني الهلاك والغرق.