تقدير افتراضي
لحسابات <<حزب الله>>
جوزف سماحة
كان <<حزب الله>> قبل التحرير وبعده مطمئنا إلى حد ما، إلى حد بعيد، إلى الوضع الداخلي اللبناني. كان يشعر أن ظهره محم وأن أمنه الإجمالي متوفر.
من حقه، اليوم، أن يكون قلقاً. ثمة عناصر مهمة في البنية السابقة تخرج جزئياً أو كلياً من المعادلة، أو أنها تتصدع وتوشك على الانهيار. القوات السورية الداعمة للمقاومة تغادر وهي في طريقها إلى الخروج النهائي. يبقى الدور السوري، ولكنه، هو الآخر، سيتعرض إلى حصار شديد ربما أبطل فعاليته. وكانت الشرعية اللبنانية، خاصة في ظل عهد إميل لحود، تؤمّن للمقاومة تغطية سياسية ثمينة. يخطئ مَن يقلّل من أهمية ذلك ومَن يستخف بوزن ما يمكن ل<<الدولة>> أن توفره عبر توزيع العمل المعتمد بينها وبين الحزب. وحتى مَن لم يكن جزءاً عضوياً من العهد، الرئيس الشهيد رفيق الحريري مثلاً، لم يكن بعيداً عن تقديم مساهمات ثمينة. ومَن يقل تغطية الشرعية يقل في السياق نفسه نوعاً من التكامل مع الجيش اللبناني وقدراً عالياً من التنسيق الأمني مع الأجهزة المعنية. إن الذين يتغنون بإنجاز التحرير ويغمضون أعينهم عن رؤية شروطه، وعن تفهّم مستلزماته، وعن تقدير الالتزامات المتبادلة في شأنه، إن هؤلاء إما حسنو النية يتجاهلون ضرورات خوض المواجهة مع أحد أقوى جيوش العالم وأقوى الاستخبارات، وإما سيئو النية يستدركون، اليوم، ما <<فاتهم>> من احتضان للمقاومة بالأمس.
ومن نافل القول إن القاعدة الشعبية للحزب، وهي قاعدة تعبّر عن نفسها في كل انتخابات ديموقراطية، كانت، فضلاً عن الجهوزية العسكرية، من عناصر الحماية. ولكن يفترض أن نضيف إلى هذين العاملين أنه كان يمكن الحديث عن ميل أكثرية لبنانية إلى التعاطف مع المقاومة خاصة في ظل تصرفاتها المسؤولة، والحكمة التي تبديها في خوض الصراع، وانعدام، أو ضآلة، الكلفة الاقتصادية لذلك. لم يعد الوضع على هذا النحو الآن. المعادون الخجولون غادروا خجلهم. المتحيّنون فرصة حانت فرصتهم. المترددون مالوا إلى ضفة أخرى. ويمكن الزعم أن أسئلة كثيرة تحوم حول حلفاء.
إن الانتفاضة الفلسطينية عنصر دعم للمقاومة في لبنان (والعكس صحيح)، وما بدا تعثراً أميركياً في العراق يصب في هذا السياق. والتباينات الأميركية الأوروبية حول قضايا الشرق الأوسط، بما في ذلك لبنان (راجع خطاب جاك شيراك في البرلمان اللبناني) لم تكن بعيدة عن تشكيل سند غير مباشر. ولكن الملاحظ أن الانتفاضة الفلسطينية مضطرة إلى احترام أجواء التهدئة، والتباينات الأطلسية متراجعة، والوضع العراقي بعيد عن أن يكون قال كلمته الأخيرة بما في ذلك جواباً على سؤال معقد: هل صعود شيعة العراق، بتوجهات القوى الغالبة فيهم، هو قوة لصالح <<حزب الله>> أم ضده؟إن من يقوم بجولة افتراضية في عقل أحد القياديين في <<حزب الله>> يرجح له أن يصادف هذه الهواجس كلها. ولا مجازفة في الادعاء بأن هذا القيادي يدرك أن الأرض تميد وأن المرحلة شديدة... الانتقالية!
ثمة خفة في انتقاد الحزب لشكره سوريا. علماً أن التظاهرة المعنية تعرّضت لتفسيرات مغرضة كثيرة وإن كانت، في الواقع، لا تخلو من أخطاء. وثمة خفة في اتهام الحزب بالتغطية على ممارسات أقدم عليها الحكم اللبناني. ربما كانت التغطية الاضطرارية جزءاً من تبادل لا محيد عنه. إلا أن الخفة المؤكدة موجودة لدى مَن يطالب الحزب بأن يكون موضوعاً للصراع من غير أن يكون طرفاً، على طريقته، فيه. وهذه خفة خبيثة لأنها توحي بأن هناك مَن يريد استسهال المنازلات السياسية ليربحها قبل أن يرتد إلى الحزب فيحاسبه.
لا يعني ما تقدم أن المراجعة مستبعدة. إنها أكثر من ضرورية. لقد توفر اطمئنان مبالغ فيه إلى أن حصيلة الإدارة السابقة للوضع اللبناني توفر مظلة الحماية المطلوبة. ولذا لم يبذل الجهد الكافي لتوفير شبكة الأمان اللازمة. لم يتم التصدي، كما يجب، لعملية التجويف التي تعرّض إليها الوضع اللبناني. وحصل تغاض مبالغ فيه عن الروافد التي تغذي الاستياء من السلطة، ومن العلاقات اللبنانية السورية، وترتد على موقع الحزب. ووجد هذا الأخير نفسه يدفع من رصيده ثمن تجاوزات لا علاقة له بها. لم تكن <<ظهرانيته>> كافية لسداد البدل الواجب عن الارتكابات كلها. ولكن إضافة إلى هذه العوامل يمكن الجزم بأن الحزب فوّت على نفسه فرصتين ثمينتين. الأولى هي أنه لم يستكشف تماماً إمكانية توفير الأطر الداعمة خارج البيئة المذهبية. وليس المقصود، هنا، تشكيل لجان فولكلورية لنصرة المقاومة. والثانية هي أنه عانى تأرجحاً، بعد التحرير، في شرح الأسباب الموجبة للاستمرار في الوضع الراهن.
كنا إذاً أمام بنية حامية. لكنها تتهاوى حالياً في معظم أركانها. يمكن التقدير أن هناك مَن يعي التحوّل، ومَن يكتشف ثغرات، ومَن يدرك أن عرض الحوار والتسوية يقتضي امتلاك أوراق من أجل تجديد التوافق. لكن هذا شيء وما نشهده شيء آخر.
هناك، في لبنان، مَن يتعاطى مع الحزب بتبسيطية مدهشة. إن الفكرة التي تتردد أكثر من غيرها هي دعوته إلى <<الالتحاق>> والإيحاء له بأن عليه أن يحجز مقعداً في النصاب الاستقلالي السيادي الناشئ والمتقدم نحو الأرجحية. تعلو الأصوات مطالبة حسن نصر الله بأن يغادر السفينة الغارقة نحو <<بر الأمان>>، ويقترن ذلك باستغراب لعدم سرعة التجاوب.
لنرَ، من موقع الحزب، <<بر الأمان الموعود>>. إنه، في الواقع أرض ملتبسة الجغرافيا والتضاريس. أكثر من ذلك، إنه أرض لا تفصح، منذ الآن، عن طبيعة القوى المتحكّمة فيها وبرامجها واستهدافاتها. قد يكون هذا البر براً ولكن الأمان ليس مؤكداً.
يتشكّل هذا البر من <<حليف>> لا يكف لسانه عن الزلل. إن قطع الحوار مع الحزب زلة لسان يمكن أن تتساوى معها زلة لسان التحالف الوثيق مع الحزب. ويتشكّل هذا البر من بيئة تطوّرت، وتغيّرت، وتعلمت من تجاربها السابقة، وتعترف بتمثيلية الحزب ووزنه لكنها متنوعة. بينها مَن لا يتصوّر حلاً يكون للحزب فيه دور، ككيان، في الردع. وبينها من يقترح تسويات تجمع بين أولوية الدولة ومركزيتها وبين خصوصية الحزب وذلك في <<تطوير>> للصيغة الحالية يأخذ بالاعتبار المعطيات المستجدة. وبينها قوى لم تقطع تماماً مع ماض غير مطمئن، وقوى تراهن على علاقات <<واعدة>> غير مطمئنة هي الأخرى، وقوى لا ترى في قوة الحزب إلا تهديداً للداخل.
ثم أن المطالب، حيال الحزب، قد تكون متدحرجة بحيث أن ما يطرح اليوم يجبّه الغد. أضف إلى ذلك أن لبنان ليس جزيرة معزولة وأن القوى المتدخلة فيه عاتية وجبارة وهي لا تخفي أن غايتها هي إنهاء ظاهرة المقاومة كلها. وفي هذه الحالة، وإذا كان لبنان هو الذي نعرفه، فما الضامن لصمود تسوية داخلية، وما الضامن لعدم كشف المخبوء لاحقاً، وما التوازن المحلي والإقليمي والدولي القادر على حماية أو إطاحة ما يتوافق عليه اللبنانيون؟
إن هذا البر يطرح أسئلة أكثر مما يقدم أجوبة. ليس غريباً، والحالة هذه، أن نصر الله اختار مخاطبة بهية الحريري تحديداً. ففي خطابها في ساحة الشهداء قدر من الوضوح القادر على فتح باب البحث. ولكن الأهم من ذلك هو أن في موقعها قدراً من الثبات الذي يوحي بأن في الإمكان التحديد الدقيق لمجالات التوافق والتباين.
إذا سلمنا بأن الحزب مدرك للتحول وعمقه وجب التسليم أيضاً بأن من واجبه التريث قبل <<الالتحاق>>. فالحزب قوة وجمهور وإنجاز ونموذج وعلاقات عربية وإسلامية، والحزب مؤتمن من قبل كثيرين، داخل لبنان وخارجه، على ما لا يمكنه التصرف به بسهولة. ثم أن الحزب حزب. بمعنى أن هناك من يسأل ويناقش ويحتج ويعترض ويوافق. إن أعضاء الحزب ليسوا رعية.
يمكن الافتراض أن <<حزب الله>> في جو هذه التساؤلات المقلقة. ولكن يمكن الجزم بأن من يدعوه إلى <<الالتحاق>> فوراً لا يصدر عن تقدير جدي لا لمعنى <<الحزبية>> النبيل ولا للديموقراطية التي يزعم أنها هدف نضاله.
لحسابات <<حزب الله>>
جوزف سماحة
كان <<حزب الله>> قبل التحرير وبعده مطمئنا إلى حد ما، إلى حد بعيد، إلى الوضع الداخلي اللبناني. كان يشعر أن ظهره محم وأن أمنه الإجمالي متوفر.
من حقه، اليوم، أن يكون قلقاً. ثمة عناصر مهمة في البنية السابقة تخرج جزئياً أو كلياً من المعادلة، أو أنها تتصدع وتوشك على الانهيار. القوات السورية الداعمة للمقاومة تغادر وهي في طريقها إلى الخروج النهائي. يبقى الدور السوري، ولكنه، هو الآخر، سيتعرض إلى حصار شديد ربما أبطل فعاليته. وكانت الشرعية اللبنانية، خاصة في ظل عهد إميل لحود، تؤمّن للمقاومة تغطية سياسية ثمينة. يخطئ مَن يقلّل من أهمية ذلك ومَن يستخف بوزن ما يمكن ل<<الدولة>> أن توفره عبر توزيع العمل المعتمد بينها وبين الحزب. وحتى مَن لم يكن جزءاً عضوياً من العهد، الرئيس الشهيد رفيق الحريري مثلاً، لم يكن بعيداً عن تقديم مساهمات ثمينة. ومَن يقل تغطية الشرعية يقل في السياق نفسه نوعاً من التكامل مع الجيش اللبناني وقدراً عالياً من التنسيق الأمني مع الأجهزة المعنية. إن الذين يتغنون بإنجاز التحرير ويغمضون أعينهم عن رؤية شروطه، وعن تفهّم مستلزماته، وعن تقدير الالتزامات المتبادلة في شأنه، إن هؤلاء إما حسنو النية يتجاهلون ضرورات خوض المواجهة مع أحد أقوى جيوش العالم وأقوى الاستخبارات، وإما سيئو النية يستدركون، اليوم، ما <<فاتهم>> من احتضان للمقاومة بالأمس.
ومن نافل القول إن القاعدة الشعبية للحزب، وهي قاعدة تعبّر عن نفسها في كل انتخابات ديموقراطية، كانت، فضلاً عن الجهوزية العسكرية، من عناصر الحماية. ولكن يفترض أن نضيف إلى هذين العاملين أنه كان يمكن الحديث عن ميل أكثرية لبنانية إلى التعاطف مع المقاومة خاصة في ظل تصرفاتها المسؤولة، والحكمة التي تبديها في خوض الصراع، وانعدام، أو ضآلة، الكلفة الاقتصادية لذلك. لم يعد الوضع على هذا النحو الآن. المعادون الخجولون غادروا خجلهم. المتحيّنون فرصة حانت فرصتهم. المترددون مالوا إلى ضفة أخرى. ويمكن الزعم أن أسئلة كثيرة تحوم حول حلفاء.
إن الانتفاضة الفلسطينية عنصر دعم للمقاومة في لبنان (والعكس صحيح)، وما بدا تعثراً أميركياً في العراق يصب في هذا السياق. والتباينات الأميركية الأوروبية حول قضايا الشرق الأوسط، بما في ذلك لبنان (راجع خطاب جاك شيراك في البرلمان اللبناني) لم تكن بعيدة عن تشكيل سند غير مباشر. ولكن الملاحظ أن الانتفاضة الفلسطينية مضطرة إلى احترام أجواء التهدئة، والتباينات الأطلسية متراجعة، والوضع العراقي بعيد عن أن يكون قال كلمته الأخيرة بما في ذلك جواباً على سؤال معقد: هل صعود شيعة العراق، بتوجهات القوى الغالبة فيهم، هو قوة لصالح <<حزب الله>> أم ضده؟إن من يقوم بجولة افتراضية في عقل أحد القياديين في <<حزب الله>> يرجح له أن يصادف هذه الهواجس كلها. ولا مجازفة في الادعاء بأن هذا القيادي يدرك أن الأرض تميد وأن المرحلة شديدة... الانتقالية!
ثمة خفة في انتقاد الحزب لشكره سوريا. علماً أن التظاهرة المعنية تعرّضت لتفسيرات مغرضة كثيرة وإن كانت، في الواقع، لا تخلو من أخطاء. وثمة خفة في اتهام الحزب بالتغطية على ممارسات أقدم عليها الحكم اللبناني. ربما كانت التغطية الاضطرارية جزءاً من تبادل لا محيد عنه. إلا أن الخفة المؤكدة موجودة لدى مَن يطالب الحزب بأن يكون موضوعاً للصراع من غير أن يكون طرفاً، على طريقته، فيه. وهذه خفة خبيثة لأنها توحي بأن هناك مَن يريد استسهال المنازلات السياسية ليربحها قبل أن يرتد إلى الحزب فيحاسبه.
لا يعني ما تقدم أن المراجعة مستبعدة. إنها أكثر من ضرورية. لقد توفر اطمئنان مبالغ فيه إلى أن حصيلة الإدارة السابقة للوضع اللبناني توفر مظلة الحماية المطلوبة. ولذا لم يبذل الجهد الكافي لتوفير شبكة الأمان اللازمة. لم يتم التصدي، كما يجب، لعملية التجويف التي تعرّض إليها الوضع اللبناني. وحصل تغاض مبالغ فيه عن الروافد التي تغذي الاستياء من السلطة، ومن العلاقات اللبنانية السورية، وترتد على موقع الحزب. ووجد هذا الأخير نفسه يدفع من رصيده ثمن تجاوزات لا علاقة له بها. لم تكن <<ظهرانيته>> كافية لسداد البدل الواجب عن الارتكابات كلها. ولكن إضافة إلى هذه العوامل يمكن الجزم بأن الحزب فوّت على نفسه فرصتين ثمينتين. الأولى هي أنه لم يستكشف تماماً إمكانية توفير الأطر الداعمة خارج البيئة المذهبية. وليس المقصود، هنا، تشكيل لجان فولكلورية لنصرة المقاومة. والثانية هي أنه عانى تأرجحاً، بعد التحرير، في شرح الأسباب الموجبة للاستمرار في الوضع الراهن.
كنا إذاً أمام بنية حامية. لكنها تتهاوى حالياً في معظم أركانها. يمكن التقدير أن هناك مَن يعي التحوّل، ومَن يكتشف ثغرات، ومَن يدرك أن عرض الحوار والتسوية يقتضي امتلاك أوراق من أجل تجديد التوافق. لكن هذا شيء وما نشهده شيء آخر.
هناك، في لبنان، مَن يتعاطى مع الحزب بتبسيطية مدهشة. إن الفكرة التي تتردد أكثر من غيرها هي دعوته إلى <<الالتحاق>> والإيحاء له بأن عليه أن يحجز مقعداً في النصاب الاستقلالي السيادي الناشئ والمتقدم نحو الأرجحية. تعلو الأصوات مطالبة حسن نصر الله بأن يغادر السفينة الغارقة نحو <<بر الأمان>>، ويقترن ذلك باستغراب لعدم سرعة التجاوب.
لنرَ، من موقع الحزب، <<بر الأمان الموعود>>. إنه، في الواقع أرض ملتبسة الجغرافيا والتضاريس. أكثر من ذلك، إنه أرض لا تفصح، منذ الآن، عن طبيعة القوى المتحكّمة فيها وبرامجها واستهدافاتها. قد يكون هذا البر براً ولكن الأمان ليس مؤكداً.
يتشكّل هذا البر من <<حليف>> لا يكف لسانه عن الزلل. إن قطع الحوار مع الحزب زلة لسان يمكن أن تتساوى معها زلة لسان التحالف الوثيق مع الحزب. ويتشكّل هذا البر من بيئة تطوّرت، وتغيّرت، وتعلمت من تجاربها السابقة، وتعترف بتمثيلية الحزب ووزنه لكنها متنوعة. بينها مَن لا يتصوّر حلاً يكون للحزب فيه دور، ككيان، في الردع. وبينها من يقترح تسويات تجمع بين أولوية الدولة ومركزيتها وبين خصوصية الحزب وذلك في <<تطوير>> للصيغة الحالية يأخذ بالاعتبار المعطيات المستجدة. وبينها قوى لم تقطع تماماً مع ماض غير مطمئن، وقوى تراهن على علاقات <<واعدة>> غير مطمئنة هي الأخرى، وقوى لا ترى في قوة الحزب إلا تهديداً للداخل.
ثم أن المطالب، حيال الحزب، قد تكون متدحرجة بحيث أن ما يطرح اليوم يجبّه الغد. أضف إلى ذلك أن لبنان ليس جزيرة معزولة وأن القوى المتدخلة فيه عاتية وجبارة وهي لا تخفي أن غايتها هي إنهاء ظاهرة المقاومة كلها. وفي هذه الحالة، وإذا كان لبنان هو الذي نعرفه، فما الضامن لصمود تسوية داخلية، وما الضامن لعدم كشف المخبوء لاحقاً، وما التوازن المحلي والإقليمي والدولي القادر على حماية أو إطاحة ما يتوافق عليه اللبنانيون؟
إن هذا البر يطرح أسئلة أكثر مما يقدم أجوبة. ليس غريباً، والحالة هذه، أن نصر الله اختار مخاطبة بهية الحريري تحديداً. ففي خطابها في ساحة الشهداء قدر من الوضوح القادر على فتح باب البحث. ولكن الأهم من ذلك هو أن في موقعها قدراً من الثبات الذي يوحي بأن في الإمكان التحديد الدقيق لمجالات التوافق والتباين.
إذا سلمنا بأن الحزب مدرك للتحول وعمقه وجب التسليم أيضاً بأن من واجبه التريث قبل <<الالتحاق>>. فالحزب قوة وجمهور وإنجاز ونموذج وعلاقات عربية وإسلامية، والحزب مؤتمن من قبل كثيرين، داخل لبنان وخارجه، على ما لا يمكنه التصرف به بسهولة. ثم أن الحزب حزب. بمعنى أن هناك من يسأل ويناقش ويحتج ويعترض ويوافق. إن أعضاء الحزب ليسوا رعية.
يمكن الافتراض أن <<حزب الله>> في جو هذه التساؤلات المقلقة. ولكن يمكن الجزم بأن من يدعوه إلى <<الالتحاق>> فوراً لا يصدر عن تقدير جدي لا لمعنى <<الحزبية>> النبيل ولا للديموقراطية التي يزعم أنها هدف نضاله.