بسه تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

صلوات ربي وسلامه على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين

الخلافة والإمامة مساهمة أولية في تحرير النزاع ...

أن مشكلة الخلاف القائم بين السنة والشيعة في موضوع الإمامة يمكن تجاوزه فعليا من خلال تحرير محل النزاع بين الفريقين , ولا يتم ذلك إلا من خلال تحديد دقيق لحقيقة الإمامة عند الشيعة وحقيقة الخلافة عند أهل السنة ..
والمتأمل في طبيعة التعريف للإمامة عند الفريقين يجدها مفهوما عاما مطلقا يراد بها القيادة بمعناها الأعم , حيث وجدنا الفريقين يعرفونها بكونها " رياسة عامة في أمور الدين والدنيا " لكن المحقق المدقق يجد أن هذا التعريف هو من ابتكارات المتأخرين من المتكلمين , وقد تحكم في طبيعة هذا التعريف وشموله الجدل الكلامي الحاصل بين السنة والشيعة ..لكن إذا عدنا قليلا إلى نصوص الصحابة وأهل البيت (ع) لوجدناها تسير بخلاف الزعم والمدعى ..حيث يلاحظ أن الإمامة كمفهوم لم يطرح من قبل الصحابة بما فيهم من تصدى لمشروع الخلافة النبوية , حيث نجد إقرار العديدين منهم بكونهم ليسوا أفضل من علي (ع) ولا أفقه منه ولا أقضى منه ..فأبو بكر قال لما تولى الخلافة : " وليت عليكم ولست بخيركم " وقال أيضا " لست بخيركم وعلي فيكم " فالإقرار بالخيرية لعلي (ع) وما لها من مدخلية في تحديد المرجعية الدينية للأمة , يعني بشكل أو بآخر أن الخلافة في مفهوم الصحابة أنفسهم كان الزعامة في أمور الدنيا لا الدين ..فهذا عمر بن الخطاب يقر بكونه ليس الأفقه بقوله " لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبا الحسن (ع) " بل أكد في خطابات كثيرة أن العديد من الصحابة افقه منه , حتى أنه قال " كل الناس أفقه منك يا عمر حتى النساء المخدرات في بيوتهن " ولقائل أن يقول أنه كان متواضعا أو ما شاكل ذلك , لكن ما من ضرورة لحمل ظاهر عباراته على هذا المحمل الذي لو كان حيا لما ارتضاه لنفسه ..
إن القيادة الدينية في منظور الصحابة وخصوصا الخليفة الاول والثاني كانت تتحدد وفق ضوابط الفقاهة والأعلمية والأقضائية وما شاكل ذلك , وكل ذلك محسوم لصالح أمير المؤمنين علي (ع) ولا يجادل في ذلك إلا مكابر ورافض للحق المبين ..فنصوص نبوية مستفيضة أشارت إلى علي بالأعلمية بعد رسول الله وبالأقضائية ..كقول رسول الله (ص) " أنا مدينة العلم وعلي بابها " وقول رسول الله (ص) " أقضاكم علي " وعلى ذلك المنوال سارت روايات كثيرة روتها جموغ غفيرة وفي القطع بصدورها ودلالتها ما يجلي الحيرة وينير البصيرة ..
ويؤكد منحى فصل القيادة الدينية عن السياسية في تفكير بعض الصحابة إن لم نقل جلهم قول عمر بن الخطاب " إن القوم كرهوا أن تجتمع في بني هاشم النبوة والملك " إن فصل النبوة عن الملك فكرة تقوم على تحييد ما هو ديني عن السياق السياسي في حياة الأمة ..ولعلها مؤشرات جنينية لنشأة خط التفكير العلماني في التراث الإسلامي ..وهي مسألة تحتاج إلى الكثير من الرصد وتسليط الأضواء لاستكناه خلفياتها وأبعادها الفكرية والاجتماعية ..
لكن الفكر السياسي السني الذي تبلور على يد متكلمين في عصر نشأة المذاهب الكلامية أعادوا صياغة مفهوم الإمامة بغرض سد الثغرة وملأ مساحة المرجعية الدينية من قبل السلطان في خطوة سلطانية كانت ترمي إلى إخضاع الحقل الديني ومجال الدعوة والإرشاد والقضاء إلى إيديولوجية الفئة الحاكمة ..
وأيضا كان الغرض قطع الطريق على الفكر السياسي الشيعي الذي يقيم مصالحة ومواءمة بين البعد الديني والبعد السياسي في الرسالة وفي حياة الأمة , فجاءت الاطروحة السياسية السنية في مراحلها الأخيرة مشابهة للأطروحة الشيعية ..
لكن الشيعة بدورهم في تناولهم لمفهوم الإمامة كلاميا غلبوا البعد السياسي في الإمامة انجرارا وراء بحوث كلامية لأهل السنة , ولذلك أسسوا مجموعة من الادلة على عصمة الإمامة بناء على معطى جوهري وهو أن الأمة لا تلتف حول زعيم دولة غير معصوم وتنفر منه ومن هنا يتحقق نقض الغرض وهو من الحكيم تعالى قبيح لا يجوز نسبته إليه بحال من الأحوال ..وطرحت الزعامة السياسية (الخلافة ) كمرادف للإمامة , والحق أن بينها وبين الإمامة علاقة منطقية وهي كونها من اللازم المفارق للإمامة , وسنوضح في الحلقة القادمة : كيف أن االخلافة من اللازم المفارق للإمامة وليست مباينة لها ولا مطابقة لها ولا هي من اللازم الذاتي ..